~ حِـكــآيةُ حُ‘ـلمٍ ♫
2012-04-07, 09:49
http://4.bp.blogspot.com/_JjKJSk4FUpE/SwFlm4Oxc_I/AAAAAAAAGAE/PIcbvCyUQPM/s320/rain.jpg (http://4.bp.blogspot.com/_JjKJSk4FUpE/SwFlm4Oxc_I/AAAAAAAAGAE/PIcbvCyUQPM/s400/rain.jpg)
الجوُ غائم كالعادة ، ريح قوية و باردة تهبُ على المكان ، و الامطار تتهاطل بغزارة دون انقطاع
رائع ! الشوارع ستكون فارغة بالتأكيد ، لن أجد فرصة احسن من هذه للتجول هنا و هناك !
ارتديتُ ملابسي و خرجتُ مسرعة بحجة واهية : سأقضي حاجة ضرورية و أعود في الحال .
امي تعلم تمام العلم أن هذه الجملة تعني : قد أتأخر و لن أستطيع الحظور الغذاء .
فقالت مهددة : ان لم تصطحبي احدى بنات خالتك معك ، فالوحيدة التي ستخرج هي الروحُ من جسدك !
و للأسف كان هذا خياري الوحيد طاعتها ، و الا كانت لتفعلها حقا !
قصدتُ بيت خالتي و اصطحبتُ معي أصغر بناتها ، التي لم تكمل عامها التاسع بعد على ما أذكر .
لم أخترها هي حبا فيها ، إنما لأني أعلم أنها أكثرهن طاعة و التزما بالأوامر ، كما أنها أكثرهن هدوءً .
بالرغم من ذلك كان أول ما نطقتُ به بعد خروجنا : إن سمعت كلمة واحدة ، ستكون نهايتك على يدي ايتها الصغيرة !
لا تستغربوا :) ، التهديد شيء متوارث في عائلتي .
- قصدت اللامكان ، فكل ما اردته في النهاية هو الهروب من البيت و الملل الذي عشش فيه !
بينما كنت سارحة في أفكاري ، قطعت علي ابنة الخالة مرام تلك اللحظات الهادئة ،
لتصرخ : أريد حلوى الان.
رمقتها بنظرة مخيفة ، نظرة تعني استمري في صراخك و سيكون الجحيم أول ما ستنالينه مني أيتها الصغيرة .
ابتلعت صرختها تلك في خوف عظيم ، كادت عيناها تفيضان بالدموع .
رغم هذا ، امسكت يدي ، و استمرت في التقدم معي نحو المجهول .
لم أستطع احتمال منظرها و هي تحاول كبت دموعها ، فأنا أملك ضميرا مزعجا حقا .
أذكر مرة أني تناولت قطعة حلوى و رميت غلافها في الأرض ، تقدمت خطوة ، خطوتين ، ثلاث ، بل أربع .
ثم عدت و تناول الغلاف ، لأني أعلم جيدا أنني لن استطيع النوم مع هذا الضمير البائس !
نعود إلى مرام التي " غاضها الحال مني "
كانت الوسيلة الوحيدة لترضيتها هي اصطحابها الى محل الحلوى القريب منا ، وقد فعلت ذلك و يا ليتني لم أفعل !
فقد كان البائع مجرد شاب عابث ، لا يفقه شيئا في أصول الضيافة .
كان على وشك بدأ قصيدته الغزلية ، التي سمعتها آلاف المرات من قبل .
فهي نفس الاسطوانة التي يكررها هو و أمثاله .
الا أني تركت المحل قبل ذلك ، لأنني أعرف جيدا كم سأغضبُ حين أسمع مثل تلك الكلمات البائسة .
مرام ، ازدادت سخطا علي أكثر فأكثر ، و حتى أكون صادقة ، معها كل الحق في ذلك .
توقفت السماء عن البكاء ، و تلاشت السحب قليلا .
و بدأت الحياة تدب في ذلك الشارع من جديد .
شعرتُ بالاحباط نوعا ما ، فكل ما أردت التجول في شوارع فارغة ، لأن ذهني كان مزدحما بما يكفي !
- آه ملاك ، أنت هنا؟ لقد اشتقت اليك يا فتاة !
يا الهي ، ماهذا اليوم ؟ أمي و مرام ، ثم ذلك المزعج و الان هذه الفتاة
اضطررت الى ان اجاملها مجاملة مفضوحة ، تلك التي يسمونها بآداب التحية
قالت لي : اذن بماذا أخبرك الطبيب ؟
-أي طبيب ؟
- ألم تقولي أنك ستقصدين الطبيب اليوم ؟
- صحيح ، لقد نسيت أمره تماما
- مارأيك بالذهاب إليه الآن ؟ سأرافقك
- ممم ، لا أعرف طبيبا جيدا بالجوار ، ماذا عنك؟
اجابت بفرحة غامرة ، و كأنها كانت تنتظر هذا السؤال من زمن : أعرف طبيبة ، تقع عيادتها في آخر الشارع ، الجميع يقول أنها احسن طبيبة بالمدينة
بالرغم أني استغربت فرحتها تلك الا أني وافقت على اقتراحها
و قصدنا العيادة ، التي لم تكن سوى أحدى شقق عمارة قديمة ، سلمها كان خشبيا ، تخيلت أنني أسير على جسر قديم مهترئ .
دقت سلمى باب العيادة ، لتطل علينا ممرضة في مقتبل العمر
حقيقةً ، أول ما خطر ببالي حين رأيتها السيد أينشتاين !
شعرها و طريقة تصفيفه ، لباسها غير متناسق الالوان ، كأن صاعقة قد ضربتها ! أو لم تكلف نفسها عناء النظر على المرآة صباحا ؟
سلمت على سلمى ثم سلمت علي ، و بدأت تثرثر مع سلمى ، ثرثرة يتضح من ورائها أنهما يعرفان بعضهما منذ زمن طويل
استأذنتهما و توجهت و مرام الى قاعة الانتظار ، قاعة بسيطة ، جدرانها ذات لون أصفر يذكرك بصفرة مريض فقر الدم
و على الجدران بوسترات تحمل صور جراحة ، مقززة حقيقة !
كانت هناك عجوز ترتدي معطفا أسودا ، و بقربها فتاة في العشرينيات
يقابلهما رجل على الارجح أنه تجاوز الثلاثينيات ، و على يمينه فتى صغير يتصفح واحدة من المجلات البالية التي كانت على المنضدة الصغيرة التي تتوسط القاعة
جلست على يسار العجوز و أجلست مرام بجانبي ، التي كانت أشبه بركان على وشك الانفجار
اوه صحيح ! لقد نسيت أمرها تماما ، هي غاضبة لاني لم ابتع لها بعضا من الحلوى !
تبا ، استيقظ ذلك الضمير المزعج من جديد
تناولت هاتفي و سلمته لها قائلة : حقك علي يا مرومة ، إلعبي بألعاب الهاتف ريثما أنهي بعض الاعمال هنا ، و أعدك أن أول شيء سأقوم به بعد ذلك شراء بعض الحلوى لك أيتها المشاغبة :)
بمجرد أن سمعت كلمة " حلوى " عادت ابتسامتها الطفولية لتنير وجهها
-آنسة ملاك ، بامكانك الدخول الان . قالت تلك الممرضة
كنت أظن أنها تقصد غيري ، و لكن لم يرد عليها أحد ، الجميع كان يحدق نحوي نظرات حقد ، أعلم ما كانوا يفكرون به
" المعريفة " ، بالتأكيد ، كانت آخرنا و الان صارت أولنا !
أحسست أنني سأختنق حتما إذا ما استمروا بالتحديق في بتلك الطريقة ! لأول مرة أشعر بالخوف من نظرات غير نظرات أمي .
بالتأكيد الاستجابة لطلب السيدة أينشتاين كان آخر ما أفكر فيه ، فحاولت أن أكون لبقة في ردي
- عفوا يا سيدتي ، لا بد أن هناك خطأ ما ، لم أصل الا قبل لحظات .
فجأة شعرت بإرتياح كبير ، فقد عاد كل واحد منهم الى الاهتمام بشؤونه
و ابتعدت عني تلك النظرات ، احسست وقتها باحساس المسجون حين يسترجع حريته !
مطت الممرضة شفتيها و قالت : فليكن ، فلانة ، انه دورك
لم تمر لحظات الا و قد وجدت سلمى أمامي معاتبة
- مالذي دهاك الان ؟
- لم ؟ أفعلت شيئا ما ؟
- فعلتِ شيئا ما ؟ بالتأكيد فعلتِ ! ام أنك تظنين نفسك " ملاكا " ، لو جئت حين طلبت الممرضة ذلك لكنا أنهينا هذا الان
- آها ، هذا ما في الامر إذن ، أولا : الدور ليس دوري يا عزيزتي
و ثانيا : لم تري نظراتهم نحوي حين نطقت اسمي ، لقد كانوا على وشك اعدامي في تلك اللحظة
- آه منك يا ملاك ، ألن تغيري طريقة تفكيرك المتحجرة هذه؟ ، هذه هي الحياة ، ان لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب
و بدأت محاضرتها المملة تلك ، تطلب مني أن أتجرد من مبادئي ، و أصبح مثلها
راكضة وراء مصلحتي ، و ليذهب الباقون الى الجحيم !
مضت أكثر من عشرون دقيقة و هي تحاضر كأستاذ في الجامعة ، بالرغم من هذا لم أستمع لأغلب ما قالته
فقد انشغلت بمشاهدة مرام و براعتها في اللعبة التي في هاتفي ، المرحلة التي قضيت أسبوعا كاملا و أنا أحاول اجتيازها
اجتازتها في أقل من 5 دقائق !
- ملاك ، ملاك ! أتستمعين إلي ؟
- نعم ، نعم أنا أستمع.
- هاه ، ماذا قلت ؟
- من السهل أن تقولي مثل هذه الكلام ، ففي النهاية لا يرافقك ذلك المزعج الى اي مكان تذهبين اليه .
- اي مزعج هذا ؟
- لا تهتمي .
- أنت حقا غريبة يا فتاة ، تحتاجين الى مراجعة طبيب نفسي !
لم أكن لأشغل نفسي بعبارتها تلك ، فأنا اسمعها آلاف المرات في اليوم الواحد .
مضى الوقت ، و حان دوري أخيرا .
طلبت من سلمى البقاء مع مرام ، و دخلت غرفة الطبيبة ,
أول شيء لاحظته ، اسمها الكامل ، لحظة ،انها تحمل نفس لقب سلمى !
اوه مالذي كنت افكر فيه ؟ بالتأكيد لن تقدم تلك السلمى خدمة بدون مقابل !
أخبرتها بما كنت أعانيه ، وفحصتني فحصا روتينيا ، ثم سردت علي كلاما حفظته البارحة
لأن جدتي أعادته على مسامعي أكثر من ألف مرة ، لا بل كان كلام جدتي " الأمية " أكثر شمولا و وضوحا !
دفعت لها ثمن الزيارة وخرجت من غرفتها متوجهة الى مرام و منها الى البيت مباشرة ، فقد ضقت ذرعا بهذا اليوم
أخبرتني سلمى أنها ستبقى هناك ، و كم كانت فرحتي عظيمة حين سمعت هذا
توجهت مباشرة الى محل مواد غذائية المقابل للعيادة ، اشتريت بعض الحلوى و قدمتها لمرام ، مررت بسلة مهملات ، كورت الوصفة الطبية و ألقيتها بها .
أعدت مرام الى المنزل ، و قررت الانتقام من نفسي على هذا اليوم المشؤوم .
أم مهددة ، طفلة باكية ، شاب مزعج ، صديقة لا تفكر الا في مصلحتها ، ممرضة اينشتانية ، أو بالاحرى شيطانية و في النهاية طبيبة جاهلة !
قصدت واحدا من المحلات التي تشتهر ببيع المثلجات حتى في هذا البرد الشديد ، اشتريت كوبا كبيرا منها
تناولته و عدت الى البيت ، و اخذت حماما بماء بارد جدا ، بعدها أخذت كوب عصير و أضفت له بعض الثلج ثم عاودت الخروج الى حديقة المنزل بشعر مبلل و بدون معطف ، أو حتى وشاح يقيني من البرد ، تناولت كوب العصير دفعة واحدة و أنا أرجو الله أن أُصاب بزكام شديد ، حتى أكسر روتين حياتي المملة !
بالرغم من كل هذا ، لم أصب حتى برشح خفيف !
أعتقد أن هذا ما يطلق عليه بــ" سخرية القدر "
كُتِبَت في مدونتي كذلك ،هنا (http://halwsa-dz.blogspot.com/2012/01/blog-post.html)
الجوُ غائم كالعادة ، ريح قوية و باردة تهبُ على المكان ، و الامطار تتهاطل بغزارة دون انقطاع
رائع ! الشوارع ستكون فارغة بالتأكيد ، لن أجد فرصة احسن من هذه للتجول هنا و هناك !
ارتديتُ ملابسي و خرجتُ مسرعة بحجة واهية : سأقضي حاجة ضرورية و أعود في الحال .
امي تعلم تمام العلم أن هذه الجملة تعني : قد أتأخر و لن أستطيع الحظور الغذاء .
فقالت مهددة : ان لم تصطحبي احدى بنات خالتك معك ، فالوحيدة التي ستخرج هي الروحُ من جسدك !
و للأسف كان هذا خياري الوحيد طاعتها ، و الا كانت لتفعلها حقا !
قصدتُ بيت خالتي و اصطحبتُ معي أصغر بناتها ، التي لم تكمل عامها التاسع بعد على ما أذكر .
لم أخترها هي حبا فيها ، إنما لأني أعلم أنها أكثرهن طاعة و التزما بالأوامر ، كما أنها أكثرهن هدوءً .
بالرغم من ذلك كان أول ما نطقتُ به بعد خروجنا : إن سمعت كلمة واحدة ، ستكون نهايتك على يدي ايتها الصغيرة !
لا تستغربوا :) ، التهديد شيء متوارث في عائلتي .
- قصدت اللامكان ، فكل ما اردته في النهاية هو الهروب من البيت و الملل الذي عشش فيه !
بينما كنت سارحة في أفكاري ، قطعت علي ابنة الخالة مرام تلك اللحظات الهادئة ،
لتصرخ : أريد حلوى الان.
رمقتها بنظرة مخيفة ، نظرة تعني استمري في صراخك و سيكون الجحيم أول ما ستنالينه مني أيتها الصغيرة .
ابتلعت صرختها تلك في خوف عظيم ، كادت عيناها تفيضان بالدموع .
رغم هذا ، امسكت يدي ، و استمرت في التقدم معي نحو المجهول .
لم أستطع احتمال منظرها و هي تحاول كبت دموعها ، فأنا أملك ضميرا مزعجا حقا .
أذكر مرة أني تناولت قطعة حلوى و رميت غلافها في الأرض ، تقدمت خطوة ، خطوتين ، ثلاث ، بل أربع .
ثم عدت و تناول الغلاف ، لأني أعلم جيدا أنني لن استطيع النوم مع هذا الضمير البائس !
نعود إلى مرام التي " غاضها الحال مني "
كانت الوسيلة الوحيدة لترضيتها هي اصطحابها الى محل الحلوى القريب منا ، وقد فعلت ذلك و يا ليتني لم أفعل !
فقد كان البائع مجرد شاب عابث ، لا يفقه شيئا في أصول الضيافة .
كان على وشك بدأ قصيدته الغزلية ، التي سمعتها آلاف المرات من قبل .
فهي نفس الاسطوانة التي يكررها هو و أمثاله .
الا أني تركت المحل قبل ذلك ، لأنني أعرف جيدا كم سأغضبُ حين أسمع مثل تلك الكلمات البائسة .
مرام ، ازدادت سخطا علي أكثر فأكثر ، و حتى أكون صادقة ، معها كل الحق في ذلك .
توقفت السماء عن البكاء ، و تلاشت السحب قليلا .
و بدأت الحياة تدب في ذلك الشارع من جديد .
شعرتُ بالاحباط نوعا ما ، فكل ما أردت التجول في شوارع فارغة ، لأن ذهني كان مزدحما بما يكفي !
- آه ملاك ، أنت هنا؟ لقد اشتقت اليك يا فتاة !
يا الهي ، ماهذا اليوم ؟ أمي و مرام ، ثم ذلك المزعج و الان هذه الفتاة
اضطررت الى ان اجاملها مجاملة مفضوحة ، تلك التي يسمونها بآداب التحية
قالت لي : اذن بماذا أخبرك الطبيب ؟
-أي طبيب ؟
- ألم تقولي أنك ستقصدين الطبيب اليوم ؟
- صحيح ، لقد نسيت أمره تماما
- مارأيك بالذهاب إليه الآن ؟ سأرافقك
- ممم ، لا أعرف طبيبا جيدا بالجوار ، ماذا عنك؟
اجابت بفرحة غامرة ، و كأنها كانت تنتظر هذا السؤال من زمن : أعرف طبيبة ، تقع عيادتها في آخر الشارع ، الجميع يقول أنها احسن طبيبة بالمدينة
بالرغم أني استغربت فرحتها تلك الا أني وافقت على اقتراحها
و قصدنا العيادة ، التي لم تكن سوى أحدى شقق عمارة قديمة ، سلمها كان خشبيا ، تخيلت أنني أسير على جسر قديم مهترئ .
دقت سلمى باب العيادة ، لتطل علينا ممرضة في مقتبل العمر
حقيقةً ، أول ما خطر ببالي حين رأيتها السيد أينشتاين !
شعرها و طريقة تصفيفه ، لباسها غير متناسق الالوان ، كأن صاعقة قد ضربتها ! أو لم تكلف نفسها عناء النظر على المرآة صباحا ؟
سلمت على سلمى ثم سلمت علي ، و بدأت تثرثر مع سلمى ، ثرثرة يتضح من ورائها أنهما يعرفان بعضهما منذ زمن طويل
استأذنتهما و توجهت و مرام الى قاعة الانتظار ، قاعة بسيطة ، جدرانها ذات لون أصفر يذكرك بصفرة مريض فقر الدم
و على الجدران بوسترات تحمل صور جراحة ، مقززة حقيقة !
كانت هناك عجوز ترتدي معطفا أسودا ، و بقربها فتاة في العشرينيات
يقابلهما رجل على الارجح أنه تجاوز الثلاثينيات ، و على يمينه فتى صغير يتصفح واحدة من المجلات البالية التي كانت على المنضدة الصغيرة التي تتوسط القاعة
جلست على يسار العجوز و أجلست مرام بجانبي ، التي كانت أشبه بركان على وشك الانفجار
اوه صحيح ! لقد نسيت أمرها تماما ، هي غاضبة لاني لم ابتع لها بعضا من الحلوى !
تبا ، استيقظ ذلك الضمير المزعج من جديد
تناولت هاتفي و سلمته لها قائلة : حقك علي يا مرومة ، إلعبي بألعاب الهاتف ريثما أنهي بعض الاعمال هنا ، و أعدك أن أول شيء سأقوم به بعد ذلك شراء بعض الحلوى لك أيتها المشاغبة :)
بمجرد أن سمعت كلمة " حلوى " عادت ابتسامتها الطفولية لتنير وجهها
-آنسة ملاك ، بامكانك الدخول الان . قالت تلك الممرضة
كنت أظن أنها تقصد غيري ، و لكن لم يرد عليها أحد ، الجميع كان يحدق نحوي نظرات حقد ، أعلم ما كانوا يفكرون به
" المعريفة " ، بالتأكيد ، كانت آخرنا و الان صارت أولنا !
أحسست أنني سأختنق حتما إذا ما استمروا بالتحديق في بتلك الطريقة ! لأول مرة أشعر بالخوف من نظرات غير نظرات أمي .
بالتأكيد الاستجابة لطلب السيدة أينشتاين كان آخر ما أفكر فيه ، فحاولت أن أكون لبقة في ردي
- عفوا يا سيدتي ، لا بد أن هناك خطأ ما ، لم أصل الا قبل لحظات .
فجأة شعرت بإرتياح كبير ، فقد عاد كل واحد منهم الى الاهتمام بشؤونه
و ابتعدت عني تلك النظرات ، احسست وقتها باحساس المسجون حين يسترجع حريته !
مطت الممرضة شفتيها و قالت : فليكن ، فلانة ، انه دورك
لم تمر لحظات الا و قد وجدت سلمى أمامي معاتبة
- مالذي دهاك الان ؟
- لم ؟ أفعلت شيئا ما ؟
- فعلتِ شيئا ما ؟ بالتأكيد فعلتِ ! ام أنك تظنين نفسك " ملاكا " ، لو جئت حين طلبت الممرضة ذلك لكنا أنهينا هذا الان
- آها ، هذا ما في الامر إذن ، أولا : الدور ليس دوري يا عزيزتي
و ثانيا : لم تري نظراتهم نحوي حين نطقت اسمي ، لقد كانوا على وشك اعدامي في تلك اللحظة
- آه منك يا ملاك ، ألن تغيري طريقة تفكيرك المتحجرة هذه؟ ، هذه هي الحياة ، ان لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب
و بدأت محاضرتها المملة تلك ، تطلب مني أن أتجرد من مبادئي ، و أصبح مثلها
راكضة وراء مصلحتي ، و ليذهب الباقون الى الجحيم !
مضت أكثر من عشرون دقيقة و هي تحاضر كأستاذ في الجامعة ، بالرغم من هذا لم أستمع لأغلب ما قالته
فقد انشغلت بمشاهدة مرام و براعتها في اللعبة التي في هاتفي ، المرحلة التي قضيت أسبوعا كاملا و أنا أحاول اجتيازها
اجتازتها في أقل من 5 دقائق !
- ملاك ، ملاك ! أتستمعين إلي ؟
- نعم ، نعم أنا أستمع.
- هاه ، ماذا قلت ؟
- من السهل أن تقولي مثل هذه الكلام ، ففي النهاية لا يرافقك ذلك المزعج الى اي مكان تذهبين اليه .
- اي مزعج هذا ؟
- لا تهتمي .
- أنت حقا غريبة يا فتاة ، تحتاجين الى مراجعة طبيب نفسي !
لم أكن لأشغل نفسي بعبارتها تلك ، فأنا اسمعها آلاف المرات في اليوم الواحد .
مضى الوقت ، و حان دوري أخيرا .
طلبت من سلمى البقاء مع مرام ، و دخلت غرفة الطبيبة ,
أول شيء لاحظته ، اسمها الكامل ، لحظة ،انها تحمل نفس لقب سلمى !
اوه مالذي كنت افكر فيه ؟ بالتأكيد لن تقدم تلك السلمى خدمة بدون مقابل !
أخبرتها بما كنت أعانيه ، وفحصتني فحصا روتينيا ، ثم سردت علي كلاما حفظته البارحة
لأن جدتي أعادته على مسامعي أكثر من ألف مرة ، لا بل كان كلام جدتي " الأمية " أكثر شمولا و وضوحا !
دفعت لها ثمن الزيارة وخرجت من غرفتها متوجهة الى مرام و منها الى البيت مباشرة ، فقد ضقت ذرعا بهذا اليوم
أخبرتني سلمى أنها ستبقى هناك ، و كم كانت فرحتي عظيمة حين سمعت هذا
توجهت مباشرة الى محل مواد غذائية المقابل للعيادة ، اشتريت بعض الحلوى و قدمتها لمرام ، مررت بسلة مهملات ، كورت الوصفة الطبية و ألقيتها بها .
أعدت مرام الى المنزل ، و قررت الانتقام من نفسي على هذا اليوم المشؤوم .
أم مهددة ، طفلة باكية ، شاب مزعج ، صديقة لا تفكر الا في مصلحتها ، ممرضة اينشتانية ، أو بالاحرى شيطانية و في النهاية طبيبة جاهلة !
قصدت واحدا من المحلات التي تشتهر ببيع المثلجات حتى في هذا البرد الشديد ، اشتريت كوبا كبيرا منها
تناولته و عدت الى البيت ، و اخذت حماما بماء بارد جدا ، بعدها أخذت كوب عصير و أضفت له بعض الثلج ثم عاودت الخروج الى حديقة المنزل بشعر مبلل و بدون معطف ، أو حتى وشاح يقيني من البرد ، تناولت كوب العصير دفعة واحدة و أنا أرجو الله أن أُصاب بزكام شديد ، حتى أكسر روتين حياتي المملة !
بالرغم من كل هذا ، لم أصب حتى برشح خفيف !
أعتقد أن هذا ما يطلق عليه بــ" سخرية القدر "
كُتِبَت في مدونتي كذلك ،هنا (http://halwsa-dz.blogspot.com/2012/01/blog-post.html)