المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قاعدة " اليقين لا يزول بالشك "


معاذ1
2012-04-05, 20:56
بسم الله الرحمن الرحيم .

إن من أنفس ما صرفت فيه الأوقات واشرف ما انعقدت عليه النيات وجعل من اعظم

القربات طلب العلم الشرعي والسعي في تحصيله ومعالجته بجميع فنونه .

ويشرف العلم ويعلوا قدره بحسب مضمونه وثمرته واثره في طالبه , ومن أهم المهمات

التي تكون على خاطر المعتني بعلوم الشريعة , العناية بعلم اصول الفقه وقواعده حتى

تخرج الفروع على القواعد والأصول , وقديما قيل : من ضيع الأصول حرم الوصول .

ومن العناية بالأصول المهمة العناية بقواعد الفقه إذ " كل فقه لم يخرج على القواعد

فليس بشيئ " .

ووجه ذالك ان الفروع غير متناهية لكثرتها وتجددها واختلافها , ومهما رام المتفقه

حفظها والأعتماد عليها دون ارجاعها إلى اصول كلية تشتت عليه واضطربت .

ولذا كان لزاما على من تصدر للفتيا ان يكون على بصيرة كبيرة بعلم القواعد الفقهية

وهي تعرف بأنها أي القاعدة الفقهية " قضية كلية فقهية تنطبق على جزئيات متفرقة

من أبواب متعددة "

فبمعرفة هذه القواعد الفقهية تجتمع على من تصدر للفتيا فروع على أصل مطرد

ولا تختلف عليه . يقول القرافي " وانت تعلم ان الفقه وان جل إذا كان مفترقا تبددت حكمته

وقلت طلاوته وبعدت عند النفوس طلبته , وإن رتبت الأحكام مخرجة على قواعد الشرع

مبنية على مآخذها نهضت الهمم حينئذ لاقتباسها وأعجبت غاية الأعجاب بتقمص لباسها " .

ولعدم التاصيل في هذا الباب كثر التناقض في الفتيا ممن تصدر لها قبل ابانة , ومن نظر

في واقع الناس اليوم ممن يفتي عبر الهوائيات والقنوات ورأى ما عندهم من التناقضات

ايقن بذالك .

وما ذاك الا لعدم ضبط الفقه على اصول صحيحة , ولذا رأى اهل العلم أن من تضايق عليه

الوقت ولم يستطع تحصيل الفقه كله , فعلم قواعد الفقه يغنيه عن ذالك ويكفيه , إذا بضبطها

ينضبط له الفقه كله , واليه اشار ابن السبكي بقوله " وإن تعارض الأمران وقصر

وقت طالب العلم عن الجمع بينهما لضيق او غيره من آفات الزمان . فالرأي لذي الذهن

الصحيح الأقتصار على حفظ القواعد وفهم المآخذ " .

ومن اجل هذا اهتم العلماء بهذا الفن ايما اهتمام لما له من اثر عميق على الملكة

الفقهية لدى طلاب العلم .

وسنحاول إن شاءلله ان نبين وندرس احد أهم تلك القواعد الفقية وهي قاعدة " اليقين

لا يزول بالشك " . لما لها من تعلق كبير بغالب ابواب الفقه

وذاك على كتاب التمهيد للعالم الفذ " الحافظ بن عبد البر " نسير وفق خطة للبحث وهي

1 مواطن ورود القاعدة عند .

2 معنى القاعدة .

3 ادلة القاعدة عند الحافظ بن عبد البر .

4 فروعها المندرجة تحتها .

وهذا البحث القيم منقول عن خليل يامن , عن جريدة ألأصلاح .

فتابعونا قريبا إن شاءلله .

messa85
2012-04-05, 21:09
مشكور على الفائدة الرائعة
بارك الله فيك

معاذ1
2012-04-06, 20:46
مشكور على الفائدة الرائعة
بارك الله فيك

جزيت خيرا اخي على الاضافة

معاذ1
2012-04-06, 20:47
أولا : مواطن ورود القاعدة عند الحافظ ابن عبد البرَ.

فهذه القاعدة المباركة النافعة شغلت حيزا كبيرا من كلام الحافظ ابن عبد البر رحمه الله . ولذا وردت

عنده في مواطن كثيرة بصيغ متعددة وهي كا التالي :

أولا : بلفظ " اليقين لا يزيله الشك ولا يزيله إلا يقين مثله " .

في مواطن منها :

1 - عند شرحه لحديث ابن عباس رضي الله عنه ان رسول الله عليه الصلا والسلام ذكر رمضان فقال :

" لا تصوموا حتى تروا الهلال , ولا تفطروا حتى تروه , فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين " . رواه مالك

2 - وعند شرحه لحديث ابي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال :

" إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى اثلاثا أم اربعا فليصل ركعة وليسجد سجدتين وهو جالس قبل

التسليم " مالك ومسلم .

ثانيا : وذكرها بلفظ " اليقين لا يجب تركه للشك حتى يأتي يقين يزيله " . عند شرحه لحديث ابي هريرة

رضي الله عنه ان رسول الله عليه الصلاة والسلام انصرف من اثنتين فقال ذو اليدين : اقصرت الصلاة

يا رسول الله ام نسيت .." رواه مالك ومسلم .

ثالثا : وذكرها بلفظ " الشك لا يلتف اليه واليقين معمول عليه " . عند شرحه لحديث ابن عمر رضي الله

عنه في صلاة الخوف . اخرجه مالك والبخاري ومسلم .

وهي مذكورة في غالب كتب القواعد والأصول بلفظ " اليقين لا يزول بالشك " وهي إحدى القواعد الخمس الكبرى

التي وقع إتفاق العلماء عليها وانها أحد دعائم الفقه .

وسيأتي بيان ما اشكل لاحقا ان شاءلله

يتبع .....

عبد الله 31
2012-04-06, 21:40
القاعدة الفقهية " اليقين لا يزول بالشك "
(وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ)
ان الظن لا يغني من الحق شيئا
وإن الشك لا يغني من اليقين شيئا
بارك الله فيك اخي معاذ ونفع بك ورفع من قدرك

معاذ1
2012-04-06, 22:40
القاعدة الفقهية
(وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ)
ان الظن لا يغني من الحق شيئا
وإن الشك لا يغني من اليقين شيئا
بارك الله فيك اخي معاذ ونفع بك ورفع من قدرك



جزيت خيرا أخي عبدالله على الأضافة اللمميزة والأستشهاد الذي في محل الموضوع

معاذ1
2012-04-08, 22:56
معنى القاعدة اجمالا .

هذه القاعدة هي ثاني القواعد الخمس الكبرى التي وقع الأتفاق عليها , وهي كما قال السيوطي رحمه الله

" تدخل في جميع ابواب الفقه , والمسائل المخرجة عليها تبلغ ثلاثة ارباع الفقه وأكثر " . " ورجوعها

الى القاعدة إما بنفسها او بدليلها " .

وهي بالتحديد تدخل في كل فرع يتجاذبه يقين وشك فيسقط الشك ويحكم باليقين , وفي القاعدة لفظان يتوقف

فهم القاعدة على توضيحهما وهما اليقين والشك .

1 فاليقين لغة : يدور على معان يجمعها العلم وإزاحة الشك والا ستقرار وتحقيق الأمر مع طمانينة القلب عليه .

أما اصطلاحا : فهو طمأنينة القلب واستقرار العلم فيه .

وسواء حصل هذا الأستقرار بجزم او بغلبة ظن . ذالك ان الظن الراجح منزل منزلة اليقين إذا قويت براهينه .

2 اما الشك لغة : فهو خلاف اليقين . وهو يدور على معنى التردد والتداخل بين شيئئين بلا ترجيح لأحدهما على الأخر

وعلى هذا فيمكن ان يقال : ان معنى القاعدة أن ماكان ثابتا ثبوتا يقينيا ,ثم وقع الشك في وجود ما يزيله فالأصل بقاء

المتحقق المتيقن ولا يرتفع بمجرد طروء الشك العارض عليه , لأن المتيقن هو الأصل والأقوى , ولا يعقل اان يزيل الأضعف

الأقوى بل ما كان مثله او أوقوى منه .

ولما كان اليقين مستصحبا عند طروء الشك لم يلتفت الى هذا الأخير , لأن ما تيقن ثبوته بدليل او استصحاب حال اقوى مما شك

فيه اهو ثابت ام لا ؟ وهذا ما جعل بعض العلماء يعبر عن القاعدة بقوله " ألأصل بقاء ما كان على ما كان " . فجعلوها مرادفة لها .

وفي هذا يقول ابو عمر " وهذا أصل مستعمل عند أهل العلم , أن لا تزول عن أصل انت عليه إلا بيقين مثله , وأن لا يترك اليقين بالشك " .

يتبع إن شاءلله ...

عبد الله 31
2012-04-08, 23:00
متابع ان شاء الله
جزاك الله خيرا اخي الحبيب معاذ1

معاذ1
2012-04-08, 23:04
متابع ان شاء الله
جزاك الله خيرا اخي الحبيب معاذ1

جزييت خيرا اخي الحبيب المتألق بمتابعتك الدائمة . وان شاءلله نستفيد من هذه القواعد

المهمة التي تحتوي وجمعت علما كبيرا ...

السلفية الجزااائرية
2012-04-08, 23:08
جزاك الله خيرا أخي الفاضل معاذ
جعله الله في ميزان حسناتك..

معاذ1
2012-04-08, 23:13
جزاك الله خيرا أخي الفاضل معاذ
جعله الله في ميزان حسناتك..



جزييت خيرا اخت سلفية على المرور الطيب .

معاذ1
2012-04-10, 20:47
أدلة القاعدة .

هذه القاعدة تكاثرت الادلة عليها سمعا وعقلا , وهي كلها تدل على الأخذ باليقين وطرح الشكوك والظنون غير

المستندة الى دليل , فمن ذالك :

أولا . من الكتاب :

قوله تعالى " إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا " . فالحق هو اليقين , والظن هو الشك , فعاب

الله تعالى على من اتبع الظنون الكاذبة وترك الحق الثابت بالدليل الواضح , فالظن لا ينفع من الحق شيئا فيقوم مقامه

وما يدرك بالعلم لا ينفع فيه الظن , وانما يدرك بالعلم واليقين .

وقوله تعالى " وما يتبع اكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا " . فوجه الدلالة ان الله تعالى عابهم على اتباعهم

الظنون الكاذبة وتركهم للحق المتيقن , فالشك لا يغني عن اليقين شيئا ولا يقوم مقامه , كما ان العلم المشوب بشك لا يغني

شيئا في اثبات الحق المطلوب .

ثانيا من السنة .

قد استدل ابن عبد البر رحمه الله عن القاعدة من السنة بأحاديث منها .

1 عن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله عليه الصلاة والسلام انصرف من اثنين فقال ذو اليدين : اقصرت الصلاة

ام نسيت يارسول الله ؟ فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام " اصدق ذو اليدين ؟ " فقال الناس نعم , فقام رسول الله فصلى

ركعتين أخريين ثم سلم ثم كبر فسجد ممثل سجوده او أطول ثر رفع ثم كبر فسجد مثل سجوده او أطول ثم رفع " .

قال :ابو عمر وفيه ان اليقين لا يجب تركه للشك حتى يأتي يقين يزيله , الا ترى ان ذا اليدين كان على يقين من أن فرض صلاتهم

تلك اربع ركعات , وكانت احدى صلاتي العشي كما روي , فلما اتى بها رسول الله عليه الصلاة والسلام على غير تمامها وأمكن في

ذالك القصر من جهة الوحي , وأمكن الوهم لزمه الأستفهام ليصير الى يقين يقطع به الشك " .

2 عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه ان رسول الله عليه الصلاة والسلام قال : " اذا شك احدكم في صلاته فلم يدر كم صلى اثلاثا

ام اربعا فليصل ركعهة وليسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم فإن كانت الركعة التي صلى خامسة شفعها بهاتين السجدتين وإن كانت

رابعة فالسجدتان ترغيما للشيطان " .

قال ابو عمر " وفي الحديث من الفقه اصل عظيم جسيم مطرد في أكثر الأحكام وهو ان اليقين لا يزيله الشك , وأن الشيئ مبني على اصله

المعروف حتى يزيله يقين لا شك معه " .

3 عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ان رسول الله عليه الصلاة والسلام ذكر رمضان فقال : " لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا

حتى ترروه , فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلا ثين "

قال ابو عمر " وفيه ان اليقين لا يزيله الشك ولا يزيله إلا يقيم مثله , لأنه عليه الصلاة والسلام امر الناس الا يدعوا ماهم عليه من يقين

شعبان إلا بيقين رؤية واستكمال العدة , وأن الشك لا يعمل في ذالك شيئا , ولهذا نهى عن صوم يوم الشك أطراحا لأعمال الشك , وإعلاما

ان الأحكام لا تجب إلا بيقين لا شك فيه , وهذا أصل عظيم من الفقه , أن لا يدع الأنسان ما هو عليه من الحال المتيقنة إلا بيقين من انتقالها "

ثالثا : من ألأجماع .

فقد حكاه غير واحد من أهل العلم منهم البغوي رحمه الله وابن دقيق العيد وغيرهما وان كانوا يختلفون في كيفية استعمال القاعدة .

رابعا : من جهة العقل :

فاليقين اقوى من الشك , والضعيف لا يقوى على رفع القوي , ولأن في اليقين حكما قطعيا جازما فلا ينهدم بالشك , إذ اليقين يمتنع

رفعه بغير يقين .

يتبع إن شاءلله .

معاذ1
2012-04-11, 20:37
رابعا : الفروع المندرجة تحت القاعدة .

تقدم معنا ان هذه القاعدة تدخل في كل فرع يتجاذبه يقين وشك , فيسقط الشك ويحكم لليقين , وعلى هذا فمجال التفريع

عنها واسع جدا .

ومن الملاحظ في هذا البحث ان اندراج الفرع تحت القاعدة قد يكون متفقا عليه بين الفقهاء , وقد يكون مسألة في محل

خلاف بين العلماء فيأتي الترجيح من ابن عبد البر في هذه المسألة بإبراز جانب القاعدة فيه , وقد يحكي هذا الترجيح

بالقاعدة عن غيره وهي كالتالي :

1 - اجمع العلماء على ان من ايقن بالحدث وشك بالوضوء ان شكه لا يفيد فائدة , وأن عليه الوضوء فرضا , قال ابو عمر

" وهذا يدلك ان الشك عندهم ملغي وان العمل عندهم لليقين " .

2 - الأصل في ثوب المسلم وفي أرضه وفي جسمه الطهارة حتى يستيقن النجاسة , فإذا تيقنت وجب غسلها , وكذالك الماء

أصله انه محمول على الطهارة حتى يستيقن حلول النجاسة فيه " .

3 - إذا وقعت نجاسة في الماء وشككنا في تغيره بها فالأصل اننا نحكم بطهارته إلى ان يثبت تغيره قطعا من غير فرق بين

القليل والكثير , فال ابن عبد البر " والأصل في الماء الطهارة فالواجب ان لا يقضى بالنجاسة إلا بدليل لا تنازع فيه ولا

مدفع له .

4 - ان التيمم الواجب انما يكون للوجه واليدين الى الكوعين وليس بلوغ المرفقين بواجب لظاهر قوله تعالى " فتيمموا

صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه " . ولم يقل الى المرفقين " وماكان ربك نسيا " قال ابن عبد البر " فلم يجب

بهذا الخطاب إلا اقل ما يقع عليه اسم اليد لأنه اليقين وما عدا ذالك شك والفرائض لا تجب الا بيقين . وقد قال تعالى "

والسارق والسارقة فاقطعوا ايديهما " . وثبتت السنة المجتمع عليها ان الأيدي في ذالك اريد بها من الكوع فكذالك التيمم " .

5 - لا يجزء احدا ابدا اذا شك في صلاته ان يخرج منها حتى يستيقن تمامها وسواء اعتراه هذا مرة او ألف مرة , ووجه

ذالك انه لما دخل الصلاة قد لزمته وانشغلت بها ذمته بيقين , فلا يجوز له الخروج منها الا بيقين " .

6 - قال ابو عمر " من السنة تعجيل الفطر وتأخير السحور , والتعجيل انما يكون بعد الأستيقان بمغيب الشمس , ولا يجوز

لأحد ان يفطر وهو شاك هل غابت الشمس ام لا , لأن الفرض إذا لزم بيقين لم يخرج عنه إلا بيقين , والله عز وجل يقول " ثم

اتموا الصيام إلى الليل " . واول الليل مغيب الشمس كلها في الأفق عن اعين الناظرين , ومن شك لزمه التمادي حتى لا يشك

في مغيبها .

هذا ما يسر لنا جمعه في هذا البحث الطيب المبارك لهذه القاعدة الجليلة التي احتوت كثير من الفقه عند الأمام ابن عبد البر رحمه

الله , وهي مثال واضح عن اهتمام العلماء بهذا العلم الجليل القدر , .

نسأل الله العلي في قربه , والقريب ان علوه و ان يوفقنا لسلوك طريق العلماء العاملين , وأن يجنبنا مزالق الهلاك والردي

, أنه اكرم مسؤل وأعز مامول والحمدلله رب العالمين .