ـ‗جواهرودررالسلف‗ـ
2012-04-05, 08:46
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
دروس ألقاها فضيلة الشيخ الوالد عبيد الجابري على طلبة العلم العراقيين في المدينة النبوية قام بتفريغها والإعتناء بها بإذن من الشيخ (حفظه الله تعالى)
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا) (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما).
أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله, وأحسن الهدي هدي محمد (صلى الله عليه و سلم), وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار.
وبعد:فأن الرجوع إلى العلماء أصل عظيم من أصول أهل السنة والجماعة ودليل ذلك قول الله تعالى {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (43 النحل) وقوله تعالى { وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا }[ النساء(83)]0ومن السنة قوله عليه الصلاة والسلام ( العلماء ورثة الانبياء ).
والدراسة عند العلماء ومشافهتم مقصد كبير ورغّب فيه الرسول (صلى الله عليه وسلم) وسار عليه أئمة السلف، فما نجد عالما من علماء السلف إلا و في ترجمة حياته أهم الشيوخ والعلماء الذين أخذ عنهم العلم أو روى عنهم الحديث, فأئمة السلف كانوا يرحلون من أجل أخذ العلم عن أهله ورواية الحديث مشافهة من حملته، والعلماء هم سند دعوة اهل السنة
قال الشيخ بن باز رحمه الله تعالى (إن من عوامل بقاء الدعوة تعاقب الدعاة لها ما تعاقبت الأيام، ومنذ أن أكرم الله تعالى هذه الأمة وصوت الداعي مدويا في أفق المدعوين إلى أن أكمل الله الدين وأتم النعمة، ثم توالى الدعاة من خلفاء الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى من بعدهم من دول أو مصلحين وموجهين آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر، وذلك عملا بالأصل القويم في قوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} (104 ال عمران) الآية.
فكلما خيمت سحب البدع، واحلولكت ظلم الجهالة، وخاض الناس لجج الباطل أيد الله تعالى لهذه الأمة رجالا يدعون إلى الله تعالى على بصيرة، ينيرون الطريق، ويظهرون الحق ويحيون السنة، ويحاربون البدعة حتى يطهر الله على أيديهم البلاد، وينقذ بدعوتهم العباد، وهذا من تمام النعمة وسعة الفضل من الله تعالى على عباده.) .
فلابد لطالب العلم من معرفة علماء أهل السنة وطلب العلم عندهم، والرحلة إليهم ومجالستهم، ولعل من أعظم أسباب الفوضى الحاصلة بين كثير من الشباب وطلبة العلم هو عدم معرفتهم بالعلماء الراسخين الذين يجب أخذ العلم عنهم هذا من جهة .
ومن جهة اخرى عدم تميز العلماء عمّن دونهم من طلبة العلم والوعاظ.
قال الشيخ محمد بن هادي المدخلي (حفظه الله): )
لابد لطالب العلم ان يعرف طبقات العلماء كما عرف العلماء وعرفّوا بطبقات العلماء والائمة, وطبقات الحفّاظ, وطبقات الأئمة المجتهدين في المذهب والمجتهدين اجتهادا مطلقا ومن عُرفوا بالفتوى بالمذهب ومن عُرفوا ... الخ, فلابد ان تعرف ذلك, تعرف العالمين بالفتن والمختصين بتعلمها هذا أصل موجود في الشرع والنبي (صلى الله عليه وسلم) خص حذيفة بالفتن) .
فمنهج السلف رحمهم الله في التلقي قائم على الأخذ من الثقات وترك أهل الأهواء والفتن ويدل على ذلك ما خرجه الإمام مسلم في مقدمته [عن ابن سيرين رحمه الله أنه قال: (إن هذا العلم دين فانظروا عمّن تأخذون دينكم)، وعن عاصم الأحول عن ابن سيرين قال: (لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا سموا لنا رجالكم فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم)، وعن ابن يونس حدثنا الأوزاعي عن سليمان بن موسى قال: (لقيت طاوسا فقلت حدثني فلان كيت وكيت قال إن كان صاحبك مليا فخذ عنه.)] انتهى.
فكيف بزماننا, الذي كثرت فيه الفتن وتنوعت!
ولقد قص الله علينا قصة موسى عليه الصلاة والسلام مع الخضر عليه السلام وفيها بيان أهمية الرحلة لطلب العلم وتحمل المشاق من أجل هذا المقصد العظيم قال تعالى: [وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60) فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61)], إلى أن قال: [َفوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65) قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70)][ الكهف ].
قال الإمام السعدي في تفسير هذه الآية: (وفي هذه القصة العجيبة الجليلة، من الفوائد والأحكام والقواعد شيء كثير، _ننبه على بعضه بعون الله_.
1/ فمنها فضيلة العلم، والرحلة في طلبه، وأنه أهم الأمور، فإن موسى عليه السلام رحل مسافة طويلة، ولقي النصب في العلم على ذلك.
2 / ومنها: البداءة بالأهم فالأهم، فإن زيادة العلم وعلم الإنسان أهم من ترك ذلك، والاشتغال بالتعليم من دون تزود من العلم، والجمع بين الأمرين أكمل.
3 / ومنها: أن العلم الذي يعلمه الله [لعباده] نوعان:
علم مكتسب يدركه العبد بجده واجتهاده, ونوع علم لدني، يهبه الله لمن يمن عليه من عباده لقوله {وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا}.
4 / ومنها: التأدب مع المعلم، وخطاب المتعلم إياه ألطف خطاب، لقول موسى عليه السلام:
{هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا}, فأخرج الكلام بصورة الملاطفة والمشاورة، وأنك هل تأذن لي في ذلك أم لا وإقراره بأنه يتعلم منه، بخلاف ما عليه أهل الجفاء أو الكبر، الذي لا يظهر للمعلم افتقارهم إلى علمه، بل يدعي أنه يتعاون هم وإياه، بل ربما ظن أنه يعلم معلمه، وهو جاهل جدا، فالذل للمعلم، وإظهار الحاجة إلى تعليمه، من أنفع شيء للمتعلم.
5 / ومنها تواضع الفاضل للتعلم ممن دونه، فإن موسى -بلا شك- أفضل من الخضر.
6 / ومنها: تعلم العالم الفاضل للعلم الذي لم يتمهر فيه، ممن مهر فيه، وإن كان دونه في العلم بدرجات كثيرة.
فإن موسى عليه السلام من أولي العزم من المرسلين، الذين منحهم الله وأعطاهم من العلم ما لم يعط سواهم، ولكن في هذا العلم الخاص كان عند الخضر، ما ليس عنده، فلهذا حرص على التعلم منه فعلى هذا، لا ينبغي للفقيه المحدث، إذا كان قاصرا في علم النحو، أو الصرف، أو نحوه من العلوم، أن لا يتعلمه ممن مهر فيه، وإن لم يكن محدثا ولا فقيها.
7 / ومنها: إضافة العلم وغيره من الفضائل لله تعالى، والإقرار بذلك، وشكر الله عليها لقوله: {تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ} أي: مما علمك الله تعالى.
8 / ومنها: أن العلم النافع، هو العلم المرشد إلى الخير، فكل علم يكون فيه رشد وهداية لطرق الخير، وتحذير عن طريق الشر، أو وسيلة لذلك، فإنه من العلم النافع، وما سوى ذلك، فإما أن يكون ضارا، أو ليس فيه فائدة لقوله: {أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً}.
9 / ومنها: أن من ليس له قوة الصبر على صحبة العالم والعلم، وحسن الثبات على ذلك، أنه يفوته بحسب عدم صبره كثير من العلم فمن لا صبر له لا يدرك العلم، ومن استعمل الصبر ولازمه، أدرك به كل أمر سعى فيه، لقول الخضر - يعتذر من موسى بذكر المانع لموسى في الأخذ عنه - إنه لا يصبر معه.) انتهى.
فليت شعري اين المتقاعسون من هذه القصة العظيمة؟
بل وأين المتكسبون بالعلم أذا أُعطوا رضوا واذا منعوا اذا هم يسخطون؟
بل وأين المتكبرون من هذا التواضع الجميل لنبي من اولي العزم كيف يرحل من أجل طلب العلم؟
وأين الجزعون من هذا الصبر الجميل وتحمل الأعباء والمشاق في سبيل الحصول على المقصود؟.
فلا زال طالب العلم بخير ما شعر أنه بحاجة الى العلماء وانه لايستغني عنهم، وعن مشورتهم وسؤالهم فيما يستجد من نوازل، فأن من أعظم أسباب الوقوع في الفتن والانحراف نسأل الله السلامة والعافية هو ترك العلماء وتنقصهم فالخوارج والقدرية ومن شابههم خرجوا عن منهج علماء الصحابة، وكذلك أئمة الضلال في كل زمان ومكان من أبرز سماتهم ازدراء العلماء وعدم الرجوع اليهم.
ولابد من معرفة علماء السنة في كل زمان ومكان فما كل من كتب وخطب وأكثر الكلام وشقشقته أصبح عالما إنما العالم من شهد له العلماء بالعلم وصحة المنهج.
قال الشيخ صالح الفوزان (حفظه الله):
(لا تستعجل فيما تسمع من الناس وخصوصا عند تأخر الزمان, وكثرة من يتكلم وينتصب للعلم والقول, وخصوصا لمّا جدّت وسائل الإعلام, وصار كل يهذوا ويتكلم بإسم الديِّن, حتى أهل الضّلال والفرق الضالة والمنحرفة صاروا يتكلمون بإسم الدين الآن في الفضائيات, فالخطر عظيم جدا, فعليك أيّها المسلم وطالب العلم بالذات أن تتثبت, ولا تستعجل مع كل ما تسمع, عليك بالتثبت ومعرفة الذي قال هذا ؟ ومن أين جاء هذا الفكر؟ ثم ماهي مستنداته وأدلته من الكتاب والسنة؟ ثم أين تعلم صاحبه؟ وعمّن أخذ العلم؟ فهذه أمور تحتاج الى تثبت, خصوصا في هذا الزمان, فما كل قائل حتى ولو كان فصيحا وبليغا ويشقق الكلام ويأخذ بالأسماع لاتغتر به حتى ترى مدى ما عنده من العلم والفقه فربما يكون كلامه قليلا لكنه فقيه, وربما يكون كلامه كثيرا لكنه جاهل ليس عنده شيء من الفقه بل عنده سحر الكلام حتى يغر الناس ويتظاهر بأنه عالم وبأنه فاهم وبأنه مفكّر, ونحو ذلك حتى يغر الناس ويخرج بهم عن الحق, فليس العبرة بكثرة الكلام وشقشقته, بل العبرة بما فيه من العلم وما فيه من التأصيل, ورب كلام قليل مؤصل يكون أنفع بكثير من كلام كثير مشقشق لا تمسك منه فائدة الا القليل, وهذا هو الواقع في زماننا يكثر الكلام ويقل العلم, يكثر القراء ويقل الفقهاء, والفقه ليس هو بكثرة الكلام أوكثرة القراءة أو جودة الكلام, او حسن التعبير, يقول الشاعر:
في زخرف القول تزيين لباطله والحق قد يعتريه سوء تعبير
تقول هذا مجاج النحل تمدحه وأن تشأ قلت ذا قيء الزنابير
إن شئت أن تمدح العسل تقول: هذا (مجاج النحل), وإن ذممته قلت هذا (قيء), بدل (مجاج), وبدل النحل تقول الزنابير, فالبليغ يقلب الحق باطلا, والباطل حقا ببلاغته, فاحذر من هذا, ولهذا حذّر (النبي صلى الله عليه وسلم) من فصيح اللسان الذي يتخلله بلسانه كما تتخلل البقرة بلسانها حذّر من هذا, وقال [ أن من البيان لسحرا] يعني يسحر الاسماع.) انتهى.
وطالب العلم لابد له من أمور:
الاول/ الإخلاص في طلبه لايبتغي متاع الدنيا وممدحة الناس, لإن العلم عبادة وشرط قبول أي عباده الإخلاص لله تعالى.
الثاني/ يطلب العلم لرفع الجهل عن نفسه, وعلامة الاولى أنه يتعبد لله بالعلم ولايهمه مدحه الناس او لا, وعلامة الأخرى أنه يفرح أذا بُين له خطئه ويقبل النصح بصدر منشرح فعلامة الرياء في العلم عدم قبول النصح والعياذ بالله.
الثالث/ ملازمة العلماء لأنها سبب لإستدامة طالب العلم على الطلب، وسبب لثباته على المنهج، والله جل وعلا هو وحده الذي يملك القلوب.
الرابع/ التدرج في طلب العلم والأهتمام بالتأصيل لأنه ليس كل من حصّل تأصل، فكم من مُحصل يحفظ المتون والاقوال لكنه عُدم الفقه والتأصيل.
الخامس/ الحذر من الجمعيات الحزبية التي تصطاد بالماء العكر بحجة مساعدة طالب
العلم, والنفس راغبة إن رغبتها، وإن تُرد الى قليل تقنع, فما أفسد نيات كثير من الشباب السلفي ثم انحراف مناهجهم إلا بسبب بعض هذه الجمعيات الحزبية.
السادس/ تجنب البطانة السيئة فطالب العلم لابد ان يربي نفسه على التواضع وترك التمشيخ وحب الترفع، فكم من طالب علم أُهلك بكثرة ما يمدح من مقربيه حتى ظن بنفسه أنه أصبح العالم الذي يجب أن لا يعارض، ومراقبة النفس وكبح جماحها والإبتعاد عن حب الريّاسة والشهرة من أعظم ما يجب على طالب العلم مراعاته ومجاهدة النفس عليه.
قال ابن القيم (رحمه الله):
(واما العلم فآفته: عدم مطابقته لمراد الله الدينى الذي يحبه الله ويرضاه وذلك يكون من فساد العلم تارة ومن فساد الارادة تارة.
ففساده من جهة العلم ان يعتقد ان هذا مشروع محبوب لله وليس كذلك او يعتقد انه يقربه الى الله وان لم يكن مشروعا فيظن انه يتقرب الى الله بهذا العمل وان لم يعلم انه مشروع.
وأما فساده من جهة القصد: فان لا يقصد به وجه الله والدار الآخرة بل يقصد به الدنيا والخلق.
وهاتان الآفتان في العلم والعمل لا سبيل الى السلامة منهما إلا بمعرفة ما جاء به الرسول في باب العلم والمعرفة وارادة وجه الله والدار الآخرة في باب القصد والإرادة فمتى خلا من هذه المعرفة وهذه الارادة فسد علمه وعمله.
والأيمان واليقين يورثان صحة المعرفة وصحة الارادة.
وهما يورثان الايمان ويمدّانه ومن هنا يتبين إنحراف أكثر الناس عن الإيمان, لإنحرافهم عن صحة المعرفة وصحة الارادة ولا يتم الايمان الا بتلقي المعرفة من مشكاة النبوة وتجريد الارادة عن شوائب الهوى وارادة الخلق فيكون علمه مقتبسا من مشكاة الوحى وارادته لله والدار الآخرة فهذا أصح الناس علما وعملا وهو من الأئمة الذين يهدون بأمر الله ومن خلفاء رسوله في أمته ) .
السابع/ لابد أن يكون طالب العلم فطنا يعرف مايدور في الساحة، ويعرف مايستجد من مناهج وأقوال, وقواعد مخالفة لمنهج السلف، ويرجع الى العلماء في بيان خطأ وخطورة هذه القواعد والاقوال المحدثة ولايلتفت الى من يميّع مسألة الرد على المخالف.
قال الشيخ العلامّة صالح بن فوزان بن عبدالله الفوزان (
حفظه الله تعالى): (هذا الذي خرج عن الحق متعمدا لا يجوز السكوت عنه بل يجب ان يكشف امره ويفضح خزيه، حتى يحذره الناس ولا يقال: الناس أحرار في الرأي،حرية الكلمة، احترام الرأي الآخر، كما يدندنون به الآن من احترام الرأي الآخر فالمسألة ليست مسألة أرآء المسألة مسألة إتباع نحن قد رسم الله لنا طريقا واضحا وقال لنا سيروا عليه حينما قال [وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)] [ الانعام]. فأي شخص يأتينا ويريد منا ان نخرج عن هذا الصراط فإننا:
اولا / نرفض قوله
وثانيا / نبين ونحذر الناس منه ولا يسعنا السكوت عنه، لأننا اذا سكتنا عنه اغتر به الناس، لاسيما أذا كان صاحب فصاحة ولسان وقلم وثقافة فان الناس يغترون به فيقولون هذا مؤهل هذا من المفكرين كما هو حاصل الآن فالمسألة خطيرة جدا وهذا فيه وجوب الرد على المخالف عكس ما يقوله اولئك يقولون اتركوا الردود دعوا الناس كل له رأيه واحترامه وحرية الرأي وحرية الكلمة بهذا تهلك الأمة فالسلف ماسكتوا عن امثال هؤلاء بل فضحوهم وردوا عليهم لعلمهم بخطرهم على الأمة ، نحن لا يسعنا ان نسكت على شرهم بل لابد من بيان ما انزل الله وإلا فأننا نكون كاتمين من الذين قال الله فيهم [إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159)] [ البقرة]، ٍفلا يقتصر الامر على المبتدع بل يتناول الامر من سكت عنه فإنه يتناوله الذم والعقاب، لأن الواجب البيان والتوضيح للناس وهذه وظيفة الردود العلمية المتوفرة الآن في مكتبات المسلمين كلها تذب عن الصراط المستقيم وتحذر من هؤلاء فلا يروج هذه الفكرة ـ فكرة حرية الرأي وحرية الكلمة واحترام الآخر ـ الا مضلل كاتم للحق نحن قصدنا الحق ما قصدنا نجرح الناس نتكلم في الناس القصد هو بيان الحق وهذه امانة حملها الله العلماء فلا يجوز السكوت عن امثال هولاء لكن مع الاسف لو يأتي عالم يرد على امثال هولاء قالوا هذا متسرع الى غير ذلك من الوساوس فهذا لا يخذل اهل العلم أن يبينوا شر دعاة الضلال لا يخذلونهم ) انتهى.
الثامن / لابد لطالب العلم أن يعرف كيف يتعامل مع ا المخالف من غير إفراط ولا تفريط ، فلا يقع في سلك الحدادية الغلاة ولايقع في سلك الممّيعة ، فيسلك المنهج الوسط ومعرفته دقيقة والسعيد من اهتدي أليه ، والذي يلاحظ ما وقع فيه الكثير يجد ان سبب ذلك إما إفراطا أو تفريطا ، فلابد لطالب العلم من ضبط قواعد التعامل مع المخالف كل بحسبه ، فلايعامل العامي الجاهل كمعاملة صاحب العلم الذي يعرف حقيقة الامر ، ولا يساوي من أختلط عليه الأمر مع المعاند المتكبر .
التاسع / لابد لطالب العلم أن يعرف كيف يتعامل مع ( الخلاف الذي يحصل بين أهل العلم ) فأذا كان هو بنفسه عاجز عن ترجيح ومعرفة الحق فعليه الاستعانة بالعلماء لأنه ليس لكل احد اهليه النظر والترجيح وخصوصا في المسائل الدقيقة.
والله أسأل ان يهدي ضال المسلمين ويثبت على الحق شبابهم ويجمع شملهم على الهدى وأن يتقبل منّا صالح الاعمال وأن يحفظ على السنة علمائنا وأن يرحم من مات منهم ويجمعنا بهم في جنات النعيم مع لأنبياء والصدقين والشهداء أنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلي اللهم على محمد وعلى آله صحبه وسلم
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
دروس ألقاها فضيلة الشيخ الوالد عبيد الجابري على طلبة العلم العراقيين في المدينة النبوية قام بتفريغها والإعتناء بها بإذن من الشيخ (حفظه الله تعالى)
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا) (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما).
أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله, وأحسن الهدي هدي محمد (صلى الله عليه و سلم), وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار.
وبعد:فأن الرجوع إلى العلماء أصل عظيم من أصول أهل السنة والجماعة ودليل ذلك قول الله تعالى {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (43 النحل) وقوله تعالى { وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا }[ النساء(83)]0ومن السنة قوله عليه الصلاة والسلام ( العلماء ورثة الانبياء ).
والدراسة عند العلماء ومشافهتم مقصد كبير ورغّب فيه الرسول (صلى الله عليه وسلم) وسار عليه أئمة السلف، فما نجد عالما من علماء السلف إلا و في ترجمة حياته أهم الشيوخ والعلماء الذين أخذ عنهم العلم أو روى عنهم الحديث, فأئمة السلف كانوا يرحلون من أجل أخذ العلم عن أهله ورواية الحديث مشافهة من حملته، والعلماء هم سند دعوة اهل السنة
قال الشيخ بن باز رحمه الله تعالى (إن من عوامل بقاء الدعوة تعاقب الدعاة لها ما تعاقبت الأيام، ومنذ أن أكرم الله تعالى هذه الأمة وصوت الداعي مدويا في أفق المدعوين إلى أن أكمل الله الدين وأتم النعمة، ثم توالى الدعاة من خلفاء الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى من بعدهم من دول أو مصلحين وموجهين آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر، وذلك عملا بالأصل القويم في قوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} (104 ال عمران) الآية.
فكلما خيمت سحب البدع، واحلولكت ظلم الجهالة، وخاض الناس لجج الباطل أيد الله تعالى لهذه الأمة رجالا يدعون إلى الله تعالى على بصيرة، ينيرون الطريق، ويظهرون الحق ويحيون السنة، ويحاربون البدعة حتى يطهر الله على أيديهم البلاد، وينقذ بدعوتهم العباد، وهذا من تمام النعمة وسعة الفضل من الله تعالى على عباده.) .
فلابد لطالب العلم من معرفة علماء أهل السنة وطلب العلم عندهم، والرحلة إليهم ومجالستهم، ولعل من أعظم أسباب الفوضى الحاصلة بين كثير من الشباب وطلبة العلم هو عدم معرفتهم بالعلماء الراسخين الذين يجب أخذ العلم عنهم هذا من جهة .
ومن جهة اخرى عدم تميز العلماء عمّن دونهم من طلبة العلم والوعاظ.
قال الشيخ محمد بن هادي المدخلي (حفظه الله): )
لابد لطالب العلم ان يعرف طبقات العلماء كما عرف العلماء وعرفّوا بطبقات العلماء والائمة, وطبقات الحفّاظ, وطبقات الأئمة المجتهدين في المذهب والمجتهدين اجتهادا مطلقا ومن عُرفوا بالفتوى بالمذهب ومن عُرفوا ... الخ, فلابد ان تعرف ذلك, تعرف العالمين بالفتن والمختصين بتعلمها هذا أصل موجود في الشرع والنبي (صلى الله عليه وسلم) خص حذيفة بالفتن) .
فمنهج السلف رحمهم الله في التلقي قائم على الأخذ من الثقات وترك أهل الأهواء والفتن ويدل على ذلك ما خرجه الإمام مسلم في مقدمته [عن ابن سيرين رحمه الله أنه قال: (إن هذا العلم دين فانظروا عمّن تأخذون دينكم)، وعن عاصم الأحول عن ابن سيرين قال: (لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا سموا لنا رجالكم فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم)، وعن ابن يونس حدثنا الأوزاعي عن سليمان بن موسى قال: (لقيت طاوسا فقلت حدثني فلان كيت وكيت قال إن كان صاحبك مليا فخذ عنه.)] انتهى.
فكيف بزماننا, الذي كثرت فيه الفتن وتنوعت!
ولقد قص الله علينا قصة موسى عليه الصلاة والسلام مع الخضر عليه السلام وفيها بيان أهمية الرحلة لطلب العلم وتحمل المشاق من أجل هذا المقصد العظيم قال تعالى: [وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60) فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61)], إلى أن قال: [َفوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65) قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70)][ الكهف ].
قال الإمام السعدي في تفسير هذه الآية: (وفي هذه القصة العجيبة الجليلة، من الفوائد والأحكام والقواعد شيء كثير، _ننبه على بعضه بعون الله_.
1/ فمنها فضيلة العلم، والرحلة في طلبه، وأنه أهم الأمور، فإن موسى عليه السلام رحل مسافة طويلة، ولقي النصب في العلم على ذلك.
2 / ومنها: البداءة بالأهم فالأهم، فإن زيادة العلم وعلم الإنسان أهم من ترك ذلك، والاشتغال بالتعليم من دون تزود من العلم، والجمع بين الأمرين أكمل.
3 / ومنها: أن العلم الذي يعلمه الله [لعباده] نوعان:
علم مكتسب يدركه العبد بجده واجتهاده, ونوع علم لدني، يهبه الله لمن يمن عليه من عباده لقوله {وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا}.
4 / ومنها: التأدب مع المعلم، وخطاب المتعلم إياه ألطف خطاب، لقول موسى عليه السلام:
{هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا}, فأخرج الكلام بصورة الملاطفة والمشاورة، وأنك هل تأذن لي في ذلك أم لا وإقراره بأنه يتعلم منه، بخلاف ما عليه أهل الجفاء أو الكبر، الذي لا يظهر للمعلم افتقارهم إلى علمه، بل يدعي أنه يتعاون هم وإياه، بل ربما ظن أنه يعلم معلمه، وهو جاهل جدا، فالذل للمعلم، وإظهار الحاجة إلى تعليمه، من أنفع شيء للمتعلم.
5 / ومنها تواضع الفاضل للتعلم ممن دونه، فإن موسى -بلا شك- أفضل من الخضر.
6 / ومنها: تعلم العالم الفاضل للعلم الذي لم يتمهر فيه، ممن مهر فيه، وإن كان دونه في العلم بدرجات كثيرة.
فإن موسى عليه السلام من أولي العزم من المرسلين، الذين منحهم الله وأعطاهم من العلم ما لم يعط سواهم، ولكن في هذا العلم الخاص كان عند الخضر، ما ليس عنده، فلهذا حرص على التعلم منه فعلى هذا، لا ينبغي للفقيه المحدث، إذا كان قاصرا في علم النحو، أو الصرف، أو نحوه من العلوم، أن لا يتعلمه ممن مهر فيه، وإن لم يكن محدثا ولا فقيها.
7 / ومنها: إضافة العلم وغيره من الفضائل لله تعالى، والإقرار بذلك، وشكر الله عليها لقوله: {تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ} أي: مما علمك الله تعالى.
8 / ومنها: أن العلم النافع، هو العلم المرشد إلى الخير، فكل علم يكون فيه رشد وهداية لطرق الخير، وتحذير عن طريق الشر، أو وسيلة لذلك، فإنه من العلم النافع، وما سوى ذلك، فإما أن يكون ضارا، أو ليس فيه فائدة لقوله: {أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً}.
9 / ومنها: أن من ليس له قوة الصبر على صحبة العالم والعلم، وحسن الثبات على ذلك، أنه يفوته بحسب عدم صبره كثير من العلم فمن لا صبر له لا يدرك العلم، ومن استعمل الصبر ولازمه، أدرك به كل أمر سعى فيه، لقول الخضر - يعتذر من موسى بذكر المانع لموسى في الأخذ عنه - إنه لا يصبر معه.) انتهى.
فليت شعري اين المتقاعسون من هذه القصة العظيمة؟
بل وأين المتكسبون بالعلم أذا أُعطوا رضوا واذا منعوا اذا هم يسخطون؟
بل وأين المتكبرون من هذا التواضع الجميل لنبي من اولي العزم كيف يرحل من أجل طلب العلم؟
وأين الجزعون من هذا الصبر الجميل وتحمل الأعباء والمشاق في سبيل الحصول على المقصود؟.
فلا زال طالب العلم بخير ما شعر أنه بحاجة الى العلماء وانه لايستغني عنهم، وعن مشورتهم وسؤالهم فيما يستجد من نوازل، فأن من أعظم أسباب الوقوع في الفتن والانحراف نسأل الله السلامة والعافية هو ترك العلماء وتنقصهم فالخوارج والقدرية ومن شابههم خرجوا عن منهج علماء الصحابة، وكذلك أئمة الضلال في كل زمان ومكان من أبرز سماتهم ازدراء العلماء وعدم الرجوع اليهم.
ولابد من معرفة علماء السنة في كل زمان ومكان فما كل من كتب وخطب وأكثر الكلام وشقشقته أصبح عالما إنما العالم من شهد له العلماء بالعلم وصحة المنهج.
قال الشيخ صالح الفوزان (حفظه الله):
(لا تستعجل فيما تسمع من الناس وخصوصا عند تأخر الزمان, وكثرة من يتكلم وينتصب للعلم والقول, وخصوصا لمّا جدّت وسائل الإعلام, وصار كل يهذوا ويتكلم بإسم الديِّن, حتى أهل الضّلال والفرق الضالة والمنحرفة صاروا يتكلمون بإسم الدين الآن في الفضائيات, فالخطر عظيم جدا, فعليك أيّها المسلم وطالب العلم بالذات أن تتثبت, ولا تستعجل مع كل ما تسمع, عليك بالتثبت ومعرفة الذي قال هذا ؟ ومن أين جاء هذا الفكر؟ ثم ماهي مستنداته وأدلته من الكتاب والسنة؟ ثم أين تعلم صاحبه؟ وعمّن أخذ العلم؟ فهذه أمور تحتاج الى تثبت, خصوصا في هذا الزمان, فما كل قائل حتى ولو كان فصيحا وبليغا ويشقق الكلام ويأخذ بالأسماع لاتغتر به حتى ترى مدى ما عنده من العلم والفقه فربما يكون كلامه قليلا لكنه فقيه, وربما يكون كلامه كثيرا لكنه جاهل ليس عنده شيء من الفقه بل عنده سحر الكلام حتى يغر الناس ويتظاهر بأنه عالم وبأنه فاهم وبأنه مفكّر, ونحو ذلك حتى يغر الناس ويخرج بهم عن الحق, فليس العبرة بكثرة الكلام وشقشقته, بل العبرة بما فيه من العلم وما فيه من التأصيل, ورب كلام قليل مؤصل يكون أنفع بكثير من كلام كثير مشقشق لا تمسك منه فائدة الا القليل, وهذا هو الواقع في زماننا يكثر الكلام ويقل العلم, يكثر القراء ويقل الفقهاء, والفقه ليس هو بكثرة الكلام أوكثرة القراءة أو جودة الكلام, او حسن التعبير, يقول الشاعر:
في زخرف القول تزيين لباطله والحق قد يعتريه سوء تعبير
تقول هذا مجاج النحل تمدحه وأن تشأ قلت ذا قيء الزنابير
إن شئت أن تمدح العسل تقول: هذا (مجاج النحل), وإن ذممته قلت هذا (قيء), بدل (مجاج), وبدل النحل تقول الزنابير, فالبليغ يقلب الحق باطلا, والباطل حقا ببلاغته, فاحذر من هذا, ولهذا حذّر (النبي صلى الله عليه وسلم) من فصيح اللسان الذي يتخلله بلسانه كما تتخلل البقرة بلسانها حذّر من هذا, وقال [ أن من البيان لسحرا] يعني يسحر الاسماع.) انتهى.
وطالب العلم لابد له من أمور:
الاول/ الإخلاص في طلبه لايبتغي متاع الدنيا وممدحة الناس, لإن العلم عبادة وشرط قبول أي عباده الإخلاص لله تعالى.
الثاني/ يطلب العلم لرفع الجهل عن نفسه, وعلامة الاولى أنه يتعبد لله بالعلم ولايهمه مدحه الناس او لا, وعلامة الأخرى أنه يفرح أذا بُين له خطئه ويقبل النصح بصدر منشرح فعلامة الرياء في العلم عدم قبول النصح والعياذ بالله.
الثالث/ ملازمة العلماء لأنها سبب لإستدامة طالب العلم على الطلب، وسبب لثباته على المنهج، والله جل وعلا هو وحده الذي يملك القلوب.
الرابع/ التدرج في طلب العلم والأهتمام بالتأصيل لأنه ليس كل من حصّل تأصل، فكم من مُحصل يحفظ المتون والاقوال لكنه عُدم الفقه والتأصيل.
الخامس/ الحذر من الجمعيات الحزبية التي تصطاد بالماء العكر بحجة مساعدة طالب
العلم, والنفس راغبة إن رغبتها، وإن تُرد الى قليل تقنع, فما أفسد نيات كثير من الشباب السلفي ثم انحراف مناهجهم إلا بسبب بعض هذه الجمعيات الحزبية.
السادس/ تجنب البطانة السيئة فطالب العلم لابد ان يربي نفسه على التواضع وترك التمشيخ وحب الترفع، فكم من طالب علم أُهلك بكثرة ما يمدح من مقربيه حتى ظن بنفسه أنه أصبح العالم الذي يجب أن لا يعارض، ومراقبة النفس وكبح جماحها والإبتعاد عن حب الريّاسة والشهرة من أعظم ما يجب على طالب العلم مراعاته ومجاهدة النفس عليه.
قال ابن القيم (رحمه الله):
(واما العلم فآفته: عدم مطابقته لمراد الله الدينى الذي يحبه الله ويرضاه وذلك يكون من فساد العلم تارة ومن فساد الارادة تارة.
ففساده من جهة العلم ان يعتقد ان هذا مشروع محبوب لله وليس كذلك او يعتقد انه يقربه الى الله وان لم يكن مشروعا فيظن انه يتقرب الى الله بهذا العمل وان لم يعلم انه مشروع.
وأما فساده من جهة القصد: فان لا يقصد به وجه الله والدار الآخرة بل يقصد به الدنيا والخلق.
وهاتان الآفتان في العلم والعمل لا سبيل الى السلامة منهما إلا بمعرفة ما جاء به الرسول في باب العلم والمعرفة وارادة وجه الله والدار الآخرة في باب القصد والإرادة فمتى خلا من هذه المعرفة وهذه الارادة فسد علمه وعمله.
والأيمان واليقين يورثان صحة المعرفة وصحة الارادة.
وهما يورثان الايمان ويمدّانه ومن هنا يتبين إنحراف أكثر الناس عن الإيمان, لإنحرافهم عن صحة المعرفة وصحة الارادة ولا يتم الايمان الا بتلقي المعرفة من مشكاة النبوة وتجريد الارادة عن شوائب الهوى وارادة الخلق فيكون علمه مقتبسا من مشكاة الوحى وارادته لله والدار الآخرة فهذا أصح الناس علما وعملا وهو من الأئمة الذين يهدون بأمر الله ومن خلفاء رسوله في أمته ) .
السابع/ لابد أن يكون طالب العلم فطنا يعرف مايدور في الساحة، ويعرف مايستجد من مناهج وأقوال, وقواعد مخالفة لمنهج السلف، ويرجع الى العلماء في بيان خطأ وخطورة هذه القواعد والاقوال المحدثة ولايلتفت الى من يميّع مسألة الرد على المخالف.
قال الشيخ العلامّة صالح بن فوزان بن عبدالله الفوزان (
حفظه الله تعالى): (هذا الذي خرج عن الحق متعمدا لا يجوز السكوت عنه بل يجب ان يكشف امره ويفضح خزيه، حتى يحذره الناس ولا يقال: الناس أحرار في الرأي،حرية الكلمة، احترام الرأي الآخر، كما يدندنون به الآن من احترام الرأي الآخر فالمسألة ليست مسألة أرآء المسألة مسألة إتباع نحن قد رسم الله لنا طريقا واضحا وقال لنا سيروا عليه حينما قال [وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)] [ الانعام]. فأي شخص يأتينا ويريد منا ان نخرج عن هذا الصراط فإننا:
اولا / نرفض قوله
وثانيا / نبين ونحذر الناس منه ولا يسعنا السكوت عنه، لأننا اذا سكتنا عنه اغتر به الناس، لاسيما أذا كان صاحب فصاحة ولسان وقلم وثقافة فان الناس يغترون به فيقولون هذا مؤهل هذا من المفكرين كما هو حاصل الآن فالمسألة خطيرة جدا وهذا فيه وجوب الرد على المخالف عكس ما يقوله اولئك يقولون اتركوا الردود دعوا الناس كل له رأيه واحترامه وحرية الرأي وحرية الكلمة بهذا تهلك الأمة فالسلف ماسكتوا عن امثال هؤلاء بل فضحوهم وردوا عليهم لعلمهم بخطرهم على الأمة ، نحن لا يسعنا ان نسكت على شرهم بل لابد من بيان ما انزل الله وإلا فأننا نكون كاتمين من الذين قال الله فيهم [إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159)] [ البقرة]، ٍفلا يقتصر الامر على المبتدع بل يتناول الامر من سكت عنه فإنه يتناوله الذم والعقاب، لأن الواجب البيان والتوضيح للناس وهذه وظيفة الردود العلمية المتوفرة الآن في مكتبات المسلمين كلها تذب عن الصراط المستقيم وتحذر من هؤلاء فلا يروج هذه الفكرة ـ فكرة حرية الرأي وحرية الكلمة واحترام الآخر ـ الا مضلل كاتم للحق نحن قصدنا الحق ما قصدنا نجرح الناس نتكلم في الناس القصد هو بيان الحق وهذه امانة حملها الله العلماء فلا يجوز السكوت عن امثال هولاء لكن مع الاسف لو يأتي عالم يرد على امثال هولاء قالوا هذا متسرع الى غير ذلك من الوساوس فهذا لا يخذل اهل العلم أن يبينوا شر دعاة الضلال لا يخذلونهم ) انتهى.
الثامن / لابد لطالب العلم أن يعرف كيف يتعامل مع ا المخالف من غير إفراط ولا تفريط ، فلا يقع في سلك الحدادية الغلاة ولايقع في سلك الممّيعة ، فيسلك المنهج الوسط ومعرفته دقيقة والسعيد من اهتدي أليه ، والذي يلاحظ ما وقع فيه الكثير يجد ان سبب ذلك إما إفراطا أو تفريطا ، فلابد لطالب العلم من ضبط قواعد التعامل مع المخالف كل بحسبه ، فلايعامل العامي الجاهل كمعاملة صاحب العلم الذي يعرف حقيقة الامر ، ولا يساوي من أختلط عليه الأمر مع المعاند المتكبر .
التاسع / لابد لطالب العلم أن يعرف كيف يتعامل مع ( الخلاف الذي يحصل بين أهل العلم ) فأذا كان هو بنفسه عاجز عن ترجيح ومعرفة الحق فعليه الاستعانة بالعلماء لأنه ليس لكل احد اهليه النظر والترجيح وخصوصا في المسائل الدقيقة.
والله أسأل ان يهدي ضال المسلمين ويثبت على الحق شبابهم ويجمع شملهم على الهدى وأن يتقبل منّا صالح الاعمال وأن يحفظ على السنة علمائنا وأن يرحم من مات منهم ويجمعنا بهم في جنات النعيم مع لأنبياء والصدقين والشهداء أنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلي اللهم على محمد وعلى آله صحبه وسلم