مشاهدة النسخة كاملة : مساعدة عاجلة
أبوالأهلة
2009-01-03, 17:44
:sdf: أريد بحث حركة جمع اللغة وجزاكم الله خيرا
أبوالأهلة
2009-01-11, 00:56
التقديم والتأخير في النحو العربي
- تمهيد:
إنّ التّرابط المحكم في الكلام ووضع كلّ كلمة في موضعها اللآئق في الجملة من أهمّ مقوّمات البلاغة والبيان، وكثير من الكلمات لو قدّمتها أو أخّرتها عن موضعها لفسد عليك المعنى الذي تريده أو ضاع جماله ورونقه أو أخليت من بعض أساسيّات التّعبير العربي الفصيح، لذلك كان لكلّ كلمة موضعها من الجملة متقدّمة كانت أو متأخّرة. كذلك أنّ الأصل في الكلام أنّه ينقسم إلى جمل، والجمل بدورها تنقسم إلى جمل إسميّة، وفعليّة. والأصل في الجملة أن تكون مرتّبة العناصر فيرد المبتدأ أوّلا ثم الخبر في الجملة الإسميّة كقولنا: " الطّقس جميل ". ويرد الفعل ثمّ الفاعل أو نائب الفاعل حسب طبيعة الفعل ثمّ مكمّلات الجملة من مفعولات مختلفة أو توابع كالعطف والبدل..إلخ كقولنا: " شرح الأستاذ الدّرس ". " نزل المطر نزولاغزيرا "...إلخ
مفهوم التقديم والتأخير
يراد بالتقديم والتأخير أن تخالف عناصر التركيب ترتيبها الأصليّ في السياق فيتقدَّم ما الأصل فيه أن يتأخَّر ويتأخَّر ما الأصل فيه أن يتقدَّم .
والحاكم للترتيب الأصليّ بين عنصرين يختلف إذا كان الترتيب لازمًا أو غير لازم ، فهو في الترتيب اللازم ( الرتبة المحفوظة ) حاكمٌ صناعيٌّ نحويّ ، أمَّا في غير اللازم ( الرتبة غير المحفوظة ) فيكاد يكون شيئًا غير محدَّد ، ولكن توجد بعض الأسباب العامَّة الَّتي قد تفسِّر الترتيب الأصليّ – بنوعيه - بين عنصرين ، وهي مختلفة في اعتباراتها ، فمنها ما اعتباره معنويّ ، ومنها ما اعتباره لفظيّ ، أو منطقيّ ، أو صناعيّ ، ومن أهمّ هذه الأسباب :
1- أن تكون العلاقة بين العنصرين علاقة المحكوم عليه بالحكم ، فمقتضى الأصل أن يتقدَّم المحكوم عليه ويتأخَّر الحكم ، كتقدُّم المبتدإ على الخبر .
2- أن تكون العلاقة بينهما علاقة العامل بالمعمول ، فمقتضى الأصل أن يتقدَّم العامل ويتأخَّر المعمول ، كتقدُّم الفعل على المفعول .
3- أن تكون العلاقة بينهما علاقة المقدِّمة بالنتيجة ، فمقتضى الأصل أن تتقدَّم المقدِّمة وتتأخَّر النتيجة ، كتقدُّم فعل الشرط على جواب الشرط .
4- أن تكون العلاقة بينهما علاقة الكلِّ بالجزء المقتطَع منه ، فمقتضى الأصل أن يتقدَّم الكلُّ ويتأخَّر الجزء ، كتقدُّم المُستثنى منه على المُستثنى .
5- أن يكون تقدُّم عنصرٍ ضروريًّا لحفظ تقسـيمٍ معلوم من اللغة بالضرورة ، كتقدُّم الفعل على الفاعل ؛ لما عُلم من وجود جملة فعليَّة تقف جنبًا إلى جنب مع الجملة الاسميَّة مكوِّنةً معها أساسًا ثنائيًّا لورود الجمل .
وللتقديم والتأخير علَّة هي الرتبة ، فالرتبة مبدأٌ نحـويٌّ لولاه لم يكن ثَمَّ تقديمٌ ولا تأخير ، فما الرتبة ؟ وما أنواعها ؟
الرتبة قرينةٌ نحويَّةٌ من قرائن المعنى ، يمكن تعريفها بأنَّها جزءٌ من النظام النحويِّ " يحدِّد موقع الكلمة من بناء الجملة " ويفرض لكلمتين بينهما ارتباط أن تأتي إحداهما أوَّلاً والأخرى ثانيًا ، ويمتنع العكس إذا كانت الرتبة محفوظة ، أمَّا إذا كانت الرتبة غير محفوظة فيجوز أن تتقدَّم إحدى الكلمتين في تعبيرٍ وتتأخَّر في تعبيرٍ آخر من غير اتِّصاف أحد التعبيرين بالخطأ النحويِّ .
وهناك تجاذبٌ بين الرتبة والإعراب ، فالرتبة في اللغات غير الإعرابيَّة تُحدِّد الوظيفة التركيبيَّة لأجزاء الجملة ، أمَّا في اللغات الإعرابيَّة فتظهر مرونة الرتبة وإتاحتها حرِّيَّة الحركة لتلك الأجـزاء ؛بسـبب تكفُّل الإعـراب بتحديد الوظيفة التركيبيَّة لها ، فإذا خفي الإعراب انتفى ذلك ووجب الالتزام بالرتبة .
والفرق بين الرتبة المحفوظة وغير المحفوظة أنَّ الترتيب السياقيَّ للكلمات في حالة الرتبة المحفوظة يُراعى في نظام اللغة وفي الاستعمال ، ولا يقع خلافه إلاَّ موصوفًا بالخطأ النحويِّ ، أمَّا في حالة الرتبة غير المحفوظة فترتيب الكلمات في السياق أصلٌ افتراضيٌّ اتَّخذه النظام النحويُّ ، وقد يُحتِّم الاستعمال – حسب المقام والغرض – خلافه بتقديم المتأخِّر .
ويُوصَف العنصر المتقدِّم في الرتبة المحفوظة بأنَّه متقدِّم وجوبًا - ومن ذلك تقدُّم الموصـول على الصلة ، والموصـوف على الصـفة ، وحرف الجرِّ على المجرور ، وغيرها– أمَّا في الرتبة غير المحفوظـة – كالَّتي بين المبتدإ والخبر ، والفاعل والمفعـول به ، والضمير والمرجع ، وغير ذلك – فالتقديم والتأخير اختيارٌ أسـلوبيٌّ جائزٌ للمتكلِّم بحسـب ما يعبِّر عن غرضه ويُفهِم معناه المقصود .
وقد يُلغى هذا الاخـتيار وتُحـفَظ الرتبة ؛ إمَّا لاتِّقاء لبس ، كما في ( ضرب موسى عيسى ) ، أو لاتِّقاء مخالفة القاعدة ، كما في ( رأيتُكَ ) ، فانتقال الرتبة من دائرة الرتبة غير المحفوظة إلى دائرة الرتبة المحفوظة أمرٌ وارد .
والفرق بين الرتبة المحفوظة والرتبة غير المحفوظة هو عينه الفرق بين الواجب والجائز في النحو ؛ فالتقديم في الرتبة المحفوظة حكمٌ تركيبيٌّ نحويٌّ صِرف لا مجال فيه لاختيار المتكلِّم ، فهو إمَّا جارٍ على القاعدة بحفظها ، أو مخالفٌ للقاعدة مخلٌّ بسلامة التركيب بإهماله لها ، أمَّا الرتبة غير المحفوظة فالتقديم فيها أمرٌ اختياريٌّ يمكِّن من التصرُّف في العبارة ؛ لأنَّه يصبح وسيلة أسلوبيَّة تُستجلب بها المعاني وتُقلَّب العبارة لتناسب مقتضى الحال ، ولهذا دار البحث البلاغيُّ في علم المعاني حول الرتبة غير المحفوظة .
مخالفة الأصل فيهما :
ينطلق الحـديث عن التقـديم والتأخير من منطلـق الرتبة الَّتي منها – كما أسلفت – رتبة محفوظة لا تُخالَف إلاَّ خطأً وانحرافًا عن النظام السياقيِّ ، ورتبة غير محفوظة قد تُراعَى وقد لا تُراعَى .
والترتيب الَّذي جعله النظام النحويُّ أصلاً في الرتبة غير المحفوظة لا يُسأل عن علَّته في غالب الأحيان ، وإنَّما يُسأل عمَّا جاء على خلافه : لمَ خالف ؟ وما الغاية من الخلاف ؟
فالتقديم والتأخير نوعٌ من التصرُّف في التركيب والعدول عن أصل ترتيب عناصره لغاية بيانيَّة معنويَّة ، وهذا التصرُّف لا يكون اعتباطًا لغير علَّة وإلاَّ كان جورًا على التركيب ومعناه وإفسادًا للكلام بأسره .
حاصل القول في ظاهرة التقديم والتأخير ( الجائز ) أنَّها تفتقر إلى أمور :
الأوَّل : تحديد الأصل في ترتيب عناصر التركيب .
الثاني : تحديد العدول عن الأصل في هذا الترتيب .
الآخر : البحث عن علَّة هذا العدول وتأثيره في المعنى والدلالة .
أغراض التقديم :
للتقديم أغراض متعدِّدة متنوِّعة ، يتعيَّن أحدها بحسب العنصر المقدَّم ، وبحسب المقامات والأحوال ، إلاَّ أنَّ الغرض الأوَّل من تقديم عنصرٍ ما هو كون ذكره أهمّ من ذكر باقي أجزاء الكلام ، والعناية به أكثر من العناية بذكر غيره ، وهو ما عبَّر عنه سيبويه بقوله في الفاعل والمفعول : " ... يقدِّمون الَّذي بيانه أهمُّ لهم وهم ببيانه أعنى ، وإن كانا جميعًا يُهِمَّانهم ويعنيانهم " ، وجعله الإمام عبد القاهر قاعدةً للتقديم بقوله : " ... لم نجدهم اعتمدوا فيه شيئًا يجري مجرى الأصل غير العناية والاهتمام " ، إلاَّ أنَّه أكَّد أنَّ الاقتصار على العناية والاهتمام لا يكفي لبيان سبب تقديم لفظٍ ما ، بل يجب أن يُفسَّر وجه العناية فيه وسبب أهمِّيَّته الَّتي جعلته يتقدَّم في حين تأخَّر غيره .
وما دام القول بالعناية وحدها لا يكفي فقد ذكر العلماء من الأغراض ما يُعدُّ وجوهًا لهذه العناية ؛ ففيها تفسيرٌ لها وتعليل ، وليس فيها حجرٌ على غيرها من الأغراض ؛ فلكلِّ سياقٍ خواصُّه ، ولكلِّ تقديمٍ أسراره .
وممَّا ذكروه من أغراض تقديم الخبر المفرد على المبتدإ :
1- التخصيص ، كأن يقول أحد : زيد إمَّا قائم أو قاعد ، " فيردِّده بين القيام والقعود من غير أن يخصصه بأحدهما " ، فالردُّ عليه يكون بتقديم الخبر لتخصيص المبتدإ به ، فيقال : قائمٌ هو
2- الافتخار ، نحو : " تميميٌّ أنا " ، فتقديم الخبر هنا " يُفهَم منه معنى لا يُفهَم بتأخيره " ، وهو الافتخار – أو غيره كالتخصيص في مقام آخر – فيجب التقديم مراعاةً للمعنى والغرض .
3- التفاؤل أو التشاؤم ، مثل : ناجحٌ زيدٌ ، ومقتولٌ إبراهيم .
ومن أغراض تقديم الخبر الظرف والجارّ والمجرور :
1- الاختصاص ، نحو قول الله تعالى : ﴿ لَهُ الْمُلْكُ وَلَـهُ الْحَمْدُ ﴾ ، فالغرض من التقديم هنا بيان " اختصاص الملك والحمد بالله عزَّ وجلَّ " لا بغيره .
ويجب التنبيه هنا إلى أنَّ التقديم للاختصاص ليس مقصورًا على كون المقدَّم ظرفًا والمؤخَّر مبتدأ ؛ فقد " كاد أهل البيان يُطبقون على أنَّ تقديم المعمول يفيد الحصر ، سـواء كان مفعـولاً أو ظرفًا أو مجرورًا ، ولهذا قيل في ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ : معناه : نخصُّك بالعبادة والاستعانة " .
2- التنبيه من أوَّل الأمر على أنَّ الظرف خبرٌ لا نعت ، كما في قول الشاعر :
له هـممٌ لا منتهى لكبارها وهمَّته الصغرى أجلُّ من الدهر
فإنَّه " لو أخَّر فقال : هممٌ له ، لتُوُهِّم أنَّه صفة " ، فقدَّم الخبر للتنبيه وإزالة الوهم .
ولتقديم المبتدإ على الفعل أغراض كثيرة ، منها :
1- التخصيص بالخبر الفعليِّ ، نحو : أنا سعيتُ في حاجتك ؛ لإفادة الانفراد بالسعي وعدم الشركة فيه .
2- تحقيق الأمر وإزالة الشكِّ ، نحو : هو يعطي الجزيل ، فليس الغرض هنا ادِّعاء اختصـاصه بذلك دون غيره ، وإنَّما الغرض تأكيد المعنى في نفس السامع .
3- تعجيل مسـرَّة السامع أو مسـاءته ، نحو : خليلك عاد من السفر ، ونحو : الكئيب يزورك اليوم .
وغير ذلك من الأغراض ممَّا سيأتي مفصَّلاً في موضعه .
قيمة التقديم والتأخير :
ظاهرة التقديم والتأخير – شـأن الظواهر السـياقيَّة الأخرى كالحذف والزيادة وغيرها – مظهرٌ من مظاهر شجاعة العربيَّة ؛ ففيها إقدام على مخالفة لقرينة من قرائن المعنى من غير خشـية لبس ، اعتمادًا على قرائن أخرى ، ووصولاً بالعبارة إلى دلالاتٍ وفوائد تجعلها عبارةً راقيةً ذات رونقٍ وجمال .
والقيمة البيانيَّة للتقديم والتأخير مرتبطةٌ بالجائز منه ، ومرهونةٌ بحسن استعماله على وفق مقتضى الحال ، والوعي باستعماله في موضعه ، وإلاَّ كان عبثًا لا قيمة له ولا فائدة بل ربَّما يؤدِّي إلى إفساد المعنى .
والأغراض الَّتي تتفتَّق عنها ظاهـرة التقديم تبيِّن ثراءها وكثرة فوائـدها ، وكونها منبعًا ثرًّا لرقيِّ الأساليب وارتفاعها في البيان .
فلا عجب حين نرى احتفاء الإمام عبد القاهر الجرجاني بهذه الظاهرة في قوله عن بابها : " هو بابٌ كثير الفوائد ، جمُّ المحاسن ، واسع التصرُّف ، بعيد الغاية ، لا يزال يفترُّ لك عن بديعة ، ويفضي بك إلى لطيفة ، ولا تزال ترى شعرًا يروقك مسمعُه ، ويَلطُف لديك موقعُه ، ثم تنظر فتجد سبب أن راقك ولطف عندك أن قُدِّم فيه شيءٌ وحُوِّل اللفظ عن مكان إلى مكان "
أسباب التّقديم والتّأخير:
إنّ للتّقديم والتّأخير أسباباً كثيرة وقد كان القرآن المثل الذي يتطلّع إليه أهل الصّناعة الأدبيّة والبيانيّة ليهتدوا إلى أفضل السّبل لتجميل الكلام والأحاديث ومن هذه الأسباب:
ـ أن يكون الأصل في الكلمة التّقديم ولا يجوز العدول عن ذلك.
ـ أن يكون في التّأخير إخلال في المعنى فيقدّم لتفادي ذلك.
ـ أن يكون في التّأخير إخلال في التّناسب فيقدّم لمشاكلة الكلام ومراعاة الفاصلة.
ـ يقدّم الكلام لعظمته والإهتمام به.
ـ قد يكون التّقديم لإرادة التّعجّب من المذكور أو تحقيره.
ـ قد يراد به الإختصاص فتتقدّم مكمّلات الكلام.
ـ قد يراد به االتّشريف فيقدّم الأشرف على غيره.
وقبل الحديث عن هذه الأسباب مفصّلة، تجدر بنا الإشارة إلى طبيعة قواعد اللّغة العربيّة وتركيبة مكوّنات الجمل الإسميّ منها أو الفعليّة حيث نجد أنّه قد يتقدّم المفعول به في الجملة الفعليّة على الفاعل وجوبا أو جوازا، كما يتقدّم على الفعل والفاعل معاً وجوبا أوجوازا. كما يجوز أن يتقدّم الخبر على المبتدأ وذلك لأسباب نحويّة بحثة. كما تتعرّض الجملة الإسميّة أو الفعليّة إلى التّقديم والتّأخير وهذا لأسباب بلاغيّة مختلفة. وسنتعرّض لهذه الأسباب ونحاول تسليط الضّوء عليها ونبسّطها وهي على النّحو التّالي.
ـ الأسباب النّحويّة.
1. الجملة الإسميّة:
يتقدّم الخبر على المبتدأ وجوبا في أربعة مواضع هي.
ـ إذا كان الخبر من الألفاظ التي لها الصّدارة مثل: "أين أستاذك؟ متى الرّجوع ؟ كيف الحال ؟ "
ـ إذا كان الخبر مقصورا على المبتدأ مثل: " ما مجيب الدّعوات إلاّ ربّي ".
ـ إذا كان الخبر شبه جملة والمبتدأ نكرة لا مسوّغ لها مثل: " عندك إخلاصٌ، للجار حرمةٌ ".
ـ إذا عاد على الخبر ضمير في المبتدأ مثل: " للمجتهدِ جزاء عمله. في المدرسة تلاميذها ".
يجوز أيضا أن يتقدّم الخبر على المبتدأ: إذا أعرب مخصوص نعم أوبئس مبتدأ، والجملة قبله خبر مثل: " نِعْمَتِ العودةُ عوعتنا إلى ذلك الكتابِ ". فيجوز إعراب لفظ عودتنا مبتدأ والجملة قبله خبر مع صحّة تأخير الخبر فنقول عودتنا إلى ذلك الكتاب نِعْمَتِ العودة.
2. الجملة الفعليّة:
يتقدّم المفعول على الفاعل وجوبا في مواضع ثلاث هي:
1. إذا كان الفاعل محصورا بإنّما مثل: إنّما هذب النّاسَ الدّينُ القويمُ. أو أن يكون محصورا بإلاّ مثل: ما هذّب النّاسَ إلاّ الدّينُ القويمُ.
2. إذا كان المفعول ضميرا متّصلا، والفاعل اسماً ظاهرا مثل: كافأني والدي.
3. إذا اتّصل بالفاعل ضمير يعود إلى المفعول مثل: أحبّ التّلميذَ أستاذُهُ. علّم أحمدَ أختُهُ.
كما يتقدّم المفعول على الفاعل جوازا عند وجود قرينة معنويّة مثل: فهم الدّرسَ موسى. أضْنَتْ ليلَى الحمّى. أو عند وجود قرينة لفظيّة مثل: " علّم موسى عيسى " و " ضرب التلميذَ الأستاذُ ".
كما يتقدّم المفعول على الفعل والفاعل معا وجوبا في مواضع ثلاث هي:
1. إذا كان المفعول من أسماء الصّدارة مثل: " أيَّ كلامٍ تتكلّم ؟ ". و" من رأيتَ ؟ ". و" كم من متحف زرت ؟ ".
2. إذا كان المفعول به ضميرا منفصلا مرادا به التخصيص مثل: " إيّاك نعبد، وإيّاك نستعين ".
3. إذا وقع فعل المفعول به بعد فاء الجزاء، وليس للفعل مفعول آخر مقدّم مثل قوله تعالى:" فأمّا اليتيم فلا تقهر". وقوله أيضا: " وربّك فكبِّرْ ".
ـ الأسباب البلاغيّة:
قد تتقدّم تلك العناصر السّالفة الذّكر على بعضها وذلك لأداء المعنى ومنها:
1. القصروالتخصيص:
ويقصد به قصر صفة على موصوف لتحديده وإبرازه كقوله تعالى: " كذلك إنّما يخشى اللّهَ من عباده العلماءُ ". فقد تقدّم المفعول به " اللهَ " على الفاعل "العلماءُ " وهذا قصد إبرازه وتخصيصه.
2. التخصيص:
وهو تخصيص شيء بشيء عن طريق مخصوص، أو نقول أيضا: إذا كان المفعول به ضميرا منفصلا أُريد به التّخصيص وقد مرّ بنا في الأسباب النّحويّة مثل: " إياك نعبد ". فقد تقدّم المفعول به " الضّمير" جوازا على الفاعل حتّى نخصّص العبادة ونحدّدها في الله وحده لاغير. وقوله أيضا: " ولله ما في السّماوات وما في الأرض". تقدّم الخبر على المبتدأ لأنّه جاء شبه جملة جار ومجرور في قوله " لله ".
3. الإهتمام بأمر المتقدّم:
ـ إذا كان المتقدّم " المفعول به" أو" الخبر" محطّ التّعجّب مثل قول الشّاعر:
تعبٌ كلّها الحياةُ فما أعجبُ إلاّ من راغب في ازدياد.
فقد تقدّم الخبر " تعبٌ " على المبتدأ " الحياةُ " لأنّ الخبر محطّ الإعجاب.
ـ أو كان المتقدّم " المفعول به" أو " الخبر" محطّ الإنكار كقوله تعالى: " أغيرَ الله تدعون".
فقد تقدّم المفعول به " غيرَ " على الفاعل لأنّه كان محطّ اللإنكار.
4. التّعجيل بذكر الفرحة أو السّيئة:
كقول الفائز: " البكالورياَ نلتُ ". فقد تقدّم المفعول به على الفعل والفاعل جوازا وذلك قصد التّعجيل بذكز الفرحة والمسرّة التي غمرت القلب.
وفي قولنا: " الطّردَ حكمَ المجلسُ". فقد تقدّم المفعول به على الفعل والفاعل جوازا قصد إبراز الحالة النّفسيّة السّيئة.
5. الحفاظ على النّغم الموسيقي ونظم الكلام:
كقوله تعالى: " خذوه فغلّوه، ثمّ الجحيم صَلّوه ".
فقد تأخّر المفعول به " الجحيم " للحفاظ على النّغم الموسيقيّ.
6. التّشويق:
ونعني به تقديم ما تحبّه النّفس ومنه قوله تعالى: " وإذا الجنة أزلفت ".
7. التهويل:
وهو تقديم ما يسوء النّفس ويفزعها كقول الرّصافي في وصف أرملة:
الموت أفجعها والفقر أوجعها والهمُّ أنْحَلَهَا والغمُّ أَضْنَاهَا.
8. تقوية الحكم وتقريره:
وذلك من خلال السّؤال عن الفاعل وليس عن الفعل كقوله تعالى: " وإذ قال الله ياعيسى بن مريم: أأنت قلت للنّاس اتّخدوني وأمّي إلهين من دون الله ؟ ".
فقد كان السّؤال عن الفاعل وليس عن الفعل لذلك تقدّم الضّمير المنفصل "أنت" وهو الفاعل ممّا أكسب المعنى حكم القوّة والتّقرير.
أبوالأهلة
2009-01-11, 00:58
تمهيد
يكاد القرن الثاني الهجري يكون بداية النشاط الفعلي لجمع اللغة، والتأليف فيها؛ ذلك أن دخول كثير من غير العرب في دين الإسلام أحدث ما سمي بـ (اللحن) حيث سرى ذلك إلى الألسن؛ فأصابها الخطأ والفساد؛ فهب اللغويون يجمعون اللغة، ويدونونها، فارتحلوا إلى البوادي التي لم يختلط أهلها بالأعاجم، وشافهوا الأعراب، ودونوا عنهم اللغة.
وقد حفظت لنا المصادر أسماءَ عددٍ من الأعراب الذين سَمِع عنهم اللغويون، كما عُرف في تلك الفترة كثير من اللغويين الذين عنوا بجمع اللغة وتدوينها.
وستتضح تلك الجهود من خلال ما يلي:
أولاً: أبرز اللغويين الذين عنوا بجمع اللغة:
1- عبدالله بن إسحاق الحضرمي ت117هـ
2- عيسى بن عمر ت149هـ
3- أبو عمرو بن العلاء ت154هـ
4- الخليل بن أحمد الفراهيدي ت170هـ
5- عمرو بن عثمان بن قنبر المعروف بـ: سيبويه ت180هـ.
6- عمر وبن عثمان بن قنبر المودف بـ: سيبويه ت 180.
7- يونس بن حبيب ت182هـ
8- علي بن حمزة الكسائي ت189هـ
9- النضر بن شميل ت2023هـ
10- الفراء ت207هـ
11- أبو عبيدة ت210هـ
12- أبو عمر الشيباني ت213هـ
13- عبدالملك بن قريب - الأصمعي - ت213هـ
14- أبو زيد القرشي ت215هـ
ثانياً: نوعية التأليف في ذلك الوقت:
ألف أولئك العلماء عدداً من الكتب، وكل واحد منهم له طريقة في التأليف.
1- فمنهم من كان يجمع الألفاظ تحت باب واحد كالوحوش، أو السيوف، أو النخل.
2- ومنهم من يجمع في كتاب عدة أبواب.
3- ومن تلك المؤلفات ما يتناول إحدى ظواهر اللغة كالهمز، أو الأضداد.
4- ومنها ما يتناول الغريب ككتب غريب القرآن، أو غريب الحديث.
5- ومنها ما كان على شكل نوادر أو أَمَالٍ، إلى غير ذلك من التآليف.
ثالثاً: نماذج من تلك التآليف:
1- الشاء والإبل والخيل، وخلق الإنسان للأصمعي.
2- النوادر والهمز والمطر لأبي زيد القرشي.
3- معاني القرآن، والمنقوص، والممدود، والأيام، والليالي والشهور والمذكر والمؤنث، للفراء.
4- غريب الحديث لأبي عبيد القاسم بن سلام.
5- معاني القرآن للأخفش.
ومثل ذلك كثير من الكتب والرسائل اللغوية التي وصلتنا من القرنين الثاني والثالث للهجرة.
وقد كانت هذه الحركة مبنية على أساس علمي صحيح مأخوذ من سماع اللغة عن الموثوق بهم وبعد تم تدوينها بأسلوب وصفي دقيق.
وقد كانت هذه المادة هي الأساس الذي بنيت عليه علوم اللغة من نحو وصرف ومعاجم وغيرها؛ إذ توقفت حركة الجمع بعد ذلك، واكتفى العلماء بالمادة المجموعة يضعون قواعدهم على أساسها.
رابعاً: أبرز المؤلفات اللغوية في القرن الثاني الهجري:
ومع هذه المؤلفات المذكورة العظيمة النفع إلا أنها لا ترتقي إلى درجة عملين عظيمين تُوَّج بهما القرن الثاني:
أولهما - كتاب (العين) للخليل بن أحمد: وهو أول معجم عربي، بناه مؤلفه على طريقة مبتكرة من الترتيب الصوتي ؛ إذ استطاع الخليل أن يرتب مخارج الأصوات من أقصى الحلق إلى الشفتين، ويقيم معجمه على نظام التقاليب - وهو ما سيتبين أكثر عند دراسة المعاجم العربية - .
كما أنه -رحمه الله- استطاع أن يحدد المهمل من كلام العرب، والمستعمل.
ولعظم هذا العمل صعب على كثير من أعداء الإسلام والعربية أن ينسبوه إلى الخليل؛ فراحوا يكيلون التهم، ويدَّعون أن الخليل اقتبسه عن غيره من الأمم السابقة التي عرفت النظام الصوتي والمعجمي.
وسيأتي الكلام عن ذلك مفصلاً - إن شاء الله - عند الحديث عن المعاجم.
- أما الكتاب الآخر فهو (كتاب سيبويه): وهو عمرو بن عثمان بن قنبر الملقب بـ: سيبويه.
وكتابه يعد - بحق - دستور النحو العربي، والذي اتخذه العلماء بعد سيبويه أساساً لمؤلفاتهم شرحاً وتحليلاً.
وكل ما أضيف إلى النحو العربي بعد هذا الكتاب لا يقارن بالكتاب.
وقد عالج سيبويه -رحمه الله- في كتابه القضايا النحوية، والصرفية.
كما تحدث عن الأصوات: مخارجها، وصفاتها في آخر الكتاب.
كما أنه اشتمل على مسائل في التقديم والتأخير، ومعاني الحروف، ومحاسن العطف، ونحوها؛ فكان عمدة علماء البلاغة من بعده، فهو يعد عملاً لغوياً متكاملاً؛ ولقد كان كتابه محل القبول، والثناء، وكان له منزلة مرموقة.
ومما ذكره ابن جني في الثناء عليه وعلى علمه قوله: "ولما كان النحويون بالعرب لاحقين، وعلى سمتهم آخذين، وبألفاظهم مُتَحلِّين، ولمعانيهم وقصودهم آمِّين - جاز لصاحب هذا العلم - يعني سيبويه - الذي جمع شَعَاعه، وشرع أوضاعه، ورسم أشكاله، ووسم أغفاله، وحَلَج أشطانه، وبعج أحضانه، وزمَّ شوارده، وأفاد نوادره - أن يرى فيه نحواً مما رأو"-هـ.
وقال الزمخشري مثنياً على سيبويه:
ألا صلى الإله صلاة iiصدق * على عمرو بن عثمان بن قنبرْ
فإن كتابه لم يغْنَ iiعنه * بنو قلمٍ ولا أعواد iiمنبرْ
:
1 ــ نشأة الحركة المعجمية
""تعد اللغة العربية من أعظم اللغات التي عرفها الإنسان ومن أوسعها، وهي من أكبرها حظًّا من العناية والاهتمام اللذين تجلّيا بشكل مذهل في تلك المكتبة اللغوية التي ابتدعتها الحضارة الإسلامية خلال قرون طويلة، وكانت منذ البدء دليلاً ملموسًا على أصالةٍ متمكنة وعمق بعيد"1".
وما كانت هذه المكتبة اللغوية إلاّ نتاجًا لحركة تأليفية جاءت كمرحلة تالية لمرحلة جمع اللغة وتدوينها حفظًا لها وللأنموذج الأمثل للاقتداء والاحتذاء والسير وَفق قواعده ومنهاجه.
تعددت صور التأليف بتعدد اهتمامات العلماء بكل فرع من فروع اللغة التي من بينها ما تتألف منه هذه اللغة من مفردات، وما تكتنزه هذه المفردات من معان، حيث تصدى لجمع هذه المفردات علماء قامت على أيديهم حركة التأليف المعجمي؛ فألفوا رسائل وكتبا اصطلح على تسميتها في ما بعد ( معاجم ).
""قامت حركة التأليف في المعاجم على أساس المادة التي جمعها اللغويون في البادية في القرن الثاني الهجري، فقد خرج عدد كبير من اللغويين من البادية وأخذ كل منهم يجمع اللغة من أبناء القبائل العربية، وبذلك تمّ إنجاز أول عمل لغوي ميداني في الجزيرة العربية، ... ولم تكن عملية جمع اللغة محاولة شاملة لتسجيل كل الألفاظ التي عرفتها القبائل العربية بل كان اللغويون يصدرون في اختيارهم للقبائل واختيارهم للرواة عن مبدأ أساسي هو تسجيل اللغة الفصحى والابتعاد عن الصيغ والألفاظ غير الفصيحة.
وبهذا المعيار ركز اللغويون عملهم على لغة تلك القبائل التي تقترب كل الاقتراب من العربية الفصحى، ورفضوا لهجات القبائل التي تبتعد عن الفصحى، وبين هذا وذاك صنفت لهجات القبائل المختلفة"2"
ومن أهم العوامل التي أسهمت في نشأة حركة التأليف اللغوي بعامة والمعجمي بخاصة، أو ما كان محور الدراسات كلها : القرآن الكريم وفهمه؛ " فالقرآن هو الأب الشرعي لكل العلوم والبحوث التي عرفها العرب إبان حضارتهم العريقة، والمعجم العربي يبدأ تاريخه منذ أن واجه أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم مشكلةُ فهم النص القرآني وبخاصة حين كانوا يجدون في النص ألفاظا لا يعرفون معانيها فيسألون عنها ثم يقيدون تفسيراتها إلى جانبها خلال النصوص حتى يتذكروها عند التلاوة"3.
كما أنه مما "مهّد لنشأة الفكرة المعجمية جملةٌ من الظروف الاجتماعية والثقافية أبرزت ضرورة وضع معجم للغة، وأهم هذه الظروف أن حياة البداوة خلال القرن الثاني الهجري قد بدأت تزحف عليها حياة الحواضر، ومعنى ذلك أن المعين الذي كان يستقي منه الرواة واللغويون قد أوشك على النضوب ..."1، فما كان منهم إلاّ جمع وتدوين ما كان فصيحًا لم يتأثر بالاختلاط بالحضر وغيرهم ممن دخلوا الإسلام، وقامت حركة التأليف اللغوي والمعجمي كنتاج لهذا المجموع.
* * * * * *
2 ــ المعاجم : نشأتها وأهميتها وأنواعها
""يطلق تعبير ( المعجم ) بمعناه العام على كل قائمة تحتوي مجموعة من الكلمات من أية لغة، مع مراعاة ترتيبها بصورة معينة ذات منهج، ومع تفسيرها بذكر معناها الحقيقي أو المجازي، أو بذكر معناها واستعمالاتها المختلفة، ويدخل في هذا التعريف المعاجمُ بمفهومها المعروف لدينا، وكذلك كتب النوادر والغريب ورسائل الألفاظ التي توضع لهدف تربوي، وهي التي تتناول ألفاظا مستقاة من نصوص يصعب فهمها أو جمعت على نحو خاص"2".
ولمّا كانت اللغة هي السجلَّ الذي يحفظ كل ما هو أساسي في حضارات الأمم؛ فإن المعجم العربي قد حفظ حضارة الإسلام بكل ما فيها من ماديات ومعنويات جملة وتفصيلا، فالمعجم هو الذي تكفل بتسجيل معاني الألفاظ مستنبطة من الاستعمال أو المواقف، إنه ضم ألفاظ اللغة ومفرداتها بطريقة منظمة تهدف إلى التسهيل على الباحث وتيسر مَهمته في العثور على ما يحتاج إليه في أقصر وقت وبأقل جهد... إنه الوعاء الذي ضم مفردات اللغة بشكل مكتوب، ولولا هذا لضاعت الثروة التي نحرص عليها وعلى دراستها، والتي يعكف العلماء على تيسير تفهمها والغوص في دراستها"3".
وبما أن المعاجم أوعية ضمت مفردات اللغة واستعمالاتها فالحاجة إلى استخدامها "حاجة ماسة ودائمة بالنسبة لدارس اللغة، فضلا عن أهميتها بالنسبة إلى كل من يتكلم اللغة؛ ذلك أن قدرة المتكلم على استيعاب المفردات محدودة بمجال ثقافته، كما أن تعرُّض القارئ العادي للنصوص اللغوية في أي مجال أمر يتكرر دائما فالنصوص تحتوي مفردات ربما لا تكون قد دخلت مجال معرفة القارئ لها أو المتعرض لدرسها؛ فإذا به يحس بالحاجة إلى استشارة معجم يلقي أمامه ضوءًا يعينه على تصور المعنى المراد من اللفظة في ذاتها وفي سياقها"1.
""كما أن الحاجة ماسة إلى استخدام المعجم في كل مراحل الدراسة، فالتلميذ الصغير تقابله كلمات صعبة كثيرة يقف أمامها حائرا ، والدرس كثيرا ما تصادفه كلمات غريبة تحتاج إلي البحث والكشف عن مدلولاتها المختلفة ، وإن تحديد مفهوم الكلمة يساعد علي وضوح الفكرة المتضمنة في العبارة ،ويؤدي ذلك إلى الفهم العلمي السليم الذي يدفع بالمعرفة خطوات إلي الأمام ونحن في أشد الحاجة إليها"2"
هذا عن المعاجم وأهميتها من حيث كونها كتبا تعليمية ، أما من حيث هي معاجم فقد تنوع التأليف فيها واختلف باختلاف ترتيب مؤلفيها للمادة اللغوية المجموعة ، فمنهم من رتبها ترتيبا لفظيا خضعت فيه الألفاظ لأنماط من الترتيب الحرفي ، ومنهم من رتبها ترتيبا معنويا خضعت فيه الألفاظ للمعاني ، فكان ما سمي معاجم الألفاظ ومعاجم المعاني وقد صنف علماء اللغة في كلا النوعين مصنفات كثيرة ، ومع أحد معاجم المعاني ستكون الوقفة في المبحث الثاني.
* * * * *
المبحث الثاني:
1 ــ معاجم المعاني
""هي معجمات جامعة لمادة اللغة، مرتبة بحسب الموضوعات، حيث تحصي المفرداتِ الموضوعةَ لمختلف المعاني بعد ترتيبها بطريقة خاصة، وتحت كل معنىً منها تندرج الألفاظ التي تستعمل للتعبير عن هذا المعنى ... ومن المعاني المعاني العامة مثلاً: (أسنان الناس والدواب) ويشمل هذا المعنى الكليُّ معانيَ جزئية مثل: ترتيب سن الغلام، والشيخوخة والكبر ..."1"
"... "ومن الطريف هنا أن غالبية المعاجم في اللغات المختلفة بدأت معنوية، ونجد هذا واضحا في معاجم اللغات الصينية واليونانية ..."2".
""أما بداية هذا النوع من المعجمات عند العرب فهو قديم العهد، حيث يعود إلى القرن الثاني للهجرة، وقد تمثلت بداياته في رسائل صغيرة، وكتبٍ تجمع الألفاظ التي تدور في فلك واحد أو حول موضوع واحد كما صنع أبو زيد الأنصاري ت 215 هـ في كتابه المطر، والأصمعي ت 216 هـ في كتب الدارات والنبات ..."3"
" "وتصنف هذه الكتب ألفاظها في موضوعات وتذكر الألفاظ الخاصة بكل موضوع، بغض النظر عن حروفها الأصول أو الزوائد [ كما في معاجم الألفاظ ] "4 "وهذا النوع يفيد من يريد الكتابة في احد الموضوعات، وليس لديه ثروة لغوية تيسّر له التعبير الحر عن أفكاره التي استلهمها من الموضوع"5"
ومن المؤلفات في هذا النوع:
كتاب الألفاظ لابن السكِّيت ت 244 هـ، وكتاب جواهر الألفاظ لقدامة بن جعفر ت 337 هـ ... وكتاب الألفاظ الكتابية لعبد الرحمن الهمذاني ت 327 هـ ،وكتاب فقه اللغة للثعالبي ت 429 هـ ، وأشهرها كتاب المخصص لابن سيده ت 458 هـ6،ومنها أيضا كتاب كفاية المتحفظ وغاية المتلفظ في اللغة لابن الأجدابي الطرابلسي ت 470 هـ ، وهو مخصوص بالذكر في هذه الورقة من بين المعجمات، وسيكون له بسيط عرض في قادم الورقات، بحسب ما توافر من معطيات.
( النسخة المعتمدة هنا بتحقيق عبد الرزاق الهلالي طبعة دار الشؤون الثقافية بغداد)
2 ــ مع المؤلف
[ هو] إبراهيم بن إسماعيل بن أحمد بن عبد الله اللواتي الأجدابي، [ كنيته ] أبو إسحق، لغوي باحث من أهل طرابلس الغرب، نسبته إلى أجدابية ...1 ،" وهي مدينة في الصحراء، وبينها وبين طرابلس ما يقرب من خمس عشرة مرحلة من مراحل الإبل، أي ما يقرب بلغة العصر الحديث من تسعمائة كيلو متر ... ، نشأ الأجدابي في مدينة طرابلس يقرب من خمسة عشرة مرحلة من مراحل الإبل ، أو ما يقرب بلغة العصر الحديث من ( تسعمائة ) كيلو متر ........ ، نشأ الأجدابي في مدينة طرابلس ، ولم ينتقل منها أو يرحل عنها؛ فكان طرابلسي المولد والنشأة والوفاة، وكان شديد الذكاء، كثير البحث، عظيم، عميق الغوص، يتلهف علي مسائل اللغة فيلتقطها كما يلتقط الطائر الجائع الحب ..."2
واستطاع بعلمه وبحثه وصبره أن يكون ذا ثقافة واسعة وعلم أوسع انعكست معالمها في مؤلفاته التي صنفها، و منها: ـ
كتاب كفاية المتحفظ وغاية المتلفظ ( وهو موضوع هذه الورقة ).
( كتابان في العروض ) : العروض الصغير ـ العروض الكبير .
كتاب شرح ما آخره ياء مشددة من الأسماء .
كتاب مختصر في علم الأنساب .
رسالة في ( الحول ) وكان الأجدابي أحول.3
" "وأهم شيءٍ يسترعي انتباهنا أن الأجدابي بلغ ما بلغ من العلم والأدب واقتبس منه المشارقة، واستفاد منه المغاربة ، وبحث عن كتبه الملوك والأمراء (وهو لم يرحل )، فلم تكن له رحلة عن طرابلس ، ولا تكبد مشاق السفر والغربة كما رحل وسافر العلماء الآخرون ، ولم يخرج من طرابلس المدينة أبدا ، وعدم رحلته وسفره يدل علي شيئين :
1) كثرة العلم وازدهاره في طرابلس في تلك الآونة .
2) علو همته وعظيم عصاميته ، حيث استطاع أن يكون شخصية علمية وهو لم يخرج من أبواب طرابلس ".4"
""وقد سئل ذات مرة عن الكيفية التي اكتسب فيها علمه وهو لم يرتحل ويغادر وطنه فأجاب قائلا: (( لقد اكتسبته من بابي هوارة وزناته )) وهما بابان من أبواب البلد ، نسبا إلي من نزل بهما في أول الزمان ، يشير إلي أنه استفاد ما استفاد من العلم بلقاء من يفد علي طرابلس ؛ فيدخل من هذين البابين من المشرقيين والمغربيين، وكان له اعتناء بلقاء الوفود والقيام بضيافتهم "1"
" "ومن أبرز ما يذكر عن أبي أسحق (الأجدابي) جودة خطه وحسن اعتنائه به ، واقبال الكبراء عليه ، وهذا غريب في الشمال الإفريقي ؛ (ذلك أن ) جودة الخط نادرة عندأبناء المغرب ، وكان الشيخ يكتب الكتب المطولة وينقلها ، وكان للسلاطيين والأمراء غرام باقتناء خطه وامتلاك مؤلفاته"2".
كانت تلك لمحات من سيرة هذا اللغوي الفذ، والأديب المؤلف ... الذي وهب نفسه للعلم وأوقفها على اللغة وأوابدها، والأدب وطرائفه، ... هذا الباحث الأعجوبة والمدقق المتفنن الذي أخرجته طرابلس الإسلامية التي كانت مزدهرة الحضارة عظيمة البنيان، رائجة الأسواق كثيرة العلم.3
وتجدر الإشارة هنا إلى أن هناك اختلافا في تحديد سنة وفاة ابن الأجدابي، وهل هو من أعيان المائة الخامسة أم السادسة أم السابعة ؟
أورد محقق الكفاية هذا الاختلاف في مقدمته4، وتوصل إلى أن التاريخ الصحيح لوفاة ابن الأجدابي هو ما أثبته صاحب الأعلام ــ الزركلي ــ وهو نحو سنة سبعين وأربعمائة للهجرة، أي أنه من أعيان المائة الخامسة، واستدل المحقق على ما وصل إليه بما رواه التجاني في رحلته عن سبب قيام ابن الأجدابي بتأليف رسالته في الحول إذ قال:
""سبب تأليفه لها أنه حضر يوما بطرابلس عند القاضي بها وهو أبو محمد عبد الله بن هانش الطرابلسي، فحكم أبو محمد القاضي بحكم أخطأ فيه، فرد عليه أبو إسحق الأجدابي، فقال [القاضي]: اسكت يا أحول؛ فما استُدعيت ولا استُفتيت، فألّف رسالته تلك.
وكانت ولاية ابن هانش سنة أربع وأربعين وأربعمائة، وعُزل عنها سنة سبع وسبعين [ وأربعمائة] فكانت ولايته اثنتين وثلاثين سنة.
من هذا اتّضح لنا أن ابن الأجدابي كان ندًّا لهذا القاضي في سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة؛ ولهذا يكون التاريخ الذي أثبته صاحب الأعلام وهو نحو سنة سبعين وأربعمائة هو التاريخَ الصحيح لوفاته"5".
3 ــ بين يدي الكتاب
بداية بما سطره مؤلِّفه في تقديمه:
" ... "هذا كتاب مختصر في اللغة وما يُحتاج إليه من غريب الكلام، أودعناه كثيرا من الأسماء والصفات، وجنبناه حوشيَّ الألفاظ واللغات، وأعريناه من الشواهد ليسهل حفظه، ويقرب تناوله، وجعلناه مغنيا لمن اقتصد في هذا الفن، ومعينا لمن أراد الاتساع فيه ..."1"
""ويعتبر هذا الكتاب من أشهر مؤلفات ابن الأجدابي؛ إذ كان من الكتب المتداولة بين الناس في المغرب والمشرق نظرا لاختصار مادته وكثرة نفعه وفائدته"2 ،"وقد حاز شهرة فاقت الألفاظ الكتابية للهمذاني وما يشبه هذه البحوث"3"
" ... "وتحدث عنه أحمد بك الأنصاري صاحب كتاب ( المنهل العذب في تاريخ طرابلس الغرب ) فقال: وأكثرَ من النقل عنه الإمام الحافظ الثقة أحمد الفيومي في كتابه ( المصباح المنير )، والإمام كمال الدين الدَّميري في ( حياة الحيوان الكبرى ) وعدله بالمصنفات الكبار كالمصباح والتهذيب والمجمل ونحوها"4"
" "وكفاية المتحفظ الذي سطره ابن الأجدابي الطرابلسي وجد كثيرا من عناية الباحثين واعتماد الدارسين، ثم تناوله العلماء والأدباء بصورة أخرى: شرحوه وعلقوا عليه، بل نظموه في قالب من الشعر أو ما يشبه الشعر [ باعتباره نظما ] ليسهل حفظه وتعلق بالذاكرة أبياته وكلماته، حيث نجد مثلا قاضي الحرم الأديب محمد بن أبي بكر الطبري ينظمه في ألفية "5 " وشرحه محمد بن الطيب الفاسي، [ ومدحه بعض الشعراء العلماء حيث ] مدحه العلاّمة جمال الدين علي بن صالح العدوي وقال فيه:
من كان يطلب في الغريب وسيلة من شاعر أو كاتب متلفظِ
أو كان يبغي في الكلام بلاغة فليحفظنّ كفاية المتحفظِ
ومدحه السيد مصطفى الصحاوي قائلا:
علم اللغات أجل علم يُقتنى كم فيه تسهر أعين المتيقظِ
فاحفظ لما يكفيك منه وقاية وكفاك حفظ كفاية المتلفظ6
هذا بعض ما قيل عن الكفاية وأهميته للدارس والمتعاطي لعلوم اللغة .
والناظر لمعجم الكفاية يلحظ أن الترتيب الحرفي معدوم فيه، سواء الأبواب التي قُسّم المعجم بحسبها، أو الألفاظ المتضمَّنة داخلها، وهذا ليس بغريب ؛ فالمعجم في أساسه معجم معانٍ تتبع فيه الألفاظ المعانيَ، وليس معجما للألفاظ حتى يخضع لترتيب حرفي.
أما عن منهجية المؤلِّف في مؤلَّفه وترتيبه إياه فقد قسم ابن الأجدابي كفايته إلى أبواب تجاوزت خمسةً وثلاثين بابا، حيث قال في المقدمة: " ... وصنفناه أبوابا" " : "
فبدأ أبوابه بباب في صفات الرجال المحمودة ، وختمها بباب في الآلات وما شاكلها، وما بين البدء والختام أبواب تنوعت بتنوع الطبيعة ومظاهرها، صائتها وصامتها، جامدها ومتحركها.
افتتح الأبواب بالإنسان وصفاته ــ محمودها ومذمومها ــ وما يُحتاج إليه في خلق الإنسان، ومراحل حياته، ثم انتقل إلى رفيقَي الإنسان في البادية والحضر ــ الإبل والخيل ــ وصفاتهما وألوانهما وغيرها.
وأفرد أبوابا للحرب وما يتبع ذكرها من أسلحة وعتاد فكان بابٌ للسيوف وآخر للسهام وأخير للدروع، ومن الحرب ووحشيتها انتقل إلى الوحوش الحية كالسباع والضباع، وكذلك الطير وأنواعه، والنحل والجراد والهواء وصغار الدواب.
وبعد هذه الأبواب الحية انتقل إلى أبواب جامدة، فنعت الفيافي والقفار، وأفرد أبوابا للرمال والجبال والأحجار، ثم انتقل إلى الأبنية والمحالّ، وأفرد لهما المقال.
ثم انتقل إلى مظهر من الطبيعة الحية، الطبيعة الخضراء فأفرد لها بابين: بابا للنبات بعامة، وبابا خص النخل فيه بالذكر.
وبعدما أفسح المجال للطبيعة الخضراء ومظاهرها وقارب بذلك نهاية المعجم عاد إلى الإنسان وذكر ما له علاقة بحياته واستمرارها، فأورد بابا للطعام وآخر للشراب، وبابا للخمر وأسمائها ونعوتها، ثم بابا للآنية الحاملة لما سبق ذكره.
وقبيل النهاية بابان: باب للباس وأنواعه، وباب للطيب ونشره، وختام الكفاية باب في الآلات وما شاكلها وتعني ما يستعين به الإنسان في أعماله من معدات يكيف بها الطبيعة من حوله ويسخرها لخدمته.
وقد تخللت هذه الأبوابَ فصولٌ تتعلق بموضوع الباب، نحو فصل في أسنان الإنسان ضمن باب ما يحتاج إليه في خلق الإنسان ، وفصلان في اللبن والعسل متضمَّنان في باب الأشربة.
كما أن محقق هذه الطبعة المعتمدة في هذه الورقة أدرج معاني بعض الصفات الواردة في الكفاية في الهوامش، وأشار إلى أن هذه المعاني مستخرجة من معجم متن اللغة لصاحبه العلامة اللغوي الشيخ محمد رضا.
وواضح من استعراض أبواب الكفاية وفصوله ما وصفه به مؤلِّفه ابن الأجدابي حيث كان مستودعا لكثير الأسماء والصفات، ومجنَّبا للحوشيّ من الألفاظ خاليا من الشواهد، وهذا كله دلالة على الغاية التعليمية من التأليف، فكان فيه للمتحفظ الكفاية، وبلغ به المتلفظ الغاية.
والله أعلم
الخـاتمة:
مثلما قال تعالى ( ختامه مسك ) ــ المطففين ــ 26 ستكون خاتمة الورقة بما أورده ابن الأجدابي في باب الطيب ؛ ليكون مسك الختام من ناحية، وعرضا لنموذج من المعجم ــ أساس هذه الورقة ــ من ناحية أخرى :
""باب في الطيب: الأناب : المسك ... العبير: الزعفران، وقيل هو أخلاط من الطيب تجمع، ... المندلى: هو العود القماري ـ بفتح القاف ـ منسوب إلى قمار وهي جزيرة من جزائر الهند ...
النشر: ريح الطيب، والأرج: الرائحة الطيبة الزكية، وكذلك العبق، ... وقوقعة الطيب وفغمته: قوة رائحته ... والزفر: حدة الرائحة تكون في الطيب والنتن ... البنة: الرائحة الطيبة، وقيل البنة الرائحة طيبة كانت أو غير طيبة، وجمعها بنان، والله خير الحافظين"1"
ويلاحظ ورود ألفاظ من عاميتنا مما يدل على فصاحتها نحو: القماري، البنة، الزفر، وقد يكون في أبواب الكفاية الأخرى مثلها، وعليه تكون عاميتنا غير بعيدة عن الفصيحة،وأقرب اليها من غيرها، والله تعالى أعلى وأعلم، وأعز وأكرم.
المراجع
§ الأعلام: خير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، ط 12، 1997
§ أعلام من طرابلس: علي مصطفى المصراتي، الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان، مصراتة ، ط 4، 1986.
§ علم اللغة العربية: محمود فهمي حجازي، وكالة المطبوعات، الكويت،ط 1 (د ت ).
§ كفاية المتحفظ وغاية المتلفظ في اللغة: ابن الأجدابي الطرابلسي، تح عبد الرزاق الهلالي دار الشؤون الثقافية، بغداد، ط7 ، 1986 .
§ المعجمات العربية دراسة منهجية: محمد عبد الكريم الرديني ، منشورات جامعة ناصر، ط1،
vBulletin® v3.8.10 Release Candidate 2, Copyright ©2000-2025, TranZ by Almuhajir