ريحانة الجزائرية
2012-03-28, 06:29
يا من تدافع عن الباطل ، هل الدعوة لينٌ كلها ؟؟!!
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده :
الدعوة إلى الله أو لمناصرة الحق ومراغمة الباطل ، بل على العكس ، ما رأيناه إلا مناصراً للباطل ودعاته ، ملمعاً لهم ممتدحاً فكرهم وأساليبهم ، يحلف فيفجر ، يتحدث فيكذب ، يَعدُ فيخلف ، وما هذه إلا صفات المنافقين – أعاذنا الله وإياكم منها .
يتظاهر أنه ناصح محب ، وهو غاش حاقد ، يتظاهر أنه ورعٌ زاهد ، وهو كذاب مخادع .
وكما قال ابن الجوزي – رحمه الله :
( من أخفى خبيئة ألبسه الله ثوبها ، وإن قلوب الناس لتعرف حال الشخص وتحبه،
أو تأباه وتذمُّه ) إنتهى كلامه .
كما قلت سابقاً لم يُرى إلا مناصراً لكل صاحب ضلالة وبدعة ، مناكفاً لكل داعية إلى الخير ولكل آمر بالمعروف وناهياً عن المنكر ، ومع هذا نجده يتظاهر بالعلم والصلاح ، مدعياً أنه ناصح أمين .
وهذا وأضرابه من أشد وأخطر بلايا الأمة والمجتمع .
و أمثال أولئك المنظرين المتعالمين ، نجد أنهم لا حظَّ لهم إلا قول : افعلوا كذا واتركوا كذا ويجدر بكم كذا ولا يحسن بكم كذا .
لم يرى لهم يوماً موضوعاً ينصرون فيه سنة وحقاً ، أو يدافعون به باطلاً وشبهة .
ليس لهم همّ إلا مناكفة وتصيد عثرات وزلات من يعملون ومحاولة تشويه صورتهم ( حسداً من عند أنفسهم ) ، وما علم أولئك ( المتعالمون ) أن طريق الدعوة إلى الله ومراغمة أهل الباطل وأهل الأهواء طريق قد آثر السلامة منه الكثير ، لما فيه من مشقة ولما قد يصيب الإنسان فيه من مضايقة ورمي تهم وسب وتطاول ، وهذا ليس جديداً فهذه سنة الله وتلك هي طريق الأنبياء – عليهم السلام – جعلنا الله وإياكم على منهجهم .
قال الفضيل بن عياض :
( الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها أئتلف وماتناكر منها أختلف ولايمكن أن يكون صاحب سنة يمالئ صاحب بدعة إلا من النفاق ) .
نعم إخواني الكرام إذا رأيتم صاحب البدعة أو صاحب الفكر المنحرف والضال ، ثم رأيتم من يمتدحه ويثني عليه فقولوا له مثل قول الفضيل – رحمه الله ( لا يمكن أن يكون صاحب سنة يمالئ صاحب بدعة إلا من النفاق ) .
الممالأةُ هي المناصرة والمساعدة والمسايرة للآخر فيما يذهب إليه .
أعود فأقول إن مناصري الباطل وملمعي أصحابه ، تزداد خطورتهم أكثر عندما يكون عندهم قدرة على التقليب في الكتب ، واستخراج بعض المعلومات ، فيسخرون ذلك للشر والباطل والفتنة ، وكان خيراً لهم لو أعملوه للحق والدعوة .
ولكن الله قد فتنهم بذلك العلم ، فكان حجة عليهم لا لهم ، عندما سخروه لأغراضهم ومآربهم الشخصية .
وقد تعوذ حبيبنا صلى الله عليه وسلم من أمثال أولئك بقوله :
(إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان ) .
انظر السلسلة الصحيحة للألباني رقم الحديث ( 1013) .
ونجد أولئك المتعالمون ، الملمعون للباطل المناصرون لأصحابه ممن يتظاهرون بأنهم من أهل العلم ، نجدهم عادة ما يطنطنون بمسألة اللين في الدعوة واليسر والتسهيل ، وهذا حق أريد به باطل ، فهم يريدون من وراء ذلك إبراز أنفسهم أنهم أهل اللطف واللين والحكمة ، وأن الآخرين هم متشددون متزمتون متحجرون ، وهذه إحدى وسائلهم السافلة في تشويه صورة الدعاة والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر .
نعم الأصل في الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو اللين والموعظة الحسنة كما قال الله تعالى : ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن ) ، وقال لموسى وهارون عليهما السلام : ( اذهبا إلى فرعون إنه طغى . فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ) .
وعن عائشة – رضي الله عنهما – أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " إن الرفق لا يكون فى شئ إلا زانه ، ولا ينزع من شئ إلا شأنه " .
ولكن نسي أولئك ( المتعالمون ) وتناسوا قول الله تعالى ( يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير ) .
يقول القرطبي في تفسيره :
فأمره أن يجاهد الكفار بالسيف والمواعظ الحسنة والدعاء إلى الله ، والمنافقين بالغلظة وإقامة الحجة ، وأن يعرفهم أحوالهم في الآخرة ، وأنهم لا نور لهم يجوزون به الصراط مع المؤمنين . وقال الحسن : أي جاهدهم بإقامة الحدود عليهم فإنهم كانوا يرتكبون موجبات الحدود ، وكانت الحدود تقام عليهم . انتهى كلامه – رحمه الله – .
فإذا كان المنكر لا يغير إلا بشيء من الخشونة والشدة ، فلا بأس باستعماله ، بنص الآيات ، وما دلت عليه شواهد السنة كما سيأتي ، وكذلك فعل سلف الأمة في القرون المفضلة .
يقول ابن حجر – رحمه الله – في فتح الباري :
أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصبر على الأذى إنما هو فيما كان من حق نفسه ، وأما إذا كان لله - تعالى - فإنه يمتثل فيه أمر الله من الشدة . إنتهى كلامه .
ابن تيمية رحمه الله يقول :
( مَثل المسلمين كاليدين يغسل بعضها بعضا ، فقد يكون في اليد دُسومة لا تقلعها إلا الخشونة فتُستعمل الخشونة ) .
قال الباجي – رحمه الله - : (وأما فيما يعاد إلى القيام بالحق فالغضب فيه قد يكون واجبا وهو الغضب على الكفار والمبالغة فيهم بالجهاد وكذلك الغضب على أهل الباطل وإنكاره عليهم بما يجوز ، وقد يكون مندوبا إليه ، وهو الغضب على المخطئ إذا علمت أن في إبداء غضبك عليه ردعا له وباعثا على الحق ، وقد روى زيد بن خالد الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سأله رجل عن ضالة الإبل ... وقال مالك ولها وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما شكا إليه رجل معاذ بن جبل أنه يطول بهم في الصلاة ) .
وهناك شواهد كثيرة من سيرته صلى الله عليه وسلم غضب فيها للحق :
كغضبه صلى الله عليه وسلم وتمعر وجهه عندما أتاه عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – بكتاب أخذه من بعض أهل الكتاب فغضب صلى الله عليه وسلم وتغير وجهه وقال : ( أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب ) والتهوك هو : إتيان الأمر بغير روية وهو التهور ، وقيل هو : الحيرة .
وأيضاً عندما تغير وجهه وغضب من فعل معاذ – رضي الله عنه – وقال له : ( أفتان أنت يا معاذ ) .
عندما اشتكى الناس من إطالة معاذ بهم في الصلاة .
وأيضاً غضبه صلى الله عليه وسلم عندما أتى أسامة بن زيد – رضي الله عنه – يتوسط في التي سرقت ، فغضب صلى الله عليه وسلم وتغري وجهه وصعد المنبر ونادى في الناس والقصة معروفة .
قوله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر – رضي الله عنه – ( إنك امرؤ فيك جاهلية ) . عندما قال أبو ذر لبلال : يا ابن السوداء .
ولا يشك عاقل أن خطر وبلاء المنافقين أعظم من الكفار على دولة الإسلام وبيضة السملمين ، قال تعالى ( هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون ) .
ولكن في هذه الأزمان المتأخرة وفي ظل هذه الظروف ابتلى الله الأمة بظهور أولئك المتعالمون ، الذين فتنهم الله بشيء من العلم ، والتنقيب في بعض الكتب ، وهم أجهل الناس وأبعدهم عن الخير والدعوة ، فجاؤوا ينظرون لمنهج أجادوا فيه ( التبطح والتوسد والتمييع ) ليجدوا لهم عند الناس حظوة وقبولاً ، على حساب دينهم ونصرة سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم .
فنجد ذاك المتعالم المتسلق على العلم وأسواره ، لكل صاحب ضلالة ومنهج فاسد ، قد استبدل الحجة والبينة والقوة والغلظة المأمور بها شرعاً ، ليناً وموادعة ، بل وتمجيداً وثناء عليهم ، وتأييداً لهم – نعوذ بالله من حاله وحال أمثاله .
بل يذهب أولئك المتعالمون ، ليستدلوا على أقوالهم وفساد طريقتهم بالاستشهاد ببعض الروايات عن بعض الأئمة – رحمهم الله – وتعامى ذلك المتعالم عن أقوال كثيرة لأئمة الإسلام ، تدل على وجوب الشدة مع المنافقين وأهل البدع والضلال ، وذلك لينصر منهجه الفاسد .
وإليكم بعض أقوال أئمة الإسلام ومن قبلهم الصحابة – رضي الله عنهم .
فقصة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- مع صبيغ بن عسل المشهورة ، عندما ضربه بالدرة ( العصا الغليظة ) حتى شجّ رأسه ، وكان صبيغ بن عسل هذا ، يقول أقوالاً باطلة ويثير شبهات وأباطيل .
قال ابن القيم في ( شفاء العليل ) :
(كان ابن عباس رضي الله عنهما شديداً على القدرية،وكذلك الصحابة ).
وكذلك سمرة بن جندب – رضي الله عنه – كان شديداً على الخوارج ، كما ذكر ذلك ابن حجر كتابه ( الإصابة في تمييز الصحابة ) .
يقول أحمد بن حنبل – رحمه الله : ( إذا رأيت الرجل يغمز حماد بن سلمة فاتهمه على الإسلام؛فإنه كان شديداً على المبتدعة ) .
فهنا الإمام أحمد بن حنبل يمتدح حماد بن سلمة في شدته على المبتدعة ، بل يتهم إسلام من يغمز في حماد .
وهذا الإمام الأوزاعي – رحمه الله – يمتنع عن مصافحة أحد القدرية ويقول له ( لو كانت الدنيا لكانت المقاربة ، لكنه الدين ) .
وقد سُئل الإمام أحمد بن حنبل عن شريك – رحمه الله فقال ( كان عاقلاً صدوقاً محدثاً،وكان شديداً على أهل الريب والبدع ) .
وهذا هو الإمام مالك بن أنس – رحمه الله – إمام دار الهجرة يقول ( لا تسلم على أهل الأهواء ولا تجالسهم إلا أن تغلظ عليهم ،ولا يعاد مريضهم،ولا تحدث عنهم الأحاديث ) .
وهذا إمام أهل السنة الإمام أبو محمد الحسين بن علي بن خلف البربهاري رحمه الله يقول عنه ابن رجب كما في طبقات الحنابلة: ((شيخ الطائفة في وقته ومتقدمها في الإنكار على أهل البدع والمباينة لهم باليد أو اللسان ) .
إذاً الشدة والغلظة على أهل الأهواء والبدع والشبهات والشهوات هي من أعظم الوسائل والطرق الشرعية ، التي بها يراغمون ويدفع بلاءهم وفتنتهم وضلالهم ، ويحفظ جناب الدين ، وتحمى حمى العقيدة والملة .
يقول الإمام عبدالعزيز بن باز – رحمه الله – ( ولا شك أن الشريعة الإسلامية الكاملة جاءت بالتحذير من الغلو فى الدين ، وأمرت بالدعوة إلى سبيل الحق بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتى هى أحسن ، ولكنها لم تهمل جانب الغلظة والشدة فى محلها حيث لا ينفع اللين والجدال بالتى هى أحسن ، كما قال سبحانه : (يأيها النبى جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ) وقال تعالى : ( يأيها الذين ءامنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين ) وقال تعالى : ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتى هى أحسن إلا الذين ظلموا منهم ) ، أما إذا لم ينفع واستمر صاحب الظلم أو الكفر أو الفسق فى عمله ولم يبال بالواعظ والناصح ، فإن الواجب الأخذ على يديه ومعاملته بالشدة وإجراء ما يستحقه من إقامة حد أو تعزيز أو تهديد أو توبيخ حتى يقف عند حده وينزجر عن باطله ) .
فكانت البدعة والشبهات والضلالات ذليلة صاغرة لا تتطاول لها رقبة ولا تمتد لها يد ، في الأزمنة التي يكون فيها فضح لأهلها وغلظة عليهم وشدة ومواجهة قوية بالطرق الشرعية .
وبعد هذا أقول لبعض المتعالمين الذين لم يُعرف عنهم دعوة ولا أمر بمعروف ولا نهي عن منكر ، إلا أنهم يجيدون فتح الكتب والتقليب فيها ، أقول لهم : اتقوا الله ، واتركوا التمييع والمداهنة والمهادنة لأهل الباطل والأفكار المنحرفة ، واتركوا تلك الأساليب الوضيعة الهابطة من تلميع لأهل الباطل ودعاة الضلالة ، وفي المقابل شهر السيف على إخوانكم ممن يناصرون الحق ويدعون إليه .
نسأل الله أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه ، وأن يستعملنا في طاعته ، ونعوذ بوجه الكريم وسلطانه القديم أن يكون لأحد من خلقه حظ من أقوالنا أو أفعالنا .
اللهم آمين .
منقول
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده :
الدعوة إلى الله أو لمناصرة الحق ومراغمة الباطل ، بل على العكس ، ما رأيناه إلا مناصراً للباطل ودعاته ، ملمعاً لهم ممتدحاً فكرهم وأساليبهم ، يحلف فيفجر ، يتحدث فيكذب ، يَعدُ فيخلف ، وما هذه إلا صفات المنافقين – أعاذنا الله وإياكم منها .
يتظاهر أنه ناصح محب ، وهو غاش حاقد ، يتظاهر أنه ورعٌ زاهد ، وهو كذاب مخادع .
وكما قال ابن الجوزي – رحمه الله :
( من أخفى خبيئة ألبسه الله ثوبها ، وإن قلوب الناس لتعرف حال الشخص وتحبه،
أو تأباه وتذمُّه ) إنتهى كلامه .
كما قلت سابقاً لم يُرى إلا مناصراً لكل صاحب ضلالة وبدعة ، مناكفاً لكل داعية إلى الخير ولكل آمر بالمعروف وناهياً عن المنكر ، ومع هذا نجده يتظاهر بالعلم والصلاح ، مدعياً أنه ناصح أمين .
وهذا وأضرابه من أشد وأخطر بلايا الأمة والمجتمع .
و أمثال أولئك المنظرين المتعالمين ، نجد أنهم لا حظَّ لهم إلا قول : افعلوا كذا واتركوا كذا ويجدر بكم كذا ولا يحسن بكم كذا .
لم يرى لهم يوماً موضوعاً ينصرون فيه سنة وحقاً ، أو يدافعون به باطلاً وشبهة .
ليس لهم همّ إلا مناكفة وتصيد عثرات وزلات من يعملون ومحاولة تشويه صورتهم ( حسداً من عند أنفسهم ) ، وما علم أولئك ( المتعالمون ) أن طريق الدعوة إلى الله ومراغمة أهل الباطل وأهل الأهواء طريق قد آثر السلامة منه الكثير ، لما فيه من مشقة ولما قد يصيب الإنسان فيه من مضايقة ورمي تهم وسب وتطاول ، وهذا ليس جديداً فهذه سنة الله وتلك هي طريق الأنبياء – عليهم السلام – جعلنا الله وإياكم على منهجهم .
قال الفضيل بن عياض :
( الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها أئتلف وماتناكر منها أختلف ولايمكن أن يكون صاحب سنة يمالئ صاحب بدعة إلا من النفاق ) .
نعم إخواني الكرام إذا رأيتم صاحب البدعة أو صاحب الفكر المنحرف والضال ، ثم رأيتم من يمتدحه ويثني عليه فقولوا له مثل قول الفضيل – رحمه الله ( لا يمكن أن يكون صاحب سنة يمالئ صاحب بدعة إلا من النفاق ) .
الممالأةُ هي المناصرة والمساعدة والمسايرة للآخر فيما يذهب إليه .
أعود فأقول إن مناصري الباطل وملمعي أصحابه ، تزداد خطورتهم أكثر عندما يكون عندهم قدرة على التقليب في الكتب ، واستخراج بعض المعلومات ، فيسخرون ذلك للشر والباطل والفتنة ، وكان خيراً لهم لو أعملوه للحق والدعوة .
ولكن الله قد فتنهم بذلك العلم ، فكان حجة عليهم لا لهم ، عندما سخروه لأغراضهم ومآربهم الشخصية .
وقد تعوذ حبيبنا صلى الله عليه وسلم من أمثال أولئك بقوله :
(إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان ) .
انظر السلسلة الصحيحة للألباني رقم الحديث ( 1013) .
ونجد أولئك المتعالمون ، الملمعون للباطل المناصرون لأصحابه ممن يتظاهرون بأنهم من أهل العلم ، نجدهم عادة ما يطنطنون بمسألة اللين في الدعوة واليسر والتسهيل ، وهذا حق أريد به باطل ، فهم يريدون من وراء ذلك إبراز أنفسهم أنهم أهل اللطف واللين والحكمة ، وأن الآخرين هم متشددون متزمتون متحجرون ، وهذه إحدى وسائلهم السافلة في تشويه صورة الدعاة والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر .
نعم الأصل في الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو اللين والموعظة الحسنة كما قال الله تعالى : ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن ) ، وقال لموسى وهارون عليهما السلام : ( اذهبا إلى فرعون إنه طغى . فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ) .
وعن عائشة – رضي الله عنهما – أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " إن الرفق لا يكون فى شئ إلا زانه ، ولا ينزع من شئ إلا شأنه " .
ولكن نسي أولئك ( المتعالمون ) وتناسوا قول الله تعالى ( يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير ) .
يقول القرطبي في تفسيره :
فأمره أن يجاهد الكفار بالسيف والمواعظ الحسنة والدعاء إلى الله ، والمنافقين بالغلظة وإقامة الحجة ، وأن يعرفهم أحوالهم في الآخرة ، وأنهم لا نور لهم يجوزون به الصراط مع المؤمنين . وقال الحسن : أي جاهدهم بإقامة الحدود عليهم فإنهم كانوا يرتكبون موجبات الحدود ، وكانت الحدود تقام عليهم . انتهى كلامه – رحمه الله – .
فإذا كان المنكر لا يغير إلا بشيء من الخشونة والشدة ، فلا بأس باستعماله ، بنص الآيات ، وما دلت عليه شواهد السنة كما سيأتي ، وكذلك فعل سلف الأمة في القرون المفضلة .
يقول ابن حجر – رحمه الله – في فتح الباري :
أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصبر على الأذى إنما هو فيما كان من حق نفسه ، وأما إذا كان لله - تعالى - فإنه يمتثل فيه أمر الله من الشدة . إنتهى كلامه .
ابن تيمية رحمه الله يقول :
( مَثل المسلمين كاليدين يغسل بعضها بعضا ، فقد يكون في اليد دُسومة لا تقلعها إلا الخشونة فتُستعمل الخشونة ) .
قال الباجي – رحمه الله - : (وأما فيما يعاد إلى القيام بالحق فالغضب فيه قد يكون واجبا وهو الغضب على الكفار والمبالغة فيهم بالجهاد وكذلك الغضب على أهل الباطل وإنكاره عليهم بما يجوز ، وقد يكون مندوبا إليه ، وهو الغضب على المخطئ إذا علمت أن في إبداء غضبك عليه ردعا له وباعثا على الحق ، وقد روى زيد بن خالد الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سأله رجل عن ضالة الإبل ... وقال مالك ولها وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما شكا إليه رجل معاذ بن جبل أنه يطول بهم في الصلاة ) .
وهناك شواهد كثيرة من سيرته صلى الله عليه وسلم غضب فيها للحق :
كغضبه صلى الله عليه وسلم وتمعر وجهه عندما أتاه عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – بكتاب أخذه من بعض أهل الكتاب فغضب صلى الله عليه وسلم وتغير وجهه وقال : ( أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب ) والتهوك هو : إتيان الأمر بغير روية وهو التهور ، وقيل هو : الحيرة .
وأيضاً عندما تغير وجهه وغضب من فعل معاذ – رضي الله عنه – وقال له : ( أفتان أنت يا معاذ ) .
عندما اشتكى الناس من إطالة معاذ بهم في الصلاة .
وأيضاً غضبه صلى الله عليه وسلم عندما أتى أسامة بن زيد – رضي الله عنه – يتوسط في التي سرقت ، فغضب صلى الله عليه وسلم وتغري وجهه وصعد المنبر ونادى في الناس والقصة معروفة .
قوله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر – رضي الله عنه – ( إنك امرؤ فيك جاهلية ) . عندما قال أبو ذر لبلال : يا ابن السوداء .
ولا يشك عاقل أن خطر وبلاء المنافقين أعظم من الكفار على دولة الإسلام وبيضة السملمين ، قال تعالى ( هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون ) .
ولكن في هذه الأزمان المتأخرة وفي ظل هذه الظروف ابتلى الله الأمة بظهور أولئك المتعالمون ، الذين فتنهم الله بشيء من العلم ، والتنقيب في بعض الكتب ، وهم أجهل الناس وأبعدهم عن الخير والدعوة ، فجاؤوا ينظرون لمنهج أجادوا فيه ( التبطح والتوسد والتمييع ) ليجدوا لهم عند الناس حظوة وقبولاً ، على حساب دينهم ونصرة سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم .
فنجد ذاك المتعالم المتسلق على العلم وأسواره ، لكل صاحب ضلالة ومنهج فاسد ، قد استبدل الحجة والبينة والقوة والغلظة المأمور بها شرعاً ، ليناً وموادعة ، بل وتمجيداً وثناء عليهم ، وتأييداً لهم – نعوذ بالله من حاله وحال أمثاله .
بل يذهب أولئك المتعالمون ، ليستدلوا على أقوالهم وفساد طريقتهم بالاستشهاد ببعض الروايات عن بعض الأئمة – رحمهم الله – وتعامى ذلك المتعالم عن أقوال كثيرة لأئمة الإسلام ، تدل على وجوب الشدة مع المنافقين وأهل البدع والضلال ، وذلك لينصر منهجه الفاسد .
وإليكم بعض أقوال أئمة الإسلام ومن قبلهم الصحابة – رضي الله عنهم .
فقصة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- مع صبيغ بن عسل المشهورة ، عندما ضربه بالدرة ( العصا الغليظة ) حتى شجّ رأسه ، وكان صبيغ بن عسل هذا ، يقول أقوالاً باطلة ويثير شبهات وأباطيل .
قال ابن القيم في ( شفاء العليل ) :
(كان ابن عباس رضي الله عنهما شديداً على القدرية،وكذلك الصحابة ).
وكذلك سمرة بن جندب – رضي الله عنه – كان شديداً على الخوارج ، كما ذكر ذلك ابن حجر كتابه ( الإصابة في تمييز الصحابة ) .
يقول أحمد بن حنبل – رحمه الله : ( إذا رأيت الرجل يغمز حماد بن سلمة فاتهمه على الإسلام؛فإنه كان شديداً على المبتدعة ) .
فهنا الإمام أحمد بن حنبل يمتدح حماد بن سلمة في شدته على المبتدعة ، بل يتهم إسلام من يغمز في حماد .
وهذا الإمام الأوزاعي – رحمه الله – يمتنع عن مصافحة أحد القدرية ويقول له ( لو كانت الدنيا لكانت المقاربة ، لكنه الدين ) .
وقد سُئل الإمام أحمد بن حنبل عن شريك – رحمه الله فقال ( كان عاقلاً صدوقاً محدثاً،وكان شديداً على أهل الريب والبدع ) .
وهذا هو الإمام مالك بن أنس – رحمه الله – إمام دار الهجرة يقول ( لا تسلم على أهل الأهواء ولا تجالسهم إلا أن تغلظ عليهم ،ولا يعاد مريضهم،ولا تحدث عنهم الأحاديث ) .
وهذا إمام أهل السنة الإمام أبو محمد الحسين بن علي بن خلف البربهاري رحمه الله يقول عنه ابن رجب كما في طبقات الحنابلة: ((شيخ الطائفة في وقته ومتقدمها في الإنكار على أهل البدع والمباينة لهم باليد أو اللسان ) .
إذاً الشدة والغلظة على أهل الأهواء والبدع والشبهات والشهوات هي من أعظم الوسائل والطرق الشرعية ، التي بها يراغمون ويدفع بلاءهم وفتنتهم وضلالهم ، ويحفظ جناب الدين ، وتحمى حمى العقيدة والملة .
يقول الإمام عبدالعزيز بن باز – رحمه الله – ( ولا شك أن الشريعة الإسلامية الكاملة جاءت بالتحذير من الغلو فى الدين ، وأمرت بالدعوة إلى سبيل الحق بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتى هى أحسن ، ولكنها لم تهمل جانب الغلظة والشدة فى محلها حيث لا ينفع اللين والجدال بالتى هى أحسن ، كما قال سبحانه : (يأيها النبى جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ) وقال تعالى : ( يأيها الذين ءامنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين ) وقال تعالى : ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتى هى أحسن إلا الذين ظلموا منهم ) ، أما إذا لم ينفع واستمر صاحب الظلم أو الكفر أو الفسق فى عمله ولم يبال بالواعظ والناصح ، فإن الواجب الأخذ على يديه ومعاملته بالشدة وإجراء ما يستحقه من إقامة حد أو تعزيز أو تهديد أو توبيخ حتى يقف عند حده وينزجر عن باطله ) .
فكانت البدعة والشبهات والضلالات ذليلة صاغرة لا تتطاول لها رقبة ولا تمتد لها يد ، في الأزمنة التي يكون فيها فضح لأهلها وغلظة عليهم وشدة ومواجهة قوية بالطرق الشرعية .
وبعد هذا أقول لبعض المتعالمين الذين لم يُعرف عنهم دعوة ولا أمر بمعروف ولا نهي عن منكر ، إلا أنهم يجيدون فتح الكتب والتقليب فيها ، أقول لهم : اتقوا الله ، واتركوا التمييع والمداهنة والمهادنة لأهل الباطل والأفكار المنحرفة ، واتركوا تلك الأساليب الوضيعة الهابطة من تلميع لأهل الباطل ودعاة الضلالة ، وفي المقابل شهر السيف على إخوانكم ممن يناصرون الحق ويدعون إليه .
نسأل الله أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه ، وأن يستعملنا في طاعته ، ونعوذ بوجه الكريم وسلطانه القديم أن يكون لأحد من خلقه حظ من أقوالنا أو أفعالنا .
اللهم آمين .
منقول