أبو جابر الجزائري
2012-03-27, 07:30
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آل بيته الأطهار وصحابته الأخيار،
أمّا بعدُ،
هذا البحث في حقيقته تعقيب على مقال الشيخ شمس الدين بوروبي الذي نشره منذ سنوات في الجريدة الأسبوعية " العربي "، والذي دافع فيه عن صحّة حديث أبو جعفر الرازي الذي يعتبر الحجّة الرئيسة ومدار الرحى لمن ذهب إلى سنّية لزوم قنوت الصبح.
وكنتُ قد أرسلتُ التعقيب للجريدة في حينه، ولكن لم يكتب له النشر.
جاء فيه:
"ذكر الشيخ شمس الدين في العدد 61 و 69 أنه يشرع قنوت الصبح، انطلاقا من حديث أنس ـ وهو عمدة من قال بمشروعيته ـ الذي رواه أبو الرازي " ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في صلاة الغداة ـ الصبح ـ حتى فارق الدنيا "، وقال الشيخ بأن الحديث صحيح وأن الراوي أبو جعفر ثقة عند أهل الجرح والتعديل.
وسنحاول بتوفيق الله في هذه المقال إلقاء الضوء على هذا الحديث ودراسته من الناحية الحديثية بكل موضوعية وبطريقة علمية صرفة حسب قواعد علم الحديث وعلم الجرح والتعديل التي أصلها العلماء الأجلاء.
الأمر الأول :
ذكر الشيخ شمس الدين بأن الإمام أحمد، وابن المديني، وابن معين من العلماء الذين وثقوا الراوي أبا جعفر الرازي،
أقول : لكن المنقول أن لهم قولين مختلفين في هذا الراوي ، قال الشوكاني : وثقه علي بن المديني وابن معين ونقل عنهما خلاف ذلك (ـ نيل الأوطار 8/231 )، وقال الذهبي : وقال أحمد ليس بقوي وقال مرة صالح الحديث ( المغني في الضعفاء للذهبي 2/500 ).
أولا : فأما الإمام أحمد فقد قال الشيخ شمس الدين :" قال ـ الإمام أحمد ـ: صالح الحديث" اهـ، لكن الشيخ لم يذكر القول الثاني لأحمد المذكور في التهذيب وغيره والذي جرح فيه الراوي، فقد جاء في التهذيب 12/59 : " قال عبد الله بن أحمد عن أبيه ليس بقوي في الحديث " اهـ.
كما أن القول الأخير لأحمد يوافق قول الذين جرحوه ـ كما سيأتي ـ، قال ابن حبان: " قال أحمد بن حنبل: أبو جعفر الرازي مضطرب الحديث ( المجروحين ابن حبان 2/120 ).
ثم إن عبارة " صالح الحديث "، معناها، أن أحاديث الراوي تكتب فقط للاعتبار لينظر فيها ( تدريب الراوي ج1/187 )، فكيف يصح قول الشيخ شمس الدين بأن الإمام أحمد قد وثق أبو جعفر ؟، وعبارة " ثقة " لا تطلق إلا في من اتصف بالعدالة والضبط معا، وهذا الراوي لا تقبل روايته مباشرة لسوء حفظه وضبطه، بل تقبل بكل تحفظ حتى ينظر من وافقه فيها، وهذا حال أبي جعفر في روايته هاته التي انفرد بها بل خالف فيها من هو أوثق منه كما سيأتي.
ثانيا : وأما ابن المديني فقال الشيخ شمس الدين " قال علي بن المديني : يخلط فيما روى عن مغيرة ، كان عندنا ثقة " اهـ، :
أقول : ما نقله الشيخ هو كلام مركب من قولين منفصلين لابن المديني . فأما القول الأول ( المجرح ) فقد نقله ابنه عبد الله عنه : " قال على بن المديني : " هو نحو موسى بن عبيدة وهو يخلط فيما روى عن مغيرة ونحوه " اهــ، وأما القول الثاني ( الموثق ) فرواه محمد بن عثمان بن أبي شيبة أن ابن المديني قال : " كان أبو جعفر الرازي عندنا ثقة " اهـ.
أقول : القول الموثق ضعيف لا يلتفت إليه، قال ابن حجر في التلخيص : محمد بن عثمان ضعيف، فرواية عبد الله بن علي عن أبيه أولى ( التلخيص ج1/599 )، وبالتالي فالثابت أن ابن المديني جرح أبا جعفر الرازي ولم يوثقه، لا كما ذكر الشيخ شمس الدين بأن ابن المديني وثقه.
ويجدر التنبيه إلى أن ابن المديني لم يضعفه لأنه روى عن مغيرة فقط بل قال " عن مغيرة ونحوه "اهـ، أي يخلط و بخاصة عن مغيرة، لذا قال الحافظ ابن حجر ملخصا أقوال علماء الجرح والتعديل: " صدوق سيئ الحفظ، خصوصا عن المغيرة " ( تقريب التهذيب 8019 ).
إذن فالراوي لم يُجرح فيما يروى عن المغيرة فقط بل لسوء حفظه مطلقا، كما ذكره الكثير من علماء الجرح والتعديل وكما سيأتي قريبا مفصلا ( كقول: ابن حبان كان ينفرد عن المشاهير بالمناكير )، وهذا يبطل قول الشيخ شمس الدين" بأن أبا جعفر يضعف في روايته عن المغيرة فقط، وما دام أن حديث أنس لم يروه أبو جعفر من طريق المغيرة فالحديث صحيح"!!.
ثالثا : قال الشيخ شمس الدين :" قال ابن معين : كان ثقة خراسنيا، وقال مرة أخرى : ثقة وهو يغلط فيما يروى عن مغيرة " اهـ.
أقول : يفهم من كلامه، أن ابن معين وثقه وأنه يغلط فقط من طريق المغيرة، لكن هناك كلام أخر لابن معين يشير إلى أنه يخطئ مطلقا ، حيث قال : " يكتب حديثه إلا أنه يخطئ " اهـ، : (ـ تهذيب التهذيب 12/59 و تاريخ بغداد11/ 143-146 للبغدادي ).
الأمر الثاني :
إن المتأمل لكلام الشيخ شمس الدين يلحظ أنه لم يذكر من جرح أبا جعفر من العلماء ـ عند تفصيله للمسألة ـ ( وهو يناقض بذلك نفسه عندما انتقد من خالفه بأنه ذكر من جرح الراوي أبا جعفر ولم يذكر من عدله )، بل عند استقراء ما قيل في الراوي أبا جعفر نجد قد جرحه الكثير من العلماء، ليس من جهة عدالته بل لسوء حفظه، وهذه علة قادحة في كون الحديث حسن ناهيك أن يبلغ درجة الصحة، فمنهم: ابن المديني، أحمد في قوله الثاني، يحي بن معين في قوله الثاني، أبو زرعة، ابن حبان، أبو حفص عمرو بن علي، ابن خراش، الساجي، النسائي، العجلي، الفلاس.
وإليك أقوالهم :
- قال عمرو بن علي فيه ضعف وهو من أهل الصدق سيء الحفظ
- قال أبو زرعة شيخ يهم كثيرا
- قال زكريا الساجي صدوق ليس بمتقن
- قال النسائي ليس بالقوي
- قال بن خراش صدوق سيء الحفظ
- قال ابن حبان كان ينفرد عن المشاهير بالمناكير لا يعجبني الاحتجاج بحديثه إلا فيما وافق الثقات
- قال العجلي ليس بالقوي، (ـ تهذيب التهذيب 12/59 )
- قال الفلاس سيء الحفظ ( المغني في الضعفاء للذهبي 2/500).
فأنت ترى أخي القارئ أن الذين جرّحوا أبا جعفر الرازي، طعنوا في حفظه وهو جرح مفسر، ومعروف أن الجرح المفسر مقدم على القول المعدل، لسبب وجيه وهو أن من علم حجة على من لم يعلم لأن له زيادة علم ( انظر الكفاية للبغدادي ص 123، والرفع والتنكيل للكنوي ص 120 ).
بناء على ما سبق، فإنّ قول المجرحين الذين سبق ذكرهم مقدم على قول المعدلين الذين ذكرهم الشيخ شمس الدين، لذا قال الحافظ ابن حجر في التهذيب ملخصا أقوال أهل الجرح والتعديل في الراوي أبو جعفر: " صدوق سيئ الحفظ، خصوصا عن مغيرة "اهـ، أي أن أبا جعفر لا يقبل إذا انفرد في رواية ما، إلا إذا وافقه غيره بشروط.
أقول : لكنه انفرد بحديث قنوت الصبح، قال الذهبي : ومما تفرد به حديث القنوت ( سير أعلام النبلاء 7/346-349 ).
وممّا يدلك على سوء حفظ أبو جعفر- كما ذكره ابن حبان وأبو زرعة والفلاس وغيرهم- ، النصوص التالية :
أولا :أورد له الجوزقاني ـ أي لأبي جعفر ـ من طريق سلمة الأبرش عنه حديثا عن قتادة عن الحسن عن الاحنف عن العباس مرفوعاً لو دليتم بحبل إلى الأرض السابعة... الحديث ثم قال كان أبو جعفر ممن يتفرد بالمناكير عن المشاهير ( المغني في الضعفاء للذهبي 2/777 ).
ثانيا : قال الذهبي : وروى حاتم بن إسماعيل وهاشم أبو النضر وحجاج بن محمد وغيرهم عن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي هريرة أو غيره عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا طويلا في المعراج فيه ألفاظ منكرة جدا ( ميزان الإعتدال385-386 ).
ثالثا : قال شيخ الإسلام عن سند قنوت الصبح الذي فيه أبو جعفر :" هو ـ نفس إسناد ـ ... حديث أبي بن كعب الطويل ـ وفيه وكان روح عيسى عليه السلام من تلك الأرواح التي أخذ عليها العهد والميثاق في زمن آدم فأرسل تلك الروح إلى مريم عليها السلام حين انتبذت من أهلها مكانا شرقيا فأرسله الله في صورة بشر فتمثل لها بشرا سويا قال فحملت الذي يخاطبها فدخل من فيها ..فقال شيخ الإسلام : ولم يكن الذي خاطبها بهذا هو عيسى بن مريم هذا محال " اهـ، ثم قال العلامة ابن القيم معلقا : والمقصود أن أبا جعفر الرازي صاحب مناكير لا يحتج بما تفرد به أحد من أهل الحديث البتة " ( زاد المعاد ج1/ 275 ).
الأمر الثالث :
إن حديث أبو جعفر ليس ضعيف فقط بل هو منكر لأنه خلاف حديثين صحيحين، جاء فيهما عدم ثبوت القنوت في الصبح : فعن عاصم بن سليمان : قلنا لأنس : إن قوما يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يقنت في الفجر، فقال: كذبوا، إنما قنت شهرا واحدا يدعو على حي من أحياء المشركين، وروى ابن خزيمة في صحيحه عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يكن يقنت إلا إذا دعا لقوم، أو دعا على قوم ، قال الزيلعي : قال صاحب التنقيح : وسند هذين الحديثين صحيح ( نصب الراية 2/130 ) ، وقال الحافظ ابن حجر في الدراية : وإسناد كل منها صحيح ( الدراية ص 117 ).
الأمر الرابع :
هناك علة أخرى ذكرها ابن حبان في الربيع بن أنس ـ وهو الذي روى عنه أبو جعفر قنوت الفجرـ : قال ابن حبان : ( الناس يتقون من حديثه ما كان من رواية أبي جعفر عنه، لأن في أحاديثه عنه اضطراباً كثيراً ) التهذيب ج3/133 أهـ، وقال الحافظ في التقريب 1882: صدوق له أوهام ورمي بالتشيع.
والخلاصة قول الحافظ ابن حجر: ويأخذ من جميع الأخبار أنه - صلى الله عليه وسلم- كانَ لا يقنت إلا في النوازل ، وقدْ جاء ذلكَ صريحاً ( الدراية 1/ 195).
وأخيرا، فقد ختم الشيخ شمس الدين مقاله بقوله : " فإن تفلسف عليك متفلسف وزعم أن حديث أنس ضعيف إلخ كلامه " اهـ، ولكل منصف أن يحكم بعد قراءته لما ذكرته إن كان هذا من قبيل " التفلسف " أو هو كلام لعلماء أثبات وبطرح علمي ـ أحسبه كذلك ـ، كما إني أدعو الشيخ أن يترفع عن مثل هذه العبارات التي تعودناها في كتاباته ورميه من خالفه بالكذب والتدليس والافتراء وشتى النعوت التي لا ينبغي أن تصدر من طالب علم وطالب حق، ، فأين نحن من أدب الخلاف ؟، فرحم الله الشافعي إذ قال : قولي صحيح يحتمل الخطأ وقول غيري خطأ يحتمل الصحة.
وكتبه أبو جابر الجزائري
تاريخ كتابة المقال؟ لا أتذكر ـ
ملحوظة:
الموضوع تطرقتُ فيه بفضل الله لدراسة حديثية بحتة لحديث أنس في قنوت الصبح فقط، وليس القصد منه مناقشة الجانب الفقهي منه، لذا أرجو من إخواني وأخواتي الأفاضل بالتركيزـ إن تكرموا بالتفاعل مع الموضوع ـ على الجانب الحديثي للحديث فقط، وعدم فتح النقاش حول جواز أو عدم جواز قنوت الصبح، أرجو التفهمّ، ربّي يحفظكم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آل بيته الأطهار وصحابته الأخيار،
أمّا بعدُ،
هذا البحث في حقيقته تعقيب على مقال الشيخ شمس الدين بوروبي الذي نشره منذ سنوات في الجريدة الأسبوعية " العربي "، والذي دافع فيه عن صحّة حديث أبو جعفر الرازي الذي يعتبر الحجّة الرئيسة ومدار الرحى لمن ذهب إلى سنّية لزوم قنوت الصبح.
وكنتُ قد أرسلتُ التعقيب للجريدة في حينه، ولكن لم يكتب له النشر.
جاء فيه:
"ذكر الشيخ شمس الدين في العدد 61 و 69 أنه يشرع قنوت الصبح، انطلاقا من حديث أنس ـ وهو عمدة من قال بمشروعيته ـ الذي رواه أبو الرازي " ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في صلاة الغداة ـ الصبح ـ حتى فارق الدنيا "، وقال الشيخ بأن الحديث صحيح وأن الراوي أبو جعفر ثقة عند أهل الجرح والتعديل.
وسنحاول بتوفيق الله في هذه المقال إلقاء الضوء على هذا الحديث ودراسته من الناحية الحديثية بكل موضوعية وبطريقة علمية صرفة حسب قواعد علم الحديث وعلم الجرح والتعديل التي أصلها العلماء الأجلاء.
الأمر الأول :
ذكر الشيخ شمس الدين بأن الإمام أحمد، وابن المديني، وابن معين من العلماء الذين وثقوا الراوي أبا جعفر الرازي،
أقول : لكن المنقول أن لهم قولين مختلفين في هذا الراوي ، قال الشوكاني : وثقه علي بن المديني وابن معين ونقل عنهما خلاف ذلك (ـ نيل الأوطار 8/231 )، وقال الذهبي : وقال أحمد ليس بقوي وقال مرة صالح الحديث ( المغني في الضعفاء للذهبي 2/500 ).
أولا : فأما الإمام أحمد فقد قال الشيخ شمس الدين :" قال ـ الإمام أحمد ـ: صالح الحديث" اهـ، لكن الشيخ لم يذكر القول الثاني لأحمد المذكور في التهذيب وغيره والذي جرح فيه الراوي، فقد جاء في التهذيب 12/59 : " قال عبد الله بن أحمد عن أبيه ليس بقوي في الحديث " اهـ.
كما أن القول الأخير لأحمد يوافق قول الذين جرحوه ـ كما سيأتي ـ، قال ابن حبان: " قال أحمد بن حنبل: أبو جعفر الرازي مضطرب الحديث ( المجروحين ابن حبان 2/120 ).
ثم إن عبارة " صالح الحديث "، معناها، أن أحاديث الراوي تكتب فقط للاعتبار لينظر فيها ( تدريب الراوي ج1/187 )، فكيف يصح قول الشيخ شمس الدين بأن الإمام أحمد قد وثق أبو جعفر ؟، وعبارة " ثقة " لا تطلق إلا في من اتصف بالعدالة والضبط معا، وهذا الراوي لا تقبل روايته مباشرة لسوء حفظه وضبطه، بل تقبل بكل تحفظ حتى ينظر من وافقه فيها، وهذا حال أبي جعفر في روايته هاته التي انفرد بها بل خالف فيها من هو أوثق منه كما سيأتي.
ثانيا : وأما ابن المديني فقال الشيخ شمس الدين " قال علي بن المديني : يخلط فيما روى عن مغيرة ، كان عندنا ثقة " اهـ، :
أقول : ما نقله الشيخ هو كلام مركب من قولين منفصلين لابن المديني . فأما القول الأول ( المجرح ) فقد نقله ابنه عبد الله عنه : " قال على بن المديني : " هو نحو موسى بن عبيدة وهو يخلط فيما روى عن مغيرة ونحوه " اهــ، وأما القول الثاني ( الموثق ) فرواه محمد بن عثمان بن أبي شيبة أن ابن المديني قال : " كان أبو جعفر الرازي عندنا ثقة " اهـ.
أقول : القول الموثق ضعيف لا يلتفت إليه، قال ابن حجر في التلخيص : محمد بن عثمان ضعيف، فرواية عبد الله بن علي عن أبيه أولى ( التلخيص ج1/599 )، وبالتالي فالثابت أن ابن المديني جرح أبا جعفر الرازي ولم يوثقه، لا كما ذكر الشيخ شمس الدين بأن ابن المديني وثقه.
ويجدر التنبيه إلى أن ابن المديني لم يضعفه لأنه روى عن مغيرة فقط بل قال " عن مغيرة ونحوه "اهـ، أي يخلط و بخاصة عن مغيرة، لذا قال الحافظ ابن حجر ملخصا أقوال علماء الجرح والتعديل: " صدوق سيئ الحفظ، خصوصا عن المغيرة " ( تقريب التهذيب 8019 ).
إذن فالراوي لم يُجرح فيما يروى عن المغيرة فقط بل لسوء حفظه مطلقا، كما ذكره الكثير من علماء الجرح والتعديل وكما سيأتي قريبا مفصلا ( كقول: ابن حبان كان ينفرد عن المشاهير بالمناكير )، وهذا يبطل قول الشيخ شمس الدين" بأن أبا جعفر يضعف في روايته عن المغيرة فقط، وما دام أن حديث أنس لم يروه أبو جعفر من طريق المغيرة فالحديث صحيح"!!.
ثالثا : قال الشيخ شمس الدين :" قال ابن معين : كان ثقة خراسنيا، وقال مرة أخرى : ثقة وهو يغلط فيما يروى عن مغيرة " اهـ.
أقول : يفهم من كلامه، أن ابن معين وثقه وأنه يغلط فقط من طريق المغيرة، لكن هناك كلام أخر لابن معين يشير إلى أنه يخطئ مطلقا ، حيث قال : " يكتب حديثه إلا أنه يخطئ " اهـ، : (ـ تهذيب التهذيب 12/59 و تاريخ بغداد11/ 143-146 للبغدادي ).
الأمر الثاني :
إن المتأمل لكلام الشيخ شمس الدين يلحظ أنه لم يذكر من جرح أبا جعفر من العلماء ـ عند تفصيله للمسألة ـ ( وهو يناقض بذلك نفسه عندما انتقد من خالفه بأنه ذكر من جرح الراوي أبا جعفر ولم يذكر من عدله )، بل عند استقراء ما قيل في الراوي أبا جعفر نجد قد جرحه الكثير من العلماء، ليس من جهة عدالته بل لسوء حفظه، وهذه علة قادحة في كون الحديث حسن ناهيك أن يبلغ درجة الصحة، فمنهم: ابن المديني، أحمد في قوله الثاني، يحي بن معين في قوله الثاني، أبو زرعة، ابن حبان، أبو حفص عمرو بن علي، ابن خراش، الساجي، النسائي، العجلي، الفلاس.
وإليك أقوالهم :
- قال عمرو بن علي فيه ضعف وهو من أهل الصدق سيء الحفظ
- قال أبو زرعة شيخ يهم كثيرا
- قال زكريا الساجي صدوق ليس بمتقن
- قال النسائي ليس بالقوي
- قال بن خراش صدوق سيء الحفظ
- قال ابن حبان كان ينفرد عن المشاهير بالمناكير لا يعجبني الاحتجاج بحديثه إلا فيما وافق الثقات
- قال العجلي ليس بالقوي، (ـ تهذيب التهذيب 12/59 )
- قال الفلاس سيء الحفظ ( المغني في الضعفاء للذهبي 2/500).
فأنت ترى أخي القارئ أن الذين جرّحوا أبا جعفر الرازي، طعنوا في حفظه وهو جرح مفسر، ومعروف أن الجرح المفسر مقدم على القول المعدل، لسبب وجيه وهو أن من علم حجة على من لم يعلم لأن له زيادة علم ( انظر الكفاية للبغدادي ص 123، والرفع والتنكيل للكنوي ص 120 ).
بناء على ما سبق، فإنّ قول المجرحين الذين سبق ذكرهم مقدم على قول المعدلين الذين ذكرهم الشيخ شمس الدين، لذا قال الحافظ ابن حجر في التهذيب ملخصا أقوال أهل الجرح والتعديل في الراوي أبو جعفر: " صدوق سيئ الحفظ، خصوصا عن مغيرة "اهـ، أي أن أبا جعفر لا يقبل إذا انفرد في رواية ما، إلا إذا وافقه غيره بشروط.
أقول : لكنه انفرد بحديث قنوت الصبح، قال الذهبي : ومما تفرد به حديث القنوت ( سير أعلام النبلاء 7/346-349 ).
وممّا يدلك على سوء حفظ أبو جعفر- كما ذكره ابن حبان وأبو زرعة والفلاس وغيرهم- ، النصوص التالية :
أولا :أورد له الجوزقاني ـ أي لأبي جعفر ـ من طريق سلمة الأبرش عنه حديثا عن قتادة عن الحسن عن الاحنف عن العباس مرفوعاً لو دليتم بحبل إلى الأرض السابعة... الحديث ثم قال كان أبو جعفر ممن يتفرد بالمناكير عن المشاهير ( المغني في الضعفاء للذهبي 2/777 ).
ثانيا : قال الذهبي : وروى حاتم بن إسماعيل وهاشم أبو النضر وحجاج بن محمد وغيرهم عن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي هريرة أو غيره عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا طويلا في المعراج فيه ألفاظ منكرة جدا ( ميزان الإعتدال385-386 ).
ثالثا : قال شيخ الإسلام عن سند قنوت الصبح الذي فيه أبو جعفر :" هو ـ نفس إسناد ـ ... حديث أبي بن كعب الطويل ـ وفيه وكان روح عيسى عليه السلام من تلك الأرواح التي أخذ عليها العهد والميثاق في زمن آدم فأرسل تلك الروح إلى مريم عليها السلام حين انتبذت من أهلها مكانا شرقيا فأرسله الله في صورة بشر فتمثل لها بشرا سويا قال فحملت الذي يخاطبها فدخل من فيها ..فقال شيخ الإسلام : ولم يكن الذي خاطبها بهذا هو عيسى بن مريم هذا محال " اهـ، ثم قال العلامة ابن القيم معلقا : والمقصود أن أبا جعفر الرازي صاحب مناكير لا يحتج بما تفرد به أحد من أهل الحديث البتة " ( زاد المعاد ج1/ 275 ).
الأمر الثالث :
إن حديث أبو جعفر ليس ضعيف فقط بل هو منكر لأنه خلاف حديثين صحيحين، جاء فيهما عدم ثبوت القنوت في الصبح : فعن عاصم بن سليمان : قلنا لأنس : إن قوما يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يقنت في الفجر، فقال: كذبوا، إنما قنت شهرا واحدا يدعو على حي من أحياء المشركين، وروى ابن خزيمة في صحيحه عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يكن يقنت إلا إذا دعا لقوم، أو دعا على قوم ، قال الزيلعي : قال صاحب التنقيح : وسند هذين الحديثين صحيح ( نصب الراية 2/130 ) ، وقال الحافظ ابن حجر في الدراية : وإسناد كل منها صحيح ( الدراية ص 117 ).
الأمر الرابع :
هناك علة أخرى ذكرها ابن حبان في الربيع بن أنس ـ وهو الذي روى عنه أبو جعفر قنوت الفجرـ : قال ابن حبان : ( الناس يتقون من حديثه ما كان من رواية أبي جعفر عنه، لأن في أحاديثه عنه اضطراباً كثيراً ) التهذيب ج3/133 أهـ، وقال الحافظ في التقريب 1882: صدوق له أوهام ورمي بالتشيع.
والخلاصة قول الحافظ ابن حجر: ويأخذ من جميع الأخبار أنه - صلى الله عليه وسلم- كانَ لا يقنت إلا في النوازل ، وقدْ جاء ذلكَ صريحاً ( الدراية 1/ 195).
وأخيرا، فقد ختم الشيخ شمس الدين مقاله بقوله : " فإن تفلسف عليك متفلسف وزعم أن حديث أنس ضعيف إلخ كلامه " اهـ، ولكل منصف أن يحكم بعد قراءته لما ذكرته إن كان هذا من قبيل " التفلسف " أو هو كلام لعلماء أثبات وبطرح علمي ـ أحسبه كذلك ـ، كما إني أدعو الشيخ أن يترفع عن مثل هذه العبارات التي تعودناها في كتاباته ورميه من خالفه بالكذب والتدليس والافتراء وشتى النعوت التي لا ينبغي أن تصدر من طالب علم وطالب حق، ، فأين نحن من أدب الخلاف ؟، فرحم الله الشافعي إذ قال : قولي صحيح يحتمل الخطأ وقول غيري خطأ يحتمل الصحة.
وكتبه أبو جابر الجزائري
تاريخ كتابة المقال؟ لا أتذكر ـ
ملحوظة:
الموضوع تطرقتُ فيه بفضل الله لدراسة حديثية بحتة لحديث أنس في قنوت الصبح فقط، وليس القصد منه مناقشة الجانب الفقهي منه، لذا أرجو من إخواني وأخواتي الأفاضل بالتركيزـ إن تكرموا بالتفاعل مع الموضوع ـ على الجانب الحديثي للحديث فقط، وعدم فتح النقاش حول جواز أو عدم جواز قنوت الصبح، أرجو التفهمّ، ربّي يحفظكم.