المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفرق بين الجهاد الشرعي والجهاد البدعي


ميمونة 25
2009-01-01, 15:54
الرد على اهل الجهاد المزيف




إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله.

{يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إلاَّ وأَنتُم مُسْلِمُونَ}

{يأيّها الناسُ اتّقُوا ربَّكمُ الَّذي خَلَقَكُم مِن نَفْسٍ واحِدَةٍ وخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً واتَّقُوا اللهََ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ والأَرْحامَ إِنَّ اللهَ كان عَلَيْكُمْ رَقِيباً}

{يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللهَ وقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكمْ ويَغْفِرْ لَكمْ ذُنوبَكُمْ ومَن يُطِعِ اللهَ ورَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}

أمَّا بعد: فإنَّ خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشرّ المور محدثاتها وكلّ محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

أنت ـ جزاك الله خيراً ـ أشرتَ بأننا تكلَّمنا في هذه المسألة، وذكرت أنَّهم (يهدون) بجهل أو بغير علم، إذا كان الكلام ممَّن يُظنُّ فيه العلم، ثم يقابَل ممن لا علم عندهم بالرفض والردِّ فما الفائدة من الكلام حينئذ؟

لكن نحن نجيب لمن قد يكون عنده شبهة (بأنَّ هذا الذي يفعلونه هو أمر جائزٌ شرعاً) ، وليس لإقناع ذوي الأهواء وأهل الجهل، وإنَّما لإقناع الذين قد يتردَّدون في قبول أنَّ هذا الذي يفعله هؤلاء المعتدون هو أمر غير مشروع.


لا بدَّ لي قبل الدخول في شيء من التفصيل بأن أُذكِّر ـ والذكرى تنفع المؤمنين ـ بقول أهل العلم: (( ما بُني على فاسد فهو فاسد ))، فالصلاة التي تُبنى على غير طهارة مثلاً فهي ليست بصلاة، لماذا؟ لأنَّها لم تقم على أساس الشرط الذي نصَّ عليه الشارع الحكيم في مثل قوله صلى الله عليه وسلَّم: (( لا صلاة لمن لا وضوء له )) ، فمهما صلى المصلي بدون وضوء فما بُني على فاسد فهو فاسد، والأمثلة في الشريعة من هذا القبيل شيء كثير وكثير جداًّ.


فنحن ذكرنا دائماً وأبداً بأنّ الخروج على الحكام لو كانوا من المقطوع بكفرهم، لو كانوا من المقطوع بكفرهم، أنَّ الخروج عليهم ليس مشروعاً إطلاقاً؛ ذلك لأنَّ هذا الخروج إذا كان ولا بدَّ ينبغي أن يكون خروجاً قائماً على الشرع، كالصلاة التي قلنا آنفاً إنَّها ينبغي أن تكون قائمة على الطهارة، وهي الوضوء، ونحن نحتجُّ في مثل هذه المسألة بِمثل قوله تبارك وتعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}


إنَّ الدورَ الذي يَمرُّ به المسلمون اليوم من تحكّم بعض الحكام ـ وعلى افتراض أنَّهم أو أنَّ كفرهم كفر جلي واضح ككفر المشركين تماماً ـ إذا افترضنا هذه الفرضية فنقول: إنَّ الوضع الذي يعيشه المسلمون بأن يكونوا محكومين من هؤلاء الحكام ـ ولْنَقُل الكفار مجاراةً لجماعة التكفير لفظاً لا معنى؛ لأنَّ لنا في ذلك التفصيل المعروف ـ فنقول: إنَّ الحياة التي يحياها المسلمون اليوم تحت حكم هؤلاء الحكام لا يخرج عن الحياة التي حييها رسول الله عليه الصلاة وعلى آله وسلَّم، وأصحابُه الكرام فيما يُسمى في عرف أهل العلم: بالعصر المكي.


لقد عاش عليه السلام تحت حكم الطواغيت الكافرة المشركة، والتي كانت تأبى صراحةً أن تستجيب لدعوة الرسول عليه السلام، وأن يقولوا كلمة الحق (( لا إله إلاَّ الله )) حتى إنّ عمَّه أبا طالب ـ وفي آخر رمق من حياته ـ قال له: لولا أن يُعيِّرني بها قومي لأقررتُ بها عينَك.


أولئك الكفار المصرِّحين بكفرهم المعاندين لدعوة نبيِّهم، كان الرسول عليه السلام يعيش تحت حكمهم ونظامهم، ولا يتكلَّم معهم إلاَّ: أن اعبدوا الله وحده لا شريك له.


ثم جاء العهد المدني، ثم تتابعت الأحكام الشرعية، وبدأ القتال بين المسلمين وبين المشركين، كما هو معروف في السيرة النبوية.


أما في العهد الأول ـ العهد المكي ـ لم يكن هنالك خروج كما يفعل اليوم كثيرٌ من المسلمين في غير ما بلد إسلامي.


فهذا الخروج ليس على هدي الرسول عليه السلام الذي أُمرنا بالاقتداء به، وبخاصة في الآية السابقة: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}


الآن كما نسمع في الجزائر، هناك طائفتان، وأنا أهتبلها فرصة إذا كنت أنت أو أحد الحاضرين على بيِّنة من الإجابة عن السؤال التالي: أقول أنا أسمع وأقرأ بأنَّ هناك طائفتين أو أكثر من المسلمين الذين يُعادون الحكام هنالك، جماعة مثلاً جبهة الإنقاذ، وأظن فيه جماعة التكفير.

فقيل له: جيش الإنقاذ هذا هو المسلَّح غير الجبهة.

وقال الشيخ: لكن أليس له علاقة بالجبهة؟

قيل له: انفصلَ عنها، يعني: قسم متشدِّد.

قال الشيخ: إذاً هذه مصيبة أكبر! أنا أردتُ أن أستوثق من وجود أكثر من جماعة مسلمة، ولكلٍّ منها سبيلها ومنهجها في الخروج على الحاكم، تُرى! لو قضي على هذا الحاكم وانتصرت طائفة من هذه الطوائف التي تُعلن إسلامها ومحاربتها للحاكم الكافر بزَعمهم، تُرى! هل ستَتَّفقُ هاتان الطائفتان ـ فضلاً عمَّا إذا كان هناك طائفة أخرى ـ ويقيمون حكم الإسلام الذي يقاتلون من أجله؟


سيقع الخلاف بينهم! الشاهد الآن موجود مع الأسف الشديد في أفغانستان، يوم قامت الحرب في أفغانستان كانت تُعلن في سبيل الإسلام والقضاء على الشيوعية!! فما كادوا يقضون على الشيوعية ـ وهذه الأحزاب كانت قائمة وموجودة في أثناء القتال ـ وإذا بهم ينقلب بعضُهم عدوًّا لبعض.


فإذاً كلُّ مَن خالف هدي الرسول عليه السلام فهو سوف لا يكون عاقبة أمره إلاَّ خُسراً، وهدي الرسول صلى الله عليه وسلَّم إذاً في إقامة الحكم الإسلامي وتأسيس الأرض الإسلامية الصالحة لإقامة حكم الإسلام عليها، إنَّما يكون بالدعوة.


أولاً: دعوة التوحيد، ثم تربية المسلمين على أساس الكتاب والسنة.

وحينما نقول نحن إشارة إلى هذا الأصل الهام بكلمتين مختصرَتين، إنَّه لا بدَّ من التصفية والتربية، بطبيعة الحال لا نعني بهما أنَّ هذه الملايين المملينة من هؤلاء المسلمين أن يصيروا أمة واحدة، وإنَّما نريد أن نقول: إنَّ مَن يريد أن يعمل بالإسلام حقًّا وأن يتَّخذ الوسائل التي تمهد له إقامة حكم الله في الأرض، لا بدَّ أن يقتدي بالرسول صلى الله عليه وسلم حكماً وأسلوباً.


بهذا نحن نقول إنَّ ما يقع سواءً في الجزائر أو في مصر، هذا خلاف الإسلام؛ لأنَّ الإسلام يأمر بالتصفية والتربية، أقول التصفية والتربية؛ لسبب يعرفه أهل العلم.


نحن اليوم في القرن الخامس عشر، ورثنا هذا الإسلام كما جاءنا طيلة هذه القرون الطويلة، لم نرث الإسلام كما أنزله الله على قلب محمد عليه الصلاة والسلام، لذلك الإسلام الذي أتى أُكلَه وثمارَه في أول أمره هو الذي سيؤتي أيضاً أُكُلَه وثمارَه في آخر أمره، كما قال عليه الصلاة والسلام: (( أمَّتي كالمطر لا يُدرى الخير في أوله أم في آخره )).


فإذا أرادت الأمة المسلمة أن تكون حياتها على هذا الخير الذي أشار إليه الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، والحديث الآخر الذي هو منه أشهر: (( لا تزال طائفةٌ مِن أمَّتِي ظاهرين على الحقِّ لا يضرُّهم مَن خالَفَهم حتى يأتي أمرُ الله )).


أقول: لا نريد بهاتين الكلمتين أن يصبح الملايين المملينة من المسلمين قد تبنَّوا الإسلامَ مصفًّى وربَّوْا أنفسهم على هذا الإسلام المصفَّى، لكنَّنا نريد لهؤلاء الذين يهتمُّون حقًّا أولاً بتربية نفوسهم ثم بتربية من يلوذ بهم، ثم، ثم، حتى يصل الأمر إلى هذا الحاكم الذي لا يمكن تعديله أو إصلاحه أو القضاء عليه إلاَّ بهذا التسلسل الشرعي المنطقي.


بهذا نحن كنَّا نجيب بأنَّ هذه الثورات وهذه الانقلابات التي تُقام، حتى الجهاد الأفغاني، كنَّا نحن غير مؤيِّدين له أو غير مستبشرين بعواقب أمره حينما وجدناهم خمسة أحزاب، والآن الذي يحكم والذي قاموا ضدَّه معروف بأنَّه من رجال الصوفية مثلاً.


القصد أنَّ مِن أدلَّة القرآن أن الاختلاف ضعف حيث أنَّ الله عزَّ وجلَّ ذكر من أسباب القتل هو التنازع والاختلاف {وَلاَ تَكُونُوا مِنَ المُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدِيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم 31 ـ 32]، إِذَن إذا كان المسلمون أنفسهم شيعاً لا يمكن أن ينتصروا؛ لأنَّ هذا التشيع وهذا التفرُّق إنَّما هو دليل الضعف.


إذاً على الطائفة المنصورة التي تريد أن تقيم دولة الإسلام بحق أن تمثَّل بكلمة أعتبرها من حِكم العصر الحاضر، قالها أحد الدعاة، لكن أتباعه لا يُتابعونه ألا وهي قوله: (( أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تُقم لكم على أرضكم )).


فنحن نشاهد أنَّ ... لا أقول الجماعات التي تقوم بهذه الثورات، بل أستطيع أن أقول بأنَّ كثيراً من رؤوس هذه الجماعات لم يُطبِّقوا هذه الحكمة التي هي تعني ما نقوله نحن بتلك اللفظتين (( التصفية والتربية ))، لم يقوموا بعد بتصفية الإسلام ممَّا دخل فيه ممَّا لا يجوز أن يُنسب إلى الإسلام في العقيدة أو في العبادة أو في السلوك، لم يُحققوا هذه ـ أي تصفية في نفوسهم ـ فضلاً عن أن يُحقِّقوا التربية في ذويهم، فمِن أين لهم أن يُحقِّقوا التصفية والتربية في الجماعة التي هم يقودونها ويثورون معها على هؤلاء الحكام؟!.


أقول: إذا عرفنا ـ بشيء من التفصيل ـ تلك الكلمة (( ما بُني على فاسد فهو فاسد ))، فجوابنا واضح جدًّا أنَّ ما يقع في الجزائر وفي مصر وغيرها هو سابقٌ لأوانه أوَّلاً، ومخالفٌ لأحكام الشريعة غايةً وأسلوباً ثانياً، لكن لا بدَّ من شيء من التفصيل فيما جاء في السؤال.


نحن نعلم أنَّ الشارعَ الحكيم ـ بٍما فيه من عدالة وحكمة ـ نهى الغزاة المسلمين الأولين أن يتعرَّضوا في غزوهم للنساء، فنهى عن قتل النساء وعن قتل الصبيان والأطفال، بل ونهى عن قتل الرهبان المنطوين على أنفسهم لعبادة ربِّهم ـ زعموا ـ فهم على شرك وعلى ضلال، نهى الشارع الحكيم قُوَّاد المسلمين أن يتعرَّضوا لهؤلاء؛ لتطبيق أصل من أصول الإسلام، ألا وهو قوله تبارك وتعالى في القرآن: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى أَن لاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَأَن لَيْسَ لِلإِنسَانِ إَلاَّ مَا سَعَى} [النجم 36 ـ 39]، فهؤلاء الأطفال وهذه النسوة والرجال الذين ليسوا لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء، فقتلهم لا يجوز إسلاميًّا، قد جاء في بعض الأحاديث: (( أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله سلَّم رأى ناساً مجتمعين على شيء فسأل؟ فقالوا: هذه امرأة قتيلة، قال عليه السلام: ما كانت هذه لتقاتِل )).


وهنا نأخذ حكمين متقابلين، أحدها: سبق الإشارة إليه، ألا وهو أنَّه لا يجوز قتل النساء؛ لأنَّها لا تُقاتل، ولكن الحكم الآخر أنَّنا إذا وجدنا بعض النسوة يُقاتلن في جيش المحاربين أو الخارجين، فحينئذ يجوز للمسلمين أن يُقاتلوا أو أن يقتلوا هذه المرأة التي شاركت الرجال في تعاطي القتال.



فإذا كان السؤال إذاً بأنَّ هؤلاء حينما يفخِّخون ـ كما يقولون ـ بعض السيارات ويفجِّرونها تصيب بشظاياها مَن ليس عليه مسؤولية إطلاقاً في أحكام الشرع، فما يكون هذا من الإسلام إطلاقاً، لكن أقول: إنَّ هذه جزئية من الكُليَّة، أخطرها هو هذا الخروج الذي مضى عليه بضع سنين، ولا يزداد الأمر إلاَّ سوءاً، لهذا نحن نقول إنَّما الأعمال بالخواتيم، والخاتمة لا تكون حسنةً إلاَّ إذا قامت على الإسلام، وما بُني على خلاف الإسلام فسوف لا يُثمر إلاَّ الخراب والدمَّار )).


فضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني محدِّث الديار الشامية وعلاَّمة عصره


يوم 29 ـ جمادى الأولى ـ 1416 هـ الموافق لـ 23ـ 10 ـ 1995

من شريط: من منهج الخوارج.

ميمونة 25
2009-01-01, 16:38
السبيل الى العزة والتمكين

.............معشر المسلمين، لا يخفى عليكم ما يعيشه المسلمون اليوم من محن، وما تعترضهم من عقبات، وما يصيبهم من نكبات.


إن لهم أعداء لا يرحمونهم ولا يغفلون عنهم، وتلك سنة الله في خلقه، أن يمتحن الله الطيب بالخبيث، ليستخلص من صف المسلمين صَفوتَه، وليجتبي منه خيـرته، ذلك لأنه بالامتحان يعرف من يستحق الإكرام، ممن يستحق الامتهان، قال الله تعالى: { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب}.


ومما يعقد المؤمن قلبه عليه، أن الله تعالى يَعِدُ ولا يخلف، ولا ريب أن مدة الامتحان قد طالت، والمسلمون هم المسلمون، وضعفهم هو ضعفهم، وذلهم هو ذلهم، إلا ما شاء الله.


فإن من سنن الله أيضا أن لكل مسبَبٍ سببا، وإن الله تبارك وتعالى اشترط على المسلمين الذين ينشدون النصر أن يحققوا شرطين عظيمين، تحتهما شروط، ولكننا نكتفي بهذين.


وذلك لأن الله تبارك وتعالى قد رهن النصر بأهله، وجعل العاقبة الحسنى لأهل التقوى، فليس من عصى الله وخالفه وأشرك به وابتدع في دينه ممن ينـتخب لأن ينصره الله عز وجل، كيف ذلك؟ والله تعالى يقول: {والعاقبة للتقوى}، ويقول : {استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين}، ويقول: {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون}
ويفصِّل شيئا من ذلك في بعض آي القرآن الكريم، فيقول الله عز وجل: {وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنـتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا} الآية.
فبان لذي عينين أن الله عز وجل ناصر هذه الأمة، لكن النصر تابع لأهله، ليس بالأماني والتخيلات، قال الله تعالى: {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب}.


وذلك لأن عدو المسلمين لا ينـتصر عليهم لقوته، وإنما ينـتصر عليهم حين يتركهم ربهم، ويكلهم إلى أنفسهم، فهنالك تكون الغلبة لمن غلب.


والله عز وجل لا يظلم عباده مثقال ذرة، فما بالنا نغفل عن واجباتنا، ونسـتـتبع حقوقنا، وإنما العبرة بأن نـتـلبس بما أمرنا الله عز وجل به، هذا خيـر ما يتدارسه المسلمون بينهم. أما أن يعدِّدوا قوة عدوهم، فيقال لهم: هل يغلب اللهَ قوةٌ ما؟


العدة الإيمانية والعدة المادية


والشرطان الّذان أريد أن أذكرهما إجمالا:


الأول:

ما سمعتم، قوة الإيمان، وتقوى الله عز وجل.


الثاني:

العُدة المادية، من عدة بشرية، وعدة عسكرية، لأن الله تعالى قال : {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم}


فأيما قوة تكون لدى المسلمين لا يرهبها العدو، فليست بقوة شرعا.

وهذه الفائدة القرآنية استفدتها من شيخي العلامة المجاهد ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله.


وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم معنى القوة المذكورة في الآية، فقال: " ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي" رواه مسلم.


فخص الله عز وجل الخيل بالذكر لأنها أحسن ما يقاتل عليه يومئذ، وخص رسول الله صلى الله عليه وسلم الرمي بالذكر لأنه أقوى ما يقاتل به يومئذ، تنبيها للمسلمين على أن الإعداد هو ما كان على مستوى أرقى ما لدى العدو.

وهذه الفائدة الحديثية استفدتها من شيخي العلامة حماد بن محمد الأنصاري رحمه الله.


وضابط العدة البشرية أن يكون عددُ المقاتلين الكفار على الضعف من عدد المقاتلين المسلمين، فإن زادوا على ذلك لم يجب على المسلمين دخول المعركة، وقد كان الله أوجب عليهم في أول الأمر أن يُقاتلوا الكفار، ولو كان هؤلاء عشرة أضعافهم، ثم نسخ ذلك إلى الضعف، قال الله تعالى: (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ * الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ )) [سورة الأنفال: 65-66].


فكيف يأتي اليوم من اجتمع لديه ألفٌ أو ألفان أو عشرة آلاف يواجه بهم مليون مقاتل، ومن تخلف عنه فهو عندهم ضعيف الإيمان أو منافقٌ أو مرتدٌ؟!




العدة الإيمانية أسبق


إنني أريد أن أنبه إخواني على أن البدء بتحقيق العدة الأولى، - أعني العدة الإيمانية - هو الأصل، وهذا أولى ما ينبغي أن يهتم به المسلمون، لأنها سابقة لتلك.


ألا ترى كيف نهى الله المؤمنين في أول الأمر عن التوجه العسكري وأمرهم بالتوجه التعبدي فقال: (( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ )) [سورة النساء:77]، فأمرهم الله عز وجل إبان نزول آيات التوحيد وتحقيق حقوق التوحيد، وهي الصلاة والزكاة، فالصلاة ما بين العبد وربه، والزكاة ما بين العبد وأخية.


ولا معنى لقوة مادية إذا أقـفرت القلوب من تقوى الله عز وجل، وقد قيل : إنما السيف بضاربه.


ولا يقولن قائل: إن المسلمين اليوم كثيرٌ، لأنه لا معنى لثروة بشرية لا تُزكيها أعمالها، فقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الإسلام لا يُنصرُ بالغثاء، فقد صح في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها )). فقال قائل: ومن ثلة نحن يومئذ؟ قال: (( بل أنتم يومئذٍ كثير، لكنكم غُثاءٌ كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن )). فقال قائل: يا رسول الله! ما الوهن؟ قال (( حب الدنيا وكراهية الموت )).




لو لم يكن المسلمون بمثابة الغثاء، وإنما كانوا أصحاب إيمان حقيقةً، فاهتبل الشيطان غفلتهم البشرية، وحرك من أنفسهم العجب بكثرتهم، لم يحالفهم النصر كما حصل ذلك لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين، حتى قال الله تعالى: (( لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ)) [سورة التوبة:25].


وهذا درسٌ بليغ، وحجة دامغة لمن يهتمون بالتجميع وصفوفهم مهزوزة بالخلاف العقدي والتمزق الطائفي البدعي، فإن الحديث السابق قد بين بنصه أن فساد القلوب - التي هي المحل الأصلي للعقيدة - بحب الدنيا وكراهية الموت يحرم أهلها من رهبة عدوها منها، فكيف بالنصر؟!


وأما الآية الأخيرة، فقد بينت أن الذين حققوا الإيمان، لكنهم غفلوا لحظة من جهادهم غفلة ما عن ربهم فمنوا بالهزيمة، ولولا أن الله عز وجل رأى منهم الصدق في المبدأ والأوبة في المنتهى لطال الأمر، ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولا.


فكيف يطمع في النصر من استدام الغفلة عن الله، بل استثقل الحديث عن التوحيد الذي هو حق الله، بل استحل الخروج عن عقيدة السلف، وركن إلى فلسفة من خلف؟!


ونقول لمن يكره هذه اللغة، ويحسبها تثبيطاً: مهلاً مهلاً، فإن غثائيتكم - ولو كانت حركية - لا تزيد المسلمين إلا وهناً وهناً!

والأغرب في هذا أن الذين يرون أنفسهم مهمومين بالقضية الإسلامية دون غيرهم إذا سُئلوا عن عقيدة من يدعمون ممن يسمونهم ( مجاهدين!)، قالوا: ليس الوقت وقت السؤال عن هذا، لأنهم - حسب فلسفتهم الميكيافيلية - يذحبون وأنتم تسألون عن تدينهم؟!! ولم ينتبهوا إلى أن الله سلط عليهم من يذبحهم بسبب ذنوبهم، ولو كانوا صالحين لتولاهم ربهم، وما تركهم نهباً لعدوه وعدوهم، ففي القرآن: (( إِنَّ وَلِيِّـيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ )) [سورة الأعراف: 169].


وهذا الجواب الذي يجتره الحركيون على بكرة أبيهم أضحى عندهم - على اختلافهم - كالإرث المشاع، وترك المسلمين قصاعاً بين جياع، ولا يكادون يدخلون معركة اليوم إلا خرجوا منها مهزومين، وأكدوا للكفار أن لا ناصر للمسلمين، فلم يشك الكفار أن دين الإسلام كذب، فأي جناية على الإسلام والمسلمين أعظم من هذه؟!



سبيل الولاية بالرجوع إلى الدين الصحيح


إذا كان حديث ثوبان السابق قد شخص الداء، فإن في حديث ابن عمر الآتي وصفاً وافياً للدواء، فعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( إذا تبايعتم بالعينة، ورضيتهم بالزرع، واتبعتم أذناب البقر، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم )) رواه أحمد وأبو داود وهو حسنٌ.


وها هنا فائدتان:

الأولى:

أن هذا الحديث لم يخرج بتفصيلة للأدواء عما في حديث ثوبان، لأن قوله صلى الله عليه وسلم: (( إذا تبايعتم بالعينة )) إلى قوله: (( واتبعتم أذناب البقر )) هو تفصيل لقوله المجمل: (( حب الدنيا ))، وقوله صلى الله عليه وسلم: (( تركتم الجهاد )) هو المسبب عن قوله صلى الله عليه وسلم: (( كراهية الموت ))، فتأمل لفظ الحديثي، فقد خرجا من مشكاةٍ واحدة.


الثانية:

أن الناس قد اختلفوا في معالجة هذه الأدواء المذكورة، فمنهم من يرى الحل السياسي، ومنهم من يرى الحل الدموي، ومنهم من يرى الحل الحضاري، ومنهم.. ومنهم... وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فيرى الحل الديني الدعوي التربوي، لأن الناس إذا تدينوا بدين الحق، وعملوا بسنة سيد الخلق، صلح أمرهم جميعاً،

وأما إذا تخلفوا عن الرجوع إلى دينهم، فإنه حريٌ بهم أن يجبنوا عن تحقيق بقية الحلول، ولذلك كان أهل السنة السلفيون أولى الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم وأسعدهم بدعوته، لما يدأبون عليه من تعليم الناس الهدى والصبر على ذلك، حتى يريهم الله من قومهم استجابة غالبة: (( وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ )) [سورة الروم: 4-5]،

وأما إن لم يستجب لهم، لا سيما في دعوة التوحيد، فإنهم صابرون على هذا الطريق لا ينحرفون عنه حتى يلقوا الله على الربانية التي قال الله فيها: (( وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ )) [سورة آل عمران 79].


ولهذا لم يصح اجتهاد أصحاب الحلول السياسية أو الدموية أو الحضارية أو غيرها، مع قوله صلى الله عليه وسلم الصريح: (( حتى ترجعوا إلى دينكم ))، ولا سبيل إلى الرجوع إلى الدين إلا بتعلمه، فعاد الأمر إلى التعليم، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إنما العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم )) رواه البخاري في الأدب المفرد وهو صحيح.


وأعظم شيء يعدّه المؤمنون ليتقووا على عدوهم، أن يتصلوا بالله، توحيدا، محبة، رجاء، خوفا، إنابة، تخشعا، وقوفا بين يديه، استغناء عما سواه، قال الله تعالى: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليـبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا}
فهل انـتبه المسلمون لهذا الشرط العظيم {يعبدونني لا يشركون بي شيئا}؟

وهل يرشح للنصر من يعلق أمله بحجر؟

هل يرشح للنصر من يستغيث بميت من البشر؟

هل يرشح للنصر من يسجد عند قبر؟

هل يرشح للنصر من يطوف بمشهد رجل صالح؟

هل يرشح للنصر من يجعل سره وعلانيته بيد وليّ، أو يقسم بـنـبـيّ؟

كل هؤلاء لا يرشحون للنصر، وكل هؤلاء فينا منهم الكثير.
لقد روى الإمام أحمد بسند صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " بشر هذه الأمة بالسناء والدين، والرفعة والنصر والتمكن في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا، لم يكن له في الآخرة من نصيب".


فالتبشير حاصل، والوعد محقق ولا ريب، لكن تأملوا شرط الإخلاص في قوله: " فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا " أي هو في صفة عمله عمل حسن، لكنه أراد به هذه الدنيا ومتاعها الرخيص، فلذلك لا ينصر، فكيف بمن عمله بغير عمل الآخرة، أي بغير طاعة الله عز وجل.


لقد خرج عصبةُ المؤمنين أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في غزوة حنين، وكان منهم رجال جدد في الإسلام، فرأوا أن المشركين يعلقون أسلحتهم بشجرة يقال لها ذات أنواط، يطلبون منها البركة - كما يفعل كثير من جهال المسلمين اليوم، الذين فقدوا الله، وضيعوه، فلجأوا إلى خلقه - فقال هؤلاء الضعفة - وكانوا حديثي عهد بالجاهلية والشرك- قالوا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط، كما لهم ذات أنواط.
فقال عليه الصلاة والسلام: " الله أكبر - وفي رواية: سبحان الله - إنها السنن، لقد قلتم والذي نفسي بيده، كما قال قوم موسى لموسى: (( اجعل لنا إلها كما لهم آلهة )) " رواه أحمد وهو صحيح.


تأملوا هذا الحديث، ما أعظمَه، لم يمنع النـبـيَّ صلى الله عليه وسلم جدةُ إسلامهم، من أن ينكر عليهم كلمة شرك، ولم يمنع النـبـيَّ صلى الله عليه وسلم كونُه خارجا بهذه العصبة الطـيـبة لمجاهدة الكفار الخلَّص، أن يسكت عن خطأ منهم عقديّ، لأنه لو سكت عنه لـتـعـثر الجهاد، وأصابه ما الله به عليم.


فلا يجوز أبدا أن يُسكتَ عن حق الله في أن يعبد وحده، هذا شرط عظيم.


وما دامت الأمة لم تـنـتبه إلى تحقيق التوحيد، وما دام يُسْكتُ عن العجائز وكبار السن، بل وعن كثير من المثقفين، الذين يتعلقون بكذب ساحر، أو خبـر كاهن، أو يتعلقون بآمال ضائعة عند مشهد قبر صالح، أو غير ذلك من الشركيات المعلومة اليوم، فلا يمكن لهذه الأمة أن تنشد نصرا، أو أن تطلب مجدا.


وإذا كانت هذه هي شدة الرسول صلى الله عليه وسلم وغضبه في الله على من طلب مجرد التشبه بمن يعلق سلاحه بشجرةٍ دون أن يعبدها أو يدعوها، فكيف يكون غضبه على من يستنصر بصاحب قبرٍ، أو يحمل معه شيئاً من ترابه أو آثاره طلباً للظفر، قال ابن القيم رحمه الله في إغاثة اللهفان [2/205]: " فإذا كان اتخاذ هذه الشجرة لتعليق الأسلحة والعكوف حولها اتخاذ إلهٍ مع الله تعالى، مع أنهم لا يعبدونها ولا يسألونها، فما الظن بالعكوف حول القبر، والدعاء به، ودعائه، والدعاء عنده؟!
فأي نسبةٍ للفتنة بشجرةٍ إلى الفتنة بالقبر لو كان أهل الشرك والبدعة يعلمون ؟! ".


قلت: ولا يزال الناس يذكرون من كان لا يخرج لقتال الشيوعيين حتى يتوسط إلى الله بصاحب قبرٍ، وإلى الله المشتكى!



ابن تيمية يعلم الناس التوحيد في جهادٍ دفاعي


لما داهم التتار أهل الشام، خرج المسلمون لمواجهتهم، وكانت فيهم شركيات، فجعل ابن تيمية رحمه الله يصحح عقيدتهم ويدعوهم إلى التوحيد، كما قال في رده على البكري المطبوع باسم " تخليص كتاب الاستغاثة " [2/731-738: تحقيق عجال]: " وكان بعض الأكابر من الشيوخ العارفين من أصحابنا يقول: هذا أعظم ما بينته لنا، لعلمه بأن هذا أصل الدين، وكان هذا أمثاله في ناحيةٍ أخرى يدعون الأموات، ويسألونهم، ويستجيرون بهم، ويتضرعون إليهم، وربما كان ما يفعلونه بالأموات أعظم، لأنهم إنما يقصدون الميت في ضرورةٍ نزلت بهم، فيدعونه دعاء المضطر، راجين قضاء حاجتهم بدعائه والدعاء به أو الدعاء عند قبره، بخلاف عبادتهم الله تعالى ودعائهم إياه، فإنهم يفعلونه في كثير من الأوقات على وجه العادة والتكلف، حتى إن العدو الخارج عن شريعة الإسلام لما قدم دمشق خرجوا يستغيثون بالموتى عند القبور التي يرجون عندها كشف ضرهم، وقال بعض الشعراء:
يا خائفين من التتر ** لوذوا بقبر أبي عُمر
أو قال:
عوذوا بقبر أبي عمر ** ينجيكم من الضرر ".


قلت: ولعل القارئ قد انتبه إلى أن هذا كان في جهاد الدفع لا جهاد الطلب، وفي هذا ردٌ صريحٌ على الذين لا يهتمون بتصحيح العقيدة عند هذا النوع من الجهاد، ويزعمون أن هذا خاص بجهاد الطلب، والله الموفق.



لو كان الصالحون في جيشٍ فيه شركيات لانزهموا



قال ابن تيميه بعد كلامه السابق: " فقلت لهم: هؤلاء الذين تستغيثون بهم لو كانوا معكم في القتال لانهزموا كما نهزم من انهزم من المسلمين يوم أحد، فإنه كان قد قضى أن العسكر ينكسر لأسباب اقتضت ذلك ولحكمةٍ لله عز وجل في ذلك ".


من ترك القتال بسبب البدع والشرك


ثم قال رحمه الله بعد كلامه السابق: " ولهذا كان أهل المعرفة بالدين والمكاشفة لم يقاتلوا في تلك المرة، لعدم القتال الشرعي الذي أمر الله به ورسوله، ولما يحصل في ذلك من الشر والفساد وانتفاء النصرة المطلوبة من القتال، فلا يكون فيه ثواب الدنيا ولا ثواب الآخرة لمن عرف هذا وهذا، وإن كثيرا من القائلين الذين اعتقدوا هذا قتالاً شرعياً أُجروا على نياتهم، فلما كان بعد ذلك جعلنا نأمر الناس بإخلاص الدين لله عز وجل، والاستغاثة به، وأنهم لا يستغيثون إلا إياه، لا يستغيثون بملكٍ مقرب ولا نبي مرسل، كما قال تعالى يوم بدر: (( إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم )) [الأنفال:9]، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوم بدر يقول: (( يا حي، يا قيوم، لا إله إلا أنت، برحمتك أستغيث ))، وفي لفظ: (( أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين، ولا إلى أحد من خلقك )).


قلت: رحمه الله رحمة واسعة، فقد روى ابن بطة في الإبانة / القدر [رقم:1848] أن عمر بن عبد العزيز قال: " لا تغزوا مع القدرية، فإنهم لا يُنصرون ".



انتصار المسلمين على التتار بعد أن صححوا عقيدتهم واتبعوا الرسول


ثم قال رحمه الله بعد كلامه السابق:

" فلما أصلح الناس أمورهم وصدقوا في الاستغاثة بربهم نصرهم على عدوهم نصراً عزيزاً، ولم تُهزم التتار مثل هذه الهزيمة قبل ذلك أصلاً، لما صح من تحقيق توحيد الله تعالى وطاعة رسوله ما لم يكن قبل ذلك، فإن الله تعالى ينصر رسوله والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ".


قلت: فدل هذا على أنه لا تمكين في الأرض حتى يتمكن الدين الصحيح من النفوس، ومصداقه في كتاب الله قوله تعالى: (( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقومٍ سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال )) [الرعد:11].


وتأمل قول ابن تيميه رحمه الله: " تحقيق توحيد الله تعالى وطاعة رسوله.. " تفهم سبب اشتراط العلماء التوحيد لله تعالى والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل تحقيق النصر، وأنه لا يغمض عينيه عن هذين الشرطين إلا ( ميكيافيلي ) قد أشرب قلبه القاعدة اليهودية: الغاية تبرر الوسيلة، والله العاصم.

هذا أول ما أذكر به إخواني، والله نسأل أن يشرح صدورنا بالتوحيد، وأن يهدينا إلى صراطه المستقيم.


حرمان النصر في مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم

لا يذهبـنّ الوهمُ بأحدكم إلى أن يقول: مهما كان فينا من عيوب، فإن أعداءنا كفار وظلمة ومعاندون ومستكبرون عن الحق.


لا يذهبـنّ بكم الوهمُ إلى قاعدة الحسنات والسيئات، والموازنة بينهما، لأن الله تبارك وتعالى أرانا في خير هذه الأمة وصفوتها في رعيلها الأول، شيئا من مظاهر الانكسار والضعف والهزيمة، وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع أنهم كانوا يواجهون أعتـى وأكفر خلق الله يومئذ.


ولعلكم لا تنسون غزوةَ أحد، حيث أمر النبي صلى الله عليه الرماة أن لا يغادروا أماكنهم، وقال لهم كما عند البخاري و أبي داود: " لا تبرحوا وإن رأيتمونا ظهرنا عليهم – أي انتصرنا عليهم- فلا تبرحوا وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينونا " وفي رواية: " إن رأيتمونا تَخَطّفنا الطير – أي انهزمنا هزيمة نكراء – فلا تبرحوا من مكانكم "

فلما رأى المسلمون أنهم انـتـصروا، والغنائم العظيمة بين أيديهم، وأعينهم ترمقها، وأنفسهم ترنو إليها، ترك جمع منهم أماكنهم، يريدون الوصول إليها (فأخذوا يقولون: الغنيمة، الغنيمة. فقال لهم أميرهم عبد الله بن جبـيـر: أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: والله لنأتينّ الناس، فلنصيبنّ من الغنيمة. فأتوهم فصرفت وجوههم – أي أنهم ضيعوا الاتجاه الذي يريدونه – وأقبلوا منهزمين، فأصيب سبعون قتيلا )، حتى دار عليهم عدوهم، وتركهم الله عز وجل ينكشفون بين أيديهم لمجرد مخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، بمجرد مخالفة لأمره عليه الصلاة والسلام.


وهم الذين نصر الله تعالى بهم هذا الدين، فتركوا أماكنهم، فترك الله ولاءهم في تلك اللحظة، فضاعوا رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، لولا أن كتب الله لهم النصر بعد ذلك.


فتأملوا هذا، قال الله تعالى: {أولما أصابتكم مصيـبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير}
وقال: {وما أصابك من سيئة فمن نفسك} فمصيـبة المرء من نفسه، فليعالجها، فإن الله تعالى معه ما اتـقاه، كما قال سبحانه: {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون}


هذا هو الشرط الثاني في عُدة الإيمان، ألا وهو متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم حق المتابعة.


الشرط الأول:

أذكركم به، التوحيد من غير إشراك.


الشرط الثاني:

متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم من غير ابتداع ولا معصية.


وقد جمعها الله عز وجل في آيةٍ واحدةٍ من آيات الجهاد، ألا وهي قوله تعالى: ((يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين )) [الأنفال: 64]، أي أن الله معك ومع المسلمين الذين اجتمع فيهم الشرطان الإيمان والمتابعة ((ومن اتبعك من المؤمنين))، وقد بسط القول على هذه الآية ابن تيمية في منهاج السنة [8/487-488] فارجع إليه فإنه نفيس!


فإذا كان عامة المسلمين على هذين الوصفين فلن يؤخر الله عنهم النصر، ولا يتخلف عنهم النصر أبدا، لأن الله قال: {وعد الله لا يخلف الله وعده}


وكيف كان أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يـنـتصرون على أعدائهم؟ مع أنهم بشر، يخطئون كما يخطئ غيرهم.
فقد روى ابن حبان وغيره عن أبي المُصَبِّح قال: بينا نحن نسير بأرض الروم في طائفة عليها مالك بن عبد الله الـخـثعمي، إذ مرّ مالك بجابر بن عبد الله وهو يمشي يقود بغلا له، فقال له مالك: أي أبا عبد الله، اركب فقد حملك الله.

فقال جابر: أُصلحُ دابتـي واستغنـي عن قومي، وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من اغبـرّت قدماه في سبيل الله حرّمه الله على النار ".

فأعجب مالكا قولُه، فسار حتى إذا كان حيث يسمعه الصوت ناداه بأعلى صوته: يا أبا عبد الله، اركب فقد حملك الله.

فعرف جابر الذي يريد ( فهم جابر أن مالكا يريد إسماع بقية الجيش ) فرفع صوته فقال: أصلح دابتـي، واستغنـي عن قومي، وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من اغـبـرّت قدماه في سبيل الله حرّمه الله على النار " فـتواثب الناس عن دوابهم، فما رأيت يوما أكثر ماشيا منه " صححه الألباني في الإرواء حديث رقم 1183 .


سبحان الله، متابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى في غبار الأرض، هكذا نصر الله تلك الأمة.

إذن ينبغي لهذه الأمة أن تـنـتـبه إلى أن القضية ليست قضية كثرة عدد، ولا تجميع على غيـر هدى، هذا يقدر عليه كثير من الأذكياء غير الأزكياء، لكن العبرة بتربية أمة على توحيد خالص لله، وعلى متابعة مجردة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.




الخلاصة


يجب على المسلمين أن يحققوا لدرك عزهم شرطين في أنفسهم:

الأول: هو الإعداد الإيماني.

والثاني: الإعداد المادي.

القسم الأول: هو إخلاص الدين لله.

والقسم الثاني: هو تجريد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

ونستفيد من غزوة حنين

أن المقاتلين إذا كانوا على سلامة المعتقد وصدق الالتزام بالسنة، ثم ظهر منهم شئٌ من العجب – والعجب قد يصل إلى القلب فيفسد إخلاصه – حُرموا النصر، فكيف إذا كانوا على معتقد غير سليم من أصلهم؟!


ونستفيد من غزوة أحد

أن المقاتلين إذا كانوا على معتقدٍ سليم وصدق الالتزام بالسنة، ثم خالفوا الرسول صلى الله عليه وسلم حُرموا النصر، فكيف إذا كانوا مفارقين للسنة من أصلهم، منتسبين إلى طائفةٍ مبتدعة من نشأتهم؟!


فهذا في المتابعة، وذاك في التوحيد، وقد عاقب الله كلا الطائفتين، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم وصالح المؤمنين كانوا معهم يقاتلون، ومع أن مخالفتهم لم تنقض المتابعة ولا التوحيد، فاعتبروا يا أولي الأبصار!

هذا ونسأل الله عز وجل أن يشرح صدورنا للحق، وأن يهدينا سواء السبيل، وأن يجمع شـملنا، وأن يرأب الصدع الذي بيننا، وأن يوفقنا لطاعته، وحسن عبادته، ولذكره، وأن يجمع كلمة المسلمين على ما يحب ويرضى.

اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.

عبد المالك رمضاني

ميمونة 25
2009-01-01, 16:54
وللمزيد من المعلومات

اليكم هذا الرابط لكتاب الدكتور محمد بن عمر بازمول " ضوابط الجهاد في السنة "


http://www.fatwa1.com/anti-erhab/Jehad/dwabt.doc

ميمونة 25
2009-01-01, 17:03
وهذه مجموعة من فتاوى الشيخ الفوزان حفظه الله حول جهاد الدفع

http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/FatawaaTree/tabid/76/Default.aspx?View=Hit&NodeID=13588&PageNo=1

أمين إسلام
2009-03-21, 10:42
دعوة التوحيد، ثم تربية المسلمين على أساس الكتاب والسنة
ونسأل الله عز وجل أن يشرح صدورنا للحق، وأن يهدينا سواء السبيل، وأن يجمع شـملنا، وأن يرأب الصدع الذي بيننا، وأن يوفقنا لطاعته، وحسن عبادته، ولذكره، وأن يجمع كلمة المسلمين على ما يحب ويرضى.

اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.

عبد المالك رمضاني



بارك الله فيكم

سائلة عفو ربها
2009-03-24, 15:34
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيك وجزاك خيرا
في ميزان حسناتك بحول الله وقوته

نوري32
2009-05-27, 21:59
بارك الله فيك