مشاهدة النسخة كاملة : لأول مرة زوجة محمد بلونيس تتحدث
MINOTTI316
2012-03-23, 14:50
لا زالت رغم مرور خمسين سنة على استقلال الجزائر بعض الأحداث المرتبطة بالثورة تشكل طابوهات تاريخية لا يُسمح النقاش حولها، لأنه تعد على خطوط حمراء سطرها المؤسسون الأوائل لجبهة التحرير الوطني، في مرحلة تاريخية معينة تميزت بالحذر السياسي لأن الدولة كانت تحت طائلة الاستعمار و قد يكون لهذه الأحداث تأثيرها السلبي على الكفاح الشعبي. لكن اليوم و بعد مرور كل هذا الوقت من حق كل الجزائريين أن تُفتح ملفات تاريخهم أمام أعينهم و أن يكونوا جزءا من هذه النقاشات. أحد أكبر كواليس الثورة إثارة للجدل حادثة ملوزة التي تضل تفاصيلها مجهولة لغاية اليوم. المحور كانت لها هذه الشهادة لشخص عايش الحادثة و ألم بتفاصيلها و تفاصيل تاريخية أخرى زوجة الجنرال محمد بلونيس.
ضل يقول ليس لدي أي حجة لأترك الحركة و ألتحق بالجبهة
الحركة كان لها أتباع يعملون عند فرنسا خدمة لها
طلب بلونيس أن تمنحه فرنسا السلاح و فعلا منحته ذلك
نشأت في أسرة متشبعة بمبادئ الحركة الوطنية هل تلمستي الوطنية في شخصية بلونيس لما ارتبطت به؟
في الواقع كنت آنذاك أتعلم و أُعلِّم تحت إشراف جمعية العلماء المسلمين، تخرجت من المدرسة الحرة في السادسة عشر كمعلمة.و مع هذا كنا نعمل لفائدة الحركة الوطنية ننشط المحاضرات و الحفلات، ليس عملا منضما لكن كنا نقوم بتوعية الناس و جمع الأموال للحركة. بالبداية لم أقبل بالتعليم لصغر سني، لكن المفتي الجزائري محمد العاصمي هو من منحني شهادته لأعلم و قد علمت حتى 1947. أقمنا حفلة نهاية السنة في جوان أين كان محمد بلونيس حاضرا، و كان على علم بالدور الذي كنا نلعبه لصالح الحركة الوطنية، تزوجنا في أوائل شهر أوت 1947. الشهادة لله و ليست للإنسان فإن بلونيس كان إنسانا مخلصا و وطنيا بكل ما للكلمة من معنى، أولا هو فلاح قضى فترة من الخدمة الإجبارية عند الألمان من 1941 إلى 1942، ثم فر باتجاه مرسيليا أين أرسلته فرنسا إلى الجزائر. أدى الخدمة الوطنية من 1943 إلى 1945، اندمج مباشرة في الحركة بعدما كان مشارك فقط، و كان المسؤول عن كامل منطقة القبائل. في 1946 ضيف مصالي و جماعته مدة عشرة أيام كانوا يقيمون اجتماعات و محاضرات لإقناع الناس بالمطالبة بالإستقلال. دخل الحبس في ماي 1945 بقي مدة ستة أشهر لما حلت فترة قتل القياد، و اتهم بقتل القايد الطيب ببرج منايل المقتول على يد المجاهد المعروف الوناس زياني الذي صعد إلى الجبل إثر هذه العملية.
هل كانت الجبهة تنسب إلى جيشها العمليات التي يقوم بها جيش بلونيس؟
فيما بعد لما ظهر الخلاف بين الجبهة و الحركة الجبهة تبنت هذه السياسة عندما تقع عمليات، لأن الجبهة كانت على اتصال بإذاعة صوت العرب بالقاهرة.أذكر لما كنت بديار الشيوخ بالمويلح الجلفة تحديدا سنة 1957 أن أربعين جنديا تلاقوا مع الجيش الفرنسي، أسقطوا فيها ستة عشر جنديا فرنسيا، و يومها أعلنت صوت العرب أن جيش جبهة التحرير الوطني قتل ثلاثين جنديا فرنسيا.
قبل ظهور هذه الخلافات هل كان جيش الحركة و جيش الجبهة يتعاونان فيما بينهما؟
لا أضن مرتين أو ثلاثة دعوا بعضهم للاتفاق، و خُدِع بلونيس مرتين من طرف الجبهة في 1956 بالبويرة، و مرة اقترحوا تبادل عشرة أفراد من كلا الجيشين فيما بينهما حتى يتم التصالح، لكن العشرة الذين التحقوا بالجبهة من الحركة ذبحوا على يد هذه الأخيرة بينما الجبهيين الملتحقين بجيش الحركة لم تتم تصفيتهم رغم علم بلونيس بمقتل جنوده على يد الجبهة. أذكر أنه قال يومها إذا كنتم تعملون من أجل وطنكم بغض النضر عن كل هذه الأشياء…فلن يمسكم شيء و إذا كان غرضكم الخديعة فقد ظلمتم أنفسكم. و هناك من بقي منهم وفيا لجيش بلونيس و هناك من عاد إلى جيش الجبهة دون أن يمسه بسوء. بالعكس لما لم تنجح هذه اللعبة في استفزاز بلونيس لقتل جنود الجبهة وشوا به لفرنسا مثلما حدث مرة بين ذراع الميزان و مشتراس.
الجبهة كانت تشي ببلونيس لفرنسا؟
أجل ، لا أقول الجبهة تحديدا و لكن أناس من الجبهة و يعملون باسمها، ثم إن الجبهة دخلت منطقة القبائل باسم بلونيس، أينما كانوا يذهبون يقولون نحن مبعوثون من قبل سي محمد، و الأهالي كانوا يصدقون أنهم فعلا أنهم يعملون تحت راية بلونيس فيما هم جبهيين.
هل أسس بلونيس جيشا مناوئا لجيش جبهة التحرير؟
لا لم يؤسس أي حزب.
لا ليس حزبا و إنما جيشا لمحاربة جيش جبهة التحرير
لا أبدا أبدا أبدا أسس جيشا محاربا و مناوئا و مضادا للاستعمار الفرنسي.
هناك من يقول أن مصالي تبرأ من بلونيس لاحقا
مصالي الحاج كان مخدوعا، الحقيقة أنه بعد حادثة ملوزة فرنسا طلبت من بلونيس إيقاف الحرب بينهما فقبل بشرط الاعتراف بالشخصية الجزائرية، و كان شرط فرنسا أن لا يأخذ الجيش تموينا بالسلاح من الشعب، فطلب بلونيس أن تمنحه فرنسا السلاح إذن، و فعلا منحته السلاح. و جمع كل الجيش طالبا أن لا تمس رصاصة واحدة جزائريا مهما حدث إلا إذا كان يعمل مع الاستعمار، لكن الجبهة لم تكن كذلك خاصة أنها كانت تضم بعض الحاقدين.
لماذا تمنح فرنسا سلاحا لشخص يحاربها، هل كان هدفها دفع جيشين جزائريان لمحاربة بعضهما؟
هل يعتقد عاقل أن فرنسا كانت تعمل لفائدة بلونيس أو الجبهة، و هل تعتقدين أن فرنسا أحبت بلونيس لله لو لم يكن لها هدف إما تكسبه أو تحطمه، لكنها لم تتمكن من كسبه لأنه كان له موقف منها.
ربما أخطأ لما قبل السلاح من فرنسا؟
لقد كان في حرب و لم يعقد أبدا السلم مع فرنسا لذا قبل بالسلاح، و كان يأمر جنوده دائما بقتل الجنود الفرنسيين.
أكان يقوم بعمليات تستهدف جيش جبهة التحرير؟
لا إلا من اعتدى عليه مرتين قاد اعمر الإدريسي حملة اعتداء عليه في منطقة قعيقع و في دار الشيوخ.
برأيك لماذا كانت الجبهة تحارب جيش بلونيس؟
حتى تبقى الجبهة وحدها و يقال إنها هي من حاربت دون سواها، ربما هي الفكرة الإشتراكية التي زرعتها مصر جمال عبد الناصر.
بعد كل هذا الإنقسام هل ضل كريم بلقاسم صديقا لبلونيس؟
قبل الاستعمار قضى بلقاسم فترة طويلة مختبئا ببيت بلونيس لما فر من بيته هو و العقيد اعمر أوعمران، علي أوعلي، و عمر أوصديق لكن بعدها وقع بينهم الانقطاع.
لكن مع هذا منح بلونيس مبلغا ماليا للجبهة
أجل كانوا يعملون باسم الجبهة و طلبوا من بلونيس مساعدتهم لأن الجيش أفلس و لم يكن قادرا على الاستمرار حينها.
لماذا تركتم فيما بعد منطقة القبائل و اتجهتم نحو الجلفة و المسيلة و بوسعادة؟
بالبداية بقيننا نحن لكن لما تعقدت الأمور تبعته إلى سور الغزلان، المحزم، حاسي بحبح، المسيلة، بوسعادة و أخيرا الجلفة.
يقول بعض المؤرخون أن فرنسا لما اكتشفت البترول بالصحراء الجزائرية فوضعت بلونيس حاجزا لمنع وصول الجبهة إليها؟
فرنسا وقتها و تحديدا في 1947عرضت على بلونيس منحه الصحراء الجزائرية، فرفض أن يأخذ قطعة أرض من الجزائر مقابل بيع الجزائريين لفرنسا لأنه كان مقتنعا بفكرة تحرير الجزائر من أقصاها إلى أقصاها. و هو أول من وضع هذه الشروط و اقترح الانتخاب بعد الحصول على الاستقلال، كان يقول أنه بعد نهاية الحرب سيضع سلاحه و إذا اختار الشعب أن يحكمه راع من الرعاة فله كامل حرية الاختيار. في 1948 أعادت فرنسا اقتراحها بأن تمنحه ثروة و إقامة في أي دولة يرغب فيها مقابل تركه الجزائر لكنه رفض.
هذا يعني أن بلونيس وضع نفس شروط مفاوضات إيفيان سنوات من قبل؟
نعم اتهموا بلونيس بالخيانة لأنه قبل التفاوض مع فرنسا لكنهم فاوضوها و بنفس الشروط من بعد و لا أحد اتهمهم بالخيانة. و مع هذا فإن المؤرخين الفرنسيين لا يعتبرونه كذلك، بل وصفوه بالفلاح الذي تلاعب بفرنسا كيفما شاء دون أن تدرك ذلك أو تتمكن من هزمه.
لا يُذكر بلونيس إلا و ذكِرت ملوزة و العكس ماذا حدث ليلة
أقمت حوالي شهر بقصبة مشتة ثم غادرت إلى البرادة ببوسعادة حوالي 1956، و قد عقد بلونيس وقتها اتفاقا مع شخص يعمل بالإدارة الفرنسية ليجلب له السلاح فأوصله لمرتزق إيطالي يمكنه أن يبيعه السلاح، و اتفقوا آنذاك على شراء ما قيمته ثمانية عشر مليون سنتيم أي أن العملية كبيرة. حددوا الموعد و كان ليلة حادثة ملوزة ببني يلمان كان ليلتها بلونيس مجتمعا مع أربعة من رجاله في بيت أحد شيوخ بني يلمان، أين استنجد بهم أحد الفارين و أخبرهم أن جيش الجبهة جمع كل السكان مدعيا أن بلونيس طلبهم للاجتماع داخل الغار الموجود بجبل خراط، و كان يومها مثلما أذكر شيخ في الخامسة و الثمانين و طفل في الثالثة عشر من بين القتلى. إذن جمعوا كل الأهالي و ذبحوا 335 رجلا بالمناجلن بالبداية بلونيس لم يصدق الأمر فبعث عبد القادر الوهراني و سي محفوظ للتأكد من الخبر فرجعوا و أخبروه أن الدم شق الجبل. ذهب بلونيس بنفسه و أمر بدفن الضحايا، من هنا قبل بلونيس التفاوض مع فرنسا لكن كما أخبرتك سابقا بشرط الاستقلال التام للجزائر، فحادثة ملوزة التي راح ضحاياها موطنون أبرياء على يد جبهة التحرير الوطني لم تغير من موقف زوجي اتجاه الاستعمار.
هناك مقطع فيديو يظهر بلونيس مع جنوده و هم يرفعون الراية الفرنسية
هذا حدث في ديار الشيوخ و التقطت من طرف مصوري مجلة الماتش الفرنسية، على ما أذكر كان الجنود يرفعون الراية الجزائرية فطلب الجنود الفرنسيون رفع العلم الفرنسي إلى جانب الجزائري. المصورون التقطوا قصدا العلم الفرنسي و جنود بلونيس و لم يلتقطوا العلم الجزائري، فالحادثة كانت عمدا من فرنسا و غلطة من بلونيس.
لكن كيف قبلوا برفع العلمين جنبا لجنب؟
كان قصد الجنود أن العلم الجزائري سيرفع فوق العلم الفرنسي أي أن الجزائر ستنتصر على فرنسا.
لماذا يتهم بلونيس بالخيانة إذا قدم كل هذه التضحيات للوطن؟
لأنه لم يخضع أو لم ينضم للجبهة، و ليس الوحيد المتهم بالخيانة لكن الفرق بينه و بين الآخرين أنه كان يملك سلاحا و جيشا حارب به فرنسا و لم يحاربهم، على العكس هم من كانوا يقتلون مناضلين من الحركة الوطنية. أذكر مرة أرسل بلونيس مبعوثا للجبهة فقاموا بذبحه فمن الحاقد إذن؟
لو التحق بلونيس بالجبهة ماذا كان ليحدث؟
لو التحق بالجبهة لوضع بلونيس فوق الرؤوس، نحن نتكلم عن الجبهة كحزب لكن الشخصيات في الجبهة تختلف أنا لما رجعت للعاصمة في 1958 و كنت حاملا حينها، من قام بحمايتي من الجبهة هو كبير الجبهيين محمد بالهوان لأنه يعلم حقيقتنا و حقيقة بلونيس.
هل صحيح أن بلونيس قتل على يد حارسه الخاص؟
الله أعلم ليلة مقتله اجتمع بجنوده في منطقة أولاد عامر و بعدها بيوم وجدوا أن حارسا من الحراس مفقود لذا هناك شكوك أنه هو من قتله، ما أعرفه أن زوجي قاتل حتى اللحظة الأخيرة فقد أحضروا لي الذخيرة التي أطلقها بسلاحه. ليلة مقتله كان قد أمر أحد ضباطه أن يأخذ أربعمائة جندي للهجوم على ثكنة سيدي عيسى لكن بعد سماع خبر وفاته أوقفوا العملية.
بعد رد الاعتبار لمصالي هل تنتظرون أن يتم ذلك مع بلونيس؟
كنت حاضرة في ملتقى تلمسان حول مصالي الحاج، أين تحدثوا عن مصالي من 1936 إلى 1954 و قد ألغي تاريخ مصالي بعد هذا التاريخ نضرا للحساسية التي مازال يشكلها الموضوع لا أدري لماذا. هناك إدعاء أن بلونيس خرج عن طاعة مصالي و باع نفسه لفرنسا كلام من هذا القبيل و كل هذا ترهات، مصالي كان مخدوعا من طرف بعض رجال حزبه كانوا يخفون عليه أشياء كثيرة. و الحركة في نفسها كانت تضم مخادعين لمصالي، لقد زرته بعد الاستقلال و أخبرني أن هذا الكلام لا معنى له.
يعني أن ثقته لم تتزعزع ببلونيس؟
أجل لأنه منذ عرفه عرفه واضحا و لا يملك ما يخفيه، مصالي بعد الاستقلال هو من ساعدني على مغادرة فرنسا باتجاه بلجيكا خوفا علينا من الأوضاع التي كانت تعيشها أسر المناضلين بفرنسا وقتها.
ألا ترين أن جزائر الاستقلال ظلمت تاريخ بلونيس؟
برأيي ظلمته لأنه كان متسامحا مع الجبهيين رغم أنهم قتلوا مناضلي الحركة الوطنية، كل هذا لأنه يملك جيشا باسم الحركة ولم يغير موقفه. سي الحواس عشرة أيام قبل التحاقه بالجبهة كان يقول لو شققتم قلبي لوجدتم مصالي فيه، أعمر إدريس أيضا. لكن بلونيس كان ديمقراطيا ماذا لو عمل لصالح الوطن و ضل وفيا لحزبه، ثم إن جبهة التحرير الوطني ليست من المقدسات حتى يقصى كل من لم ينتمي إليها و الجبهة ليست كل الشعب الجزائري. لكن كنا في فترة الحزب الواحد الذي لا يفهم معنى الديمقراطية أتعلمين أن مصطفى بن محمد رئيس المجلس الشعبي الوطني في فترة من الفترات لا أذكرها كان يعمل مع بلونيس حتى وفاته. لكن المهم أننا نلنا استقلالنا بلونيس كان يتمنى أن يستشهد قبل الاستقلال لأنه لم يكن له أي غرض أو منفعة حزبية. لكن ما نتمناه نحن اليوم هو رد الاعتبار ليس فقط لبلونيس بل لمئات الأشخاص الذين عملوا لمصلحة هذا البلد، صحيح أن في مؤتمر تلمسان كان الخطاب الرسمي حول مصالي الحاج لكن الكواليس حول محمد بلونيس فلولاه لماتت الحركة في 1955. و على عكس الحركة التي كان يقودها جزائريون فإن الجبهة كانت تسير من الخارج.
ألم يفكر بلونيس إلى غاية هنا في تأسيس جيشه؟
لا الحركة انقسمت في 1943 و بدأ التمييز بين العرب و القبائل ثم تأسست المنضمة السرية، و كان هناك مناضل اسمه عسلة حسين هو من خلق فكرة الانقسام و الخطاب العنصري الذي زرعتها فرنسا تحت سياسة فرق تسد.
ربما ليست فرنسا وحدها من زرع الانقسام لأن كل منطقة القبائل كانت موالية لمصالي؟
الجزائر بأسرها كانت تتبع الحركة الوطنية التي يترأسها مصالي الحاج لأن الناس كانوا متعطشين للحرية، فلما قال مصالي كلمة الحق و أنه لابد من النضال حتى الحصول على الحرية، الكل قال نعم لمصالي. الحركة كانت تضم علماء و مثقفين فبدأت الأفكار السياسية و الأحزاب التي تأسست فيما بعد بالظهور من صلب الحركة الوطنية، لكن ظهر معها الانقسام بين الحركة الوطنية و مؤسسي الجبهة الوطنية، و من لم يتخلى عن المبدأ أصبح خائنا و للأسف الشعب غير واع.
هل كان لانقسام الحركة تأثيرعلى بلونيس أو على مبادئه؟
كان محايدا في هذه الفترة بعد خروجه من السجن في 13 فيفري 1952، و أول شيء قام به بعد مغادرة السجن كان زيارة مصالي ببيته في ببوزريعة.
ألم يطلب منه مصالي العودة لصفوف الحركة؟
لا أضن لأنها زيارة مجاملة و صداقة فقط. لكن تم استدعائه لما عقد مؤتمر بلجيكا في 1953 ورفض الحضور.
و لماذا رفض؟
لأنه كان لا يزال على فكرة الحياد.
ما الذي جعله فيما بعد يتخلى عن حياده؟
لما اندلعت الثورة لم يكن عنده أي شنآن مع الجبهيين بالعكس كانوا أصدقاء مقربين منه كبوضياف كريم بلقاسم.
هل كان على علم بالثورة قبل اندلاعها؟
لم يكن له علم أو كان يعلم و لم يخبرني …الله أعلم، لما اندلعت الثورة جاء الوناس العمروني اعمر خطاب كانا تحت إشراف بلونيس ثلاثة أيام بعد الفاتح نوفمبر 1954 و طلبوا منه الالتحاق بالجبهة. لا يمكنني إخبارك برده لأني لا أعلمه، بعدها في جانفيي 1955 فرنسا نفته من برج منايل مع كل من أحمد عكروم محمد بوديس و بوعلام غانم المدعو محمود.
لماذا قامت بنفيهم؟
لأنهم أناس معروفون بوطنيتهم.
لكن الثلاثة الاخرون كانوا في الجبهة ماعدا بلونيس؟
أجل لكن بلونيس الوحيد من بينهم الذي كان معروفا بوطنيته. لما نفتهم محمد بوديس و أحمد عكروم تركوا الوطن باتجاه فرنسا، أما بوعلام محمود و محمد بلونيس التحقوا بالجبل الأول مع الجبهة و الثاني مع الحركة. أسبوعان من بعد رجع إليه الثلاثة نفسهم مع سي الحسين مقري، و أذكر جيدا أنه منحهم مبلغ 000 2 دينارا هدية للجيش. لكنه ضل يقول ليس لدي أي حجة لأترك الحركة و ألتحق بالجبهة فكلنا نعمل لصالح الوطن، و للعلم كان أول بيت ببرج منايل قام الاستعمار بتخريبه غداة اندلاع الثورة هو بيتنا، لكن بلونيس لم يهرب و لم نترك برج منايل حتى ماي 1955. لما التقى الوناس العمروني و قرر البقاء مع الحركة، و كان سعيد ميلزي مسؤولا في الحركة بالجبل لكنه لم يكن عليما بشؤون الجبل لأنه من الجزائر العاصمة، فتم اختيار بلونيس قائدا لتكوين الجيش بالبويرة.
هل اختاره مصالي لذلك؟
لا يمكنني الجزم أن مصالي هو من قرر ذلك لأنه كان في السجن.
من كان يمول الجيش؟
الشعب فالحركة وقتها كانت ضعيفة.
يقال أن الأسلحة التي كان يستخدمها جيش بلونيس فرنسية الصنع فيما أسلحة جيش الجبهة ألمانية أو روسية الصنع
كيف؟
هل فرنسا كانت تمد بلونيس بالسلاح؟
غير صحيح الشعب هو الوحيد الذي كان يمول الجيش، ثم في 1945 و قبل أن يكون هناك أي حديث عن الثورة كان بلونيس يملك ذخيرة من السلاح ببيته ببرج منايل، مازال المكان الذي خبأت فيه شاهدا ليومنا هذا.
من أين كانت له هذه الذخيرة؟
مصدرها الشعب و فرنسا لأن الحركة كان لها أتباع يعملون عند فرنسا خدمة للحركة، و قد سرقوا الأسلحة الفرنسية و قاموا بإخفائها.
أيعني هذا أن بلونيس كان واعيا بضرورة النضال المسلح قبل تأسيس الجبهة؟
حينها كان بوده تكوين الجيش و قد غذّت الفكرة مظاهرات 08 ماي 1945 لما قابلت فرنسا الشعب الأعزل بالسلاح، حينها بدأت الحركة بإعطاء الأوامر بجمع السلاح.
هل التحقتي ببلونيس بالبويرة بعدما أسس الجيش؟
لا كنت أزوره فقط لإيصال رسائل من أعضاء و مسؤولي الحركة الآخرين.
هل قام جيش بلونيس بعمليات ضد الإستعمار؟
أول معركة كانت في جانفيي1955 في منطقة جرجرة أسقط فيها طائرة حربية و أصيب هو فيها.
MINOTTI316
2012-03-23, 15:02
هل كانت الجبهة تنسب إلى جيشها العمليات التي يقوم بها جيش بلونيس؟
فيما بعد لما ظهر الخلاف بين الجبهة و الحركة الجبهة تبنت هذه السياسة عندما تقع عمليات، لأن الجبهة كانت على اتصال بإذاعة صوت العرب بالقاهرة.أذكر لما كنت بديار الشيوخ بالمويلح الجلفة تحديدا سنة 1957 أن أربعين جنديا تلاقوا مع الجيش الفرنسي، أسقطوا فيها ستة عشر جنديا فرنسيا، و يومها أعلنت صوت العرب أن جيش جبهة التحرير الوطني قتل ثلاثين جنديا فرنسيا.
قبل ظهور هذه الخلافات هل كان جيش الحركة و جيش الجبهة يتعاونان فيما بينهما؟
لا أضن مرتين أو ثلاثة دعوا بعضهم للاتفاق، و خُدِع بلونيس مرتين من طرف الجبهة في 1956 بالبويرة، و مرة اقترحوا تبادل عشرة أفراد من كلا الجيشين فيما بينهما حتى يتم التصالح، لكن العشرة الذين التحقوا بالجبهة من الحركة ذبحوا على يد هذه الأخيرة بينما الجبهيين الملتحقين بجيش الحركة لم تتم تصفيتهم رغم علم بلونيس بمقتل جنوده على يد الجبهة. أذكر أنه قال يومها إذا كنتم تعملون من أجل وطنكم بغض النضر عن كل هذه الأشياء…فلن يمسكم شيء و إذا كان غرضكم الخديعة فقد ظلمتم أنفسكم. و هناك من بقي منهم وفيا لجيش بلونيس و هناك من عاد إلى جيش الجبهة دون أن يمسه بسوء. بالعكس لما لم تنجح هذه اللعبة في استفزاز بلونيس لقتل جنود الجبهة وشوا به لفرنسا مثلما حدث مرة بين ذراع الميزان و مشتراس.
الجبهة كانت تشي ببلونيس لفرنسا؟
أجل ، لا أقول الجبهة تحديدا و لكن أناس من الجبهة و يعملون باسمها، ثم إن الجبهة دخلت منطقة القبائل باسم بلونيس، أينما كانوا يذهبون يقولون نحن مبعوثون من قبل سي محمد، و الأهالي كانوا يصدقون أنهم فعلا أنهم يعملون تحت راية بلونيس فيما هم جبهيين.
هل أسس بلونيس جيشا مناوئا لجيش جبهة التحرير؟
لا لم يؤسس أي حزب.
لا ليس حزبا و إنما جيشا لمحاربة جيش جبهة التحرير
لا أبدا أبدا أبدا أسس جيشا محاربا و مناوئا و مضادا للاستعمار الفرنسي.
هناك من يقول أن مصالي تبرأ من بلونيس لاحقا
مصالي الحاج كان مخدوعا، الحقيقة أنه بعد حادثة ملوزة فرنسا طلبت من بلونيس إيقاف الحرب بينهما فقبل بشرط الاعتراف بالشخصية الجزائرية، و كان شرط فرنسا أن لا يأخذ الجيش تموينا بالسلاح من الشعب، فطلب بلونيس أن تمنحه فرنسا السلاح إذن، و فعلا منحته السلاح. و جمع كل الجيش طالبا أن لا تمس رصاصة واحدة جزائريا مهما حدث إلا إذا كان يعمل مع الاستعمار، لكن الجبهة لم تكن كذلك خاصة أنها كانت تضم بعض الحاقدين.
لماذا تمنح فرنسا سلاحا لشخص يحاربها، هل كان هدفها دفع جيشين جزائريان لمحاربة بعضهما؟
هل يعتقد عاقل أن فرنسا كانت تعمل لفائدة بلونيس أو الجبهة، و هل تعتقدين أن فرنسا أحبت بلونيس لله لو لم يكن لها هدف إما تكسبه أو تحطمه، لكنها لم تتمكن من كسبه لأنه كان له موقف منها.
ربما أخطأ لما قبل السلاح من فرنسا؟
لقد كان في حرب و لم يعقد أبدا السلم مع فرنسا لذا قبل بالسلاح، و كان يأمر جنوده دائما بقتل الجنود الفرنسيين.
أكان يقوم بعمليات تستهدف جيش جبهة التحرير؟
لا إلا من اعتدى عليه مرتين قاد اعمر الإدريسي حملة اعتداء عليه في منطقة قعيقع و في دار الشيوخ.
برأيك لماذا كانت الجبهة تحارب جيش بلونيس؟
حتى تبقى الجبهة وحدها و يقال إنها هي من حاربت دون سواها، ربما هي الفكرة الإشتراكية التي زرعتها مصر جمال عبد الناصر.
بعد كل هذا الإنقسام هل ضل كريم بلقاسم صديقا لبلونيس؟
قبل الاستعمار قضى بلقاسم فترة طويلة مختبئا ببيت بلونيس لما فر من بيته هو و العقيد اعمر أوعمران، علي أوعلي، و عمر أوصديق لكن بعدها وقع بينهم الانقطاع.
لكن مع هذا منح بلونيس مبلغا ماليا للجبهة
أجل كانوا يعملون باسم الجبهة و طلبوا من بلونيس مساعدتهم لأن الجيش أفلس و لم يكن قادرا على الاستمرار حينها.
لماذا تركتم فيما بعد منطقة القبائل و اتجهتم نحو الجلفة و المسيلة و بوسعادة؟
بالبداية بقيننا نحن لكن لما تعقدت الأمور تبعته إلى سور الغزلان، المحزم، حاسي بحبح، المسيلة، بوسعادة و أخيرا الجلفة.
يقول بعض المؤرخون أن فرنسا لما اكتشفت البترول بالصحراء الجزائرية فوضعت بلونيس حاجزا لمنع وصول الجبهة إليها؟
فرنسا وقتها و تحديدا في 1947عرضت على بلونيس منحه الصحراء الجزائرية، فرفض أن يأخذ قطعة أرض من الجزائر مقابل بيع الجزائريين لفرنسا لأنه كان مقتنعا بفكرة تحرير الجزائر من أقصاها إلى أقصاها. و هو أول من وضع هذه الشروط و اقترح الانتخاب بعد الحصول على الاستقلال، كان يقول أنه بعد نهاية الحرب سيضع سلاحه و إذا اختار الشعب أن يحكمه راع من الرعاة فله كامل حرية الاختيار. في 1948 أعادت فرنسا اقتراحها بأن تمنحه ثروة و إقامة في أي دولة يرغب فيها مقابل تركه الجزائر لكنه رفض.
هذا يعني أن بلونيس وضع نفس شروط مفاوضات إيفيان سنوات من قبل؟
نعم اتهموا بلونيس بالخيانة لأنه قبل التفاوض مع فرنسا لكنهم فاوضوها و بنفس الشروط من بعد و لا أحد اتهمهم بالخيانة. و مع هذا فإن المؤرخين الفرنسيين لا يعتبرونه كذلك، بل وصفوه بالفلاح الذي تلاعب بفرنسا كيفما شاء دون أن تدرك ذلك أو تتمكن من هزمه.
لا يُذكر بلونيس إلا و ذكِرت ملوزة و العكس ماذا حدث ليلة
أقمت حوالي شهر بقصبة مشتة ثم غادرت إلى البرادة ببوسعادة حوالي 1956، و قد عقد بلونيس وقتها اتفاقا مع شخص يعمل بالإدارة الفرنسية ليجلب له السلاح فأوصله لمرتزق إيطالي يمكنه أن يبيعه السلاح، و اتفقوا آنذاك على شراء ما قيمته ثمانية عشر مليون سنتيم أي أن العملية كبيرة. حددوا الموعد و كان ليلة حادثة ملوزة ببني يلمان كان ليلتها بلونيس مجتمعا مع أربعة من رجاله في بيت أحد شيوخ بني يلمان، أين استنجد بهم أحد الفارين و أخبرهم أن جيش الجبهة جمع كل السكان مدعيا أن بلونيس طلبهم للاجتماع داخل الغار الموجود بجبل خراط، و كان يومها مثلما أذكر شيخ في الخامسة و الثمانين و طفل في الثالثة عشر من بين القتلى. إذن جمعوا كل الأهالي و ذبحوا 335 رجلا بالمناجلن بالبداية بلونيس لم يصدق الأمر فبعث عبد القادر الوهراني و سي محفوظ للتأكد من الخبر فرجعوا و أخبروه أن الدم شق الجبل. ذهب بلونيس بنفسه و أمر بدفن الضحايا، من هنا قبل بلونيس التفاوض مع فرنسا لكن كما أخبرتك سابقا بشرط الاستقلال التام للجزائر، فحادثة ملوزة التي راح ضحاياها موطنون أبرياء على يد جبهة التحرير الوطني لم تغير من موقف زوجي اتجاه الاستعمار.
هناك مقطع فيديو يظهر بلونيس مع جنوده و هم يرفعون الراية الفرنسية
هذا حدث في ديار الشيوخ و التقطت من طرف مصوري مجلة الماتش الفرنسية، على ما أذكر كان الجنود يرفعون الراية الجزائرية فطلب الجنود الفرنسيون رفع العلم الفرنسي إلى جانب الجزائري. المصورون التقطوا قصدا العلم الفرنسي و جنود بلونيس و لم يلتقطوا العلم الجزائري، فالحادثة كانت عمدا من فرنسا و غلطة من بلونيس.
لكن كيف قبلوا برفع العلمين جنبا لجنب؟
كان قصد الجنود أن العلم الجزائري سيرفع فوق العلم الفرنسي أي أن الجزائر ستنتصر على فرنسا.
لماذا يتهم بلونيس بالخيانة إذا قدم كل هذه التضحيات للوطن؟
لأنه لم يخضع أو لم ينضم للجبهة، و ليس الوحيد المتهم بالخيانة لكن الفرق بينه و بين الآخرين أنه كان يملك سلاحا و جيشا حارب به فرنسا و لم يحاربهم، على العكس هم من كانوا يقتلون مناضلين من الحركة الوطنية. أذكر مرة أرسل بلونيس مبعوثا للجبهة فقاموا بذبحه فمن الحاقد إذن؟
لو التحق بلونيس بالجبهة ماذا كان ليحدث؟
لو التحق بالجبهة لوضع بلونيس فوق الرؤوس، نحن نتكلم عن الجبهة كحزب لكن الشخصيات في الجبهة تختلف أنا لما رجعت للعاصمة في 1958 و كنت حاملا حينها، من قام بحمايتي من الجبهة هو كبير الجبهيين محمد بالهوان لأنه يعلم حقيقتنا و حقيقة بلونيس.
هل صحيح أن بلونيس قتل على يد حارسه الخاص؟
الله أعلم ليلة مقتله اجتمع بجنوده في منطقة أولاد عامر و بعدها بيوم وجدوا أن حارسا من الحراس مفقود لذا هناك شكوك أنه هو من قتله، ما أعرفه أن زوجي قاتل حتى اللحظة الأخيرة فقد أحضروا لي الذخيرة التي أطلقها بسلاحه. ليلة مقتله كان قد أمر أحد ضباطه أن يأخذ أربعمائة جندي للهجوم على ثكنة سيدي عيسى لكن بعد سماع خبر وفاته أوقفوا العملية.
بعد رد الاعتبار لمصالي هل تنتظرون أن يتم ذلك مع بلونيس؟
كنت حاضرة في ملتقى تلمسان حول مصالي الحاج، أين تحدثوا عن مصالي من 1936 إلى 1954 و قد ألغي تاريخ مصالي بعد هذا التاريخ نضرا للحساسية التي مازال يشكلها الموضوع لا أدري لماذا. هناك إدعاء أن بلونيس خرج عن طاعة مصالي و باع نفسه لفرنسا كلام من هذا القبيل و كل هذا ترهات، مصالي كان مخدوعا من طرف بعض رجال حزبه كانوا يخفون عليه أشياء كثيرة. و الحركة في نفسها كانت تضم مخادعين لمصالي، لقد زرته بعد الاستقلال و أخبرني أن هذا الكلام لا معنى له.
يعني أن ثقته لم تتزعزع ببلونيس؟
أجل لأنه منذ عرفه عرفه واضحا و لا يملك ما يخفيه، مصالي بعد الاستقلال هو من ساعدني على مغادرة فرنسا باتجاه بلجيكا خوفا علينا من الأوضاع التي كانت تعيشها أسر المناضلين بفرنسا وقتها.
ألا ترين أن جزائر الاستقلال ظلمت تاريخ بلونيس؟
برأيي ظلمته لأنه كان متسامحا مع الجبهيين رغم أنهم قتلوا مناضلي الحركة الوطنية، كل هذا لأنه يملك جيشا باسم الحركة ولم يغير موقفه. سي الحواس عشرة أيام قبل التحاقه بالجبهة كان يقول لو شققتم قلبي لوجدتم مصالي فيه، أعمر إدريس أيضا. لكن بلونيس كان ديمقراطيا ماذا لو عمل لصالح الوطن و ضل وفيا لحزبه، ثم إن جبهة التحرير الوطني ليست من المقدسات حتى يقصى كل من لم ينتمي إليها و الجبهة ليست كل الشعب الجزائري. لكن كنا في فترة الحزب الواحد الذي لا يفهم معنى الديمقراطية أتعلمين أن مصطفى بن محمد رئيس المجلس الشعبي الوطني في فترة من الفترات لا أذكرها كان يعمل مع بلونيس حتى وفاته. لكن المهم أننا نلنا استقلالنا بلونيس كان يتمنى أن يستشهد قبل الاستقلال لأنه لم يكن له أي غرض أو منفعة حزبية. لكن ما نتمناه نحن اليوم هو رد الاعتبار ليس فقط لبلونيس بل لمئات الأشخاص الذين عملوا لمصلحة هذا البلد، صحيح أن في مؤتمر تلمسان كان الخطاب الرسمي حول مصالي الحاج لكن الكواليس حول محمد بلونيس فلولاه لماتت الحركة في 1955. و على عكس الحركة التي كان يقودها جزائريون فإن الجبهة كانت تسير من الخارج.
مناد بوفلجة
2012-03-25, 00:09
معلومات تاريخية تستحق المطالعة و المقارنة
بارك الله فيكم
nabil_dz170
2012-03-31, 14:55
تظل
الولاية السادسة التاريخية تسبح في بحر من الألغاز والاستفسارات، التي
ليست لها حلول ولا أجوبة، حيرت بذلك المؤرخين وحتى المجاهدين، أصحاب
المذكرات، وقبلهم سكان هذه المنطقة التي اختلط عليهم الحابل بالنابل، ولم
يميزوا بين الغث والسمين فيها، ولا بين من كان يعمل مع الجبهة أو مع الحركة
الوطنية، أو حتى من كان يعمل مع فرنسا، مما يستوجب الوقوف مليا أمام
الأحداث التي كانت تتراكم وتسبق بعضها البعض.
* الشيخ "زيان عاشور" سبق الجبهة في الكفاح المسلح بالصحراء
يتداول
لدى أوساط متعددة، أن الثورة المجيدة لم تصل إلى الصحراء ولا إلى بوابتها،
إلا بعد مؤتمر الصومام الذي أعاد هيكلة الثورة وأسس لتقسيم جديد. لكن ما
سيظل حقيقة ساطعة كالشمس، أن سكان الصحراء وخاصة شمال الصحراء على امتداد
بسكرة، الجلفة، الأغواط وجنوب غرب المسيلة رفعوا السلاح ضد الاستعمار قبل
وصول جبهة التحرير الوطني وجيشها منتصف سنة 1956، دون أن يعتبروا بالجهة
القائدة للجهاد، فالمهم بالنسبة لهم مواجهة فرنسا وفقط، عن طريق شخصية
اجتمعت فيها الأصالة والحداثة، ما خول لها مكانة قيادية لدى سكان مناطق
بسكرة، الجلفة، المسيلة وجزء هام من ولاية الأغواط.
وكانت هذه الشخصية
القيادية، تتمثل في الشيخ زيان عاشور أو الرجل "المرابو" كما كانت تكنيه
السلطات الاستعمارية نظرا لتكوينه الديني بتلقيه علوم الشريعة بزاوية الشيخ
بن رميلة بأولاد جلال، وحفظه للقرآن، بالإضافة إلى أنه تلقى تكوينا سياسيا
بنضاله في صفوف حزب الشعب الجزائري بأولاد جلال، حيث كان ناشطا سياسيا
مكلفا بالدعاية، وأسس لجنة الدفاع عن البطالين وفتح مقهى يتعاطى فيه الشباب
العمل السياسي. واعتقلته السلطات الاستعمارية، ثم أطلق سراحه وعاود نشاطه
السياسي، ليعتقل مرة ثانية، فاضطر بعد إطلاق سراحه للهجرة نحو فرنسا سنة
1948، وعاد للوطن سنة 1952، وظل كعهده ناشطا سياسيا إلى أن اعتقلته فرنسا
ووضعته بسجن الكدية بقسنطينة، حيث كان عدة مصاليين معتقلين بنفس السجن،
بينهم بن بولعيد والطاهر زبيري وآخرون، وجهت لهم تهمة تفجير الثورة، وفروا
من السجن فيما بعد وأطلق سراح الشيخ زيان مرة أخرى، ليعرج في طريق عودته
إلى مسقط رأسه على مدينة العملة التي كانت بها أقوى شخصية بالحركة
المصالية، الدكتور "لمين دباغين". وبأولاد جلال، أخذ في تأسيس الجناح
العسكري للحركة الوطنية من شبان المناطق المجاورة. ونشير هنا إلى أن
"الشيخ" كان كذلك رجلا عسكريا، إذ كان أحد المجندين الذين شاركوا بالحرب
العالمية الثانية.
واستقطب جيشه مجندين من (الزرقاوية) نسبة إلى البذلة
الزرقاء التي كانوا يرتادونها دربوا بالشمال وتم إلحاقهم بجيش الصحراء رفقة
مصاليين كانوا بالخارج، منهم العربي مزيان المدعو العربي قبايلي، الذي أسر
للمجاهد لزهاري بن شهرة سنة 1956 بأنهم تلقوا تعليمات للالتحاق بجيش
الصحراء الذي يقاتل تحت راية مصالي الحاج.
* جيش الحركة الوطنية يكتسح شمال الصحراء
تمركز
الشيخ زيان عاشور بعد أن أصبح لديه جيش عدة وعتاد بنواحي بوسعادة، وبدأ في
توزيع الجيش وتقسيم المناطق، موليا "محمد بلهادي" على الناحية الشرقية
للصحراء، وبلونيس الذي أصبح أسطورة الخيانة بالمنطقة على الشمال، من قعدة
حد الصحاري، وصولا إلى سور الغزلان، و"عبد الرحمان بلهادي" على المنطقة
الغربية، و"صابري" بالشمال الشرقي.
وبهذا التقسيم، اكتسح جيش الشيخ زيان
المناطق الصحراوية، أو عمالة الواحات كما تسميها السلطات الاستعمارية،
بمناطق بسكرة، الجلفة والأغواط، في غياب جبهة التحرير الوطني، مستغلا
القواعد النضالية لحزب الشعب، حيث سهلت له مهمة الوصول إلى هذه المناطق.
* التعليمة التي أصدرها "بن بولعيد" وطبقت عليه
كان
الشيخ "زيان عاشور" أحد القادة الذين حضروا اللقاء الذي دعا له الشهيد بن
بولعيد شهر مارس 1956، بتافرنت ناحية منعة بالأوراس، كي يستنفر أنصاره بعد
الانقلاب الذي تعرّض له من طرف "عاجل عجول" و"بلقاسمي"، مباشرة بعد هروبه
من سجن الكدية، وطبقا عليه تعليمته التي أصدرها عند تفجير الثورة، بوضع كل
من يهرب من السجن تحت الرقابة لمدة ستة أشهر، الأمر الذي لم يهضمه بن
بولعيد واستشهد الأخير في نفس اللقاء الذي لم يفض إلى أية نتيجة؟
* بلونيس يطلب المدد من الشيخ لوقف زحف الجبهة
لما
كان بلونيس قبل أن يغرق في بحر الخيانة علنا يقود منطقة متاخمة لمعاقل
جبهة التحرير الوطني على مشارف الولاية الرابعة، كان يتعرّض لضغوطات من جيش
جبهة التحرير الوطني، ما اضطره إلى طلب المؤونة والمدد من الشيخ زيان
عاشور، فكان له ما أراد، حيث دعّمه بكتيبة مدججة بأسلحة من مخلفات حرب
الألمان.
وفي رواية أخرى، قام بلونيس بجلب أسلحة حديثة من جهة مجهولة،
واقتصرت مساعدة الشيخ في المؤونة، ليتوجس فيما بعد خيفة من تصرفات بلونيس.
* مشاة 228 (r.a.s).. العقيد عميروش واستشهاد الشيخ زيان
بقي
الوضع منسجما بين المصاليين الذين أحكموا سيطرتهم على هذه المناطق إلى
غاية 8 نوفمبر 1956، هذا التاريخ الذي كان منعرجا حاسما في اختلاط الحابل
بالنابل ووصول الثوريين من جبهة التحرير الوطني، ومن ثم بدأ بلونيس يرتب
للتغلغل مع ريكول و آيمز ضابطي مخبارات فرنسيين، ابتداء من لقاء بني سليمان
في 31 مارس 1957.
وقبل هذا التاريخ بأسبوع، كوّنت السلطات العسكرية
الاستعمارية الفيلق المسمى مشاة 228 بقيادة جون ماري المدعو بوجي، بمنطقة
برج الآغا ببوسعادة. ويتشكّل هذا الفيلق أساسا، من المعاد تجنيدهم (les
rappeles)، تعداده 700 جندي و40 ضابط صف و5 ضباط، يتمتعون بالنفوذ ورفضوا
المشاركة في العمليات القتالية وأسس لهم هذا الفيلق لاحتوائهم نظريا.
أثناء
إحدى عمليات التمشيط التي كان يقوم بها هذا الفيلق (r.a.s) بالجلفة اتجه
جنوبا نحو مسعد وانحرف نحو الجهة الشرقية، أي منطقة عين الملح ببوسعادة،
اكتشفت طوافة هيلوكبتر مجموعة من الجنود أو "الفلاڤة"، كما تسميها السلطات
الإستعمارية، تتكوّن من 32 جنديا ولم يتمكن العسكر الفرنسي من تحديد
هويتهم، وحوصرت المجموعة التي حاولت المقاومة دون جدوى، وتم القضاء على
قائدها ومعظم جنودها، وأسر بعضهم بجبل ميمونة بعيدا عن مركز قيادتهم.
وظن
قائد الفيلق "جون ماري" أنه وقع على (الصيد الثمين)، من خلال شارة القيادة
التي كان يتقلدها قائد الجنود (هلال وثلاث نجمات)، وكان هذا الشيخ زيان
عاشور الذي تعرفوا على هويته بمساعدة أحد المأسورين.
وتزامنت عملية
التمشيط التي باشرها الفيلق مشاة 228، مع تواجد أسد جرجرة العقيد عميروش
الذي كان في مهمة لتسوية مشاكل المنطقة الأولى بتكليف من مؤتمر الصومام،
ليكتشف أن "مصطفى بن بولعيد" قد استشهد منذ مدة بعد أن تم كتم خبر استشهاده
من طرف قيادة المنطقة الأولى، بمن فيهم أخ بن بولعيد "عمر"، الذي كان يسعى
لخلافته. وقام العقيد عميروش بتحقيق كشف خيوط مؤامرة حيكت ضد بن بولعيد،
بتدبير محكم من بلقاسمي الذي أرسله مكبلا لمحاكمته بالولاية الثالثة، ومات
بلقاسمي رفقة معتقليه إثر قصف من الجيش الفرنسي فية طريقهم نحو مركز قيادة
الولاية الثالثة، وعاجل عجول الذي تلقى معه عميروش صعوبات جمة وصلت حد
الاقتتال، مما دفع بعجول إلى الارتماء في أحضان فرنسا بوساطة من والده
بزريبة الواد.
وكان عاجل عجول قبل التحاقه بالجيش الفرنسي، على علم
بمسار ووجهة عميروش نحو الجهة الغربية من الناحية الثالثة بالمنطقة الأولى
حسب التقسيم الأول (بسكرة بوسعادة جغرافيا) وهذا لاستكمال المهمة المسندة
لكل من العقيد "أعمران" والعقيد "علي ملاح"، هذا الأخير المعين من طرف
مؤتمر الصومام قائدا للولاية السادسة، والتي تدخل هذه النواحي في إقليمها
وتقع تحت مسؤوليته، واكتفى العقيد "علي ملاح" بإرسال فوج من 35 مجاهدا إلى
الصحراء لإقناع المصاليين بالعدول عن موقفهم المناوئ للجبهة، لكن المصاليين
غدروا بهذا الفوج (إلا واحدا) يوم 22/10/1956، وهو يوم اختطاف الطائرة
المقلة للزعماء من المغرب باتجاه تونس، الأمر الذي دفع بالعقيد عميروش وكان
رائدا وقتها إلى الإصرار على إنجاز المهمة ومعالجتها بالنزول إلى عين
المكان، غير مكترث بالأخطار المحدقة من جهة فرنسا أو المصاليين، على حد
سواء، لكنه تفاجأ بنبأ كاذب مفاده أن قائد الولاية الثالثة محمدي السعيد قد
استشهد، ما أرغمه على العودة يوم 01 نوفمبر 1956، تاركا استدعاء لسي
الحواس لحضور لقاء شهر ديسمبر 1956 الذي نظم لاحقا.
وتطرح عدة تساؤلات:
هل كانت مهمة فيلق مشاة 228 تتبع خطوات العقيد عميروش، بوشاية من عجول وبعض
العيون، فوقع الشيخ زيان عاشور، أم أن الصدفة لعبت دورها في هذه الأحداث؟
ما يفتح العديد من الاستفهامات والاستفسارات؟؟
في ذكرى انعقاد مؤتمر الصلح والانضمام (أسرارومؤامرات)
تمر في شهر
ماي الذكرى الثالثة والخمسون لانعقاد مؤتمر "الصلح والانضمام"، الذي احتضنته الولاية التاريخية السادسة
بداية من 7 ماي إلى غاية منتصف نفس الشهر سنة 1957، بمنطقة الجلفة دون وجود
أية أرشفة لهذا المؤتمر ولا معلومات تاريخية تحدد المعالم السياسية
لانعقاد هذا المؤتمر الذي شارك فيه الرائد "سي لطفي"، قبل أن يترقى
عقيدا عن الولاية الخامسة والرائد "أعمر إدريس" عن الولاية السادسة
وحسب بعض المصادر التاريخية،
فتعود خلفية انعقاد هذا المؤتمر إثر سقوط
كتيبة من المصاليين تابعة
للولاية السادسة ـ كان يقودها "عبد الرحمان بلهادي" وشاركت في معركة ريشة السبعين ـ
شهر أفريل 1957 في الأسر بالولاية الخامسة من طرف قيادات وجنود بهذه الولاية، وتم حجز هذه
الكتيبة بناء على شكاوى من مواطنين اتهموا الكتيبة بالتحريض ضد جبهة
التحرير الوطني وإلصاق تهمة الخيانة بها، بالإضافة إلى تهمة تأليب المواطنين ضد
الجبهة.. وكانت تضم الكتيبة 72 جنديا بعد سقوط العديد كشهداء، وأسر
الباقون من طرف الجيش الفرنسي.وكان من بين المحتجزين بالولاية الخامسة،
القيادي بالحركة الوطنية "محمد بلهادي" ـ شقيق "عبد الرحمان
بلهادي" ـ الذي قدم من معركة عين الملح جريحا لخلافة أخيه الذي وقع في الأسر لدى
المستعمر، وكان يرى "محمد بلهادي" نفسه خليفة "زيان عاشور"
زعيم المصاليين بالصحراء.. وحتى لا تتفاقم وتتطور الأحداث، تدخلت أطراف لتقويض النزاع
بين أتباع الحركة الوطنية والجبهويين، وسعت لفك أسر الكتيبة، لكن المساعي
التي قادها "سي شوقي" ـ المجاهد "الطيب فرحات" سيناتور
حاليا ـ باءت بالفشل، وتم توظيف شخصية "اعمر إدريس" في مفاوضات جديدة نظرا
لعلاقاته الواسعة وسمعته في صفوف الثوريين من جبهة التحرير أو الحركة الوطنية، برغم
أنه (جبهاوي)، وتم التوصل إلى اتفاق إثر لقاء بجبال "قعدة
القمامتة" بحضور الرائد "سي لطفي"،
ممثلا عن قيادة الولاية الخامسة
التي كان يقودها "عبد الحفيظ بوصوف". ورافق "سي اعمر" في هذا اللقاء عدة
مجاهدين، منهم (مڤلاتي، بوعزة، فرحات وبلقاسم قرادة). كما حضر اللقاء أعيان من
منطقة العمور والإدريسية والشارف، وهي مناطق تابعة للولاية الخامسة وحدودية ما
بين الولايتين السادسة والخامسة، وهذا ما لمحت له (مذكرات المجاهد
مصطفى قليشة "شاهد على جهاد الجزائر" التي صدرت سنة 2006)، وأشار في
مذكراته في الصفحة 23 دون أن يحدد مصطلح "مؤتمر الصلح والإنضمام" للقاء
الذي جمع سي لطفي وسي اعمر ادريس فيقول: "ذات صباح، قام بزيارتنا سي لطفي
مسؤول المنطقة الثامنة، وكانت زيارته مخصصة من أجل إدماج الجنود التابعين لعمر
إدريس.. ولحق بنا أيضا المجاهد الطيب فرحات، موفدا من طرف اعمر إدريس
للتفاوض بشأن الكتيبة المحتجزة لدينا، ودارت بينه وبين مسؤولي الكتائب محادثات
توجت بمقابلة أجراها مع مسؤول المنطقة سي لطفي، تطرقا خلالها لعدة
نقاط تطلبت حضور مسؤول المنطقة سي اعمر إدريس". وتضيف نفس المذكرات
"في جوي أخوي وثوري، تم التفاهم على عدة نقاط، كما تم تأجيل بعض المواضيع التي
كانت تتطلب بأن تفصل فيها القيادة العليا، ولعل هذا ما جعل القائد سي
لطفي يطلب من سي اعمر إدريس ضرورة الذهاب إلى المغرب لمقابلة
بوصوف.."، ما يؤكد أن زيارة سي اعمر إدريس للمغرب لم تكن بداعي جلب السلاح، كما أشيع
وسط المجاهدين في تلك الفترة، بل كانت من أجل وضع آخر الرتوشات على
الإتفاق الذي حصل بينه وبين سي لطفي.كما تؤكد مذكرات الملازم مصطفى بن اعمر
"الطريق الشاق إلى الحرية"، أن قضية السلاح كانت ضمن مهام الكتيبة
التي يقودها، إذ يقول إنه هو ومجموعة من المجاهدين (لزهاري بن شهرة، نائل علي..)
تكفلوا بجلب السلاح من الجهة الغربية بتكليف من العقيد علي ملاح. وانتقل وفد
مشترك من الطرفين إلى جبل "ڤعيڤع" بدار الشيوخ بالجلفة، لإتمام
جوانب الإتفاقية، وتم شرح بنود الإتفاقية لأنصار الحركة الوطنية وإقناعهم بضرورة
الانضمام إلى جبهة التحرير الوطني، وهو ما بدأ يتغلغل في صفوف الوطنيين وتم
إطلاق سراح الكتيبة المحتجزة بالولاية الخامسة، إثر بوادر الإنصهار
التي أسس لها مؤتمر الصلح والإنضمام.. لكن أبت ظروف طارئة إلا أن تنسف
بقرارات المؤتمر وتضع الولاية السادسة على كف عفريت، الأمر الذي دفع بسي
اعمر إدريس إلى التنقل للمغرب لمقابلة عبد الحفيظ بوصوف، كما نصحه بذلك
سي لطفي سابقا، لمناقشة بعض حيثيات المؤتمر وبعض المسائل العالقة،
واستخلف وراءه المجاهد "عبد الرحمان حاشي" كمسؤول سياسي، في حين كان
"العربي قبايلي" مسؤولا عسكريا.. وفي فترة غياب سي اعمر إدريس، حدثت تغييرات
كبرى عصفت بكل المجهودات التي كان يبذلها هذا المجاهد الوفي، الذي
استشهد لاحقا بعد أسره.ومن بين أهم التغييرات التي وقعت، حادثة إغتيال
العقيد "علي ملاح" ـ قائد الولاية السادسة ـ في الثامن والعشرين من شهر ماي
1957.. وإثر تقلب الأحداث في غياب "سي اعمر إدريس"، قام
"العربي قبايلي" المسؤول العسكري بتحرير استدعاءات وجهها للمصاليين ـ
المناوئين لقدوم الجنرال "بلونيس" لقيادة المصاليين ـ مستخدما دهاءه ومستغلا
طيبة المجاهد "عبد الرحمان حاشي"، باستخدام خاتمه في إمضاء الإستدعاءات التي
استدرجت مئات المصاليين المعارضين لبلونيس وأعدم ما يقارب من 100 مجاهد بين
مسؤول عسكري وسياسي بجبل تقرسان، ولم ينج من الإعدام إلا الضابط "محمد
بلهادي" الذي تمكن من الفرار مقيدا، فيما اعتقل الباقون بمن فيهم "عبد
الرحمان حاشي"، المسؤول السياسي، وأطلق "العربي قبايلي" إشاعات بأن
الجبهة أعدمت كلا من "اعمر إدريس" ومساعده "الطيب فرحات"، ما أثار
بلبلة وسط المجاهدين، كما يؤكد ذلك كتاب لمحمد العيد مطمر عنوانه "العقيد محمد شعباني
وجوانب من الثورة التحريرية الكبرى" في ص 100/101. وبتسارع الأحداث
وسقوط الكثير من قيادات الولاية السادسة، تم بذلك تمهيد الطريق أمام الجنرال
"بلونيس" لدخول الولاية السادسة..
أدلى الجنرال بلونيس بتصريح لإحدى القنوات الإذاعية الفرنسية في 03 ديسمبر 1957 مفاده بأن الجزائر لا يمكنها الانفصال عن فرنسا، و هو الذي كان ينصب العلم الجزائري موازاة مع العلم الفرنسي على بوابة مقر قيادته بحاسي العش ثم بدار الشيوخ بالجلفة طامعا في حكم ذاتي و متشبثا بمبدأ المفاوضات التي كان يديرها مثله الأعلى "مصالي الحاج" مع الحكومات الفرنسية المتساقطة بفضل ضربات الجبهة.. و هو ما اعتقدته فرنسا التزاما لا يمكن للجنرال التراجع عنه، متوهمة أنها ضمنت عدم تنصله من هذا الإلتزام و عدم تفطنه لمحاولتها الاستغناء عن خدماته و استبداله بالعقيد " بن سعيدي" الذي غرسته شوكة في حلقه ، و لم تنطل على الجنرال هذه الحيلة و لم يكن بتلك السذاجة التي تفوت عليه إدراك مثل هذه المكائد، كما يفترض أن فرنسا تدرك جيدا إمكانيات الجنرال في المناورة و فك الألغاز. فدون تردد دخل في صراع معها فاتحا على نفسه جبهتين جديدتين تمثلتا في فرنسا و بن سعيدي بالإضافة إلى العدوين التقليديين "جبهة التحرير الوطني" و "الزيانيين". و على ذكر اسم بن سعيدي المعروف بالمؤامرات و الدسائس و حرب العصابات التي تمرن عليها في حرب الهند الصينية كمجند في الجيش الفرنسي، نذكر بأنه قدم سابقا خدمة جليلة لفرنسا بإقدامه على الغدر بالعقيد "علي ملاح" قائد الولاية السادسة بإعدامه في 28 ماي 57 بعد ان تمكن من القضاء على الفوج الذي اصطحبه من الولاية الثالثة و هي الحادثة التي شلت من تحرك الجبهة و عطلت هيكلة الولاية السادسة، و أصبحت جبهة التحرير الوطني و جيشها موجودة بالمنطقة من خلال المنطقة الثالثة للولاية الأولى عبر نشاط أفواج موفدة من الأوراس بقيادة "الحسين بن عبد الباقي" و المنطقة الخامسة للولاية الرابعة التي كانت تتحرك أفواجها بقيادة الشهيد "سي الطيب الجغلالي" -الذي أصبح فيما بعد قائدا للولاية السادسة من بداية شهر أفريل إلى نهاية جويلية 1959- و المنطقة التاسعة من الولاية الخامسة بقيادة الشهيد "سي اعمر ادريس"، و بقيت على هذه الحال دون هيكلة و دون قيادة إلى غاية أواخر سنة 1958 حينما تقلد "سي الحواس" منصب قائد عام لهذه الولاية و هو الذي لم يعمر على رأسها أكثر من ثلاثة أشهر إذ استشهد في 29 مارس 1959 بجبل ثامر بنواحي بوسعادة رفقة العقيد "عميروش"، في طريق تنفيذ المهمة التي كلفا بها من طرف "لقاء العقداء" الذي تم بالطاهير بولاية جيجل و هي المتمثلة في الإتصال بلجنة التنسيق و التنفيذ في تونس قصد تأكيد رتبة "عقيد" لسي الحواس و ترسيم حدود الولاية السادسة التي عرفت تداخلا بين ثلاث ولايات الرابعة من الجهة الشمالية و الاولى من الجهة الشرقية و الجنوب الشرقية و الخامسة من الجهة الغربية .
أما الجنرال بلونيس فقد كتب عليه "التيهان" السياسي و العسكري فلم يعد يميز بين العدو و الصديق، و أضحت صديقته و صانعته فرنسا تلاحقه بشتى الوسائل فدبرت له انقلابا لم يؤت أكله كما تشتهي، ثم لجأت إلى أساليبها في التآمر و الخديعة باستعمال أذنابها من داخل معسكر الجنرال أمام أعين جبهة التحرير الوطني التي لا تنام و التي كانت ترصد كل كبيرة و صغيرة و تبتهج للخدمات الجليلة التي قدمها لها الجنرال من حيث لا يحتسب..
تعددت الروايات و الاغتيال واحد..
روايات عدة انتشرت حول مقتل الجنرال دوخت أبناء الولاية السادسة، و لأنه-الجنرال-فتح عدة جبهات ضده، كان الكل يبحث عن رأسه بداية من فرنسا التي صنعته إلى الجبهة التي ضايقها إلى الزيانيين الذين جمعتهم به المصالية سابقا.
و كانت أولى محاولات الاغتيال دبرت له من داخل معسكره و مقر قيادته بدار الشيوخ، فشهد محاولة لاقتحام مقره ليلا بإيعاز من قيادات داخل جيشه و تحديدا من "سي مفتاح" باءت بالفشل ليقظة الحرس الذين تبادلوا إطلاق النار مع 5 مقتحمين تمكنوا من الفرار دون تحديد هويتهم في ذلك الوقت، و التساؤل الذي يطرح نفسه بشدة هو لماذا تحالف "سي مفتاح" مع بلونيس حينما كانت فرنسا تساند هذا الأخير و تدعمه ثم انقلب عليه و حاول قتله بعد الجفاء و القطيعة التي وقعت بين الجنرال و فرنسا؟؟..فهل هذا يعتبر ولاء من "مفتاح" لفرنسا ؟ -على اعتبار أن نهايته كانت على يد جبهة التحرير بأحد المنازل بقرية عامرة جنوب الجلفة-.
و بعد أيام من فشل هذه العملية لجأ مناوؤوا الجنرال إلى عملية ثانية أكثر دهاء حينما دخل و بكل برودة أعصاب القيادي "عبد القادر بلطرش" و "بلقاسم نويجم سواق البل" ذات مساء مكتبه بمركز القيادة بدار الشيوخ و حاولا اغتياله ، فكانت لهما ابنة الجنرال بالمرصاد و هي الحاضرة بصفتها احد حرسه الشخصي فتمكنت من القضاء على "عبدالقادر بلطرش" و لاذ الجنرال بالفرار جريحا، فيما تمكن أيضا "سواق البل" من الإفلات سالما سيما و ان الواقعة حدثت ليلا.
أدرك الجنرال أنه أصبح غير مرغوب فيه داخل معسكره الذي فاحت منه الخيانة فلجأ هاربا إلى منطقة "راس الضبع" سيدي عامر حاليا، و تقول إحدى الروايات أن الجنرال فر متنكرا في زي إمرأة و لما وصل إلى منطفة سيدي عامر اكتشف أمره أحد الرعاة فاستنكر منه تشبهه بالنساء فقتله بعد ان ظنه "حرايمي" فيما تسرد رواية أخرى أن "بلقاسم سواق البل" تتبع خطوات الجنرال و تمكن منه بمنطقة سيدي عامر و هو متنكر في زي راعي غنم فقتله..
أما الرواية الثالثة فتقول بأن فرنسا هي من قتلته في معركة دامت أيام حشدت خلالها قوات من مناطق مجاورة بوسعادة-الجلفة- استعملت فيها المدفعية و الطائرات لمحاصرة و ضرب الجنرال و جنوده دائما بمنطقة سيدي عامر، حيث تمكنت من القضاء عليه رفقة بعض جنوده، و عمدت بعدها إلى عملية استعراض لجثمان الجنرال و صلبه على باب على متن شاحنة و عرضه بوسط مدينة الجلفة قرب نافورة الماء بعد ان جابت به شوارع المدينة.. و لكن كل الروايات تؤكد ان الجنرال قتل بسيدي عامر في 14/07/1958 .
و بذلك يكون دم الجنرال قد تفرق بين عدة جبهات ما يبين أن الجميع كان يطارده و هو يطارد الجميع.
مات الجنرال و بقي البلونيسيون..
اعتقدت فرنسا كما اعتقدت جبهة التحرير الوطني و الزيانيون أن بموت "محمد بلونيس" تنتهي حركته و يتفرق أتباعه، لكن ما حدث كان عكس ذلك فقد مات الجنرال و بقيت حركته،و اشتدت القبضة الحديدية من جديد بين البولنسيون و فرنسا، و كان أنصار بلونيس تحت قيادة جماعية تتكون من عبد القادر بن دقمان-بشير لغواطي-عبد الله السلمي- محاد بلعلمي - عبدالرحمان نوي..و كان عليهم مواصلة المواجهة ضد أربع جبهات فرنسا-الجبهة-الزيانيون- بن سعيدي،كما كان عليهم الوقوف ضد عمليات الاستنزاف التي كانت تستهدفهم عبر نداءات أطلقتها مجموعة من قياديين مصاليين على رأسهم "نصبة احمد بن عاشور" المدعو "القلاوي لكحل " في جانفي 1959 مغزاها الانضمام لجبهة التحرير الوطني و الانسحاب من حركة بلونيس، و هي نفس النداءات التي أطلقتها قيادة الجبهة بالولاية السادسة بأمر من العقيد "محمد شعباني" تدعوا للإنضمام مع تقلد مسؤوليات دون مشاكل شريطة أن يحمل كل من يرغب في الانضمام استمارات النداء معه.
و لقيت هذه النداءات استجابات محدودة في صفوف أفراد جيش بلونيس الذين استمروا في معاركهم ضد الجبهات الأربع..فقد وصل قتلى الجيش الفرنسي بإحدى المعارك "زمرة" أكثر من 1000 قتيل في 26 من شهر مارس 1959 أي 8 أشهر بعد مقتل الجنرال..و كذا الاشتباكات المتعددة التي خاضها أتباعه ضد الجبهة كالاشتباك الذي حدث في جبل مناعة في سبتمبر 58 .
و في هذه الفترة ملأت فرنسا المعتقلات و السجون بانصار الجنرال "الغادر المغدور" و نالهم من العذاب و التنكيل و القتل ما نال معتقلي جبهة التحرير على يد غلاة المستعمر.
الجبهة المستفيد الأول و فرنسا الخاسر الدائم..
و في هذه الأجواء المشحونة تكون فرنسا قد خسرت كل الولاءات التي راهنت عليها فلم تحافظ على الزيانيين لتحطيم جبهة التحرير الوطني و لم تحافظ على البلونيسيين لتحطيم الزيانيين، و من ثم فتحت جبهتين جديدتين ضد نفسها " بلونيس-الزيانيون" فانقلب السحر على الساحر.. و هذا ما يصفه الكثير من المجاهدين بالأمر "الرباني" بحيث لم يتوحد الجميع في جبهة واحدة و في نفس الوقت توحد الجميع في محاربة فرنسا..
و نشير هنا إلى أن هذا الاقتتال بين أبناء الوطن الواحد لم يقتصر على أفراد الولاية السادسة، فمنطقة الاوراس مهد الثورة كانت تشهد اقتتالا بين الأخوة الأعداء الذين تفرقوا فيما بينهم و اتفقوا على محاربة فرنسا..فيد فرنسا نجحت في تفريق الأخوة و إرادة الله أبت إلا ان توحدهم في قتالها.
و كان المستفيد الأول هو جبهة التحرير الوطني التي و رغم أن الجميع كان يناصبها العداء إلا أن الجميع خدمها بطريقة أو بأخرى و بمواجهتم لفرنسا. و برغم الفراغ الذي تركه كل من سي الحواس و سي اعمر إدريس و من بعدهما سي الطيب الجغلالي إلا أنها لم تتعثر و بزغ نجم العقيد "محمد شعباني" الذي بسط نفوذه على كامل تراب الولاية السادسة.
هانــــي
2012-04-09, 15:33
تحية للأخ ميتو على طرحع الموضوع ...مرحبا بألأخ نبيل ...إضافتك للموضوع هي ألأقرب للحقيقة بنسبة 96 بالمئة عكس ما جاء في حوار للسيدة بلونيس التي جاءت بمعلومات مغلوطة .وإلا ما تفسير رفع العلم الجزائري وبجانبه العلم الفرنسي ...لااطيل الحديث عن تسلسل ألحداث .لكني أردت ان أضيف كلمة للموضوع وهي ان القيادة التي تركها بلونيس بعد وفاته إمتدت الى كثير من المناطق في ولاية بسكرة وما زال أثرها حتى وقتنا الحالي ( ملاحظة : كل ألأمراض المستعصية يمكن لها أن تشفى ما عدا هذه الفئة فهي غير قابلة للشفاء) لاعلينا انشق مفتاح عن بلونيس لامر لم يكن يتوقعه وهو أغتيال محمد بلهادي على يد بلونيس وهي القطرة التي أفاضت الكأس بينما،وقد حاول عبد القادر لطرش إصلاح التقارب بين مفتاح وبلونيس ( وهو لا يعلم بأمر بموت بلهادي ) أخبره مفتاح بذالك أثناء اللقاء فلم يصدق ألأمر لكن وباتفاق مع مفتاح توجه الى مقر قيادة بلونيس ليتأكد من الحقيقة وهو يحمل نية قتل بلونيس إن كان الخبر صحيح .لكن كان ألأخير وعند وصول مفتاح اليه وسؤاله عن حقيقة ما سمع عن مقتل بلهادي حدث ما لم يكن في الحسبان .....قتل بلطرش ......وموت بلهادي كان سببا رئيسيا في إنشقاق الكثير من انصاره........شكرا لك ألخ نبيل مرة اخري وتقبل تحياتي القلبية.
benghezala
2012-04-09, 18:06
من ثار في وجه فرنسا ؟ جيش التحرير
من دعمته فرنسا بالسلاح ؟ جيش بن لونيس
الغيرة و الحسد منعتهم من التحاق بصفوف جيش التحرير ينتضرون خروج مصالي من السجن الفرنسي حتى يواصلوا النضال و الكفاح ....فلما انتفض الرجال حاربوهم باسلحة العدو المستعمر .... هنا اثبات ان فرنسا تعلم ان جيش بن لونيس لن يحاربها ابدا
فلا يمكنني الا ان اعتقد الا ان بن لونيس كان عميل خائن لفرنسا فلا هو حارب فرنسا و لا ترك الرجال يحاربون
الورود المنسية
2012-04-09, 19:43
راااااااااائع سلمت الانامل
nabil_dz170
2012-04-12, 10:16
مشكور اخ هاني
الأخ فتحي
2012-04-12, 17:19
شكرا جزيلا
زهرة حموية
2012-04-12, 18:30
بارك الله فيك
كشيدة جلالي
2012-04-26, 01:32
تظل
الولاية السادسة التاريخية تسبح في بحر من الألغاز والاستفسارات، التي
ليست لها حلول ولا أجوبة، حيرت بذلك المؤرخين وحتى المجاهدين، أصحاب
المذكرات، وقبلهم سكان هذه المنطقة التي اختلط عليهم الحابل بالنابل، ولم
يميزوا بين الغث والسمين فيها، ولا بين من كان يعمل مع الجبهة أو مع الحركة
الوطنية، أو حتى من كان يعمل مع فرنسا، مما يستوجب الوقوف مليا أمام
الأحداث التي كانت تتراكم وتسبق بعضها البعض.
* الشيخ "زيان عاشور" سبق الجبهة في الكفاح المسلح بالصحراء
يتداول
لدى أوساط متعددة، أن الثورة المجيدة لم تصل إلى الصحراء ولا إلى بوابتها،
إلا بعد مؤتمر الصومام الذي أعاد هيكلة الثورة وأسس لتقسيم جديد. لكن ما
سيظل حقيقة ساطعة كالشمس، أن سكان الصحراء وخاصة شمال الصحراء على امتداد
بسكرة، الجلفة، الأغواط وجنوب غرب المسيلة رفعوا السلاح ضد الاستعمار قبل
وصول جبهة التحرير الوطني وجيشها منتصف سنة 1956، دون أن يعتبروا بالجهة
القائدة للجهاد، فالمهم بالنسبة لهم مواجهة فرنسا وفقط، عن طريق شخصية
اجتمعت فيها الأصالة والحداثة، ما خول لها مكانة قيادية لدى سكان مناطق
بسكرة، الجلفة، المسيلة وجزء هام من ولاية الأغواط.
وكانت هذه الشخصية
القيادية، تتمثل في الشيخ زيان عاشور أو الرجل "المرابو" كما كانت تكنيه
السلطات الاستعمارية نظرا لتكوينه الديني بتلقيه علوم الشريعة بزاوية الشيخ
بن رميلة بأولاد جلال، وحفظه للقرآن، بالإضافة إلى أنه تلقى تكوينا سياسيا
بنضاله في صفوف حزب الشعب الجزائري بأولاد جلال، حيث كان ناشطا سياسيا
مكلفا بالدعاية، وأسس لجنة الدفاع عن البطالين وفتح مقهى يتعاطى فيه الشباب
العمل السياسي. واعتقلته السلطات الاستعمارية، ثم أطلق سراحه وعاود نشاطه
السياسي، ليعتقل مرة ثانية، فاضطر بعد إطلاق سراحه للهجرة نحو فرنسا سنة
1948، وعاد للوطن سنة 1952، وظل كعهده ناشطا سياسيا إلى أن اعتقلته فرنسا
ووضعته بسجن الكدية بقسنطينة، حيث كان عدة مصاليين معتقلين بنفس السجن،
بينهم بن بولعيد والطاهر زبيري وآخرون، وجهت لهم تهمة تفجير الثورة، وفروا
من السجن فيما بعد وأطلق سراح الشيخ زيان مرة أخرى، ليعرج في طريق عودته
إلى مسقط رأسه على مدينة العملة التي كانت بها أقوى شخصية بالحركة
المصالية، الدكتور "لمين دباغين". وبأولاد جلال، أخذ في تأسيس الجناح
العسكري للحركة الوطنية من شبان المناطق المجاورة. ونشير هنا إلى أن
"الشيخ" كان كذلك رجلا عسكريا، إذ كان أحد المجندين الذين شاركوا بالحرب
العالمية الثانية.
واستقطب جيشه مجندين من (الزرقاوية) نسبة إلى البذلة
الزرقاء التي كانوا يرتادونها دربوا بالشمال وتم إلحاقهم بجيش الصحراء رفقة
مصاليين كانوا بالخارج، منهم العربي مزيان المدعو العربي قبايلي، الذي أسر
للمجاهد لزهاري بن شهرة سنة 1956 بأنهم تلقوا تعليمات للالتحاق بجيش
الصحراء الذي يقاتل تحت راية مصالي الحاج.
* جيش الحركة الوطنية يكتسح شمال الصحراء
تمركز
الشيخ زيان عاشور بعد أن أصبح لديه جيش عدة وعتاد بنواحي بوسعادة، وبدأ في
توزيع الجيش وتقسيم المناطق، موليا "محمد بلهادي" على الناحية الشرقية
للصحراء، وبلونيس الذي أصبح أسطورة الخيانة بالمنطقة على الشمال، من قعدة
حد الصحاري، وصولا إلى سور الغزلان، و"عبد الرحمان بلهادي" على المنطقة
الغربية، و"صابري" بالشمال الشرقي.
وبهذا التقسيم، اكتسح جيش الشيخ زيان
المناطق الصحراوية، أو عمالة الواحات كما تسميها السلطات الاستعمارية،
بمناطق بسكرة، الجلفة والأغواط، في غياب جبهة التحرير الوطني، مستغلا
القواعد النضالية لحزب الشعب، حيث سهلت له مهمة الوصول إلى هذه المناطق.
* التعليمة التي أصدرها "بن بولعيد" وطبقت عليه
كان
الشيخ "زيان عاشور" أحد القادة الذين حضروا اللقاء الذي دعا له الشهيد بن
بولعيد شهر مارس 1956، بتافرنت ناحية منعة بالأوراس، كي يستنفر أنصاره بعد
الانقلاب الذي تعرّض له من طرف "عاجل عجول" و"بلقاسمي"، مباشرة بعد هروبه
من سجن الكدية، وطبقا عليه تعليمته التي أصدرها عند تفجير الثورة، بوضع كل
من يهرب من السجن تحت الرقابة لمدة ستة أشهر، الأمر الذي لم يهضمه بن
بولعيد واستشهد الأخير في نفس اللقاء الذي لم يفض إلى أية نتيجة؟
* بلونيس يطلب المدد من الشيخ لوقف زحف الجبهة
لما
كان بلونيس قبل أن يغرق في بحر الخيانة علنا يقود منطقة متاخمة لمعاقل
جبهة التحرير الوطني على مشارف الولاية الرابعة، كان يتعرّض لضغوطات من جيش
جبهة التحرير الوطني، ما اضطره إلى طلب المؤونة والمدد من الشيخ زيان
عاشور، فكان له ما أراد، حيث دعّمه بكتيبة مدججة بأسلحة من مخلفات حرب
الألمان.
وفي رواية أخرى، قام بلونيس بجلب أسلحة حديثة من جهة مجهولة،
واقتصرت مساعدة الشيخ في المؤونة، ليتوجس فيما بعد خيفة من تصرفات بلونيس.
* مشاة 228 (r.a.s).. العقيد عميروش واستشهاد الشيخ زيان
بقي
الوضع منسجما بين المصاليين الذين أحكموا سيطرتهم على هذه المناطق إلى
غاية 8 نوفمبر 1956، هذا التاريخ الذي كان منعرجا حاسما في اختلاط الحابل
بالنابل ووصول الثوريين من جبهة التحرير الوطني، ومن ثم بدأ بلونيس يرتب
للتغلغل مع ريكول و آيمز ضابطي مخبارات فرنسيين، ابتداء من لقاء بني سليمان
في 31 مارس 1957.
وقبل هذا التاريخ بأسبوع، كوّنت السلطات العسكرية
الاستعمارية الفيلق المسمى مشاة 228 بقيادة جون ماري المدعو بوجي، بمنطقة
برج الآغا ببوسعادة. ويتشكّل هذا الفيلق أساسا، من المعاد تجنيدهم (les
rappeles)، تعداده 700 جندي و40 ضابط صف و5 ضباط، يتمتعون بالنفوذ ورفضوا
المشاركة في العمليات القتالية وأسس لهم هذا الفيلق لاحتوائهم نظريا.
أثناء
إحدى عمليات التمشيط التي كان يقوم بها هذا الفيلق (r.a.s) بالجلفة اتجه
جنوبا نحو مسعد وانحرف نحو الجهة الشرقية، أي منطقة عين الملح ببوسعادة،
اكتشفت طوافة هيلوكبتر مجموعة من الجنود أو "الفلاڤة"، كما تسميها السلطات
الإستعمارية، تتكوّن من 32 جنديا ولم يتمكن العسكر الفرنسي من تحديد
هويتهم، وحوصرت المجموعة التي حاولت المقاومة دون جدوى، وتم القضاء على
قائدها ومعظم جنودها، وأسر بعضهم بجبل ميمونة بعيدا عن مركز قيادتهم.
وظن
قائد الفيلق "جون ماري" أنه وقع على (الصيد الثمين)، من خلال شارة القيادة
التي كان يتقلدها قائد الجنود (هلال وثلاث نجمات)، وكان هذا الشيخ زيان
عاشور الذي تعرفوا على هويته بمساعدة أحد المأسورين.
وتزامنت عملية
التمشيط التي باشرها الفيلق مشاة 228، مع تواجد أسد جرجرة العقيد عميروش
الذي كان في مهمة لتسوية مشاكل المنطقة الأولى بتكليف من مؤتمر الصومام،
ليكتشف أن "مصطفى بن بولعيد" قد استشهد منذ مدة بعد أن تم كتم خبر استشهاده
من طرف قيادة المنطقة الأولى، بمن فيهم أخ بن بولعيد "عمر"، الذي كان يسعى
لخلافته. وقام العقيد عميروش بتحقيق كشف خيوط مؤامرة حيكت ضد بن بولعيد،
بتدبير محكم من بلقاسمي الذي أرسله مكبلا لمحاكمته بالولاية الثالثة، ومات
بلقاسمي رفقة معتقليه إثر قصف من الجيش الفرنسي فية طريقهم نحو مركز قيادة
الولاية الثالثة، وعاجل عجول الذي تلقى معه عميروش صعوبات جمة وصلت حد
الاقتتال، مما دفع بعجول إلى الارتماء في أحضان فرنسا بوساطة من والده
بزريبة الواد.
وكان عاجل عجول قبل التحاقه بالجيش الفرنسي، على علم
بمسار ووجهة عميروش نحو الجهة الغربية من الناحية الثالثة بالمنطقة الأولى
حسب التقسيم الأول (بسكرة بوسعادة جغرافيا) وهذا لاستكمال المهمة المسندة
لكل من العقيد "أعمران" والعقيد "علي ملاح"، هذا الأخير المعين من طرف
مؤتمر الصومام قائدا للولاية السادسة، والتي تدخل هذه النواحي في إقليمها
وتقع تحت مسؤوليته، واكتفى العقيد "علي ملاح" بإرسال فوج من 35 مجاهدا إلى
الصحراء لإقناع المصاليين بالعدول عن موقفهم المناوئ للجبهة، لكن المصاليين
غدروا بهذا الفوج (إلا واحدا) يوم 22/10/1956، وهو يوم اختطاف الطائرة
المقلة للزعماء من المغرب باتجاه تونس، الأمر الذي دفع بالعقيد عميروش وكان
رائدا وقتها إلى الإصرار على إنجاز المهمة ومعالجتها بالنزول إلى عين
المكان، غير مكترث بالأخطار المحدقة من جهة فرنسا أو المصاليين، على حد
سواء، لكنه تفاجأ بنبأ كاذب مفاده أن قائد الولاية الثالثة محمدي السعيد قد
استشهد، ما أرغمه على العودة يوم 01 نوفمبر 1956، تاركا استدعاء لسي
الحواس لحضور لقاء شهر ديسمبر 1956 الذي نظم لاحقا.
وتطرح عدة تساؤلات:
هل كانت مهمة فيلق مشاة 228 تتبع خطوات العقيد عميروش، بوشاية من عجول وبعض
العيون، فوقع الشيخ زيان عاشور، أم أن الصدفة لعبت دورها في هذه الأحداث؟
ما يفتح العديد من الاستفهامات والاستفسارات؟؟
في ذكرى انعقاد مؤتمر الصلح والانضمام (أسرارومؤامرات)
تمر في شهر
ماي الذكرى الثالثة والخمسون لانعقاد مؤتمر "الصلح والانضمام"، الذي احتضنته الولاية التاريخية السادسة
بداية من 7 ماي إلى غاية منتصف نفس الشهر سنة 1957، بمنطقة الجلفة دون وجود
أية أرشفة لهذا المؤتمر ولا معلومات تاريخية تحدد المعالم السياسية
لانعقاد هذا المؤتمر الذي شارك فيه الرائد "سي لطفي"، قبل أن يترقى
عقيدا عن الولاية الخامسة والرائد "أعمر إدريس" عن الولاية السادسة
وحسب بعض المصادر التاريخية،
فتعود خلفية انعقاد هذا المؤتمر إثر سقوط
كتيبة من المصاليين تابعة
للولاية السادسة ـ كان يقودها "عبد الرحمان بلهادي" وشاركت في معركة ريشة السبعين ـ
شهر أفريل 1957 في الأسر بالولاية الخامسة من طرف قيادات وجنود بهذه الولاية، وتم حجز هذه
الكتيبة بناء على شكاوى من مواطنين اتهموا الكتيبة بالتحريض ضد جبهة
التحرير الوطني وإلصاق تهمة الخيانة بها، بالإضافة إلى تهمة تأليب المواطنين ضد
الجبهة.. وكانت تضم الكتيبة 72 جنديا بعد سقوط العديد كشهداء، وأسر
الباقون من طرف الجيش الفرنسي.وكان من بين المحتجزين بالولاية الخامسة،
القيادي بالحركة الوطنية "محمد بلهادي" ـ شقيق "عبد الرحمان
بلهادي" ـ الذي قدم من معركة عين الملح جريحا لخلافة أخيه الذي وقع في الأسر لدى
المستعمر، وكان يرى "محمد بلهادي" نفسه خليفة "زيان عاشور"
زعيم المصاليين بالصحراء.. وحتى لا تتفاقم وتتطور الأحداث، تدخلت أطراف لتقويض النزاع
بين أتباع الحركة الوطنية والجبهويين، وسعت لفك أسر الكتيبة، لكن المساعي
التي قادها "سي شوقي" ـ المجاهد "الطيب فرحات" سيناتور
حاليا ـ باءت بالفشل، وتم توظيف شخصية "اعمر إدريس" في مفاوضات جديدة نظرا
لعلاقاته الواسعة وسمعته في صفوف الثوريين من جبهة التحرير أو الحركة الوطنية، برغم
أنه (جبهاوي)، وتم التوصل إلى اتفاق إثر لقاء بجبال "قعدة
القمامتة" بحضور الرائد "سي لطفي"،
ممثلا عن قيادة الولاية الخامسة
التي كان يقودها "عبد الحفيظ بوصوف". ورافق "سي اعمر" في هذا اللقاء عدة
مجاهدين، منهم (مڤلاتي، بوعزة، فرحات وبلقاسم قرادة). كما حضر اللقاء أعيان من
منطقة العمور والإدريسية والشارف، وهي مناطق تابعة للولاية الخامسة وحدودية ما
بين الولايتين السادسة والخامسة، وهذا ما لمحت له (مذكرات المجاهد
مصطفى قليشة "شاهد على جهاد الجزائر" التي صدرت سنة 2006)، وأشار في
مذكراته في الصفحة 23 دون أن يحدد مصطلح "مؤتمر الصلح والإنضمام" للقاء
الذي جمع سي لطفي وسي اعمر ادريس فيقول: "ذات صباح، قام بزيارتنا سي لطفي
مسؤول المنطقة الثامنة، وكانت زيارته مخصصة من أجل إدماج الجنود التابعين لعمر
إدريس.. ولحق بنا أيضا المجاهد الطيب فرحات، موفدا من طرف اعمر إدريس
للتفاوض بشأن الكتيبة المحتجزة لدينا، ودارت بينه وبين مسؤولي الكتائب محادثات
توجت بمقابلة أجراها مع مسؤول المنطقة سي لطفي، تطرقا خلالها لعدة
نقاط تطلبت حضور مسؤول المنطقة سي اعمر إدريس". وتضيف نفس المذكرات
"في جوي أخوي وثوري، تم التفاهم على عدة نقاط، كما تم تأجيل بعض المواضيع التي
كانت تتطلب بأن تفصل فيها القيادة العليا، ولعل هذا ما جعل القائد سي
لطفي يطلب من سي اعمر إدريس ضرورة الذهاب إلى المغرب لمقابلة
بوصوف.."، ما يؤكد أن زيارة سي اعمر إدريس للمغرب لم تكن بداعي جلب السلاح، كما أشيع
وسط المجاهدين في تلك الفترة، بل كانت من أجل وضع آخر الرتوشات على
الإتفاق الذي حصل بينه وبين سي لطفي.كما تؤكد مذكرات الملازم مصطفى بن اعمر
"الطريق الشاق إلى الحرية"، أن قضية السلاح كانت ضمن مهام الكتيبة
التي يقودها، إذ يقول إنه هو ومجموعة من المجاهدين (لزهاري بن شهرة، نائل علي..)
تكفلوا بجلب السلاح من الجهة الغربية بتكليف من العقيد علي ملاح. وانتقل وفد
مشترك من الطرفين إلى جبل "ڤعيڤع" بدار الشيوخ بالجلفة، لإتمام
جوانب الإتفاقية، وتم شرح بنود الإتفاقية لأنصار الحركة الوطنية وإقناعهم بضرورة
الانضمام إلى جبهة التحرير الوطني، وهو ما بدأ يتغلغل في صفوف الوطنيين وتم
إطلاق سراح الكتيبة المحتجزة بالولاية الخامسة، إثر بوادر الإنصهار
التي أسس لها مؤتمر الصلح والإنضمام.. لكن أبت ظروف طارئة إلا أن تنسف
بقرارات المؤتمر وتضع الولاية السادسة على كف عفريت، الأمر الذي دفع بسي
اعمر إدريس إلى التنقل للمغرب لمقابلة عبد الحفيظ بوصوف، كما نصحه بذلك
سي لطفي سابقا، لمناقشة بعض حيثيات المؤتمر وبعض المسائل العالقة،
واستخلف وراءه المجاهد "عبد الرحمان حاشي" كمسؤول سياسي، في حين كان
"العربي قبايلي" مسؤولا عسكريا.. وفي فترة غياب سي اعمر إدريس، حدثت تغييرات
كبرى عصفت بكل المجهودات التي كان يبذلها هذا المجاهد الوفي، الذي
استشهد لاحقا بعد أسره.ومن بين أهم التغييرات التي وقعت، حادثة إغتيال
العقيد "علي ملاح" ـ قائد الولاية السادسة ـ في الثامن والعشرين من شهر ماي
1957.. وإثر تقلب الأحداث في غياب "سي اعمر إدريس"، قام
"العربي قبايلي" المسؤول العسكري بتحرير استدعاءات وجهها للمصاليين ـ
المناوئين لقدوم الجنرال "بلونيس" لقيادة المصاليين ـ مستخدما دهاءه ومستغلا
طيبة المجاهد "عبد الرحمان حاشي"، باستخدام خاتمه في إمضاء الإستدعاءات التي
استدرجت مئات المصاليين المعارضين لبلونيس وأعدم ما يقارب من 100 مجاهد بين
مسؤول عسكري وسياسي بجبل تقرسان، ولم ينج من الإعدام إلا الضابط "محمد
بلهادي" الذي تمكن من الفرار مقيدا، فيما اعتقل الباقون بمن فيهم "عبد
الرحمان حاشي"، المسؤول السياسي، وأطلق "العربي قبايلي" إشاعات بأن
الجبهة أعدمت كلا من "اعمر إدريس" ومساعده "الطيب فرحات"، ما أثار
بلبلة وسط المجاهدين، كما يؤكد ذلك كتاب لمحمد العيد مطمر عنوانه "العقيد محمد شعباني
وجوانب من الثورة التحريرية الكبرى" في ص 100/101. وبتسارع الأحداث
وسقوط الكثير من قيادات الولاية السادسة، تم بذلك تمهيد الطريق أمام الجنرال
"بلونيس" لدخول الولاية السادسة..
أدلى الجنرال بلونيس بتصريح لإحدى القنوات الإذاعية الفرنسية في 03 ديسمبر 1957 مفاده بأن الجزائر لا يمكنها الانفصال عن فرنسا، و هو الذي كان ينصب العلم الجزائري موازاة مع العلم الفرنسي على بوابة مقر قيادته بحاسي العش ثم بدار الشيوخ بالجلفة طامعا في حكم ذاتي و متشبثا بمبدأ المفاوضات التي كان يديرها مثله الأعلى "مصالي الحاج" مع الحكومات الفرنسية المتساقطة بفضل ضربات الجبهة.. و هو ما اعتقدته فرنسا التزاما لا يمكن للجنرال التراجع عنه، متوهمة أنها ضمنت عدم تنصله من هذا الإلتزام و عدم تفطنه لمحاولتها الاستغناء عن خدماته و استبداله بالعقيد " بن سعيدي" الذي غرسته شوكة في حلقه ، و لم تنطل على الجنرال هذه الحيلة و لم يكن بتلك السذاجة التي تفوت عليه إدراك مثل هذه المكائد، كما يفترض أن فرنسا تدرك جيدا إمكانيات الجنرال في المناورة و فك الألغاز. فدون تردد دخل في صراع معها فاتحا على نفسه جبهتين جديدتين تمثلتا في فرنسا و بن سعيدي بالإضافة إلى العدوين التقليديين "جبهة التحرير الوطني" و "الزيانيين". و على ذكر اسم بن سعيدي المعروف بالمؤامرات و الدسائس و حرب العصابات التي تمرن عليها في حرب الهند الصينية كمجند في الجيش الفرنسي، نذكر بأنه قدم سابقا خدمة جليلة لفرنسا بإقدامه على الغدر بالعقيد "علي ملاح" قائد الولاية السادسة بإعدامه في 28 ماي 57 بعد ان تمكن من القضاء على الفوج الذي اصطحبه من الولاية الثالثة و هي الحادثة التي شلت من تحرك الجبهة و عطلت هيكلة الولاية السادسة، و أصبحت جبهة التحرير الوطني و جيشها موجودة بالمنطقة من خلال المنطقة الثالثة للولاية الأولى عبر نشاط أفواج موفدة من الأوراس بقيادة "الحسين بن عبد الباقي" و المنطقة الخامسة للولاية الرابعة التي كانت تتحرك أفواجها بقيادة الشهيد "سي الطيب الجغلالي" -الذي أصبح فيما بعد قائدا للولاية السادسة من بداية شهر أفريل إلى نهاية جويلية 1959- و المنطقة التاسعة من الولاية الخامسة بقيادة الشهيد "سي اعمر ادريس"، و بقيت على هذه الحال دون هيكلة و دون قيادة إلى غاية أواخر سنة 1958 حينما تقلد "سي الحواس" منصب قائد عام لهذه الولاية و هو الذي لم يعمر على رأسها أكثر من ثلاثة أشهر إذ استشهد في 29 مارس 1959 بجبل ثامر بنواحي بوسعادة رفقة العقيد "عميروش"، في طريق تنفيذ المهمة التي كلفا بها من طرف "لقاء العقداء" الذي تم بالطاهير بولاية جيجل و هي المتمثلة في الإتصال بلجنة التنسيق و التنفيذ في تونس قصد تأكيد رتبة "عقيد" لسي الحواس و ترسيم حدود الولاية السادسة التي عرفت تداخلا بين ثلاث ولايات الرابعة من الجهة الشمالية و الاولى من الجهة الشرقية و الجنوب الشرقية و الخامسة من الجهة الغربية .
أما الجنرال بلونيس فقد كتب عليه "التيهان" السياسي و العسكري فلم يعد يميز بين العدو و الصديق، و أضحت صديقته و صانعته فرنسا تلاحقه بشتى الوسائل فدبرت له انقلابا لم يؤت أكله كما تشتهي، ثم لجأت إلى أساليبها في التآمر و الخديعة باستعمال أذنابها من داخل معسكر الجنرال أمام أعين جبهة التحرير الوطني التي لا تنام و التي كانت ترصد كل كبيرة و صغيرة و تبتهج للخدمات الجليلة التي قدمها لها الجنرال من حيث لا يحتسب..
تعددت الروايات و الاغتيال واحد..
روايات عدة انتشرت حول مقتل الجنرال دوخت أبناء الولاية السادسة، و لأنه-الجنرال-فتح عدة جبهات ضده، كان الكل يبحث عن رأسه بداية من فرنسا التي صنعته إلى الجبهة التي ضايقها إلى الزيانيين الذين جمعتهم به المصالية سابقا.
و كانت أولى محاولات الاغتيال دبرت له من داخل معسكره و مقر قيادته بدار الشيوخ، فشهد محاولة لاقتحام مقره ليلا بإيعاز من قيادات داخل جيشه و تحديدا من "سي مفتاح" باءت بالفشل ليقظة الحرس الذين تبادلوا إطلاق النار مع 5 مقتحمين تمكنوا من الفرار دون تحديد هويتهم في ذلك الوقت، و التساؤل الذي يطرح نفسه بشدة هو لماذا تحالف "سي مفتاح" مع بلونيس حينما كانت فرنسا تساند هذا الأخير و تدعمه ثم انقلب عليه و حاول قتله بعد الجفاء و القطيعة التي وقعت بين الجنرال و فرنسا؟؟..فهل هذا يعتبر ولاء من "مفتاح" لفرنسا ؟ -على اعتبار أن نهايته كانت على يد جبهة التحرير بأحد المنازل بقرية عامرة جنوب الجلفة-.
و بعد أيام من فشل هذه العملية لجأ مناوؤوا الجنرال إلى عملية ثانية أكثر دهاء حينما دخل و بكل برودة أعصاب القيادي "عبد القادر بلطرش" و "بلقاسم نويجم سواق البل" ذات مساء مكتبه بمركز القيادة بدار الشيوخ و حاولا اغتياله ، فكانت لهما ابنة الجنرال بالمرصاد و هي الحاضرة بصفتها احد حرسه الشخصي فتمكنت من القضاء على "عبدالقادر بلطرش" و لاذ الجنرال بالفرار جريحا، فيما تمكن أيضا "سواق البل" من الإفلات سالما سيما و ان الواقعة حدثت ليلا.
أدرك الجنرال أنه أصبح غير مرغوب فيه داخل معسكره الذي فاحت منه الخيانة فلجأ هاربا إلى منطقة "راس الضبع" سيدي عامر حاليا، و تقول إحدى الروايات أن الجنرال فر متنكرا في زي إمرأة و لما وصل إلى منطفة سيدي عامر اكتشف أمره أحد الرعاة فاستنكر منه تشبهه بالنساء فقتله بعد ان ظنه "حرايمي" فيما تسرد رواية أخرى أن "بلقاسم سواق البل" تتبع خطوات الجنرال و تمكن منه بمنطقة سيدي عامر و هو متنكر في زي راعي غنم فقتله..
أما الرواية الثالثة فتقول بأن فرنسا هي من قتلته في معركة دامت أيام حشدت خلالها قوات من مناطق مجاورة بوسعادة-الجلفة- استعملت فيها المدفعية و الطائرات لمحاصرة و ضرب الجنرال و جنوده دائما بمنطقة سيدي عامر، حيث تمكنت من القضاء عليه رفقة بعض جنوده، و عمدت بعدها إلى عملية استعراض لجثمان الجنرال و صلبه على باب على متن شاحنة و عرضه بوسط مدينة الجلفة قرب نافورة الماء بعد ان جابت به شوارع المدينة.. و لكن كل الروايات تؤكد ان الجنرال قتل بسيدي عامر في 14/07/1958 .
و بذلك يكون دم الجنرال قد تفرق بين عدة جبهات ما يبين أن الجميع كان يطارده و هو يطارد الجميع.
مات الجنرال و بقي البلونيسيون..
اعتقدت فرنسا كما اعتقدت جبهة التحرير الوطني و الزيانيون أن بموت "محمد بلونيس" تنتهي حركته و يتفرق أتباعه، لكن ما حدث كان عكس ذلك فقد مات الجنرال و بقيت حركته،و اشتدت القبضة الحديدية من جديد بين البولنسيون و فرنسا، و كان أنصار بلونيس تحت قيادة جماعية تتكون من عبد القادر بن دقمان-بشير لغواطي-عبد الله السلمي- محاد بلعلمي - عبدالرحمان نوي..و كان عليهم مواصلة المواجهة ضد أربع جبهات فرنسا-الجبهة-الزيانيون- بن سعيدي،كما كان عليهم الوقوف ضد عمليات الاستنزاف التي كانت تستهدفهم عبر نداءات أطلقتها مجموعة من قياديين مصاليين على رأسهم "نصبة احمد بن عاشور" المدعو "القلاوي لكحل " في جانفي 1959 مغزاها الانضمام لجبهة التحرير الوطني و الانسحاب من حركة بلونيس، و هي نفس النداءات التي أطلقتها قيادة الجبهة بالولاية السادسة بأمر من العقيد "محمد شعباني" تدعوا للإنضمام مع تقلد مسؤوليات دون مشاكل شريطة أن يحمل كل من يرغب في الانضمام استمارات النداء معه.
و لقيت هذه النداءات استجابات محدودة في صفوف أفراد جيش بلونيس الذين استمروا في معاركهم ضد الجبهات الأربع..فقد وصل قتلى الجيش الفرنسي بإحدى المعارك "زمرة" أكثر من 1000 قتيل في 26 من شهر مارس 1959 أي 8 أشهر بعد مقتل الجنرال..و كذا الاشتباكات المتعددة التي خاضها أتباعه ضد الجبهة كالاشتباك الذي حدث في جبل مناعة في سبتمبر 58 .
و في هذه الفترة ملأت فرنسا المعتقلات و السجون بانصار الجنرال "الغادر المغدور" و نالهم من العذاب و التنكيل و القتل ما نال معتقلي جبهة التحرير على يد غلاة المستعمر.
الجبهة المستفيد الأول و فرنسا الخاسر الدائم..
و في هذه الأجواء المشحونة تكون فرنسا قد خسرت كل الولاءات التي راهنت عليها فلم تحافظ على الزيانيين لتحطيم جبهة التحرير الوطني و لم تحافظ على البلونيسيين لتحطيم الزيانيين، و من ثم فتحت جبهتين جديدتين ضد نفسها " بلونيس-الزيانيون" فانقلب السحر على الساحر.. و هذا ما يصفه الكثير من المجاهدين بالأمر "الرباني" بحيث لم يتوحد الجميع في جبهة واحدة و في نفس الوقت توحد الجميع في محاربة فرنسا..
و نشير هنا إلى أن هذا الاقتتال بين أبناء الوطن الواحد لم يقتصر على أفراد الولاية السادسة، فمنطقة الاوراس مهد الثورة كانت تشهد اقتتالا بين الأخوة الأعداء الذين تفرقوا فيما بينهم و اتفقوا على محاربة فرنسا..فيد فرنسا نجحت في تفريق الأخوة و إرادة الله أبت إلا ان توحدهم في قتالها.
و كان المستفيد الأول هو جبهة التحرير الوطني التي و رغم أن الجميع كان يناصبها العداء إلا أن الجميع خدمها بطريقة أو بأخرى و بمواجهتم لفرنسا. و برغم الفراغ الذي تركه كل من سي الحواس و سي اعمر إدريس و من بعدهما سي الطيب الجغلالي إلا أنها لم تتعثر و بزغ نجم العقيد "محمد شعباني" الذي بسط نفوذه على كامل تراب الولاية السادسة.
http://www.mexat.com/vb/attachment.php?attachmentid=1170098&d=1275861951
الميعادي
2012-04-26, 05:32
شكرا لك اخى العزيز على الموضوع
ربي يرحمه
راح ضحية الإستبداد الذي غير منظم للأفلان يعتبر خائن !
واش هذا الخورطي ،استحي يازوجة الخائن وكلي الخبز في بلاد مليون ونصف مليون من شهداء
السيد قطب
2013-09-18, 13:27
ربي يرحمه
راح ضحية الإستبداد
الذي غير منظم للأفلان يعتبر خائن !
oussama_86
2013-10-02, 14:13
شكرااااااااااااااااااااااااااا
nabil_dz170
2013-10-10, 22:42
اندلعت ثورة التحرير الجزائرية في 1 نوفمبر 1954 ضد الاستعمار الفرنسي الذي احتلّ البلاد منذ سنة 1830، ودامت طيلة 7 سنوات ونصف من الكفاح المسلح والعمل السياسي
جبهة التحرير الوطني "التي اصدرت اول تصريح رسمي لها عرف ب"بيان اول نوفمبر ".وقد وجهت هذا النداء الى الشعب الجزائري مساء 31 اكتوبر ووزعته صباح اول نوفمبر ,حددت فيه الثورة مبادئها ووسائلها ,ورسمت اهدافها المتمثلة في الحريةوالاستقلال ووضع اسس اعادة بناء الدولة الجزائرية والقضاء على النظام الاستعماري .ووضحت الجبهة في البيان الشروط السياسية التي تكفل تحقيق ذلك دون اراقة الدماء او اللجوء الى العنف ,كما شرحت الظروف الماساوية للشعب الجزائري والتي دفعت به الى حمل السلاح لتحقيق اهدافه القومية الوطنية ,مبرزة الابعاد السياسية والتاريخية والحضارية لهذا القرار التاريخي .يعتبر بيان اول نوفمبر 1954 بمثابة دستور الثورة ومرجعها الاول الذي اهتدى به قادة الثورة التحريرية وسارت على دربه الاجيال.
بلقاسم 1472
2013-11-05, 14:28
أمراض الحسد والحقد والكبر والتعالي والتعصب المؤدلج ونوازع النفس، كلها عناصر فوتت على الثورة المجيدة جمع أبناءها في بوتقة واحدة ضد عدو واحد، ومن العجب العجاب أن الذين كانوا يرون التريث واستشارة الشعب في بدء الثورة كي يتحمل هذا الشعب ثقلها وتضحياتها، وهذا موقف بطولي ولوك حضاري يقدر لهم، بيد أنهم سرعان ما دخلوا على خط الثورة لما علموا أن شباب المنظمة الخاصة اختار طريقا ثالثا بعيدا عن ثنائية الصراع المستحكمة {مصالي، مركزي}، وشرع في محاربة الاستعمار الغاشم، وأسس حزبا جديدا (fln)بذراع عسكري هذه المرة (aln)، فشعر قدماء المناضلين وكبارهم والمؤدلجون فيهم بأن البساط يسحبه الشباب من تحت أرجلهم، فانخرطوا في الثورة كطرف مستقل عن جبهة التحرير وجيش التحرير، وبقي تعالي بعضهم وتضخم أناهم حتى لحظات الاستقلال، بل منهم من رحل إلى العالم الآخر وهو على هذه الحال.
رحم الله الجميع، وتجاوز عنهم، فقدا مضوا وقضوا والله وحده الذي يعرف الخائن من غيره، ولو أننا نعتبر كل من حارب المستعمر مجاهدا، وكل من انخرط في الحركة الوطنية منذ العشرينيات مناضلا وطنيا ولو اختلف مع إخوانه، فالاختلاف السياسي وقع حتى بين كبار الصحابة ولم يخوّن أحدهم الآخر أو يكفره، فالخيانة لا تقوم في حق إلا من تثبت عليه الأدلة الدامغة للخيانة كالحركى وغيرهم من عملاء الاستعمار.
MARDUK1991
2013-11-09, 16:08
شكرااااااااااااااااااااااااااا
nabil_dz170
2013-11-09, 22:01
ميصالي شكل جيشا سنة 1955 وحارب جبهة التحرير؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
كمال2543
2013-11-09, 22:38
شكرا على المعللللومة
هدى هدهدة
2013-11-16, 13:11
بارك الله فيك
Sofiane-dz
2013-11-17, 01:15
شكراااااااااا بارك الله فيك
mouradinho24
2016-10-10, 23:32
الكثير من المؤرخين من بينهم محمد حربي والاستاذ رابح بلعيد ينفون عن بلونيس جرم الخيانة ارجوا مراجعة كل الكتابات في الموضوع ثم الحكم
التاريخ لا يؤخد بالعاطفة ولا بالجهوية ورحم كل الشهداء سواء من جاهد تحت لواء الافلان او المانا ومصالي الحاج مدام الهدف واحد
mouradinho24
2016-10-11, 17:08
"عن الجنرال محمد بن لونيس"
عندما اندلعت ثورة نوفمبر 1954، كان محمد بلونيس مستشارا بلديا لحزب الشعب الجزائري في مدينة برج منايل، قبل ذلك كان يمارس مسؤولياته السياسية على مستوى الدائرة و بتلك الصفة كسب شعبية واسعة في ما يسمى منطقة القبائل بتفانيه في العمل من اجل انجاح مشروع المجتمع الذي بشر به حزبه و الذي يتمثل اساسا في ضرورة بعث الدولة الجزائرية المعتدى عليها سنة 1830.
كان محمد بلونيس من المسؤولين المؤمنين بحتمية الكفاح المسلح كوسيلة وحيدة لاسترجاع الحق المغتصب و كان لأجل ذلك قد ساهم فعليا في جلب الأسلحة و خزنها و في اعداد مجموعات المناضلين الشباب عسكريا في انتظار اليوم المناسب الذي تحدده القيادة العليا.
كل هذه الصفات هي التي جعلت الحاج مصالي يعتمد عليه في تنظيم الافواج المسلحة الاولى التي ستتشكل منها النواة الصلبة لما سيعرف فيما بعد بالجيش الوطني للشعب الجزائري و الذي سيتولى قيادته بمساعدة كل من احمد بن عبد الرزاق (سي الحواس لاحقا) و سي زيان و سي مفتاح ، و كل هذه الصفات ايضا هي التي مكنت قواته من الانتشار بسرعة متخذة في تلك الاشهر الأولى منطقة القبائل منطلقا و مقرا للقيادة العامة .
و بينما كان بلونيس ينشط خاصة في نواحي برج منايل (برج ام نائل) كان نائباه يقودان العمليات المسلحة في جزء كبير من المنطقة الاولى و قسم ضئيل من المنطقة الثانية و اذا كان الصدام بين الحركة الوطنية الجزائرية و جبهة التحرير الوطني قد حدث من البداية في اوربا و فرنسا على وجه الخصوص فإن الصراع الدموي بين الأشقاء لم يظهر داخل الوطن إلا بعد منتصف عام 1955 و يحتمل ذلك تفسيرات نقدمها كالآتي :
1 : إن القواعد المناضلة في حزب الشعب الجزائري متشبعة بنفس الايديولوجية التي ترى ان الإستعمار الفرنسي لا يمكن القضاء عليه إلا بواسطة العنف الثوري بالإضافة الى الإيمان بضرورة الإنتقال بسرعة الى مرحلة الكفاح المسلح كان اغلبية المناضلين تعتقد ان الحاج مصالي هو منقذ الامة و الثورة لا يمكن الا ان تكون بزعامته و عليه كان من الصعب جدا في تلك الأشهر الأولى التسليم بأن تنظيما آخر يسيره غير الحاج مصالي قادر على قيادة المعركة من اجل استرجاع الاستقلال الوطني و حتى عندما بدأ الامر يتضح و ظهرت جبهة التحرير الوطني الى جانب الحركة الوطنية الجزائرية فإن المجاهدين في القاعدة لم يرو ما يدفعهم الى التناحر فيما بينهم مادام جميعهم يسعى الى تحقيق هدف واحد و هو تقويض الإستعمار الفرنسي
2: إن العناصر القيادية في جبهة التحرير الوطني كانت كلها في الأشهر الاو لى من اندلاع الثورة اطارات صغيرة و متوسطة مارست بداياتها النضالية في صفوف حزب الشعب الجزائري بمختلف واجهاته و المنظمة الخاصة منها على وجه الخصوص لاجل ذلك فإنها لم تستسغ الدخول في صراع دموي مع تنظيم منافس كل قياداته تنمي هي الأخرى الى حزب الشعب الجزائري و تتمتع بنفس خاصياتها من حيث التكوين السياسي و الإلتزام العقائدي و الإستعداد لمواجهة القوات الإستعمارية بجميع الوسائل .
و بعد ان فشلت كل محاولات التصالح و ضاعت فرص اعادة رتق الخرق وقع الصدام و عاشت المنطقتان الأولى و الثالثة على وجه الخصوص اشتباكات مسلحة مؤلمة راح ضحيتها رجال ابطال من الطرفين كان يمكن ان يكونو قوة ضاربة تستفيد منها ثورة التحرير الوطني.
و عرفت فرنسا كيف توظف الصراع لصالحها فاختار الجنرال "صالان" الإتصال بالجينرال "بلونيس" و عرض عليه اتفاقا ابرم يوم 13/05/1957 بعد ان وقع التمهيد له بمجزرة "ملوزة" التي ارغمت قائد الجيش الوطني للشعب الجزائري على قبول التعاون مع الجيش الفرنسي الذي كان قادته يعتقدون ان باستطاعتهم توظيفه للقضاء على جيش التحرير الوطني.
لكن الجنرال بلونيس اغتنم الفرصة و راح يعين المحافظين السياسيين من اجل توعية الجماهير الشعبية و عزلها نهائيا عن الإدارة الكولونيالية.
و جاء في كتاب "كلود بايا" ملف الجزائر السري :""وقعت الاسواق ضحية الدعاية المناهضة لفرنسا و لم ينج حتى الأطفال من تأثير نشاط ممثلي بلونيس إذ تأتي الشاحنة وقت القيلولة فتأخذهم إلى الساحة حيث يعلمون الأناشيد الوطنية و انشئت اللجان السياسية و الإدارية على غرار لجان جبهة التحرير الوطني و حسب تقرير الجنرال بارلانج الموجه الى عامل عمالة قسنطينة السيد موريس بابون فإن افراد الجيش الوطني للشعب الجزائري قد بدأو في الخامس جويلية 1957 في وضع ابهر السكان لا من حيث اللباس و السلاح و لا من حيث التنظيم و الإنضباط لقد ظهرو في هيئة الجيش النظامي يتقدمهم العلم الجزائري رمز الإستقلال"".
و كانت هذه النتائج الاولية للإتفاق المشار اليه انفا مصدر انزعاج تنظيمات الكولون و كثير من الضباط السامين في الجيش الفرنسي فاتحادية رؤساء البلديات اصدرت في شهر سبتمبر 1957 بيانا ترفض فيه الإعتراف بالجيش الوطني للشعب الجزائري و وزع الضباط منشورا جاء فيه على الخصوص : يجب الحذر من أمثال التجربة الرخيصة التي عرفناها في الهند الصينية و التي ما من شك ان الجنرال صالان مازال يذكرها.
لكن بلونيس لم يأبه بكل هذه التحرشات بل قابلها بمنشورات وزعت على نطاق واسع و كان أهمها بعنوان "نداء لجميع المكافحين من اجل تحرير وطننا العزيز الجزائر" و قد ختمه بما يلي "اننا نعاهدكم ايها الشهداء و انتم يا من تتألمون في السجون بأننا لن نتوقف عن القتال حتى تسترجع الجزائر استقلالها".
و يقول الجنرال بارلانج عندما كلفه روبار لاكوست بمهمة اعلامية حول الجيش الوطني للشعب الجزائري "ان بلونيس يهدف باستمرار الى توسيع منطقته و هو لا يهدف الى القضاء على جبهة التحرير الوطني بل يسعى الى الإحلال محلها بواسطة تركيز جهازه السياسي و الإداري السري من اجل القضاء على مظاهر الوجود الفرنسي.
و لم يكن هذا التحقيق بعيدا عن الصواب لان بلونيس شرع فعلا في بداية افريل 1958 يتفاوض مع جيش التحرير الوطني و يستعد للإلتحاق بتونس غير ان الجيش الاستعماري حال دون ذلك اذ حاصره في قصر الجيران مع نهاية شهر مايو و ضلت المعارك متواصلة بين الطرفين الى ان سقط شهيدا في مستهل شهر جويلية من نفس السنة .
من هذا المنطلق فإن الحكم بالخيانة على بلونيس ابعد ما يكون على الحقيقة صحيح ان الرجل كان مناهضا لجبهة التحرير الوطني و لكنه كان ينفذ تعليمات الحاج مصالي الذي كان يعتبر قادة جبهة التحرير مجموعة من المطرودين من الحزب بسبب تمردهم على سلطته و على الرغم من عدم الإعتراف بجبهة التحرير الوطني فإن الجيش الوطني للشعب الجزائري كان يضم في وحداته جزائريين حملو السلاح و طلبو الشهادة لتستعيد الجزائر حريتها و استقلالها .
و بعد استشهاد بلونيس فإن أعدادا كبيرة من جنود الجيش الوطني للشعب الجزائري و اطاراته قد التحقو بصفوف جيش التحرير الوطني منهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر ، و اذا كان لابد من محاكمة فإنها لن تكون عادلة إلا في إطار تقييم شامل لثورة نوفمبر في جميع مراحلها التي تتضمن المسار و الإعداد و النتائج عندها يوضع كل فعل في الميزان و ينظر الى صانعي التاريخ ليس كملائكة مطهرين و لكن كطلائع من البشر مؤمنة بقضية و مختصة في التعامل معها الى حد التضحية بالنفس و النفيس لكنها غير معصومة من الاخطاء التي يتحتم عرضها على الاجيال ليس كمقدمة و لكن لتوظيفها إيجابيا في عملية بناء المستقبل الأفضل.
المصدر ....محمد العربي الزبيري : "قراءة في كتاب عبد الناصر و ثورة الجزائر"
rostomistorik
2016-11-15, 20:48
التاريخ لا يرحم
vBulletin® v3.8.10 Release Candidate 2, Copyright ©2000-2025, TranZ by Almuhajir