أحلام سرمدية
2012-03-19, 12:39
السلام عليكم
بينما كنت اتجول كعادتي من مكان لاخر
اذ بناظري يقع على قصة تملا القلوب املا
و شجاعة هي قصة احداهن انسانة وقفت في وجه الحياة مرة ثم في وجه المرض
الخبيث عافانا الله واياكن
وتصدت له بكل ايمان وقوة
اترككم مع القصة في انتظار تعاليقكم
http://www.varbak.com/arabicphotos/صور-جميلة-ابتسامة-حزينة-nb6372.jpg
في الحقيقة حياتي كلها تجارب أكسبتني قوة و عزيمة و ثقة بالنفس لتحدي كل الصعاب و النجاح في حياتي.
منذ صغر سني تعودت على تحمل المسؤولية فإنا أكبر إخواني الثلاثة و المطلوب مني الاعتناء بهم و مساعدة أمي في شغل البيت و في نفس الوقت النجاح في الدراسة و أن أكون من المتميزين. و لا أنسى أبدا عقاب أمي لي حين تأخرت من الرتبة الأولى إلى الثانية في الخامس إبتدائي. لعلني لم استوعب آنذاك قسوة عقاب أمي لي فكل ما استوعبته هو أن أكون دائما من المميزين و ربما ذلك ما ساعدني على النجاح في دراستي و حياتي.
و أنا صغيرة كنت أسمع أمي تشتكي من أبي و من معاملته لها و إنفاقه لماله على ملذاته عوض إنفاقه علينا لكن كنت أصغر من أن استوعب أن والدأي يكرهان بعضهم كره العمى و أن علاقتهما ستنتهي بالطلاق و أنا على أبواب الثانوية العامة. المهم تطلق أبوأي و رحل أبي عن البيت لكن ترك ذكرى سيئة في نفسي و نفس اخواني فقد أخذ كل شيء من البيت و تركه سقفا و بلاطا إلا من أربعة أفواه صغيرة جوعى و أم لا مورد رزق لها. جعنا و أكلنا الخبز اليابس تعرينا و لبسنا المرقع و فضلات الغير و راجعنا دروسنا على ضوء الشموع لكن ذلك لم يفت عزيمتنا عن الدراسة و النجاح. و ما كان يشعرني بالفرح و الفخر اني كنت المثل الأعلى لإخوتي الصغار فكلما نجحت أنا زاد اجتهادهم و إصرارهم على النجاح أكثر.
و لقد كانت أمي و لازالت الشمعة التي كانت تحترق لتضيء طريقنا و لم تترك شغلا حتى و لو كان في نظر الآخرين مهينا إلا و اشتغلته لتصرف علينا و كان نجاحنا و إشادة الناس بأخلاقنا و نبوغنا هو الشيء الوحيد الذي يجعل عيون أمي الحزينة تلمع فرحا. و منها تعلمت الصبر و قوة الإرادة و أهم شيء العطاء بلا حدود.
و مرت الأيام بحلوها و مرها و كل ما أذكره من دراستي الجامعية انها كانت متعبة جدا لصعوبة التوفيق بين الشغل و الدراسة. و رغم ذلك أكملت دراستي و تحصلت على شهادتي و بعد جهد و بحث مضن تحصلت على شغل محترم براتب جيد و أخذت المشعل عن أمي و صرت رجل البيت بأتم معنى الكلمة.
و ما بين الدراسة الجامعية و الشغل كانت شخصيتي تزداد صلابة و كل ما ازدادت الصعاب كان اصراري على التحدي و النجاح أكثر.
و تصورت اني حققت أحلامي الصغيرة و الكبيرة بشراء بيتنا القديم (كنا مستأجرينه) و شراء شقة صغيرة جديدة و السفر إلى الأماكن اللي أحبها و إمتلاك مكتبة صغيرة بالبيت (كنت و لازلت مهووسة بحب قراءة الكتب).
كانت حياتي تسير عادية ما بين الشغل و البيت و الخروج أحيانا في إنتظار فارس الأحلام و لو إنه الزواج كان مسألة ثانوية بالنسبة لي و لم يكن من أولوياتي لكن إحساس الأمومة اللذي كان يسري في شراييني و عشقي للأطفال خلاني أفكر بجدية في الزواج. و حتى حلمي بالزواج لم تكن تتخلله صور زفة و فستان أبيض و زيطة و زوج وسيم أو ثري بل كانت الصورة المهيمنة على حلمي هو صورة بنوتة جميلة ذكية و متميزة بأخلاقها و دراستها و اسمها شهد هي بنتي انا.
كانت هناك تواريخ فارقة في حياتي لكن سنة 2010 بالتحديد كانت السنة التي قلبت حياتي 180 درجة.
في شهر 5 من 2010 صار معي حدث في الشغل خلاني أحزن حزن كبير كان احساسي بالظلم شديدا لدرجة اني فضلت أسبوع و انا أبكي و ما أنام و مقاطعة الطعام و الناس و كانت كل الحكاية ترقية في الشغل ما تحصلت عليها و كنت أرى نفسي الأجدر بها. و كلما تذكرت هذه الحادثة أضحك على نفسي و على تفاهتي لأن ما حصل لي بعد شهرين جعلني ارى الأمور بطريقة مغايرة تماما.
و أتى شهر 7 من 2010 كان يوم 2 من هذا الشهر يوما جميلا و مفرحا لكل العائلة فقد رزق أحد اخواني بولد جميل جدا سماه يوسف. و لكن في نفس ذلك الأسبوع تفطنت
ذهبت إلى طبيب و بعد الكشف علي أرسلني إلى طبيب آخر و معي رسالة مغلقة و كم كانت صدمتي كبيرة حين وصلت إلى عيادة الطبيب الثاني و قرات تحت إسمه "مختص في السرطان و جراحة الأورام" إلى درجة اني شعرت بالبرد رغم اننا كنا في عز الصيف. و محاولة مني لرفع معنوياتي تجنبت النظر إلى الوجوه المكفهرة و الحزينة التي امتلأت بها غرفة الإنتظار.
كان يوم 12/7 أطول يوم في حياتي ابتدآ من الساعة 8 صبح أول ما وصلت المصحة اللي راح اعمل فيها الصور و الماموغرافي و إنتهى الساعة 8 بالليل في عيادة طبيب الأورام. كان يوما طويلا متعبا شفت فيه كثير من الحالات و سمعت فيه قصص مرعبة و مفرحة و بطبعي المتفائل كنت حاطة حالي بين اللي قصصهم نهايتها حلوة و ورمهم طلع حميد. المهم لما رجعت لطبيب الأورام قالي لازمك جراحة مستعجلة.
و كانت من بين أصعب اللحظات هو إخبار أمي و أختي المسافرة في بعثة و اخواني بمرضي و اني راح اعمل عملية بعد يومين. للعلم اني طول مشوار الفحوصات ما أخبرت أحد و كنت وحيدة في مواجهة المجهول؛
و عملت عملية إستئصال الورم يوم 16/7 و بعد تحليله تبين إنه ورم خبيث و إنه الخلايا السرطانية انتشرت في ثديي.
يوم 30/7 دخلت غرفة العمليات مرة ثانية ليقوم الطبيب باستئصال كل الثدي و الغدد اللمفاوية و كان يوم عصيب الله لا يوريه لمسلم فبعد العملية جاءني الجميع مواسيا و دموعهم تسبقهم و بدل من أن العب دور المريضة المحتاجة إلى دعمهم وجدت نفسي آخذ دور المواسي و امسح بيد واثقة كل الدموع المتأثرة بمصابي و أرفع بكلام موزون و إبتسامة هادئة معنويات الزائرين لي من الأحبة و الأصدقاء (رجالا و نساء).
و رغم أن دموع أمي المنهمرة بغزارة كانت تنغرز في قلبي كالسكين إلا اني كنت متماسكة و كنت أخفف عنها بقولي "الحمدلله على كل شيء و كل ما يجي من عند الله مبروك" و "أيهما أهون لك: أن أخسر ثديا أو أن تخسريني؟؟" و الحمدلله إنه كلامي هذا خفف عن أمي بعد أن كانت على حافة الإنهيار.
أما انا فلم أبك إلا في إليوم الثالث بعد الإستئصال عندما قام الممرضون بتغيير الضمادات؛ بكيت بصمت و انا أرى صدري المشوه حتى اني أحسست أني أرى جسدا آخر غير جسدي و حتى جسدي كرهته في تلك اللحظة لإنه خذلني و ترك الخلايا السرطانية تدخله و تعشش فيه. و في تلك اللحظة أيضا وعيت أن ما حدث لي ليس كابوسا سأفيق منه بعد قليل بل حقيقة علي مواجهتها.
بعد الخروج من المصحة انطلقت في رحلة تحدي أخرى و هي العلاج الطبيعي ليدي اليمين بعد أن صارت شبه مشلولة بعد إزالة الغدد اللمفاوية من إباطي الأيمن و بفضل الله أولا و عزيمتي تمكنت من تحريكها ثانية بعد اسابيع من الألم و العذاب.
و مضت المرحلة السهلة من العلاج لأبدأ المرحلة الصعبة أو بالأحرى الأشد صعوبة في العلاج و هي العلاج الكيماوي و العلاج بالأشعة.
و لم أكن أعرف شيئا عن العلاج الكيماوي سوى إنه هناك إمكانية لسقوط شعري. لكن الطبيبة المختصة أعلمتني بالأثار الجانبية لهذا العلاج من غثيان وضعف عام للجسم و سقوط الشعر و تغير لون البشرة و الأظافر و تعب جسدي و نفسي. و بدأت العلاج بعد عملية جراحية ثالثة يوم 13/9 لتركيب جهاز صغير في رقبتي (موصول بالوريد) يمكنني من تلقي الجرعة الكيمياوية و أنا صابرة و مبتسمة طول الوقت حتى اني أحسست إنه المرضى اللي معي ودهم يصفقوني على روحي المرحة و ضحكاتي اللي كانت تملأ قاعة العلاج. رغم اني كنت أشعر بنفس الألم و اتعذب نفس عذابهم إلا أني اخترت التعامل مع مرضي بطريقة مختلفة فلن أكون عامل مساعدة لا لهذا المرض الخبيت و لا لهذه الجرعة الغبية التي تقتل كل الخلايا السرطانية منها و السليمة على هدم جسمي و القضاء على أملي في الحياة.
و رغم مرحي الظاهر فقد بكيت بكل حرقة و أنا أشاهد الخصلات الأولى من شعري الاسود الجميل تتساقط الواحدة تلو الأخرى ثم تمالكت نفسي و طلبت من أخي أن يجلب ماكينة الحلاقة و يحلق لي شعري علزيرو فأفضل لي أن اتعذب مرة واحدة عوض التعذب على مراحل و كان لي ما أردت و بعدها حسيت براحة كبيرة.
حتى اني ضحكت على نفسي و انا بالدوش بعد إن وضعت كمية كبيرة من كريم تسليك الشعر و انا ناسية إنه ما عاد عندي شعر أصلا.
المهم انتهت الجرعات ال-6 بعد ستة أشهر من التعب و الألم المشوب بالأمل و كادت الجرعة الأخيرة أن تودي بحياتي و رغم ذلك أصررت على اكمالها.
بعد شهر بدأت رحلة العلاج بالأشعة كانت أقل صعوبة و ألماً لكنها أتعبتني نفسيا. كان علي أن أخضع ل 25 حصة علاج بمعدل 5 حصص في الأسبوع. يا دوب خلصت الأسبوع الأول و تدهور الوضع الأمني في بلدي بسبب الثورة فأضطررت للإنقطاع مدة 10 ايام. و أول ما رجعت المصحة تشتغل اصريت اني إرجع للعلاج رغم انه في تلك الأيام كان مجرد انك تطل من الشباك مخاطرة في حد ذاتها. و كنت أمشي أميال في عتمة الصباح الباكر و عز البرد و في شوارع خالية حتى من القطط (كان عندنا حضر تجول و قناصة تصطاد في الناس الابرياء لبث الرعب في قلوب الناس) لحد ما ألاقي تاكسي يرضى يخاطر و ياخذني للمصحة.
و لم أحس و لو لثانية بالخوف بالعكس كنت أمشي بخطى ثابتة مؤمنة بقدري و كنت أجيب كل من يستغرب تصرفي و مجازفتي أن روحي لن تكون أغلى من أرواح الشهداء و أنا راضية بما قسمه الله لي سواء عشت أو مت بالسرطان أو برصاصة قناص. الشيء الوحيد اللذي كان يتعبني هو تقني الأشعة اللذي كان يتعامل مع المرضى بكل قسوة و طول الوقت و هو ينافخ علينا ويتأفف منا و كان يجي متأخر كل يوم و يخلينا نستناه أقل شيء ساعة و نصف في البرد.
و في نفس تلك الفترة العصيبة قررت أن استأنف شغلي في وقت كانت معظم الناس خايفة و قاعدة في بيوتها. و لعل شغلي في مجال حساس للدولة دفعني للعودة للشغل في تلك الفترة علني اساعد و لو بالقليل من الجهد و العمل في تضميد جراح وطني الصغير. في الحقيقة، لم أعرف مذاق الوطنية إلا في تلك الأيام و اكتشفت اني أحب بلادي كما لا يحبها أحد و مستعدة لأن افديها بروحي و رغم كل عيوبها أرى بلادي أجمل البلدان و أحلاها و أكيد بساعدي و سواعد كل ابنائها ستكون أحلى و أقوى.
و بعد شهرين من العذاب إنتهى مشوار الأشعة و ابتديت مرحلة العلاج الهرموني و لسة مواصلة فيها لمدة 5 سنوات عديت منهم 11 شهر.
و في شهر 5 من هذه السنة و اثر فحص دوري بالأشعة إكتشف طبيبي أنا حجم البويضة غير طبيعي و خضعت بصفة عاجلة لعملية جراحية رابعة ليتم إستئصال 3 أورام من البويضة اليمنى طلعت حميدة و لله الحمد و الشكر.
و ها أنا ذا أعيش حياة عادية اشتغل و أخرج مع اصدقائي وأنشط في جمعية تعنى بمرضها السرطان و أمارس الرياضة التي كانت عدوي اللدود و أحاول الاستمتاع بكل لحظة في حياتي و اذهب لفحوصاتي الدورية و أحاول قدر الإمكان دعم و رفع معنويات مرضى السرطان الذين أقابلهم في حياتي العادية أو في الجمعية أو في المصحة.
أكيد تتملكني لحظات خوف و ضعف لكن إيماني بربي وبالقضاء والقدر يجعلني اتجاوز هذه اللحظات و أقبل على الحياة من جديد إذ كنت و لازلت اعتبر مرضي رسالة حب من الله و تكفيرا عن ذنوبي.
http://t2.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQ0uVee71soGj3Luhm3YkR0VpJOjatRi lnAbQhNWsrFerJynQ3cmXv-CfzR
حلم
بينما كنت اتجول كعادتي من مكان لاخر
اذ بناظري يقع على قصة تملا القلوب املا
و شجاعة هي قصة احداهن انسانة وقفت في وجه الحياة مرة ثم في وجه المرض
الخبيث عافانا الله واياكن
وتصدت له بكل ايمان وقوة
اترككم مع القصة في انتظار تعاليقكم
http://www.varbak.com/arabicphotos/صور-جميلة-ابتسامة-حزينة-nb6372.jpg
في الحقيقة حياتي كلها تجارب أكسبتني قوة و عزيمة و ثقة بالنفس لتحدي كل الصعاب و النجاح في حياتي.
منذ صغر سني تعودت على تحمل المسؤولية فإنا أكبر إخواني الثلاثة و المطلوب مني الاعتناء بهم و مساعدة أمي في شغل البيت و في نفس الوقت النجاح في الدراسة و أن أكون من المتميزين. و لا أنسى أبدا عقاب أمي لي حين تأخرت من الرتبة الأولى إلى الثانية في الخامس إبتدائي. لعلني لم استوعب آنذاك قسوة عقاب أمي لي فكل ما استوعبته هو أن أكون دائما من المميزين و ربما ذلك ما ساعدني على النجاح في دراستي و حياتي.
و أنا صغيرة كنت أسمع أمي تشتكي من أبي و من معاملته لها و إنفاقه لماله على ملذاته عوض إنفاقه علينا لكن كنت أصغر من أن استوعب أن والدأي يكرهان بعضهم كره العمى و أن علاقتهما ستنتهي بالطلاق و أنا على أبواب الثانوية العامة. المهم تطلق أبوأي و رحل أبي عن البيت لكن ترك ذكرى سيئة في نفسي و نفس اخواني فقد أخذ كل شيء من البيت و تركه سقفا و بلاطا إلا من أربعة أفواه صغيرة جوعى و أم لا مورد رزق لها. جعنا و أكلنا الخبز اليابس تعرينا و لبسنا المرقع و فضلات الغير و راجعنا دروسنا على ضوء الشموع لكن ذلك لم يفت عزيمتنا عن الدراسة و النجاح. و ما كان يشعرني بالفرح و الفخر اني كنت المثل الأعلى لإخوتي الصغار فكلما نجحت أنا زاد اجتهادهم و إصرارهم على النجاح أكثر.
و لقد كانت أمي و لازالت الشمعة التي كانت تحترق لتضيء طريقنا و لم تترك شغلا حتى و لو كان في نظر الآخرين مهينا إلا و اشتغلته لتصرف علينا و كان نجاحنا و إشادة الناس بأخلاقنا و نبوغنا هو الشيء الوحيد الذي يجعل عيون أمي الحزينة تلمع فرحا. و منها تعلمت الصبر و قوة الإرادة و أهم شيء العطاء بلا حدود.
و مرت الأيام بحلوها و مرها و كل ما أذكره من دراستي الجامعية انها كانت متعبة جدا لصعوبة التوفيق بين الشغل و الدراسة. و رغم ذلك أكملت دراستي و تحصلت على شهادتي و بعد جهد و بحث مضن تحصلت على شغل محترم براتب جيد و أخذت المشعل عن أمي و صرت رجل البيت بأتم معنى الكلمة.
و ما بين الدراسة الجامعية و الشغل كانت شخصيتي تزداد صلابة و كل ما ازدادت الصعاب كان اصراري على التحدي و النجاح أكثر.
و تصورت اني حققت أحلامي الصغيرة و الكبيرة بشراء بيتنا القديم (كنا مستأجرينه) و شراء شقة صغيرة جديدة و السفر إلى الأماكن اللي أحبها و إمتلاك مكتبة صغيرة بالبيت (كنت و لازلت مهووسة بحب قراءة الكتب).
كانت حياتي تسير عادية ما بين الشغل و البيت و الخروج أحيانا في إنتظار فارس الأحلام و لو إنه الزواج كان مسألة ثانوية بالنسبة لي و لم يكن من أولوياتي لكن إحساس الأمومة اللذي كان يسري في شراييني و عشقي للأطفال خلاني أفكر بجدية في الزواج. و حتى حلمي بالزواج لم تكن تتخلله صور زفة و فستان أبيض و زيطة و زوج وسيم أو ثري بل كانت الصورة المهيمنة على حلمي هو صورة بنوتة جميلة ذكية و متميزة بأخلاقها و دراستها و اسمها شهد هي بنتي انا.
كانت هناك تواريخ فارقة في حياتي لكن سنة 2010 بالتحديد كانت السنة التي قلبت حياتي 180 درجة.
في شهر 5 من 2010 صار معي حدث في الشغل خلاني أحزن حزن كبير كان احساسي بالظلم شديدا لدرجة اني فضلت أسبوع و انا أبكي و ما أنام و مقاطعة الطعام و الناس و كانت كل الحكاية ترقية في الشغل ما تحصلت عليها و كنت أرى نفسي الأجدر بها. و كلما تذكرت هذه الحادثة أضحك على نفسي و على تفاهتي لأن ما حصل لي بعد شهرين جعلني ارى الأمور بطريقة مغايرة تماما.
و أتى شهر 7 من 2010 كان يوم 2 من هذا الشهر يوما جميلا و مفرحا لكل العائلة فقد رزق أحد اخواني بولد جميل جدا سماه يوسف. و لكن في نفس ذلك الأسبوع تفطنت
ذهبت إلى طبيب و بعد الكشف علي أرسلني إلى طبيب آخر و معي رسالة مغلقة و كم كانت صدمتي كبيرة حين وصلت إلى عيادة الطبيب الثاني و قرات تحت إسمه "مختص في السرطان و جراحة الأورام" إلى درجة اني شعرت بالبرد رغم اننا كنا في عز الصيف. و محاولة مني لرفع معنوياتي تجنبت النظر إلى الوجوه المكفهرة و الحزينة التي امتلأت بها غرفة الإنتظار.
كان يوم 12/7 أطول يوم في حياتي ابتدآ من الساعة 8 صبح أول ما وصلت المصحة اللي راح اعمل فيها الصور و الماموغرافي و إنتهى الساعة 8 بالليل في عيادة طبيب الأورام. كان يوما طويلا متعبا شفت فيه كثير من الحالات و سمعت فيه قصص مرعبة و مفرحة و بطبعي المتفائل كنت حاطة حالي بين اللي قصصهم نهايتها حلوة و ورمهم طلع حميد. المهم لما رجعت لطبيب الأورام قالي لازمك جراحة مستعجلة.
و كانت من بين أصعب اللحظات هو إخبار أمي و أختي المسافرة في بعثة و اخواني بمرضي و اني راح اعمل عملية بعد يومين. للعلم اني طول مشوار الفحوصات ما أخبرت أحد و كنت وحيدة في مواجهة المجهول؛
و عملت عملية إستئصال الورم يوم 16/7 و بعد تحليله تبين إنه ورم خبيث و إنه الخلايا السرطانية انتشرت في ثديي.
يوم 30/7 دخلت غرفة العمليات مرة ثانية ليقوم الطبيب باستئصال كل الثدي و الغدد اللمفاوية و كان يوم عصيب الله لا يوريه لمسلم فبعد العملية جاءني الجميع مواسيا و دموعهم تسبقهم و بدل من أن العب دور المريضة المحتاجة إلى دعمهم وجدت نفسي آخذ دور المواسي و امسح بيد واثقة كل الدموع المتأثرة بمصابي و أرفع بكلام موزون و إبتسامة هادئة معنويات الزائرين لي من الأحبة و الأصدقاء (رجالا و نساء).
و رغم أن دموع أمي المنهمرة بغزارة كانت تنغرز في قلبي كالسكين إلا اني كنت متماسكة و كنت أخفف عنها بقولي "الحمدلله على كل شيء و كل ما يجي من عند الله مبروك" و "أيهما أهون لك: أن أخسر ثديا أو أن تخسريني؟؟" و الحمدلله إنه كلامي هذا خفف عن أمي بعد أن كانت على حافة الإنهيار.
أما انا فلم أبك إلا في إليوم الثالث بعد الإستئصال عندما قام الممرضون بتغيير الضمادات؛ بكيت بصمت و انا أرى صدري المشوه حتى اني أحسست أني أرى جسدا آخر غير جسدي و حتى جسدي كرهته في تلك اللحظة لإنه خذلني و ترك الخلايا السرطانية تدخله و تعشش فيه. و في تلك اللحظة أيضا وعيت أن ما حدث لي ليس كابوسا سأفيق منه بعد قليل بل حقيقة علي مواجهتها.
بعد الخروج من المصحة انطلقت في رحلة تحدي أخرى و هي العلاج الطبيعي ليدي اليمين بعد أن صارت شبه مشلولة بعد إزالة الغدد اللمفاوية من إباطي الأيمن و بفضل الله أولا و عزيمتي تمكنت من تحريكها ثانية بعد اسابيع من الألم و العذاب.
و مضت المرحلة السهلة من العلاج لأبدأ المرحلة الصعبة أو بالأحرى الأشد صعوبة في العلاج و هي العلاج الكيماوي و العلاج بالأشعة.
و لم أكن أعرف شيئا عن العلاج الكيماوي سوى إنه هناك إمكانية لسقوط شعري. لكن الطبيبة المختصة أعلمتني بالأثار الجانبية لهذا العلاج من غثيان وضعف عام للجسم و سقوط الشعر و تغير لون البشرة و الأظافر و تعب جسدي و نفسي. و بدأت العلاج بعد عملية جراحية ثالثة يوم 13/9 لتركيب جهاز صغير في رقبتي (موصول بالوريد) يمكنني من تلقي الجرعة الكيمياوية و أنا صابرة و مبتسمة طول الوقت حتى اني أحسست إنه المرضى اللي معي ودهم يصفقوني على روحي المرحة و ضحكاتي اللي كانت تملأ قاعة العلاج. رغم اني كنت أشعر بنفس الألم و اتعذب نفس عذابهم إلا أني اخترت التعامل مع مرضي بطريقة مختلفة فلن أكون عامل مساعدة لا لهذا المرض الخبيت و لا لهذه الجرعة الغبية التي تقتل كل الخلايا السرطانية منها و السليمة على هدم جسمي و القضاء على أملي في الحياة.
و رغم مرحي الظاهر فقد بكيت بكل حرقة و أنا أشاهد الخصلات الأولى من شعري الاسود الجميل تتساقط الواحدة تلو الأخرى ثم تمالكت نفسي و طلبت من أخي أن يجلب ماكينة الحلاقة و يحلق لي شعري علزيرو فأفضل لي أن اتعذب مرة واحدة عوض التعذب على مراحل و كان لي ما أردت و بعدها حسيت براحة كبيرة.
حتى اني ضحكت على نفسي و انا بالدوش بعد إن وضعت كمية كبيرة من كريم تسليك الشعر و انا ناسية إنه ما عاد عندي شعر أصلا.
المهم انتهت الجرعات ال-6 بعد ستة أشهر من التعب و الألم المشوب بالأمل و كادت الجرعة الأخيرة أن تودي بحياتي و رغم ذلك أصررت على اكمالها.
بعد شهر بدأت رحلة العلاج بالأشعة كانت أقل صعوبة و ألماً لكنها أتعبتني نفسيا. كان علي أن أخضع ل 25 حصة علاج بمعدل 5 حصص في الأسبوع. يا دوب خلصت الأسبوع الأول و تدهور الوضع الأمني في بلدي بسبب الثورة فأضطررت للإنقطاع مدة 10 ايام. و أول ما رجعت المصحة تشتغل اصريت اني إرجع للعلاج رغم انه في تلك الأيام كان مجرد انك تطل من الشباك مخاطرة في حد ذاتها. و كنت أمشي أميال في عتمة الصباح الباكر و عز البرد و في شوارع خالية حتى من القطط (كان عندنا حضر تجول و قناصة تصطاد في الناس الابرياء لبث الرعب في قلوب الناس) لحد ما ألاقي تاكسي يرضى يخاطر و ياخذني للمصحة.
و لم أحس و لو لثانية بالخوف بالعكس كنت أمشي بخطى ثابتة مؤمنة بقدري و كنت أجيب كل من يستغرب تصرفي و مجازفتي أن روحي لن تكون أغلى من أرواح الشهداء و أنا راضية بما قسمه الله لي سواء عشت أو مت بالسرطان أو برصاصة قناص. الشيء الوحيد اللذي كان يتعبني هو تقني الأشعة اللذي كان يتعامل مع المرضى بكل قسوة و طول الوقت و هو ينافخ علينا ويتأفف منا و كان يجي متأخر كل يوم و يخلينا نستناه أقل شيء ساعة و نصف في البرد.
و في نفس تلك الفترة العصيبة قررت أن استأنف شغلي في وقت كانت معظم الناس خايفة و قاعدة في بيوتها. و لعل شغلي في مجال حساس للدولة دفعني للعودة للشغل في تلك الفترة علني اساعد و لو بالقليل من الجهد و العمل في تضميد جراح وطني الصغير. في الحقيقة، لم أعرف مذاق الوطنية إلا في تلك الأيام و اكتشفت اني أحب بلادي كما لا يحبها أحد و مستعدة لأن افديها بروحي و رغم كل عيوبها أرى بلادي أجمل البلدان و أحلاها و أكيد بساعدي و سواعد كل ابنائها ستكون أحلى و أقوى.
و بعد شهرين من العذاب إنتهى مشوار الأشعة و ابتديت مرحلة العلاج الهرموني و لسة مواصلة فيها لمدة 5 سنوات عديت منهم 11 شهر.
و في شهر 5 من هذه السنة و اثر فحص دوري بالأشعة إكتشف طبيبي أنا حجم البويضة غير طبيعي و خضعت بصفة عاجلة لعملية جراحية رابعة ليتم إستئصال 3 أورام من البويضة اليمنى طلعت حميدة و لله الحمد و الشكر.
و ها أنا ذا أعيش حياة عادية اشتغل و أخرج مع اصدقائي وأنشط في جمعية تعنى بمرضها السرطان و أمارس الرياضة التي كانت عدوي اللدود و أحاول الاستمتاع بكل لحظة في حياتي و اذهب لفحوصاتي الدورية و أحاول قدر الإمكان دعم و رفع معنويات مرضى السرطان الذين أقابلهم في حياتي العادية أو في الجمعية أو في المصحة.
أكيد تتملكني لحظات خوف و ضعف لكن إيماني بربي وبالقضاء والقدر يجعلني اتجاوز هذه اللحظات و أقبل على الحياة من جديد إذ كنت و لازلت اعتبر مرضي رسالة حب من الله و تكفيرا عن ذنوبي.
http://t2.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQ0uVee71soGj3Luhm3YkR0VpJOjatRi lnAbQhNWsrFerJynQ3cmXv-CfzR
حلم