مشاهدة النسخة كاملة : شبهات الطاعنين في العلماء وتفنيدها لاحمد بازمول
ميمونة 25
2008-12-30, 19:50
الطعن الأول
أن العلماء كفار ؛ لأنهم يظاهرون المشركين ويوالونهم
ومعنى هذا الطعن :
أن العلماء الذين أصدروا فتاوى تبين حرمة وبطلان ما يفعله أهل البدع من التفجير والاعتداء على الأبرياء قد كفروا ؛ لأنهم يناصرون ويدافعون عن الكفار .
وهذا الطعن باطل من وجوه :
الوجه الأول :
أن الفتاوى التي صدرت من العلماء مبنية على الدليل من الكتاب السنة وفهم سلف الأمة وليست على الهوى .
والوجه الثاني :
أنهم في فتاواهم المبنية على الاجتهاد إن أصابوا فلهم أجران ، وإن أخطؤا فلهم أجر واحد كما صح بذلك الخبر .
والوجه الثالث :
أننا – بحمد الله تعالى - لم نقف لهم على فتوى فيها مظاهرة الكفار فضلاً عن موالاتهم . ومن ادعى أنهم فعلوا ذلك فليأتنا بفتوى واحدة فقط تصدق زعمه .
والوجه الرابع :
أن هذا القول صادرٌ من أناس غير معروفين بالعلم ولا بسلامة المنهج والمعتقد ، فكيف يقبل جرحهم لمن جاوز القنطرة .
فقد سئل الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله تعالى - :
كثر في هذه الفترة السب والطعن في العلماء الكبار والحكم عليهم بالفسق والكفر خاصة بعد صدور الفتاوى في التفجيرات وأن عند علمائنا ضعف في الولاء والبراء ! فأرجو أن توجهوا لنا نصيحة في الكلام في هذا الموضوع ؟ وما حكم الرد على القائل بهذا ؟
فأجاب - حفظه الله تعالى - :
الواجب على الجاهل أن لا يتكلم وأن يسكت ويخاف الله - عز وجل – ولا يتكلم بغير علم قال تعالى ] قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ "
فلا يجوز للجاهل أن يتكلم في مسائل العلم ، ولا سيما المسائل الكبار مثل التكفير والجهاد والولاء والبراء .
وأما النميمة والغيبة والوقيعة في أعراض ولاة الأمر والوقيعة في أعراض العلماء فهذه أشد أنواع الغيبة ، وهذا أمر لا يجوز .
وأما مسألة الأحداث التي حدثت والتي تحدث وأمثالها فهي من شؤون أهل الحل والعقد هم الذين يتباحثون فيها ويتشاورون فيها ، ومن شأن العلماء أن يبينوا حكمها الشرعي ،
وأما عامة الناس والعوام وأما الطلبة المبتدؤن ليس هذا من شؤونهم قال الله عز وجل ] وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً[
فالواجب إمساك اللسان في القول في مثل هذه المسائل لا سيما في التكفير والولاء والبراء .
والإنسان في الغالب جاهل بتطبيقه قد يطبقه خطأ ويحكم على الناس بالضلال والكفر ويرجع حكمه عليه ؛ لأن الإنسان إذا قال لأخيه : يا كافر ، يا فاسق ، وهو ليس كذلك رجع ذلك عليه – والعياذ بالله – الأمر خطير جداً وعلى الذي يخاف الله عز وجل أن يمسك لسانه إلا من كان ممن وكل إليه الأمر وهو من ولاة الأمر أو العلماء فهذا لا بد أن يبحث في هذا الأمر ويتحرى الحل ، أما إذا كان من عامة الناس ومن صغار طلبة العلم ؛ فليس له الحق أن يصدر الأحكام على الناس ، ويقع في أعراض الناس وهو جاهل ويغتاب ويتكلم في التكفير والتفسيق وغير ذلك هذا يضر المتكلم به .
على المسلم أن يمسك لسانه وأن لا يتكلف ما لا يعنيه وعليه بالدعاء للمسلمين بالنصر والدعاء على الكفار بالعقوبة هذا من حقك وواجب عليك أما أن تتناول الأحكام الشرعية وتخطئ وتتكلم في أعراض ولاة الأمر والعلماء وتحكم عليهم بالكفر أو الضلال فهذا خطر عظيم عليك أنت يا أيها المتكلم وأما هم لا يضرهم كلامك فيهم ،
والله أعلم.
والوجه الخامس :
أن تكفير العلماء إنما يصدر من الخوارج وأمثالهم من التكفيريين ،
سئل الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله تعالى - :
هناك من يقول : إن ولاة الأمر والعلماء في هذه البلاد قد عطلوا الجهاد وهذا الأمر كفر بالله !! فما هو رأيكم في كلامه ؟
فأجاب - حفظه الله تعالى - :
هذا كلام جاهل يدل على أنه ما عنده بصيرة ولا علم وأنه يكفر الناس ، وهذا رأي الخوارج ، هم يدورون على رأي الخوارج والمعتزلة - نسأل الله العافية – لكن ما نسئ الظن بهم نقول هؤلاء جهال ، يجب عليهم أن يتعلموا قبل أن يتكلموا ، أما إن كان عندهم علم ويقولون بهذا القول ، فهذا رأي الخوارج وأهل الضلال.
وقد سئل الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله تعالى -
السؤال التالي : أجلس مع بعض الناس ويقولون : إن العلماء الكبار كفار ؛ لأنهم يظاهرون المشركين ويوالونهم ، ويعلمون هذا لصغار السن ويربونهم عليه ، لا سيما بعد صدور الفتاوى في تحريم التفجيرات في بلاد الكفار ؟
فأجاب - حفظه الله تعالى - :
أولاً : الواجب على كل مؤمن بالله - جل وعلا – ويرجو لقاءه ويخشى لقاءه : أن يحذر أتم الحذر أن يقول بلا علم ، وأن يجترئ على ما ليس له به حجة ، سيما في مسائل الاعتقاد ، ومسائل الإيمان والتكفير ، ومسائل الحلال والحرام ، وإذا كان في الحلال والحرام قال الله جل وعلا : ] وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ . مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[ .
هذا فيما يقوله بعض من ليس له حجة بلفظ هذا حلال وهذا حرام وليس عنده بينة ، وجميع مسائل القول على الله بلا علم - في مسائل العمليات والفقهيات ، ومسائل العقيدة وهي أشد - : تدخل في هذا السبيل ، ولهذا حرَّم الله - جل وعلا- أن يقفو المرء ما ليس له به علم ، وأن يقول ما ليس له به علم كما قال جل وعلا : ] وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ[ . وقال : ] وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً[ وفي الحديث :"من أفتى بفتيا من غير ثبت فإنما إثمه على من أفتاه".
ومن أعظم ما وقع في الأمة من الانحراف عن الحق وتكفير المسلم الذي ثبت إسلامه ، وعدم الاستبيان منه ، وهذا كان له بوادر في زمن الصحابة ، في زمن النبيr ، فعلمنا النبيr كيف تعالج هذه البوادر ، كيف ينظر في هذا الأمر .
فهذا عمرt قال في شأن حاطبt : يا رسول الله ، دعني أضرب عنق هذا المنافق ، فقال النبيr : يا عمر ، أرسله ثم ألتفت إلى حاطب وقال :"يا حاطب ما حملك على هذا ؟ فأجاب بجوابه المعروف
وأسامة بن زيد – رضي الله عنهما – لما قتل رجلاً يقول : لا إله إلا الله ، فقال له النبيr :"أقتلته بعد أن قال : لا إله إلا الله ؟ قال : يا رسول الله ، إنما قالها تعوذاً ، قال :"فما تفعل بلا إله إلا الله ". وهذا فيه النكير على عدم قبول أسامة إسلام الرجل بقول لا إله إلا الله .
واعترض معترض على النبي في قسمته المال ، لما قسم المال بعد إحدى الغزوات فقال : يا رسول الله ، اعدل . فقال رسول الله :" ويحك من يعدل إذا لم أعدل ؟ فأعطاه النبي مالاً كثيراً ، ثم قال :"يخرج من ضئضئ هذا أقوام يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم ، وصيامه مع صيامهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية"، وهم الخوارج .
وفي عهد عثمان ظهر هؤلاء الخوارج ، وكان أساس انحرافهم هو نظرهم في أن الوالي أو أمير المؤمنين لم يقم بما أوجب الله عليه ، فمنهم من كفره ، ومنهم من أوجب قتله ، حتى قتل بسبب تصرفاته كما يزعمون ! وكفروا طائفة أيضاً في ذلك الزمان حتى قام علي وحصل منه ما حصل بالنسبة لهم ثم كفروه ، وسار إليهم ابن عباس وكانوا نحواً من مائة وعشرين ألفاً ووعظهم وحاجهم ،
وكان أساس كلامهم في مسألتين :
في مسألة : الحكم بما أنزل ، وتحكيم الرجال في كتاب الله جل وعلا .
في مسألة : تكفير من ارتكب المعصية .
ومنهم رجع بعد نقاش ابن عباس لهم ، ومنهم من لم يرجع ، واستمر ذلك في الأمة ، فعثمان كفر ، وعلي كفر ، وهكذا سادات الأمة كفرهم معارضوهم بسبب أو آخر .
والتكفير معناه :
الحكم بالخروج من الدين ، الحكم بالردة .والحكم بالردة على مسلم ثبت إسلامه لا يجوز إلا بدليل شرعي يقيني بمثل اليقين الذي حصل بدخوله في الإيمان ، والأصل في ذلك قول الله جل وعلا في سورة براءة في ذكر المنافقين ] وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِم[ وفي آية أخرى ] قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ[ ،وفي آية سورة آل عمران قال الله جل وعلا ] إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً[ ، ونحو ذلك في أن المؤمن أو من أسلم أو آمن قد يخرج من الدين ، ولكن ضبطها أهل السنة والجماعة بضوابط كثيرة معلومة ، ثم إن أهل السنة يفرقون بين الكلام على الفعل والقول والعمل بأنه كفر ، وقيام هذا العمل بمكلف هل هو يخرج به من الدين أم لا ؟ لأن المكلف قد يكون جاهلاً ببعض المسائل ، وقد يكون متأولاً ، وقد يكون لم تبلغه الحجة التي يصير بها قد قامت عليه الحجة ، وقد يكون معذوراً وقد لا يكون ، وهذه تحتاج إلى إقامة شروط وانتفاء موانع .
فأهل السنة وسطٌ في هذا الباب بين :
الخوارج : الذين يكفرون بالذنب ، ويكفرون بمطلق الحكم بغير ما أنزل الله ، وبمطلق الموالاة للكفار ونحو ذلك وأشباهه .
وما بين : المرجئة : الذين لا يرون من ثبت إيمانه أنه يخرج من الإيمان بفعل أو بقول أو باعتقاد .
وأهل السنة : بين هذا وهذا ، ويقولون : إن من ثبت إيمانه بيقين لا يجوز أن يخرج من هذا الإيمان إلا بحجة وظهور الشروط وانتفاء الموانع .
فإذا كان كذلك فإن الذي يقيم الحجة وينظر في الشروط والموانع هو المؤهل لها شرعاً ، وهم القضاة الذين عندهم معرفة بما فيه التأويل وما ليس فيه التأويل ، وما يكون من أحوال الناس ، وبعض طلبة العلم قد لا يحسن منه الدخول في هذا ؛ لعدم معرفته بوسائل الإثبات والبينات ، وما يحصل به إثبات الشيء من عدمه شرعاً ، ومسائل القضاء هي التي تترتب عليها الأحكام ، وهذه تحتاج فيها إلى حكم قاضي يثبت فيه الكفر على المعين ؛ لأنه إذا ثبت الكفر على معين فإنها ستترتب آثار الردة عليه وهي كثيرة .
إذا تبين هذا ، فإن أعظم من يحذر من النيل من إيمانه والنيل من صحة إسلامه وصحة اعتقاده هم علماء أهل السنة والجماعة ، القائمون بأمر الله ، فالعلماء المسلمون عموماً هم القائمون بأمر الديانة وهم الذين يؤخذ عنهم الدين وهم الذين يبصرون الناس بالحق من غيره ، ومن توجه إليهم بالتكفير فأول ما يتجه له قول النبي:" من قال لأخيه : يا كافر فقد باء بها أحدهما".
ولا بد إما أن يبوء بها القائل أو يبوء بها الآخر ، هذا خطر عظيم على قائل تلك الكلمة ، خطر عظيم جداً على دينه ؛ لأنه إما أن يكون الآخر كما قال ، وإما أن ترجع عليه بهذا الحكم ، وهذا يوجب الحذر الشديد من مثل هذه الكلمة .
والعلماء - لا شك – أن عندهم من البصر بالشريعة والبصر بالكتاب والسنة والدلائل الشرعية ما يجعلهم ينظرون في المسائل نظراً واسعاً ،
المسائل الشرعية في فقهها مبنية على مقدمتين :
أما المقدمة الأولى فهي : ورود الدليل ، وهو محل الاستدلال ، وهو ورود الدليل من الكتاب أو من السنة على المسألة التي فيها التنازع ، ثم فهم هذا الدليل – يعني هذه في المقدمة الأولى – وفهم الدليل من قبلهم فهماً يجعل عندهم ظهور بأن معنى هذه الآية هو كذا ، معنى هذا الحديث هو كذا .
والمقدمة الثانية : أن يكون هناك تحقيق للمناط في تنزيل هذا الحكم على هذا الدليل ، أو في إلحاق هذه المسألة بالدليل ليؤخذ منه الحكم .
وكثير من طلبة العلم قد يعلم الأولى لكن لا يعلم الثانية ، وهي :
فقه تنزيل النازلة على وجه الدليل لينظر فيها بالحكم .
هذا يقتضي أن يقي طالب العلم نفسه في أنه ينظر إلى تبرئة ذمته بأن يجعل كلام أهل العلم الذين اجتمعوا على قول ما أن يجعله مانعاً له من أن يخوض في المسألة بغير علم ؛ لأن المرء ينظر إلى أنه إذا خالفه واحد ممن هو أعلم منه قد يشك في ما اتجه إليه فكيف إذا كان جمع كبير من علماء المسلمين أو من العلماء الربانيين ينظرون إلى هذا الأمر ويخالفونه أو يقولون فيه بقول .
لهذا فالقول – أي ما ذكره السائل بقوله : إن العلماء الكبار كفار ؛ لأنهم يظاهرون المشركين – هذا من الخطر العظيم من أن يقول قائل بمثل هذه الكلمة :
لأن العلماء الكبار يبينون الحق ، كما كان الصحابة – رضوان الله عليهم - في زمن الخوارج يبينون الحق ، وإذا اتهمهم أحد أو رماهم بالكفر لأجل تبيينهم الحق فلا يعني أن رمي هذا الرامي أنه موافق للصواب ، بل جنايته على نفسه ، ويجب أن يؤخذ على يده ، وأن يعزر تعزيراً بليغاً من قبل القضاة بما يحجزه عن ذلك ، ولما فات التعزير الشرعي في مثل هذه المسائل كثر القول ، وكثر الخوض فيها وقد كان القضاة فيما مضى يعزرون في قول المسلم لأخيه : يا كلب ! أو يا كذا ! بما فيه انتقاص له! فكيف إذا كان فيه رمي بمثل هذا الرمي العظيم الذي لا يجوز لمسلم يخشى الله أن يتفوه به ، فضلاً على أنه يعتقده .
والواجب علينا جميعاً أن نحذر ونتنبه للحق وأن نتواصى به ، وأن نكون حافظين لألسنتنا من الوقوع في ورثة الأنبياء وهم العلماء ، ولقد أحسن ابن عساكر – رحمه الله – إذ قال في فاتحة كتابه "تبيين كذب المفتري" قال : (ولحوم العلماء مسمومة ، وعادة الله في منتقصهم معلومة) . وهذا ظاهر بين ، والتجربة تدل عليه ، ورؤية الواقع تدل عليه .
وقانا الله وإياكم من زلل الأقوال ، ومن زلل الأعمال ، وسوء المعتقدات ، وهدى ضال المسلمين ، وبصرنا وإياهم بالحق.
يتبع
ميمونة 25
2008-12-30, 20:04
الطعن الثاني
أن العلماء مضغوط عليهم من الحكام
ومعنى هذا الطعن : أنَّ العلماء يفتون في بعض المسائل بخلاف ما دل عليه الدليل تعمداً ، والسبب في ذلك - عندهم - أنَّ ولي الأمر يضغط عليهم في إصدار هذه الفتاوى .
وهذا الطعن باطل من وجوه :
الوجه الأول :
أنه يلزم من هذا القول أن العلماء يَتَقَوَّلُون على الله عز وجل وعلى رسوله حين يقولون : الحكم كذا وكذا لقوله تعالى كذا ولقوله كذا .
فهل يقول عاقل : إنَّ هؤلاء العلماء الربانيين يفعلون هذا ؟ هذا لا يُظَنُّ بمسلم من عامة الناس فكيف بأهل العلم ورثة الأنبياء . وإن كنا لا ندعي العصمة لهم ولكن اتهام العلماء الأبرياء بلا حجة وبرهان لا يقره الشرع المطهر .
والوجه الثاني :
أنَّ هذه الدولة السعودية تحكم بكتاب الله وسنة رسول الله في جميع شئونها ، وهذا من فضل الله عليهم وعلينا ، فكيف تضغط على العلماء في إصدار الفتاوى ، بل هذا يخالف الواقع ؛ إذ أن المعروف والمشاهد أن العلماء يصدرون الفتاوى على حسب ما يدل عليه الدليل من القرآن والسنة دون تقيد بمذهب معين .
ونطالب كل من يدعي أن العلماء مضغوط عليهم من ولاة الأمر أن يذكروا مثالاً واحداً أفتى فيه أهل العلم بسبب الضغط عليهم ،ولكن هيهات ،هيهات .
وقدسئل الشيخ الفوزان – حفظه الله تعالى - :
قبل فترة وزع شريط ، والشريط يتكلم فيه أحد قواد إحدى الجماعات في الأردن ، يتكلم عن هيئة كبار العلماء - عندنا في البلاد السعودية - والشريط فيه نوع خبيث ، الذم فيما يشبه المدح يتكلم ويمدح أهل العلم عندنا ، ويقول أما ما يوجد عندهم من أخطاء في بعض الفتاوى فإنما صدرت بسبب الطغوطات من ولاة الأمر في تلك البلاد والشريط وزع فلعلكم تلقون الضوء حول هذا ؟
فأجاب – حفظه الله تعالى - :
الحمد لله أنه اعترف بالحق وبين فضل هؤلاء العلماء . أما قوله : أنهم يفتـون بسبب ضغوطـات فهو قول باطل وعلماء هذه البلاد - ولله الحمد - هم أبعد الناس عن المجاملات فهم يفتون بما يظهر لهم أنه هو الحق . وهذه فتاواهم موجودة - ولله الحمد - ومدونة وأشرطتهم موجودة ، فليأتنا هذا المتكلم بفتوى واحدة تعمدوا فيها الخطأ بموجب ضغط وأنهم أجبروا على هذا الشيء . أما الكلام والدعاوى واتهام الناس فهذا لا يعجز عنه أحد كل يقوله لكن الكلام في الحقائق.
الوجه الثالث :
أن أهل العلم أنفسهم ردوا على هذا الافتراء حين سئلوا عن ذلك فها هو الشيخ محمد السبيل حفظه الله تعالى إمام المسجد الحرام وعضو هيئة الإفتاء يسئل عن قول بعض الشباب : إن العلماء يداهنون الحكـام، ومضغوط عليهم من قبل الحكام في إصدار بعض الفتاوى نرجو توضيح الحق من معاليكم في هذه القالة؟
فأجاب حفظه الله تعالى :
ما نعلمه من علماء هذه البلاد :أنهم لا يداهنون في دين الله ، وأنهم يناصحون حكامهم سراً ، ويدخلون عليهم ، وهم يرحبون بهم ويتقبلون منهم .
من يقول : إن العلماء مضغوط عليهم أو يداهنون الحكام :كل هذا ادِّعاء لا حقيقة له .
ومجموعة من العلماء الذين يثق الناس بهم ويطمئنون لهم ، إذا جاء أمر من الأمور يتشاورون فيه العلماء ثم الذي يتفقون عليه ، يرفعونه لولاة الأمر . ونحن أدرى بهذا الشيء ونعرف هذا الشيء . العلماء يعرفون هذا . وليس للعلماء إذا نصحوا حكامهم في شيء أن يقولوا على رؤوس الأشهاد :إنِّا ذهبنا وقلنا لولاة الأمر كذا وكذا ! هذا منهي عنه ولا يجوز . هذا أمر . والأمر الثاني : أتريد أن يقول : أنا فعلت كذا وكذا ! هذا رياء ، والرياء من أعمال المنافقين ،] يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً[.
فهؤلاء كلامهم مردود عليهم غير صحيح ـ ولاة الأمر عندنا - يتقبلون - جزاهم الله خيراً - وهناك أمور قد يريد ولاة الأمر فعلها وإذا قال العلماء فيها كلمتهم . تركها ولي الأمر لقول العلماء بنفس طيبة وقبول حسن
سئل الشيخ الفوزان - حفظه الله تعالى - :
سماحة الشيخ أنتم وإخوانكم العلماء في هذه البلاد سلفيون ـ ولله الحمد ـ وطريقتكم في مناصحة الولاة شرعية كما بَيَّنَها الرسول ولا نزكي على الله أحداً ـ ويوجد من يعيب عليكم عدم الإنكار العلني لما يحصل من مخالفات والبعض الآخر يعتذر لكم فيقول : إن عليكم ضغوطاً من قبل الدولة فهل من كلمة توجيهية توضيحية لهؤلاء القوم ؟
فأجاب حفظه الله :
لا شك أن الولاة كغيرهم من البشر ليسوا معصومين من الخطأ ومناصحتهم واجبة ولكن تناولهم في المجالس وعلى المنابر يعتبر من الغيبة المحرمة وهو منكر أشد من المنكر الذي يحصل من الولاة ؛ لأنه غيبة ولما يلزم عليه من زرع الفتنة وتفريق الكلمـة والتأثير على سير الدعوة .
فالواجب إيصال النصيحة لهم بالطرق المأمونة لا بالتشهير والإشاعة .
وأما الوقيعة في علماء هذه البلاد وأنهم لا يناصحون أو أنهم مغلوبون على أمرهم فهذه طريقة يقصد بها الفصل بين العلماء وبين الشباب والمجتمع حتى يتسنى للمفسد زرع شروره ؛ لأنه إذا أسيء الظن بالعلماء فقدت الثقة بهم وسنحت الفرصة للمغرضين في بث سمومهم . وأعتقد أن هذه الفكرة دسيسة دخيلة على هذه البلاد وأهلها من عناصر أجنبية فيجب على المسلمين الحذر منها اهـ .
الوجه الرابع :
أن هذا الطعن يؤدي إلى رد فتاوى العلماء وعدم قبولها إذا عارضت أهواء الناس . فكل ما يقوله العلماء ردوه بمثل هذا القول الباطل ولو كان مبنياً على الدليل الصريح الواضح .
سئل الشيخ الفوزان - حفظه الله تعالى - :
هل من الاجتماع : الاستخفاف بهيئة كبار العلماء ورميهم بالمداهنة والعمالة ؟
فأجاب - حفظه الله تعالى - :
يجب احترام علماء المسلمين ؛ لأنهم ورثة الأنبياء .والاستخفاف بهم يعتبر استخفافاً بمقامهم ووراثتهم للنبي واستخفافاً بالعلم الذي يحملونه . ومن استخف بالعلماء استخف بغيرهم من المسلمين من باب أولى . فالعلماء يجب احترامهم لعلمهم ولمكانتهم في الأمة ولمسئوليتهم التي يتولونها لصالح الإسلام والمسلمين وإذا لم يوثق بالعلماء فبمن يوثق ؟ وإذا ضاعت الثقة بالعلماء فإلى من يرجع المسلمون لحل مشاكلهم ولبيان الأحكام الشرعية ؟ وحينئذ تضيع الأمة وتشيع الفوضى .
والعالم إذا اجتهد وأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد والخطأ مغفور. وما من أحد استخف بالعلماء إلا وقد عرض نفسه للعقوبة والتاريخ خير شاهد على ذلك قديماً وحديثاً ولا سيما إذا كان هؤلاء العلماء ممن وكل إليهم النظر في قضايا المسلمين كالقضاة وهيئة كبار العلماء اهـ.
يتبع
ميمونة 25
2008-12-30, 21:06
الطعن الثالث
أن العلماء يداهنون الحكام ويجاملونهم
ومعنى هذا الطعن : أنَّ العلماء حين يتعاملون مع الحكام بالمعروف ويسمعون ويطيعون لهم - في غير معصية الله – أنهم يفعلون ذلك من أجل الدنيا والمناصب ، وخوفاً على مراتب الوظيفة .
وهذا الطعن باطل من وجوه :
الوجه الأول :
أن طاعة واحترام العلماء لولاة الأمر هو ما جاءت به السنة النبوية ، وما عليه عمل سلف الأمة من الصحابة - رضي الله عنهم أجمعين – ومن تبعهم بإحسان من التابعين فمن بعدهم .
فقد بَيَّنَ النبي أن طاعة الأمير من طاعته كما قَالَ :" مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ يَعْصِنِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَمَنْ يُطِعِ الْأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ يَعْصِ الْأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي " .
وولي الأمر رجل بذل نفسه ووقته لرعاية مصالح أمته وتوفير سبل الراحـة لهم ودفع المخاطر والسوء عنهم بإذن الله تعالى ؛ فالواجب علينا تقديره واحترامه بل ومحبته لما يقوم به من الأعمال الشاقة والمسئولية الكاملة فعن عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيَّtقال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" خِيَارُ أَئِمَّتِكُمِ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ " .
ومَنْ أَجَلَّ وأكرم السلطان أكرمه الله يوم القيامة ومن لم يجله أهانه الله يوم القيامة فعَنْ زِيَادِ بْنِ كُسَيْبٍ الْعَدَوِيِّ قَالَ كُنْتُ مَعَ أَبِي بَكْرَةَ تَحْتَ مِنْبَرِ ابْنِ عَامِرٍ وَهُوَ يَخْطُبُ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ رِقَاقٌ فَقَالَ أَبُو بِلَالٍ :" انْظُرُوا إِلَى أَمِيرِنَا يَلْبَسُ ثِيَابَ الْفُسَّاقِ". فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ اسْكُتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :" مَنْ أَهَانَ سُلْطَانَ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ أَهَانَهُ اللَّهُ " .
فتأملوا كيف أن أبا بكرة اعتبر الكلام في ولي الأمر والقدح فيه من إهانتـه وقد علق الإمام الذهبي - رحمه الله تعالى - على هذه القصة بقوله : أبوبلال هذا خارجي ومن جهله عدَّ ثياب الرجال الرقاق لباس الفساق.
وبَيَّنَ الني أن من دخل على السلطان يريد توقيره فهو ضامن على الله كما قال مُعَاذ :" عَهِدَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّه فِي خَمْسٍ مَنْ فَعَلَ مِنْهُنَّ كَانَ ضَامِنًا عَلَى اللَّهِ مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ خَرَجَ مَعَ جَنَازَةٍ أَوْ خَرَجَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ دَخَلَ عَلَى إِمَامٍ يُرِيدُ بِذَلِكَ تَعْزِيرَهُ وَتَوْقِيرَهُ أَوْ قَعَدَ فِي بَيْتِهِ فَيَسْلَمُ النَّاسُ مِنْهُ وَيَسْلَمُ " .
وقال الشيخ السعدي - رحمه الله تعالى - : من إجلال الله إجلال السلطان المقسط وهو أحد السبعة الذين يظلمهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله اهـ .
وقال ابن قيم الجوزية : عوتب ابن عقيل في تقبيل يد السلطان حين صافحه !
فقال :أرأيتم لو كان والدي فعل ذلك فقبلت يده أكان خطأً أم واقعاً موقعه ؟
قالوا : بلى .
قال : فالأب يربي ولده تربية خاصة . والسلطان يربي العالم تربية عامة فهو بالإكرام أولى اهـ
فكيف يصف مسلم : عمل العلماء بالسنة النبوية وما عليه السلف الصالح بأنه مداهنة وتزلف للحكام بالباطل !!!؟؟ هذا لا يقوله مسلم يفهم ويعي ما يقول .
والوجه الثاني :
أنه لا يجوز للمسلم أن يذل ويحتقر ولي الأمر ، فمن أذل ولي الأمر فقد ثَغَرَ ثَغْرَةً في الإسلام ولا تقبل توبته حتى يعيدها كما قال معاوية بن أبي سفيان:" لما خرج أبو ذرإلى الربذة لقيه ركب من أهل العراق فقالوا يا أبا ذر قد بلغنا الذي صنع بك فاعقد لواء يأتيك رجال ما شئت .
فقال : مهلاً ، مهلاً يا أهل الإسلام فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" سيكون بعدي سلطان فأعزوه ، من التمس ذله ثغر ثغرة في الإسلام ولم يقبل منه توبة حتى يعيدها كما كانت " .
فاحترام وتقدير العلماء لولي الأمر هو السنة وهدي السلف الصالح ، بخلاف ما يدعيه بعض الجهال من أن احترام العلماء لولي الأمر هو من أجل المناصب أو مداهنة الأمراء أو عمالة للحكام .
قال أئمة الدعوة :" مما ينبغي التنبيه عليه ما وقع من كثير من الجهلة من اتهام أهل العلم والدين بالمداهنة والتقصير وترك القيام بما وجب عليهم من أمر الله سبحـانه وكتمان ما يعلمون من الحق والسكوت عن بيانه ولم يدر هؤلاء الجهلة أن اغتياب أهل العلم والدين والتفكه بأعراض المؤمنين سم قاتل وداء دفين وإثم واضح مبين قال تعالى ] وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنـَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُـوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً ["اهـ.
وقال ابن جماعة : في حقوق ولي الأمر : يعرف له عظيم حقه ، وما يجب من تعظيم قدره ، فيعامل بما يجب له من الاحترام والإكرام ، وما جعل الله تعالى له من الإعظام ولذلك كان العلماء الأعلام من أئمة الإسلام يعظمون حرمتهم ، ويبلون دعوتهم مع زهدهم وورعهم وعدم الطمع فيما لديهم وما يفعله بعض المنتسبين إلى الزهد من قلة الأدب معهم فليس من السنة اهـ .
والوجه الثالث :
أن عدم احترام الأمراء والاشتغال بالطعن فيهم هو من فعل أهل البدع والأهواء ، قال ابن قيم الجوزية : لزوم جماعتهم مما يطهر القلب من الغل والغش ؛ فإن صاحبه - للزومه جماعة المسلمين – يحب لهم ما يحب لنفسه ، ويكره لهم ما يكره لها ، ويسوؤه ما يسوؤهم ، ويسره ما يسرهم . وهذا بخلاف من انحاز عنهم واشتغل بالطعن عليهم والعيب والذم ، كفعل الرافضة والخوارج والمعتزلة وغيرهم ؛ فإن قلوبهم ممتلئة غلاً وغشاً ،ولهذا تجد الرافضة أبعد الناس من الإخلاص ، وأغشهم للأئمة والأمة ،وأشدهم بعداً عن جماعة المسلمين .
فهؤلاء أشد الناس غلاً وغشاً بشهادة الرسول والأمة عليهم ، وشهادتهم على أنفسهم بذلك ؛ فإنهم لا يكونون قط إلا أعواناً وظهراً على أهل الإسلام ، فأي عدو قام للمسلمين كانوا أعوان ذلك العدو وبطانته .وهذا أمر قد شاهدته الأمة منهم ، ومن لم يشاهده فقد سمع منه ما يصم الآذان ويشجي القلوب .
والوجه الرابع :
أن الطعن على العلماء بالمداهنة يجعل الناس لا يثقون بكلامهم ولا يأخذون بفتواهم .
يتبع
ليتيم الشافعي
2008-12-31, 00:29
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيك وجزاك الله خيرا
ميمونة 25
2008-12-31, 10:50
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيك وجزاك الله خيرا
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته
وفيك بارك الله
ميمونة 25
2008-12-31, 11:14
الطعن الرابع
أن العلماء لا ينكرون على الحكام علانية ولا يناصحونهم
ومعنى هذا الطعن : أن العلماء لا يبينون الأحكام لولاة الأمر ولا ينكرون عليهم علانية أمام الناس ، فهم مقصرون في ذلك ، وكاتمون للعلم خوفاً على مناصبهم ووظائفهم .
وهذا الطعن باطل من وجوه :
الوجه الأول :
أن النصيحة لولي الأمر من أهم أمور الدين فعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ:"الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا لِمَنْ قَالَ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ" .
قال أبونعيم الأصبهاني :" من نصح الولاة والأمراء اهتدى ومن غشهم غوى واعتدى " . فكيف يقصر العلماء في النصيحة ولا يؤدونها على وجهها ؟!!
والوجه الثاني :
أنَّ النصيحة لولي الأمر سراً أصل من أصول المنهج السلفي الذي خالفه أهل الأهواء والبدع كالخوارج : إذ الأصل في النصح لولي الأمر الإسرار بالنصيحة وعدم العلن بها ويدل عليه ما رواه عِيَاض قال رَسُولُ اللَّهِ:" مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِسُلْطَانٍ بِأَمْرٍ فَلَا يُبْدِ لَهُ عَلَانِيَةً وَلَكِنْ لِيَأْخُذْ بِيَدِهِ فَيَخْلُوَ بِهِ فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ فَذَاكَ وَإِلَّا كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ لَهُ " .
وروى شَقِيق عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ :قِيلَ لَهُ أَلَا تَدْخُلُ عَلَى عُثْمَانَ فَتُكَلِّمَهُ فَقَالَ أَتَرَوْنَ أَنِّي لَا أُكَلِّمُهُ إِلَّا أُسْمِعُكُمْ وَاللَّهِ لَقَدْ كَلَّمْتُهُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ دُونَ أَنْ أَفْتَتِحَ أَمْرًا لَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ " .
قال الشيخ ابن باز –رحمه الله تعالى - معلقاً على أثر أسامة: لما فتحوا الشر في زمن عثمان وأنكروا على عثمان جهرة تمت الفتنة والقتال والفساد الذي لا يزال الناس في آثاره إلى اليوم حتى حصلت الفتنة بين علي ومعاوية وقتل عثمان وعلي بأسباب ذلك وقتل جم كثير من الصحابة وغيرهم بأسباب الإنكار العلني وذكر العيوب علناً حتى أبغض الناس ولي أمرهم وحتى قتلوه . نسأل الله العافية.
وعن سَعِيدُ بْنُ جُمْهَانَ أنه قَالَ لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى فقُلْتُ له : إِنَّ السُّلْطَانَ يَظْلِمُ النَّاسَ وَيَفْعَلُ بِهِمْ قَالَ فَتَنَاوَلَ يَدِي فَغَمَزَهَا بِيَدِهِ غَمْزَةً شَدِيدَةً ثُمَّ قَالَ وَيْحَكَ يَا ابْنَ جُمْهَانَ عَلَيْكَ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ عَلَيْكَ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ إِنْ كَانَ السُّلْطَانُ يَسْمَعُ مِنْكَ فَأْتِهِ فِي بَيْتِهِ فَأَخْبِرْهُ بِمَا تَعْلَمُ فَإِنْ قَبِلَ مِنْـكَ وَإِلَّا فَدَعْـهُ فَإِنَّكَ لَسْتَ بِأَعْلَمَ مِنْهُ " .
فتأملوا كيف أن الصحابي الجليل ابن أبي أوفى منعه من الكلام في السلطان وأمره بنصيحته سراً دون العلانية .
وقال سعيد بن جبير : قلت لابن عباس : آمر السلطان بالمعروف ، وأنهاه عن المنكر ؟
فقال ابن عباس : إن خفت أن يقتلك فلا .
قال سعيد : ثم عدت فقال لي مثل ذلك . ثم عدت فقال لي مثل ذلك .
وقال ابن عباس : إن كنتَ لا بُدَّ فاعلاً ففيما بينك وبينه " .
فتدبروا موقف هذا الصحابي الجليل حبر الأمة وترجمان القرآن ابن عم النبي من هذه المسألة العظيمة حيث أمره بالسرية في النصح .
وقيل لمالك بن أنس : إنك تدخل على السلطان وهم يظلمون ويجورون ؟فقال : يرحمك الله فأين التكلم بالحق .
وقال الشوكاني :" ينبغي لمن ظهر له غلط الإمام في بعض المسائل أن يناصحه ولايظهر الشناعة عليه على رؤوس الأشهاد بل كما ورد في الحديث أنه يأخذ بيده ويخلو به ويبذل له النصيحة ولا يذل سلطان الله " .
وقال أئمة الدعوة :ما يقع من ولاة الأمور من المعاصي والمخالفات التي لا توجب الكفر والخروج من الإسلام فالواجب فيها مناصحتهم على الوجه الشرعي برفق واتباع ما عليه السلف الصالح من عدم التشنيع عليهم في المجالس ومجامع الناس.
وسئل الشيخ صالح الفوزان :
ما هو المنهج الصحيح في المناصحة وخاصة مناصحة الحكام أهو بالتشهير على المنابر بأفعالهم المنكرة ؟ أم مناصحتهم في السر ؟ أرجو توضيح المنهج الصحيح في هذه المسألة ؟
فأجاب حفظه الله :
العصمة ليست لأحد إلا لرسول الله فالحكام بشر يخطئون ولا شك أن عندهم أخطاء وليسوا معصومين ولكن لا نتخذ من أخطائهم مجالاً للتشهير بهم ونزع اليد من طاعتهم حتى وإن جاروا وإن ظلموا حتى وإن عصوا ما لم يرتكبوا كفراً بواحاً كما أمر بذلك النبي ،وإن كان عندهم معاص وعندهم جور وظلم فإن الصبر على طاعتهم جمع للكلمة ووحدة للمسلمين وحماية لبلاد المسلمين وفي مخالفتهم ومنابذتهم مفاسد عظيمة أعظم من المنكر الذي هم عليه يحصل ما هو أشد من المنكر الذي يصدر منهم ما دام هذا المنكر دون الكفر ودون الشرك .
ولا نقول : إنه يسكت على ما يصدر من الحكام من أخطاء ، لا ، بل نعالج ولكن تعالج بالطريقة السليمة بالمناصحة لهم سراً والكتابة لهم سراً . وليست بالكتابة التي تكتب ويوقع عليها جمع كثير وتوزع على الناس هذا لا يجوز بل تكتب كتابة سرية فيها نصيحة ، تسلم لولي الأمر أو يكلم شفوياً أما الكتابة التي تكتب وتصور وتوزع على الناس فهذا عمل لا يجوز؛ لأنه تشهير وهو مثل الكلام على المنابر بل هو أشد بل الكلام يمكن أن ينسى ولكن الكتابة تبقى وتتداولها الأيدي فليس هذا من الحق .
وأولى من يقوم بالنصيحة لولاة الأمور هم العلماء وأصحاب الرأي والمشورة وأهل الحل والعقد قال تعالى ] وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ[
فليس كل أحد من الناس يصلح لهذا الأمر وليس الترويج للأخطاء والتشهير بها من النصيحة في شيء بل هو من إشاعة المنكر والفاحشة في الذين آمنوا ولا هو من منهج السلف الصالح وإن كان قصد صاحبها حسناً طيباً وهو إنكار المنكر بزعمه لكن ما فعله أشد منكراً مما أنكره وقد يكون إنكار المنكر منكراً إذا كان على غير الطريقة التي شرعها الله تعالى ورسوله؛ لأنه لم يتبع طريقة الرسول الشرعية التي رسمها حيث قال :"من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" .
فجعل الرسول الناس ثلاثة أقسام :
منهم : من يستطيع أن يزيل المنكر بيده وهو صاحب السلطة أي ولي الأمر أو من وكل إليه الأمر من الهيئات والأمراء والقادة .
والقسم الثاني : العالم الذي لا سلطة له فينكر بالبيان والنصيحة بالحكمة والموعظة الحسنة وإبلاغ ذوي السلطة بالطريقة الحكيمة .
والقسم الثالث : من لا علم عنده ولا سلطة فإنه ينكر بقلبه فيبغضه ويبغض أهله ويعتزلهم اهـ
والوجه الثالث :
أن النصيحة السلطان أمام الناس علانية بحضرته مع إمكان نصحه سراً : فضيحة وليست بنصيحة وهي محرمة لا تجوز للأمور التالية :
1- مخالفتها لحديث عياض بن غَنْم الذي فيه الأمر بالإسرار .
2- مخالفتها لآثار السلف كأسامة بن زيد وعبدالله بن أبي أوفى وغيرهما.
3- لقوله : " من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله " .
قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن عثيمين ـ رحمه الله تعالى - :
" إذا كان الكلام في الملك بغيبة أو نصحه جهراً والتشهير به من إهانته التي توعد الله فاعلها بإهانته ، فلا شك أنه يجب مراعاة ما ذكرناه ـ يريد الإسرار بالنصيحة ـ لمن استطاع نصيحتهم من العلماء الذين يَغْشَوْنَهم ".
وقال الشيخ أحمد النجمي :
الإنكار العلني على الولاة أمر محدث ولم يكن من أصول السنة فالنبي يقول :" ألا من ولي عليه والٍ فرآه يأتي شيئاً من معصية الله ، فليكره ما يأتي ولا ينزعن يداً من طاعة " . هكذا يقول نبي الله إذاً فلا يجوز الإنكار العلني على المنابر ؛ لأن الأضرار التي تترتب عليه أكثر من فائدتهاهـ .
والوجه الرابع :
أن العلماء لا يذكرون ما يفعلونه مع الولاة للناس خوفاً من المفسدة
قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله تعالى - : بيان ما نفعله مع الولاة فيه مفسدتان :
المفسدة الأولى : أن الإنسان يخشى على نفسه من الرياء فيبطل عمله .
المفسدة الثانية : أن الولاة لو لم يطيعوا صار حجة على الولاة عند العامة فثاروا وحصل مفسدة أكبر اهـ
والوجه الخامس :
أنَّ ذكر أخطاء الولاة في المجالس والمواعظ والخطب محرم لا يجوز لما يلي :
1 لأنها من باب إشاعة الفاحشة والله عز وجل يقول :] إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ[ .
2 ولأنها غيبة وبهتان على ولي الأمر قال تعالى ] وَلاََ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا[ . وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ؟ قَالَ ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ قَالَ إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ" . فنهى الله عز وجل ورسوله عن الغيبة ولا شك أن الكلام في ولي الأمر من الغيبة في غيبته إن كان حقاً فإن كان كذباً فهو من البهتان .
ولأن هذه الصورة تدخل في القالة بين الناس مما يترتب عليها من الفتنة والبلبلة فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ إِنَّ مُحَمَّدًا قَالَ :" أَلَا أُنَبِّئُكُمْ مَا الْعَضْهُ ؟ هِيَ النَّمِيمَةُ : الْقَالَةُ بَيْنَ النَّاسِ " .
3 ولأنها تؤدي إلى سفك الدماء وإلى القتل قال عبدا لله بن عكيم الجهني : لا أعين على دم خليفة أبداً بعد عثمان !!
فقيل له : يا أًبا معبدٍ أًوَ أًعنت على دمِهِ ؟
فيقول : إِني أُعِدُّ ذِكْرَ مساويه عوناً على دمِهِ ! "
والوجه السادس :
أن نشر هذه الأمور لا ريب أنه مما يسبب الفتنة قال شيخ الإسلام ابن تيمية : الفتنة إذا وقعت عجز العقلاء فيها عن دفع السفهاء ، وهذا شأن الفتن ، كما قال تعالى ] وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً[ وإذا وقعت الفتنة لم يسلم من التلوث بها إلا من عصمه الله اهـ
وقال الشيخ ابن باز – رحمه الله تعالى - :
توزيع الأشرطة الخبيثة التي تدعو إلى الفرقة والاختلاف وسب ولاة الأمور والعلماء لا شك أنها من أعظم المنكرات.
والواجب الحذر منها سواء كانت جاءت من لندن من الحاقدين والجاهلين الذين باعوا دينهم وباعوا أمانتهم على الشيطان من جنس محمد المسعري ومن معه الذين أرسلوا الكثير من الأوراق الضارة المضلة والمفرقة للجماعة يجب الحذر منهم ويجب إتلاف ما يأتي من هذه الأوراق لأنها شر وتدعو إلى الشر وما هكذا النصيحة .
فالنصيحة تكون بالثناء على ما فعل من الخير والحث على إصلاح الأوضاع والتحذير مما وقع من الشر هذه طريقة أهل الخير الناصحين لله ولعباده اهـ .
وقال الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله تعالى - :
" بعض الناس ديدنه في كل مجلس يجلسه الكلام في ولاة الأمور والوقوع في أعراضهم ونشر مساوئهم وأخطائهم معرضاً بذلك عمّا لهم من محاسن أو صواب ،ولا ريب أن سلوك هذا الطريق والوقوع في أعراض الولاة لا يزيد في الأمر إلا شدة فإنه لا يحل مشكلاً ولا يرفع مظلمة إنما يزيد البلاء بلاءاً ويوجب بغض الولاة وكراهيتهم وعدم تنفيذ أوامرهم التي يجب طاعتهم فيها " .
والوجه السابع :
أن إشاعة هذه الأمور هو من باب الخروج على ولي الأمر.
قال الشيخ أحمد النجمي :
اعلم أن الخروج ينقسم إلى قسمين :
خروج بالقول وهو ذكر المثالب علناً في المجامع وعلى رؤوس المنابر ؛ لأن ذلك يعد عصياناً لهم وتمرداً عليهم وإغراءاً بالخروج عليهم وزرعاً لعدم الثقة فيهم وتهييجاً للناس عليهم وهو أساس للخروج الفعلي وسبب له اهـ.
يتبع
ميمونة 25
2008-12-31, 11:23
الطعن الخامس
أن لعلماء عملاء للدولة وأنهم مباحث
ومعنى هذا الطعن : أن العلماء يعملون لصالح الدولة ،وأنهم ينقلون الأخبار لولاة الأمر .
وهذا الطعن باطل من وجوه :
الوجه الأول :
إن كان المراد بأنهم يعملون للدولة أي أنهم يفتونهم بغير الحق مداهنة أو مضغوطاً عليهم ؛فعلماؤنا - بحمد الله - أهل دين وورع وتقوى ,وقد مرَّ الجواب على هذه الشبه الباطلة في الجواب عن الطعن الأول والثاني .
وإن كان المراد بأنهم يعملون في هذه الدولة فهل هذه الدولة كافرة !! ؟؟
ثم ما الفرق بينهم وبين كل من يعمل في هذه الدولة ، وهذه مغالطة تدل على خبث الطوية وسوء النية .نسأل الله العافية من الهوى والضلال .
قال الشيخ محمد أمان الجامي - رحمه الله تعالى - :
محاولة التلبيس على الشباب ليعلنوا لهم أنهم هم العلماء وهم الدعاة وأن غيرهم مع السلطة .افرض أننا ـ جميعاً ـ مع السلطة ، هل السلطة كافرة ؟
نحن مع السلطة والسلطة معنا . أنتم مع السلطة ، والسلطة معكم .
أين تعيشون أنتم ألستم تعيشون تحت هذه السلطة ،موظفون في هذه السلطة .
لماذا هذا الكذب ، من منكم بعيد عن السلطة ، تتعاملون معهم .
يا سبحان الله هل هي سلطة كافرة .
أما تحمد الله أنك تعيش تحت سلطة إسلامية يرجع حكامها وقضاتها عند إصدار الحكم إلى قال الله وقال رسول الله. لا يجوز هذا التلبيس ! راقبوا الله ربَّ العالمين ماهذا ؟ اهـ
وقال الشيخ أيضاً ـ رحمه الله تعالى ـ :
ما يقوله بعض السفهاء في بعض طلاب العلم أن كل من يذكر الحكام بخير أو يدعو لهم أو يقول : إنها دولة إسلامية ؛ أنه من العملاء ومن كذا وكذا !
هذا كلام لا ينبغي أن يلتفت إليه . كلام ساقط لا يقوله إلا الساقطون .
نحن لا نخفي الولاء ، نعلن بالولاء ، فيجب أن نعلن ـ نحمد الله ـ أن كنا في ولاء حكام مسلمين لا نبالي من هذه الأقوال الرخيصة ولا نلتفت إليها وهكذا يجب على طلاب العلم وأهل الفضل أن لا يلتفتوا إلى مثل هذه الكلمات الساقطة وأن يكونوا صرحاء في الدعوة للحكام ومحاولة التقريب بين الراعي والرعية ليتحاببوا ويتعاونوا هذا الذي ندين الله بها هـ .
والوجه الثاني :
أن قولهم فلان مباحث ؛ هذا يدل على أن عندهم أمراً لا يريدون أن يطلع عليه أحد ،وإلا فالحق واضح ، والشرع والحكم بما أنزل الله قائم - بحمد الله تعالى - ، ومن عنده أمر مريب خاف من كل قريب .
والوجه الثالث :
هل جهة المباحث جهة سيئة !!؟؟ هذه مغالطة ، فرجال هذه الجهة يراقبون الأوضاع الداخلية ، ويأخذون بيد كل مفسد يريد أن ينشر الفساد في الأرض ،كل من تسول له نفسه قتل الأبرياء أوالاعتداء على الضعفاء ، أما من كان بعيداً عن الفساد في الأرض فرجال هذه الجهة لا علاقة لهم به ،فمن ديدنه دائماً فلان مباحث ،هذا رجل عنده أمر سيئ ؛ فساد وريبة يخاف أن يطلع عليه أحد .
والوجه الرابع :
أن الواجب على كل مسلم مستطيع ، اطلع على من تسول له نفسه الفساد في الأرض أن يبلغ ولاة الأمر ليكفوا شره ،ويأخذوا بيده ،وينتشر الأمن ويعم الأمان . ومن كتم وسكت عن أمثال هؤلاء أهل الفساد والشر فقد خان الأمانة ، ولم ينصح لولي الأمر .
قال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله تعالى
– معلقاً على قول عوف بن مالك - راداً على من قال : ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء - : كذبت ، ولكنك منافق ، لأخبرن رسول الله فذهب عوف إلى رسول الله ليخبره فوجد القرآن قد سبقه"- :
هذا من إنكار المنكر ، ومن النصيحة لولاة الأمور ، فالمسلم يبلغهم مقالات المفسدين والمنافقين من أجل أن يأخذوا على أيدي هؤلاء ؛ لئلا يخلوا بالأمن ويفرقوا الكلمة ، فتبليغ ولاة أمور المسلمين كلمات المنافقين ودعاة السوء ، الذين يريدون تفريق الكلمة ، والتحريش بين المسلمين ؛ هو من الإصلاح ومن النصيحة لا من النميمة ؛ [لأن عوف بن مالك فعل ذلك ولم ينكر عليه الرسول فدل على أن هذا من النصيحة وليس من النميمة المذمومة] ، [فلا يجوز التستر على من يبيت شراً للمسلمين ، بل يجب على من علم بحاله أن يخبر عنه ، حتى يسلم المسلمون من شره ، فإذا كان هناك خلية فيها خطر على المسلمين ، وفيها شر على المسلمين فيجب إبلاغ ولاة الأمور عنهم ليأخذوا على أيديهم ويكفو شرهم عن المسلمين].
وسئل الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله تعالى –
عن فتوى تقول بجواز قتل رجال المباحث ؛ لأنهم مرتدون ؟
فأجاب - حفظه الله تعالى - :
هذا مذهب الخوارج ، فالخوارج قتلوا علي بن أبي طالب الا يقتل رجال الأمن ؟؟ هذا هو مذهب الخوارج ، والذي أفتاهم يكون مثلهم ومنهم نسأل الله العافية .
يتبع
ميمونة 25
2008-12-31, 12:01
الطعن السادس
أن العلماء لا يفقهون الواقع
ومعنى هذا الطعن : أن فتوى العلماء ضعيفة غير معتبرة ؛ لأنهم لا يعلمون ما يدار من حولهم ولا يعلمون بمخططات الأعداء لجهلهم بها .
وهذا الطعن باطل من وجوه :
الوجه الأول :
أن هذا القول صادرٌ ممن لم يفقه في دين الله شيئاً
قال الشيخ عبد الرزاق عفيفي - رحمه الله تعالى - :
لا يجوز اتهام عالم من العلماء بأنه لا يفهم الواقع هذا تشويه ولا يصح أن يقال : إن العلماء أو بعض العلماء لا يدركون الواقع إذا كان الذهن ينصرف إلى علماء بعينهم.
وقال الشيخ حماد الأنصاري - رحمه الله تعالى - :
إن الذي يقولون : إن العلماء في هذا العصر لا يفقهون الواقع قد أخطئوا في قولهم وهذه عبارة لا تنبغي
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله تعالى - :
الواجب على المسلم أن يحفظ لسانه عما لا ينبغي وأن لا يتكلم إلا عن بصيرة فالقول بأن فلاناً لم يفقه الواقع هذا يحتاج إلى علم ولا يقولها إلا من عنده علم حتى يستطيع الحكم بأن فلاناً لم يفقه الواقع . أما أن يقول هذا جزافاً ويحكم برأيه على غير دليل ؛ فهذا منكر عظيم لا يجوز والعلم بأن صاحب الفتوى لم يفقه الواقع يحتاج إلى دليل ولا يتسنى ذلك إلا للعلماء.
وقال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله تعالى - :
نسمع في زماننا هذا من يتكلم في أعراض العلماء ويتهمهم بالغباوة والجهل ، وعدم إدراك الأمور وعدم فقه الواقع كما يقولون وهذا أمر خطير ؛ فإنه إذا فقدت الثقة في علماء المسلمين فمن يقود الأمة الإسلامية ؟ ومن يرجع إليه الفتاوى والأحكام ؟ واعتقد أن هذا دس من أعدائنا وأنه انطلى على كثير من الذين لا يدركون الأمور أو الذين فيهم غيرة شديدة وحماس لكنه على جهل فأخذوه مأخذ الغيرة ومأخذ الحرص على المسلمين لكن الأمر لا يكون هكذا ، أعز شيء في الأمة هم العلماء فلا يجوز أن نتنقصهم أو نتهمهم بالجهل والغباوة وبالمداهنة أو نسميهم علماء السلاطين أو غير ذلك ، هذا خطر عظيم يا عباد الله ، فلنتق الله في هذا الأمر ، ولنحذر من ذلك
وقال - حفظه الله تعالى - أيضاً :
إن وجود المثقفين والخطباء المتحمسين لا يعوض الأمة عن علمائها ، وقد أخبر النبي "أنه في آخر الزمان يكثر القراء ويقل الفقهاء" ، وهؤلاء قراء وليسوا فقهاء ، فإطلاق لفظ العلماء على هؤلاء إطلاق في غير محله والعبرة بالحقائق لا بالألقاب ، فكثير من يجيد الكلام ويستميل العوام وهو غير فقيه .
والذي يكشف هؤلاء أنه عندما تحصل نازلة يحتاج إلى معرفة الحكم الشرعي فيها فإن الخطباء والمتحمسين تتقاصر أفهامهم وعند ذلك يأتي دور العلماء . فلننتبه لذلك ونعطي علماءنا حقهم ونعرف قدرهم وفضلهم وننزل كلاً منزلته اللائقة به .
والوجه الثاني :
أن تعلم فقه الشرع هو المهم والضروري ؛ لأنه الأصل وغيره مبني عليه
قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله تعالى - :
سمعنا ولا حظنا أنه وقع كثير من الشباب المسلم في حيص بيص نحو هذا النوع من العلم الذي سبقت الإشارة إلى تسميتهم له "بفقه الواقع" فانقسموا قسمين : وصاروا للأسف فريقين حيث إنه قد غلا البعض بهذا الأمر وقصر البعض فيه : إذ إنك ترى وتسمع ممن يفخمون شأن فقه الواقع ويضعونه في مرتبة عالية فوق مرتبته العلمية الصحيحة وأنهم يريدون من كل عالم بالشرع أن يكون عالماً بما سموه فقه الواقع !
كما أن العكس أيضاً حاصل فيهم فقد أوهموا السامعين لهم والملتفين حولهم أن كل من كان عارفاً بواقع العالم الإسلامي كمثل من هو فقيه في الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح !! علماً بأن هذا الفقه -كما أشرنا - ليس بلازم .
ونحن لا نتصور وجود إنسان كامل بكل معنى هذه الكلمة أي : أن يكون عالما بكل هذه العلوم التي أشرت إليها وسبق الكلام عليها .
فالواجب إذاً: تعاون هؤلاء الذين تفرغوا لمعرفة واقع الأمة الإسلامية وما يحاك ضدها مع علماء الكتاب والسنة وعلى نهج سلف الأمة فأولئك يقدمون تصوراتهم وأفكارهم وهؤلاء يبينون فيها حكم الله سبحانه ويقدمون للآخرين النصح القائم على الدليل الصحيح والحجة النيرة .
أما أن يصبح المتكلم في فقه الواقع في أذهان سامعيه واحداً من العلماء والمفتين لا لشـيء إلا لأنه تكلم بهذا الفقه المشار إليه فهذا ما لا يحكم له بوجه من الصواب إذ يتخذ كلامه تكأة ترد بها فتاوى العلماء وتنقض فيه اجتهاداتهم .
ومن المهم بيانه في هذا المقام أنه قد يخطىء علامة ما في حكمه على مسألة معينة من تلك المسائل الواقعية وهذا أمر حدث ويحدث ولكن هل هذا يسقط العالم أو ذاك ويجعل المخالفين له يصفونه بكلمات نابية لا يجوز إيرادها عليه كأن يقال مثلاً - وقد قيل - : هذا فقيه شرع وليس فقيه واقع !!!
فهذه قسمة تخالف الشرع والواقع ! فكلامهم المشار إليه كله كأنه يوجب على علماء الكتاب والسنة أن يكونوا أيضاً عارفين بالاقتصاد والاجتماع والسياسة والنظم العسكرية وطرق استعمال الأسلحة الحديثة ونحو هذا وذاك !!
ولست أظن أن هناك إنساناً عاقلاً يتصور اجتماع هذه العلوم والمعارف كلها في صدر إنسان مهما كان عالماً كاملاً ! .
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله تعالى - :
يقع من بعض الناس هداهم الله تعالى التقليل من شأن العلماء بدعوى عدم فقه الواقع فما توجيه سماحتكم جزاكم الله خيراً ووفقكم لما يحبه ويرضاه ؟
فأجاب – رحمه الله تعالى - :
لا شك أن فقه الواقع أمر مطلوب وأن الإنسان لا ينبغي أن يكون في عزلة عما يقع حوله وفي بلده بل لابد أن يفقه لكن لا ينبغي بأي حال من الأحوال أن يكون الاشتغال بفقه الواقع مشغلاً عن فقه الشريعة والدين الذي قال فيه الرسول:"من يرد الله به خيراً يفقه في الدين" لم يقل يفقهه في الواقع فإذا كان عند الإنسان علم بما يقع حوله لكنه قد صرف جهده وجل أمره إلى الفقه في دين الله فهذا طيب أما أن ينشغل بالواقع والتفقه فيه – كما زعم – والاستنتاجات التي يخالفها ما يقع فيما بعد ؛ لأن كثيراً من المشتغلين بفقه الواقع يقدمون حسب ما تمليه عليهم مخيلتهم ويقدرون أشياء يتبين أن الواقع بخلافها فإذا كان فقه الواقع لا يشغله عن فقه الدين فلا بأس به .
لكن لا يعني ذلك أن نقلل من شأن علماء يشهد لهم بالخير وبالعلم وبالصلاح لكنهم يخفى عليهم بعض الواقع فإن هذا غلط عظيم فعلماء الشريعة أنفع للمجتمع من علماء فقه الواقع ولهذا تجد بعض العلماء الذين عندهم اشتغال كثير في فقه الواقع وانشغال عن فقه الدين لو سألتهم عن أدنى مسألة في دين الله – عز وجل – لوقفوا حيارى أو تكلموا بلا علم يتخبطون تخبطاً عشوائياً .
والتقليل من شأن العلماء الراسخين في العلم المعروفين بالإيمان والعلم الراسخ جناية ليس على هؤلاء العلماء بأشخاصهم بل على ما يحملونه من شريعة الله تعالى .
ومن المعلوم : أنه إذا قلت هيبة العلماء وقلت قيمتهم في المجتمع فسوف يقل بالتبع الأخذ عنهم وحينئذٍ تضيع الشريعة التي يحملونها أو بعضها ويكون في هذا جناية عظيمة على الإسلام وعلى المسلمين أيضاً .
والذي أرى أنه ينبغي أن يكون عند الإنسان اجتهاد بالغ ويصرف أكبر همه في الفقه في دين الله - عز وجل - حتى يكون ممن أراد الله بهم خيراً وألا ينسى نفسه من فقه الواقع وأن يعرف ما حوله من الأمور التي يعملها أعداء الإسلام للإسلام .
ومع ذلك أكرر: أنه لا ينبغي للإنسان أن يصرف جل همه ووقته للبحث عن الواقع بل أهم شيء أن يفقه في دين الله - عز وجل - وأن يفقه من الواقع ما يحتاج إلى معرفته فقط وكما أشرت سابقاً في أول الجواب : أن من فقهاء الواقع من أخطئوا في ظنهم وتقديراتهم وصار المستقبل على خلاف ما ظنوا تماماً .
لكن هم يقدرون ثم يبنون الأحكام على ما يقدرونه فيحصل بذلك الخطأ وأنا أكرر أنه لا بد أن يكون الفقيه بدين الله عنده شيء من فقه أحوال الناس وواقعهم حتى يمكن أن يطبق الأحكام الشرعية على مقتضى ما فهم من أحوال الناس ولهذا ذكر العلماء في باب القضاء : أن من صفات القاضي أن يكون عارفاً بأحوال الناس ومصطلحاتهم في كلامهم وأفعالهم .
وقال الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله تعالى - :
أما الاهتمام بالثقافات العامة والأمور الصحفية وأقوال الناس ، وما يدار في العالم ، فهذه إنما يطلع الإنسان عليها بعدما يتحصل على العلم الشرعي ويحقق العقيدة فيطلع على هذه الأمور من أجل أن يعرف الخير من الشر ومن أجل أن يحذر مما يدور في الساحة من شرور ودعايات مضللة ، لكن هذا بعدما يتسلح بالعلم ويتسلح بالإيمان بالله ورسوله ، أما أن يدخل في مجالات الثقافة والأمور الصحفية وأمور السياسة وهو على غير علم بعقيدته وعلى غير علم بأمور دينه ، فإن هذا لا ينفعه شيئاً ، بل هذا يضره بحيث يشتغل بما لا فائدة منه ، ولا يستطيع أن يميز الحق من الباطل كثير ممن جهلوا العقيدة واعتنوا بمثل هذه الأمور ضلوا ، وأضلوا ، ولبسوا على الناس ؛ بسبب أنهم ليس عندهم بصيرة وليس عندهم علم يميزون به بين الضار والنافع ، وما يؤخذ وما يترك ، وكيف تعالج الأمور ، فبذلك حصل الخلل ، وحصل اللبس عند كثير من الناس ؛ لأنهم دخلوا في مجالات الثقافة ، ومجالات السياسة ، من غير أن يكون عندهم علم بعقيدتهم وبصيرة من دينهم ، فحسبوا الحق باطلاً ، والباطل حقاً .
وقال أيضاً :
وأما الاشتغال بواقع العصر كما يقولون أو فقه الواقع ، فهذا إنما يكون بعد الفقه الشرعي ؛ إذ الإنسان بالفقه الشرعي ينظر إلى واقع الناس وما يدور في العالم وما يأتي من أفكار ومن آراء ، ويعرضها على العلم الشرعي الصحيح ؛ ليميز خيرها من شرها ، وبدون العلم الشرعي ؛ فإنه لا يميز بين الحق والباطل والهدى والضلال ، فالذي يشتغل بادئ ذي بدء بالأمور الثقافية والأمور الصحافية والأمور السياسية ، وليس عنده بصيرة من دينه ؛ فإنه يضل بهذه الأمور ؛ لأن أكثر ما يدور فيها ضلال ودعاية للباطل وزخرف من القول وغرور نسأل الله العافية والسلامة.
والوجه الثالث :
أن علماءنا يدركون واقع المسائل التي يفتون بها ، ويدركون ما يحتاج إليه من واقع الناس
قال الشيخ أحمد بن يحي النجمي - حفظه الله - :
أما فقه الواقع الذي ما زال هؤلاء يشقشقون به ويطنطنون فنحن نقول لهؤلاء : إن كنتم تريدون بفقه الواقع ما تترتب عليه الأحكام الشرعية وتتبين به الفتوى مما يكون مناطاً للحكم أو سبباً له أو وسيلة إليه فإن سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز وابن عثيمين وابن فوزان والغديان واللحيدان، والأطرم، وعبدالعزيز آل الشيخ . وغيرهم من القضاة أو المفتين لم يصدروا الحكم أو الفتوى إلا بعد أن يعرفوا الواقع الذي يحيط بها أو يؤثر فيها
وإن كنتم تريدون بفقه الواقع الاطلاع على أسرار الدول وأخبار أهل العصر مما يكتب في الجرائد والمجلات أو تتناقله وسائل الإعلام أو يستنتجه المحللون السياسيون أو غير ذلك فإن لأهل العلم شغلاً بأعمالهم التي نيطت بهم وأوكلت إليهم من الفتوى والتدريس والدعوة إلى الله عزّ وجلّ ما لا يتسع معه لشيئ آخر مع أنهم لهم قدرة محدودة وهذا من خصائص وزارة الدفاع في كل بلد أي التنبه لمكايد الأعداء ومخططاتهم والإعداد لكل أمر بما يناسبه.
وسئل – حفظه الله تعالى – أيضاً :
ما حكم من قال : إن هيئة كبار العلماء لا يفقهون الواقع ؟
فأجاب - حفظه الله تعالى - :
أولاً : أقول ما هذه إلا فرية على هيئة كبار العلماء يقصد بها الطعن فيهم والإزراء عليهم والتحقير لشأنهم .
ثانياً : يدل هذا القول على ضغينة في قلب هذا القائل على هيئة كبار العلماء ، وبغضه لهم وكراهيته المستحكمة إياهم .
ثالثاً : أن من أبغض العلماء السلفيين - الذين يعملون بما قال الله ، وقال رسوله ، ويعملون الناس بما قال الله ، وقال رسوله ، ويفتون بما قال الله ورسوله ويعملون على نشر الشريعة ليلاً ونهاراً - : فهو مبتدعٌ ضالٌ منافقٌ .
رابعاً : أن هيئة كبار العلماء في السعودية لا يحكمون في قضية ولا يفتون بفتوى إلا بعد أن يعرفوا ملابساتها ، وما يتعلق بها ، مما له تأثير في الفتوى ، وهذا هو الذي يلزم المفتي ، والقاضي فمن قال إنهم لا يعرفون فقه الواقع فقد اتهمهم بأنهم أغبياء جهلة ، لا يعرفون من الواقع شيئاً ، بل واتهم الدولة التي وضعتهم في هذه المناصب ، وهذا بهت لهم ، وللدولة فرية عليهم وعليها ، وظلم للجميع فالله يتولى جزاء من قاله بما يستحق .
خامساً : ماذا يريدون من هيئة كبار العلماء ؟!! هل يريدون منهم أن يشاركوا المحللين السياسيين أو غيرهم من أصحاب التكهنات المبنية على الكذب والحدس والتخمين قاتل الله الهوى ما يفعل بأصحابه .
سادساً : هيئة كبار العلماء لهم شغل شاغل ، فيما نيط بهم من أعمال ، فلهم دروس ومحاضرات وفتاوى ، وتحقيقات علمية ، تستنفذ جهدهم ووقتهم بما لا يحتاج إلى مزيد .
سابعاً : أن أصحاب البدع فيهم شبه من اليهود فمن كان معهم رفعوه فوق منزلته ، ومن خالفهم رموه بكل كارثة .
والوجه الرابع :
أن فقه الواقع مجرد تخيلات سياسية وتكهنات مستقبلية وأراء عقلية خالية من الحجة والبرهان
قال الشيخ حماد الأنصاري- رحمه الله تعالى- :
إن ما يسمى بفقه الواقع ليس بفقه وإنما -هو فقه المجانين وأعني بفقه المجانين : فقه الذين لا يفقهون وليس من الفقه التشويش وإدخال الناس في متاهات وأمور لا يهضمونها.
وقال الشيخ ربيع بن هادي المدخلي :
" إنّ من أغرب ما يقع فيه المتحمسون لفقه الواقع أنهم يقدّمونه للنّاس وكأنّه أشرف العلوم وأهمها، ولقد غلا فيه بعضهم غلواً شديداً فجعل العلوم الشرعية من مقوماته، ونسج حوله من الهالات الكبيرة، بما لم يسبقه إليه الأولون والآخرون، وهو في حقيقته لا يسمى علماً ولا فقهاً، ولو كان علماً أو فقهاً فأين المؤلفات فيه؟! وأين علماؤه وفقهاؤه في السابق واللاحق؟! وأين مدارسه؟!
لماذا لا يسمى علماً ولا فقهاً إسلامياً؟ لأنه ذو أهداف سياسية خطيرة منها:
أ ـ إسقاط المنهج السلفي ؛ لأن فقه الواقع لا يختلف عن مبدأ الصوفية في التفريق بين الشريعة والحقيقة؛ إذ هدفهم من ذلك إسقاط الشريعة.
ب ـ الاستيلاء على عقول الشباب والفصل بينهم وبين علماء المنهج السلفي، بعد تشويه صورتهم بالطعون الفاجرة.
جـ ـ اعتماده على التجسس ، فالإخوان المسلمون وإن كانت لهم شبكات تجسس واسعة على أهل الحديث والسلفيين إلا أنهم يعجزون تمام العجز عن اكتشاف أسرار الأعداء وإحباط خططهم، وواقعهم في مصر وسورية والعراق أكبر شاهد على ذلك.
د ـ أنه يعتمد على أخبار الصحف والمجلات التي تحترف الكذب ، وعلى المذكرات السياسية التي يكتبها الشيوعيون واليهود والنصارى والعلمانيون والميكافيليون وغيرهم من شياطين السياسة الماكرة، الذين من أكبر أهدافهم تضليل المسلمين ومخادعتهم واستدراجهم إلى بناء خطط فاشلة على المعلومات التي يقدّمونها.
هـ ـ من أركان هذا الفقه المزعوم التحليلات السياسية الكاذبة الفاشلة، وقد أظهر الله كذبها وفشلها، ولا سيما في أزمة الخليج.
و ـ أنه يقوم على تحريف نصوص القرآن والسنة، ويقوم على تحريف كلام ابن القيم في فقه الواقع.
ز ـ قيامه على الجهل والهوى حيث ترى أهله يرمون من لا يهتم بهذا الفقه بالعلمنة الفكرية والعلمية، وهذا غلو فظيع قائم على الجهل بالفرق بين فروض الكفايات وفروض الأعيان، لو سلمنا جدلا أن هذا الفقه الوهمي من فروض الكفايات.
ح ـ يرتكز هذا العلم المفتعل على المبالغات والتهويل، حيث جُعلت علوم الشريعة والتاريخ من مقوماته، فأين جهابذة العلماء وعباقرتهم عن هذا العلم وعن التأليف والتدريس فيه والإشادة به والتخصص فيه وإنشاء الجامعات أو على الأقل أقسام التخصص فيه؟!
ط ـ ولما كان هذا الفقه بهذه الصفات الدميمة لم ينشأ عنه إلا الخيال والدواهي من الآثار، فمن آثاره تفريق شباب الأمة وغرس الأحقاد والأخلاق الفاسدة في أنصاره، من بهْت الأبرياء والتكذيب بالصدق وخذلانه وخذلان أهله، والتصديق بالكذب والترّهات، وإشاعة ذلك، والإرجاف في صورة موجات عاتية، تتحوّل إلى طوفان من الفتن التي ما تركت بيت حجر أو مدر أو وبر إلا دخلته. أما فقه الواقع الذي يحتفي به علماء الإسلام - ومنهم ابن القيم - والسياسة الإسلامية العادلة ، فمرحباً بهما وعلى الرأس والعين، وإن جهلهما وتنكَّر لهما الإخوان المسلمون ".
يتبع
ميمونة 25
2008-12-31, 12:15
الطعن السابع
أن العلماء لا يفقهون واقع الشباب وأنهم تركوا الشباب ولم يهتموا بأمرهم وأهملوهم حتى تولدت لديهم الأفكار المنحرفة فكفروا الناس وقاموا بعمليات التفجير
ومعنى هذا الطعن : أن العلماء قصروا في تربية الشباب ولم يلقوا لهم بالاً وأن ما حصل للشباب سببه بُعْدُ العلماء عنهم .
وهذا الطعن باطل من وجوه :
الوجه الأول :
نسألهم أين يعيش العلماء أفي السماء ، أم تحت الأرض ؟ العلماء يمشون على ظهر الأرض ، تأتي العالم في المسجد أو في بيته أو في مكتبه فتسأله في أي وقت حتى بالهاتف تتصل به تجده .
قال الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله تعالى - :
العلم له أبواب ، وله حملة ، وله معلمون ، فلا بد من انضمامكم لحلق التدريس ، سواء كانت في المساجد أو في المدارس أو في المعاهد أو في الكليات المهم أن نأخذ العلم عن العلماء ، ما داموا موجودين وما دامت الفرصة ممكنة(والوجه الثاني : هل تريدون من العالم أن يأتي إلى الشباب والأطفال ويبحث عنهم ويحاورهم ؟؟؟!!
هذا سفه ؛ فالعلم يؤتى ولا يأتي فإن الأصل أن الشباب صغاراً وكباراً يلتفون حول العلماء ويتلقون عنهم أحكام دينهم .
والوجه الثالث :
أن دروس العلماء قائمة ، ومحاضراتهم مستمرة ، وبيوتهم ومكاتبهم مفتوحة لمن أراد الاتصال بهم والتلقي منهم .
والوجه الرابع :
أنكم أنتم - يا دعاة الصحوة - الذين ربيتم الشباب على هذه المناهج الفاسدة العفنة ، التي تخالف ما عليه السلف الصالح ومن تبعهم من أئمة الدعوة السلفية . ولما بينوا العلماء الحق وردوا المناهج الفاسدة وبينوا فسادها وكشفوا حال أصحابها ، انبريتم لهم بالتهم والألقاب الشنيعة ، ولم تقبلوا قول العلماء فيها ؛ فرددتم الحق ، وقبلتم الباطل ودافعتم عن أهل البدع والضلال مدافعة مستميتة .
والوجه الخامس :
أن الذين خرجوا على عثمان بن عفان وصارت الفتنة التي حدثت ، هل الصحابة لم يقوموا بالبيان لهم ، عثمان لم ينصح لهم ؟! والله لقد نصحوهم غاية النصيحة لكن هؤلاء نفوسهم منحرفة من الأصل .
فهكذا هؤلاء الذين في هذا العصر قد جعل هؤلاء المربون بين الشباب والعلماء حاجزاً منذ القدم فربوهم على أمورٍ يطعنون بها على العلماء :
أن العلماء هؤلاء مباحث ، فإن لم يستطيعوا أن يطعنوا في العالم بأنه من المباحث ، قالوا : يحضر مجلس هذا العالم رجال من المباحث فلا تحضروا مجالسه .
ثم طعنوا في العالم بقولهم : هؤلاء العلماء لا يفقهون الواقع ، ولا يفهمون ما يدار من حولهم ، وأنهم اشتغلوا عن القضايا المصيرية ، ما عندهم إلا الحيض والنفاس ودخول الشهر وخروجه.
أن العلماء لا تهمهم إلا وظائفهم والسيارات الفخمة فهم علماء دنيا ، علماء قول بلا عمل .
فإن قيل : لِمَ صرفوا الشباب عن العلماء ؟
فالجواب : أن من خطط دعاة الصحوة تنفير الشباب من العلماء وتزهيدهم فيهم ؛ لاحتواء الشباب وبث أفكارهم ولئلا يسمع الشباب من العلماء ما ينقض ويرد ويهدم مناهجهم ومذاهبهم الفاسدة ؛ لأن الشاب إذا سمع من العالم بخلاف ما يقوله المربي أو المنظم أو المرشد أو المشرف على الجماعة ؛ فسيرد كلامه فيؤثر في السمع والطاعة لهم .
وهذا المنع من سماع الحق هو عين ما فعله الخوارج حين منعوا اتباعهم من الاستماع لابن عباس ، فقالوا : لا تناظروه ؛ فإنه من قريش ، وقريش أهل لسان ، أي سيحرفكم إلى ما هو عليه .
فهؤلاء الدعاة الحركيون كانوا يخشون من هذا الأمر ؛ فجعلوا العقبة والسد المنيع بين العالم والشباب من قديم ؛ لذلك لا يستغرب عندما نرى حضور عدد قليل من الشباب في دروس العلماء ومحاضراتهم ، وحضور الجم الغفير من الشباب مما قد لا تتسع له المساجد الكبيرة في محاضرات دعاة الصحوة ودروسهم .
قال الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله تعالى - :
كم يحاول أعداء الإسلام وكم يحاول شياطين الإنس والجن أن يفصلوا بين الأمة وبين علمائها ، وأن يوقعوا العداوة بينهم من أجل أن يتمكن الأشرار من قيادة الأمة إلى الهلاك ، فلنحذر من هذا ونقبل على طلب العلم من أهله العلماء ، ونسأل أهل العلم إذا أشكل علينا شيء في أمور ديننا وأمور دنيانا ، نسأل أهل العلم أهل البصيرة الذين يتكلمون عن علم ويفتون عن الدليل ، هؤلاء المرجع وهؤلاء هم القدوة وهؤلاء هم الدعاة إلى الخير ، لا نزهد فيهم ؛ لأنه في هذا الوقت كثر القيل والقال والوقيعة بين أهل العلم وبين الناس ، وبين العوام وبين طلبة العلم وصاروا يتكلمون في العلماء ، ويتهمونهم اتهامات ويروجون عليهم الأكاذيب من أجل أن يفصلوا بين الأمة وعلمائها ، حتى يسهل عليهم الدخول في شبهاتهم وضلالتهم في إغواء الناس وتفريق الكلمة ، هذا ما يريدونه فلنكن منهم على حذر.
وقال – حفظه الله تعالى – أيضاً :
بعض المخدوعين أو المغرضين يقول هؤلاء علماء الحيض والنفاس !! ؛ للتهوين من شأنهم ، وهذا ما يريد الأعداء من المسلمين يرون أن يفصلوا العامة عن العلماء ويريدون أن يفصلوا شباب الأمة عن العلماء بحيث لا يتعلمون العلم من العلماء ، وعند ذلك تسنح لهم الفرصة ؛ لتقطيع جسم الأمة والسطو عليه؛ لأنه لا يقف في وجوههم إلا العلماء فإذا حالوا بين العلماء وبين الشباب وبين عامة الناس وعزلوا بعضهم عن بعض حينئذٍ سنحت الفرصة لأعداء الله ورسوله للانقضاض على أمة المسلمين وما كان يقف في وجوه الظلمة وما كان يقف في وجوه الكفار والزنادقة والمنافقين إلا أهل العلم يبطلون شبهاتهم ويدمغون أقوالهم بالكتاب والسنة يوقفونهم عند حدهم ويردون عليهم الشبهات.
والوجه السادس :
أن الذي أوقع الشباب في هذا الانحراف الخطير – بعد إبعادهم عن العلماء - تربيتهم على الكتب الفكرية المليئة بالبدع والضلال .
فقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين - رحمه الله تعالى - :
عندنا بعض الإخوة ينصحون من حولهم من الشباب بالحرص على قراءة كتب سيد قطب وحسن البنا وأن يهتموا بها اهتماماً كبيراً ! فهل ما يقومون به من هذا العمل صحيح ؟
فأجاب - رحمه الله تعالى - :
لا . غير صحيح ، الصحيح أن يدلهم على الكتاب والسنة وعلى كتب شيخ الإسلام وابن القيم .
وسئل - رحمه الله تعالى - أيضاً :
ما هو قول سماحتكم في رجل ينصح الشباب السني بقراءة كتب سيد قطب ويخص منها "في ظلال القرآن" و"معالم في الطريق" و"لماذا أعدموني" دون أن ينبه على الأخطاء والضلالات الموجودة في هذه الكتب ؟
فأجاب - رحمه الله تعالى - :
أنا أرى - بارك الله فيك – أن من كان ناصحاً لله ولرسوله وللمسلمين أن يحث الناس على قراءة كتب الأقدمين في التفسير وغير التفسير فهي أبرك وأنفع وأحسن من كتب المتأخرين
وأما تفسير سيد قطب - رحمه الله - ففيه طوام ، لكن نرجو الله أن يعفو عنه ، فيه طوام ، كتفسيره الاستواء وكتفسير سورة قل هو الله أحد ، وكذلك وصف بعض الرسل بما لا ينبغي أن يصفه به.
قال الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله تعالى - :
يوم أن كان أهل هذه البلاد مرتبطين بعلمائهم ، شباباً وشيباً ، كانت الحالة حسنة ومستقيمة ، وكانت لا تأتي إليهم أفكار من الخارج وكان هذا هو السبب في الوحدة والتآلف ، وكانوا يثقون بعلمائهم وقادتهم وعقلائهم وكانوا جماعة واحدة ، وعلى حالة طيبة ، حتى جاءت الأفكار من الخارج على سبيل الأشخاص القادمين أو عن سبيل بعض الكتب أو بعض المجلات أو بعض الإذاعات وتلقاها الشباب وحصلت الفرقة ؛ لأن هؤلاء الشباب الذين شذوا عن المنهج السلفي في الدعوة ، إنما تأثروا بهذه الأفكار الوافدة من الخارج .
أما الدعاة والشباب الذين بقوا على صلة بعلمائهم ، ولم يتأثروا بهذه الأفكار الواردة فهؤلاء – الحمد لله – على استقامة كسلفهم الصالح ، فالسبب في هذه الفرقة يرجع إلى الأفكار والمناهج الدعوية من غير علماء هذه البلاد ، من أناس مشبوهين أو أناس مضللين ؛ يريدون زوال هذه النعمة التي نعيشها في هذه البلاد من أمن ، واستقرار ، وتحكيم للشريعة ، وخيرات كثيرة في هذه البلاد ، لا توجد في البلاد الأخرى ، ويريدون أن يفرقوا بيننا ، وأن ينتزعوا شبابنا ، وأن ينزعوا الثقة من علمائنا ، وحينئذٍ يحصل – والعياذ بالله – ما لا تحمد عقباه ، فعلينا علماء ودعاة وشباباً وعامة بأن لا نتقبل الأفكار الوافدة ، ولا المبادئ المشبوهة حتى وإن تلبست بلباس الحق والخير – لباس السنة – فنحن لسنا على شك من وضعنا – ولله الحمد – نحن على منهج سليم وعلى عقيدة سليمة وعندنا كل خير – ولله الحمد – فلماذا نتلقى الأفكار الواردة من الخارج ، ونروجها بيننا وبين شبابنا ؟؟
فلا حل لهذه الفرقة إلا بترك هذه الأفكار الوافدة ، والإقبال على تنمية ما عندنا من الخير والعمل به والدعوة إليه ، نعم عندنا نقص ، وبإمكاننا أن نصلح أخطاءنا ، من غير أن نستورد الأفكار المخالفة للكتاب والسنة وفهم السلف من الخارج أو من ناس مشبوهين – وإن كانوا في هذه البلاد - أو مضللين ، الوقت الآن وقت فتن ، فكلما تأخر الزمان تشتد الفتن ، عليكم أن تدركوا هذا ولا تصغوا للشبهات ، ولا لأقوال المشبوهين والمضللين الذين يريدون سلب هذه النعمة التي نعيشها ، ونكون مثل البلاد الأخرى في سلب ونهب وقتل وضياع حقوق وفساد عقائد ، وعداوات ، وحزبيات .
وأقول لا يقع في أعراض العلماء المستقيمين على الحق إلا أحد ثلاثة :
إما منافق معلوم النفاق
وإما فاسق يبغض العلماء ؛ لأنهم يمنعونه من الفسق
وإما حزبي ضال يبغض العلماء ؛ لأنهم لا يوافقونه على حزبيته وأفكاره المنحرفة .
انتهى
،،ايمان،،
2009-01-01, 19:46
لا حرمت الأجر اخيتي ميمونة
لي عودة ان شاء الله
ميمونة 25
2009-01-02, 17:53
لا حرمت الأجر اخيتي ميمونة
لي عودة ان شاء الله
بارك الله فيك
vBulletin® v3.8.10 Release Candidate 2, Copyright ©2000-2025, TranZ by Almuhajir