xp_10
2008-12-30, 14:05
العالم بين الحربين
كانت شرارة الحرب العالمية الثانية النزاع (الألماني – البولندي) حول ممر وميناء دانتزج، إلا أن الأسباب الحقيقية لتلك الحرب كانت أبعد من ذلك؛ إذ يرجع بعضها إلى تسويات ما بعد الحرب العالمية الأولى، والتي أدت إلى تغير في رسم خريطة العالم، وبخاصة أوروبا، فأبرمت معاهدات عقابية أخذت طابع الانتقام ضد ألمانيا، ودفعت بأحد أعضاء الوفد الألماني في مؤتمر الصلح في "فرساي" سنة (1337هـ = 1919م) إلى القول للحلفاء: "سنراكم مرة ثانية بعد عشرين عامًا"، وصدقت نبوءة الرجل؛ فكانت الحرب العالمية الثانية التي طالت أغلب دول العالم، وكانت الأعنف في حروب البشر وصراعاتهم.
ألمانيا بعد صلح فرساي
كان الألمان يأملون في صلح عادل بعد هزيمتهم في الحرب العالمية الأولى، غير أن هذا الصلح كان بمثابة قاصمة للشعب الألماني؛ إذ خسرت ألمانيا 12.5% من مساحتها، و12% من سكانها، وحوالي 15% من إنتاجها الزراعي، و10% من صناعتها، و74% من إنتاجها من خام الحديد، وتقلَّصت مساحة السواحل الألمانية على بحر البلطيق وبحر الشمال، ونصَّ هذا الصلح أيضًا على الحيلولة دون قيام الوحدة بين ألمانيا والنمسا التي تضم أكبر مجموعة من الألمان تعيش خارج ألمانيا، ودخل نحو مليوني ألماني في حدود بولندا، ونحو ثلاثة ونصف مليون ألماني في حدود دولة تشيكوسلوفاكيا التي نشأت بعد الحرب العالمية الأولى، وكانت هذه الأقليات الألمانية سببًا في عدم الاستقرار، وفرضت على ألمانيا تعويضات قُدِّرت بستة مليارات وستمائة مليون جنيه بخلاف فوائدها.
وحددت معاهدة "فرساي" الجيش الألماني بأن لا يزيد على مائة ألف، وحددت سفن الأسطول الألماني، وحرمته من امتلاك سلاح الجو، مع دفع تعويضات ضخمة للحلفاء. وبالإضافة إلى ذلك تقرر أن تخلي ألمانيا المناطق الواقعة على الضفة اليمنى لنهر الراين بعرض ثلاثين ميلا من القوات العسكرية، وكانت فرنسا تريد فصل هذه المنطقة عن ألمانيا، وإقامة دولة مستقلة فيها تكون حاجزا بينها وبين ألمانيا التي أُجبرت على التخلي عن مستعمراتها فيما وراء البحار.
وأصبحت ألمانيا بعد هذا كله لا حول لها ولا قوة، أما فرنسا فرأت أن ألمانيا لم تتحطم بعد، فأقدمت عام (1342هـ=1923م) على احتلال إقليم "الروهر" الألماني الغني بالمناجم، وعللت ذلك بأن هذا الأمر سيرغم ألمانيا على دفع التعويضات.
الأزمة الاقتصادية وصعود هتلر
هذه الضربات المتلاحقة للاقتصاد الألماني تسببت في عدم استقرار سياسي، ثم تعمقت هذه الأزمات سنة (1348هـ=1929م) عندما تعرض العالم لأزمة اقتصادية طاحنة بدأت في الولايات المتحدة، وانتقلت منها إلى جميع دول العالم، إلا أن ألمانيا كانت معاناتها أشد؛ إذ توقفت أغلب مصانعها، وزاد عدد العاطلين بها عن ستة ملايين عامل، وانتشرت روح القلق والسخط في نفوس العمال، وخرجت المظاهرات ترفع الأعلام الحمراء (التي كانت تعبر عن الشيوعية)؛ فتطلعت الأنظار إلى حزب العمال الاشتراكي الوطني الذي يرأسه أودلف هتلر، وانضم إليه الجنود القدامى، وكثير من أرباب المهن، وأُعجب هؤلاء بالنازية التي تنادي بتوحيد الألمان في دولة واحدة تتساوى مع الدول الكبرى، وإلغاء معاهدات الصلح المهينة، وإبعاد اليهود والأجانب من الحياة الاقتصادية والاجتماعية في ألمانيا، واتخذ هذا الحزب من شارة الصليب المعقوف رمزًا له.
وقد تضاعف عدد النازيين أثناء الأزمة الاقتصادية، فحصل حزب هتلر على المركز الثاني في مقاعد "الرايخستاج" (البرلمان) عام (1349هـ=1930م)، ثم حصل هتلر على أغلب الأصوات (24 مليون صوت) في انتخابات (1350هـ=1932م)، وتولى منصب المستشارية (رئاسة الوزراء) في ألمانيا في (1351هـ= يناير 1933م).
ولم يكد يتسلم مهام منصبه حتى عزم على السيطرة على زمام الحكم في البلاد، فاستصدر أمرًا بحل "الرايخستاج" وإجراء انتخابات جديدة، وبدأ في عملية إرهاب ضد أعدائه ومعارضيه –خاصة الشيوعيين-، ثم أعلن أن الحزب الوطني الاشتراكي النازي هو الحزب القانوني الوحيد في البلاد، ثم تولَّى سنة (1353هـ=1934م) منصب الرئاسة في ألمانيا مع احتفاظه بمنصب المستشارية، وكان ذلك تمهيدا لطريق الحرب العالمية الثانية.
الفاشية
موسوليني
نشأت الفاشية في إيطاليا في ظروف الخطر الشيوعي الذي هددها، وكانت إيطاليا قد انضمت إلى الحلفاء أثناء الحرب العالمية الأولى لتحقيق مغانم استعمارية في أفريقيا والشرق الأدنى والساحل الأدرياتيكي، وفقدت في تلك الحرب حوالي (650) ألف جندي، غير أن الحلفاء عاملوها كشريك صغير عند توزيع الغنائم، فلم تفُز في الصلح بغير تسعة آلاف ميل مربع من الأرض في أوروبا، ومليون ونصف في جهات مختلفة، ولم تقنع روما بهذه المكاسب التي أثارت استياء الإيطاليين.
وفي نفس الوقت ساد جو من الاضطراب وعدم الاستقرار في الحكم؛ فتعاقبت الوزارات، وتفشَّت البطالة وتراكمت الديون، وأصبحت غالبية الشعب تميل نحو الشيوعية، عندها تقدم اليمين المتطرف بزعامة "موسوليني" للسيطرة على الحكم، وقاد عملية الزحف على روما في (ربيع أول 1341هـ = أكتوبر 1922م)، واستطاع أن يُسقط الحكومة ويؤلف الوزارة، ومنذ ذلك التاريخ بدأت الفاشية في إيطاليا، وقاد سياسة توسعية خارجية، وطالب بإعادة النظر في مشكلة التعويضات، ومعاهدات الصلح.
ألمانيا الهتلرية
مع تولِّي النازيين بزعامة هتلر للحكم في ألمانيا تعرض ميزان القوى في أوروبا للخطر، وكانت سياسة هتلر الخارجية تهدف في البداية إلى إزالة عار الهزيمة وتبعاتها عن ألمانيا؛ لكي تحتل مكان الصدارة بين الأمم، وتقوم بتصفية حسابها مع من أذلُّوها –خاصة فرنسا-، ويتم توحيد وضم الشعوب الألمانية في دولة واحدة، وكانت خطواته لتحقيق ذلك تحطيم معاهدة فرساي، والقضاء على بنودها، ثم بسط السيطرة الألمانية على أوروبا سواء بالوسائل السلمية أم الحرب.
لذا شرع هتلر في إعادة تسليح ألمانيا، فأعلن في (المحرم 1354هـ=مارس 1935) امتلاك السلاح الجوي، ثم عقد اتفاقًا بحريًا مع بريطانيا في نفس العام، ألغى فيه التحديد الصارم للقوات البحرية الألمانية مقابل اعترافه بتفوق القوات البحرية البريطانية، وتساهلت معه بريطانيا في عدد وحمولات الغواصات التي يمكن لألمانيا امتلاكها، وبذلك استطاع أن يفصل بريطانيا عن الحلف الذي أقامته فرنسا مع الاتحاد السوفيتي، كذلك زاد عدد الجيش الألماني إلى (300) ألف مقاتل بدلاً من (100) ألف، ثم فرض الخدمة العسكرية الإجبارية، وإقامة جيش دائم في السلم يُقدر بنصف مليون جندي.
ثم شرع هتلر في احتلال أراضي الراين في (المحرم 1355=مارس 1936م) رغم أن صلح فرساي ينص على أن تكون منطقة محايدة منزوعة السلاح ضمانًا لأمن فرنسا. وفي نفس الفترة احتلت إيطاليا الحبشة، وبذلك فسدت العلاقة بين إيطاليا والحلفاء، وكانت تلك بداية تكوين تحالف "المحور"، الذي تدعم بمساندة هتلر وموسوليني لثورة فرانكو في الحرب الأهلية الأسبانية بحوالي ثمانين ألف جندي.
بدايات تكوين المحور
جاء تكوين المحور بسبب فساد العلاقات بين إيطاليا وكل من بريطانيا وفرنسا؛ بسبب احتلال إيطاليا للحبشة، بالإضافة إلى عوامل أخرى؛ منها التشابه الأيديولوجي بين النازية والفاشية، وحاجة الدولتين إلى التوسع الخارجي لامتصاص الزيادة السكانية، وجاءت الحرب الأسبانية لتوحد جهودهما، وجاءت كلمة المحور في خطاب لموسوليني في (رمضان 1355هـ= نوفمبر 1936م)، وفي نفس الشهر وقَّعت إيطاليا واليابان وألمانيا معاهدة ضد الشيوعية، ثم تطورت عام (1358هـ=1939م) إلى تحالف سياسي وعسكري كامل عُرف باسم "محور روما-برلين"، ويقضي بتوسع إيطاليا في البحر المتوسط وتوسع ألمانيا في وسط وشرقي أوروبا.
ثم بدأت عملية استقطاب دولي سريع في تلك الفترة بين المعسكرين الكبيرين (المحور والحلفاء)؛ فانضمت اليابان ثم المجر وبلغاريا ورومانيا وسلوفاكيا وكرواتيا إلى المحور، أما الحلفاء فكان يأتي في مقدمتهم بريطانيا وفرنسا.
نهاية الحرب :
الضحايا
فقد حوالي 70 مليون شخص حياته في الحرب العالمية الثانية، حوالي 20 مليون جندي و50 مليون مدني (التقديرات حول الرقم الصحيح تختلف). وذلك يتضمن ما يقدر بـ 11 مليونا ذهبوا ضحايا للمحرقة، جزء كبير من هؤلاء (يقدرون ب6 ملايين) من اليهود، والباقي بولونيين ورومان ومثليين وشيوعيين ومعارضين وأفارقة ألمان ومعاقين وأسرى سوفييت وغيرهم.
خسر الحلفاء في الحرب العالمية الثانية حوالي 12.3 مليون عسكري، منهم 8 ملايين سوفييتي وخسرت قوات المحور 7.2 مليون عسكري منهم 5 ملايين ألماني. كانت خسائر السوفييت هي الأكبر في الأرواح، فخسرت ما مجموعه 28 مليون ضحية، منهم 20 مليون مدني و8 ملايين عسكري. وتشير التقديرات أن الخسائر البشرية للحرب العالمية الثانية كانت موزعة بنسبة 84% للحلفاء و 16% لقوات المحور.
عالم من الخراب
في نهاية الحرب، كان هناك ملايين اللأجئين المشردين، إنهار الإقتصاد الأوروبي ودمر 70% من البنية التحتية الصناعية فيها.
طلب المنتصرون في الشرق أن تدفع لهم تعويضات من قبل الأمم التي هزمت، وفي معاهدة السلام في باريس عام 1947، دفعت الدول التي عادت الإتحاد السوفييتي وهي هنجاريا، فنلندا ورومانيا 300 مليون دولار أمريكي (بسعر الدولار لعام 1938) للإتحاد السوفييتي. وطلب من إيطاليا ان تدفع 360 مليون دولار تقاسمتها وبشكل رئيس اليونان ويوغوسلافيا والإتحاد السوفييتي.
على عكس ما حدث في الحرب العالمية الأولى، فإن المنتصرون في المعسكر الغربي لم يطالبوا بتعويضات من الأمم المهزومة. ولكن على العكس، فإن خطة تم إنشاءها على يد سكرتير الدولة جورج مارشال، سميت "برنامج التعافي الأوروبي" والمشهور بخطة مارشال، وطلب من الكونجرس الأمريكي أن يؤظف بليون دولار لإعادة إعمار أوروبا. وكذلك كجزء من الجهود لإعادة بناء الرأسمالية العالمية ولإطلاق عملية البناء لفترة ما بعد الحرب، وطبق نظام بريتون وودز الإقتصادي بعد الحرب.
أدت الحرب أيضا لزيادة قوة الحركات الإنفصالية بين القوى الأوروبية، والمستعمرات في أفريقيا، آسيا وأمريكا، وحصل معظمها على الإستقلال خلال العشرين عاما التي تلت.
الأمم المتحدة
بما أن عصبة الأمم فشلت وبشكل واضح في منع الحرب، فإن نظام عالمي جديد تم بناءه. وتم إنشاء منظمة الأمم المتحدة في العام 1945. وبالإضافة إلى ذلك ولمنع تكرار مثل هذه الحرب الشاملة مرة اخرى ولإنشاء سلام طويل الأمد في أوروبا، أنشئت جمعية الفحم والحديد الأوروبية عام 1951 خلال معاهدة باريس عام 1951، التي قادت إلى إنشاء الإتحاد الأوروبي لاحقا.
بدء الحرب الباردة
يرى العديدون بأن نهاية الحرب العالمية الثانية كان نهاية بريطانيا كقوة عظمى في العالم، وبداية لتحول الولايات الأمريكية المتحدة والإتحاد السوفييتي لأكبر قوتين في العالم. كانت الإختلافات تتنامى بين هاتين القوتين قبل نهاية الحرب، وبإنهيار ألمانيا النازية تدنت العلاقات بينهما إلى الحضيض.
في المناطق التي إحتلتها قوات الحلفاء الغربية، تم إنشاء حكومات ديمقراطية؛ وفي المناطق المحتلة من قبل القوات السوفييتية، من ضمنها أراضي حلفاء سابقون كبولندا، إنشئت حكومات شيوعية وصفت بأنها شكلية، واعتبر البعض وخاصة في تلك الدول الشرقية بأنه ذلك خيانة من قبل قوات الحلفاء لهم. وكان الكثيرون في الغرب قد إنتقدوا ذلك معتبرين بأن معاملة روزفلت وتشرتشل لستالين وكأنه حليف ديمقراطي ولاموهم لتعاملهم مع ستالين في يالطا بذات الشكل من المهادنة الذي عومل به هتلر قبل الحرب، وبالتالي عدم تعلمهم من الخطأ السابق وتسليمهم شرق أوروبا للشيوعيين.(تشرتشل ذاته قال بعد بدء الحرب الباردة ما معناه "قتلنا الخنزير الخطأ.")
قُسّمت ألمانيا إلى أربعة مناطق محتلة، جُمعت الأمريكية والبريطانية والفرنسية لتشكل ما عرف بألمانيا الغربية، وعرفت المنطقة السوفييتية بألمانيا الشرقية. تم فصل النمسا عن ألمانيا وقسمت هي الأخرى لأربعة مناطق محتلة، والتي عادت لتتحد لاحقا مكونة الدولة النمساوية الحالية. وكوريا أيضا تم تقسيمها على خط عرض 38 شمال.
كانت التقسيمات غير رسمية؛ ولكنها كانت توضح مناطق التأثير، وساءت العلاقات بين المنتصرين بشكل مستمر لتصبح خطوط التقسيم أمرا واقعا وتمثل الحدود الدولية. وبدأت الحرب الباردة، وبسرعة أصبح العالم منقسما إلى حلفين، حلف الناتو وحلف وارسو.
كانت شرارة الحرب العالمية الثانية النزاع (الألماني – البولندي) حول ممر وميناء دانتزج، إلا أن الأسباب الحقيقية لتلك الحرب كانت أبعد من ذلك؛ إذ يرجع بعضها إلى تسويات ما بعد الحرب العالمية الأولى، والتي أدت إلى تغير في رسم خريطة العالم، وبخاصة أوروبا، فأبرمت معاهدات عقابية أخذت طابع الانتقام ضد ألمانيا، ودفعت بأحد أعضاء الوفد الألماني في مؤتمر الصلح في "فرساي" سنة (1337هـ = 1919م) إلى القول للحلفاء: "سنراكم مرة ثانية بعد عشرين عامًا"، وصدقت نبوءة الرجل؛ فكانت الحرب العالمية الثانية التي طالت أغلب دول العالم، وكانت الأعنف في حروب البشر وصراعاتهم.
ألمانيا بعد صلح فرساي
كان الألمان يأملون في صلح عادل بعد هزيمتهم في الحرب العالمية الأولى، غير أن هذا الصلح كان بمثابة قاصمة للشعب الألماني؛ إذ خسرت ألمانيا 12.5% من مساحتها، و12% من سكانها، وحوالي 15% من إنتاجها الزراعي، و10% من صناعتها، و74% من إنتاجها من خام الحديد، وتقلَّصت مساحة السواحل الألمانية على بحر البلطيق وبحر الشمال، ونصَّ هذا الصلح أيضًا على الحيلولة دون قيام الوحدة بين ألمانيا والنمسا التي تضم أكبر مجموعة من الألمان تعيش خارج ألمانيا، ودخل نحو مليوني ألماني في حدود بولندا، ونحو ثلاثة ونصف مليون ألماني في حدود دولة تشيكوسلوفاكيا التي نشأت بعد الحرب العالمية الأولى، وكانت هذه الأقليات الألمانية سببًا في عدم الاستقرار، وفرضت على ألمانيا تعويضات قُدِّرت بستة مليارات وستمائة مليون جنيه بخلاف فوائدها.
وحددت معاهدة "فرساي" الجيش الألماني بأن لا يزيد على مائة ألف، وحددت سفن الأسطول الألماني، وحرمته من امتلاك سلاح الجو، مع دفع تعويضات ضخمة للحلفاء. وبالإضافة إلى ذلك تقرر أن تخلي ألمانيا المناطق الواقعة على الضفة اليمنى لنهر الراين بعرض ثلاثين ميلا من القوات العسكرية، وكانت فرنسا تريد فصل هذه المنطقة عن ألمانيا، وإقامة دولة مستقلة فيها تكون حاجزا بينها وبين ألمانيا التي أُجبرت على التخلي عن مستعمراتها فيما وراء البحار.
وأصبحت ألمانيا بعد هذا كله لا حول لها ولا قوة، أما فرنسا فرأت أن ألمانيا لم تتحطم بعد، فأقدمت عام (1342هـ=1923م) على احتلال إقليم "الروهر" الألماني الغني بالمناجم، وعللت ذلك بأن هذا الأمر سيرغم ألمانيا على دفع التعويضات.
الأزمة الاقتصادية وصعود هتلر
هذه الضربات المتلاحقة للاقتصاد الألماني تسببت في عدم استقرار سياسي، ثم تعمقت هذه الأزمات سنة (1348هـ=1929م) عندما تعرض العالم لأزمة اقتصادية طاحنة بدأت في الولايات المتحدة، وانتقلت منها إلى جميع دول العالم، إلا أن ألمانيا كانت معاناتها أشد؛ إذ توقفت أغلب مصانعها، وزاد عدد العاطلين بها عن ستة ملايين عامل، وانتشرت روح القلق والسخط في نفوس العمال، وخرجت المظاهرات ترفع الأعلام الحمراء (التي كانت تعبر عن الشيوعية)؛ فتطلعت الأنظار إلى حزب العمال الاشتراكي الوطني الذي يرأسه أودلف هتلر، وانضم إليه الجنود القدامى، وكثير من أرباب المهن، وأُعجب هؤلاء بالنازية التي تنادي بتوحيد الألمان في دولة واحدة تتساوى مع الدول الكبرى، وإلغاء معاهدات الصلح المهينة، وإبعاد اليهود والأجانب من الحياة الاقتصادية والاجتماعية في ألمانيا، واتخذ هذا الحزب من شارة الصليب المعقوف رمزًا له.
وقد تضاعف عدد النازيين أثناء الأزمة الاقتصادية، فحصل حزب هتلر على المركز الثاني في مقاعد "الرايخستاج" (البرلمان) عام (1349هـ=1930م)، ثم حصل هتلر على أغلب الأصوات (24 مليون صوت) في انتخابات (1350هـ=1932م)، وتولى منصب المستشارية (رئاسة الوزراء) في ألمانيا في (1351هـ= يناير 1933م).
ولم يكد يتسلم مهام منصبه حتى عزم على السيطرة على زمام الحكم في البلاد، فاستصدر أمرًا بحل "الرايخستاج" وإجراء انتخابات جديدة، وبدأ في عملية إرهاب ضد أعدائه ومعارضيه –خاصة الشيوعيين-، ثم أعلن أن الحزب الوطني الاشتراكي النازي هو الحزب القانوني الوحيد في البلاد، ثم تولَّى سنة (1353هـ=1934م) منصب الرئاسة في ألمانيا مع احتفاظه بمنصب المستشارية، وكان ذلك تمهيدا لطريق الحرب العالمية الثانية.
الفاشية
موسوليني
نشأت الفاشية في إيطاليا في ظروف الخطر الشيوعي الذي هددها، وكانت إيطاليا قد انضمت إلى الحلفاء أثناء الحرب العالمية الأولى لتحقيق مغانم استعمارية في أفريقيا والشرق الأدنى والساحل الأدرياتيكي، وفقدت في تلك الحرب حوالي (650) ألف جندي، غير أن الحلفاء عاملوها كشريك صغير عند توزيع الغنائم، فلم تفُز في الصلح بغير تسعة آلاف ميل مربع من الأرض في أوروبا، ومليون ونصف في جهات مختلفة، ولم تقنع روما بهذه المكاسب التي أثارت استياء الإيطاليين.
وفي نفس الوقت ساد جو من الاضطراب وعدم الاستقرار في الحكم؛ فتعاقبت الوزارات، وتفشَّت البطالة وتراكمت الديون، وأصبحت غالبية الشعب تميل نحو الشيوعية، عندها تقدم اليمين المتطرف بزعامة "موسوليني" للسيطرة على الحكم، وقاد عملية الزحف على روما في (ربيع أول 1341هـ = أكتوبر 1922م)، واستطاع أن يُسقط الحكومة ويؤلف الوزارة، ومنذ ذلك التاريخ بدأت الفاشية في إيطاليا، وقاد سياسة توسعية خارجية، وطالب بإعادة النظر في مشكلة التعويضات، ومعاهدات الصلح.
ألمانيا الهتلرية
مع تولِّي النازيين بزعامة هتلر للحكم في ألمانيا تعرض ميزان القوى في أوروبا للخطر، وكانت سياسة هتلر الخارجية تهدف في البداية إلى إزالة عار الهزيمة وتبعاتها عن ألمانيا؛ لكي تحتل مكان الصدارة بين الأمم، وتقوم بتصفية حسابها مع من أذلُّوها –خاصة فرنسا-، ويتم توحيد وضم الشعوب الألمانية في دولة واحدة، وكانت خطواته لتحقيق ذلك تحطيم معاهدة فرساي، والقضاء على بنودها، ثم بسط السيطرة الألمانية على أوروبا سواء بالوسائل السلمية أم الحرب.
لذا شرع هتلر في إعادة تسليح ألمانيا، فأعلن في (المحرم 1354هـ=مارس 1935) امتلاك السلاح الجوي، ثم عقد اتفاقًا بحريًا مع بريطانيا في نفس العام، ألغى فيه التحديد الصارم للقوات البحرية الألمانية مقابل اعترافه بتفوق القوات البحرية البريطانية، وتساهلت معه بريطانيا في عدد وحمولات الغواصات التي يمكن لألمانيا امتلاكها، وبذلك استطاع أن يفصل بريطانيا عن الحلف الذي أقامته فرنسا مع الاتحاد السوفيتي، كذلك زاد عدد الجيش الألماني إلى (300) ألف مقاتل بدلاً من (100) ألف، ثم فرض الخدمة العسكرية الإجبارية، وإقامة جيش دائم في السلم يُقدر بنصف مليون جندي.
ثم شرع هتلر في احتلال أراضي الراين في (المحرم 1355=مارس 1936م) رغم أن صلح فرساي ينص على أن تكون منطقة محايدة منزوعة السلاح ضمانًا لأمن فرنسا. وفي نفس الفترة احتلت إيطاليا الحبشة، وبذلك فسدت العلاقة بين إيطاليا والحلفاء، وكانت تلك بداية تكوين تحالف "المحور"، الذي تدعم بمساندة هتلر وموسوليني لثورة فرانكو في الحرب الأهلية الأسبانية بحوالي ثمانين ألف جندي.
بدايات تكوين المحور
جاء تكوين المحور بسبب فساد العلاقات بين إيطاليا وكل من بريطانيا وفرنسا؛ بسبب احتلال إيطاليا للحبشة، بالإضافة إلى عوامل أخرى؛ منها التشابه الأيديولوجي بين النازية والفاشية، وحاجة الدولتين إلى التوسع الخارجي لامتصاص الزيادة السكانية، وجاءت الحرب الأسبانية لتوحد جهودهما، وجاءت كلمة المحور في خطاب لموسوليني في (رمضان 1355هـ= نوفمبر 1936م)، وفي نفس الشهر وقَّعت إيطاليا واليابان وألمانيا معاهدة ضد الشيوعية، ثم تطورت عام (1358هـ=1939م) إلى تحالف سياسي وعسكري كامل عُرف باسم "محور روما-برلين"، ويقضي بتوسع إيطاليا في البحر المتوسط وتوسع ألمانيا في وسط وشرقي أوروبا.
ثم بدأت عملية استقطاب دولي سريع في تلك الفترة بين المعسكرين الكبيرين (المحور والحلفاء)؛ فانضمت اليابان ثم المجر وبلغاريا ورومانيا وسلوفاكيا وكرواتيا إلى المحور، أما الحلفاء فكان يأتي في مقدمتهم بريطانيا وفرنسا.
نهاية الحرب :
الضحايا
فقد حوالي 70 مليون شخص حياته في الحرب العالمية الثانية، حوالي 20 مليون جندي و50 مليون مدني (التقديرات حول الرقم الصحيح تختلف). وذلك يتضمن ما يقدر بـ 11 مليونا ذهبوا ضحايا للمحرقة، جزء كبير من هؤلاء (يقدرون ب6 ملايين) من اليهود، والباقي بولونيين ورومان ومثليين وشيوعيين ومعارضين وأفارقة ألمان ومعاقين وأسرى سوفييت وغيرهم.
خسر الحلفاء في الحرب العالمية الثانية حوالي 12.3 مليون عسكري، منهم 8 ملايين سوفييتي وخسرت قوات المحور 7.2 مليون عسكري منهم 5 ملايين ألماني. كانت خسائر السوفييت هي الأكبر في الأرواح، فخسرت ما مجموعه 28 مليون ضحية، منهم 20 مليون مدني و8 ملايين عسكري. وتشير التقديرات أن الخسائر البشرية للحرب العالمية الثانية كانت موزعة بنسبة 84% للحلفاء و 16% لقوات المحور.
عالم من الخراب
في نهاية الحرب، كان هناك ملايين اللأجئين المشردين، إنهار الإقتصاد الأوروبي ودمر 70% من البنية التحتية الصناعية فيها.
طلب المنتصرون في الشرق أن تدفع لهم تعويضات من قبل الأمم التي هزمت، وفي معاهدة السلام في باريس عام 1947، دفعت الدول التي عادت الإتحاد السوفييتي وهي هنجاريا، فنلندا ورومانيا 300 مليون دولار أمريكي (بسعر الدولار لعام 1938) للإتحاد السوفييتي. وطلب من إيطاليا ان تدفع 360 مليون دولار تقاسمتها وبشكل رئيس اليونان ويوغوسلافيا والإتحاد السوفييتي.
على عكس ما حدث في الحرب العالمية الأولى، فإن المنتصرون في المعسكر الغربي لم يطالبوا بتعويضات من الأمم المهزومة. ولكن على العكس، فإن خطة تم إنشاءها على يد سكرتير الدولة جورج مارشال، سميت "برنامج التعافي الأوروبي" والمشهور بخطة مارشال، وطلب من الكونجرس الأمريكي أن يؤظف بليون دولار لإعادة إعمار أوروبا. وكذلك كجزء من الجهود لإعادة بناء الرأسمالية العالمية ولإطلاق عملية البناء لفترة ما بعد الحرب، وطبق نظام بريتون وودز الإقتصادي بعد الحرب.
أدت الحرب أيضا لزيادة قوة الحركات الإنفصالية بين القوى الأوروبية، والمستعمرات في أفريقيا، آسيا وأمريكا، وحصل معظمها على الإستقلال خلال العشرين عاما التي تلت.
الأمم المتحدة
بما أن عصبة الأمم فشلت وبشكل واضح في منع الحرب، فإن نظام عالمي جديد تم بناءه. وتم إنشاء منظمة الأمم المتحدة في العام 1945. وبالإضافة إلى ذلك ولمنع تكرار مثل هذه الحرب الشاملة مرة اخرى ولإنشاء سلام طويل الأمد في أوروبا، أنشئت جمعية الفحم والحديد الأوروبية عام 1951 خلال معاهدة باريس عام 1951، التي قادت إلى إنشاء الإتحاد الأوروبي لاحقا.
بدء الحرب الباردة
يرى العديدون بأن نهاية الحرب العالمية الثانية كان نهاية بريطانيا كقوة عظمى في العالم، وبداية لتحول الولايات الأمريكية المتحدة والإتحاد السوفييتي لأكبر قوتين في العالم. كانت الإختلافات تتنامى بين هاتين القوتين قبل نهاية الحرب، وبإنهيار ألمانيا النازية تدنت العلاقات بينهما إلى الحضيض.
في المناطق التي إحتلتها قوات الحلفاء الغربية، تم إنشاء حكومات ديمقراطية؛ وفي المناطق المحتلة من قبل القوات السوفييتية، من ضمنها أراضي حلفاء سابقون كبولندا، إنشئت حكومات شيوعية وصفت بأنها شكلية، واعتبر البعض وخاصة في تلك الدول الشرقية بأنه ذلك خيانة من قبل قوات الحلفاء لهم. وكان الكثيرون في الغرب قد إنتقدوا ذلك معتبرين بأن معاملة روزفلت وتشرتشل لستالين وكأنه حليف ديمقراطي ولاموهم لتعاملهم مع ستالين في يالطا بذات الشكل من المهادنة الذي عومل به هتلر قبل الحرب، وبالتالي عدم تعلمهم من الخطأ السابق وتسليمهم شرق أوروبا للشيوعيين.(تشرتشل ذاته قال بعد بدء الحرب الباردة ما معناه "قتلنا الخنزير الخطأ.")
قُسّمت ألمانيا إلى أربعة مناطق محتلة، جُمعت الأمريكية والبريطانية والفرنسية لتشكل ما عرف بألمانيا الغربية، وعرفت المنطقة السوفييتية بألمانيا الشرقية. تم فصل النمسا عن ألمانيا وقسمت هي الأخرى لأربعة مناطق محتلة، والتي عادت لتتحد لاحقا مكونة الدولة النمساوية الحالية. وكوريا أيضا تم تقسيمها على خط عرض 38 شمال.
كانت التقسيمات غير رسمية؛ ولكنها كانت توضح مناطق التأثير، وساءت العلاقات بين المنتصرين بشكل مستمر لتصبح خطوط التقسيم أمرا واقعا وتمثل الحدود الدولية. وبدأت الحرب الباردة، وبسرعة أصبح العالم منقسما إلى حلفين، حلف الناتو وحلف وارسو.