الحلم الضائع
2008-12-30, 10:32
في بيتنا "غزة"!
* بقلم حسين عبد الظاهر *
جلس يقلب بين المحطات الفضائية، بحثًا عن قناة تبث مباريات بطولة كأس الأمم الإفريقية؛ التي تستضيفها غانا هذه الأيام، بعد أن احتكرت إحدى المحطات بثها حصريًّا، استوقفته زوجته، وطلبت منه أن يعيد الريموت كنترول للقناة السابقة، التي كانت تبث مشاهد لأطفال غزة، وهم يتظاهرون بالشموع، وسط ظلام دامس.
استسلم لطلب زوجته، بعد أن يئس في العثور على محطة فضائية تنقل المباراة، كانت القناة الإخبارية تنقل بثًّا مباشرًا لأوضاع السكان في قطاع غزة، بعد انقطاع التيار الكهربائي، ونقص حاد في الوقود والمواد الغذائية، كانت المشاهد موجعة، وتعتصر القلوب.
بادرها بالقول: هم الفلسطينيون الذين فعلوا ذلك في أنفسهم، بسبب انقسامهم، واقتتالهم الداخلي.
أجابته: القضية الآن ليست في الانقسام الذي حدث بين الفلسطينيين، القضية الآن في الكارثة التي تحل بالأطفال والمرضى والعجائز في القطاع.
قال لها وهو يقلب صفحات مجلة، بعد أن ترك الريموت: وماذا نفعل لهم؟، لا نملك شيئًا.
سحبت من يده المجلة، وقالت: نستطيع أن نفعل الكثير، ونادت على أولادهم الثلاثة، قال: اتركي الأولاد بعيدًا عن مثل هذه الأمور.. الأولاد ما يزالون صغارًا.
فأجابته: وأطفال غزة أيضًا ما يزالون صغارًا.
حضر الأبناء، فقالت لهم: سوف نجلس معًا، لنشاهد ما يحدث لإخواننا في قطاع غزة، وهمست في أذن زوجها: هذا أول شيء يمكن أن نفعله.
جلسوا جميعًا يتابعون التقارير التي تنقل معاناة الشعب الفلسطيني، ويتبادلون التعليقات، ويطرح الأبناء بعض الأسئلة والاستفسارات عن القضية الفلسطينية، فكانت الزوجة تجيب أحيانًا، وتترك للزوج الفرصة للقيام بالدور.
بعد انتهاء البث المباشر قالت الزوجة: بابا جمعنا يا أولاد لكي نفكر معًا، في تقديم شيء عملي، نساعد به أشقاءنا في قطاع غزة.
شعر الزوج بالحرج مما نسبته إليه زوجته، فأراد أن يؤكد لها أنه يوافقها الرأي، فقال: نعم يا أولاد .. المفروض أن نساعد إخواننا في غزة، وأنا جمعتكم من أجل ذلك.
قالت البنت الوسطى: ندعو لهم في كل صلاة، وندعو على المحتلين المجرمين.
قالت الأم: هذا اقتراح جميل.. نسجله، وأمسكت بورقة وقلم لتكتب المقترحات.
قال الأب: لكن الدعاء وحده لا يكفي، ما رأيكم في موضوع التبرع، لأنهم كما رأينا ظروفهم المعيشية صعبة للغاية، وسمعت أن هناك بعض المؤسسات الرسمية التي تقوم بتوصيل التبرعات لأهل فلسطين، كل واحد منا يُخرج جزءًا من مصروفه أو من ماله الخاص.. على حسب استطاعته.
فبادر الابن الأصغر: أنا سوف أتبرع بحصالتي كلها.. وأسرع إلى غرفته لإحضار الحصالة.
قال الابن الأكبر: أنا عن نفسي سوف أكوّن مجموعة بريدية على الإنترنت، أرسل لهم صورًا وأخبارًا عن الوضع في غزة، واطلب منهم أن يتفاعلوا مع القضية، وينشروها على مستوى واسع، ونفكر كلنا في إيجاد حل.
قال الأب مستحسنا الفكرة: جميل جدا، والأم تسجل المقترحات.
قالت البنت: وممكن يا أحمد أن نعمل أيضًا مدونة عن حصار غزة، والموضوع بسيط جدًّا، لكن محتاج أن نبذل فيه جهدًا، حتى تكون المدونة مؤثرة، وتجعل الشباب يتفاعلون.
الأم: نحن الآن كتبنا بعض المقترحات العملية الجيدة، لكن أعتقد أن هناك أفكارًا أخرى، ممكن أن ننفذها.
فقالت البنت: يمكن أن أعمل مجلة حائط في المدرسة.
وقال الابن الأكبر: ويمكن أن نعمل مجلة أخرى في مدخل العمارة.
وبينما كان الأبناء يتناقشون في كيفية تنفيذ الأفكار التي توصلوا إليها، لاحظ الأب أن زوجته تحيل بصرها في أرجاء الشقة، وهي تنظر للأجهزة الكهربائية، ومصابيح الإضاءة.
أدرك ما تفكر فيه زوجته، فقال لها: الأولاد عندهم مذاكرة.
قالت: وأطفال غزة أيضًا، عندهم مذاكرة وامتحانات.
قال: الجو بارد، والشقة تحتاج للتدفئة.
قالت: وليس بردنا أشد من برد غزة.
قال: كيف سنقضى ليلتنا.
قالت: كما يقضون هم لياليهم.
الأولاد يستمعون إلى كلام الأب والأم كأنه ألغاز تحتاج إلى حل.
قالت الأم: ما رأيكم يا أولاد.. نفصل التيار الكهربائي عن الشقة هذه الليلة.. لنشارك إخواننا في غزة شيئًا من معاناتهم.
الأولاد صمتوا قليلا، كأنهم يفكرون في الاقتراح، ثم أجابوا في صوت واحد: والله فكرة، ولم يجد الأب سبيلا غير الموافقة، لكنه اكتفى بالإعلان عنها بالإشارة برأسه.
صاح الابن الأكبر: لكن كيف سنجهز المقترحات الخاصة بالإنترنت، ومجلات الحائط؟.
قالت الأم: لو بدأنا تنفيذ مشروع مناصرة غزة بمعايشة ظروف أهلها، سوف يمثل ذلك دافعًا لتنفيذ بقية المقترحات، وبروح عالية.
قال الأب: خلاص يا أولاد.. توكلنا على الله، جهز يا أحمد الشمع، هات يا عمرو الـ...
(ملحوظة: لم يتمكن الزوج من استكمال كتابة الموضوع، فقد قامت الزوجة بفصل التيار الكهربائي عن الشقة)!!.
قصة غريبة
* بقلم حسين عبد الظاهر *
جلس يقلب بين المحطات الفضائية، بحثًا عن قناة تبث مباريات بطولة كأس الأمم الإفريقية؛ التي تستضيفها غانا هذه الأيام، بعد أن احتكرت إحدى المحطات بثها حصريًّا، استوقفته زوجته، وطلبت منه أن يعيد الريموت كنترول للقناة السابقة، التي كانت تبث مشاهد لأطفال غزة، وهم يتظاهرون بالشموع، وسط ظلام دامس.
استسلم لطلب زوجته، بعد أن يئس في العثور على محطة فضائية تنقل المباراة، كانت القناة الإخبارية تنقل بثًّا مباشرًا لأوضاع السكان في قطاع غزة، بعد انقطاع التيار الكهربائي، ونقص حاد في الوقود والمواد الغذائية، كانت المشاهد موجعة، وتعتصر القلوب.
بادرها بالقول: هم الفلسطينيون الذين فعلوا ذلك في أنفسهم، بسبب انقسامهم، واقتتالهم الداخلي.
أجابته: القضية الآن ليست في الانقسام الذي حدث بين الفلسطينيين، القضية الآن في الكارثة التي تحل بالأطفال والمرضى والعجائز في القطاع.
قال لها وهو يقلب صفحات مجلة، بعد أن ترك الريموت: وماذا نفعل لهم؟، لا نملك شيئًا.
سحبت من يده المجلة، وقالت: نستطيع أن نفعل الكثير، ونادت على أولادهم الثلاثة، قال: اتركي الأولاد بعيدًا عن مثل هذه الأمور.. الأولاد ما يزالون صغارًا.
فأجابته: وأطفال غزة أيضًا ما يزالون صغارًا.
حضر الأبناء، فقالت لهم: سوف نجلس معًا، لنشاهد ما يحدث لإخواننا في قطاع غزة، وهمست في أذن زوجها: هذا أول شيء يمكن أن نفعله.
جلسوا جميعًا يتابعون التقارير التي تنقل معاناة الشعب الفلسطيني، ويتبادلون التعليقات، ويطرح الأبناء بعض الأسئلة والاستفسارات عن القضية الفلسطينية، فكانت الزوجة تجيب أحيانًا، وتترك للزوج الفرصة للقيام بالدور.
بعد انتهاء البث المباشر قالت الزوجة: بابا جمعنا يا أولاد لكي نفكر معًا، في تقديم شيء عملي، نساعد به أشقاءنا في قطاع غزة.
شعر الزوج بالحرج مما نسبته إليه زوجته، فأراد أن يؤكد لها أنه يوافقها الرأي، فقال: نعم يا أولاد .. المفروض أن نساعد إخواننا في غزة، وأنا جمعتكم من أجل ذلك.
قالت البنت الوسطى: ندعو لهم في كل صلاة، وندعو على المحتلين المجرمين.
قالت الأم: هذا اقتراح جميل.. نسجله، وأمسكت بورقة وقلم لتكتب المقترحات.
قال الأب: لكن الدعاء وحده لا يكفي، ما رأيكم في موضوع التبرع، لأنهم كما رأينا ظروفهم المعيشية صعبة للغاية، وسمعت أن هناك بعض المؤسسات الرسمية التي تقوم بتوصيل التبرعات لأهل فلسطين، كل واحد منا يُخرج جزءًا من مصروفه أو من ماله الخاص.. على حسب استطاعته.
فبادر الابن الأصغر: أنا سوف أتبرع بحصالتي كلها.. وأسرع إلى غرفته لإحضار الحصالة.
قال الابن الأكبر: أنا عن نفسي سوف أكوّن مجموعة بريدية على الإنترنت، أرسل لهم صورًا وأخبارًا عن الوضع في غزة، واطلب منهم أن يتفاعلوا مع القضية، وينشروها على مستوى واسع، ونفكر كلنا في إيجاد حل.
قال الأب مستحسنا الفكرة: جميل جدا، والأم تسجل المقترحات.
قالت البنت: وممكن يا أحمد أن نعمل أيضًا مدونة عن حصار غزة، والموضوع بسيط جدًّا، لكن محتاج أن نبذل فيه جهدًا، حتى تكون المدونة مؤثرة، وتجعل الشباب يتفاعلون.
الأم: نحن الآن كتبنا بعض المقترحات العملية الجيدة، لكن أعتقد أن هناك أفكارًا أخرى، ممكن أن ننفذها.
فقالت البنت: يمكن أن أعمل مجلة حائط في المدرسة.
وقال الابن الأكبر: ويمكن أن نعمل مجلة أخرى في مدخل العمارة.
وبينما كان الأبناء يتناقشون في كيفية تنفيذ الأفكار التي توصلوا إليها، لاحظ الأب أن زوجته تحيل بصرها في أرجاء الشقة، وهي تنظر للأجهزة الكهربائية، ومصابيح الإضاءة.
أدرك ما تفكر فيه زوجته، فقال لها: الأولاد عندهم مذاكرة.
قالت: وأطفال غزة أيضًا، عندهم مذاكرة وامتحانات.
قال: الجو بارد، والشقة تحتاج للتدفئة.
قالت: وليس بردنا أشد من برد غزة.
قال: كيف سنقضى ليلتنا.
قالت: كما يقضون هم لياليهم.
الأولاد يستمعون إلى كلام الأب والأم كأنه ألغاز تحتاج إلى حل.
قالت الأم: ما رأيكم يا أولاد.. نفصل التيار الكهربائي عن الشقة هذه الليلة.. لنشارك إخواننا في غزة شيئًا من معاناتهم.
الأولاد صمتوا قليلا، كأنهم يفكرون في الاقتراح، ثم أجابوا في صوت واحد: والله فكرة، ولم يجد الأب سبيلا غير الموافقة، لكنه اكتفى بالإعلان عنها بالإشارة برأسه.
صاح الابن الأكبر: لكن كيف سنجهز المقترحات الخاصة بالإنترنت، ومجلات الحائط؟.
قالت الأم: لو بدأنا تنفيذ مشروع مناصرة غزة بمعايشة ظروف أهلها، سوف يمثل ذلك دافعًا لتنفيذ بقية المقترحات، وبروح عالية.
قال الأب: خلاص يا أولاد.. توكلنا على الله، جهز يا أحمد الشمع، هات يا عمرو الـ...
(ملحوظة: لم يتمكن الزوج من استكمال كتابة الموضوع، فقد قامت الزوجة بفصل التيار الكهربائي عن الشقة)!!.
قصة غريبة