تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الوصايا السنيَّة للتـائبين إلى الـسَّلفية


ابو اكرام
2008-12-29, 15:28
بسم الله الرحمـن الرحيم


شكر وتقدير

أشكر صاحب الفضيلة الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي على إذنه لي بقراءة الرسالة عليه ، وحُسن توجيهه في ذلك .
كما أشكر الشيخ عبد المالك رمضاني على الإطلاع عليها ومراجعتها .
كذلك الأخ نوَّاف بن خليفة على ما بذله من جهد ووقت في صف الرسالة وضبطها على الحاسب الآلي .
والله أسأل القوي العزيز أن يـبارك في أهل السنَّة وعلمائها ، وأن يقوي عزمهم ويُعزَّ شأنهم ، إنه وليُّ ذلك والقادر عليه .






مقدمة المؤلف :

إنَّ الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ محمد عبده ورسوله .
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون }( ) .
{ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا }( ) .
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا | يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما }( ) .
أما بعد :
فإنَّ أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
وبعد :
فأحمد الله -جل ثناؤه- على نعمه الكثيرة الوفيرة التي أنعمها على هذه الأمَّة عموما وعلى أهل السنَّة والجماعة خصوصا حيث أنار لهم الطريق ، فأصبحوا له مبصرين ، وبه مطمئنين .
وكيف لا يُـبصرون ولا يطمئنون ؟! ..
وهم يستنـيرون بكتاب ربهم ، وسنَّة نبيهم -صلى الله عليه وسلم- على فهم سلفهم الصالح ، من الصحابة والتابعين أهل القرون المفضلة الذي ضلَّ عنه قوم ، وإضطرب فيه آخرون ، فأصبحوا -والعياذ بالله- في الشبهات المضلَّة مفتونين ، وفي الشهوات غارقين .
ومع هذا فإنه -والحمد لله- لا يزال الكثير من الناس يُقبلون على التوبة إلى الله على منهج السلف الصالح فارِّين من الفرق الضَّالة ، والشبهات السقيمة التي أمرضت عقولهم وقلوبهم سنين عديدة ، وضيَّعت جهودهم أزماناً مديدة .
فأصبح حالهم يقول :
... لا حزبية ولا قومية ...
... ولا تبيلغية ولا صوفية ...
... ولا إخوانية ولا قطبية ...
... ولا جمهورية ولا برلمانية ...
... وإنما سلفيةٌ نبوية ، على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم .
ولا شك أن عودة هؤلاء التائبين إلى المنهج السلفي تُفرحنا معشر أهل السنَّة والجماعة وذلك أن أهل السنَّة والجماعة هم أرحم الناس بالخلق كما هم أعرفهم بالحق .
وكيف لا يفرحون بتوبة التائبين ؟! ..
وهم يسمعون قول نبيهم -صلى الله عليه وسلم : (( لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة )) ( ) .
وقوله -صلى الله عليه وسلم- : (( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )) ( ) .
إلا أن هذه الفرحة يصاحبها بعض الحزن والأسف على ما نلمسه ونشاهده في أحوال بعض التائبين إلى السلفية من الإضطراب وتخبُّطٍ بسبب الشبه الكثيرة التي يروجها أهل الباطل تارة فتعصف بالتائبين يُمنة ويسرة ، ولعدم سؤالهم أهل العلم من أهل السنَّة والجماعة في ذلك تارة أخرى .
من أجل ذلك رأيت أن أكتب بعض الوصايا( ) للتائبين إلى السلفية والتي أراها تعالج بعض هذه الإضطرابات والتخبطات التي أصابت بعض التائبين ، وقد حرصت فيها على إيجاز العبارة ، وسهولتها ، ليسهل فهمها وإستيعابها ، راجيا من الله اللطيف الخبير أن ينفعني وإيـاهم وجميع إخواني في ذلك ، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً .

كتبه : أبو عبد الله أحمد بن محمد الشِّحِّي .






الوصية الأولى :

إحمد الله على هذه النعمة وأشكره عليها

فإنها نعمة عظيمة يَمنُّ بها الله على من يشاء من عباده ، فأحسن في شكرها وإستعمالها ، وتذكر أنه :
كم من مغمور في الشبهات تُشرِّق به شبهة وتغرِّب به أخرى لا يدري كيف خلاصه .
وكم من مغموس في الشهوات مأسور بها لا يعلم متى معافاته .
فاشكر الله أيها التائب ، واعلم أن هذه النعمة من الله وحده لا حول ولا قوة لك فيها إلا بالله اللطيف الخبير ، فهو الذي لطف بك وهداك ولم يُمِتك وأنت غارق في الشبهات أو الشهوات فله الحمد في الأولى وفي الآخرة .
وهو الذي أرشدك ، ويسَّر نِعمه عليك قال تعالى : { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوه}ا ( ) .
وإياك أخي التائب والعجب والغرور ، أو الـمَّن على الله في ذلك قال تعالى : { كذلك كنتم من قبل فمَّن الله عليكم فتبيَّنوا }( ) .
وإياك إياك من السخرية ، أو احتقار الآخرين والمبتلين مما عافاك الله منه ، بل احمد الله على أن عافاك ولم يـبتليك بما ابتلاهم ، وقل إذا رأيت مبتلى : (( الحمد لله الذي عافاني مما إبتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا ))( ) .
وأشفق عليهم ، وارحمهم ، وتَمنَّ لهم ما أعطاك الله من الخير والهدى .
واعلم -وفقك الله- أنه لابد لك من سلك الأسباب المعينة على تصحيح توبتك بجد ونشاط وصدق وخلاص وأول ما تبدأ به هو :

الوصية الثانية :

طلب العلم أساس في تصحيح توبتك

فالعلم أساس في تصحيح توبتك ، وذلك لأمرين :
الأول : أن الشبهات في الغالب تكون متعلقة في قلبك وعقلك ، فإن لم تصححها بالعلم النافع فإنك ستجد نفسك مستصحبا لهذه الشبه في أقوالك وأعمالك وأحوالك ، بل وفي دعوتك كما هو حال كثير من الناس الذين قفزوا من التوبة إلى الدعوة ، فأصبحوا ينادون بالدعوة السلفية ، لكنها مشوبة بشبهات إخوانية تجميعية ، أو قطبية تكفيرية ، أو سرورية حزبية ، فالصورة سلفية والذوق والرائحة غير ذلك ، فصارت دعوتهم سلفية ضمن معايـير معينة كان أساسها شبهات قبل التوبة إستصحبوها ولم يصححوها :
فهذا ينادي بالإمارة الدعوية ...
وذاك يعطل بعض الأصول السلفية ، بدعوى أنها تسبب قسوة قلبية ، أو تقطع علاقة أخوية ...
وهذا يقرر أفكاراً قطبية ...
وذاك يدعو إلى الحزبية ...
وهذا يحمل أفكارا تهييجية ...
وذاك يَنصب خيمة تجميعية ...
وكل ذلك بإسم السلفية ، فإلى الله المشتكى ، وإنا لله وإنا إليه راجعون .
الثاني : أنه قد تعصف بك شبهة عاصفة ، فتغير مسارك وطريقك في التوبة إلى السلفية ، فتصبح حائرا أو داعيا إليها ظانا أنها الحق وهي الضلال عينه .
وكم تلاعب أقوام يدّعون العلم والسلفية بالشباب التائب إلى الله .
وما ذاك إلا لعدم طلبهم العلم النافع ، وسؤالهم لأهل العلم من أهل السنَّة والجماعة .
فلا بد لك أيها –وفقك الله- من طلب العلم النافع ، لأنه هو الذي يصحح توبتك ، ويقوِّم مسارك ، فبه تسلم من الشبهات والمزالق ، وتنجو من الشباه والمصايد بإذن الله وتوفيقه .
وأما الأدلة على فضل العلم وأهله فإنها كثيرة مشهورة أذكر منها مذكرا بقوله تعالى : { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }( ) ، وقوله تعالى : { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء }( ) ، وقوله تعالى : { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ }( )
وقلوله تعالى مُمتنَّا على نبيه –صلى الله عليه وسلَّم- بما أنزل عليه من الكتاب والحكمة ، وعصمته من إضلال الناس له : { وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً }( ) .
فإذا عرفت أيها التائب أهمية العلم وفضله وخطر إهماله ، فإعلم أن أول ما تبدأ به من العلوم هو :

الوصية الثالثة :

إبدأ في تعلُّم أصول أهل السنَّة والجماعة

واعلم -وفقك الله لطاعته- أني لا أعني بالأصول أنواع التوحيد الثلاثة فقط ، وإنَّما أعنيها أولاً ، وأعني ثانياً غيرها من الأصول التي إجتمع عليها أهل السنَّة والجماعة وفارقوا بها أهل البدعة والفُرقَةِ :
كالولاء والبراء ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والموقف من الصحابة وتوقيرهم والذَّب عنهم ، والموقف من ولاة الأمر ، والموقف من أهل المعاصي والكبائر ، والموقف من أهل البدع والكلام فيهم ومعاملتهم ، وغيرها من الأصول التي اجتمع عليها أهل السنَّة والجماعة ، وأدخلوها ضمن كتبهم العقدية إظهاراً للحق ومفارقةً منهم لأهل الزيغ والفتنة والهوى والفرقة ، وإن كانت في الأصل علمية غير عقدية .
فإن ضبطت هذه المسائل والأصول ، فإنك ستكون –بإذن الله– محصَّنا ضد كثير من الشبه التي تعصف في العالم الإسلامي يمنة ويسرة .
ولما فرَّط كثير من التائبين في هذا الباب ، ولم يقبلوا في بداية توبتهم على أصول أهل السنَّة والجماعة ومنهجهم ، أصبحوا مضطربين متخبطين بأدنى شبهة نسأل الله السلامة والعافية .
ومن تأمل حالهم فإنه يجد صورا وأمثلة كثيرة على هذا الإضطراب ، فمن ذلك :
المثال الأول :
أنك تجد التائب حريصا في بدايته على أن يكون بعيدا عن أهل البدعة والفرقة فترة من الزمن ، فإذا ما سمع له شبهة من متلبس بالسلفية ، ملخصها :
أن البعد عن أهل البدع وعدم مجالستهم ومخالطتهم غير صحيح ..
وأنه يفوِّت مصالح كثيرة ..
وأنه لا أحد معصوم بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأن الصحابة -رضي الله عنهم- أخطأوا ..
إلا وتراه قد مرض قلبه ، وشرب الشبهة أسرع من شربه الماء ، وإذا به قد أصبح مخالطا لأهل البدع ، مميعا للأصول السلفية بإسم السلفية .
وإنما حصل هذا الإضطراب ، لعدم إقباله على تعلم الكتاب والسنَّة على فهم سلف الأمة ، وعلى دراسة أصول أهل السنَّة والجماعة ، إذ لو أقبل عليها ، لعلم أن هذه الشبهة باطلة مغايرة لحال أهل السنَّة والجماعة مع أهل الأهواء والبدع قديماً وحديثاً ، ولعلم أن قول الـمُلبِّس لا أحد معصوم بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وأن كل أحد يخطئ ، وأنها كلمة حق أريد بها باطل ، وذلك أن أهل السنَّة والجماعة من الصحابة وتابعيهم بإحسان إذا أخطأ أحد منهم لم يكن خطؤه صادرا عن هوى ، أو عدم تتبعٍ للآثار ، أو تحريفٍ للنصوص ، أو اتباعٍ للمتشابه منها ، كما هو حال أهل البدع ، وإنما يكون بسبب عدم علمه بالدليل ، أو لعلمه به وعدم صحته عنده ، أو غير ذلك مما لهم فيه العذر .
وفيهم وفي من اتبعهم بإحسان ينـزَّلُ قول النبي –صلى الله عليه وسلم- : (( إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر )) . ( )
بخلاف أهل البدعة والفرقة فإنهم لا يـبالون بالآثار ، ويقدمون عقولهم على نصوص الكتاب والسنَّة ، بل يؤصلون أصولاً تغاير أصول أهل السنَّة والجماعة ، فهؤلاء لا يعتذر لهم بِما إعتذر به ذلك الملبِّس ولا يَصُفُّهُم في صف أهل السنَّة والجماعة إلا جاهل ، أو مبتدع مكابر .
ومن ذلك :
المثال الثاني : أنك تجد التائب متحمساً في بدايته إلى نقد أهل البدع لكن من غير ضابطٍ ولا علم ، فيستمر فترة من الزمن على ذلك ، فما أن يسمع شبهة ممن يدعي السلفية :
بأن النقد ليس من طريقة أهل السنَّة والجماعة ! ..
وأنه يقسي القلب !!! . ( )
وأن فلانا كان ينتقد الجماعات فإنتكس بسبب ذلك !!!..
إلا وتراه ينقلب على عقبيه ، فينكر هذا الأصل العظيم ، الذي قام عليه الدين ، بل ربما وجدته بعد ذلك يدعو الناس على ترك هذا الأصل بدعوى أنه يقسي القلوب .
والحق في ذلك أن هذا أصل عظيم ، قام عليه الدين الحنيف ، وباب متين في حفظ منهج أهل السنَّة والجماعة من التحريف ، وعبادة عظيمة ، وقربة جليلة ، تزيـد في إيمان المسلم لكن إذا قام بشروطه : من إخلاص وغيره حاله كحال أي عبادة أخرى تزيد في الإيمان .
فالخلل ليس في الأصل وإنما فيمن طبق الأصل من غير ضابط فلما وافقت الشبهة قبولاً في قلبه أنكر الأصل بدلاً من الإنكار على نفسه في عدم حسن تطبيقه للأصل .
ولهذا لم نرَ في أئمة الهدى من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان ، إلا الزهد والتقوى والخشية ، ولين القلب مع كثرة نقدهم وكلامهم في الرجال والطوائف ..
.. فهذا عبد الله بن المبارك .. وهذا أحمد ابن حنبل ..
.. وهذا يحي بن معين .. وهذا علي بن المديني ..
.. وهذا أبو حاتم الرازي .. وهذا البخاري ..
كلهم سيرتهم مشرقة بالزهد والورع والخشية والتقوى .
فهذا الخلط و الخبط سببه عدم الإخلاص والصدق في التوبة إلى الله وعدم إقبال التائب على تعلم أصول أهل السنَّة والجماعة إبتداءً .
من أجل هذا – أخي التائب – لا بد لك أن تنتبه لمثل هذا المزلق الخطير ، وأن تعلم أنه لا نجاة لك من مثل هذه الشبه المتفشية ، والمزالق المردية ، إلا إذا وفقك الله وبدأت في تعلم أصول أهل السنَّة والجماعة ، فكن حريصاً على هذا الباب بجد وونشاط وعزيمة قوية { خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ }( ) ، وصدق إخلاص { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ }( ) .
وكن موقناً بقوله تعالى : { وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً * وَإِذاً لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً }( ) .
وحذارِ من الوهن والضعف والإستكانة لِمَا يصيـبك في سبيل الله ولا تغفلن عن قوله تعالى : { فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ }( ) .

الوصية الرابعة :

لا تأخذ العلم إلا ممن عرف بالسنَّة

قال الإمام محمد بن سيرين : ( إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذوا دينكم ) .
وقال أيضا : ( لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وفعت الفتنة قالوا : سموا لنا رجالكم ، فيُنظر إلى أهل السنَّة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدع فلا يُؤخذ حديثهم ) .( )
ولما فرَّط بعض التائبين في معرفة هذه الأصول والضوابط أصبحوا عرضة للشبه ، ومحلاً لتلاعب كثير ممن ينتسبون إلى السلفية ، فماإن يأتي شخصٌ يدعي العلم أو يظهر صلته بكبار أهل العلم من أهل السنَّة ، إلا وتجد الشباب التائب قد التفوا حوله من غير تمحيص لحقيقته ، ولا تدقيق في سيرته ، فإذا رأى أن أتباعه قد كثروا عليه ، و محبِّيه قد شُغِفُوا به ، أخذ يظهر ما كان يضمره ويصبوا إليه ، فتراه ينادي بإمارة دعوية ، أو بنصب خيمية تجميعية ، أو غير ذلك مما هو مخالف لأصول أهل السنَّة والجماعة .
وحينئذ يـبدأ اضطراب التائبين وانقسامهم إلى قسمين أو ثلاثة : بين مؤيد ومعارض ومحايد ، وإنما حصل هذا الإضطراب لأمرين اثنين :
الأول : عدم إقبال التائبين على العلم النافع لا سيما علم أصول أهل السنَّة والجماعة ، وذ لك أن العلم عصمة لصاحبه من الزلل .
ألم تر كيف عصم العلم أبا بكرة -رضي الله عنه- في أيَّام الجمل حينما قدَّموا أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- فعصم أبا بكرة حديث سمعه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث قال عليه الصلاة والسلام لـمَّا جاءه خبر موت كسرى وتعيـين ابنته : (( لن يفلح قومٌ ولَّوا أمرهم إمرأة )) فلما وقعت القتنة تذكَّرأبو بكرة هذا الحديث فعصمه من ذلك حيث قال -رضي الله عنه- : ( عصمني الله بشيء سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما هلك كسرى قال : (( من إستخلفوا ؟ )) ، قالوا : إبنته ، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : (( لن يفلح قومٌ ولَّوا أمرهم إمرأة )) .
قال : فلما قدمت عائشة يعني البصْرة ذكرت قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعصمني الله به ) .( )

الثاني : عدم الرجوع إلى أهل العلم إذ كان الأولى سؤال أهل العلم وطلابه من أهل السنَّة والجماعة ممن له معرفة بهذا الرجل الذي يُراد الإستفادة منه فيسأل عنه :
هل هو من طلبة العلم السلفيين أم لا ؟ .
وهل درس دراسة علمية صحيحة بحيث يستحق أن يُطلب العلم على يديه أم لا ؟ .
فإذا كانت الإجابة بالرفض ، فقد إنتهى الأمر ولله الحمد ، و إذا كانت بالإيجاب ، فإنه يستفاد منه لكن من غير غلّو فيه ، بل يُنـزَّل منـزلته ومرتبته .
وهذه نقطة مهمة وهي التمييز بـين أهل العلم الربانيين أهل المرجعية العلمية والنوازل كالإمامين محمد ناصر الدين الألباني وعبد العزيز بن عبد الله بن باز -رحمهما الله- ومن بقي منهم من العلماء الربانيـين كالمشايخ محمد بن صالح العثيمين وصالح بن فوزان الفوزان وربيع بن هادي المدخلي وشيخنا مقبل بن هادي الوادعي وغيرهم ممن في مرتبتهم من أهل العمل والفتوى من أهل السنّ‍َة والجماعة فهؤلاء لهم مرتبتهم ومنـزلتهم .
وطلبة العلم المبرِّزين الذين عُرِف علمهم وبانت سنِّـيَّتُهم عن طريق كتبهم وتزكية أهل العلم الربانيين لهم فهؤلاء لهم مرتبتهم ومنـزلتهم .
وبين من هو دونهم من طلبة العلم الذين عُرفت سلفيَّتهم وقدرتهم على التَّعليم .

الوصية الخامسة :

ضرورة الرجوع إلى كبار أهل العلم في مهمَّات المسائل

فأهل العلم الربانيون هم الذين يرجع إليهم في مهمات المسائل لا سيما التي تترتب عليها مصلحة الأمَّة الإسلامية ، وأنت إذا نظرت إلى حال الأوَّلين من السلف الصالح وجدتهم ، حريصين على الرجوع إلى كبار أهل العلم الذين في عصرهم لا سيما في الأحكام التي يترتب عليها التبديع والتكفير . ( )
فهذا يحي بن يعمر البصري وحميد بن عبد الرحمن الحميري لـمَّا ظهرت القدرية في عصريهما ، وصارت لهم مخالفات لأصول أهل السنَّة والجماعة تقتضي تكفيرهم ، أو تبديعهم أو إخراجهم عن دائرة أهل السنَّة والجماعة ، لم يسارعا في الحكم عليهم ، بل ذهبا إلى من لهم المرجعية العلمية من أهل العلم والفتوى وهو عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- فأخبراه بما حصل عندهم فأفتاهما بضلال القدرية وإنحرافهم .
( قال يحي بن يعمر : كان أول من في القدر بالبصرة معبد الجهني فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجَّين أو معتمرين ، فقلنا : لو لقينا أحدا من أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلَّم- فسألناه عمَّا يقول هؤلاء في القدر فَوُفِّقَ لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب داخلاً المسجد فإكتنفته أنا وصاحبي أحدنا عن يَمينه والآخر عن شماله فظننت أنا صاحبي سيكل الكلام إليَّ فقلت :
أبا عبد الرحمن ، إنه قد ظهر قبلنا أناسٌ يقرءون القرآن ويتقفرو ن العلم وذكر من شأنهم وأنهم يزعمون أن لا قدر وأن الأمر أُنف .
قال : فإذا لقيت أؤلئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم برآء منِّي والذي يحلف به عبد لله بن عمر لوأن لأحدهم مثل أحدٍ ذهباً فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر ثم قال : حدثني أبي .. إلخ ) ( ) .
وهذا زبيد الحارث اليامي لما ظهرت المرجئة في عصره ، ورأى أن لهم مخالفاتٍ في أصول أهل السنَّة والجماعة تقتضي إخراجهم من دائرة أهل السنَّة الجماعة ، لم يسارع في الحكم عليهم ، بل ذهب إلى من له المرجعية العلمية في عصره من أهل العلم والفتوى الذين أخذوا العلم عن كبار الصحابة وهو أبو وائل شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي ، فأخبره زبيد بما حصل فأفتاه أبو وائل بنص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما يدل على بطلان شبهة المرجئة ، وانحرافهم عن أهل السنَّة حيث قال زبيد : لـمَّا ظهرت المرجئة أتيت أبا وائل فذكرت ذلك له فقال : حدثني عبد الله أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : (( سباب المسلم فسوق وقتاله كفر )) ( ) .
فأنت إذا قارنت بـين حال هؤلاء مع أهل العلم والفتوى في عصرهم ، وبـين حال كثير من المضطربـين في توبتهم في عصرنا هذا ، وجدت الفرق الشاسع بينهما .
فأؤلئك حرصوا على هذا الضابط ، ولم يسارعوا في الحكم على من ظهر منه الإنحراف من بني عصرهم حتى عرضوا ذلك على أهل العلم والفتوى من أهل السنَّة والجماعة ، فلما سَمِعوا الفتوى ، عضُّوا عليها بالنواجذ ، وإعتزلوا أؤلئك المخالفين لأهل السنَّة والجماعه .
وأما اليوم فقلَّ أن تجد من يحرص على هذا الضابط ، بل تجد من لا يـبالي بكلام أهل العلم والفتوى في التحذير من أهل الأهواء والبدع فيحاربون فتاوى أهل العلم ويُحرِّفونها نسأل الله السلامة والعافية .

الخاتـمـة :
وفي الختام أنصح كل أخٍ يريد النجاة والسعادة في الدارين ، أن يلزم منهج أهل السنَّة والجماعة وطريقتهم لكي يسلم من هذه الشُّبه المضلة ، ، وأن يكون صادقاً في توبته جادًا في سلك الأسباب المعينة على الإستقامة ، متوكلاً على الله اللطيف الخبير ، وأن يلجأ إلى الله ويتضرع بين يديه سائلاً الإعانة والتوفيق .
والله أسأل أن يوفقني وجميع إخواني لما يحبه ويرضاه ، وأن يُجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن ، ويعيننا على نصرة طريق أهل السنَّة والجماعة ، ويثبتنا على ذلك .
وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا .
كتبه : أبو عبد الله أحمد بن محمد الشِّحِّي

ميمونة 25
2008-12-30, 10:36
بارك الله فيك

سائلة عفو ربها
2008-12-30, 19:20
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيك اخ ابو اكرام وبوركت يمينك على طيب ما نقلت
نفعنا الله بما نعلم وجعلنا من العاملين به
جزيت الجنة

،،ايمان،،
2008-12-31, 13:33
جزاكم الله خيرا و جعلنا و اياكم خير خلف لخير سلف