تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : هلْ واحدٌ منْ بينكمْ يعرفُ معنى الشَّام؟!


هامتارو
2012-02-26, 10:51
ومرّت الأيامُ، ومضى الرفاقُ الثلاثة، وبقيت الشامُ، تنقل صورَها الشاشاتُ، وتتابع ثورتَها الأقلام، وعشاقٌ بعيدون هناك في كل أنحاء العالم يردّون صدى الصوتِ الذي ينادي برفعِ الظلم، ويحرّكون أقدامهم في دروبِ الحريّة، يعتقدون أن ليس ثمَّ بلدٌ أولى بالثورة من بلادهم، ويمدون أيديهم نحو السماء يصيحون: يا ربّ...



(1) كانت الطائرةُ تهبطُ بنا تدريجيًا سماءَ دمشق، وكنتُ منصرفًا بكلِّ حواسّي لمتابعة المنظرِ الذي تطلُّ عليه النافذة، لا أدركُ منه سوى ما يمنحهُ النظرُ الكليل، هذه الأرضُ المباركةُ، فكحّلْ عينَك أيّها العاشق، يحتضنُها من الشمال الجبلُ الأشمُّ قاسيون، وعلى جانبيها جنّتان، أرضٌ درجَ عليها الأنبياء، وسَرى بليلها الضياء، وكان بها عزّ الإسلامِ، ومدفنُ العظام العظام، تكادُ تجدُ تحت كل صخرة أثرًا من ذكرى، وحكايةً من غرام.
لم يبلغ بي الشوقُ لزيارةِ أرضٍ كما فعلَ بي مع الشام، ولم أروِ منها نظري بعدُ، وقد كرّرتُ زيارتها مرّاتٍ ومرات.
أعْلنوا من غرفةِ القيادة: مرحبًا بكم في مطارِ دمشقَ، وقد وفوا لدمشق فلمْ يخطِفوا اسمَ المطار لكبيرٍ ولا صغير، وللمكانِ قداسةٌ وذكرى لا يحسنُ أن تنتهكها أسماءُ الذوات.

(2) كان بي شوقٌ لرؤية القلعةِ التي سُجن بها شيخُ الإسلام، وزيارة مرابعِ الحنابلة الكرام، والصلاةِ بالجامع الأموي، والتبضّعِ من سوق الحَميديّة، ورشفِ قطراتٍ من برَدى، والوقوفِ على قاسيون، كان صوتُ ابن تيمية الحرّاني يسْري في خلَدي وهو يُقرّر: "أنه قد جاء في فضل الشام وأهله أحاديثُ صحيحة، ولا ريب أن ظهور الإسلام وأعوانه فيه بالقلب واليد واللسان أقوى منه في غيره، وفيه من ظهور الإيمان وقمع الكفر والنفاق ما لا يوجد في غيره".
وكانَ عليُّ الطنطاويُ يتسامى في بيانٍ عجيب: "دمشق، وهل توصف دمشق؟ هل تُصوّر الجنةُ لمن لم يرها؟ كيف أصفُها وهي دنيا من أحلام الحب وأمجاد البطولة وروائع الخلود؟ من يكتبُ عنها وهي من جنات الخلد الباقية بقلمٍ من أقلام الأرض فانٍ.
دمشق التي تعانقها الغوطةُ، الأم الرؤومُ الساهرة أبدًا، تصغي إلى مناجاة السواقي الهائمة في مرابع الفتنة وقهقهة الجداول المنتشية من رحيق بردى الراكضة دائما نحو مطلع الشمس".

وكانَ نزارُ بن توفيق يُنشدُ في حزنٍ كبير:
"مسقطُ رأسي في دمشقَ الشام
هل واحدٌ من بينكمْ يعرف أينَ الشام؟
هل واحدٌ من بينكم أدمن سكنى الشام؟
رواه ماءُ الشام
كواهُ عشق الشام
تأكّدوا يا سادتي، لن تجدوا في كل أسواق الورود وردةً كالشام
وفي دكاكينِ الحُلَى جميعها، لؤلؤةً كالشام
لن تجدوا مدينةً حزينةَ العينين مثلَ الشام".

وكنتُ في مقتبلِ حياتي حفيًّا بثقافةٍ يأسرُها فقهُ عالمٍ و جمالُ أديبٍ وإبداعُ شاعر، لا تؤاخذُ كلّ طرفٍ بما يريده الآخرون، ففعلت بي تلك النقولُ الأفاعيلُ، وشقَّ بي ذلك التكوينُ، وأدركتُ أنَّ لنفسي من هوى الشام زمانًا لا يزدادُ إلاّ مدة، ونظرًا لا يرتدُّ إلاّ أكثرَ حدة، وحقائق لا تستطيع وصفَها دقائقُ السطور.

(3) خرجنا من المطار وفاجأتني الصورُ التي لم تكن وقتئذ موجودةً ببلدي، تدعو بالبقاء للرئيسِ المعظم، وتهتفُ باسمه المجيد، وتزعم أنّه سيكون القائدَ للأبد، البناياتُ والطرقات، الأنفاقُ والجسور، المدارسُ والدور، ما الأمر؟ سألتُ السائقَ فأجابني: "صدِّقني يا بُنيّ الصورُ حين تخرج من القلوب تسكنُ الجدران"، لم يكنْ بعد ذلك البيانِ بيان، حانت مني التفاتة للخلف وإذا صورة السيد الرئيس على الزجاجة الخلفية لسيارة صاحبنا، عدت لسؤاله من جديد وأجاب على الفور: "لنتذكر لعنه في كل حين"، أخذتنا فترةُ صمت، وتلفّتنا بكل اتجاه، ثم قال بعد تنهيدة طويلة: "مغلوبون على أمرنا يا سيدي، والله مغلوبون".

(4) لمْ يستغرق الأمر طويلاً لأتبيّن حقيقة قول نزار: "لن تجدوا مدينة حزينة العينين مثل الشام"، وقد رأيتها بعد طُهر الأمويين ملطّخة بأدران البعث، لا تكاد تقضي لك بها شأنًا إلاّ بدفع رشوة، يحاصر بها الكبراء حريات المساكين، وبردى يغالبُ سلسالاً من الماء تراه يجري مرة ويختفي مرات، وبنايات قديمة جدًا ومركبات، ومظاهر من فوضى وشتات، ذات يومٍ وأنا أتجوّل بسوق الحميدية وعلى حين غفلةٍ مني خطف صبيٌ محفظتي ولم يكن بها سوى ما يعادلُ ألف ليرة، أدركه العسكري الذي استنجدت به وبعضُ المارة فأمْسكوه، وحين أعادوها لي قررت مسامحَته، إلاّ أنهم أشعروني بأهمية الأمر، وطلبوا منّي التوجه معهم لمخفرِ الشرطة، ضاعتْ عليّ فرصةُ الاستجمام ذاك اليوم، ولم يزلْ رئيسُ المخفر - وهو ينفث دخانه باتجاهي- يؤكّد لي حرصه على أمنِ السائحين، ويستعرض قدراته في استنطاق السارق الصغير باستخدام عصا كهربائية كانت معه حتى اعترف، ثم استمرّ يتحدث بإشارات كثيرة مفهومة وغير مفهومة كلفتني أخيرًا حين أدركت مغزاها ألفي ليرة، وددت أنها كانت بيد الصبيّ الجائع وليس الشرطيِّ الشبعان، وقررت بعدها ألا أمنعَ محفظتي أبدًا من يد أي سارقٍ بالشام، وحزنت حزنًا كبيرًا، هربتُ من حزني ذاك إلى حي الميدان، وزرتُ العالم النبيلَ عبد القادر الأرناؤوط أسأله عن صحة حديث: « إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم»، فقال لي: "نعم هو حديث صحيح، ولا يزال بالشام خير كثير"، وكان فعلاً حين أعدتُ النظر خيرٌ كثير.

(5) كان منظرُ قاسيون من بعيد يحيّي على الزيارة، وله مغناطيسٌ يجذب إليه الأرواح..
من قاسيون أطلُّ يا وطني *** فأرى دمشقَ تعانقُ السُّحُبا

تراه وقد ارتفعت في سفحه الأحياءُ حتى تكاد تبلغ منتصَفه، وهو شامخٌ كـ "قاسيون" لا تستطيع أن تجد له وصيفًا فتقاربَه به، لم يعط الدنيّة لمستبدّ أو يضع رأسَه لطاغوت، وقالوا في سبب تسميته: "أنه قسا على المشركين فلم ينحتوا منه صنمًا"، هو المَعلم الأثيرُ هناك، يُشرفك على دمشق وغوطتيها، ويوقفك على صورةٍ متحركة لا تفترُ من زحام الأسواق وضجيج المركبات، ويرحلُ بك في الذكرى، لتنعم بمشاهد لا يستطيعُ وصفَها البيان، فيها وعْظ الأرواحِ سابقٌ لقرار العيون، وحديثُ الهوى متقدمٌ على جميل اللحون، ومزيجٌ من غرام قديم وذكرياتٍ وشجون.

(6) وحين عرفتُ عن دمشقَ الإجمالَ على ظهر قاسيون، ذهبت أبحثُ عن التفاصيلِ في زواياها: الصالحيةُ، ودمشق القديمة، والمكتبةُ الظاهرية، وقبر صلاح الدين، وباب توما، ومقبرة بابِ الصغير، والجامع الأموي، وقد كان تحتَ كلّ ساريةٍ فيه حلقة علم، والبناياتُ المعمّرة الهازئةُ بقصر أعمار الآدميين وغرورِهم، ودروب طويلة تسير فيها القدم فتتعب ولا تتعب الروح، ثم وردتُ بيتَ صديقي الشاميِّ ضيفًا وهم أهل ودّ وضيافة فرأيت عجبًا؛ الفسحةُ السماويةُ في بطن الدار لا يسترها سقفٌ ينفذ لها الهواء، وتتوسطها نافورةُ ماء، لا تكاد تخطئها البيوتُ الشاميّة، ونقوشٌ معروفة اللون والأشكال تكسو الأرائكَ والجلسات، وفاكهةُ المشمش أولُ غرامٍ يعانق في الضيافة شفاهك، والماء الذي لن تشرب مثله حتى لو حملته معك لبلدك يفقد عذوبتَه بمغادرة الديار، وأحاديثُ ماتعة تغلب فيها طريقةُ الكلام الفكرة، ويذهب معها الخيالُ في سكرة، ويتخللها كما يقول الشاعر نزار: "حزنٌ كبير"..

(7) وفي يوم قائظٍ من أيام آب اللّهاب، خرجتُ إلى الزبداني، وصلتُ إلى نبعِ بردى، شربتُ من عذب مائه حتى ارتويت، وتجوّلتُ بمركب له مجاديف في بحيرتِه الصغيرة، ثم انصرفتُ إلى مزرعةٍ قريبة تؤجر للراغبين، جلستُ في عريش قد هيّؤوه، والسواقي الباردةُ إلى جواري تدلُّ مياه بردى على أشجار الثمار المختلفة، وأقبلت فتاتان صغيرتان اسم واحدةٍ منهما ميسون، تعملان مع أهلهما في خدمة المزرعة، وهما المسؤولتان عن واجبِ الضيافة، رأيتهما تغسلان الآنيةَ من الساقي، ثم تسيران إلى تلك الأشجارِ فتقطفان من ثمارها ما تطوله يداهما الصغيرتان، حتى استتمَّ لهما سبعةُ أنواع أو ثمانية، من أشهاها الكمّثرى وثلاثةُ أنواع العنب، ثم ترشّان عليها ماء باردًا له لون بردى وطعمُه، وتقدمانها لي، ولا والله ما ذقتُ شيئًا أشهى أو هكذا يُخيّل لي، وكأني أستعيدُ رشفَ بردى في تشكيلاته الجديدة.
وما ذقت طعمَ الماءِ إلاّ استخفّني *** إلى بردى و"الطفلتين" حنينُ


(8) ولم أزلْ بعدُ في كل رحلاتي التي وصلتُ بها سِدني بـكندا، والبرازيلَ بأمريكا، لم أزلْ أجد من أهل الشامِ علماء وصالحين تفرّقوا في الديار، وتركوا لذّة العيش بأوطانهم مطرودين وملاحقين، مُنيةُ الواحدِ منهم أن يروي ظَماه من بردى، أو يعفّر جبهتَه بتراب الشام، وفي كلمات أستاذ الحنين الشاميِّ الزركلي خير مثال عليهم، وهو يترنم بهذه الأبياتِ، يلفظ معها آخر أنفاسه على ضفاف النيل:
العينُ بعد فراقها الوطنا *** لا ساكنًا ألفتْ ولا سكنا
ريانةٌ بالدمع أقلقها *** أنْ لا تحسَّ كرًى ولا وَسَنا
يا موطنًا عبث الزمانُ به *** من ذا الذي أغرى بك الزمنا
عطفوا عليك فأوسعوك أذًى *** وهمُ يُسمّون الأذى مننا
وحنَّوا عليك فجرّدوا قضبًا *** مسنونةً وتقدموا بقنا
يا طائرًا غنّى على غصن *** والنيلُ يسقي ذلك الغصنا
زدني وهجْ ما شئتَ من شجني *** إنْ كنتَ مثلي تعرفُ الشجنا
أذكرتني ما لستُ ناسيَه *** ولربّ ذكرى جدّدت حزنا
أذكرتني بردى وواديَه *** والطيرَ آحادًا به وثُنى
وأحبةً أسررتُ من كلفي *** وهواي فيهم لاعجًا كمنا
كم ذا أغالبُه ويغلبني *** دمع ٌإذا كفكفتُه هتَنا
لي ذكرياتٌ في ربوعِهمُ *** هنَّ الحياةُ تألّقًا وسنا
ليت الذين أحبّهم علموا *** وهمُ هنالك ما لقيتُ هنا


وهكذا كان شأنُ الثلاثةِ الرفاق؛ فأمّا ابن تيمية فقد حُبس بالقلعة، وما كانوا يضطرون أحدًا للرحيل، وبقي قبرُه عند التكيّة السليمانية، يقول الأستاذ زهير أحمد ظاظا: "في شتاء عام 1996م كنت أتجوّل في دمشق بالقرب من التكية السليمانية فاستوقفني سائح أوروبي يسألني بالعربية: هل يمكن أن تساعدني؟ فقلت له: على الرحب والسعة وفي ماذا أساعدك؟ فأخرج خريطة للمواقع الأثرية في مدينة دمشق وقال لي: أنا أبحث عن قبر ابن تيمية وحسب الخريطة يجب أن يكون هنا، وأشار إلى مكان بالقرب من مشفى الغرباء بجانب كلية طب الأسنان القديمة، ثم زرت قبر ابن تيمية فرأيت شاهدةَ القبر مكسّرة متناثرة حول القبر ولم يبق منها إلاّ كلمة (تيمية) والتقطت مجموعة صور للقبر ومعه قبر تلميذه ابن كثير، أه، وأمّا الطنطاوي فقد كتب الله له بمقبرةِ العدل مكانًا غريبًا هناك إلى جوار الكعبة في البلد الحرام قضى وهو يقول: "حرم الله الجنة من حرمني رؤية قاسيون"، وأمّا نزارُ فقد فاضت روحه بعيدًا طريدًا، ثم حنّوا على جسده، فقبلوا دفنه إلى جوار والده تحت شجرة زيتون بالشام.

(9) هذه هي الشامُ، بستانُ الروح، والفخرُ بها للمادح لا الممدوح، نغار من الطيور التي تحومُ سماءها، لا يُطلب منها تقديم ولاءٍ ولا اصطناعُ ودّ، ونغتاظُ من الأيدي التي لم تزل تهدمُ من مجدها صروحًا لا تستردّ، ونؤمل في صبحٍ يَطوي الليلَ الخانق، وتتنفسُ له الأزهار، وتشرق به شمس الهناء والخلاص.
ويا ساكني الشام كلِّها، من حلب المتنبي وحمص ابن الوليد، إلى اللاذقيةِ وحماة النواعير، ومن أذرعات إلى جسرِ الشغور، استلهموا مجدكم من تلك الزوايا، وخذوا عزمكمْ من تلك الطرقات، وجُدّوا في سبيل تطردون بها الأسدَ، وذوي الأنياب حوله، وتنهون حكم الغاب، واغسلوا عن دمشق -أرجوكم- قذى علق بثيابها، وامسحوا غبارًا استطال على لمّتها، واكتبوا لكم في سفر الخلود ثورة، يترحم لها القادمون على شهدائكم، ويكبرون بها مسعاكم، وتضجّ لها مساجد الدنيا بالتكبير، ثورة يبردُ لها رفات الأمواتِ في أرضكم، وتعودُ من أجلها الطيورُ المهاجرة، وتطلبون بها الثأرَ ممن ظلمكم، ثورة تبترون بها اليد التي تساهم في تضييق أرزاقكم لتتبعوها، وتقطعون بها الوتينَ الذي يتاجرُ بعداء إسرائيل وهو لم يَنلها برصاصة، أراضيكم كلُّها شام، وما لرقاعٍ من أرض الله فخرٌ أثيلٌ بمجد الإسلام كفخركم، رسول الله زار أرضكم، وما زار العراق ولا مصر ولا اليمن، ولكم في قلوب العالمين مقامٌ عليٌّ ومؤتمن، وكثير من الصحابة دخلوا الشام منهم: أبو عبيدة، و سعيد بن زيد، ومؤذن رسول الله بلال، ومعاذ بن جبل، و أبو الدرداء، وعبادة بن الصامت، وسيف الله خالد بن الوليد، وابن عم رسول الله الفضل بن عباس، قال الوليد بن مسلم: "دخلت الشامَ عشرةُ آلاف عينٍ رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم"، ومئات الكتب التي نقرؤها ابتدأت سطورها في دواوينكم، الطبراني وابن عساكر، وابن الصلاح والذهبي، والنووي وابن كثير، وابن رجب وابن القيم، والمزّي وابن قدامة، وسواهم كثير، درّسوا بحلقاتكم، وكتبوا بمدادكم، وتنفّسوا هواكم، ولولا دمشق ما كانوا وما كانت الأندلس، ولا زهت ببني العباس بغداد، ولا كانت فتوح الإسلام العظام.

(10) وفي ارتباط أرضِ الشام بالحرية وبعثِ العزم يقول العالمُ ابن تيمية: "ثبت للشام وأهله مناقب بالكتاب والسنة وآثار العلماء، وهي أحد ما اعتمدته في تحضيضي المسلمينَ على غزو التتار، وأمري لهم بلزوم دمشق، ونهيي لهم عن الفرار".
والطنطاويُّ الخبير بها وبأهلها يقول: "وأهل الشام كالماء، لهم في الرضا رقته وسيلانه، وفي الغضب شدّته وطغيانه، بل ربما كان لهم من البركان فورانه وثورانه".
ونزار القباني يفخرُ بدمشقَ وهو لا ينفكّ عن حزنهِ فيقول:
يا دمشقُ البسي دموعي سوارًا *** وتمنّيْ فكلُّ شيء يهونُ
وضعي طَرحَةَ العروس لأجلي *** إنَّ مَهْرَ المُناضلات ثمينُ
رضيَ اللهُ والرسولُ عن الشام *** فنصرٌ آتٍ وفتحٌ مبينُ
استردّت أيامَها بكِ بدرٌ *** واستعادت شبابَها حطينُ
بك عَزّتْ قريشُ بعد هوان *** وتلاقتْ قبائلٌ وبطونُ
صَدَقَ السيفُ وعدَهُ يا بلادي *** فالسياساتُ كلُّها أَفيُونُ
صدق السيفُ حاكمًا وحكيمًا *** وحدَه السيفُ يا دمشقُ اليقينُ
علّمينا فقهَ العروبةِ يا شامُ *** فأنتِ البيانُ والتبيينُ
علّمينا الأفعالَ قد ذَبَحَتْنا *** أحرفُ الجرّ والكلام العجينُ
علّمينا قراءةَ البرق والرعد *** فنصفُ اللغاتِ وحلٌ وطينُ
أوقدي النارَ فالحديثُ طويلٌ *** وطويلٌ لمن نحبُّ الحنينُ
واركبي الشمسَ يا دمشقُ *** حصانًا ولك اللهُ حارسٌ وأمينُ


ومرّت الأيامُ، ومضى الرفاقُ الثلاثة، وبقيت الشامُ، تنقل صورَها الشاشاتُ، وتتابع ثورتَها الأقلام، وعشاقٌ بعيدون هناك في كل أنحاء العالم يردّون صدى الصوتِ الذي ينادي برفعِ الظلم، ويحرّكون أقدامهم في دروبِ الحريّة، يعتقدون أن ليس ثمَّ بلدٌ أولى بالثورة من بلادهم، ويمدون أيديهم نحو السماء يصيحون: يا ربّ، يا ربّ، يا ربّ، ومطعمهم ثمارُ الشام، ومشربهم مياهُ الشام، وملبسهم غرامُ الشام، وغُذّوا بالشام، فعسى أن يُستجابَ لهم.

المصدر.. طريق الاسلام

طالب بن عبد الله آل طالب

علي العدوي
2012-02-28, 11:09
بارك الله فيك

رحمة 20
2012-02-28, 14:34
جزاك الله خيرا

هامتارو
2012-03-01, 15:23
و فيكم بارك الله

Abdellah M
2012-03-01, 16:01
بارك الله فيك

راضية12
2012-03-21, 23:00
بارك الله في صاحب الموضوع ككتابة أدبية ولكن لي رأي .
موضوع سوريا فيه الكثير من التضليل وهنا لا بد من تحكيم العقل للخروج بالنتيجة الصحيحة على كل حال لكل واحد رأيه ولا ندعو لأهلنا في سوريا الا أن يرفع عنها هذا الغم الذي عرفته بلادنا في سنوات مضت لاأعادها الله ولاأذاقها لأي مسلم ، صحيح أن في سوريا الكثير من الفساد وربما دمشق خاصة لاعتبارها أكبر المدن السورية والعاصمة , وكل المدن الكبرى في العالم والعواصم خاصة مليئة بهذا كما يتبين ذلك في ظهور مصطلح التشيبة مثلا عندنا في الجزائر , وصحيح أنه قد قامت احتجاجات في سوريا ولكنها أستغلت من أيد دنيئة محاولة التوسم بما حدث في تونس ومصر وربما ليبيا مع أن لهذه الأخيرة حالة خاصة ، ثم قادت هذي الأيدي الدنيئة البلاد لما هي عليه الآن هناك من يشاهد أفرادا من شعب سوريا يحملون أيديهم دعاء على قائدهم ولكن في المقابل يوجد منهم من يدعو له ولبلاده وأحسبهم الأكثرية لهذا ذهب الكثيرون الى سوريا وأكتشفو الحقيقة والتي تظهر مزيفة على شاشات الكثير من الفضائيات المغرضة ذات الخلفيات المعروفة لهذا يقول الله سبحانه وتعالى: بسم الله الرحمن الرحيم:"
( يا أيها الذين ءامنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين )
وقال رسول الله: ( إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار. ) صحيح مسلم (2581)
فبالله عليكم لا تسبو أحدا ولا تشتمو غيره بخاصة ان كان لم يمنع أهل أمته الصلاة والصوم والزكاة.... وكل واجبات ديننا الحنيف وفروضه وترك لأهل الكتاب حق ممارسة شعائرهم.
ندعو لأهلنا في سوريا أن يخرج بلادهم من قسوة مايعيشون وأن يلهم ذويهم الصبر والسلوان من مدنيين وعسكر.... فكلهم أبناء أمة واحدة .

هامتارو
2012-03-22, 10:56
بارك الله في صاحب الموضوع ككتابة أدبية ولكن لي رأي .
موضوع سوريا فيه الكثير من التضليل وهنا لا بد من تحكيم العقل للخروج بالنتيجة الصحيحة على كل حال لكل واحد رأيه ولا ندعو لأهلنا في سوريا الا أن يرفع عنها هذا الغم الذي عرفته بلادنا في سنوات مضت لاأعادها الله ولاأذاقها لأي مسلم ، صحيح أن في سوريا الكثير من الفساد وربما دمشق خاصة لاعتبارها أكبر المدن السورية والعاصمة , وكل المدن الكبرى في العالم والعواصم خاصة مليئة بهذا كما يتبين ذلك في ظهور مصطلح التشيبة مثلا عندنا في الجزائر , وصحيح أنه قد قامت احتجاجات في سوريا ولكنها أستغلت من أيد دنيئة محاولة التوسم بما حدث في تونس ومصر وربما ليبيا مع أن لهذه الأخيرة حالة خاصة ، ثم قادت هذي الأيدي الدنيئة البلاد لما هي عليه الآن هناك من يشاهد أفرادا من شعب سوريا يحملون أيديهم دعاء على قائدهم ولكن في المقابل يوجد منهم من يدعو له ولبلاده وأحسبهم الأكثرية لهذا ذهب الكثيرون الى سوريا وأكتشفو الحقيقة والتي تظهر مزيفة على شاشات الكثير من الفضائيات المغرضة ذات الخلفيات المعروفة لهذا يقول الله سبحانه وتعالى: بسم الله الرحمن الرحيم:"
( يا أيها الذين ءامنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين )
وقال رسول الله: ( إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار. ) صحيح مسلم (2581)
فبالله عليكم لا تسبو أحدا ولا تشتمو غيره بخاصة ان كان لم يمنع أهل أمته الصلاة والصوم والزكاة.... وكل واجبات ديننا الحنيف وفروضه وترك لأهل الكتاب حق ممارسة شعائرهم.
ندعو لأهلنا في سوريا أن يخرج بلادهم من قسوة مايعيشون وأن يلهم ذويهم الصبر والسلوان من مدنيين وعسكر.... فكلهم أبناء أمة واحدة .

نص فتوى ابن تيمية في النصيرية

سئل رحمه الله تعالى ما تقول السادة العلماء أئمة الدين رضي الله عنهم أجمعين وأعانهم على إظهار الحق المبين وإخماد شعب المبطلين : في " النصيرية " القائلين باستحلال الخمر وتناسخ الأرواح وقدم العالم وإنكار البعث والنشور والجنة والنار في غير الحياة الدنيا وبأن " الصلوات الخمس " عبارة عن خمسة أسماء وهي : علي وحسن وحسين ومحسن وفاطمة.

فذكر هذه الأسماء الخمسة على رأيهم يجزئهم عن الغسل من الجنابة والوضوء وبقية شروط الصلوات الخمسة وواجباتها . وبأن " الصيام " عندهم عبارة عن اسم ثلاثين رجلا واسم ثلاثين امرأة يعدونهم في كتبهم ويضيق هذا الموضع عن إبرازهم ; وبأن إلههم الذي خلق السموات والأرض هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه فهو عندهم الإله في السماء والإمام في الأرض فكانت الحكمة في ظهور اللاهوت بهذا الناسوت على رأيهم أن يؤنس خلقه وعبيده ; ليعلمهم كيف يعرفونه ويعبدونه .

وبأن النصيري عندهم لا يصير نصيريا مؤمنا يجالسونه ويشربون معه الخمر ويطلعونه على أسرارهم ويزوجونه من نسائهم : حتى يخاطبه معلمه . وحقيقة الخطاب عندهم أن يحلفوه على كتمان دينه ومعرفة مشايخه وأكابر أهل مذهبه ; وعلى ألا ينصح مسلما ولا غيره إلا من كان من أهل دينه وعلى أن يعرف ربه وإمامه بظهوره في أنواره وأدواره فيعرف انتقال الاسم والمعنى في كل حين وزمان .

فالاسم عندهم في أول الناس آدم والمعنى هو شيث والاسم يعقوب والمعنى هو يوسف . ويستدلون على هذه الصورة كما يزعمون بما في القرآن العظيم حكاية عن يعقوب ويوسف - عليهما الصلاة والسلام - فيقولون : أما يعقوب فإنه كان الاسم فما قدر أن يتعدى منزلته فقال : ** سوف أستغفر لكم ربي } وأما يوسف فكان المعنى المطلوب فقال : ** لا تثريب عليكم اليوم } فلم يعلق الأمر بغيره ; لأنه علم أنه الإله المتصرف ويجعلون موسى هو الاسم ويوشع هو المعنى ويقولون : يوشع ردت له الشمس لما أمرها فأطاعت أمره .

وهل ترد الشمس إلا لربها ويجعلون سليمان هو الاسم وآصف هو المعنى القادر المقتدر . ويقولون : سليمان عجز عن إحضار عرش بلقيس وقدر عليه آصف لأن سليمان كان الصورة وآصف كان المعنى القادر المقتدر وقد قال قائلهم :
هابيل شيث يوسف يوشع آصف شمعون الصفا حيدر

ويعدون الأنبياء والمرسلين واحدا واحدا على هذا النمط إلى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون : محمد هو الاسم وعلي هو المعنى ويوصلون العدد على هذا الترتيب في كل زمان إلى وقتنا هذا .

فمن حقيقة الخطاب في الدين عندهم أن عليا هو الرب وأن محمدا هو الحجاب وأن سلمان هو الباب وأنشد بعض أكابر رؤسائهم وفضلائهم لنفسه في شهور سنة سبعمائة فقال :

أشهد أن لا إله إلا *** حيدرة الأنزع البطين
ولا حجاب عليه إلا *** محمد الصادق الأمين
ولا طريق إليه إلا *** سلمان ذو القوة المتين
ويقولون إن ذلك على هذا الترتيب لم يزل ولا يزال وكذلك الخمسة الأيتام والاثنا عشر نقيبا وأسماؤهم مشهورة عندهم ومعلومة من كتبهم الخبيثة وأنهم لا يزالون يظهرون مع الرب والحجاب والباب في كل كور ودور أبدا سرمدا على الدوام والاستمرار ويقولون : إن إبليس الأبالسة هو عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ويليه في رتبة الإبليسية أبو بكر رضي الله عنه ثم عثمان - رضي الله عنهم أجمعين وشرفهم وأعلى رتبهم عن أقوال الملحدين وانتحال أنواع الضالين والمفسدين - فلا يزالون موجودين في كل وقت دائما حسبما ذكر من الترتيب.

ولمذاهبهم الفاسدة شعب وتفاصيل ترجع إلى هذه الأصول المذكورة . وهذه الطائفة الملعونة استولت على جانب كبير من بلاد الشام ( وهم معروفون مشهورون متظاهرون بهذا المذهب وقد حقق أحوالهم كل من خالطهم وعرفهم من عقلاء المسلمين وعلمائهم ومن عامة الناس أيضا في هذا الزمان ; لأن أحوالهم كانت مستورة عن أكثر الناس وقت استيلاء الإفرنج المخذولين على البلاد الساحلية ; فلما جاءت أيام الإسلام انكشف حالهم وظهر ضلالهم . والابتلاء بهم كثير جدا .

فهل يجوز لمسلم أن يزوجهم أو يتزوج منهم ؟ وهل يحل أكل ذبائحهم والحالة هذه أم لا ؟ وما حكم الجبن المعمول من إنفحة ذبيحتهم ؟ وما حكم أوانيهم وملابسهم ؟ وهل يجوز دفنهم بين المسلمين أم لا ؟ وهل يجوز استخدامهم في ثغور المسلمين وتسليمها إليهم ؟

أم يجب على ولي الأمر قطعهم واستخدام غيرهم من رجال المسلمين الكفاة وهل يأثم إذا أخر طردهم ؟ أم يجوز له التمهل مع أن في عزمه ذلك ؟ وإذا استخدمهم وأقطعهم أو لم يقطعهم هل يجوز له صرف أموال بيت المال عليهم وإذا صرفها وتأخر لبعضهم بقية من معلومه المسمى ; فأخره ولي الأمر عنه وصرفه على غيره من المسلمين أو المستحقين أو أرصده لذلك هل يجوز له فعل هذه الصور ؟ أم يجب عليه ؟

وهل دماء النصيرية المذكورين مباحة وأموالهم حلال أم لا ؟ وإذا جاهدهم ولي الأمر أيده الله تعالى بإخماد باطلهم وقطعهم من حصون المسلمين وحذر أهل الإسلام من مناكحتهم وأكل ذبائحهم وألزمهم بالصوم والصلاة ومنعهم من إظهار دينهم الباطل وهم الذين يلونه من الكفار : هل ذلك أفضل وأكثر أجرا من التصدي والترصد لقتال التتار في بلادهم وهدم بلاد سيس وديار الإفرنج على أهلها ؟

أم هذا أفضل من كونه يجاهد النصيرية المذكورين مرابطا ؟ ويكون أجر من رابط في الثغور على ساحل البحر خشية قصد الفرنج أكبر أم هذا أكبر أجرا ؟ وهل يجب على من عرف المذكورين ومذاهبهم أن يشهر أمرهم ويساعد على إبطال باطلهم وإظهار الإسلام بينهم فلعل الله تعالى أن يهدي بعضهم إلى الإسلام وأن يجعل من ذريتهم وأولادهم مسلمين بعد خروجهم من ذلك الكفر العظيم أم يجوز التغافل عنهم والإهمال ؟ وما قدر المجتهد على ذلك والمجاهد فيه والمرابط له والملازم عليه ؟ ولتبسطوا القول في ذلك مثابين مأجورين إن شاء الله تعالى إنه على كل شيء قدير ; وحسبنا الله ونعم الوكيل .

فأجاب شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد ابن تيمية : الحمد لله رب العالمين . هؤلاء القوم المسمون بالنصيرية هم وسائر أصناف القرامطة الباطنية أكفر من اليهود والنصارى ; بل وأكفر من كثير من المشركين وضررهم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أعظم من ضرر الكفار المحاربين مثل كفار التتار والفرنج وغيرهم .

فإن هؤلاء يتظاهرون عند جهال المسلمين بالتشيع وموالاة أهل البيت وهم في الحقيقة لا يؤمنون بالله ولا برسوله ولا بكتابه ولا بأمر ولا نهي ولا ثواب ولا عقاب ولا جنة ولا نار ولا بأحد من المرسلين قبل محمد صلى الله عليه وسلم ولا بملة من الملل السالفة بل يأخذون كلام الله ورسوله المعروف عند علماء المسلمين يتأولونه على أمور يفترونها ; يدعون أنها علم الباطن ; من جنس ما ذكره السائل ومن غير هذا الجنس .

فإنه ليس لهم حد محدود فيما يدعونه من الإلحاد في أسماء الله تعالى وآياته وتحريف كلام الله تعالى ورسوله عن مواضعه ; إذ مقصودهم إنكار الإيمان وشرائع الإسلام بكل طريق مع التظاهر بأن لهذه الأمور حقائق يعرفونها من جنس ما ذكر السائل ومن جنس قولهم : إن " الصلوات الخمس " معرفة أسرارهم و " الصيام المفروض " كتمان أسرارهم " وحج البيت العتيق " زيارة شيوخهم وأن ( يدا أبي لهب هما أبو بكر وعمر) وأن ( النبأ العظيم والإمام المبين هو علي بن أبي طالب) ; ولهم في معاداة الإسلام وأهله وقائع مشهورة وكتب مصنفة فإذا كانت لهم مكنة سفكوا دماء المسلمين .

كما قتلوا مرة الحجاج وألقوهم في بئر زمزم وأخذوا مرة الحجر الأسود وبقي عندهم مدة وقتلوا من علماء المسلمين ومشايخهم ما لا يحصي عدده إلا الله تعالى وصنفوا كتبا كثيرة مما ذكره السائل وغيره وصنف علماء المسلمين كتبا في كشف أسرارهم وهتك أستارهم ; وبينوا فيها ما هم عليه من الكفر والزندقة والإلحاد الذي هم به أكفر من اليهود والنصارى ومن براهمة الهند الذين يعبدون الأصنام .

وما ذكره السائل في وصفهم قليل من الكثير الذي يعرفه العلماء في وصفهم . ومن المعلوم عندنا أن السواحل الشامية إنما استولى عليها النصارى من جهتهم وهم دائما مع كل عدو للمسلمين ; فهم مع النصارى على المسلمين . ومن أعظم المصائب عندهم فتح المسلمين للسواحل وانقهار النصارى ; بل ومن أعظم المصائب عندهم انتصار المسلمين على التتار .
ومن أعظم أعيادهم إذا استولى - والعياذ بالله تعالى - النصارى على ثغور المسلمين فإن ثغور المسلمين ما زالت بأيدي المسلمين حتى جزيرة قبرص يسر الله فتحها عن قريب وفتحها المسلمون في خلافة أمير المؤمنين " عثمان بن عفان " رضي الله عنه فتحها " معاوية بن أبي سفيان " إلى أثناء المائة الرابعة .

فهؤلاء المحادون لله ورسوله كثروا حينئذ بالسواحل وغيرها فاستولى النصارى على الساحل ; ثم بسببهم استولوا على القدس الشريف وغيره ; فإن أحوالهم كانت من أعظم الأسباب في ذلك ; ثم لما أقام الله ملوك المسلمين المجاهدين في سبيل الله تعالى " كنور الدين الشهيد وصلاح الدين " وأتباعهما وفتحوا السواحل من النصارى وممن كان بها منهم وفتحوا أيضا أرض مصر ; فإنهم كانوا مستولين عليها نحو مائتي سنة واتفقوا هم والنصارى فجاهدهم المسلمون حتى فتحوا البلاد ومن ذلك التاريخ انتشرت دعوة الإسلام بالديار المصرية والشامية.

ثم إن التتار ما دخلوا بلاد الإسلام وقتلوا خليفة بغداد وغيره من ملوك المسلمين إلا بمعاونتهم ومؤازرتهم ; فإن منجم هولاكو الذي كان وزيرهم وهو " النصير [ ص: 152 ] الطوسي " كان وزيرا لهم بالألموت وهو الذي أمر بقتل الخليفة وبولاية هؤلاء . ولهم " ألقاب " معروفة عند المسلمين تارة يسمون " الملاحدة " وتارة يسمون " القرامطة " وتارة يسمون " الباطنية " وتارة يسمون " الإسماعيلية " و تارة يسمون " النصيرية " وتارة يسمون " الخرمية " وتارة يسمون " المحمرة " وهذه الأسماء منها ما يعمهم ومنها ما يخص بعض أصنافهم كما أن الإسلام والإيمان يعم المسلمين ولبعضهم اسم يخصه : إما لنسب وإما لمذهب وإما لبلد وإما لغير ذلك .

وشرح مقاصدهم يطول وهم كما قال العلماء فيهم : ظاهر مذهبهم الرفض وباطنه الكفر المحض . وحقيقة أمرهم أنهم لا يؤمنون بنبي من من الأنبياء والمرسلين ; لا بنوح ولا إبراهيم ولا موسى ولا عيسى ولا محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ولا بشيء من كتب الله المنزلة ; لا التوراة ولا الإنجيل ولا القرآن . ولا يقرون بأن للعالم خالقا خلقه ; ولا بأن له دينا أمر به ولا أن له دارا يجزي الناس فيها على أعمالهم غير هذه الدار .

وهم تارة يبنون قولهم على مذاهب الفلاسفة الطبيعيين أو الإلهيين وتارة يبنونه على قول المجوس الذين يعبدون النور ويضمون إلى ذلك الرفض .

ويحتجون لذلك من كلام النبوات : إما بقول مكذوب ينقلونه كما ينقلون عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ** أول ما خلق الله العقل } والحديث موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث ; ولفظه " ** إن الله لما خلق العقل فقال له : أقبل فأقبل .

فقال له : أدبر فأدبر } فيحرفون لفظه فيقولون " ** أول ما خلق الله العقل } ليوافقوا قول المتفلسفة أتباع أرسطو في أن أول الصادرات عن واجب الوجود هو العقل . وإما بلفظ ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيحرفونه عن مواضعه كما يصنع أصحاب " رسائل إخوان الصفا " ونحوهم فإنهم من أئمتهم .

وقد دخل كثير من باطلهم على كثير من المسلمين وراج عليهم حتى صار ذلك في كتب طوائف من المنتسبين إلى العلم والدين ; وإن كانوا لا يوافقونهم على أصل كفرهم ; فإن هؤلاء لهم في إظهار دعوتهم الملعونة التي يسمونها " الدعوة الهادية " درجات متعددة ويسمون النهاية " البلاغ الأكبر والناموس الأعظم " ومضمون البلاغ الأكبر جحد الخالق تعالى ; والاستهزاء به وبمن يقر به حتى قد يكتب أحدهم اسم الله في أسفل رجله وفيه أيضا جحد شرائعه ودينه وما جاء به الأنبياء ودعوى أنهم كانوا من جنسهم طالبين للرئاسة فمنهم من أحسن في طلبها ومنهم من أساء في طلبها حتى قتل ويجعلون محمدا وموسى من القسم الأول ويجعلون المسيح من القسم الثاني .

وفيه من الاستهزاء بالصلاة والزكاة والصوم والحج ومن تحليل نكاح ذوات المحارم وسائر الفواحش : ما يطول وصفه . ولهم إشارات ومخاطبات يعرف بها بعضهم بعضا . وهم إذا كانوا في بلاد المسلمين التي يكثر فيها أهل الإيمان فقد يخفون على من لا يعرفهم وأما إذا كثروا فإنه يعرفهم عامة الناس فضلا عن خاصتهم .

وقد اتفق علماء المسلمين على أن هؤلاء لا تجوز مناكحتهم ; ولا يجوز أن ينكح الرجل مولاته منهم ولا يتزوج منهم امرأة ولا تباح ذبائحهم .

وأما " الجبن المعمول بإنفحتهم " ففيه قولان مشهوران للعلماء كسائر إنفحة الميتة وكإنفحة ذبيحة المجوس ; وذبيحة الفرنج الذين يقال عنهم إنهم لا يذكون الذبائح .

فمذهب أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين أنه يحل هذا الجبن ; لأن إنفحة الميتة طاهرة على هذا القول ; لأن الإنفحة لا تموت بموت البهيمة وملاقاة الوعاء النجس في الباطن لا ينجس .

ومذهب مالك والشافعي وأحمد في الرواية الأخرى أن هذا الجبن نجس لأن الإنفحة عند هؤلاء نجسة ; لأن لبن الميتة وإنفحتها عندهم نجس . ومن لا تؤكل ذبيحته فذبيحته كالميتة.

وكل من أصحاب القولين يحتج بآثار ينقلها عن الصحابة فأصحاب القول الأول نقلوا أنهم أكلوا جبن المجوس .

وأصحاب القول الثاني نقلوا أنهم أكلوا ما كانوا يظنون أنه من جبن النصارى . فهذه مسألة اجتهاد ; للمقلد أن يقلد من يفتي بأحد القولين .

وأما "أوانيهم وملابسهم " فكأواني المجوس وملابس المجوس على ما عرف من مذاهب الأئمة .

والصحيح في ذلك أن أوانيهم لا تستعمل إلا بعد غسلها ; فإن ذبائحهم ميتة فلا بد أن يصيب أوانيهم المستعملة ما يطبخونه من ذبائحهم فتنجس بذلك فأما الآنية التي لا يغلب على الظن وصول النجاسة إليها فتستعمل من غير غسل كآنية اللبن التي لا يضعون فيها طبيخهم أو يغسلونها قبل وضع اللبن فيها وقد توضأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه من جرة نصرانية . فما شك في نجاسته لم يحكم بنجاسته بالشك .

ولا يجوز دفنهم في مقابر المسلمين ولا يصلى على من مات منهم ; فإن الله سبحانه وتعالى نهى نبيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة على المنافقين : كعبد الله ابن أبي ونحوه ; وكانوا يتظاهرون بالصلاة والزكاة والصيام والجهاد مع المسلمين ; ولا يظهرون مقالة تخالف دين الإسلام ; لكن يسرون ذلك فقال الله : ** ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون } فكيف بهؤلاء الذين هم مع الزندقة والنفاق يظهرون الكفر والإلحاد .

وأما استخدام مثل هؤلاء في ثغور المسلمين أو حصونهم أو جندهم فإنه من الكبائر وهو بمنزلة من يستخدم الذئاب لرعي الغنم ; فإنهم من أغش الناس للمسلمين ولولاة أمورهم وهم أحرص الناس على فساد المملكة والدولة وهم شر من المخامر الذي يكون في العسكر ; فإن المخامر قد يكون له غرض : إما مع أمير العسكر وإما مع العدو .

وهؤلاء مع الملة ونبيها ودينها وملوكها ; وعلمائها وعامتها وخاصتها وهم أحرص الناس على تسليم الحصون إلى عدو المسلمين وعلى إفساد الجند على ولي الأمر وإخراجهم عن طاعته .

والواجب على ولاة الأمور قطعهم من دواوين المقاتلة فلا يتركون في ثغر ولا في غير ثغر ; فإن ضررهم في الثغر أشد وأن يستخدم بدلهم من يحتاج إلى استخدامه من الرجال المأمونين على دين الإسلام وعلى النصح لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ; بل إذا كان ولي الأمر لا يستخدم من يغشه وإن كان مسلما فكيف بمن يغش المسلمين كلهم ولا يجوز له تأخير هذا الواجب مع القدرة عليه بل أي وقت قدر على الاستبدال بهم وجب عليه ذلك .

وأما إذا استخدموا وعملوا العمل المشروط عليهم فلهم إما المسمى وإما أجرة المثل لأنهم عوقدوا على ذلك .

فإن كان العقد صحيحا وجب المسمى وإن كان فاسدا وجبت أجرة المثل وإن لم يكن استخدامهم من جنس الإجارة اللازمة فهي من جنس الجعالة الجائزة ; لكن هؤلاء لا يجوز استخدامهم فالعقد عقد فاسد فلا يستحقون إلا قيمة عملهم . فإن لم يكونوا عملوا عملا له قيمة فلا شيء لهم ; لكن دماؤهم وأموالهم مباحة.

وإذا أظهروا التوبة ففي قبولها منهم نزاع بين العلماء ; فمن قبل توبتهم إذا التزموا شريعة الإسلام أقر أموالهم عليهم .

ومن لم يقبلها لم تنقل إلى ورثتهم من جنسهم ; فإن مالهم يكون فيئا لبيت المال ; لكن هؤلاء إذا أخذوا فإنهم يظهرون التوبة ; لأن أصل مذهبهم التقية وكتمان أمرهم وفيهم من يعرف وفيهم من قد لا يعرف .

فالطريق في ذلك أن يحتاط في أمرهم فلا يتركون مجتمعين ولا يمكنون من حمل السلاح ولا أن يكونوا من المقاتلة ويلزمون شرائع الإسلام : من الصلوات الخمس وقراءة القرآن .

ويترك بينهم من يعلمهم دين الإسلام ويحال بينهم وبين معلمهم .

فإن أبا بكر الصديق رضي الله عنه وسائر الصحابة لما ظهروا على أهل الردة وجاءوا إليه قال لهم الصديق : اختاروا إما الحرب المجلية وإما السلم المخزية . قالوا : يا خليفة رسول الله هذه الحرب المجلية قد عرفناها فما السلم المخزية ؟ قال : تدون قتلانا ولا ندي قتلاكم وتشهدون أن قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار ونقسم ما أصبنا من أموالكم وتردون ما أصبتم من أموالنا وتنزع منكم الحلقة والسلاح وتمنعون من ركوب الخيل وتتركون تتبعون أذناب الإبل حتى يرى الله خليفة رسوله والمؤمنين أمرا بعد ردتكم .

فوافقه الصحابة في ذلك ; إلا في تضمين قتلى المسلمين فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال له : هؤلاء قتلوا في سبيل الله فأجورهم على الله.يعني هم شهداء فلا دية لهم فاتفقوا على قول عمر في ذلك .
وهذا الذي اتفق الصحابة عليه هو مذهب أئمة العلماء والذي تنازعوا فيه تنازع فيه العلماء. فمذهب أكثرهم أن من قتله المرتدون المجتمعون المحاربون لا يضمن ; كما اتفقوا عليه آخرا وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين .

ومذهب الشافعي وأحمد في الرواية الأخرى هو القول الأول . فهذا الذي فعله الصحابة بأولئك المرتدين بعد عودهم إلى الإسلام يفعل بمن أظهر الإسلام والتهمة ظاهرة فيه فيمنع أن يكون من أهل الخيل والسلاح والدرع التي تلبسها المقاتلة ولا يترك في الجند من يكون يهوديا ولا نصرانيا.

ويلزمون شرائع الإسلام حتى يظهر ما يفعلونه من خير أو شر ومن كان من أئمة ضلالهم وأظهر التوبة أخرج عنهم وسير إلى بلاد المسلمين التي ليس لهم فيها ظهور . فإما أن يهديه الله تعالى وإما أن يموت على نفاقه من غير مضرة للمسلمين .

ولا ريب أن جهاد هؤلاء وإقامة الحدود عليهم من أعظم الطاعات وأكبر الواجبات وهو أفضل من جهاد من لا يقاتل المسلمين من المشركين وأهل الكتاب ; فإن جهاد هؤلاء من جنس جهاد المرتدين والصديق وسائر الصحابة بدءوا بجهاد المرتدين قبل جهاد الكفار من أهل الكتاب ; فإن جهاد هؤلاء حفظ لما فتح من بلاد المسلمين وأن يدخل فيه من أراد الخروج عنه .

وجهاد من لم يقاتلنا من المشركين وأهل الكتاب من زيادة إظهار الدين .

وحفظ رأس المال مقدم على الربح . وأيضا فضرر هؤلاء على المسلمين أعظم من ضرر أولئك ; بل ضرر هؤلاء من جنس ضرر من يقاتل المسلمين من المشركين وأهل الكتاب وضررهم في الدين على كثير من الناس أشد من ضرر المحاربين من المشركين وأهل الكتاب.

ويجب على كل مسلم أن يقوم في ذلك بحسب ما يقدر عليه من الواجب فلا يحل لأحد أن يكتم ما يعرفه من أخبارهم ; بل يفشيها ويظهرها ليعرف المسلمون حقيقة حالهم ولا يحل لأحد أن يعاونهم على بقائهم في الجند والمستخدمين ولا يحل لأحد السكوت عن القيام عليهم بما أمر الله به ورسوله .

ولا يحل لأحد أن ينهى عن القيام بما أمر الله به ورسوله ; فإن هذا من أعظم أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله تعالى ; وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ** يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم } وهؤلاء لا يخرجون عن الكفار والمنافقين .

والمعاون على كف شرهم وهدايتهم بحسب الإمكان له من الأجر والثواب ما لا يعلمه إلا الله تعالى ; فإن المقصود بالقصد الأول هو هدايتهم ; كما قال الله تعالى ** كنتم خير أمة أخرجت للناس } قال أبو هريرة كنتم خير الناس للناس تأتون بهم في القيود والسلاسل حتى تدخلوهم الإسلام .

فالمقصود بالجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : هداية العباد لمصالح المعاش والمعاد بحسب الإمكان فمن هداه الله سعد في الدنيا والآخرة ومن لم يهتد كف الله ضرره عن غيره.

ومعلوم أن الجهاد والأمر بالمعروف . والنهي عن المنكر : هو أفضل الأعمال كما قال صلى الله عليه وسلم " ** رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله تعالى } " وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ** إن في الجنة لمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء إلى الأرض أعدها الله عز وجل للمجاهدين في سبيله } " وقال صلى الله عليه وسلم " ** رباط يوم وليلة في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه } " ومن مات مرابطا مات مجاهدا وجرى عليه عمله وأجري عليه رزقه من الجنة وأمن الفتنة .

والجهاد أفضل من الحج والعمرة كما قال تعالى : ** أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين } ** الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون } ** يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم } ** خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم } .
والحمد لله رب العالمين وصلاته وسلامه على خير خلقه سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .


الفتاوى الكبرى لشيخ الاسلام ابن تيمية طيب الله ثراه.

أبوعبد اللّه 16
2013-06-26, 12:26
هناك من يشاهد أفرادا من شعب سوريا يحملون أيديهم دعاء على قائدهم ولكن في المقابل يوجد منهم من يدعو له ولبلاده وأحسبهم الأكثرية لهذا ذهب الكثيرون الى سوريا وأكتشفو الحقيقة والتي تظهر مزيفة على شاشات الكثير من الفضائيات المغرضة ذات الخلفيات المعروفة
و كيف تعرفين انهم كثيرون؟؟؟ ربما انت شيعية لانك تعريفنهم بالاكثرية.
ثم من هم الذين ذهبوا من الجزائر و هم كثيرون الى سورية و عرفوا الحقيقة هناك؟؟؟ هل تعرفينهم؟؟؟
الشيعة هنا في هذا المنتدى كثيرون
احذوا يا ناس.