تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الأسلام والإيمان والإحسان والواقع المعيش


ب.جلولي
2012-02-23, 23:10
الباب الأول
الفصل الأول
الإسلام

الإسلام هو توحيد الله، والانقياد والخضوع وإخلاص الضمير له، والإيمان بالأصول الدينية التي جاءت من عند الله(1)، قال تعالى: ﴿ وَمَنَ اَحْسَنُ دِينًا مِمَّنَ اَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاَ ﴾(النساء/125)، فالدين ليس بالتحلي ولا بالتمني؛ ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال، وليس كل من ادعى شيئا حصل له بمجرد دعواه(2)، قال تعالى: ﴿ قُلِ اِنِّيَ أُمِرْتُ أَنَ اَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ. وَأُمِرْتُ لِأَنَ اَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ ﴾(الزمر/11/12)، فالعبادة تكون خالصة لله وحده لا شريك له.
قال زيد بن عمرو بن نفيل:
أسلمت وجهي لمـن أسلمت له الأرض تحمل صخرا ثقالا
وأسلمت وجهي لمن أسلمت له المزن تحمل عذبـا زلالا(3).
والإسلام بمعناه الواسع المعروف لدى العامة هو الدين الذي جاء به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، المتمثل في العقيدة والشريعة، أما معناه الخاص فهو ما جاء في الحديث الشريف « الإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللّه وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَتُقِيمَ الصَّلاَةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاة، وَتَصُومَ رَمَضَانَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ، إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلاً »(4).
قال الشيخ حافظ بن أحمد حكمي:
فقد أتى الإسلام مبنيا علـــى خمس فحقق وادر ما قد نقــلا
أولها الركن الأساس الأعظـم وهو الصراط المستقيم الأقـوم
ركن الشهادتين فاثبت واعتصم بالعروة الوثقى التي لا تنفصـم
وثانيا إقامـــــة الصـلاة وثالثا تأديــة الزكـــــاة
والرابع الصيام فاسمع واتبـع والخامس الحج على من يستطع(5).
يطلق القرآن الكريم لفظ ( أسلم ) أحيانا بهذا المعنى على المؤمنين والكافرين وذلك لأنهم كلهم خاضعون لله سبحانه وتعالى ومنقادون له بحكم خلقتهم رضوا بذلك أم كرهوا، فكل القوانين الإلهية تسري عليهم جميعا(6)، قال تعالى: ﴿ أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ تَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالَارْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾(ال عمران/83)، فالمؤمن مستسلم بقلبه وقالبه لله، والكافر مستسلم لله كرها(7)، و( أسلم ) في هذه الآية تعني الخضوع لأمر الله سبحانه وتعالى طوعا أو كرها والانقياد لما وضع في العالم من قوانين، ثم قصر هذا المعنى على من أسلم وجهه لله طوعا، قصر على من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، قصر على من اجتمعت فيه الطاعة الطبيعية والطاعة الإرادية، فصارت بذلك كلمة ( مسلم ) تطلق على كل من خضع لله وأطاعه(8)، فالمسلم إذن؛ هو كل من خضع لله سبحانه وتعالى، وانقاد له ووحده وأخلص العمل لوجهه الكريم، واستعان به وتوكل عليه، والإسلام من السلامة التي تعني التعري من الآفات الظاهرة والباطنة، والسلامة الحقيقية لا تكون إلا في الجنة التي فيها بقاء بلا فناء وغنى بلا فقر وعز بلا ذل وصحة بلا سقم(9).
لا يكون الإسلام باللسان الحلو المعسول، والقلب المريض الحقود، والعمل المغشوش الفاسد، بل يكون الإسلام إسلاما صحيحا باللسان الصادق والقلب السليم، والعمل الصالح، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾(البينة/7).
قال الشيخ حافظ بن أحمد حكمي:
اعلم بأن الدين قول وعمل فاحفظه وافهم ما عليه اذا اشتمل(10).
ليس الإسلام الصحيح مجرد دعوى تدعى، أو مجرد كلمة تقال، أو شعائر تؤدى في الصلاة والصيام والحج، أو احتفالات تقام بالمناسبات والأعياد، ولا هو اسم فقط يطلق على بعض الناس، أو لباس خاص بالمسلمين، أو شكل من الأشكال، ولا هو مجرد تقاليد وعادات يتميز بها قوم عن قوم، ولا مجرد جنسية خاصة بشعب، ولا بطاقة تعريف فقط، ولا وسيلة يستعملها الإنتهازيون لجلب المنافع الدنيوية، بل الإسلام هو استسلام وطاعة لله عز وجل في السر والعلن، وإتباع لأوامره وتحكيم لكتابه(11).
قال معروف الرصافي:
وليس التقى في الدين مقصورة على صلاة مصل، أو على صوم صيم
ولكنهـا ترك القبيـــح وفعل ما يؤدي من الحسنى إلى نيل مغنم(12).
ليس الإسلام شعارا يرفع كما ترفع شعارات القوانين الوضعية، ولا هو خاضع للأهواء يؤخذ منه ما يروق ويترك ما لا يروق، ولا هو قابل للنقد والإثراء، بل هو عقائد تقوم الفكر وتصقله، وعبادات تطهر القلب وتنقيه، وأخلاق تزكي النفس وتسمو بها إلى أعلى المراتب، وتشريع يقيم العدل وينشره، وآداب تسوي السلوك وتجمل الحياة، فهو منهج حياة متكامل(13).
الإسلام دين واضح المعالم، مفهوم المقصد، لا يوجد فيه دس ولا نقص، يجمع بين المادة والروح وبين القلب والعقل وبين الدنيا والآخرة، يهدف إلى إقامة مجتمع إسلامي رباني وإلى حضارة إسلامية وفقا لتعاليم القرآن الكريم، حضارة خالصة لا تريد علوا في الأرض ولا فسادا(14).
الإسلام ليس ماضيا كماضي الفراعنة في مصر عمروا ثم ماتوا، ولا ماضيا كماضي الفينيقيين في سورية كانوا ثم انتهوا، ولا ماضيا كماضي البابليين في العراق بنوا حضارة ثم اندثرت، بل هو ماض وحاضر ومستقبل في آن واحد، ماض يضرب في القدم إلى غور بعيد، وحاضر يظهر نوره كل يوم كنور الشمس، ومستقبل لأنه منهج حياة مادامت الدنيا وما عليها، فهو كلمة الله الباقية ومنهجه الخالد ونوره المتجدد(15).
الإسلام هو الرسالة المحمدية الخالدة خلود الحقائق الكونية التي أراد الله لها الخلود، محفوظ بحفظ الله سبحانه وتعالى ما دامت السموات والأرض وما بينهما، باق ما بقيت الحياة، ناسخ لكل الرسالات السماوية غير منسوخ، هو الحق وغيره الباطل، يعلى ولا يعلى عليه(16)، هو دين الاتصال بين العبد وربه مباشرة يدعوه ويرجوه ويعمل باسمه وفي سبيله، وينتظر الحساب ويخاف العقاب، ويأمل في رحمة الله ولطفه وعفوه(17)، هو دين ودنيا، صالح لكل زمان ومكان، يدرك الفطرة الإنسانية ويقدرها حق قدرها ويهيئ لها الغذاء الملائم والمناخ الصالح حتى تنمو وتزدهر وتثمر بإذن ربها عن طريق العلم النافع والإيمان الصادق والعبادة الخالصة والخلق القويم(18).
ــــــــــــ
(1)– روح الدين الإسلامي، ص14.
(2)- تفسير ابن كثير، الجزء الثاني ص397.
(3)- موسوعة أخلاق القرآن، الجزء الخامس ص161.
(4)– مختصر صحيح مسلم، ص21.
(5)– معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول في التوحيد، الجزء الثاني ص34.
(6)– ينظر روح الدين الإسلامي، ص14.
(7)- تفسير ابن كثير، الجزء الثاني ص66.
(8)– ينظر روح الدين الإسلامي، ص14.
(9)– ينظر موسوعة أخلاق القرآن، الجزء الخامس ص160.
(10)– معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول في التوحيد، الجزء الثاني ص 15.
(11)– ينظر معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول في التوحيد، الجزء الثاني ص166.
(12) وحي الأدباء- كتاب وشعراء-، دراسات ومنتقيات أدبية من الشعر والنثر، ص164.
(13)- ينظر الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف، ص131.
(14)– ينظر سموم الإستشراق والمستشرقين في العلوم الإسلامية، ص53.
(15)– ينظر من أجل صحوة راشدة تجدد الدين وتنهض بالدنيا، ص173.
(16)– ينظر من القرآن...وإلى القرآن (الدعوة والدعاة)، ص78.
(17)– مفتريات على الإسلام، ص224.
(18)– ينظر الحل الإسلامي فريضة وضرورة، ص46.

المراجع
- القرآن الكريم
- الإمام الجليل الحافظ عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي، تفسير ابن كثير الجزء الثاني، دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة السادسة1404هـ - 1984م.
- محمد محمود الصواف، من القرآن...وإلى القرآن، الدعوة والدعاة ، مكتبة رحاب الجزائر، الطبعة الثانية 1406هـ - 1986م.
– الحافظ عبد العظيم بن عبد القوي المنذري، مختصر صحيح مسلم دار الإمام مالك الجزائر، الطبعة الأولى1428هـ -2007م.
- الشيخ حافظ بن أحمد حكمي، معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول في التوحيد الجزء الثاني، جماعة إحياء التراث.
- الدكتور يوسف القرضاوي، الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف، دار البعث للطباعة والنشر قسنطينة الجزائر، الطبعة الثانية 1404هـ - 1983م.
- الدكتور يوسف القرضاوي، من أجل صحوة راشدة تجدد الدين وتنهض بالدنيا، الطبعة الأولى 1408هـ - 1988م.
- الدكتور يوسف القرضاوي، الحل الإسلامي فريضة وضرورة، نشر وتوزيع مكتبة وحاب الجزائر، الطبعة الثالثة عشرة 1407هـ -1988م.
- الدكتور أحمد الشرباصي، موسوعة أخلاق القرآن الجزء الخامس، دار الرائد العربي- بيروت لبنان-، الطبعة الأولى حزيران(يونيو)1971.
- عفيف عبد الفتاح طبارة، روح الدين الإسلامي، دار العلم للملايين بيروت - لبنان، الطبعة السادسة عشرة تشرين الثاني1977.
- أحمد محمد جمال أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة أم القرى، مفتريات على الإسلام، نشر وتوزيع مكتبة رحاب الجزائر، الطبعة الخامسة 1407هـ -1987م.
- أنور الجندي، سموم الإستشراق والمستشرقين في العلوم الإسلامية، دار الشهاب- باتنة الجزائر
- إسماعيل اليوسف، وحي الأدباء- كتابا وشعراء-، دراسات ومنتقيات أدبية من الشعر والنثر.

بوداود جلولي
../...

pro24
2012-02-23, 23:18
الله يخليك
شكراااااااااااااااااااااا
دمت في اثراء المنتدى
الله يحفظك

me and you
2012-02-24, 00:03
http://www.m5zn.com/uploads2/2012/2/23/photo/gif/0223121402179t01495a0qwxcao6o.gif

ب.جلولي
2012-02-24, 22:39
الله يحفظك ويوفقك