تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : وسائل تحقيق الصبر


سنيقرة سناقرية
2008-12-25, 07:48
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
بسم الله الرحمن الرحيم

:::تحقيق الصبر :::

----------


المعنى اللغوي
قال ابن منظور في لسان العرب في باب صبر:
"من أسماء الله تعالى الصبور تعالى وتقدس، وهو الذي لا يعاجل العصاة بالانتقام، وهو من أبنية المبالغة
ومعناه قريب من معنى الحليم، والفرق بينهما أن المذنب لا يأمن العقوبة في صفة الصبور كما يأمنها في صفة الحليم".

والصبر نقيض الجزع،
قال الجوهري: "الصبر حبس النفس عن الجزع، قال ابن سيده: وأصل الصبر الحبس، وكل من حبس شيئا فقد صبره".
وفي نضرة النعيم: أما الصبر الجميل في قوله تعالى على لسان يعقوب عليه السلام
"فصبر جميل" {يوسف:18}.
فالمراد به الصبر: الذي لا جزع فيه ولا شكوى.
وقال ابن تيمية: الصبر الجميل هو الذي لا شكوى فيه ولا معه.

---
ومن معاني الصبر
قال الفيرزوآبادي في بصائر ذوي التمييز: وربما خولف بين أسمائه بحسب اختلاف مواقعه، فإن كان حبس النفس لمصيبة سمي صبرًا، وإن كان في محاربة سمي شجاعة، وإن كان في إمساك الكلام سمي كتمانًا، وإن كان من فضول العيش سمي زهدًا، وإن كان عن شهوة الفرج سمي عفة، وإن كان عن شهوة الطعام سمي شرف نفس، وإن كان عن إجابة داعي الغضب سمي حلمًا.


ما أحوج المسلمين وخاصة في هذا العصر لهذا الخلق "الصبر" إن كثيرًا من المشكلات في حياة المسلم إنما علاجها في "الصبر"، وإن كثيرًا من الجرائم ترتكب لأن أحد الطرفين لم يتحلَ بخلق "الصبر".
ولقد وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه ضياء، فقال: "والصبر ضياء"،فهو يضيء لنا الطريق حتى نستطيع أن نفكر ونقدر ونتصرف.
ووصفه أيضًا بأنه أوسع العطاءات فقال: "وما أعطى أحد عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر".
فهو الأمر الضروري الذي يعين الطائع على طاعته، والذي يعين على الابتعاد عن المعاصي والمخالفات، وتحمل المصائب.
والصبر ليس عجزًا عن إزالة الضرر عند حدوثه، ولكنه لن يزول بصورة صحيحة إلا عن طريق الصبر، والصبر هو القوة الحقيقية كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ليس الشديد بالصرعة، ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب"،
متفق عليه.
فمن لا يصبر ليس له إلا الجزع لأنه هكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد ذم الله تعالى في كتابه من كان على الجزع حيث قال: "إن الإنسان خلق هلوعا (19) إذا مسه الشر جزوعا (20) وإذا مسه الخير منوعا (21) إلا المصلين"
{المعارج:2219}.
والصبر الجميل يؤدي إلى ترابط المجتمعات بالرغم من حدوث النكبات.
-----

فلنتعرف على هذا الخلق الجميل.
يقول الله سبحانه وتعالى:
"يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين (153) ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون
(154) ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين (155) الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون (156) أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون"
{البقرة:157153}.
ويقول عز وجل: "يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون"
{آل عمران:200}.
ويقول تعالى: "والعصر (1) إن الإنسان لفي خسر (2) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر"
{سورة العصر}.
وقد ذكر الله تعالى الصبر في كتابه في أكثر من تسعين موضعًا كما قال أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى، ونقله عنه ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه مدارج السالكين.
أما أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم فهي كثيرة أيضًا، ومنها:
عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، من تبعك على هذا الأمر؟ قال: "حر وعبد" : قلت: ما الإسلام؟ قال: "طيب الكلام وإطعام الطعام"، قلت: ما الإيمان؟ قال: "الصبر والسماحة.... الحديث" رواه أحمد واللفظ له وابن ماجه وأصله عند مسلم.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن ناسًا من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتى إذا نَفِدَ ما عنده قال: "ما يكن عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله، وما أُعطِى أحد من عطاء خيرًا وأوسع من الصبر" متفق عليه.
وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الطُهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماوات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها" رواه مسلم.
وعن صهيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سرَّاءُ شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له" رواه مسلم.
وعن محمود بن لبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أحب الله قومًا ابتلاهم، فمن صبر فله الصبر، ومن جزع فله الجزع".
{السلسلة الصحيحة برقم 146}

-----------

الاستعانة بالصبر
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعين بالصبر والصلاة في كل أحواله؛ ويأمر بذلك ويدعو له؛ فقد جاء إليه أصحابه وهم بمكة يؤذون ويُضطهدون ويعذبون، وهم يعلمون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن الله تعالى يستجيب دعاءه فكانوا يطلبون منه أن يدعو الله لهم ليرفع عنهم هذا العذاب فما يزيد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يأمرهم بالصبر ويذكر لهم من قصص الذين كانوا من قبلهم وكيف تحملوا العذاب الشديد وصبروا في سبيل دينهم.
فعن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة قلنا له: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا؟ قال: كان الرجل فيمن قبلكم يُحفر له في الأرض فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويمشَّط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه. والله ليتمَّنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله، والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون".
{رواه البخاري وأبو داود وأحمد}
وكان صلى الله عليه وسلم يأمر بالصبر في جميع الحوادث والملمات؛ كما قال في الحديث:
"... وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له...".
--------

الاستعانة بالصلاة
في تفسير قوله تعالى: "واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين" {البقرة:45} قال ابن كثير: قال الإمام أحمد؟ قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة". وقال محمد بن نصر المروزي في كتاب "الصلاة": قال حذيفة: رجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب وهو مشتمل في شملة يصلي وكان إذا حزبه أمر صلى.
وعن علي رضي الله عنه قال: لقد رأيتنا ليلة بدر وما فينا إلا نائم غير رسول الله صلي الله عليه وسلم يصلي ويدعو حتى أصبح.
ثم أخبر تعالى أنه مع الصابرين كما قال سبحانه "إن الله مع الصابرين" {البقرة:153}، وقال سبحانه في الآية الأخرى "إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب" {الزمر:10}.
وهكذا يستمر الصبر مع المؤمن، صبر على الطاعات، وصبر عن المعاصي، وصبر على الابتلاءات حتى يلقى الله تعالى، ولا يتخلى عن الصبر حتى في أحرج المواقف وهو قتال العدو حتى لو قُتل فسيكون قتله في سبيل الله، فإذا قتل في سبيل الله فهو ليس بميت ولكنه حي كما أخبر الله تعالى، وهذه بشارة للمؤمن الذي يتمسك بالصبر حتى في أحرج المواقف.

-------------

الصبر على الابتلاءات
ثم يخبر تعالى أنه لابد أن يبتلي عباده بأنواع الابتلاءات، وقد ذكر هنا الابتلاء بالضراء، ولكن الابتلاء بالسراء مذكور في مواضع أخرى، مثل قوله تعالى: "كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون" {الأنبياء:35}.
والواجب مع هذه الابتلاءات كلها الصبر، ولذلك يقول الله تعالى: "وبشر الصابرين" ثم يرشدنا إلى الذكر المطلوب في هذه الحالة؛ قال ابن كثير رحمه الله عند هذه الآية: وفي صحيح مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منها إلا آجره الله في مصيبته، وأخلف له خيرًا منها". قالت: فلما توفي أبو سلمة قلت كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخلف الله لي خيرًا منه؛ رسول الله صلى الله عليه وسلم . وفي رواية الإمام أحمد أنها سمعت هذا الحديث من زوجها أبي سلمة قبل أن يموت فقالته ثم حدثت نفسها: ومن يكون خيرًا من أبي سلمة. حتى جاءها رسول الله صلى الله عليه وسلم .

--------
الأمر بالصبر والمصابرة والمرابطة
قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا" قال الحسن البصري: أمروا أن يصبروا على دينهم الذي ارتضاه الله لهم وهو الإسلام، فلا يَدَعُوهُ لسراء ولا لضراء ولا لشدة ولا لرخاء حتى يموتوا مسلمين، وأن يصابروا الأعداء الذين يكتمون دينهم وكذلك قال غير واحد من علماء السلف، وأما المرابطة فهي المداومة في مكان العبادة والثبات، وقيل: انتظار الصلاة بعد الصلاة، قاله ابن عباس وسهل بن حنيف ومحمد بن كعب القرظي وغيرهم، وروى ابن أبي حاتم ههنا الحديث الذي رواه مسلم والنسائي من حديث مالك بن أنس عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب مولى الحرقة عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؛ إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخُطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط".
ثم سورة العصر التي قال فيها الشافعي رحمه الله تعالى: "لو تدبر الناس هذه السورة لوسعتهم، وفيها المعاني العظيمة من أن الناس كلهم في هلاك باستثناء صنف واحد وهم الذين آمنوا، ثم اردفوا الإيمان بالعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر".


تحقيق الصبر
نرجو الله أن نحقق خلق الصبر في أنفسنا حتى يكون ملكة في النفس راسخة تصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر ورويَّة،
ومما يعين على ذلك ما قاله ابن القيم في مدارج السالكين:
"الصبر واجب بإجماع الأمة وهو نصف الإيمان، فإن الإيمان نصفان: نصف صبر، ونصف شكر"
وقال في تحقيق درجات الصبر الثلاثة:

(أ)الصبر عن المعصية
ويتحقق بما يلي:
أولا: الخوف من الله: أي الخوف من الوعيد المترتب عليها، ويبعث عليه قوة الإيمان بالخبر والتصديق بمضمونه.
ثانيًا: الحياء من الله: أن يستعان على معاصيه بنعمه وأن لا يبارز بالعظائم، ويبعث عليه قوة المعرفة ومشاهدة معاني الأسماء والصفات.


(ب)الصبر على الطاعة:
وهو أعلى من الصبر عن المعصية
ويتحقق بثلاثة أشياء:
أولا: دوام الطاعة.
ثانيًا: الإخلاص فيها.
ثالثًا: الصواب فيها.
أي: وقوعها على السنة الصحيحة ومقتضى العلم.
(ج) الصبر على البلاء:
ويتحقق بثلاثة أشياء:
أولا: ملاحظة حسن الجزاء الذي أعده الله تعالى للصابرين على البلاء.
ثانيًا: انتظار الفرج الذي لابد أن يأتي، ويعين على ذلك فهم اسمه تعالى اللطيف.

ثالثًا: تهوين البلاء
بأمرين:

أولهما: أن يعد نعمة الله عليه، فإذا عجز عن عدها، هان عليه ما هو فيه من البلاء ورآه بالنسبة إلى نعمه التي لا تحصى كقطرة في بحر.

وثانيهما: ذكر النعم السالفة التي أنعم الله بها عليه.


:::المصدر: مجلة التوحيد:::
:::أسأل الله تعالى أن يعيننا على تحقيق الصبر في أنفسنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه:::