مشاهدة النسخة كاملة : رواد علم الاجتماع
فارس الجزائري
2008-12-25, 05:21
:dj_17:
فيما يلي ملف مفتوح عن عبد الرحمان بن خلدون أتمنى أي عضو لديه إضافة عن هذا العلم فلا يبخل بهاعلينا
وجزاكم الله ألف خير
لا تنسونا بالدعاء في سجودكم
فارس الجزائري
2008-12-25, 05:24
عبد الرحمن بن خلدون 1332 – 1406م.
الرجل والظروف.
نشأت أسرة ابن خلدون بمدينة (قرمونة) بالأندلس التي استقر بها جدهم (خالد بن عثمان) ثم نزحوا بعد ذلك إلى (اشبيلية) وبدأ نجم أسرته يسطع في عهد الأمير عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الأموي.
وذلك أنه في أثناء ولاية هذا الأمير اضطربت الأندلس. وكانت (اشبيلية) موطن (ابن خلدون) في مقدمة المناطق الثائرة، واشترك في قيادة الثورة ولد من أحفاد خلدون هو: كريب بن عثمان بن خلدون، الذي استبد بالأمر واستقر بإمارة اشبيلية، ولكن حدثت في عهده عدة ثورات انتهت بقتله وسطع نجم الأسرة ثانية في عهد ( الطوائف)، ورقى بعض أفرادها إلى مراتب الرياسة والوزارة، ولما ضعفت (دولة الموحدين) نزح بنو خلدون إلى إفريقيا وتونس، حيث أكرم (الحفصيون) وفادتهم وتولى الجد الثاني لابن خلدون شؤون دولتهم بتونس، كما ولى جده الأول شؤون الحجابة.(1) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=87288#_ftn1)
وفي كنف هذه الأسرة ولد عبد الرحمن ابن خلدون في تونس في 27 مايو 1332م ولما بلغ سن التعلم بدأ في حفظ القرآن وتجويده، ودرس العلوم الشرعية واللسانية والمنطق والفلسفة والعلوم الطبيعية والرياضية. وعندما بلغ الثامنة عشرة من عمره انقطع عن التعليم، بسبب انتشار مرض (الطاعون) وهجرة معظم العلماء والأدباء، وأخذ يتطلع إلى الوظائف العامة والسير في الطريق نفسه الذي سار فيه أجداده(2) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=87288#_ftn2) فوصل إلى أعلى مناصب الحكم في عهود ملوك عديدين، فتولى كتابة السر، وخطة المظالم، وصار وزيرا وحاجبا وسفيرا ومدرسا وقاضيا وخطيبا (3) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=87288#_ftn3)، ومن هذا نعرف:
1. أن أسرته كانت قريبة من الحكم والسلطان والسياسة، وكانت مهتمة في الوقت نفسه بالبحث والعلم.(4) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=87288#_ftn4)
2. كان من شأن هذه البيئة الأولى أن بثت في نفس ابن خلدون حب المنصب والجاه من ناحية وحب العلم من ناحية أخرى، وقد كانت تتغلب واحدة على أخرى. زد على كل هذا أنه كان بالرجل نزوع إلى المغامرات السياسية، فكان يبادر كعادته إلى الانطواء تحت ألوية ذوي السلطان والوزراء والحكام، وقد كانت المغامرات السياسية ترفعه تارة إلى أعلى المناصب، أو تقضي به خلف جدران السجون.(5) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=87288#_ftn5) وأما عن الملامح الأساسية للظروف المجتمعية التي عاش خلالها، وأراد الكتابة عنها، فكانت تشير إلى وجود نمط إقطاعي في مرحلة انتقالية محتفظة ببقايا من النظام العشائري المتفسخ. وكان النمط الإقطاعي آخذا في النمو، متوجها نحو التأثير سلبا في مركزية الدولة، ومعمقا من التناقضات الاجتماعية خاصة في الحواضر والمدن، هذه الظروف والملامح أثرت في فكره، بوصفها مسرح ملاحظاته ومقارناته واستنتاجاته.(6) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=87288#_ftn6)
(1) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=87288#_ftnref1) علي عبد الواحد وافي، عبد الرحمن ابن خلدون، (بيروت: سلسلة أعلام العرب، العدد 54؛ وزارة الثقافة، القاهرة) ص 20- 24.
(2) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=87288#_ftnref2) المصدر السابق، ص24-39
(3) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=87288#_ftnref3) حسن الياعتي، علم الاجتماع الخلدوني -قواعد المنهج، (بيروت: دار النهضة العربية للطباعة والنشر، 1972م)، ص6 – 7.
(4) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=87288#_ftnref4) المصدر السابق، ص9.
(5) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=87288#_ftnref5) أنظر تفصيلا لمغامراته، وطموحاته، في مقدمته التي نشرها وضبطها، د. علي عبد الواحد وافي، ط1، مطبعة لجنة البيان العربي، القاهرة 1957م، ص48 وما بعدها. وأيضا د. عبد الكريم اليافي، تمهيد في علم الاجتماع، مطبعة الجامعة السورية، دمشق 1957م، ص70.
(6) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=87288#_ftnref6) أحمد الخشاب، التفكير الاجتماعي – دراسة تكاملية للنظرة الاجتماعية، (مصر: دار المعارف؛ 1970م)، ص291 – 292.
فارس الجزائري
2008-12-25, 05:27
عن علم الاجتماع ونظريته.
1. يعد (ابن خلدون) أول من نادى بضرورة إنشاء علم (العمران البشري) وهذا العمران يعني لديه الاجتماع الإنساني وظاهراته. وهو يصوغ موضوع هذا العلم من خلال قوله أن الاجتماع الإنساني ضروري، ويعبر الحكماء عن هذا بقولهم: الإنسان مدني بالطبع، أي لابد له من الاجتماع الذي هو المدينة في اصطلاحهم وهو معني العمران. (1) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=87288#_ftn1)
وأولى النقاط التي تبرز هنا هي النظر للمجتمع نظرة شمولية، مع التركيز على ضرورته، وما هو ضروري فيه. فهو لم يدرس الاجتماع الإنساني إلا بقصد بيان ما يلحقه من العوارض والأحوال واحدة بعد أخرى. وهذا يعني أن التركيب الجدلي المعقد من الأحوال في العمران هو المجال المتميز الذي يسعى (ابن خلدون) لكشفه وتهيئة المستلزمات المعرفية له.
2. وإذا أردنا توضيح السبب الذي من أجله رأى الاجتماع الإنساني ضروريا نجد ابن خلدون يقول: (لأن قدرة الواحد من البشر قاصرة عن تحقيق حاجاته) (2) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=87288#_ftn2) ومن ثم فتحصيل الحاجة يعد حجر الزاوية في (الاجتماع الإنساني) وضرورته، وهو يسير في التفسير خطوة أخرى فيقول (الواحد من البشر غير مستقل بتحصيل حاجاته في معاشه، وإنهم – الناس – متعاونون جميعا في عمرانهم على ذلك)(3) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=87288#_ftn3) ومعنى هذا أن الحاجة والعمل مقولتان أساسيتان للوجود الإنساني، وبدونهما يستحيل وجود المجتمع البشري.
3. تتضح النظرة الخلدونية للمجتمع وظاهرته من توجهه العام الذي أكد خلاله في أكثر من موضع من مقدمته أن العمران البشري حقيقة متعلقة طبيعية، لها علم من العلوم الطبيعية يخصها، علم لا يتجرد عن المادة لا في الذهن ولا في الخارج ... إحدى قواعد البحث فيه الواقعية الاجتماعية المتشخصة بموادها.(4) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=87288#_ftn4)
4. يعد تغير العمران حقيقة أساسية في نظرة ابن خلدون إلى العمران البشري، فأحوال العالم والأمم وعوائدها ونحلها لا تدوم على وتيرة واحدة إنما هو اختلاف على الأيام والأزمنة وانتقال من حال إلى حال، ويرى أن السبب الشائع في تبادل الأحوال والعوائد هو أن عوائد كل جيل تابعة لعوائد سلطانه، كما يقال في الأمثال العامية (الناس على دين ملوكهم).(5) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=87288#_ftn5)
(1) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=87288#_ftnref1) مهدي النجار مصدر مذكور.
(2) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=87288#_ftnref2) مهدي النجار مصدر مذكور.
(3) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=87288#_ftnref3) مهدي النجار مصدر مذكور.
(4) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=87288#_ftnref4) حسن الساعتي، مصدر مذكور، ص73.
(5) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=87288#_ftnref5) المصدر السابق،ص 119.
فارس الجزائري
2008-12-25, 05:31
5. يكاد يركز في فهمه وتفسيره لتطور العمران وتغيره على عدة عوامل أساسية ترتبط بالعصبية التي لا تلعب دورا أساسيا في بناء العمران واستمراره، في هذا يقرر (أن الاجتماع والعصبية بمثابة المزاج للمتكون، والمزاج في المتكون لا يصلح إذا تكافأت العناصر فلا بد من غلب أحدها وإلا لم يتم التكوين). فكأن الصراع القائم على التناقض أساس في تكوين العمران البشري واستمرار يته(1) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=87288#_ftn1) كما تلعب السلطة السياسية المتمثلة في (الحاكم) دورا في الحفاظ على العمران، وفي تغييره كما هو مشار إليه في الفقرة السابقة مباشرة.
6. وأما عن أبرز عناصر وملامح منهجه فيمكن إيجازها فيما يلي:
أ- يؤكد (ابن خلدون) أن على الباحث ألا يقبل شيئا على أنه حق إلا بعد أن يتأكد بوضوح أنه كذلك. أي يجدر به ألا يتأثر بآراء مسبقة أو يتخذ من الأساطير وآراء الآخرين غير المؤكدة أساسا لدراسته. ولهذا كان (ابن خلدون) يقرأ لمفكري عصره وأسلافه بقصد المحاورة والكشف، يستشهد ويشكك وينتقد ويصحح وينتقي ويقارن ثم يأتي بالاستنتاج. وهو بصدد هذا يقول في مقدمته (فلا تثقن بما يلقى إليك من ذلك وتأمل الأخبار وأعرضها على القوانين الصحيحة يقع لك تمحيصها بأحسن وجه)(2) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=87288#_ftn2).
ب- أكد على ضرورة الأخذ بمنهج المقارنة بين ماضي الظاهرة وحاضرها، ودراسة تطور الظاهرات والنظم العمرانية دراسة تاريخية، ذلك لأن العمران متطور متبدل.(3) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=87288#_ftn3)
ج- يؤكد على أهمية وصول علم العمران إلى صوغ القوانين التي تحكم العمران لأن الوصول إلى هذه القوانين وظيفة من وظائف العلم. وفي هذا المعنى يرى أن الظاهرات العمرانية لا تشذ عن بقية ظاهرات الكون، وأنها محكومة في مختلف نواحيها بقوانين طبيعية تشبه القوانين التي تحكم ما عداها من ظاهرات الكون، كظاهرات العدد والفلك والطبيعة والكيمياء والحيوان والنبات.(4) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=87288#_ftn4)
د- ركز على أهمية الملاحظة، التي تأتي عمليتها من مسلكيها التاليين:
& المسلك الأول: ويتمثل في القيام بملاحظات حسية وتاريخية قوامها جمع المواد الأولية لموضوع البحث من المشاهدات ومن بطون التاريخ.
& المسلك الثاني: ويتمثل في القيام بعمليات عقلية يجرها على هذه المواد الأولية ويصل بفضلها إلى الغرض الذي قصد إليه من هذا العلم، وهو الكشف عما يحكم الظاهرات العمرانية من قوانين.(5) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=87288#_ftn5)
والخلاصة أن (ابن خلدون) حدد موضوع العلم بدراسة المجتمع الإنساني، ورأى أن هذا الموضوع يتحدد بما هو ضروري، وما هو اجتماعي، وأن هذا المجتمع، ليس ثابت الأحوال، وإنما هو دينامي ومتغير، يلعب الصراع بين العصبيات دورا بارزا في تغييره وتنميته، وحدد التوجه المنهجي لهذا العلم بالملاحظة والتحليل والتفسير في إطار تاريخي، حتى يمكن الوصول إلى القوانين التي تحكم هذا المجتمع.
لقد تألق ابن خلدون نظريا وعلميا، حين ركز على هذه الأبعاد والعمليات الهامة التي كانت ولا تزال من بين أبرز ما يميز علم الاجتماع عن غيره من علوم الإنسان والمجتمع. لكن اللافت للنظر أن هذا الطريق الذي سلكه لم يحاول آخرون السير فيه وتنميته، خاصة من العرب، ولو حدث ذلك لكان لعلم الاجتماع العربي مكان ذو شأن لا في تاريخ العلم فحسب، بل في حاضره ومستقبله أيضا.
(1) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=87288#_ftnref1) مهدي النجار، مصدر مذكور.
(2) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=87288#_ftnref2) المصدر السابق.
(3) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=87288#_ftnref3)،(4)،(5) أنظر: علي عبد الواحد وافي، (ابن خلدون أول مؤسس لعلم الاجتماع، بحث قدم إلى مهرجان ابن خلدون، منشورات المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة، 2 – 6يناير 1962م، ص64 – 78.
فارس الجزائري
2008-12-25, 05:34
موقف الرجل من الظروف.
تتحدد علمية الباحث بوضوح الرؤية المنهجية، والغايات العلمية لديه، وتحدد إنسانية الباحث بالوظائف الاجتماعية والإنسانية لعلمه ولبحثه.
وإذا أردنا استجلاء ملامح هاتين الخاصتين نجد أن أولاهما كانت أكثر تحققا في إطار ظروف زمانه وتقدم البحث العلمي فيه، ومسرح ملاحظاته التي كانت محددة تقريبا بالمغرب العربي، فقد أكد ضرورة التغير، وضرورة العمل، وضرورة الصراع، وضرورة التوجه التاريخي نحو المجتمع، وأهمية العوامل الاقتصادية، كالمهنة والجاه، وفي طبائع البشر، وفي تدريجهم الاجتماعي. وأما الوظيفة الثانية لعلمه،والتي تتعلق بموقفه من السياق البنائي الذي أحاط به فيمكن إيجاز بعض ملامحها فيما يلي:
1. في تصنيفه للمهن والأعمال وأهميتها ميز بين الضروري والكمالي، وحدد الضروري في أعمال الفلاحة والصناعة والتجارة، وإن كان عد الفلاحة متقدمة عليها، لارتباطها بالعمل، والإنتاج.
2. يذهب إلى أن التجارة وهي أساس اقتصاد البناء البدوي شيء كريه فهي ( وان كانت طبيعية في الكسب فالأكثر من طرقها ومذاهبها إنما هي تحيلات في الحصول على ما بين القيمتين في الشراء والبيع لتحصل فائدة الكسب من تلك).(1) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=87288#_ftn1)
وهاتان النقطتان تلحمان إلى أن ابن خلدون أراد أن يبرز دور الإنتاج الزراعي لكونه يرتبط بالعمل المنتج وما يعكسه من قيم ضرورية لاستمرارية المجتمع، وهذا يتسق مع توجهاته نحو ضرورة العمل للإنسان ومجتمعه.
(1) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=87288#_ftnref1) مهدي نجار، مصدر مذكور.
فارس الجزائري
2008-12-25, 05:37
3. لقد كان لقربه من ذوي السلطان والقوة، واشتغاله بالسياسة دور أساسي في تحديد موقفه من النظام القائم. فأحكامه على سكان الحواضر، وعلى العرب أحكام قيمية. ومع إدراكه لأهمية عوامل الصراع، وفرص الناس من المعاش، في تشكيل المجتمع وتغييره، إنه نظر للسلطة السياسية يوصفها غاية النيات ونهاية المطاف. فقد أشار إلى أنه متى تحققت الضرورة الاجتماعية عند الناس – أي تكون المجتمع – لا بد لهم من وازع تكون له عليهم الغلبة والسلطان واليد القاهرة، وأن هذا الملك ليس لكل عصبية وإنما الملك على الحقيقة لمن يستعد الرعية، ويوصي بالأموال ويبعث البعوث ويحمي الثغور ولا تكون فوق يده يد قاهرة، وهذا معنى الملك وحقيقته في المشهور.(1) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=87288#_ftn1)
ويكاد يكتشف موقفه التام من النظام المحيط به عندما برر الأوضاع والفوارق الطبقية وعدها أمرا طبيعيا محتوما.
وفي هذا يقول ( إن الجاه متوزع في الناس ومترتب فيهم طبقة بعد طبقة ينتهي في العلو إلى الملوك الذين ليس فوقهم يد عالية، وفي السفل إلى من لا يملك خيرا ولا نفعا بين أبناء جنسه، وبين ذلك طبقات متعددة .. فقد تبين أن الجاه هو القدرة الحاملة للبشر على التصرف فيمن تحت أيديهم من أبناء جنسهم بالإذن والمنع والتسلط بالقهر والغلبة ليحملهم على دفع مضارهم).(2) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=87288#_ftn2)
وحصاد هذه الآراء والأقوال يوضح أنه كان في بحثه ساعيا إلى تدعيم النظام القائم وتبريره، مؤيدا الفوارق بين الناس، لأمور ليست بأيديهم، ومطالبا الناس بالطاعة ( الناس على دين ملوكهم ) ومبرزا لأهمية القهر والحكم الفردي والطغيان. ولولا وقوعه في هذا المأزق لكان علم الاجتماع لديه أكثر اكتمالا علميا واجتماعيا، لأنه وان كان قد أقر التغير في الاجتماع الإنساني، فقد رفض كل تغير مقصود تاركا إياه فقط لتلقائية وقوعه، ولإرادة الملوك والحكام. وهذا يعني إشارته إلى خضوع المجتمع لقوانين طبيعية تعني في مضمونها الاجتماعي أن البشر مهما حاولوا فلن يغيروا شيئا، وفي ذلك إهدار فاعلية الإدارة الإنسانية عبر التاريخ.
(1) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=87288#_ftnref1)، (2) عبد المعز نصر، (فلسفة السياسة لدى ابن خلدون) ، بحث قدم لمهرجان ابن خلدون، منشورات المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، 2 – 6 يناير 1962م، ص318 – 345.
anino1987
2009-01-02, 10:13
merci merci merci tbeaucoup je ne peut dit rien merci
فارس الجزائري
2009-01-02, 14:34
merci merci merci tbeaucoup je ne peut dit rien merci
:dj_17:
السلام عليكم
العفو أخي الكريم لا تقل شيئا أدعوا لنا فقط في سجودك
halimhard
2009-01-03, 00:08
يعطيك الصحة من فضلك اريد الرواد المعاصرين وجزاك الله خير
bbakhaled
2009-01-30, 14:15
أريد سان سيمون
حنين الذكريات
2009-02-05, 20:49
الله يعطيك العافية
فارس الجزائري
2009-02-06, 01:38
الله يعطيك العافية
:dj_17:
الله يعافيك
اهلا وسهلا
فارس الجزائري
2009-02-08, 03:29
بارك الله فيك واصل قدما
:dj_17:
وفيك بارك
أهلا وسهلا
شكرا جزيلا لك و من فضلك اريد الفكر السياسي لابن خلدون
فارس الجزائري
2009-03-14, 01:33
شكرا جزيلا لك و من فضلك اريد الفكر السياسي لابن خلدون
:dj_17:
العفو
أهلا وسهلا
أما بالنسبة لطلبك اليك هاذين الكتابين وهذه االدراسة لعلك تجدين فيها ما يفيدك
http://img253.imageshack.us/img253/6007/44020113vl2.gif
فلسفه ابن خلدون الاجتماعيه (http://al-mostafa.info/data/arabic/depot3/gap.php?file=i001014.pdf)
العصبيه و الدوله:فكر ابن خلدون:معالم نظريه خلدونيه في التاريخ الاسلامي (http://al-mostafa.info/data/arabic/depot2/gap.php?file=013065.pdf)
الدراسة:
د. عمر احمد قدور
مدخل: يعتبر العلامة عبدالرحمن ابن خلدون من أوائل الذين كتبوا في ضرورة الاجتماع الانساني وفي ضرورة الدولة، إذ يستحيل على البشر ان يعيشوا منفردين، واذا اجتمعوا تصبح الضرورة ملحة لقيام الدولة حتى تمنع العدوان الذي هو من جبلة البشر وطبيعتهم وحتى تقيم ميزان العدل والقسطاس، وحتى تقيم دولة ذات شوكة، فلا مكان للدولة بلا شوكتها وقوة سلطانها، ولا مكان للعمران الانساني إلاّ بقيام الدولة القادرة، والتي تحقق ذلك - في تقديره - بالعمل الاقتصادي وليس العصبة وان كانت العصبة والشوكة ضروريتان في بداية قيامها إلاّ انهما ليسا العنصرين الوحيدين لبقاء الدولة ونموها، وإلاّ دب الفساد اليها ما لم تتولى أجيالها التابعة مهام الاصلاح والبناء والعمران.
واذا كنا قد عرفنا ان هذا العلامة الانساني الفذ قد عاش بين مطالع الثلث الاول من القرن الرابع عشر الميلادي 1332 الى حين رحيله في مطلع القرن الخامس عشر 1406 لأدركنا دور هذا العالم العلامة ومكانته في جانب العلوم الانسانية، الى جانب ما عرف عنه كعالم انساني وكمؤرخ وفيلسوف وديبلوماسي ومحارب، وعالم عميق الخبرة بالفنون والاجتماع وطبائع الشعوب، الامر الذي بوأه مكانة عالية في علوم الاجتماع الانساني والعمران، بحيث يعد - بحق - ابو علم الاجتماع الحديث الذي من نبعه الصافي اغترف «دور كايم» وغيره من رواد علم الاجتماع الحديث، والافكار الرائدة التي طرحها ابن خلدون واغترف منها رواد آخرون، انتظر بعضهم قروناً ليورد أفكاراً عن الاجتماع الانساني والدولة.
وحتى نلقي الضوء على جوانب من عطاء هذا العالم الفقيه المؤرخ الفيلسوف، فيكفي ان نعرض في عجلة لبعض ملامح ما كتب هذا العالم العلامة في مقدمته، حيث تناول في ستة من هذه الفصول العمران البشري والعمران البدوي والأمم الوحشية (المتوحشة أو البدائية) والعمران الحضري في الدول والممالك والخلافة والمراتب السلطانية، وهو ما سوف نتناوله في هذا البحث ثم في البلدان والاقطار وسائر العمران، ثم نتناول بعد ذلك وجوه المعاش والكسب، والعلوم وأصنافها والتعليم وطرائقه، اضافة الى موقفه العلمي والفكري من العقل والفلسفة مما يكشف عن جوانب واسعة من هذا العالم البحر.
ولما كان موضوعنا عن هذا العالم الفذ يدور عن فكرة الدولة، فحري بنا ان نعرض بداية لتطور فكرة الدولة عموماً، ثم ندلف بعد ذلك على ما طرح العلامة من أفكار.
الفصل الأول : ظهور وتطور فكرة الدولة
تمهيد: عرف الانسان منذ القدم أشكالاً من النظم تحت مسميات مختلفة، سعت في مجملها الى تنظيم حياته وشؤونه العامة. وقد نما مجتمعه وازدهر واتسع نطاقه متجاوزاً نطاق الأسرة والعشيرة الى تنظيم أوسع وأشمل، مبشراً بظهور نمط جديد من التنظيم والسلطة، عام في مظهره، عمومي في توجهه، يمارس بصورة أوسع ادارة وتنظيم شؤون الجماعة، وفق قواعد إرتضاها ورسمها لرعاية هذه الشؤون.
فكان ذلك إيذاناً بظهور المجتمع المنظم المستقر المالك لأمره. وكان ذلك إيذاناً بظهور الدولة، وبزوغ نجمها، وظهور كيان جديد يتولى السلطة العامة ويدير شؤون الحكم والأمن في المجتمع الانساني. وقد ظهر هذا النمط منذ أقدم العصور في نماذج كثيرة متعددة في الشرق والغرب، سواء كان ذلك في أمثلة ونماذج المدن اليونانية القديمة، او في الحضارات الأكثر عراقة من هذه المرحلة على نحو ما عرف عن الحضارات المصرية والاشورية والبابلية وحضارات المشرق الأدنى. الأمر الذي سوف نتناوله في هذا الفصل، ممهدين لذلك بإلقاء الضوء على ماهية الدولة، وتعريفاتها المختلفة، ثم نخلص بعد ذلك الى إماطة اللثام عن نشوء وتطور فكرة الدولة عبر عصورها التاريخية المختلفة.
المبحث الأول : ماهية الدولة
اذا كان اسم الدولة ETAT-STATE بمعناه الحالي، لم يظهر في اللغات العربية إلاّ في عصرنا الحالي، إلاّ أن هذا المفهوم ظهر بمسميات مختلفة في فكرنا الشرقي بصفة عامة والعربي بصفة خاصة، سواء كان ذلك في جاهليتهم أو بعد بزوغ الإسلام، بما جد فيه من أنماط السلطة والحكم، ففكرة الدولة قديمة: فقد عرفها العالم منذ آلاف السنين.
وقد كان للشرق -كما ألمحت- قصب السبق على الغرب في تنظيم أوجه السلطات، وإن كان ذلك تحت مسميات وعبارات لم تشر الى كلمة الدولة مباشرة وان استعاضت عنها بعبارات اخرى مثل الامارة والخلافة والأمر والسلطان. وقد عرف العرب مفهوم الدولة قبل الإسلام في ممالك اليمن في سبأ وحمير ومعين، وفي دولتي المناذرة والغساسنة وقد تلازم هذا المعنى عندهم بالسلطان حتى غدا اسم الدولة او المملكة ملازماً لكلمة السلطان في الفكر السياسي العربي، لاسيما في عصوره الوسيطة التي اعقبت انهيار الامبراطوريات الإسلامية الكبرى.
وقد أشار الإمام الطبري إلى ورود هذا المعنى في التراث الإسلامي، وأن أول مرة استعمل فيها العرب هذا المصطلح ما جاء في خطبة الحسن بن علي إلى أهل الكوفة يدعوهم الى بيعته بقوله: «.. وإن لهذا الأمر مدة، والدنيا دول....... إن أساس ما قام عليه الفكر القديم من الجمع بين صاحب السلطة والسلطان او الحاكم وسلطة الحكم، إذ ان الدولة تتمثل في شخصه وفق ما صدح به أحد أباطرة فرنسا JE SUIS LETAT وذلك بالطبع قبل ظهور التفرقة بين صاحب السلطة ومن يمارسها، وقيام الفصل بين الحاكم وسلطة الحكم، وهو ما يسميه العلامة هوريو تأسيس السلطة LINSTITUTIONNALISTION DU POUVOIR بمعنى قيام الدولة صاحبة السلطة السياسية، وأن الحاكم مجرد أداة في يد الدولة تمارس عن طريقه سلطاتها(6)، وهي مرحلة سنراها لاحقاً في تطور الفكر السياسي وبالتالي في تطور مفهوم الدولة.
واذا كان ابن خلدون قد عرف الدولة بأنها مجتمع انساني او جماعة انسانية يحكمها وازع قانوني وارادة حازمة معتمدة في ذلك الحكم لا على ما يعن لها او ما يسوّل لها هواها، بل يكون حكمها بشرع مفروض، فإن الدولة كما يراها أفلاطون هي: «جماعة من أناس متساوين أحرار.. يرتبطون فيما بينهم بأواصر الأخوة، ويطيعون لبقاء النظام في المدينة الحكام المستنيرين أولى الرعاية والحزم الذين اتخذوهم رؤساء، ويخضعون للقوانين التي ليست إلاّ قواعد العدل ذاته»(7).
ويرى أفلاطون أن مسؤولية السلطان (الدولة) المرتبة على سائر الدرجات هي تحقيق انتظام الادارة بتحقيق اركان السلطان واقامة الامن باقامة العدل المنظم الأعلى للدولة، كما هو الفرد، ثم النزاهة والمعرفة والاعتدال والمسؤولية واحترام القانون(8). ويؤكد جان دابان JEAN DABIN ان الانسان قد دخل عصر الدولة بخطوات بطيئة وطويلة خضعت لمؤثرات مختلفة ومتشابكة من النواحي الدينية والاجتماعية والعسكرية(9)، وان كانت في خلاصتها قد أفضت الى الدولة الانسانية المعاصرة في أوضاعها وأشكالها المتباينة. وترد الدولة المعاصرة الى أواخر القرن الخامس عشر ومطلع القرن السادس عشر بعيد تفكك الامبراطورية الرومانية ونشوء الدويلات المعاصرة في اوروبا الغربية، والتي كانت في الاساس موحدة وخاضعة لسلطان الامبراطورية الرومانية.
واذا كانت الدولة الحديثة THE STATE قد بدأت تأخذ ملامحها، وتأخذ بأسباب التطور الدستوري والاداري، بل والسياسي منذ ذلك الوقت، فقد اجمع الفقه على تعريفات متشابهة ومتقاربة لفكرة الدولة، وإن كان ثمة اختلافات قد ظهرت لدى بعضهم حول مدى شخصية الدولة كما فعل العلامة دوجى DUGUIT عند إنكاره لشخصية الدولة، وكما أتضح لدى الفكر المادي في تعريفه المتمايز لمفهوم الدولة. إلاّ أن تعريف الدولة لدى الفكر الغربي اللاتيني والجرماني والأنجلوسكسوني وما تبعه من آراء لفقهاء وشراح القانون في بلادنا، بل وفي كثير من الأقطار من حولنا متشابه للغاية، خاصة وان منابع هذا الفقه واحدة، ذلك أنها تنهل من منابع ومناهل الفكر الغربي المعاصر.
وبالرغم من هذا التقارب لوحدة المنبع في الغالب الأعم إلاّ أن اجتهاد الفقهاء وتأثرهم بكثير من النظريات القديمة والمستحدثة في الفقه القانوني، جعل من غير الميسور اتفاقهم على تعريف موحد للدولة، وانما نحا كل فقيه منحىً خاصاً يتمشى مع فكرته القانونية والسياسية، بل والعقائدية عن الدولة. وان كانت هذه الاخيرة تختص بمن يحاولون معالجة الفكر الديني محاولين استخلاص تعريفات معاصرة للدولة تتماشى مع معطيات هذا الفكر ومع ايضاح تثبيت فكرة الحاكمية ومنابع السلطة في هذا الفكر أو ذاك.
واذا رجعنا الى فقهاء الفكر القانوني المعاصر وتعريفهم للدولة، فإننا نجد الكثيرين منهم قد خصوا الدولة بتعريفاتهم. ومن الذين عرفوا الدولة الاستاذ بونار BONNAR الذي عرفها بأنها وحدة قانونية دائمة تتضمن وجود هيئة اجتماعية لها حق ممارسة سلطات قانونية معينة على شعب أو أمة مستقرة على إقليم محدد، وتباشر الدولة حقوق السيادة بارادتها المنفردة عن طريق استخدام القوة المادية التي تحتكرها(10).
ويعرفها العلامة دوجى DUGUIT بأنها كل تنظيم للجماعة السياسية القديم منها والحديث، المتأخر والمتمدين، أي أن كل مجتمع سياسي أياَ كانت صورته، يسمى «دولة»(11). وعلى ذلك فإن الدولة توجد حيث تقوم داخل جماعة معينة التفرقة بين الحكام والمحكومين، وما يترتب على ذلك من نشأة سلطة حاكمة تحكم هذه الجماعة(12). ويعرفها الاستاذ اسمان ESMEIN(13) بأنها «التشخيص القانوني لأمة ما..» L,ETAT EST LAPERSONNIFICATIOND,UNENATION ويعرفها العلامة الفرنسي كاريه دي مالبير CARRE DE MALDERG(14) بأنها مجموعة من الافراد مستقرة على إقليم معين، ولها من التنظيم ما يجعل للجماعة في مواجهة الافراد سلطة عليا آمرة وقاهرة(15).
ويعرفها الرئيس الامريكي الأسبق ودرو ولسن WILSON بأنها «شعب منظم خاضعة للقانون، يقطن ارضاً معينة»(16)، ويعرفها الاستاذ الانجليزي هولاند HOLLAND(17) بأنها مجموعة من الافراد يقطنون إقليماً معيناً ويخضعون لسلطان الأغلبية، أو سلطان طائفة منهم.
ويعرفها الاستاذ السويسري بلنتشلي bluntshli بأنها جماعة مستقلة من الافراد، يعيشون بصفة مستمرة على ارض معينة بينهم طبقة حاكمة وأخرى محكومة(18).
ويعرفها فوشى(19) بأنها مجموعة دائمة مستقلة من أفراد يملكون إقليماً معيناً، وتضمهم سلطة مشتركة منظمة بغرض أن يكفل لأفرادها في مجموعهم، ولكل واحد منهم التمتع بحرية ومباشرة حقوقه.
وقد عرف اوبنهايم الدولة بقوله: «توجد الدولة تمييزاً لها عن المستعمرات والممتلكات، عندما يستقر أناس في مملكة تحت ظل حكومة خاصة هي صاحبة السيادة عليها..»(20).
وفي فقهنا العربي المعاصر عرفها الاستاذ الدكتور وحيد رأفت بأنها «جماعة كبيرة من الناس، تقطن على وجه الاستقرار أرضاً معينة من الكرة الأرضية، وتخضع لحكومة منظمة تتولى المحافظة على كيان تلك الجماعة وتدير شؤونها ومصالحها العامة»(21).
وعرفها الدكتور عبدالحميد متولي بأنها عبارة عن ذلك الشخص المعنوي الذي يمثل قانوناً أمة تقطن أرضاً معينة، والذي بيده السلطة العامة(22).
أما الاستاذ الدكتور فؤاد العطار فيعرف الدولة بأنها ظاهرة سياسية وقانونية، تعني جماعة من الناس يقطنون رقعة جغرافية معينة بصفة دائمة ومستقرة، ويخضعون لنظام سياسي، وهذا ما يطلق عليه اصطلاحاً تعبير سيادة الدولة داخلياً وخارجياً»(23).
وتعرفها الدكتورة سعاد الشرقاوي بقولها: «لاصطلاح الدولة عدة معان، ففي معنى أول وهو أوسع المعاني تعني كلمة الدولة «مجموعة منظمة قاعدتها الاجتماعية الأمة» والمعنى الثاني أضيق، ويراد به الحكام بالمقابلة مع المحكومين داخل المجتمع السياسي، وهذا هو المعنى المقصود عندما نتحدث عن سيطرة الدولة. والدولة بمعناها الواسع هي تجمع بشري مرتبط بإقليم، يسوده نظام اجتماعي وسياسي وقانوني يوجه لمصلحة مشتركة، وتسهر على المحافظة على هذا المجتمع سلطة مزودة بقدرات تمكنها من فرض النظام ومعاقبة من يهدده بالقوة»(24).
............... > يتبع
> الهوامش:
(6) G.VEDEL MANUEL ELEMENTALRE DEDROIT CONSTITUTIONNEL. 1949P.110.
(7) د. ثروت بدوي: النظم السياسية، دار النهضة العربية 1989 ص24 وما بعدها.
- السياسة لأرسطو: ترجمة احمد لصقي السيد، الهيئة العامة المصرية العامة للكتاب، القاهرة سنة 1979م ص23.
(8) السياسة لأرسطو: مرجع سابق، مقدمة العلامة بارظمي سانتييلير، ص17 وما بعدها.
(9) J.DUBIN, L,ETATLA POLITIQUE, QUE, 1957. P. 14.
(10) انظر في تعريف الدولة: بيردو، مطول العلوم السياسية، الجزء الثاني، 1949 ص143.
وشارل، روسو، القانون الدولي العام، 1953، ص177 وما بعدها، ودلييز DELBFZ في القانون الدولي العام، سنة 1948، ص27، ودي لوبادير، محاضرات في القانون الدستوري ط سنة 1954 ص5 وما بعدها.
(11) DUGUIT TRAITE DE DROIT CONSTITUIONNEL, 2 EME EDITION, 1021, P. 393.
(12) د. ثروت بدوي، مرجع سابق، ص23.
(13) انظر مؤلفة في مبادئ القانون الدستوري، الطبعة الثامنة، سنة 1927، الجزء الأول، ص1.
(14) انظر كاريه دي ملبير، النظرية العامة للدولة، الجزء الأول، سنة 1920 ص7.
(15) انظر مؤلفة عن الدولة، الجزء الأول، ط1902، ص11.
(16) انظر د. سعد عصفور، القانون الدستوري، 1954، ص224 وما بعدها.
(17) BLUNTSCHLI THEORIE GENERAL DE LETAT, PARIS, 1977,P.18.
(18) أ. د. كامل ليلة، النظم السياسية، دار الفكر العربي، (بدون) ص21 وما بعدها.
(19) د. وايت ابراهيم ود. وحيد رأفت، القانون الدستوري، 1973، ص19، ود. كامل ليلة مرجع سابق، ص21،22.
(20) أ. د. بطرس غالي ود. محمود خيري عيسى: مبادئ العلوم السياسية، مكتبة الإنجلو المصرية، سنة 1963، ص182 وما بعدها.
(21) د. وحيد رأفت، مرجع سابق، ص19.
(22) د. عبدالحميد متولي: المفصل في القانون الدستوري، ط الاسكندرية سنة 1952، الجزء الأول، ص205 وما بعدها.
(23) د. فؤاد العطار، النظم السياسية والقانون الدستوري، دار النهضة العربية، القاهرة، سنة 1965 - 1966، ص124 وما بعدها.
(24) د. سعاد الشرقاوي، النظم السياسية في العالم المعاصر، الجزء الأول، 1982، ص23.
(25) د. أوليغ كاوتافين، معلومات اساسية عن الدولة والقانون السوفيتي، القسم الأول، ص21 وما بعدها.
فارس الجزائري
2009-03-14, 01:54
مدخل: يعتبر العلامة عبدالرحمن ابن خلدون من أوائل الذين كتبوا في ضرورة الاجتماع الانساني وفي ضرورة الدولة، إذ يستحيل على البشر ان يعيشوا منفردين، واذا اجتمعوا تصبح الضرورة ملحة لقيام الدولة حتى تمنع العدوان الذي هو من جبلة البشر وطبيعتهم وحتى تقيم ميزان العدل والقسطاس، وحتى تقيم دولة ذات شوكة، فلا مكان للدولة بلا شوكتها وقوة سلطانها، ولا مكان للعمران الانساني إلاّ بقيام الدولة القادرة، والتي تحقق ذلك - في تقديره - بالعمل الاقتصادي وليس العصبة وان كانت العصبة والشوكة ضروريتان في بداية قيامها إلاّ انهما ليسا العنصرين الوحيدين لبقاء الدولة ونموها، وإلاّ دب الفساد اليها ما لم تتولى أجيالها التابعة مهام الاصلاح والبناء والعمران.
يُعرّف معجم المعارف الاجتماعية والسياسية الدولة بأنها أداة للسلطة السياسية في المجتمع الطبقي، وأن التاريخ يعرف أنماطاً مختلفة من الدول الاستغلالية كدولة الرق والدولتين الاقطاعية والبورجوازية، وفقاً للعلاقات الطبقية في هذا البلد أو ذاك، وأن أشكال الحكم تتباين وفقاً لطابع الصراع الطبقي في المجتمع، فينشأ عن ذلك -على سبيل المثال الجمهورية البورجوازية- أو الملكية الدستورية... إلخ.
.. ولكن جوهر نمط الدولة واحد -في هذه الحالات- وهو دكتاتورية الطبقة المسيطرة اجتماعياً(25).
وهذا التعريف يعكس بطبيعة الحال وجهة النظر الشيوعية في مفهوم الدولة، ويلاحظ على كافة التعريفات التي يتبناها هذا الفكر حول مفهوم الدولة، إنها تدور في نطاق الفلسفة السياسية بحيث يتناول تعريفها جوهر فكرة الدولة، دون أن يتناول كواقع قانوني وسياسي معاش، في غيره من النظم السياسية بإنكار كافة هذه الأنماط.
وهذا نابع من إنكار آساطين هذا الفكر لواقعة الدولة بشكلها المعاصر الآن وخطورة هذا الاتجاه انه يفضي الى نتيجة غاية في الغرابة وهي انكار وجود الدولة ابتداءً، وزواله انتهاءً باعتبارها نتيجة حتمية للصراع الطبقي. فمتى نشأ هذا الصراع وتأزم واحتدم نشأت الحاجة الى الدولة ومتى هدأ هذا الصراع وحط أوزاره انعدمت حاجة الانسان الى الدولة. ولذا فهم يرون أنه عند تحقيق المجتمع الشيوعي الكامل لن تعود هناك حاجة الى ذلك الوسيط المنظم والمهيمن المسمى بالدولة، بل تقوم سوفتيات (لجان وروابط) هذه الطبقة بمهام الدولة(26).
وبرغم قيام الدولة فكراً وواقعاً بما فيها دول كثيرة تسير في ركاب هذا الفكر الطبقي، فقد ظل هذا الفكر قائماً على إنكاره للجانب القانوني والاجتماعي الذي انبعثت منه فكرة الدولة المعاصرة كضرورة حتمية سياسية واجتماعية لتنظيم أوجه السلطة والحكم في المجتمع، بصرف النظر عن الفكر الايديولوجي الذي يقود خطى هذه الدولة أو تلك(27).
ولكن مثل هذا الرأي وإن بشّر به معتنقو هذا الفكر فإنه لا ينفي وجود الدولة ولا تكامل عناصرها من شعب وإقليم وسلطة وسيادة، بصرف النظر عن الفلسفة السياسية أو الايديولوجية التي تدور في اطارها هذه الدولة.
وخلاصة القول ان الدولة مجتمع انساني يعيش على ارض خاصة به مملوكة له على سبيل الدوام والاستقرار، تسوده سلطة حاكمة نابعة منه، ويتمتع على اقليمه هذا بكل معاني السيادة والاستقلال.
المبحث الثالث
نشوء وتطور فكرة الدولة
نتناول في هذا المبحث المراحل التاريخية لنشوء وتطور الدولة منذ أن كانت خيالاً وأسطورة لدى بعضهم، أو تصوراً مثالياً (يوتوبيا) لمجتمع نموذجي متكامل قد لا يكون له وجود محسوس أو مثيل مشابه في ارض الواقع إلى أن تدرج هذا الفكر في التجسيد والظهور في اشكال وانماط متباينة تباين الامم والشعوب التي شهدت هذا النموذج أو ذاك من أشكال الدول وسوف نتناول في هذا البحث الدولة في مطالب اربعة:
المطلب الاول منهاعن الدولة في الاسطورة والمطلب الثاني عن الدولة القديمة لدى اليونان مع الالماح الى ما عاصرها من حضارات ثم نتحدث بعد ذلك في المطلب الثالث عن الدولة في النظام الاسلامي ونختم مبحثنا هذا بالحديث في المطلب الرابع عن الدولة في عالمنا المعاصر الذي نعيشه اليوم.
المطلب الاول
الدولة في الاسطورة
اذا كان اليونانيون سباقين في مختلف نواحي الفكر الانساني فقد كان لهم الفضل كذلك في اجتراح اول تفكير عقلاني حول الدولة وقد تجلى ذلك في آراء فقهائهم بدءاً من افلاطون وصولاً الى تلميذه سقراط فافلوطين وغيرهم من اساطين الفكر الانساني وكما ظهرت النظرية العقلانية في الدولة الى عالم الفكر السياسي في الفلسفة اليونانية وكما كان اليونانيون كما هوالحال في عديد من المجالات رواداً للفكر العقلاني، فقد كانوا ايضاً سباقين في الخيال الاسطوري لتصورهم لفكرة الدولة واذا كان ثوكو ديديس أول من هاجم التصور الاسطوري للتاريخ والبناء الاسطوري لفكرة الدولة.. كاشتغالهم بمدينة الارض ومدينة السماء والدول أو العالم الذي يحكمه (زيوس) كبير الالهة عند قدماء الاغريق وتلكم المدن التي تمرح فيها اروديت وفينوس وتتراءى فيها عشتار وباخوس اذا كان ثوكو ديدس كما ذكرنا- اول من هاجم هذا التصور للتاريخ ومهد بذلك لظهور الدويلات الحقيقية على وجه الارض قادحاً زناد الفلاسفة للاجتهاد في تصور هذه الدول تصوراً واقعياً، اذا كان مثل هذا الجهد من هذا المفكر فقد شغلت الدولة كذلك مساحة كبيرة في خيالهم الاسطوري السحيق.
وكما كانت افكارهم القديمة اسطورية عن الالهة كذلك كانت اسطورية عن الدولة وعن تصورهم لادارة الكون واذا كان كثير من الحضارات كالحضارة الفرعونية مثلاً- قد عرفت العالم الآخر بما فيه من ثواب وعقاب - إلا انها لم تصل الى مثل هذا المدى الاسطوري الذي نسلم فيه مقاليد الكون بدوله وعالمه الى آلهة متخصصين يسودون هنا وهناك ويرسمون مصائر القوى والرياح والبشر والجماد كما فعل اليونانيون.
وقد كان الاسطوريون في تصورهم لدولتهم وعالمهم الجامع مولعين بالطبيعة وظواهرها وقد تلازم ذلك مع اهتمامهم بالبحث عن البداية لكل أمر حادث من منظار اسطوري حيث تم تفريعهم لكلمة arche, ففي كل الكيانات التي رسموها كانت هذه الكلمة تعني الحالة التي كان عليها ذلك العهد الاسطوري العميق(28)، الى ان جاء السوفسطائيون فأخذوا في طبع هذه الفلسفات بالطابع الانساني وتحويل الكونيات وعلم الوجود الى عالم الانسان والانثروبولوجيا، فاصبحت كلمة انسان تعني عندهم الانسان الفرد الذي يبحث عن الخير والشر والحكمة والفضيلة sophia- areta، والذي يبحث عن تحديد مصيره في هذا الكون وقد مهد فكرهم هذا لظهور جمهورية افلاطون كأول محاولة علمية لرسم حدود الدولة المثالية في حياة الانسان، حيث اشتركت كل الاتجاهات الفكرية الكبرى التي تكونت منها الحضارة اليونانية في تكوين مذهب افلاطون ونظرته الى الدولة(29).
ولقد كان الشعراء اليونانيون القدامى هم صناع الاساطير بالفعل وكما قال هيرودت(30) «لقد صور هوميروس وهزيرد الالهة وذرياتهم المختلفة كمافرقوا بين وظائفهم وسلطاتهم» وهذا هو الخطر الحقيقي في نظر جمهورية افلاطون، ففي رأي افلاطون ان السماح بالشعر يعني السماح بالاسطورة ولذلك فقد حرم وجود الشعراء في مدينته الفاضلة وهو يرى انه لا يمكن حماية الدولة - دولة الفيلسوف - بغير إبعاد الشعراء عن دولته المثالية uptopia يوتوبيا وإذا كان افلاطون قد حرم وجود الشعراء في مدينته الفاضلة فهو لم يحرم الحكايات الأسطورية التي كان يرى انه لا غنى عنها لتقويم النشء ولتربية الاطفال.
وهكذا نرى ان الفكر الاسطوري اليوناني قد مهد لظهور الدولة اليونانية وهي كما نعلم الدولة المدنية citivas أو city state باعتبارها الدولة الاولى في الفكر السياسي الانساني والتي مهد فقهاء الاغريق وفلاسفتهم لظهور كافة معالمها من تقسيم للسلطات وتمييز لأنواع الدول والحكومات.
المطلب الثاني
الدولة القديمة لدى اليونان
لقد ظهر قبل افلاطون بامد طويل مفكرون يونانيون وحكام يونانيون سعوا بافكارهم وفلسفاتهم الى اصلاح الدولة city وتوفرت لدى الكثير منهم آراء وحكم سياسية عميقة ومن هؤلاء (صولون) الذي وصف نفسه بأنه (خالق الحضارة اليونانية).
ولكن اوضح نموذج للدولة (المدينة) في اليونان هو ما قدمه افلاطون بتعريفه لمعنى العدالة وتحليله الذي انتهى فيه الى انه ليس للدولة اي هدف آخر اسمى من الاشراف على العدالة وهي عنده معنى عام يشمل الانتظام والوحدة والاستقامة وتوطيد النظام العام وبذلك يصبح افلاطون بناء على هذه الفكرة المؤسس والمدافع الاول عن فكرة الدولة اليونانية فقد كان افلاطون اول من عرض نظرية في الدولة لم تظهر في صورة مغرقة ومثقلة بوقائع متعددة ومتنوعة ولكنها ظهرت في صورة نسق فكري متماسك يتلاءم مع مشكلات القرن الخامس ق. م.(31).
ولقد مهد هذا الفكر لظهور الدولة اليونانية القديمة، بل لقد مهد لظهور الأساس الديني والميتافيزيقي لنظرية الدولة في العصور الوسطى، وما تلى ذلك من الآراء عن نظام الدولة الجديدة التي ابتدعها نيقولا مكيافيلي إثر بدايات ظهور الدولة الحديث وما تجلى في أفكاره وسرده في كثير من الأحيان من الميل الى جانب الاسطوري والخيالي عند حديثه عن الأمير والدولة ومزجه ذلك في براعة وصولاً الى الهدف الاسمى الذي يرمي اليه في خدمة الامير او الدولة(32).
وفيصل القول ان الاغريق القدامى قد عرفوا الدولة. وكانت صور دولتهم متعددة.
إذا كانت كل مدينة تؤلف دولة على حدة، مستقلة بذاتها، وهي ما يدعونه Police والتي يمكن وصفها بالدولة المدينة، أو المدينة الدولة City stateأو etat cite(33).
وإذا كنا قد رأينا ان هذه الدولة المدينة لم تأتِ من فراغ بل كانت نتاج فكر انساني متقدم، مهد له فكر اسطوري، ومحاولات عدة جادل فيها من فلاسفتهم الاقدمين صولون وتوكو ديداس، فقد جاء افلاطون متوجاً هذا الجهد العقلاني برسم خطوط وتفاصيل جمهوريته أو مدينته الفاضلة التي اقامها على اساس العدل والنظام باعتبار ان العدل هو قوام الملك، وان العدل في نظره هو المنظم الاعلى للدولة وهو يعني المعرفة والاعتدال والمسؤولية واحترام القانون.
وقد اجتهد علماء اليونان وفلاسفتهم بعد ذلك في اكمال صورة هذه الدولة، وتحديد وتقسيم مهامها ووظائفها، فجاء (إسكاغيرا) ليتحدث عن السلطات في الدولة، ثم جاء بعده ارسطو فأخذ عنه نظرية تقسيم السلطات الثلاث للدولة حيث ميَّز ارسطو السلطان العام او السلطات العامة للدولة الى سلطات ثلاث: سلطة تشريعية وسلطة قضائية وسلطة تنفيذية. وذلك قبل ردح طويل من الزمن يسبق بأمد كبير كتابات روسم ولوك وغيرهما، ويتخطى بمئات السنين ما ابرزه مونتسكيو في كتابه روح القوانين، والذي يتخذه المفكرون الآن عماداً للحديث عن مبدأ فصل السلطات في الدولة باعتباره احد السمات الاساسية للدولة الحديثة، او الدولة الدستورية على وجه أصح. وهي التي لا تجمع كل السلطات فيها في يد حاكم فرد، وان اظهر غير ذلك من تعدد مظهري للسلطات.
وإذا كان ارسطو آخذاً عن (اسكاغيرا) قد نادى لأول مرة بنظرية الفصل بين السلطات فقد كان كتلميذ لافلاطون اول من تطرق بالحديث عن شكل الدولة على النحو الذي سوف نراه عند حديثنا عن شكل وتقسيمات الدولة وعن تطورها من حيث الشكل والمضمون.
وخلاصة القول ان اليونانيين القدامى كانوا بلا مراء رواد الفكر السياسي الانساني في تأطير فكرة الدولة وبناء هيكليتها دستورياً وتشريعياً وتنفيذياً، وفي ربط وجودها بإشاعة العدل والامن والنظام، وان الدولة لاتقوم إلاّ على اساس العدل المنظم للملك(34).
المطلب الثالث
الدولة في النظام الاسلامي
لقد تناول البعض تعبير الدولة الاسلامية في وقت مبكر من حيث بحثهم وتناولهم لفكرة الدولة عموماً، ومن حيث دراسة الظواهر، دون ان يخوضوا في جوهر الفكرة، من حيث اساس النظام واصول الحكم، او من حيث فكرة الحاكمية والسيادة العليا في الدولة. ولمن تكون هذه الحاكمية. كما فعل ابو الاعلى المودودي، ومن شايعه في نظريته عن الحكم في الدولة الاسلامية. كما تناول فكرة الولاية نفر عظيم من شرائح الفقه الشيعي، راوحوا فيه بين ولاية الفقيه وولاية الامام الغائب- صاحب الشأن الموعود بالعودة، وبين واقع التطبيق في النظم الاسلامية الاخرى التي لا تأخذ بأفكار الفقه الشيعي في هذا الصدد. كمذاهب اهل السنة وشروطهم حول مفهوم الخلافة وتولية رأس الدولة في النظام الاسلامي.
وإذا نظرنا الى أهل السنة من جانبهم، فقد انقسم مفسروهم المعاصرون الى فريقين: فريق من الاصوليين اقرب في افكارهم الى ابي الاعلى المودودي، بل اخذ غلاتهم اغلب افكارهم عنه، كما فعل سيد قطب وآخرون. وبين فريق تجديدي، يجتهد في ان يجمع بين روعة الماضي ومحاسن الحاضر، كما شرع في ذلك في اواخر القرن الماضي المفكر الاسلامي جمال الدين الافغاني وتلميذاه الشيخان محمد عبده ورشيد رضا ومن سار على خطاهم ومن تبعهم من اجيال ترى بحث ملاءمة روح الاسلام لكل زمان ومكان، وان احسن طرق التطبيق ومواكبة العصر متروكة لاجتهاد علماء المسلمين، لا لمجاراة العصر وتقليد الآخرين. بل لجعل العصر كل يسير على خطاهم في نهضة اسلامية شاملة.
وان الاسلام يحمل في طياته عناصر بقائه التشريعية والتنظيمية الملائمة لكل زمان ومكان
وعلى جانب آخر اهتم بعض الشراح من فقهاء القانون وغيرهم من المهتمين بالتاريخ الاسلامي بتعبير «الدولة الاسلامية» فيرى البعض ان هذا التعبير ليس قاصراً على نظام بعينه، بل هو تعبير شامل لمعان وحالات مختلفة من الدول من حيث واقعهاوتاريخها وجغرافيتها(35). وان الدول والنظام التي نشأت في ديار الاسلام عبر القرون الماضية ليست واحدة بصفاتها واشكالها. وهذا شبيه بمايدور الآن بين مجموع الدول العربية والاسلامية فيما بينها من تجاوز واختلاف. وهذا القول عبارة عن تقرير للحال لما كان يدور في الماضي وما هو حادث الآن في كثير من الدول الاسلامية. ومن الشراح الذين ساروا في توصيف ذلك المرحوم الدكتور محمد حسين هيكل الذي قال ان الفكرة العامة في النظام الاسلامي واحدة، ولكن آثار هذه الفكرة تطورت على مر القرون اطواراً شتى، وبدت في صورة مختلفة باختلاف البيئة التي حلت بها. فإذا اردنا ان نصور نظام الحكم في الاسلام تصويراً يقر به من الاذهان وجب علينا ان نقف على ادواره المختلفة، فالحديث عن نظام الحكم لايقف عند الفكرة العامة من الحكم، بل يتناول اموراً كثيرة تتصل بالفكرة العامة من قريب او بعيد كالنظام الاقتصادي والاجتماعي ونظام السلم والحرب وغيرها(36).
ولكن البحث عن اصول الحكم في الاسلام اخذ ابعاداً اكثر نضوجاً بعد ذلك وتصاعدت حركة الصحوة الاسلامية. مما جعل كثيراً من الباحثين ينقبون عن الجذور، ويبحثون في اصول الحكم في النظام الاسلامي بصورة لم يسبق لها مثيل منذ عشرينات هذا القرن(37).
.................... يتبع
الهوامش
(25) د. أوليغ كاوتافين، معلومات اساسية عن الدولة والقانون السوفيتي، القسم الأول، ص21 وما بعدها.
(26) معجم مبادئ المعارف الاجتماعية والسياسية: دار التقدم، سنة 1989، ص142.
(27) فريدريك انجلز: اصل العائلة والملكية الخاصة و الدولة، الطبعة السادسة، ص177 ص178.
(28) الدولة والاسطورة: ارنست كاسيرر، ترجمة د. احمد حمدي محمود، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة سنة 1975 ص79 وما بعدها.
(29) الجمهورية لافلاطون: ترجمة كورنفورد، ص69.
(30) تاريخ يرودت، الجزء الثاني، ص35.
(31) ارنست كاسيرار: مرجع سابق، ص100.
محاولات افلاطون: بروتا جوارس، ص318.
(32) نيؤولا ماكيافللي: الامير، ترجمة محمد مختار الزقزوقي في مكتبة الانجلو المصرية 1958، الباب العاشر، ص 278 وما بعدها.
(33) د. إدمون رباط: الوسيط في القانون الدستوري العام، الجزء الأول، مرجع سابق، ص 25 وما بعدها.
(34) السياسة لارسطو: مرجع سابق ص43.
- د. إدمون رباط: مرجع سابق ص 21، وما بعدها
(35) ابو الاعلى المودودي: نظرية الاسلام السياسية، الدار السعودية للنشر والتوزيع، جدة، الطبعة الاولى، سنة 1985، ص5 وما بعدها.
- د. ادمون رباط: مرجع سابق، ص46.
(36) د. محمد حسين هيكل: الحكومة الاسلامية، دار المعارف، الطبعة الثانية، سنة 1983 ص27 وما بعدها.
(37) أ.د. عبدالرزاق احمد السنهوري: فقه الخلافة وتطورها الهيئة المصرية العامة للكتاب 1989 ص63 وما بعدها.
فارس الجزائري
2009-03-14, 02:09
نظام الحكم في الاسلام نظام حضاري متقدم الى مدى بعيد، ويفوق في نظامه ورونقه النظم الاخرى متى التزمت فيه قواعده الشرعية من شورى وعدل واحسان، ومتى نظم بالصورة المثالية العليا التي اريدت له. ويرى الاستاذ الدكتور فؤاد العطار: «ان نظام الحكم في الاسلام نظام ديمقراطي اصيل..( يقوم على اساس السيادة الشعبية، فالحاكم او ولي الامر يستمد سلطته من الشعب، بيد انه في ممارسته لهذه السلطة يجب ان يلتزم بشريعة الله ورسوله، ومن ثم وجبت طاعة المحكومين لولي الأمر، طالما ان تصرفات هذا الاخير عادلة. اي تتفق مع احكام الشريعة الاسلامية(38).
ويجد هذا المعنى تأكيده وسنده في قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه عندما آلت اليه الخلافة: (وليّت عليكم ايها الناس ولست بخيركم، فإن رأيتموني على حق فأعينوني وإن رأيتموني على باطل فسددوني. اطيعوني ما اطعت الله فيكم. فإذا عصيته فلا طاعة لي عليكم).
فنظام الحكم في الاسلام يرتكز على ثلاثة مبادئ اساسية:
1- مبدأ الشورى (وامرهم شورى بينهم).
2- مبدأ العدالة (ان الله يأمر بالعدل والاحسان).
3- مبدأ المساواة (الذي خلقكم من نفس واحد).
وقد امر الاسلام مبادئ راسخة في نظام الحكم بصورة جلية لاشببه فيها وهذه المبادئ هي:
1- مبدأ ديمقراطية الحكم، حيث يتم اختيار الحاكم او الوالي او الخليفة، عبر طريقتين:
بواسطة اقتراع النخبة، ووهم هنا بمثابة البرلمان او مجلس الشورى. او عن طريق البيعة وهي تكون للناس عامة، وهي شبيهة بالاستفتاء الشعبي المتبع في الاسلوب الديمقراطي المعاصر.
2- مبدأ الحكومة الدستورية، او الحكومة المقيدة. والحكومة هنا لها قيدان اعظم من القيود المفروضة على النظم الاخرى. وهذان القيدان يتمثلان في التزام الكتاب والسنة باعتبارهما (دستور الحكم) من ناحية، وفي بيعة الجماعة من ناحية اخرى.
3- مبدأ السيادة الشعبية، فإذا كانت الحاكمية في الاسلامة لله تعالى، فإن الشعب هو الاداة المستخلفة للتعبير عن هذا المبدأ الهام.
5- مبدأ ولاء المحكومين للحكام. ومبدأ الطاعة فيما لا يخالف الشرع ولا العرف ولا النظام العام وهو مبدأ عظيم في استقرار اداة الحاكم، وهذه الطاعة بحقها، لا طاعة قهر وتجبر وإكراه ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
6- مراعاة حقوق الانسان وطنياً كان ام اجنبياً مسالماً أم اسيراً، مسلماً ام ذمياً، بصورة لم يسبق لها مثيل في نظام آخر، بل لا يماثله نظام آخر في صيانة هذه الحقوق باعتبار ان الدولة الاسلامية بمفهومها الاصولي تقوم على ركائز اساسية ثلاث هي:
1- الشورى.
2- العدل.
3- المساواة.
والى جانب السمات البارزة لنظام الحم في الاسلام، فان من اهم خصائصه الاخرى حرصه التام على كفالة الامن والنظام في الدولة، سواء أكان ذلك على المستوى القومي لامن الدولة بمفهومه الاستراتيجي، او على مستوياته الداخلية، او على مستوى امن الافراد في انفسهم واموالهم واعراضهم وحرياتهم وحقوقهم الشخصية والمدنية. حيث شرع باب الجهاد لتأمين الدولة، وشرع الحدود كوسيلة استقرار راسخة في المجتمع كما نظم الحقوق والواجبات والعادات والعبادات والمعاملات.
وإذا نظرنا الى الحدود في النظام الاسلامي من منظور امني لاستجلاء أثرها في استقرار اداة الحكم في الدولة الاسلامية لوجدنا (ان اول ما يحققه تطبيق الحدود في هذا المجال هو ضبط المجتمع فيما يتعلق بالامن العام وحماية المقدسات، وللحفاظ على حقوق الناس وامنهم وحرياتهم، دون ان تضطر الدولة في ذلك الى اجهزة متضخمة للامن على غرار ما هو قائم الآن في كثير من المجتمعات المعاصرة. وان نظرة فاحصة على حالة الامن في كثير من البلدان سوف تكشف عن الاثر العميق الذي سوف يتركه تطبيق الحدود في مجال الامن والنظام العام(39). إذ أن نظام تطبيق الحدود يحقق للدولة هدفين كبيرين في وقت واحد هما:
1- اشاعة الامن والنظام في اوساط المجتمع.
2- التخفيف من اعباء التكاليف الباهضة لخدمات الامن في الدولة، والتي تبتلع اغلب الامكانيات المالية للدولة، وتثقل ميزانيتها باعباء باهظة، على حساب مرافق الدولة الاخرى، من صحة وتعليم وتثقيف وترفيه وخلافه.
وخلاصة القول: ان نظام الحكم في المنهاج الاسلامي نظام متكامل، يتفوق في أثره الامني الفعال وفي جوانبه وآثاره الايجابية على شكل الدولة وجوهرها في النظم الاخرى من حيث تحقيق امنها القومي، ومن حيث اشاعة الامن والنظام العام، ومن حيث كفالة الحقوق والحريات العامة وإشاعة العدل، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتحقيق العدالة الاجتماعية والتكافل الاجتماعي وبصورة لاتتحقق في اي نظام آخر من انظمة الحكم.
المطلب الرابع
الدولة المعاصرة
الدولة المعاصرة، هي الدولة الحديثة، وقد مهدنا لذلك في المطالب الثلاثة السابقة بالحديث عن فكرة الدولة منذ ان كانت خيالاً في تراث الأسطورة لدى اليونانيين القدماء، وصولاً بها الى بزوغ فكرة الدولة في الواقع القانوني والتشريعي، بل وقبل ذلك في النظر الفلسفي كما رأينا في جمهورية أفلاطون utopia حيث رأينا كيف نشأت الدولة لديهم مدعومة بهذا الفكر الذي يدعو الى العدالة والشورى وسيادة القانون، والى التزام الدستور والقانون والفصل بين السلطات مما يجعلنا نؤكد بلا مراء ان الدولة الحديثة هي وليدة الفكر اليوناني، وان كانت في بداياتها آنذاك صغيرة محدودة الحجم، لاتتجاوز مدى المدن اليونانية -civitas- والتي كانت دويلاتها في وقتها مؤذنة بالعهد الذي عرفت فيه الانسانية ظاهرة الدولة المدينةpolice ، كما أطلق عليها الفقهاء etat cite.
لقد وضع اليونانيون الهيكل العام لتصور الدولة بما فيها مبدأ السلطات التي تتولى مسؤولية الحكم في أرجائها. بل وذهبوا أبعد من ذلك فقسم أرسطو في بادئ الأمر الدولة الى أربعة أشكال:
1- الجمهوريات: وهي تطوير لفكرة المدينة الدولة civitas.
2- الديمقراطيات: وهي التي يقوم فيها نظام الانتخاب الشعبي بدوره في تنظيم الدولة وفي حكمها، وهي التي تطورت فيما بعد الى أشكال الديمقراطيات المعاصرة.
3- الأرستقراطيات ويعني بها هنا حكومات الصفوة.
4- الأوليجار شيات: وهي النظم الدكتاتورية ذات الطابع العسكري، والتي يقوم بالأمر فيها طغمة من العساكر استناداً على منطق القوة والقهر(40).
ولذلك فلايمكن الحديث عن الدولة الحديثة والمعاصرة دون التطرق الى هذا الفكر وإماطة اللثام عن الجهد العظيم الذي بذله هؤلاء الفلاسفة في إقامة الدولة ولذلك يتجه الحديث دائماً عند الكتابة عن الدولة الى اعلام الفكر السياسي لبناء الدولة: أفلاطون وأرسطو ومونتسكيو دون إغفال لأعلام آخرين شاركوا في رسم صورة الدولة المعاصرة، أمثال (إسكاغيرا) وفولوبيوس الذي كان له الفضل في التنوير بالدستور، إذ كان أول من نادى بوضع دستور لحكم روما- والذي أسماه البعض (الدستور الروماني) - أو النظام الدستوري الروماني تمييزاً له عن نظم الحكم المعاصرة له كالفرس والمقدونيين والكلدانيين ثم جاء بعد هؤلاء شيشرون كواحد من أعلام الفكر السياسي والدستوري والذي قرظ في كتابة (الجمهورية) تقريظاً محكماً جمهورية أفلاطون، حيث قصد الى ان يرسم نموذجاً لدولة يمكن وجودها- كما يرى - على أسس سياسية ودستورية راسخة. يلي هذه المرحلة في العصور الوسيطة توماس الكويني وما بسطه من أفكار حول الدولة في الكتاب المنسوب اليه (رسائل بوريدان على سياسة أرسطو)، والذي يعرف ب.(de regimine principum). يلي ذلك ماخطه نيكولاً مكيافيلي عن الدولة أو الامارة باعتبار ان عالم الدولة الذي كان يخاطبه في موطنه الإيطالي آنذاك هو عالم الإمارات، وقد تلى تلك المرحلة إنشغال البعض بالفكر السياسي وشكل الدولة امثال (بودان) في القرن السادس عشر واسبينوزا وهوبز hobbes من رموز بالقرن التاسع عشر وقد شهدت هذه المرحلة فقهاء وشراح نادوا بتبرير الاستبداد والحق الإلهي في السلطة، ونظرية التعويض الألهي، والقول بسيادة السلطة أو السلطة السيادية للملوك.
ومن هؤلاء وعلى رأسهم thomas hobbes والذي جمع في عهد - مليكه هنري الثامن hennery vlll السلطتين التشريعية والتنفيذية في يده، وأقام نفسه باباً وملكاً وحاكماً للدولة يجمع بين السلطة الروحية والسلطة الدنيوية في آن واحد(41)
وخلاصة القول ان الفكر اليوناني القديم هو الذي افضى الى قيام الدولة الحديثة بشكلها المعاصر وأشكالها المتعددة على النحو الذي سوف نراه في فصولنا اللاحقة، عند حديثنا عن أشكال الدولة، ونوع الحكم والفكر السياسي الذي يسود في ربوعها.
ابن خلدون والدولة
من الطريف في بداية هذا المبحث، أن نعرض لرأي ابن خلدون عنا نحن العرب بني جلدته في مدخل حديثه عن الدولة ، والرجل ربما درس واستعرض معاصرين من رجال الدولة في ذلك التاريخ بطبيعة الحال وكون أفكاراً عنهم لاشك هي وليدة تفاعلات في مخزون دواخل الفيلسوف في زمانه.
ومن أطرفها ماجاء في الفصل الخامس والعشرين من ان العرب لايتغلبون الا على البسائط وأنهم اذا تغلبوا على أوطان اسرع ايها الخراب!
اما في الفصل الثامن والعشرين ففي رأيه ان العرب ابعد الأمم عن سياسة الملك ربما يصور هذا الرأي المرحلة في تلك القرون وممالك العرب في المشرق والمغرب ومادار من مآس مدمرة في الأندلس وطن اباء العلامة الأول وقبل استقرار الأسرة، أسرة العلامة الضخم في أرض الجزائر الشقيق. وقد قصدت ابراز هذه الآراء لطرافتها ويمكن الرجوع الى ماساق فيها من تبرير إلا انها بطبيعة الحال ليست كطابع البريد - طبعة واحدة - على كل العرب في كل زمان ومكان وبالرغم من التحفظ على حكم كهذا على الأجيال بأكملها ولكن لابأس من تشحيذ الأذهان ببعض مايرد في سياق أفكار هذا العالم الإنساني وهو ابن بجده العرب ومن اكرم فروعهم في ارض اليمن السعيد وفي حضرموت موطن آبائه الأولين ولكن لابأس في أن يقسو على بني جلدته وكأني به يقرعهم، وهو يسترجع قول الشاعر القديم:-
وقسماً ليزدجروا ومن يك حازماً
فليقس احياناً على من يرحم
في الدول العامة والممالك
وفي هذا الفصل يتحدث ابن خلدون عن الدول العامة والخلافة، والمراتب السلطانية، وما يعرض في ذلك كله من الأحوال ومافيه من قواعد ويقرر ابن خلدون في هذا الفصل ان الملك والدولة العام انما يحصلان بالقبيل والعصبة ثم لايلبث أصحاب الدولة وقد استحكمت صبغتهم ووقع التسليم لهم الاستغناء عن العصبية في تمهيد أمرهم، ولايعرفون كيف كان الأمر من أوله، وما لقي أولهم من المتاعب دونه خصوصاً أهل الأندلس في نسيان هذه العصبة، ولعل هذا يفسر جانباً من رأي ابن خلدون في العرب وسياسة الملك والدولة وكما قلنا فهذا رأي مربوط موقفه وحيثيات الواقع المعاش آنذاك وعلى عالمنا قبول هذا الرأي ونرى ابن خلدون هنا لايدعو الى الدولة الدينية كما قد يتبادر الى أذهان البعض وذلك يشير الى البعد الحضاري للعقيدة في بناء الدولة وتوطيدها وتحديد مسارها وفقاً لإطار ثقافي واسع .. بما يميزها عن غيرها من الأمم والشعوب ويمنحها الصبغة الحضارية التي تميزها عن غيرها من الحضارات والمعتقدات . وفي ذلك يرى ابن خلدون ان الدعوة الدينية تزيد الدولة في أصلها قوة على قوة العصبية ( القومية) التي كانت لها من عددها عند قيامها وان الدعوة الدينية التي يقودها المعتقد الكريم السامي لاتتم الا عبر الأمم التي تقود كل هذه الدعوة وتؤسس على أساسها المتين القوي بناء دولها ونظام ملكها، بل نظامها الاجتماعي والإنساني في منظومة الأمم والشعوب.
انتقال الدول من البداوة الى الحضارة
يرى عبدالرحمن ابن خلدون ان الدول لها أعمار كأعمارنا في حياتنا الإنسانية وكأني به يردد قول الشاعر:
لكل شيء إذا ما تم نقصان فلايغر بطيب العيش إنسان
هي الأمور كما شاهدتها دول من سره زمن ساءته أزمان
ولعل هذا ما دفعنا في بداية الحديث في تعريف الدول وماصرح به الامام الحسن وارث باب مدينة العلم في هذا الجانب. ثم يتحدث ابن خلدون في انتقال الدولة من الحضارة الى البداوة بقوله:
« اعلم ان هذه الأطوار طبيعة الدول، فيكون مع البداوة فطور الدولة» ثم اذا اتسعت رقعتها نمت في سبيل الحضارة والتطور وانتقلت من ادوار الى ادوار أعلى في سلم التحضر فإن طور الحضارة في الملك يتبع طور البداوة» وصور اطوار الحضارة في كافة مظاهرها وأوجه الترف التي تصبغ هذه المرحلة من عمر الدولة. واذا كان الترف يزيد الدولة في أدائها قوة الى قوتها، فالتراخي والدعة والسكون قد يكون من أسباب ضعف الدولة وسقوطها وانهيارها، إذا ركن حماتها الى ملذاتهم وانصرفوا عن حماية ركنها الركين فتراخت في أيديهم شوكتها، وان أثار الدولة كلها مقياسها على نسبة قوتها في أصلها وفي متانة قواعدها التي قامت عليها .. وعلى حماية وصيانة هذه القواعد.
حجر السلطان والاستبداد
اذا كان الكواكبي منذ قرن انصرم قد كتب عن طبائع الاستبداد فقد سبقه الى ذلك علامتنا ابن خلدون، في القرن الرابع عشر بالحديث عما يعرض في الدولة من حجر السلطان والاستبداد عليه، «فيكون التغلب للموالي والمصطلعين عن استبداد عشيرة الملك على قومهم وانفرادهم به - أي بالأمر - دونهم».
ويعقب ابن خلدون على ذلك بقوله: «إن إرهاف الحد مضر بالملك ومفسد له في الأكثر»
إن العلامة الفذ عبدالرحمن ابن خلدون ليعطينا كثيراً من العبر وهو يحدثنا عن الدولة في الاطار الاجتماعي الإنساني والذي هو فارسه ورائده المحلي الذي وضع الأسس والقواعد لهذا الجانب الهام من علوم اجتماع الدولة، مما يجعله بحق في ذروة سنام علماء الإنسانية الذين بحثوا بتفصيل في هذا العلم وفي ضرورة هذا البناء الإنساني للدولة، وعندما يعطينا هذا العالم الكبير هذه العبر، فيحق له أن يسمى مؤلفه العظيم بكتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر- وهم الأقوام الذين يمثلون أمتنا العربية والإسلامية في وقتنا الحاضر.
> الهوامش:
(38) أ.د. فؤاد العطار: النظم السياسية والقانون الدستوي ، دار النهضة العربية، القاهرة 1965 -1966، ص 128 ص136، وما بعدها.
(39) د. محمد حسين الذهبي: اثر إقامة الحدود في استقرار المجتمع، دار الاعتصام القاهرة، سنة 1978، ص79.
(40) ارسطو طاليس : السياسة ، مرجع سابق ، ص41 وما بعدها.
(41) انظر في ذلك:
ارسطو طالس: السياسة،مرجع سابق، ص41 وما بعدها
د. بطرس بطرس غالي: مبادئ العلوم الإنسانية مرجع سابق ص 180 وما بعدها.
د. ا... رباط: الوسيط في القانون الدستوري العام، مرجع سابق . ص25وما بعدها.
جعل الله هذا العمل في ميزان حسناتك
فارس الجزائري
2009-03-29, 23:36
جعل الله هذا العمل في ميزان حسناتك
:dj_17:
أمين يارب العالمين
أهلا وسهلا
vBulletin® v3.8.10 Release Candidate 2, Copyright ©2000-2025, TranZ by Almuhajir