تائبة الى ربها
2012-02-08, 13:04
بسـم الله الرحمـن الرحيـم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين ، وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه بإحسانٍ إلى يوم الدين ، أما بعد ..
فإنه لا يخفى على الكثير منكم كم تهاون الناس في إتخاذ الصور سواءاً كانت في التصوير أو إستعمال تلك الصور وإبرازها ، فترى الكثير وقد رصّع جدران بيته بصور ذوات الأرواح ونصبها وأبرزها .
وإن كان الفقهاء قد أختلفوا في حُكم التصويـر لذوات الأرواح المسطحة الغير مجسمة ، فإنهم أشبه ما يكونوا متفقين على تحريم تعليق الصور ونصبها وإبرازها ، وقبل أن نتطرق لأقوال الفقهاء من المذاهب الأربعة ، فإنّنـا نبدأ بأقوال سيد الخلق صلى الله عليه وآله وسلم الذي وقف على قبره إمام دار الهجرة مالك أبن أنس -رحمه الله- وقال : ( كل يؤخذ منه ويرد إلا صاحب هذا القبر ) ، فإن أختلف الفقهاء ، فألتمس لنفسك السير على هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسِر عليه ، فهو الكفيل بإخراجك من تيه الإختلاف .
والأحاديث في هذا الجانب من منع التصوير وإستعمال الصور كثيرة ، نذكر منها :
حديث علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- :
اقتباس:
حدثنا محمد بن عبيد ، حدثنا شرحبيل بن مدرك الجعفي ، عن عبد الله بن نجي الحضرمي ، عن أبيه ، قال : قال لي علي : كانت لي من رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلة لم تكن لأحد من الخلائق ، إني كنت آتيه كل سحر فأسلم عليه حتى يتنحنح ، وإني جئت ذات ليلة فسلمت عليه ، فقلت : السلام عليك يا نبي الله . فقال : " على رسلك يا أبا حسن حتى أخرج إليك " فلما خرج إلي قلت : يا نبي الله ، أغضبك أحد ؟ قال : " لا " . قلت : فما لك لا تكلمني فيما مضى حتى كلمتني الليلة ؟ قال : " إني سمعت في الحجرة حركة ، فقلت : من هذا ؟ فقال : أنا جبريل ، قلت : ادخل . قال : لا ، اخرج إلي . فلما خرجت قال : إن في بيتك شيئا لا يدخله ملك ما دام فيه . قلت : ما أعلمه يا جبريل ؟ قال : اذهب فانظر ففتحت البيت فلم أجد فيه شيئا غير جرو كلب كان يلعب به الحسن قلت ما وجدت إلا جروا قال : " إنها ثلاث لن يلج ملك ما دام فيها أبدا واحد منها كلب ، أو جنابة ، أو صورة روح "
[ مسند أحمد بن حنبل : مسند العشرة المبشرين بالجنة - مسند الخلفاء الراشدين - مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه - حديث:637 ، صحيح ابن حبان - كتاب الطهارة - باب أحكام الجنب - ذكر نفي دخول الملائكة الدار التي فيها الجنب - حديث:1221 ، سنن أبي داود : كتاب الطهارة - باب في الجنب يؤخر الغسل - حديث:199 ، السنن الكبرى للنسائي : ذكر ما ينقض الوضوء وما لا ينقضه الجنب إذا لم يتوضأ - حديث:249 ، واللفظ لأحمد ]
حديث عائشة -رضي الله عنها- :
اقتباس:
حدثني سويد بن سعيد ، حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم ، عن أبيه ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن عائشة ، أنها قالت : واعد رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام في ساعة يأتيه فيها ، فجاءت تلك الساعة ولم يأته ، وفي يده عصا ، فألقاها من يده ، وقال : " ما يخلف الله وعده ولا رسله " ، ثم التفت ، فإذا جرو كلب تحت سريره ، فقال : " يا عائشة ، متى دخل هذا الكلب هاهنا ؟ " فقالت : والله ، ما دريت ، فأمر به فأخرج ، فجاء جبريل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " واعدتني فجلست لك فلم تأت " ، فقال : " منعني الكلب الذي كان في بيتك ، إنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة "
[ صحيح مسلم : كتاب اللباس والزينة - باب لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة - حديث:4020 ]
حديث عائشة -رضي الله عنها- :
اقتباس:
حدثنا عبد الله بن يوسف ، أخبرنا مالك ، عن نافع ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها : أنها أخبرته أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير ، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب ، فلم يدخله ، فعرفت في وجهه الكراهية ، فقلت : يا رسول الله أتوب إلى الله ، وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم ماذا أذنبت ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما بال هذه النمرقة ؟ " قلت : اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسدها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أصحاب هذه الصور يوم القيامة يعذبون ، فيقال لهم أحيوا ما خلقتم " وقال : " إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة "
[ صحيح البخاري : كتاب البيوع - باب التجارة فيما يكره لبسه للرجال والنساء - حديث:2015 ]
فالأحاديث واضحة الدلالة ولا تحتاج إلى تأويل يعمل فيها حتى يُخرجها عن مقصدها ، وكفى بحديثٍ واضحٍ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليعمل بها العامي -كأمثالنّا- .
أقوال المذاهب الأربعة في تعليق الصور وإبرازها :
جاء في الموسوعة الفقهية ، الجزء الثاني عشـر ، تحت كلمة "تصوير" ، باب " إقتناء وإستعمال صور الإسنان والحيوان " :
اقتباس:
44 - يجمع العلماء على تحريم استعمال نوع من الصّور ، وهو ما كان صنماً يعبد من دون اللّه تعالى . وأمّا ما عدا ذلك فإنّه لا يخلو شيء منه من خلاف .
إلا أنّ الّذي تكاد تتّفق كلمة الفقهاء على منعه : هو ما جمع الأمور التّالية :
أ - أن يكون صورة لذي روح إن كانت الصّورة مجسّمة .
ب - أن تكون كاملة الأعضاء ، غير مقطوعة عضو من الأعضاء الظّاهرة الّتي لا تبقى الحياة مع فقدها .
ج - أن تكون منصوبة أو معلّقة في مكان تكريم ، لا إن كانت ممتهنة .
د - أن لا تكون صغيرة .
هـ - أن لا تكون من لعب الأطفال أو نحوها .
و - أن لا تكون ممّا يسرع إليه الفساد . وقد خالف فيما جمع هذه الشّروط قوم لم يسمّوا ، كما تقدّم نقله إلّا أنّه خلاف ضعيف .
ونحن نبيّن حكم كلّ نوع ممّا خرج عن هذه الشّروط:
أ - استعمال واقتناء الصّور المسطّحة :
45 - يرى المالكيّة ومن وافقهم أنّ استعمال الصّور المسطّحة ليس محرّما ، بل هو مكروه إن كانت منصوبة ، فإن كانت ممتهنة فاستعمالها خلاف الأولى .
أمّا عند غير المالكيّة : فالصّور المسطّحة والمجسّمة سواء في التّحريم من حيث الاستعمال، إذا تمّت الشّروط على ما تقدّم .
ب - استعمال واقتناء الصّور المقطوعة :
46 - إذا كانت الصّورة - مجسّمة كانت أو مسطّحة - مقطوعة عضو لا تبقى الحياة معه ، فإنّ استعمال الصّورة حينئذ جائز ، وهذا قول جماهير العلماء من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة . وقد وافق على الإباحة هنا بعض من خالف ، فرأى تحريم التّصوير ولكن لم يرد تحريم الاقتناء ، كالشّافعيّة .
وسواء أكانت الصّورة قد صنعت مقطوعة من الأصل ، أو صوّرت كاملة ثمّ قطع منها شيء لا تبقى الحياة معه . وسواء أكانت منصوبة أو غير منصوبة كما يأتي في المسألة التّالية .
47 - والحجّة لذلك ما مرّ « أنّ جبريل قال للنّبيّ صلى الله عليه وسلم مُرْ برأس التّمثال فليقطع حتّى يكون كهيئة الشّجرة » وفي رواية أنّه قال : « إنّ في البيت ستراً ، وفي الحائط تماثيل ، فاقطعوا رءوسها فاجعلوها بساطا أو وسائد فأوطئوه ، فإنّا لا ندخل بيتاً فيه تماثيل » ولا يكفي أن تكون قد أزيل منها العينان أو الحاجبان أو الأيدي أو الأرجل ، بل لا بدّ أن يكون العضو الزّائل ممّا لا تبقى الحياة معه ، كقطع الرّأس أو محو الوجه ، أو خرق الصّدر أو البطن . قال ابن عابدين : وسواء أكان القطع بخيط خيّط على جميع الرّأس حتّى لم يبق له أثر ، أو بطليه بمغرة ، أو بنحته ، أو بغسله .
وأمّا قطع الرّأس عن الجسد بخيط مع بقاء الرّأس على حاله فلا ينفي الكراهة ، لأنّ من الطّيور ما هو مطوّق فلا يتحقّق القطع بذلك . وقال صاحب شرح الإقناع من الحنابلة : إن قطع من الصّورة رأسها فلا كراهة ، أو قطع منها ما لا تبقى الحياة بعد ذهابه فهو كقطع الرّأس كصدرها أو بطنها ، أو جعل لها رأسا منفصلا عن بدنها لأنّ ذلك لم يدخل في النّهي. وقال صاحب منح الجليل من المالكيّة : إنّ ما يحرم ما يكون كامل الأعضاء الظّاهرة الّتي لا يعيش بدونها ولها ظلّ . غير أنّ الشّافعيّة اختلفوا فيما لو كان الباقي الرّأس ، على وجهين : أحدهما : يحرم وهو الرّاجح ، والآخر : لا يحرم . وقطع أيّ جزء لا تبقى الحياة معه يبيح الباقي ، كما لو قطع الرّأس وبقي ما عداه . جاء في أسنى المطالب وحاشيته : وكذا إن قطع رأسها ، قال : الكوهكيوني : وكذا حكم ما صوّر بلا رأس ، وأمّا الرّؤوس بلا أبدان فهل تحرم ؟ فيه تردّد . والحرمة أرجح . قال الرّمليّ : وهو وجهان في الحاوي ، وبناهما على أنّه هل يجوز تصوير حيوان لا نظير له : إن جوّزناه جاز ذلك وإلّا فلا ، وهو الصّحيح. وفي حاشية الشّروانيّ وابن قاسم : إنّ فقد النّصف الأسفل كفقد الرّأس .
48 - ويكفي للإباحة أن تكون الصّورة قد خرق صدرها أو بطنها ، بذلك صرّح الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة وبعض الشّافعيّة . قال ابن عابدين : هل من ذلك ما لو كانت مثقوبة البطن مثلا : الظّاهر أنّه لو كان الثّقب كبيرا يظهر به نقصها فنعم ، وإلا فلا ، كما لو كان الثّقب لوضع عصا تمسك بها ، كمثل صور خيال الظّلّ الّتي يلعب بها ، لأنّها تبقى معه صورة تامّة ، وهذا الّذي قاله في صور الخيال خالفه فيه بعض الشّافعيّة ، فرأوا أنّ الخرق الّذي يكون في وسطها كاف في إزالة الكراهة كما صرّح بذلك الشّيخ إبراهيم الباجوريّ ، ويأتي النّقل عنه في بحث النّظر إلى الصّور
)
وجاء في النوع الثالث -وهو المطلوب في هذا الموضوع- ما نصه :
اقتباس:
ج - استعمال واقتناء الصّور المنصوبة والصّور الممتهنة :
49 - يرى الجمهور أنّ الصّور لذوات الأرواح - مجسّمة كانت أو غير مجسّمة - يحرم اقتناؤها على هيئة تكون فيها معلّقة أو منصوبة ، وهذا في الصّور الكاملة الّتي لم يقطع فيها عضو لا تبقى الحياة معه ، فإن قطع منها عضو - على التّفصيل المتقدّم في الفقرة السّابقة - جاز نصبها وتعليقها ، وإن كانت مسطّحة جاز تعليقها مع الكراهة عند المالكيّة
حتى قال :
اقتباس:
وفي مختصر المزنيّ ما يدلّ على قصر التّحريم على المنصوب ، وذلك في قوله : وصورة ذات روح إن كانت منصوبة .
وروى ابن شيبة عن حمّاد عن إبراهيم أنّه قال : لا بأس في حلية السّيف ولا بأس بها - أي بالتّماثيل - في سماء البيت - أي السّقف - ، وإنّما يكره منها ما نصب نصباً .
وأصل ذلك مرويّ عن سالم بن عبد اللّه بن عمر رضي الله عنهم ، ففي مسند الإمام أحمد عن ليث بن أبي سليم أنّه قال : دخلت على سالم وهو متّكئ على وسادة فيها تماثيل طير ووحش ، فقلت : أليس يكره هذا ؟ قال : لا ، إنّما يكره منها ما نصب نصباً .
ويُستفاد من ذلك ، أن نصب صور ذوات الأرواح وتعليقها حرام على قول الجمهور من أهل العِلـم ، وهو قولٌ يدعمه الدليـل ، والدليل الأحاديث السابقة التي تدل صراحةً على النهي عن إبراز صور ذوات الأرواح .
فلينتبه الجميع من هذا الفِعل المُنتشـر بين الناس ، وإن خالف البعض وعاند وأخذ بقول من جوز ذلك ، فإنه يُسأل : أيهم أحب إليك بيت لا صور فيه ، وملائكة تزوره ؟ أم بيتُ صورُ فيه ، ولا ملائكة تزوره ؟
أن يمتلئ بيتك بالصور أم بملائكة الرحمـة ؟!
فلو لم يكن في المنع والنهي سِواء أن الملائكة لا تدخل البيت المُنتصبة فيه الصور ، لكفى للمسلم أن يُخلّي بيته من الصور ، فكيف ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينفر من ذلك ويكرهه ؟!!
.منقول..
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين ، وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه بإحسانٍ إلى يوم الدين ، أما بعد ..
فإنه لا يخفى على الكثير منكم كم تهاون الناس في إتخاذ الصور سواءاً كانت في التصوير أو إستعمال تلك الصور وإبرازها ، فترى الكثير وقد رصّع جدران بيته بصور ذوات الأرواح ونصبها وأبرزها .
وإن كان الفقهاء قد أختلفوا في حُكم التصويـر لذوات الأرواح المسطحة الغير مجسمة ، فإنهم أشبه ما يكونوا متفقين على تحريم تعليق الصور ونصبها وإبرازها ، وقبل أن نتطرق لأقوال الفقهاء من المذاهب الأربعة ، فإنّنـا نبدأ بأقوال سيد الخلق صلى الله عليه وآله وسلم الذي وقف على قبره إمام دار الهجرة مالك أبن أنس -رحمه الله- وقال : ( كل يؤخذ منه ويرد إلا صاحب هذا القبر ) ، فإن أختلف الفقهاء ، فألتمس لنفسك السير على هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسِر عليه ، فهو الكفيل بإخراجك من تيه الإختلاف .
والأحاديث في هذا الجانب من منع التصوير وإستعمال الصور كثيرة ، نذكر منها :
حديث علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- :
اقتباس:
حدثنا محمد بن عبيد ، حدثنا شرحبيل بن مدرك الجعفي ، عن عبد الله بن نجي الحضرمي ، عن أبيه ، قال : قال لي علي : كانت لي من رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلة لم تكن لأحد من الخلائق ، إني كنت آتيه كل سحر فأسلم عليه حتى يتنحنح ، وإني جئت ذات ليلة فسلمت عليه ، فقلت : السلام عليك يا نبي الله . فقال : " على رسلك يا أبا حسن حتى أخرج إليك " فلما خرج إلي قلت : يا نبي الله ، أغضبك أحد ؟ قال : " لا " . قلت : فما لك لا تكلمني فيما مضى حتى كلمتني الليلة ؟ قال : " إني سمعت في الحجرة حركة ، فقلت : من هذا ؟ فقال : أنا جبريل ، قلت : ادخل . قال : لا ، اخرج إلي . فلما خرجت قال : إن في بيتك شيئا لا يدخله ملك ما دام فيه . قلت : ما أعلمه يا جبريل ؟ قال : اذهب فانظر ففتحت البيت فلم أجد فيه شيئا غير جرو كلب كان يلعب به الحسن قلت ما وجدت إلا جروا قال : " إنها ثلاث لن يلج ملك ما دام فيها أبدا واحد منها كلب ، أو جنابة ، أو صورة روح "
[ مسند أحمد بن حنبل : مسند العشرة المبشرين بالجنة - مسند الخلفاء الراشدين - مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه - حديث:637 ، صحيح ابن حبان - كتاب الطهارة - باب أحكام الجنب - ذكر نفي دخول الملائكة الدار التي فيها الجنب - حديث:1221 ، سنن أبي داود : كتاب الطهارة - باب في الجنب يؤخر الغسل - حديث:199 ، السنن الكبرى للنسائي : ذكر ما ينقض الوضوء وما لا ينقضه الجنب إذا لم يتوضأ - حديث:249 ، واللفظ لأحمد ]
حديث عائشة -رضي الله عنها- :
اقتباس:
حدثني سويد بن سعيد ، حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم ، عن أبيه ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن عائشة ، أنها قالت : واعد رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام في ساعة يأتيه فيها ، فجاءت تلك الساعة ولم يأته ، وفي يده عصا ، فألقاها من يده ، وقال : " ما يخلف الله وعده ولا رسله " ، ثم التفت ، فإذا جرو كلب تحت سريره ، فقال : " يا عائشة ، متى دخل هذا الكلب هاهنا ؟ " فقالت : والله ، ما دريت ، فأمر به فأخرج ، فجاء جبريل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " واعدتني فجلست لك فلم تأت " ، فقال : " منعني الكلب الذي كان في بيتك ، إنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة "
[ صحيح مسلم : كتاب اللباس والزينة - باب لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة - حديث:4020 ]
حديث عائشة -رضي الله عنها- :
اقتباس:
حدثنا عبد الله بن يوسف ، أخبرنا مالك ، عن نافع ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها : أنها أخبرته أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير ، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب ، فلم يدخله ، فعرفت في وجهه الكراهية ، فقلت : يا رسول الله أتوب إلى الله ، وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم ماذا أذنبت ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما بال هذه النمرقة ؟ " قلت : اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسدها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أصحاب هذه الصور يوم القيامة يعذبون ، فيقال لهم أحيوا ما خلقتم " وقال : " إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة "
[ صحيح البخاري : كتاب البيوع - باب التجارة فيما يكره لبسه للرجال والنساء - حديث:2015 ]
فالأحاديث واضحة الدلالة ولا تحتاج إلى تأويل يعمل فيها حتى يُخرجها عن مقصدها ، وكفى بحديثٍ واضحٍ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليعمل بها العامي -كأمثالنّا- .
أقوال المذاهب الأربعة في تعليق الصور وإبرازها :
جاء في الموسوعة الفقهية ، الجزء الثاني عشـر ، تحت كلمة "تصوير" ، باب " إقتناء وإستعمال صور الإسنان والحيوان " :
اقتباس:
44 - يجمع العلماء على تحريم استعمال نوع من الصّور ، وهو ما كان صنماً يعبد من دون اللّه تعالى . وأمّا ما عدا ذلك فإنّه لا يخلو شيء منه من خلاف .
إلا أنّ الّذي تكاد تتّفق كلمة الفقهاء على منعه : هو ما جمع الأمور التّالية :
أ - أن يكون صورة لذي روح إن كانت الصّورة مجسّمة .
ب - أن تكون كاملة الأعضاء ، غير مقطوعة عضو من الأعضاء الظّاهرة الّتي لا تبقى الحياة مع فقدها .
ج - أن تكون منصوبة أو معلّقة في مكان تكريم ، لا إن كانت ممتهنة .
د - أن لا تكون صغيرة .
هـ - أن لا تكون من لعب الأطفال أو نحوها .
و - أن لا تكون ممّا يسرع إليه الفساد . وقد خالف فيما جمع هذه الشّروط قوم لم يسمّوا ، كما تقدّم نقله إلّا أنّه خلاف ضعيف .
ونحن نبيّن حكم كلّ نوع ممّا خرج عن هذه الشّروط:
أ - استعمال واقتناء الصّور المسطّحة :
45 - يرى المالكيّة ومن وافقهم أنّ استعمال الصّور المسطّحة ليس محرّما ، بل هو مكروه إن كانت منصوبة ، فإن كانت ممتهنة فاستعمالها خلاف الأولى .
أمّا عند غير المالكيّة : فالصّور المسطّحة والمجسّمة سواء في التّحريم من حيث الاستعمال، إذا تمّت الشّروط على ما تقدّم .
ب - استعمال واقتناء الصّور المقطوعة :
46 - إذا كانت الصّورة - مجسّمة كانت أو مسطّحة - مقطوعة عضو لا تبقى الحياة معه ، فإنّ استعمال الصّورة حينئذ جائز ، وهذا قول جماهير العلماء من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة . وقد وافق على الإباحة هنا بعض من خالف ، فرأى تحريم التّصوير ولكن لم يرد تحريم الاقتناء ، كالشّافعيّة .
وسواء أكانت الصّورة قد صنعت مقطوعة من الأصل ، أو صوّرت كاملة ثمّ قطع منها شيء لا تبقى الحياة معه . وسواء أكانت منصوبة أو غير منصوبة كما يأتي في المسألة التّالية .
47 - والحجّة لذلك ما مرّ « أنّ جبريل قال للنّبيّ صلى الله عليه وسلم مُرْ برأس التّمثال فليقطع حتّى يكون كهيئة الشّجرة » وفي رواية أنّه قال : « إنّ في البيت ستراً ، وفي الحائط تماثيل ، فاقطعوا رءوسها فاجعلوها بساطا أو وسائد فأوطئوه ، فإنّا لا ندخل بيتاً فيه تماثيل » ولا يكفي أن تكون قد أزيل منها العينان أو الحاجبان أو الأيدي أو الأرجل ، بل لا بدّ أن يكون العضو الزّائل ممّا لا تبقى الحياة معه ، كقطع الرّأس أو محو الوجه ، أو خرق الصّدر أو البطن . قال ابن عابدين : وسواء أكان القطع بخيط خيّط على جميع الرّأس حتّى لم يبق له أثر ، أو بطليه بمغرة ، أو بنحته ، أو بغسله .
وأمّا قطع الرّأس عن الجسد بخيط مع بقاء الرّأس على حاله فلا ينفي الكراهة ، لأنّ من الطّيور ما هو مطوّق فلا يتحقّق القطع بذلك . وقال صاحب شرح الإقناع من الحنابلة : إن قطع من الصّورة رأسها فلا كراهة ، أو قطع منها ما لا تبقى الحياة بعد ذهابه فهو كقطع الرّأس كصدرها أو بطنها ، أو جعل لها رأسا منفصلا عن بدنها لأنّ ذلك لم يدخل في النّهي. وقال صاحب منح الجليل من المالكيّة : إنّ ما يحرم ما يكون كامل الأعضاء الظّاهرة الّتي لا يعيش بدونها ولها ظلّ . غير أنّ الشّافعيّة اختلفوا فيما لو كان الباقي الرّأس ، على وجهين : أحدهما : يحرم وهو الرّاجح ، والآخر : لا يحرم . وقطع أيّ جزء لا تبقى الحياة معه يبيح الباقي ، كما لو قطع الرّأس وبقي ما عداه . جاء في أسنى المطالب وحاشيته : وكذا إن قطع رأسها ، قال : الكوهكيوني : وكذا حكم ما صوّر بلا رأس ، وأمّا الرّؤوس بلا أبدان فهل تحرم ؟ فيه تردّد . والحرمة أرجح . قال الرّمليّ : وهو وجهان في الحاوي ، وبناهما على أنّه هل يجوز تصوير حيوان لا نظير له : إن جوّزناه جاز ذلك وإلّا فلا ، وهو الصّحيح. وفي حاشية الشّروانيّ وابن قاسم : إنّ فقد النّصف الأسفل كفقد الرّأس .
48 - ويكفي للإباحة أن تكون الصّورة قد خرق صدرها أو بطنها ، بذلك صرّح الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة وبعض الشّافعيّة . قال ابن عابدين : هل من ذلك ما لو كانت مثقوبة البطن مثلا : الظّاهر أنّه لو كان الثّقب كبيرا يظهر به نقصها فنعم ، وإلا فلا ، كما لو كان الثّقب لوضع عصا تمسك بها ، كمثل صور خيال الظّلّ الّتي يلعب بها ، لأنّها تبقى معه صورة تامّة ، وهذا الّذي قاله في صور الخيال خالفه فيه بعض الشّافعيّة ، فرأوا أنّ الخرق الّذي يكون في وسطها كاف في إزالة الكراهة كما صرّح بذلك الشّيخ إبراهيم الباجوريّ ، ويأتي النّقل عنه في بحث النّظر إلى الصّور
)
وجاء في النوع الثالث -وهو المطلوب في هذا الموضوع- ما نصه :
اقتباس:
ج - استعمال واقتناء الصّور المنصوبة والصّور الممتهنة :
49 - يرى الجمهور أنّ الصّور لذوات الأرواح - مجسّمة كانت أو غير مجسّمة - يحرم اقتناؤها على هيئة تكون فيها معلّقة أو منصوبة ، وهذا في الصّور الكاملة الّتي لم يقطع فيها عضو لا تبقى الحياة معه ، فإن قطع منها عضو - على التّفصيل المتقدّم في الفقرة السّابقة - جاز نصبها وتعليقها ، وإن كانت مسطّحة جاز تعليقها مع الكراهة عند المالكيّة
حتى قال :
اقتباس:
وفي مختصر المزنيّ ما يدلّ على قصر التّحريم على المنصوب ، وذلك في قوله : وصورة ذات روح إن كانت منصوبة .
وروى ابن شيبة عن حمّاد عن إبراهيم أنّه قال : لا بأس في حلية السّيف ولا بأس بها - أي بالتّماثيل - في سماء البيت - أي السّقف - ، وإنّما يكره منها ما نصب نصباً .
وأصل ذلك مرويّ عن سالم بن عبد اللّه بن عمر رضي الله عنهم ، ففي مسند الإمام أحمد عن ليث بن أبي سليم أنّه قال : دخلت على سالم وهو متّكئ على وسادة فيها تماثيل طير ووحش ، فقلت : أليس يكره هذا ؟ قال : لا ، إنّما يكره منها ما نصب نصباً .
ويُستفاد من ذلك ، أن نصب صور ذوات الأرواح وتعليقها حرام على قول الجمهور من أهل العِلـم ، وهو قولٌ يدعمه الدليـل ، والدليل الأحاديث السابقة التي تدل صراحةً على النهي عن إبراز صور ذوات الأرواح .
فلينتبه الجميع من هذا الفِعل المُنتشـر بين الناس ، وإن خالف البعض وعاند وأخذ بقول من جوز ذلك ، فإنه يُسأل : أيهم أحب إليك بيت لا صور فيه ، وملائكة تزوره ؟ أم بيتُ صورُ فيه ، ولا ملائكة تزوره ؟
أن يمتلئ بيتك بالصور أم بملائكة الرحمـة ؟!
فلو لم يكن في المنع والنهي سِواء أن الملائكة لا تدخل البيت المُنتصبة فيه الصور ، لكفى للمسلم أن يُخلّي بيته من الصور ، فكيف ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينفر من ذلك ويكرهه ؟!!
.منقول..