تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : طلب رواية وداع مع الاصيل


ليلى إسلام سوف
2012-02-07, 10:31
أرجو منكم الرواية الفلسطينية وداع مع الأصيل

ام هالة شهرزاد
2012-02-09, 00:43
"وداع مع الأصيل"
رواية ل: فتحية محمود الباتع


هي رواية للأسف تروي أحداث واقعية عن قصة حب فلسطينية شاءت أن تخلق في أجواء حرب و تقسيمات بين العرب و اليهود الأنذال..

جاء في تقديم الرواية انها: تضمنت أنواع من المآسي التي دونها التاريخ على صفحات دامية لشخصيات مختلفة الأمزجة و الضمائر جمعت بين النبل و أصالة الخلق و التفاني في حب الوطن و الفداء، و بين القبح و جشع النفوس و سوء الادراك و غفلة الضمير.

جرت أحداثها فوق التراب العربي الفلسطيني اثر قرار تقسيم فلسطين عام 1947 و ما كان بعدها من الهجمة الصهيونية الشرسة على البلاد و اهلها في ظل الانتداب البريطاني في ذلك الحين..

ام هالة شهرزاد
2012-02-09, 00:44
غادة الكرمل
في بقعة جميلة هادئة من جبل الكرمل الشامخ المهيب القائم في أبدع مدن فلسطين ( حيفا ) شاد البناءون منزلا اقرب إلى القصور بفخامته و روعته و ضخامته أعمدته الرخامية و شرفاته العالية و ردهاته الفسيحة و غرفه المتعددة و قاعاته الواسعة، و قد افتن من طلوا جدرانه فيما أتوه من مناظر بديعة تحاكي الطبيعة في أروع صورها و اجلي معانيها، و الناظر إليها يرى السهل و الجبل و النهر و الشجر و الراعي و الغنم و الطير المحلق في غمار السحب، و قد أطلت من السقوف المطلية بزرقة هادئة ثريات فضية باهرة تتلألأ تلألؤ النجوم في قبة السماء.
و مما يجذب عين الناظر في أبهاء ذلك القصر أبوابه الهائلة ذات المقابض الكروية المذهبة و قد حفر خشبها برسوم زخرفية تتخللها نحلات نحاسية صفراء فتبدو للعين و هي تلتمع بشعاع ذهبي خاطف كأقراص شموس صغيرة.


و لم يغفل صاحب القصر عن تجميل هذا الممر الطويل الواسع، فأقام على جانبيه قفصين بديعين كبيرين ضم كل منهما بين قضبانه طيرا من طيور الطاووس و تلتهما أقفاص اصغر حجما للعنادل و الببغاوات، و قامت أشجار السرو النحيلة الباسقة حول ذلك القصر و حديقته الغناء فبدت وسط سكون الليل كعذارى حسناوات انتضن بأعوادهن الفارعات يتنسمن شذى الزهر المعطر و يملان النظر من جنة القصر الفيحاء.
و أقام في هذا الفردوس ( شكري بك ) و زوجته ( ظريفة ) و ابنة أخيه ( سعاد ) _ أرملة ولدهما المتوفى .
و كان لهما ابنة مدلله اسمها ( هدى ) خصص لها أبوها جناحا في القصر، و أما وحيدهما ( وليد ) فقد بعثا به إلى انجلترا يتلقى علومه هناك.
سكنت هذه الأسرة الثرية قصرها بعد أن فرغ البناءون من إعداده و تنسيقه، و كان فصل الربيع قد بدأ ينسج أثوابه و يجود بعبق أنفاسه، فازدهرت البساتين ترفل في ثياب أنيقة بيضاء من زهر اللوز و المشمش و التفاح ينبعث عبرها مع نسمات الليل و تباشير الصباح، و تحررت الطيور الشجية من أوكارها على اختلاف فصائلها و ألوانها و انطلقت تشدو مرفرفة بين الاحراج و البساتين.
سارت أيام الربيع حلوة ناعمة بعليل نسيمها و أريج أزهارها و أسرة شكري بك تنعم بحياتها آمنة مطمئنة، إلى أن انقضى هذا الفصل المزدهر و اقبل بعده الصيف بلياليه المقمرة و ثماره الناضجة، و إذا البساتين تنزع عنها ثيابها البيضاء و تلبس الأشجار غلائلها الخضراء تنوء أغصانها تحت عبئ ثمارها كعرائس أثقلتها الحلي و الدمالج فتهتز و تتمايل لتطرح للمواطنين ما أغدقه عليهم المولى العظيم من نعمه، فيؤكل منها و يصدر و يباع.

ام هالة شهرزاد
2012-02-09, 00:45
و كان من أجمل ما يصافح العين حين تنقشع ظلمة الليل عن جبين البكور فتيات القرى و قد سرن إلى المغارس و الحقول جماعات بوجوههن الصبيحة و قاماتهن الرشيقة و قد شددن خصورهن اللدنة النحيلة بشملات ملونة فوق ثيابهن الطويلة المطرزة و أخذن سلالهن لقطف الثمار أو انعطفن بجرارهن للاستقاء.


و مضى شطر من الصيف و الأسرة هادئة هانئة.
و ذات أمسية من أمسيات هذا الفصل، جلست ( نجلاء ) في شرفة بيتها الصغير المواجهة لذلك القصر الشاهق البديع تحيك بعض الثياب، و هي أرملة في نحو الخمسين من عمرها، مهيبة الطلعة، طويلة القامة، عاقلة رزينة، لم يستطع الدهر بأحداثه أن ينكر عليها ما كانت تتمتع به من جمال عارم في عهد شبابها.
و كانت لها ابنة وحيدة تعيش معها اسمها ( سلمى ) هي كل ما فازت به من عوادي الحياة و أنياب الزمان، بعد أن فقدت زوجها و ولدها.
و كانت الفتاة صبية هيفاء دون العشرين على جانب عظيم من الجمال، مات أبوها و هو يدافع عن وطنه في موقعة نشبت بين العرب و اليهود، في ثورة عام 1936 و اقتدى به أخوها، فانتهت حياته على حبل المشنقة شهيد وطنه، و باتت الفتاة منذ ذلك الحين يتيمة لا تعرف إلا أمها التي تعيش في كنفها.
و لما كانت ( نجلاء ) حائكة ماهرة، فقد استطاعت أن تعيش في بحبوحة من الرزق، و أغدقت على صغيرتها الحلي و الثياب، و ربتها تربية كريمة، جمعت بين تعليم اللغة العربية و بعض اللغات الأخرى، و منها العبرية، و بين الدين و الثقافة، و فن الرسم الذي برعت فيه براعة فذة، حتى إذا أتمت الفتاة دراستها انصرفت إلى الرسم و التصوير، الفن الذي شغفت به، و كانت لها لوحات رائعة تعود عليها بأرباح وافرة.
و كان يساعدها في بيعها جارها ( حامد ) و هو رجل وقور جاوز سن الشباب، و عرف بين الناس بحسن السيرة و دماثة الخلق، و كان صديقا لوالد الفتاة، فكان يتفقدها و أمها، و يسهل لها السبل لبيع لوحاتها، فكلما أعدت لوحة جديدة حملها إلى دكانه وسط السوق ليعرضها على حرفائه الأثرياء من العرب و اليهود ثم يعود إلى الفتاة و أمها بحفنة من النقود. سارت حياة الأم و ابنتها على هذا المنوال صافية رائقة لا يعكرها سوى الفراغ الذي خلفه الشهيدان الراحلان في نفسيهما و حياتهما.

ام هالة شهرزاد
2012-02-09, 00:46
في هذه الأمسية جلست سلمى تتابع رسم لوحتها، و كانت الشمس قد آذنت بالمغيب، فأرسلت خيوطها الذهبية الضاربة إلى الحمرة تنسج منها حلتها الوردية و تنحدر بها على وجه مياه البحر الرقراقة الزرقاء.
فانصرفت الفتاة بنظراتها إلى ذلك المنظر البديع تستلهم من الطبيعة أجمل صورها و تقدمها في لوحتها وسط إطار رائع خلاب.
و مر إذ ذاك عن كثب من بيت ( نجلاء ) و ابنتها فتى مديد القامة، وسيم الطلعة، قمحي اللون، تتألق عيناه السوداويان ببريق القوة و الشباب، و تنطبع على محياه الجميل دلائل الشهامة و النبل، و كانت سنه لا تتجاوز بضع و عشرون عاما، و أول ما يسترعي الناظر إليه بنوع خاص جمال رجولته و قوة شخصيته.
و لمحت تلك الغادة الحسناء و هي مكبة على لوحتها، تتابع فيها رسمها و قد تهدلت خصلات شعرها الفاحمة و استقرت واحدة منها فوق جبينها الساطع و تناثر بعضها حول جيدها الطويل. أما شفتاها المطبقتان فقد حاكت بلونهما حمرة الشفق الأرجوانية، و راحت عيناها تومضان من بين أهدابها الغزيرة السوداء بوميض ساحر خلاب كلما انتقلت بنظراتها ما بين لوحتها و بين منظر الطبيعة البديع.
و لم تشعر بالفتى الذي بهره جمالها فتسمر مبهوتا في مكانه مسلوب اللب مبهور الأنفاس. و همس في نفسه و عيناه شاخصتان إلى الفتاة: " أهناك بالله لوحة أجمل من هذه يمكن أن تصورها تلك الغادة على طبيعتها هذه ؟ " .
و كانت الشمس قد احتجبت تماما و بدأ الغروب ينشر أجنحته على الكون و يطوي من تحتها الفضاء، فألقت الفتاة بريشتها، و ارتدت برأسها إلى ظهر مقعدها تمعن النظر فيما أنتجته عبقريتها من الهام الطبيعة و جلالها في ساعة الغروب.
فتراجع الفتى و استدار على عقبيه و هو يشعر نحو الفتاة بشعور غريب أشبه بالجاذبية، و سار في طريقه إلى ذلك القصر المواجه لبيت الفتاة و ولج بابه.
كان هذا الشاب هو ( وليد ) ابن مالك القصر ( شكري بك) قد عاد من انجلترا بعد أن درس الحقوق هناك، و كانت قاعة القصر في تلك الليلة بالذات تعج بالأقارب و الأصدقاء حفاوة بعودته.



و لبس المنزل الكبير حالة رائعة من البهجة و المرح تراقصت من حوله الأنوار الساطعة و ترنمت الصبايا بالأغنيات الشائعة تنبعث أصواتهن من نوافذ القصر مع حلقات الفضاء رخيمة صافية كرنين الفضة الخالصة.

ام هالة شهرزاد
2012-02-09, 00:47
و انتصبت الولائم تقدم فيها الأطعمة و الحلوى و الفاكهة من كل شكل و لون، فأكل القوم و شربوا و بلغ مرحهم مداه.


و تطلع أهل المنازل الصغيرة المجاورة إلى ذلك المنزل الشامخ الذي يداني بهيئته القصور العالية و هو يسبح في أشعة من الأنوار المالقة، و تهامس بعضهم عن الثروة التي نزلت على صاحبه منذ عهد قريب حتى عاش هذه العيشة المغمورة بالترف و الرفاهية، و قالت سلمى لامها و هي ترنو بعينها الجميلتين إلى ذلك القصر و أضوائه المتلألئة و تطرق إذنيها أنغام الموسيقى و الغناء المنبعثة من نوافذه: " انظري يا أماه القوم في هرج و مرج و اليهود يعدون الحصون و يحكمون لها البناء ".


و قبل أن تجيبها أمها بشيء التفت إليها حامد الذي جاء و زوجته لزيارتهما و قال: " أين هي الحصون و الاستعدادات يا بنيتي؟ " .


تحولت الفتاة بنظراتها إليه و قالت و هي تشير بسبابتها إلى بناء أشبه ببرج هائل يقع على سفح الجبل: " تلك القلعة يا عماه التي أعدها اليهود لتكون حصنا لهم في الأيام المقبلة ".


و قال الرجل في شيء من الدهشة: " و لكنها يا بنيتي هي كما تعلمين سوق للخضراوات اتخذها اليهود لهم ".


قالت: " أي سوق هذه التي لا منفذ لها سوى هذه الكوى الصغيرة المثبتة في أعلى جدرانها السميكة؟ ".


و قالت نجلاء مؤيدة قول فتاتها: " نعم يا أخي حامد، أن حصون اليهود كثيرة و هم لا يغفلون عنها، و لا يهملون إنشاءها، و لو أدرك صاحب هذا القصر من الذين أعماهم الجشع، و أغراهم المال فضاعة جرمهم، و هول ما يقدمون عليه طلبا للثراء و ما له من العواقب الوخيمة على البلاد و أهلها الأبرياء لفضلوا حياة البؤس و الفقر على الانغماس في الترف و اللذات ".


فصمت حامد برهة، ما لبث بعدها أن قال: " أو تعتقدين يا أختاه أن شكري بك جمع ثروته هذه عن طريق غير كريمة؟ "..و استدرك قائلا: " لا أظن ذلك ".


فصمتت نجلاء و لم تجب بشيء، بينما ردت سلمى قائلة: " أتظن يا عماه أن ثروة هذا الرجل نزلت عليه من السماء؟ ".


قال حامد: " أنا شخصيا لا استطيع أن اجزم في أمره "، و استطرد يقول: " و ماذا يضيرنا يا بنيتي و يضير الناس أن يحيا شكري بك و غيره حياة رغد و ترف ما داموا لا يتعرضون لغيرهم بالأذى".


قالت الفتاة بحدة: " ما هذا الذي اسمعه منك يا عماه، كيف لا يضيرنا و يؤذينا إن يكون بين المواطنين خائنون، يبيعون دينهم و وطنهم من اجل حفنة من الذهب؟ لا ، إنهم بعملهم هذا يفسحون المجال لليهود الذين يفدون من الغرب و جميع الأقطار أفرادا و جماعات، ليغدقوا على أولئك الحمقى ذهبا و يشترون به البلاد، و يغضب لذلك أمناء فلسطين الأحرار، فتضطرب الحياة الآمنة، و تندلع الثورات، و تحول ارض البلاد إلى مذابح و براكين دامية تروي ثراها دماء الشهداء من أبنائها، و بذلك يدفع القوم الأبرياء أرواحهم و دمهم ثمنا لأمثال هذا الترف و الثراء، و يذبح منهم من يذبح في المعارك التي تنشب بينهم و بين اليهود، و يشنق منهم من يشنق بأيدي المستعمرين الذين يطاردون الثوار و المجاهدين، فتبيت الأطفال يتامى، و الأمهات ثكلى بأبنائها، و ترمل الزوجات، كما حدث في ثورة عام 1936 يوم أن ذبح الأنذال اليهود أبي و هو يدافع عن وطنه في موقعة نشأت بينهم و بين العرب.



ثم شنق الانجليز أخي و غيره من الشبان و المجاهدين، و قد كنت طفلة غريرة يومئذ، و لكن أمي حدثتني بكل شيء.


فان لبثت هذه حالنا يمدنا اليهود بالذهب و نمدهم بالأرواح و الدماء، خارت قوانا و قويت عزائمهم، و ثبتت بلا ريب أقدامهم و اتسعت مطامعهم، و يجيء يوم يطالبوننا فيه بالجلاء عن أرضنا و ديارنا".


و صمتت و قد غشيت عينيها الدموع، و غمغمت قائلة و هي تعاود النظر إلى ذلك القصر الحافل: " سيدفع هذا الرجل صاحب اللقب الأجوف، حياته ثمنا لفداحة جرمه كما حدث لامثاله من قبله".

فبهت حامد و قال: " ما كنت اعلم ان شكري بك كذلك، هدئي روعك يا بنيتي و اتركي الامر لله يقتص من اولئك الاشرار".

ام هالة شهرزاد
2012-02-09, 00:48
قلب هائم
أصبح وليد، نجل شكري بك، منذ اكتحلت عيناه برؤية تلك الصبية الحسناء (سلمى) منطويا على نفسه، دائب التفكير في أمرها، و لم يكن بمقدوره أن يقصي طيفها الجميل على ناظره، أو يسلو تينك العينين المنيرتين ذواتي الأهداب التي يترامى ظلها إلى الحدين مع ما يتجلى في وجه صاحبتهما من جمال و روعة.

و اضطرمت بين ضلوعه عاطفة مشبوبة بحبها أشقته و عذبته، و رأى أن الحياة لا تطيب له إلا أن كانت تلك الصبية بجانبه ، فقرر أن يخطبها، و لكنه كان يعلم لو أفضى بمثل هذا النبأ لوالدته فلن تتقبله بالرضي أو السرور بل انه سيجلب عليها نقمتها لرغبتها في تزويجه ممن تربطه بهن صلة القربى، و لن تتورع من أن تدفعها أنانيتها إلى تحريض أبيه كي يقف حائلا دون هذا الزواج، و لذا اثر أن يذهب إلى ابنة عمه سعاد ، أرملة أخيه المتوفى ، ليفضي إليها بما في نفسه . فمضى إليها في حجرتها، فاستقبلته هاشة باسمة و دعته للجلوس و أخذت هي مكانها إلى مقعد قبالته، و لاحظت عليه قلقه و تبدل حاله و ابتدرته بقولها: " ما وراءك يا ابن العم؟ ".

قال: " إنني لست في خير حال يا ابنة عمي ، و ها أنا ذا لم أجد غيرك لأفضي له ما بنفسي ".


قالت بحنان الأخت الكبرى: " اخبرني بالله ما في ضميرك؟ "

صمت لحظة ثم قال: " جئت لاسالك عما تعرفين من أمر تلك الفتاة الحسناء التي تقطن ذلك البيت القريب منا ".

فابتسمت سعاد و قالت: " أتقصد غادة الكرمل؟ "

قال: " وهل هذا هو اسمها؟ "

قالت: " هذا ما لقبها به أهل الحي لأنها أجمل فتيات الجبل، أما اسمها الحقيقي فهو (سلمى).. " و استطردت و الابتسامة ما زالت على شفتيها : " ترى هل أصابت تلك الغادة هوى من نفسك حتى طرا عليك مثل هذا التبدل؟ "

قال: " نعم فهلا قصصت عليا ما تعرفينه من أمرها؟ "

ام هالة شهرزاد
2012-02-09, 00:49
أدركت سعاد أن ابن عمها عازم على طلب يد الفتاة، فأطرقت برهة صامتة ساكنة خيل للفتى انها دهرا ثم اندفع قائلا: " ما الخبر يا ابنة عمي، امخطوبة هي؟"

قالت و هي ترفع رأسها ببطء من إطراقها: " لا ليست مخطوبة لأحد، و لكني أرى الطريق إليها وعرا ".

فامتقع لونه و قال: " إني لا افهم ما تقولين، هل هناك ما يشوب سمعتها ؟ "

فهزت رأسها سلبا و قالت : " بل هي عذراء طاهرة كالملائكة، تعيش مع أمها عيشة شريفة لا تشوبها شائبة، و هما المثل الأعلى عند أهل الحي بحسن السيرة و طهارة الذيل".


عاوده هدوؤه و قال: " إذا كنت تغنين إن والدي سيعترضان على هذا الزواج، فلن يهمني ساعتئذ غضبهما أو رضاهما؟ و ليس لزاما علي أن اربط حياتي بحياة من يريد أهلي أن تكون شريكة لعمري، و أتزوج الفتاة التي يحبها لي غيري" .

قالت سعاد: " ليس هذا كل ما هنالك يا ابن عمي، بل اخشي ألا ترضى بك الفتاة".

فبهت الشاب و لم يجد ما يقوله، و تساءل في نفسه: " ترى أي عيب تراه ابنة عمي بي حتى تلقاني بمثل هذه الصفعة ؟ "

و كأنما أدركت سعاد ما دار بخلده، فهتفت به: " عسى ألا تكون اخطات فهمي يا ابن العم ".

فرفع عينيه إليها و قال: " لست افهم منك سوى أني لست للفتاة بأهل ".

قالت: " بل لست أرى من هو أكثر أهلا منك لها، و لكنك لا تعلم أن والد الفتاة استشهد و هو يدافع عن وطنه في ثورة عام 1936 ، و مات الميتة الشريفة التي ماتها زوجي، أخوك ، و كذلك أخوها، و اليوم بدأ الناس يتهامسون عن الثروة التي ينعم بها والدك و يقرنون اسمك بما لا يشرفك".

فما كادت سعاد تتم قولها حتى رأت ابن عمها يثب على قدميه و يصيح قائلا: " و هل حذا أبي حذو أولائك الخائنين؟"

أشارت إليه بصمت و تلفتت حولها و همست: " هذا ما يردده بعض الناس".

ام هالة شهرزاد
2012-02-09, 00:49
قالت ذلك و ما لبث أن ندمت على ما فرط منها و هي ترى احتقان وجه ابن عمها و تجهمه، و خشيت أن يقدم على عمل يرتكبه في حق أبيه تكون هي سببه، فاستدركت تقول: " أنا شخصيا لا أثق فيما يقال في هذا القبيل، و اكبر ظني أن عمي بريء من تلك التهم التي تلصق به، و لا تنس أن هناك من الناس من هم اقدر من الشياطين في الحسد و الهمس و إطلاق الأقاويل، و المعروف أن عمي قضى شطرا من عمره تاجرا، و لا غرابة في أن يضرب الحظ ضربته مع التجار فتدر عليهم تجارتهم أرباحا طائلة تتكون منها ثروة هائلة ".

همس الفتى و هو بين الشك و اليقين من أمر أبيه: " هذا ما أنباني به في رسائله حين كنت في الخارج، و كثيرا ما حدثني عن النجاح الساحق الذي أحرزته تجارته، و الأرباح الطائلة التي أصابها من وراء ذلك، و لذا لم يدهشني حين عدت إلى الوطن أن أرى مظاهر الترف و النعم تغمره ".

قالت و هي تختلس إلى وجهه نظرة خاطفة: " هذه هي الحقيقة، و لكني كنت أخشى أن تطرق أذنك تلك الشائعات فأثرت أن تسمعها مني لتكون على بينة من أمر تلك التهم التي يقرنها الناس باسم أبيك ".

عاد الهدوء إلى نفس الفتى و قال: " و على أية حال فسرعان ما ينجلي الأمر و يظهر لنا الحق من الباطل، و والله لو صح ما يردده القوم عن أبي فلا بد أن انتصف لوطني ".

اصطكت ركبتا المرأة و قالت تدير دفة الحديث معه، و تحاول أن تعيد إليه هدوء نفسه: " دع عنك ثرثرة القوم و مزاعمهم يا ابن العم و حدثني ماذا أنت فاعل بشان سلمى؟"

تبسم و قال: " رأيي أن ابعث بك إليها تخطبينها ".

فذعرت سعاد و قالت: " هل تنوي أن تجلب على راسي نقمة والديك؟"


قال: " ماذا تقترحين؟ "

قالت: " اذهب لوالدتك و أفضي لها بما في نفسك و اطلب إليها أن تذهب لبيت الفتاة و تخطبها لك من أمها، أو اذهب أنت بنفسك و اطلبها من أمها ".

قال:" أنت تعلمين أن أمي لا توافقني لو طلبت إليها ذلك لان الخيلاء و الغرور يجثمان على بصيرتها و يملكان عليها مشاعرها، فهي شديدة التعالي و الكبرياء إلى درجة لا تطاق، و كذالك أختي، لاعتقادهما انه ليس هناك من بين مخلوقات الله من توازيهما حسبا و نسبا و منزلة، و كما تعلمين أن أمي تسعى تارة إلى تزويجي من ابنة أختها التي لا تلاءم نفسي، و أخرى من ابنة أخيها تلك الفتاة اللعوب التي تشبه الغانيات، ثم تقاليد البلاد لا تسوغ لي أن اذهب بنفسي و اطرق باب الفتاة طالبا يدها كما تقولين ".

فحنت عليه و حسبت للصدمة في نفسه ألف حساب لو اعرضت الفتاة عنه و ابت ان تتخذه زوجا لها.

و كانت سعاد ترى في ابن عمها الشهامة و النبل و كمال الرجولة و حميتها، و تمنت ان تجمعه الصدفة بالفتاة عسى ان تصيب مزاياه هذه هوى من نفسها كما فعلت به، فليس شيء بين عجائب الدنيا يفوق الحب في معجزته و لا غلبة لسلطانها. و مر بذهنها في تلك اللحظة خاطر ارتاحت اليه و قالت: " ليس لك الا العم حامد فهو بمثابة اب الفتاة و اخ لامها، فامض اليه في متجره، و اطلب شراء لوحة من لوحاتها، و لترى بعد ذلك ما يكون من امر ".

ابرقت اساريره و قال: " ساذهب اليه في الحال".

ام هالة شهرزاد
2012-02-09, 01:09
http://books.google.dz/books?id=3CEnAAAAMAAJ&dq=inauthor%3A%D8%A8%D8%A7%D8%AA%D8%B9%D8%8C%20%D9 %81%D8%AA%D8%AD%D9%8A%D8%A9%20%D9%85%D8%AD%D9%85%D 9%88%D8%AF&hl=fr&source=gbs_similarbooks

ام هالة شهرزاد
2012-02-09, 01:13
تحميل من هنا
http://books.google.dz/books?id=3-tfYgEACAAJ&dq=inauthor:%22%D8%A8%D8%A7%D8%AA%D8%B9%D8%8C+%D9% 81%D8%AA%D8%AD%D9%8A%D8%A9+%D9%85%D8%AD%D9%85%D9%8 8%D8%AF%22&hl=fr&sa=X&ei=3w0zT8TuJsW40QXqpeS4Bw&ved=0CDEQ6AEwAA
باش تقراها لازم ادوب ريدي
راها بصيغةBIBTEX
http://www.file-extension.com/files/BIBTEX/

انيوشا ناروتو
2012-02-29, 18:12
لقصة جميلة من جميع النواحي المعنى و المبنى

ViVeAhMeD
2013-01-10, 03:47
السلام عليكم ورحمه الله
ام هاله

انا ابحث عن هذه الرواية ولم افهم كيفية التحميل كما قلتي بصيغت bibtex

ان امكن تحميلها وتعطيني رابط وربي يجازيك

samia2013
2013-01-10, 11:43
قصة في قمة الروعة

يسرى هبة
2013-01-10, 12:29
انها جميلة جدا