تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الفلسفة التعليمية ... كيف تكون ؟


جاسم محمد صالح
2008-12-12, 21:45
الفلسفة التعليمية… كيف تكون؟



الباحث المؤرخ
جاسم محمد صالح
العراق / بغداد

الفلسفات التربوية كانت وراء تطور المجتمعات:
التعليم فكر وفلسفة ، والمجتمعات الطموحة لا بد لها أن تمتلك خطاً منهجياً واضحاً، تعمل به وتسير عليه وتسعى جاهدة لتطويره وتقديم كل وسائل الدعم باتجاه ترسيخه، وقد سعت المجتمعات قديماً في مختلف الحضارات إلى تحديد نوعية الثقافة التربوية التي تقدمها لأبنائها… فهناك ثقافات بَنت المجتمعات وفق منهجية إنسانية تركت للأجيال موروثات حضارية وكنوزاً فكرية لا تعد ولا تحصى بقيت تنتقل من جيل إلى جيل ومن حضارة إلى حضارة وكانت سبباً في نمو وتطور وازدهار البشرية , فمن حضارة الهند والصين إلى حضارة سومر وأكد عبوراً إلى حضارة المصريين القدماء وحضارة الإغريق والرومان وانتهاءً بحضارة الإسلام التي كان فيها للعرب دور قيادي ورائد في هذا المجال… فمن بغداد إلى دمشق إلى الكوفة والبصرة وأشبيلية وغرناطة وغيرها من حواضر العرب والإسلام.
لا بد من تحديد الهوية لمعرفة التوجه التربوي:
هذا التطور والثراء الفكري ما كان ليحدث لولا وجود ثقافة تربوية وتعليمية تطور المجتمع وفق ضوابط وأسس متينة وراسخة، ونحن الآن في ظل العولمة نعيش في متغيرات لا أول لها ولا آخر, متغيرات ذات حساسية كبيرة وسرعة في التأثر والتأثير, مما حتم علينا أن نسرع مهرولين إن لم نقل راكضين باتجاه تحديد هوية ثقافية لنا، هوية من خلالها يمكننا أن نحدد توجهنا العلمي والتربوي، وأن نبادر في الوقت نفسه إلى وضع الخطط الآنية والبرامج المستقبلية لترصين هذا التوجه وفق ملامحنا وشخصيتنا وظروفنا .
تمسكنا بهويتنا… أصالة لثقافتنا وتربيتنا وسلوكنا:
إن الدول المتطورة سبقتنا كثيرا ووضعت لنفسها برامج تربوية وتعليمية وحاولت أن تطبق هذه البرامج في الدول الأخرى كتحصيل حاصل ، متناسية تلك الهوة العميقة من الاختلاف بينهما في كثير من الأمور، وهذا ما حدث أخيراً للعراق بعد الاحتلال الغاشم ، مما أوجد هزة وردود فعل كبيرة تجاه الحالة، ظهرت بأشكال متنوعة وأنواع مختلفة، حيث رفض الشعب وهو المتمسك بهويته وأصالته هذه القوالب الجاهزة من أنماط الثقافة والتربية والسلوك.

الحاجة لفلسفة تربوية … حاجة ملحة :
إن بلداً كبيراً كالعراق... بلداً متعدد الأطياف والأجناس بحاجة ملحة لوضع فلسفة تربوية لكل مفاصله ، هذه الفلسفة تكون خطة طموحة تعمل كل مفاصل وزارة التربية على تنفيذها مستعينة بكل الحلقات الساندة لها في المجتمع للوصول إلى حالة الترصين والبناء والتطور لكل فرد من أفراده ، وتكون هذه الفلسفة مستمدة أصلاً من جذور العراق ذي الحضارات الموغلة في القدم مع بيان أثر هذه الفلسفة على حضارات الأمم المجاورة وتأثرها بها ... فلسفة مستمدة من التأريخ الأصيل والمشرق للحضارة العربية التي ترسّخت أسسها وقواعدها قبل الإسلام في العراق , أي قبل بزوغ شمس الإسلام فيه وكيف أن العراق بحجمه العربي ساهم في ترصين وتأسيس ثقافة خدمت الإنسانية منذ زمن حضارة اللخميين في الحيرة والتي سميت بحضارة المناذرة… وكيف أن هذه الحضارة أنجزت فيما بعد فلسفات تربوية جديدة جعلت من الكوفة والنجف والبصرة وبغداد وسامراء تزهو بأفكار عربية وإسلامية تؤسس لمفاهيم الحياة المختلفة , مبنية على التسامح وعدم إنكار حقوق الآخرين في ترصين هذه الثقافة , فهي فلسفة تربوية خلاقة عربية في لغتها... إسلامية في تفكيرها عراقية في عمقها، إلا أن للآخرين حضوراً فاعلاً فيها، فهي فلسفة التسامح والمحبة والوئام .
المحتلون تقبلوا ثقافتنا التربوية وتركوا ثقافتهم :
إن البناء الأصيل ينجز فكراً أصيلاً، والتربية المستمدة من ثقافة راسخة وجذر عميق تبقى سلاحاً بيد المجتمعات، يحافظ على عمقها وأصالتها ، لهذا فإن الثقافة العربية الإسلامية المستمدة من بنائنا التربوي الأصيل صمدت أمام تلك الهجمة المغولية الشرسة التي أرادت النيل منه ومسح هويته بكل ما أوتيت من قوة ومقدرة … وسرعان ما ذابت تلك القوى في فكرنا, وثقافتنا و لغتنا ، ونسيت كل ما جاءت به من خطط ومفاهيم, بل وتركت كل شيء وتقبلت حضارتنا وثقافتنا وتربيتنا, فتربوا على سلوكنا الاجتماعي والثقافي وتعلموا لغتنا العربية ودخلوا الإسلام عن قناعة وتمسك وإيمان, هذا إن دل على شيء، فإنما يدل على أصالة الفكر العربي التي بقيت تصارع أفكار الآخرين وثقافتهم وكان انتصارها الحتمي في النهاية، وكذا الحال حدث مع المحتلين الفرس والأتراك والإنكليز إلى وقت قريب… حيث بقيت هويتنا تؤثر وقلما تتأثر.



في ظل مفاهيم العولمة باتت الحاجة ملحة لوضع خطط تربوية هادفة:
إن القرن الحادي والعشرين مثل تحولاً كبيراً في صراع المفاهيم التربوية والثقافية لدول العالم, والملابسات والأحداث التي تعرض لها العراق وضَّحت هي الأخرى جسامة هذا الصراع لا سيما ونحن نتعرض لتيارات متسرعة من مفاهيم العولمة , كل هذا يحتم على المخلصين في وزارة التربية الإسراع الآن ... الآن وليس غداً إلى وضع الخطط التربوية التي تفضي إلى بناء ثقافة تربوية تسيِّر الأفراد بالاتجاه الصحيح ، خطط تحافظ على هويتنا وتاريخنا وجذورنا العربية الإسلامية وإن العراق هو جزء مهم وفاعل من أمتنا العربية التي خدمت البشرية عبر عشرات القرون.