تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مقالة حول الحرية


mokamoon
2011-12-29, 13:04
هل الإنسان مسير أم مخير؟
إذا كان الإنسان يشعر بان له قدرة على اختيار أفعاله ،فقد اعتقد الكثير من الفلاسفة منذ القديم أن الإنسان يتمتع بإرادة حرة ومطلقة وبالتالي فهو مسؤول عن أفعاله خيرها وشرها،بينما اتجه بعض الفلاسفة إلى أن إرادة الإنسان غير مطلقة نظرا لوجود قوانين وحتميات لا يمكن إنكارها تتحكم في السلوك الإنساني وتسيره وبالتالي فهو مجبر لا مخير،لذا فمسألة الحرية أحد أهم المشكلات التي طرحها الفلاسفة اليونانيون والمحدثين والمعاصرين ،بل أنها مثار جدال بين الفرق الإسلامية أيضا،وعليه نطرح السؤال التالي: هل الإنسان حر بصفة مطلقة أم انه مجبر في أفعاله؟

يرى أنصار الجبر أن الإنسان مجبر في أفعاله وليس له قدرة على الاختيار وهذا ما ذهبت أليه الفرقة الإسلامية الكلامية الجهمية لأن أفعال الناس مقدرة عليهم والله وأنه الفاعل القادر وخالق جميع أفعال عباده، والدليل على ذلك اختصاصه وحده دون المخلوقات بالقدرة فلا إرادة إلا لله فهو مالك الملك والقادر على كل شيء، أم الأفعال فتنسب إلى الإنسان مجازا فمثلما نقول تحركت الشمس ونمت الشجرة كذلك نقول تحرك عمرو أو سافر، حيث يقول جهم بن صفوان مؤسس الجهمية :إن الله خالق جميع الأفعال، فلا فعل لأحد سوى الله ويعتمدون في ذلك على أدلة نقلية منها: بعد بسم الله الرحمن الرحيم: «وان تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وان تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله» من سورة النساء، وهذا ما ذهب اله أنصار الحتمية وعلى رأسهم الفيلسوف باروخ سبينوزا الذي يقول أن الناس واهمون إذ يعتقدون أنفسهم أحرارا لأنهم يجهلون الأسباب التي تحكمهم ،فالقول بأن الإنسان حر في الواقع يتناقض مع وجود حتميات وقوانين ومن أبرز هذه الحتميات نجد الحتميات الطبيعة،فالإنسان كائن طبعي يخضع للقوانين الطبيعية منها البيولوجية كقوانين الوراثة مثلا وما أثبت العالم الأمريكي جون واطسون أن سلوك الإنسان خاضع لآلية منبه واستجابة،ومنها القوانين الفيزيائية حيث تتحكم في سلوك الإنسان عوامل طبيعية كالمناخ و الضغط الجوي والجاذبية،ويرى عالم الاجتماع إميل دوركايم أن سلوك الإنسان مرآة عاكسة لسلوك المجتمع حيث: «يقول إذا تكلم الضمير فينا فإن المجتمع يتكلم» لأن كل فرد خاضع لقوانين اجتماعية لا يستطيع مخالفتها أو الخروج عنها تتمثل في العادات والتقاليد والطقوس الدينية ،أما الطبيب سيجموند فرويد فقد أكد أن سلوك الإنسان خاضع لمجموعة من الميول والغرائز وعلى هذا الإنسان ليس حر بل مقيد.
ما ذهبت إليه فرقة الجهمية يتناقض مع وجود الحساب الجنة والنار،فإذا كانت الأفعال مقدرة فلما يحاسبنا الله في الآخرة؟ فموقفهم فيه تشكيك في عدل الله ودعوة إلى الخمول وإلغاء للمسؤولية،كما أن القول بوجود الحتميات ومعرفتها لا يتناقض مع القول أن الإنسان له إرادة وقدرة على تسخير الطبيعة في خدمته،فهو يتمتع بقدرة على التحرر منها عن طريق العلم العمل وهذا ما ذهب إليه الفيلسوف كارل ماركس،كما أن الإنسان متميز عن باقي الموجودات بالعقل والإرادة.
حيث ذهب فرقة المعتزلة وبعض الفلاسفة إلى أن الاسان حر حرية مطلقة لأتنه يتمتع بقدرة على اختيار أفعاله,كما أنه كائن عاقل يميز بين الخير والشر حيث يقول أبو الفتح الشهرستاني: «إن الإنسان يحس من نفسه وقوع الفعل حسب الدواعي والصوارف فإذا أراد الحركة تحرك وإذا أراد السكون سكن»، فالإنسان عندما يريد القيام بفعل يقوم به دون قيد أو شرط،وعندما يريد أن يمتنع عن الفعل يمتنع وهذا نما ذهب إليه أيضا الفيلسوف الفرنسي روني ديكارت إن الإنسان يشعرمن نفسه أنه حر لأنه كائن عاقل ويختار أفعاله، بل الحرية بديهية لا يمكن الشك فيها حيث يقول : «إننا متأكدون من الحرية فليس هناك شيء أوضح منها»، وهذا ما يؤكده الفيلسوف هنري بروغسون فالشعور كاف لإثبات الحرية،بل أن الحرية جوهر النفس وشرط لديمومتها،ويرى الألماني أمانويل كانط أن الشرير مسؤول عن أفعاله ويجب أن يعاقب لأنه هو الذي اختار هذا الفعل.
إن القول أن الإنسان يتمتع بإرادة مطلقة يتناقض مع الواقع المملوء بالقوانين والحتميات سواء طبيعية أو اجتماعية أو نفسية وبالتالي الإنسان إرادته محدودة.
لا يمكن إنكار وجود قوانين ولا يمكن إنكار أيضا إرادة الإنسان،حسب كارل ماركس وزميله أنجلز أن الإنسان له قدرة على التحرر،ومن جهة أخرى حاولت فرقة الشاعرة التوسط بين أنصار الجبر وأنصار الحرية بالقول أن الله خالق جميع الأفعال خيرها وشرها ،لكن لللانسان قدرة على كسب الأفعال فإما أن يختار الخير فيجازى أو يختار الشر فيعاقب،وبالتالي حرية الانسن ليست مطلقة بل نسبية
إن الحرية غاية كل إنسان ولتحقيق هذه الغاية لابد أن نتحرر من جميع أنواع القيود،ولا سبيل لتحقيق ذلك إلا من خلال العلم والعمل،والواقع يثبت ذلك فلولا تطور العلوم وتقدم الحضارة الإنسانية لما استطاع الإنسان اليوم السيطرة على الطبيعة.