مشاهدة النسخة كاملة : قصة أيامي ...مذكرات الشيخ كشك رحمه الله
محبة الحبيب
2011-12-23, 19:58
http://www.kazamiza.com/lopez/bsmsla/16.gif
رحمك الله تعالى يا من دافعت عن الاسلام طوال حياتك
ويكفيك شرفا موتك ساجدا بين يدي الله
هذه مذكرات
الشيخ عبد الحميد كشك و هو من أكثر الدعاة
والخطباء شعبية في الربع الأخير من القرن العشرين
فقد البصر و لم يفقد البصيرة
فقد لقي ربه وهو ساجد قبيل صلاة الجمعة في 6/12/1996وهو في الثالثة والستين من عمره رحمه الله رحمة واسعة
لن أعرفه أكثر من هذا و سأتركه يعرف بنفسه من خلال مذكراته
محبة الحبيب
2011-12-23, 20:36
ولدت ُ في العاشر من مارس ( آذار ) 1933 في بلدة شبراخيت إحدى مراكز محافظة البحيرة بجمهورية مصر العربية من أبوين ليسا من ذوي البسطة من المال ... وكان ترتيبي الثالث بين ستة من الأخوة ، ولدت سليمًا معافى من الأمراض وما إن بلغت السادسة من عمري حتى أصيبت عيناي برمد صديدي اختلفت بسببه إلى حلاق القرية وما زلت أذكر وأمّي تحملني إلى محل الحلاق حيث كان يعبث بمروده في عيني مما أدى إلى ضياع العين اليسرى ، وبقيت اليمنى وبها ضعف كأنها تشكو ضياع أختها فظللت بها أصارع شدائد الحياة حيث ذهبت إلى جمعية تحفيظ القرآن الكريم لأعوض عن نور البصر بنور من كتاب الله الكريم ، وكان والدي يعمل تاجرًا في محل صغير ، وأشهد أنه لم يكن من الذين يجدون ما ينفقون ، بل كان ممن يلهث وراء الحصول على لقمة العيش بشق الأنفس حيث أعباء الحياة ثقل بها كاهله .
وقد كان جدي لأبي من الذين يُحفظون القرآن لأبناء البلدة وتربى على يديه أناس تبوءوا مكانة كبيرة في علوم الإسلام ويوم مات جدي لم يترك درهما ولا دينارًا وإنما ترك لنا تقوى الله ، فكانت الأسرة المكونة من الوالدين وستة من الأولاد وجدة لأبي تعيش قانعة راضية سعيدة ، إذ ليست السعادة في الانتشاء بالكؤوس المترعة أو الاستمتاع بالغيد الأماليد ، إنما السعادة في الرضى حيث يقول الصادق المعصوم صلى الله عليه وسلم : ارض َ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس .
محبة الحبيب
2011-12-23, 20:45
يتبع................
فـاطمة الزهراء
2011-12-23, 22:00
تسجيل متابعه باذن الله
بارك الله فيكم ونفع بكم...
محبة الحبيب
2011-12-23, 23:50
-------------------محجوز---------------------------------
محبة الحبيب
2011-12-23, 23:58
عام حاسم
أقبل العام الدراسي الجديد , وانتقلت إلى السنة الخامسة من القسم الثانوي بالأزهر وهو يمثل إتمام الدراسة الثانوية واستقبلته بقلب مفتوح , وعقل يطلب المزيد من العلم ودعوت الله قائلا في أول العام :" رب اشرح لى صدري ويسر لى أمري" ولقد تلقينا العلم في هذا العام على أيدي أساتذة من أساطين الفكر والمعرفة كانوا جهابذة العلوم وعباقرة المعارف وما زلت أذكر منهم الشيخ مصطفى الحديدي الذي كان يدرس لنا علم تفسير القرآن العظيم . الذي بدأ العام بتفسير قوله تعالي : ( تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شئ قدير ) وبدأ يطرح الأسئلة التي كان لى نصيب كبير في الإجابة عنها مما جعله يسألني عن اسمي ومما أدي بعد ذلك إلى أن أقوم بإعادة الدرس بعد أن يلقيه ., وكان بعد إلقائي للدس يثني على ثناءه الفاضل " كامل شاهين " رحمه الله تعالي والذي كان يدرس لنا البلاغة والأدب , ولقد تعرفت عليه عندما ألقي علينا درسا في علم المعاني , وفي باب الفصل والوصل وعندما طلب منا أن يقوم أحدنا فيلخص الدرس فأجمع الإخوة على أن أقوم أنا , وكانت مفاجأة للأستاذ أن ينعقد هذا الإجماع على طالب ولكن زال العجب عندما ألقيت الدرس بتوفيق من الله مما جعله يسند إلىّ أبوابا في علم المعاني كنت ألقيها على الطلبة قبل أن يشرحها الأستاذ وكنت بعد إلقائها أترك له مقعد الأستاذية الذي كان يأبي إلا أن أجلس فيه , تواضعا منه وقد كان يخجلني بهاذ التواضع عندما يقول للطلبة مداعبا : أظنكم في حاجة إلى شرحي, وقد كانوا يجمعون على أنهم قد فهموا الدرس فهما جيدا . ولن أنسي فضيلة الشيخ " محمد يوسف " الذي كان يدرس لنا " النحو والصرف " دراسة جعلتني أعشق علوم العربية وأعتز بها . فارحم اللهم مشايخنا ووالدينا وأمواتنا وأموات المسلمين أجمعين , فقد أناروا لنا الطريق وسلكوا بنا مسالك المعرفة حتى صاروا جديرين بقوله صلي الله عليه وسلم " العلماء ورثة الأنبياء " . وبقوله الكريم ( تعلموا العلم وتعلموا للعلم السكينة وتواضعوا لمن تعلمون منه ).
قال الإمام الشافعي:
شكوت إلى وقيع سوء حفظي
فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نور
ونور الله لا يهدي لعاصي
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : " يؤتي بالعالم والعابد يوم القيامة فيقال للعابد ادخل الجنة , ويقال للعالم قف حتي تشفع فيمن أحسنت أدبهم ". وقال الصادق المعصوم " يشفع للناس ثلاثة : الأنبياء ثم العلماء ثم الشهد
محبة الحبيب
2011-12-24, 00:06
شدة أعقبها تيسير !!
لما أوشك العام الدراسي أن ينصرم, وكنت مضطرا أن أبحث عمن يذاكر معي في القاهرة وذلك لالتزامي بأداء خطبة الجمعة في مساجد القاهرة , جاءني طالب يسكن قريبا من مسكني وسألني هل ارتبطت مع أحد للمذاكرة ؟ قلت له : لا . قال : هل لديك مانع أن نذاكر معا فنحن متجاوران في المسكن. قلت له : لا مانع . قلتها وأنا متخوف لأنني قد وضعته تحت التجربة يوما فلم يكن على مستوي المسئولية , فقد قال لشقيقي ذات يوم سأصحب الشيخ ذهابا وإيابا هذا اليوم , فإن كان وراءك شئ فاقضه وصحبني في الذهاب إلى المعهد , ولكنه في العودة تركني حتى انصرف الطلاب وظللت واقفا وحدي لا أتحرك خشية أن أصطدم بشئ مرّ وقت طويل وأنا واقف أمام باب المعهد , وقد أمطرت السماء مطرا غزيرا , وسألت نفسي : أين المفر ؟ وساق الله إلىّ أستاذ ا كريما كان يدرس لنا " علم العقائد " وسألني برفق : ما أوقفك حتى الآن ؟ وأخبرته أن مرافقي لم يحضر , وسألني عن مسكني , وأصر على أن يصحبني حتى البيت , جزاه الله خيرا فإن من مشي في قضاء حجة أخيه فكأنما اعتكف في مسجد رسول الله صلي الله عليه وسلم عشر سنوات , واعتكاف يوم واحد في مسجد الكريم يباعد الله به عن النار ثلاثة خنادق , كل خندق أبعد مما بين السماء والأرض . هكذا كانت أخلاق علمائنا : أخذوا العلم مقرونا بالعمل فكانوا علماء عاملين وكانوا عابدين زاهدين , وكانوا أوفياء مخلصين درسوا لنا العلم على أنه رسالة , فأدوا هذه الرسالة بعيدا عن قيود الوظيفة , فكان خالصا لله , وقد تحلقوا بأخلاق الأنبياء عندما أعطوا الكثير ابتغاء ما عند من الخير الوفير. لقد صانوا العلم فصانهم الله , وأعزوه فأعزهم الله وعملوا به فرفعهم الله . لما عرض على ذلك الطالب أن يلازمني في المذاكرة, تذكرت موقفه هذا عندما وعدني بالحضور فأخلف , ولم يكن له عذر في ذلك الإخلاف فقد أخبرني بعض من يعرفه بأنه كان جالسا على مقهي يلعب النرد وإن كان هو قد كذب علىّ عندما قدم حجة واهية بأنه كان يشتري بعض الحاجات من الغورية . لكن ماذا أفعل وأنا كما يقول القائل :
إذا لم تكن إلا الأسنة مركبا
فلا يسع المضطر إلا ركوبها
وكما يقول المتنبي:
ومن نكد الدنيا على الحر أن يري
عدوا له ما من صداقته بد
محبة الحبيب
2011-12-24, 00:10
اتفقت أنا وهو على أن نذاكر يوما بمسكننا في دير الملاك ويوما في مسكنه بمنشية الصدر . وبدأنا ننفذ الجدول الذي رسمناه فقال لى : إن لدي فكرة سأطرحها عليك .
قلت خيرا إن شاء الله . قال : نقسم المواد قسمين : نبدأ القسم الأول بمذاكرة المواد التي تحتاج إلى شرح مثل : التفسير والتوحيد والنحو والصرف والبلاغة . أما المواد التي تحتاج إلى قراءة فنؤخرها إلى حين الفراغ من تلك المواد , وكان يقصد بهذه المواد الأخرى:
الحديث والفقه والأدب والتاريخ وفهمت من عضه هذا أن نبدأ بالمواد التي يحتاج فيها إلى شرح على أن يذاكر بعد ذلك المواد التي تحتاج إلى قراءته وحده وهذه المواد أحتاج إليها من حيث القراءة . لكنني غلبت حسن الظن بعد ما دعوت الله قائلا :" اللهم أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك وفوضت أمري إليك ". وبدأنا في مذاكرة المواد التي تحتاج إلى شرح . وفي الليلة التي فرغنا فيها من مذاكرتها وبينما هو يصحبني من بيته إلى بيتي وعندما اقتربنا من البيت وبعد أن انقضي على مذاكرتنا شهر كامل ولم يبق على الامتحان سوي عشرين يوما . فاجأني بقوله : " أحب أن أقول لك : أو أن أذاكر وحدي ".
وحدث ما كنت أتوقعه لكن الذي زاد الجراح ألما أنني لما سألته : ولماذا قررت أن تذاكر وحدك أجاب بكل افتراء : لأنني لم أستفد من مذاكرتنا معا !! قلت وأنا المغيظ المحنق : وكيف طوعت لك نفسك أن تضيع شهرا والامتحان على الأبواب ؟ وكيف تقول هذا أو تدعيه وأنا الذي كلما ذاكرنا درسا سألتك فيه , فتأتي إجابتك سديدة وصحيحة ؟! فلم يحر جوابا . علمت أنه لا جدوى في الكلام . فقلت : حسبي الله ونعم الوكيل !! والحق أنني على خير فعلته ؟ والصادق المعصوم يقول :" اصنع المعروف في أهله وفي غير أهله فإن صادف أهله فهو أهله وإن لم يصادف أهله فأنت أهله ".
ازرع جميلا ولو في غير موضعه
فلن يضيع جميل أينما زرع
إن الجميل وإن طال الزمان به
فليس يحصده إلا الذي زرع
محبة الحبيب
2011-12-24, 00:14
أشهد أنني دخلت البيت حزينا أغدو , وأروح كالطير يمشي من الألم وهو مذبوح ومضت هذه الليلة ثقيلة وئيدة , لولا ما كان يكتنفها من دعوات أتوجه بها إلى الله أستغيث به في كشف الضر , فهو الذي وحد يجير المضطر إذا دعاه ويكشف السوء . وطلع النهار فجلست في فكر وحزن وسألتني أمي : ما يحزنك ؟ وأخبرتها بما حدث , فقالت لى بلسان اليقين ومنطق الحق المبين : لا تحزن فإن الله سيزيل هذا الكرب , ودعت لى بدعوات صادفت ساعة الإجابة وما هي إلا لحظات وطرق الباب طارق , وقلت : من ؟ قال أنا عبد المنعم , وكأني عثرت على هدفي الذي كنت أنشده , إن عبد المنعم هذا كان زميلا لى وجلسنا سويا في لحظة صمت قطعه بسؤال : هل أنت مرتبط بأحد في المذاكرة ؟ قلت لا . قال : فهل لديك من مانع من مذكراتنا معا ؟ قلت : لا . قال : على بركة الله وقطعنا الأيام العشرين نصل الليل بالنهار حتي أدينا ما علينا والله لا يضيع أجر من أحسن عملا .
وهكذا مرت الشدة عندما جاء التيسير :
ولرب نازلة يضيق بها الفتي ذرعا
وعند الله منها المخرج ضاقت
فلما استحكمت حلقاتها فرجت
وكنت أظنها لا تفرج
محبة الحبيب
2011-12-24, 00:19
في يوم الامتحان
في صبيحة هذا اليوم صحبني شقيقي عبد الستار إلى لجنة الامتحان بالمعهد , وكان الامتحان شفويا للمكفوفين , وكانت اللجنة مكونة من أعضاء ليسوا من العاملين بمعهد القاهرة إنما جاءوا من معاهد أخري لأنها شهادة , وبدأنا الامتحان بالتفسير فكانت فاتحة خير, فقد أعجب الشيوخ بإجابتي في تفسير كتاب الله حتى قام أحدهم يدعو أعضاء اللجان الأخري ويقول لهم : تعالوا لتسمعوا العلم من منابعه الصافية , كنت ساعتها قد أفاض الله علىّ في آيات من سورة الملك.
وانتقلنا من التفسير إلى غيره من المواد وبينما نحن في هذا الصفاء العلمي , وذلك السمو الروحي , وفي جو اتسم بدفء اليقين بينما نحن كذلك , إذ دخل علينا شيخ المعهد , وأراد أن يلقي طرفه يمزح بها مع اللجنة لكنها يا للأسف كانت فظاظة في القول . فقد جرحني في أمر لا يدلي فيه . إذ قال : ماذا فعل هذا الأعمي معكم ؟ وعلى الفور رأيتني كالطير الجريح بل الذبيح , فإن هذه الكلمة لا أطيق سماعها وقد أمرنا الله تعالي أن نتأدب مع خلقه خاصة فيما خلق الله , على سبيل الفور قلت له : وهل أنت الذي أبصرت نفسك , فإنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور . وحضرني في ذلك قول ابن عباس رضي الله عنه وقد كف بصره :
إن أذهب الله من عيني نورهما ففي فؤادي عقلي منهما نور عقلي ذكي وقلبي ما حوي دخلا وفي فمي صارم كالسيف مشهور
محبة الحبيب
2011-12-24, 00:22
نعم إن الإنسان لا يقاس بالبصر ولا بسلامة الأعين , وإلا فقد خلق الله الحمار أوسع المخلوقات عينا , لقد كان سعد بن ابي وقاص رجلا مجاب الدعوة ولكنه لما فقد بصره على كبر قال له أبناؤه : سل الله أن يرد عليك بصرك فأنت مجاب الدعوة فقال بلسان اليقين ومنطق الحق المبين : استحي من الله أن أسأله ذلك ولكني أسأله أن يدخر لى ذلك عنده في الآخرة إن الله إذا ابتلي عبده بفقد حبيبتيه أى عينيه فصبر لم يجد له جزاء غلا الجنة .
يعيرني الأعداء والعيب فيهم وليس بعيب أن يقال ضرير إذا أبصر المرء المروءة والوفا فإن عمي العينين ليس يضير رايتا لعمي أجرا وذخرا وعصمة وإني إلى تلك الثلاث فقير ( وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ) وقد يكون الخير كامنا في الشر . لقد سألني أحد أعضاء اللجنة : لماذا استأت من هذه الكلمة ؟ وسألني سؤالا عقب به على هذه الكلمة فقال : أتحب إن تكون مبصر العينين عاصيا لله ؟ أم مكفوف البصر طائعا لله ؟ وأجبت عن هذا السؤال إجابة ضافية وافية نابعة من يقين صادق وعقيدة راسخة قلت : إن قضاء الله لا يقابل بغير التسليم وليس له عدة سوي الصبر الجميل وإن طاعة الله لا يعدلها شئ في الأرض ولا في السماء فالعز كل العز في طاعته والذل كل الذل في معصيته واستشهدت بقوله جل شأنه: ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم ) ولم يقل تعالى : " يهديهم بأبصارهم " بل إن هناك قوما قال الله تعالي في شأنهم ( ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ) .
محبة الحبيب
2011-12-24, 00:25
وذكرت في ذلك المقام قول رسول الله صلي الله عليه وسلم :" اتق المحارم تكن أعبد الناس , وارض بما قسمه الله لك تكن أغني الناس , وذكرت أيضا قول الحسن البصري رضي الله عنه وقد سئل أى الأيام عندك عيد ؟ فقال :" كل يوم لا أعصي الله فيه فهو عيد "
إذا المرء لم يلبس ثيابا من التقي تقلب عريانا ولو كان كاسيا وخير لباس المرء طاعة ربه ولا خير فيمن كان لله عاصيا قال عضو اللجنة تعقيبا على هذا الكلام اكتفينا بهذا السؤال في علم التوحيد .
وتسلسلت الأسئلة بعد ذلك في بقية العلوم وتبعتها الأجوبة وتحولت كلمة شيخ المعهد من ملح أجاج إلى عب فرات سلسبيل ومن ليمونة ملحة إلى شراب حلو لذيذ وفرغت من الامتحان وكانت ساعة طيبة يوم أخبرني أخي بظهور النتيجة ,قد أكرمني ربي عندما منّ على بالتفوق فكان ترتيبي الأول على طلبة الشهادة الثانوية حيث حصلت على نسبة مئوية تقدر بتسعة وتسعين
محبة الحبيب
2011-12-24, 00:28
في كلية أصول الدين
استخرت الله تعالي وقدمت أوراقي في كلية أصول الدين فقد اقتنعت بها , إذ أنها تحتوي على زاد عظيم لكل داعية إلى الله فقد اشتملت على التفسير والحديث والعقيدة والفلسفة وعلم النفس والتاريخ واللغة العربية وإحدي اللغات الأجنبية .
وأقبلت الدراسة وأقبلت عليها بقبول حسن ونفسي راضية لكن كان يكدر علىّ هذا الصفو , ذلك الشبح الرهيب الذي عانيت منه من قبل , وهو البحث عن صديق أقيم معه في الحي الذي به الكلية , فإن الصديق محمد الطوخي الذي كنت أقيم معه حتى انتهاء المرحلة الثانوية قد التحق بكلية اللغة العربية وكان بين مسكني بدير الملاك وكلية أصول الدين بالخازندار بشبرا مسافة بعيدة تستغرق مني ساعة ذهابا وساعة إيابا فمن لى بهذا العمل المرير بالإضافة إلى مرافق يذاكر لي. لقد أخذنا نجد في البحث عن هذا الصديق الذي سألزمه في ذهابي وإيابي ومذاكرتي . وأذكر أنني رأيت وجوها كان لي بها سابق عهد في " معهد الاسكندرية منهم من قد سبقني بعامين ومنهم من سبقني بعام , ومنهم من صار معي , كما اذكر أن الكثير منهم كأن لم يكن بيني وبينه مودة من قبل .
مهما يكن من أمر فقد عثرت على زميل بعد جهد جهيد , واتفق معه شقيقي على أن نقيم سويا بغرفة بحي شبرا قريبة من الكلية وتنفست الصعداء , وذهبنا نتفقد حال الغرفة ومهما كان فيها من سوء فقد كان يشترك معنا ثلاث أسر في ثلاث غرف أخري بالإضافة إلى دورة المياه وما تعانيه من ضغوط سحيقة لكن كل هذا يهون أمام صعاب أخري ولابد من دون الشهد من إبر النحل :
ومن تكن العلياء همه نفسه
فكل الذي يلقاه فيها محبب
محبة الحبيب
2011-12-24, 00:31
لكنني كانت المفاجأة من هذا الزميل مريرة مرارة تفوق الحنظل لقد افترشت الأرض بفراش يحول بيني وبين برودة بلاطها وذهب الزميل فأحضر الغداء وعندما أرخي الليل سدوله قال لى الزميل : أريد أن اشترط عليك وأبين لك كيف تكون معاملتي لك قلت له : قل ما تشاء أسمع . قال : أولا : تشتري الكتب على حسابك مقابل قراءتي لك قلت له : موافق – وذلك على الرغم من ضيق ذات اليد – ثانيا : لا ترتبط بوجودي معك في الغرفة طول الوقت فقد أخرج ولا أعود إلا منتصف الليل . قلت له ثم ماذا ؟ وكانت ثالثة الأسافي أنه قال : ولا ترتبط بي في الذهاب إلى الكلية . قلت : ما معني هذا ؟ وأنا ما جئت معك إلا من أجل الذهاب إلى الكلية ؟ قال : إن شئت فاذهب وحدك أو استعن بأحد غيري . وذكرني كلامه هذا وخاصة الشرط الثالث ذكرني بطرفة :
قال القائد للجندي : لماذا لم تطلق النار على العدو عندما مر بك ؟ قال : منعني من ذلك واحد وعشرون سببا . قال : اذكرها قال : أما السبب الأول : فهو أنني لم يكن معي ذخيرة . قال له القائد : كفي . فماذا بعد ذلك من أسباب تذكر
محبة الحبيب
2011-12-24, 00:35
يتبع.....................
محبة الحبيب
2011-12-24, 10:23
كفي بهذا السبب وهذا الزميل يكفي أنه قال لى : إن شئت فأذهب إلى الكلية وحدك أو استعن بغيري... مكثت مع هذا الزميل من يوم الاثنين إلى يوم الخميس . مرت ساعات هذه الأيام وئيدة ثقيلة بطيئة , كأنها سلسلة من الجبال الرواسخ , فقد نفذ مخططه فكان يتركني وحدي أعاني ألم الوحدة وعدم المذاكرة بالإضافة إلى شريط من ذكريات مضت , كان يخرج من بعد انتهاء اليوم الدراسي فلا يعود إلا في الهزيع الأخير من الليل وهكذا حتى كنت أسأل الله أن يحول بيني وبينه ولو كانت الدراسة في هذه الكلية سترفعني إلى ما فوق قبة الفلك , وجاءني شقيقي " عبد الستار " يوم الخميس ليصحبني إلى مسكننا بدير الملاك حيث كنت أقضي ليلتي الجمعة والسبت وأذهب في صبيحة يوم السبت إلى الكلية فكنت أصلي المغرب والعشاء يوم الخميس في أحد مساجد الجمعية الشرعية حيث ألقي الدرس بعد المغرب ثم اخطب الجمعة , ثم أذهب يوم السبت إلى الكلية , وسألني أخي : كيف الحال مع هذا الزميل ؟ وأخبرته بأن الاستمرار معه ضرب من ضروب المحال . فكان لابد من البحث عن زميل آخر . لكنني أذكر أن هذه الأيام الأربعة التي قضيتها معه لقنتني درسا في الحياة لا أنساه وأعطتني موضوعا لخطبة الجمعة أذكر أنني ما خطبت خطبة أشد تأثيرا من تلك الخطبة كان موضوعها :" قد يكون الطلاق نعمة " فقد افترضت لو أن ما كان بيني وعقد زواج مؤبد لا طلاق فيه كيف سيكون العيش ؟ وإلى أى نهاية تنتهي الحياة ؟ وبينت حكمة الله في مشروعية الطلاق في الإسلام وإن كان أبغض الحلال , وبينت عظمة الله في تشريع الأحكام , وكيف قال سبحانه ( واذكروا نعمة الله عليكم ) و كيف جاء هذا القول الكريم في آية من آيات الطلاق قال الله فيها : ( وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فامسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ولا تتخذوا آيات الله هزوا واذكروا نعمة الله عليكم ) . نعم. ما من شئ شرعه الله إلا وله حكمة بالغة وإن خفيت عن بعض الناس إلا أنها كامنة في أحكام الله .
كم من نعمة لا يستقل بشكرها له في طي المكاره كامنة نعم :
قد ينعم الله بالبلوي وإن عظمت
ويبتلي الله بعض الناس بالنعم
حقا إن هذه الأيام الأربعة التي قضيتها مع هذا الزميل لقنتني درسا في الإسلام مفاده أن الله تعالي شرع الطلاق ليكون دواء لداء استعصي علاجه , واستعمال الدواء في غير الداء خطأ وترك الداء بلا دواء خطيئة . فما أعظم الإسلام إذا شخص الداء !! وما أروعه إذا وصف الدواء !!
محبة الحبيب
2011-12-24, 10:30
صديق آخر
ليس من السهل العثور على صديق صدوق , فإذا رزقته فقد اصطفاك مقسم الأرزاق . قيل لحكيم أيهما أفضل لديك أخوك أم صديقك ؟ فقال : أخي إذا كان صديقي .
نعم : إن المعيار الحقيقي للصداقة الشدائد حتى قال أحدهم :
إن أخاك الحق من كان معك ومن يضر نفسه لينفعك ومن إذ ريب الزمان صدعك شتت فيك شمله ليجمعك وصديقك هو من يصدقك لا من يصدقك , كما أن صديقك من يبصرك بعيبك . كان عمر رضي الله عنه يقول :" رحم الله أمرا أهدي إلىّ عيوبي " وكان عمر بن عبد العزيز يقول لصديق له اسمه عمر بن مهاجر :" يا عمر إذا رأيتني ضللت الطريق فخذ بمجامع ثوبي وهزني وقل لي : اتق الله يا عمر فإنك ستموت " ولن تستقيم الحياة بدون صديق فقد قال علماء الاجتماع : الإنسان مدني بطبعه .
سمع رسول الله صلي الله عليه وسلم على بن أبي طالب يدعو الله ويقول : اللهم أغنني عن خلقك فقال له : بل قل : اللهم أغنني عن شرار خلقك , أتدري ما شرار الخلق ؟ قال : لا يا رسول الله. قال : الذين إذا أعطوا منوا وإذا منعوا سخطوا . تلك ملامح لشخصية الصديق ولقد رزقني الله بعد البحث الطويل بأخ كان زميلا لى في المرحلة الثانوية واتفقنا على أن نقيم سويا في مسكن كان قد استأجره قريبا من الكلية . كان هذا الصديق ثريا لذا كان يهتم كثيرا بمأكله وملبسه ولو أدي ذلك إلى ضياع الوقت الذي كنت في مسيس الحاجة إلى أن أقضيه في المذاكرة فكنا مثلا نخرج من الكلية في الواحدة و النصف بعد الظهر فيضيع منا نصف ساعة في شراء طعام الغداء , ثم يبدأ في طهي الطعام فينتهي منه بعد العصر ثم نفرغ من تناول الطعام وقد أوشك المغرب في يوم الشتاء أن يؤذن فماذا بعد الأكل الذي يمتاز بالدسم إلا أن يغزو النوم الجفون .
وظلت الحال على هذا المنوال : أكل فنوم فيقظة لنتناول أكوابا من الشاي ثم نفتح الكتب لنذاكر فيستأذن صاحبنا لقضاء بعض حوائجه فلا ينتظم عقد المذاكرة أكثر من نصف ساعة ثم يحضر صاحبنا وقد حمل طعام العشاء وبعد العشاء يأتي النوم في ليالي الشتاء الباردة عندما يسري الدفء في الأوصال
محبة الحبيب
2011-12-24, 10:35
وانتصف العام الدراسي وسألت الله أن ينقذ الموقف فما جئت وما سعيت إلى هذه السكنى آكلا أو نائما , إنما كان الهدف الرئيس : المذاكرة وتحصيل العلم فانضم إلينا صديق آخر كان من أقصي الصعيد وكان محبا للعلم فكان سروري به عظيما فقد تجاوبت نفوسنا وعكفنا على تحصيل العلم وكانت النتيجة خيرا ظللت مع هذا الصديق حتي السنة النهائية في كلية أصول الدين فاضطررت أن ابحث عن صديق يكون أكثر مذاكرة فقد فارقنا الطالب الصعيدي إلى زملاء آخرين . أذكر وأنا في السنة الثالثة أن كان يدرس لنا الفلسفة الشيخ عبد الحليم محمود "رحمه الله تعالي , وكان مقررا علينا الفلسفة الهندية وفيها باب عن تناسخ الأرواح وعقيدة الهنود في التناسخ , وحدث أن الشيخ طرح علينا هذا السؤال : من منكم يستطيع في الحصة القادمة أن يشرح باب التناسخ ؟ وكان ذلك من قبل أن يتحدث فيه وأشار الطلاب عليه أن أقوم أنا بشرح هذا الباب . ولم تكن تلك المهمة سهلة , وكان بيني وبين إلقاء تلك المحاضرة ثلاثة أيام , حاولت خلالها أن أستعين بأحد الشيوخ في شرح بعض الغوامض , وذهبت إليه في بيته , فلم يكن موجودا , أيقنت وقتها أنه لا مناص من أن أقرأ الموضوع مرة ومرة مستعينا بالله تعالي وحده , فهو الذي دعاه نبيه موسي بتلك الدعوة : ( رب اشرح لي صدري ويسر لى أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي ) ومن المعلوم الثبوت أن العبد إذا عمل بما علم ورثة الله علم ما لم يكن يعلم وأن طاعة الله تورث العبد معرفة ونورا وفرقانا يهديه سواء السبيل .. ذكر العلامة " ابن سينا" أنه كان يقرأ مسألة في احدى كتب الرياضة فأعجزته وتعسر عليه حلها فطوي الكتاب قال :" وذهبت إلى المسجد لأصلي العصر فلما فرغت من الصلاة وجدت بباب المسجد وراقا يبيع الكتب فقدم لى كتاب يبيعني إياه ولم أكن في حاجة إلى شرائه , ولكنه قال لى : يا سيدي إني في حاجة إلى ثمن هذا الكتاب لأشتري به طعاما فاشتريته لا يقصد قراءته , إنما لسد حاجة بائعه , ولما جلست أما الكتب فتحت هذا الكتاب فإذا هو نفس الكتاب الذي أعجزني مسألته الرياضية لكني لما قرأته فتح الله على! فيه مما كان مستعصيا علىّ من قبل فعلمت أن أفعال الخير تفتح كنوز المعرفة فما أجمل ما قاله رب العزة ( يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ) وما أعظم ما قاله مولانا جل ذكره : (ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا ) .
لقد استعنت بالله تعالي وألقيت المحاضرة التي كانت تدور حول تناسخ الأرواح في الفلسفة الهندية وأثبت بطلانها في ضوء الشريعة الاسلامة , كما أثبت بطلان تحضير الأرواح مستندا إلى قوله جل شأنه متحدثا عن الروح : ( فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون ونحن اقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين).
محبة الحبيب
2011-12-24, 10:40
هذا أسلوب عربي مبين يتحدي الله تعالي به البشرية جمعاء أن ترجع الروح بعد خروجها , فكيف يدعي بعض المفترين على الله كذبا أنهم يستطيعون تحضيرها في سلة من السلال والله جل ذكره فصل منازلها بعد خروجها فقال : ( فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم وأما إن كان من أصحاب اليمين فسلام لك من أصحاب اليمين وأما إن كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم وتصلية جحيم ) .. ثم أكد هذا كله بقوله : ( إن هذا لهو حق اليقين فسبح باسم ربك العظيم ) وكيف يستطيع أحد أن يحضرها من عالم البرزخ والله تعالي يقول : ( ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون ) والبرزخ هنا هو الحاجز الزمني وقد جعله الله هكذا إلى يم البعض وكيف يستطيع أحد أن يخرجها من نعيمها والله تعالي يقول : ( لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين ) وكيف يستطيع أحد أن يخرجها من عذابها والله جل شأنه يقول : ( يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم ) لقد ضلت الفلسفة الهندية ضلالا بعيدا عندما اعتقدت بتناسخ الأرواح وخاضت غمار معركة لا تملك سلاحها . وهل هناك أزمة في الأرواح حتي تحل الروح التي خرجت من إنسان في جسد طفل وليدا ؟! وهل بلغ من لعبث بالأمور الغيبية أن الروح إذا كان صاحبها شقيا حلت في جسد كلب أو حيوان شقي ؟! سبحانك ربي يا من قلت ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) وهل اطلعوا على الغيب فعلموا أن عدد الموتي يساوي عدد المواليد حتى تخرج الأرواح من أجسام فتحل في أجسام أخري مساوية لها في العدد ثم ماذا يقولون في الحروب وقد يبلغ عدد القتلي مئات الألوف بل عشرات الملايين كما حدث في الحربين العالميتين أين تذهب هذه الأرواح إذا لم تجد أجساما مساوية لها في العدد ؟! إن هذا هو الفرق بين الفيلسوف وعالم الدين فالفيلسوف يتبع في بحثه عقله وهواه , ورجل الدين يتبع في بحثه وحي الله وهداه , إن محيط ما وراء الطبيعة أعنف من أن يمخر عبابه سباح ماهر , لذا أرادوا أن يضربوا مثلا للفيلسوف وعالم الدين فجاء المثل في صورة بحر بخصم فيه معترك من الأمواج تمزقه رياح هوج والفيلسوف يعبره على بحر من الخشب وعالم الدين يعبره في سفينة منيعة فأى الفريقين أحق بالأمن ؟.
لقد ذكرت كل هذا الكلام في محاضرتي التي ألقيتها على إخواني الطلبة وكان يقف بجانبي الشيخ عبد الحليم محمود رحمه الله . وما أن فرغت من إلقائها حتى كان ثناء الرجل علىّ قد أخجل تواضعي.
محبة الحبيب
2011-12-24, 10:41
يتبع................
عبدالله 25
2011-12-24, 11:11
شكرا اختى املك نسخة من هذا الكتاب و قد اكل عليها الدهر وشرب لكنها اكثر ما اطالع من الكتب بل انه الكتاب المفضل عندي بعد كتاب الله الكريم
الباديسي
2011-12-24, 11:14
رحمك الله تعالى يا من دافعت عن الاسلام طوال حياتك
ويكفيك شرفا موتك ساجدا بين يدي الله
بارك الله فيك
محبة الحبيب
2011-12-24, 20:07
موقف عجيب
حدث هذا الموقف وأنا في السنة الثالثة من كلية أصول الدين ومع ذلك الصديق الذي كان كريم الأخلاق قليل المذاكرة فقد انصرف الطلاب كعاداتهم قبل الامتحان بشهر ونصف أو يزيد , كل إلى بلده ليعكف على مذاكرة المواد التي سيدخل فيها الامتحان وانصرف صديقي هذا إلى بلده ولم أكن معه وذلك لأنه لم يوجه إلىّ الدعوة بالذهاب معه كما يفعل الأخ محمد الطوخي كما أنني لم أكن راغبا في ذلك نظرا لقلة مذاكرته. ثم لأنني مرتبط بخطبة الجمعة في مساجد القاهرة التابعة للجمعية الشرعية كل هذه الأسباب جعلتني لا أفكر في السفر , وقد تعجب إذا ما قلت لك إن الذي كان يذاكر معي شاب يعمل بائعا للخضروات في سوق قريب من المسجد الذي كنت ألقي فيه دروس المساء يوم الخميس من كل أسبوع وكان يصحبني من بيتي إلى المسجد بصفة منتظمة لكنني فوجئت بصديقي هذا قبل الامتحان بعشرين يوما قد مر بي في مسكني بدير الملاك وعرض عليّ أن نذهب معا إلى المسكن الذي كان يجاوز الكلية بشبرا حتى نذاكر سويا إلى أن يأتي الامتحان ووافقت لكن على وجل , فإن الامتحان يوشك أن يطرق الأبواب وأخشي ألا نذاكر كما هي العادة بل أنسب ما ذاكرت . وأنا دائما في أموري أسلم الأمر لله وأنا واثق من أن الله تعالي يفعل ما يشاء ويختار وكل فعله خير .
ما مسني قدر بكره أو رضا
إلا اهتديت به إليك طريقا
امض القضاء على الرضا مني
به إني عرفتك في البلاء رفيقا
محبة الحبيب
2011-12-24, 20:13
وكان ما توقعته ففي طريقنا إلى شبرا مر صديقي بأحد المطاعم فاشتري ما يسمي بعجينة الطعمية , ثم ذهبنا إلى المسكن فقام بتخريط بصل كثيف أضافه إلى العجينة ثم أضاف إليها بعض البيض وصنع من ذلك الخليط أقراصا من أكل منها قرصا لا يفيق يومه , وشعرت كأني دخلت في دوامة عنيفة وتناولنا طعام الغداء من هذه الأقراص وعزا النوم الجفون فنام كل منا في مكانه لا يبدي حراكا وما أن استيقظت حتى شعرت بضياع الوقت فاستأذنته أن يعيدني إلى مسكني بدير الملاك , وعدت إلى مسكني هناك , واستأذن هو ليذاكر بقية الأيام وحده وأرسلت إلى " عبد العظيم " بائع الخضار " وكان شابا صالحا يحفظ القرآن عن ظهر قلب وشعرت كأن القرآن بالنسبة إلىّ في حاجة إلى مذاكرة ومدارسة كما أخبرنا الرسول صلي الله عليه وسلم في قوله : " مثل صاحب القرآن كمثل الإبل المعقلة إن عاهد عليها أمسكها وإن أطلقها ذهبت " وكما أخبر في قوله " تعاهدوا القرآن فإنه وحشي ".
وكأني كنت أنظر من بعيد لأري ماذا كان سيحدث لو لم أتفرغ في هذه الأيام لقراءة القرآن حفظا وتسميعا. وقد كان ما أراده الله خيرا فكنا نقضي الساعات في حفظ القرآن حفظا جيدا وجاء الامتحان وجلست أمام لجنة كان على رأسها عالم صالح هو الشيخ " إبراهيم زيدان " رحمه الله تعالي . وبعد أن سألني عن اسمي قال لى : أتحفظ من القرآن ؟ قلت نعم . قال : إن كنت تحفظه حفظا جيدا فإنه سيشفع لك في كل العلوم التي سأمتحنك فيها وإن كنت لا تحفظه فلن تشفع لك المواد بعد ذلك . ونزلت هذه الكلمات على نفسي منزل السكينة وبدأ الشيخ يسأل أسئلة في حفظ القرآن لا يجيب عنها إلا ذو حفظ عظيم وكثير ما سأل في سورة الأعراف والتوبة ويونس وهود وكان من فضل الله تعالي علىّ أن شرح صدري ويسر أمري وحل عقدة من لساني فانسابت آيات القرآن كما ينساب الماء من قمم الجبال فسر الشيخ بذلك سرورا عظيما , فمر بالمواد بعد ذلك مرور النسيم وقت السحر فقد أخبرني بعد ذلك قائلا , لقد شفع لك القرآن في امتحان الدنيا وأرجو أن يشفع لك في امتحان الآخرة
محبة الحبيب
2011-12-24, 20:14
يتبع...............
محبة الحبيب
2011-12-29, 16:29
شهر رمضان
كان لرمضان ولا يزال وسيظل له وقع طيب في نفسي ونفس كل مسلم إلا أنني أذكر هنا ما كان لرمضان في نفسي من أثر وأنا طالب : كنت أخرج من مسكني بدير الملاك في الثامنة صباحا متجها مع مرافقي إلى أصول الدين بشبرا سيرا على الأقدام فأصل في التاسعة إلا ربعا حيث تبدأ الدراسة في التاسعة . وفي الواحدة والنصف من بعد الظهر كنت أعود لا إلى مسكني إنما إلى بيت الله تعالي في حي الشرابية في مسجد يسمي المنوفي .
ولهذا المسجد ذكريات طيبة في نفسي فقد كنت فيه أدعو إلى الله تعالي على بصيرة من عام 1954 إلى عينت بوزارة الأوقاف بعد تخرجي عام 1962 . وما زلت أذكر أنني قضيت في هذا الحي سنين كانت أفضل أيام حياتي في الدعوة فقد كان أهله رجالا والرجال قليل ,كانوا كراما طيبيين وما زلت أذكر أول جمعة خطبيتها في هذا المسجد المبارك وكانت في موسم الحج , ومن عادتي في الخطابة أنني أقدم بمقدمة تشد السامع شدا قويا مؤثرا حتى أوقظ الوسنان وأنبه الغافل ويكون ذلك بمثابة استحضار للشعور فإن هناك من يجلس معي بجسمه وقلبه كما قال شوقي : لقد أنلتك أذنا غير واعية ورب مستمع والقلب في صمم
محبة الحبيب
2011-12-29, 16:31
أذكر أنني بدأت هذه الخطبة وكانت في موسم الحج وبدأتها بأعرابي سأل رسول الله صلي الله عليه وسلم أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه ؟ وإذا بسفير الأنبياء وكبير أمناء وحي السماء يجوب الآفاق ويطوي بأجنحته السبع الطباق بقوله جل شأنه ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان) ثم أخذت في تفسير هذه الآية وبينت ما فيها من أسرار بلاغية وقضايا تتعلق بالعقيدة لا أجد بأسا من الإشارة إليها فهذه الآية " آية الدعاء " جاءت بين آيات الصيام لما لها من ضياء يشع في هذا المجال , فإن للصائم دعوة ما ترد . والله تعالي حكمة بالغة في أن يقول ( فإني قريب ) بينما نحن إذا استعرضنا الأسئلة الموجهة إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم وجدنا أن الله تعالي يلقنه الإجابة فيقول له : ( قل) وإليك هذه النماذج من الأسئلة : قال تعالي ( يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين ) الخ الآية ( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ) الآية, ( ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو ... ) الآية ( ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير ... ) الآية ( ويسألونك عن المحيض قل هو أذى ... ) الآية , ( ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا) الآية ( يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله ) الآية .
فهذه الأسئلة التي وجهت إلى الصادق المعصوم جاءت الإجابة مقترنة بلفظ قل .
أما هذه الآية الكريمة" أية الدعاء , فقد تجردت من من لفظ قل وجاءت الإجابة مباشرة من الله تعالي بلفظ ( فإني قريب ) وهذا باب عظيم من أبواب العقيدة يفيد يقينا أنه لا واسطة بين العبد وربه , بل كما قال جل شإنه ( ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه "ونحن العناية الإلهية " إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله ".
يا صاحب الهم إن الهم منفرج
أبشر بخير فإن الفارج الله
اليأس يقطع أحيانا بصاحبه
لا تيأسن فإن فإن الكافي الله
إذا بليت فثق بالله وارض به
إن الذي يكشف البلوي هو الله
الله يحدث بعد العسر ميسرة
لا تجز عن فإن الصانع الله
والله مالك غير الله من أحد
فحسبك الله في كل لك الله
محبة الحبيب
2011-12-30, 22:38
ثم تحدثت بعد ذلك عن السر في قوله تعالي : ( إذا دعان) فالمعلوم أن قوله تعالي ( أجيب دعوة الداع ) يفيد أنه سيدعو, فما السر في قوله تعالي ( إذا دعان ) نعم إن هناك سرا عظيما في التعقيب بهذه العبارة ذلك أن قوله تعالي : ( إذا دعان ) يفيد إذا دعاني أنا لا غيري ولولا ذلك لقال : " إذا دعا" . ثم إن قوله تعالي ( إذا دعان ) يفيد معني قوله جل شأنه في الحديث القدسي الجليل ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل عملا أشرك فيه غير تركته وشريكه ) .
وفي قوله تعالي : ( إذا دعان ) يفيد معني الظرفية الزمنية في " إذا " أى أنه سبحانه يستجيب الدعاء وقت الدعاء . ثم إن التعقيب بقوله جل شأنه ( فليستجيبوا لى ويؤمنوا بي ) جاء في غاية الدقة لمناسبته لقوله جل شإنه ( فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان) أى كما أجبتم فليستجيبوا لي ".
وبعد أن فرغت من إلقاء هذه الخطبة كانت حفاوة المصلين بي قد أخجلت تواضعي فهذا أول لقاء لى بهم وأشهد أنني قضيت في المسجد سنين عددا , وكانت فيه نفحات مباركة , وكان من فضل الله على أن هذا المسجد لما ضاق بالرواد بنيناه أربعة أدوار , وكان لا غني عن الصلاة في الشوارع المحيطة به يوم الجمعة , وكانت نفحات هذا المسجد تتجلي أكثر وأكثر في رمضان . فكنت إذا فرغت من الدراسة في الكلية أعود إلى هذا المسجد قبيل العصر في رمضان وبعد صلاة العصر أجلس بين المصلين فألقي الدرس اليومي من بعد صلاة العصر إلى اصفرار الشمس , وأذكر ذات يوم في رمضان أن تكاثرت أسئلة المصلين أثناء الدرس فاستمعت إليهم جميعا وكانت تزيد عن العشرين سؤالا . ومن بركات هذا المسجد أنني أجبت عنها جميعا سؤالا سؤالا وبالترتيب كأني أمام إحدي لجان الامتحان . ثم نذهب بعد الدرس نتناول طعام الإفطار على موائد الكرم عند إخوان امتلأت قلوبهم بحب الله ورسوله , وهل الإيمان إلا الحب في الله ؟ وبعد أن أصلي المغرب أتوجه إلى كوبري القبة لأدرك صلاة العشاء في مسجد هناك كانت تغشانا في ه الرحمات وتنزل علينا السكينة وتحفنا الملائكة عسي الله تعالي أن يذكرنا في ملأ خير منا ..
كنت أصلي العشاء والقيام وأقرأ في القيام جزءا كاملا كل ليلة ويتخلل صلاة القيام درس من العلم يستمر نصف ساعة . كان يؤم هذا المسجد شباب طاهر من طلبة الجامعة ومراحل التعليم المختلفة إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا . كما كان يحفه شيوخ بررة تعرف في وجوههم نضرة النعيم لقد أسس هذا المسجد على تقوي من الله ورضوان . قام على تأسيسه رجل طيب القلب هو " الحاج على سلامه" وحمل هذا المسجد اسمه أسأل الله أن يثيبه عليه ويسكنه فسيح جناته .
كنت أعود بعد صلاة القيام إلى مسكني بدير الملاك وقد أوشك ليل القاهرة أن ينتصف وما هي إلا سويعات ويأتي وقت السحور فصلاة الفجر فشروق الشمس فيوم جديد ينادي فيه المنادي : يا ابن آدم أنا خلق جديد وعلة عملك شهيد فاغتنم مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة .
غدي سيصبح أمسي لا يعارضني في ذاك حي وأمسي لن يصير غدي يا ابن آدم :
دنياك ساعات سراع الزوال
وإنما العقبي خلود المآل
فهل تبيع الخلد يا غافلا
وتشتري دنيا المني والضلال
عش راضيا واترك دواعي الألم
واعدل مع الظالم مهما ظلم
نهاية الدنيا فناء فعش فيها كريما
واعتبرها عدم ويا فؤادي تلك دنيا الخيال
فلا تنؤ تحت الهموم عدم سلم له الأمر
فمحو الذي خطت يد الأقدار أمر محال
محبة الحبيب
2011-12-30, 22:42
ذات صيف
حدث ذات صيف وأنا طالب بالمرحلة النهائية أن صحبني بعض الإخوة الذين عرفتهم في المساجد إلى قريتهم لقضاء بعض الوقت . وذهبنا إلى هناك , وعند صلاة العصر ذهبنا إلى مسجد القرية وكان به إمام قد نيف على الستين من عمره , ومن الذين تلقوا علومهم أيام كان الأزهر يدرس لأبنائه في كتب صفر قد امتلأت بالفناقل والفناطر والفهفهات . والفناقل هي ما تراه في كتب الأصول فإن قيل كذا قلنا كذا . والفناطر ما تراه في الكتب من قولهم " فيه نظر " والفهفهات قولهم " وفيه ما فيه " لقد كانوا يقرءون المبسوط من الكتب فيخلصون منه الوسيط ,يقرأون الوسيط فيخلصون إلى الوجيز فأصبح الأزهر اليوم وقد تحول إلى ملازم أنيقة ورشيقة ومغلفة بغلاف براق . أصبح أبناؤه يدرسون القشور ويقرءون الوجيز فلا يخلصون منه إلى شئ .. صليت العصر وراء هذا الإمام وما إن شعر المصلون بحضوري حتى طلبوا مني أن ألقي عليهم درسا في العلم فاستأذنت الإمام فأذن لى مشكورا وكنت قد تعودت إذا وجدت في مكان لأول مرة وأردت الحديث أن أشرح لهم حديث جبريل الذي وجه فيه أربعة أسئلة إلى النبي صلي الله عليه وسلم : سأله فيه عن الإسلام والإيمان والإحسان ومتى الساعة ؟ فقد اشتمل هذا الحديث على أصول العقائد وشعائر العبادات ومبادئ الأحكام ومناهج السلوك وقواعد النظام
محبة الحبيب
2011-12-30, 22:46
وما أن بدأت أشرح الحديث الشريف حتى بادرني إمام المسجد بسؤال قال فيه إن في القرآن الكريم آية اشتملت على أمرين , وخبرين ونهيين وبشارتين فخبرني ما هي ؟ ووقع السؤال على نفسي وقعا عجيبا لأنه لم يكن له أى مناسبة بما أقوله في شرح الحديث لكنه في نفس الوقت نزل من نفسي منزل الرضا إذ كنت أعرف الإجابة عنه فقد حدث ذات يوم أن ذهب صديقي لشراء بعض الأطعمة وبعد أن فتح الورقة التي لفت فيها الأطعمة قال لى أتدري ماذا كتب في هذه الورقة ؟ وبدأ يقرأ ( وأوحينا إلى أم موسي أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم , ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ) ثم قرأ بعد ذلك عبارة تعقب على الآية الكريمة فتقول :" ومن عجيب الأمر أن هذه الآية اشتملت على أمرين وخبرين ونهيين وبشارتين " فالأمران هما : أرضعيه وألقيه . والخبران هما : أوحينا وخفت . والنهيان هما : لا تخافي ولا تحزني والبشارتان هما : إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين .
لكنني لما سألني الشيخ هذا السؤال على مسمع من الناس لم يكن على شئ من أدب الإسلام فلو لم أقرأ تلك الورقة لكان في ذلك إحراج وأي إحراج وقد نهي الإسلام عن تصفير الوجوه فقد قالوا حتي في النصيحة . من نصحك بينه وبين نفسه فقد نصحك, ومن نصحك على ملأ من الناس فقد فضحك .فماذا كان يقصد السائل من سؤاله هذا ؟ لو كان يطلب الفهم بهذا السؤال لكان ذلك بيني وبينه بعد انقضاء الدرس . علما بأنه يعلم الإجابة عنه . لكنني لست بالخب ولكن الخب لا يغلبني( أى لست ليئما ولا أسمح للئيم أن يغلبني ) .
فقلت له : أرجو تأخير الإجابة إلى آخر الدرس إذ لو أجبت على الفور لظن بعض الجالسين أن هذا الأمر متفق عليه بيني وبينه . يسألني فأجيب على الفور دون إعمال روية أو نظر وصمت الناس للاستماع إلى الدرس . لكنهم شغلوا بالإجابة : هل سأستطيع أن أجيب أم أنه تسويف للهروب . وما أن أوشك الدرس أن ينتهي حتي ناديت على الشيخ قائلا : أين السائل ؟ أسمع ألإجابة : وقرأت عليه الآية الكريمة: ( وأوحينا إلى أم موسي ...) الآية وما أن فرغت من شرحها على ضوء ما سأل حتى تنفس الناس الصعداء وسمعت منهم صيحة الإعجاب عالية بالإضافة إلى دعوات ل بالتوفيق والسداد
محبة الحبيب
2011-12-30, 22:55
يتبع..................
vBulletin® v3.8.10 Release Candidate 2, Copyright ©2000-2025, TranZ by Almuhajir