ام المنذر السلفية
2011-12-16, 20:38
مع اتساع نطاق استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي الحديث التي تتم عن طريقه، يلاحظ انتشار الكتابة المسماه (فرانكو أراب) وما أرى إلا
أنها مظهراً آخر من مظاهر التدهور اللغوي الذي تمر به اللغة العربية وضياع الهوية العربية التائهة بالفعل. ولمن لا يعلمها –ولا أتصور أنه لا يوجد
أحد لا يعلمها- فالفرانكو أراب عبارة عن الكتابة الصوتية للغة العربية باستخدام الأبجدية الإنجليزية. بدأت ألاحظ هذه الظاهرة وقد تذكرت برنامجاً
تليفزيونياً رأيت أحد حلقاته منذ عدة سنوات، وقد استضاف مجموعة من أطفال مدارس (اللغات) يعبرون عن مهاراتهم في التواصل باللغة الإنجليزية التي
يتباهى بتعلمها من يجيدونها ومن لا يعرفون عنها سوى بعض الكلمات والمضارع البسيط والماضي المستمر. ذكر هؤلاء الأطفال –ولا أعلم من شجعهم
على ذلك في مدارس (اللغات) هذه- بتطبيق قواعد الصوتيات الإنجليزية على العربية، وللتوضيح أقتبس أحد الأمثلة التي ذكرها هؤلاء الأطفال؛ حيث
قالت إحداهما بدلاً من أن نقول "فانلة" يمكننا أن ننطقها "فانيل".
ولنبدأ بتاريخ الفرانكو آراب ومن المسئول عن هذه (البدعة). قد يعتقد البعض أن الشباب الذين يستخدمون مواقع الدردشة هم فقط من يستخدمون أو
يدعون إلى استخدام الفرانكو أراب، لكن الفكرة ذاتها قد طُرحت قبل ذلك بكثير ونعود بالزمن إلى الوراء وبالتحديد إلى عام الحزن الثاني 1924 وننتقل
إلى تركيا حيث قام أتاتورك عليه من الله ما يستحق بإلغاء الخلافة ومعها الكتابة بالحروف العربية واستبدلها بالحروف اللاتينية ومن بعده دعا الشاعر
اللبناني سعيد عقل إلى الشيء نفسه بعد أن أصدر في ستينيات القرن الماضي ديوانا أسماه (يارا) وكتبه بالأحرف اللاتينية، بل إن عبد العزيز فهمي
السياسي المصري من الحزب الدستوري قدم اقتراح لمجمع اللغة العربية بكتابة اللغة العربية بالأحرف اللاتينية.
قد لا يعلم كثيرون تلك الحقائق لقدمها، لكن المؤكد أن الجميع يشترك في أن وسائل التواصل الإلكترونية قد ساهمت إلى أبعد حد في انتشار هذه
البدعة. ولمن يريد التأكد فليتصفح شبكة (فيسبوك) عملاقة التعارف الاجتماعي حيث يجد الشباب يكتبون وبكل طلاقة الفرانكو أراب وهم يدعون أنها
أسرع من الكتابة بالأحرف العربية ونسوا أن هجرهم لكتابتها هو ما يجعلهم يكتبونها ببطء.
لم يقتصر الأمر إلى هذا الحد بل إن الفضيحة دوت أصداؤها وانتقلت إلى العالم الغربي فما كان جوابه إلا أن قام بتحويل الفكرة إلى واقع إلكتروني.
وندلل على ذلك بعملاق البحث على الإنترنت (جوجل) حيث أدخلت الشركة خدمة تحويل الكتابة الصوتية للعربية باستخدام الأحرف اللاتينية إلى
حروفها العربية الأصلية وذلك (لتسهيل) الكتابة بالعربية التي تتميز (بالبطء الشديد). انتقلت الفضيحة كذلك إلى رائدة صناعة البرمجيات (مايكروسوفت)
ففكرت بنفس الأسلوب ولما لا وهي صاحبة التاريخ الطويل في مجال البرمجيات، فقامت بتصميم برنامجاً أسمته (جيت مارين) ويقوم على الفكرة ذاتها
بتحويل النص (الفرنكو أربي) إلى العربية الصحيحة. وفي تسويقها لهذا البرنامج قامت الشركة بتصوير فيلماً كرتونياً يوضح شخصين في دردشة
أحدهما يكتب بالفرانكو أراب بسرعة اللامبورجيني بينما يكتب الآخر العربية الصحيحة بسرعة السلحفاة أو أبطأ من ذلك.
وأقول إن اللغة العربية لا تحتاج إلي ولا إلى أي شخص في العالم للحفاظ عليها من خطر الاندثار، الأمر الذي يؤكده الدكتور أشرف فراج عميد كلية
الآداب بجامعة الإسكندرية، فاللغة العربية باقية ببقاء القرآن الكريم والقرآن الكريم باقي إلى لحظه رفعه من الصدور وبعدها تقوم الساعة. لكن هل يعني
ذلك أن نتقاعس عن دورنا؟ المفترض أن نعمل على الحفاظ عليها مستيقنين بنجاحنا في ذلك إذا بذلنا الجهد المطلوب. ولنقتدي ولو لمرة واحدة بمن
نفتخر بالتحدث بلسانهم، كان الرئيس الأمريكي الراحل روزفلت من أنصار حركة إصلاح التهجئة التي قامت من أجل تغيير طريقة كتابة اللغة الإنجليزية
بالاقتصار على كتابة ما يتم نطقه فقط والاستغناء عن باقي الحروف مثل (give>giv) وأصدر قرارات للمطابع بتطبيق ذلك، لكن الكونجرس الأمريكي
اعترض على ذلك وقرر الحفاظ على اللغة كما هي وتم إلغاء قرار رئيس أكبر دولة على وجه الأرض.
من منطلق آخر أقول إن اللغة العربية ترتبط قوتها بقوة من يتحدثونها، فعلى سبيل المثال تشتمل مفردات اللغة الإسبانية على أكثر من 4000 كلمة من
أصل عربي وذلك بفضل حكم المسلمين للأندلس لفترة طويلة من الزمان، لكن حين ضعفت دولة المسلمين في الأندلس بدأت اللغة العربية بالاندثار
جراء ما أحدثته محاكم التفتيش من محاربة للإسلام واللغة العربية. ووصل الأمر إلى ما هو عليه أثناء الاحتلال الأوروبي لبلاد العرب حيث تم تطبيق
سياسة الجلنزة والفرنسة على أغلب الدول ومن بينها مصر حيث قام المندوب (السامي) البريطاني كرومر لعنه الله أين ما كان بتحويل التعليم إلى اللغة
الإنجليزية ودعا إلى نبذ العربية.
بيد أن ذلك الأمر طبيعي أن يروج كل صاحب سلعة لسلعته فمن الطبيعي أن يروج البريطاني إلى الإنجليزية ويتحمس لنشرها، لكن ما يثير القلق الآن
هو أنه يتم الخلط بين تعلم اللغة و(التطبع) باللغة عند أصحاب اللغة أنفسهم، ويتضح ذلك الأمر بخاصة في مصر حيث تنتشر عقدة الخواجة، فنجد
تلك الأمثال المشوهة التي تتبني كلمات إنجليزية في كل صغيرة وكبيرة (سوري ميرسي أوكيه) وغيرها. وما يزعجني هو الدراسة باللغة الإنجليزية في
مدارس (اللغات) فينشأ جيل من أمثال من ذكرتهم في البداية ممن لا ينتمون إلى العربية ويتباهون بمعرفتهم بالإنجليزية. غير أنه يجب أن نفهم الفارق
بين الدراسة والتطبيع بلغة، أولاً دراسة اللغات الأجنبية أمر مطلوب في ديننا ومعاشنا فنجد الصحابي الجليل زيد بن ثابت وقد تعلم العبرية بناءً على
طلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أن ترجمة العلوم تعد من أسمى مصادر العلم والتي قام بها الغربيون أنفسهم حين ترجموا علومنا في
القرون الوسطى.
ومن يدرس اللغة الإنجليزية بعمق ويتفحص الأدب الإنجليزي يجد جمود التعبير والخيال فيه من استعارات وكنايات وتشبيهات بجانب المحسنات
البديعية، فأين ذلك من اللغة العربية التي تمتاز حتى في تنوع خطوطها. ويكفينا فخراً أن اللغة العربية هي التي نزل بها القرآن الكريم منجماً (مفرقاً)
على رسولنا الكريم.
أختم بالآية الكريمة "ودوا لو تدهن فيدهنون" قال المفسرون إن الإدهان هو التلبيس وإظهار الصداقة حيث أن المشركين عرضوا على رسول الله أن (
يطوروا) ديناً جديداً يشتمل على بعض من شرائع الإسلام وبعض من الشرك، فما كان من رسول الله إلا أن رفض ذلك العرض. لكننا الآن قبلنا العرض
وبكل سرور حيث (طورنا) لغة جديدة تحمل الأصوات العربية والحروف اللاتينية وهذا هو التشويه بعينه.
أنها مظهراً آخر من مظاهر التدهور اللغوي الذي تمر به اللغة العربية وضياع الهوية العربية التائهة بالفعل. ولمن لا يعلمها –ولا أتصور أنه لا يوجد
أحد لا يعلمها- فالفرانكو أراب عبارة عن الكتابة الصوتية للغة العربية باستخدام الأبجدية الإنجليزية. بدأت ألاحظ هذه الظاهرة وقد تذكرت برنامجاً
تليفزيونياً رأيت أحد حلقاته منذ عدة سنوات، وقد استضاف مجموعة من أطفال مدارس (اللغات) يعبرون عن مهاراتهم في التواصل باللغة الإنجليزية التي
يتباهى بتعلمها من يجيدونها ومن لا يعرفون عنها سوى بعض الكلمات والمضارع البسيط والماضي المستمر. ذكر هؤلاء الأطفال –ولا أعلم من شجعهم
على ذلك في مدارس (اللغات) هذه- بتطبيق قواعد الصوتيات الإنجليزية على العربية، وللتوضيح أقتبس أحد الأمثلة التي ذكرها هؤلاء الأطفال؛ حيث
قالت إحداهما بدلاً من أن نقول "فانلة" يمكننا أن ننطقها "فانيل".
ولنبدأ بتاريخ الفرانكو آراب ومن المسئول عن هذه (البدعة). قد يعتقد البعض أن الشباب الذين يستخدمون مواقع الدردشة هم فقط من يستخدمون أو
يدعون إلى استخدام الفرانكو أراب، لكن الفكرة ذاتها قد طُرحت قبل ذلك بكثير ونعود بالزمن إلى الوراء وبالتحديد إلى عام الحزن الثاني 1924 وننتقل
إلى تركيا حيث قام أتاتورك عليه من الله ما يستحق بإلغاء الخلافة ومعها الكتابة بالحروف العربية واستبدلها بالحروف اللاتينية ومن بعده دعا الشاعر
اللبناني سعيد عقل إلى الشيء نفسه بعد أن أصدر في ستينيات القرن الماضي ديوانا أسماه (يارا) وكتبه بالأحرف اللاتينية، بل إن عبد العزيز فهمي
السياسي المصري من الحزب الدستوري قدم اقتراح لمجمع اللغة العربية بكتابة اللغة العربية بالأحرف اللاتينية.
قد لا يعلم كثيرون تلك الحقائق لقدمها، لكن المؤكد أن الجميع يشترك في أن وسائل التواصل الإلكترونية قد ساهمت إلى أبعد حد في انتشار هذه
البدعة. ولمن يريد التأكد فليتصفح شبكة (فيسبوك) عملاقة التعارف الاجتماعي حيث يجد الشباب يكتبون وبكل طلاقة الفرانكو أراب وهم يدعون أنها
أسرع من الكتابة بالأحرف العربية ونسوا أن هجرهم لكتابتها هو ما يجعلهم يكتبونها ببطء.
لم يقتصر الأمر إلى هذا الحد بل إن الفضيحة دوت أصداؤها وانتقلت إلى العالم الغربي فما كان جوابه إلا أن قام بتحويل الفكرة إلى واقع إلكتروني.
وندلل على ذلك بعملاق البحث على الإنترنت (جوجل) حيث أدخلت الشركة خدمة تحويل الكتابة الصوتية للعربية باستخدام الأحرف اللاتينية إلى
حروفها العربية الأصلية وذلك (لتسهيل) الكتابة بالعربية التي تتميز (بالبطء الشديد). انتقلت الفضيحة كذلك إلى رائدة صناعة البرمجيات (مايكروسوفت)
ففكرت بنفس الأسلوب ولما لا وهي صاحبة التاريخ الطويل في مجال البرمجيات، فقامت بتصميم برنامجاً أسمته (جيت مارين) ويقوم على الفكرة ذاتها
بتحويل النص (الفرنكو أربي) إلى العربية الصحيحة. وفي تسويقها لهذا البرنامج قامت الشركة بتصوير فيلماً كرتونياً يوضح شخصين في دردشة
أحدهما يكتب بالفرانكو أراب بسرعة اللامبورجيني بينما يكتب الآخر العربية الصحيحة بسرعة السلحفاة أو أبطأ من ذلك.
وأقول إن اللغة العربية لا تحتاج إلي ولا إلى أي شخص في العالم للحفاظ عليها من خطر الاندثار، الأمر الذي يؤكده الدكتور أشرف فراج عميد كلية
الآداب بجامعة الإسكندرية، فاللغة العربية باقية ببقاء القرآن الكريم والقرآن الكريم باقي إلى لحظه رفعه من الصدور وبعدها تقوم الساعة. لكن هل يعني
ذلك أن نتقاعس عن دورنا؟ المفترض أن نعمل على الحفاظ عليها مستيقنين بنجاحنا في ذلك إذا بذلنا الجهد المطلوب. ولنقتدي ولو لمرة واحدة بمن
نفتخر بالتحدث بلسانهم، كان الرئيس الأمريكي الراحل روزفلت من أنصار حركة إصلاح التهجئة التي قامت من أجل تغيير طريقة كتابة اللغة الإنجليزية
بالاقتصار على كتابة ما يتم نطقه فقط والاستغناء عن باقي الحروف مثل (give>giv) وأصدر قرارات للمطابع بتطبيق ذلك، لكن الكونجرس الأمريكي
اعترض على ذلك وقرر الحفاظ على اللغة كما هي وتم إلغاء قرار رئيس أكبر دولة على وجه الأرض.
من منطلق آخر أقول إن اللغة العربية ترتبط قوتها بقوة من يتحدثونها، فعلى سبيل المثال تشتمل مفردات اللغة الإسبانية على أكثر من 4000 كلمة من
أصل عربي وذلك بفضل حكم المسلمين للأندلس لفترة طويلة من الزمان، لكن حين ضعفت دولة المسلمين في الأندلس بدأت اللغة العربية بالاندثار
جراء ما أحدثته محاكم التفتيش من محاربة للإسلام واللغة العربية. ووصل الأمر إلى ما هو عليه أثناء الاحتلال الأوروبي لبلاد العرب حيث تم تطبيق
سياسة الجلنزة والفرنسة على أغلب الدول ومن بينها مصر حيث قام المندوب (السامي) البريطاني كرومر لعنه الله أين ما كان بتحويل التعليم إلى اللغة
الإنجليزية ودعا إلى نبذ العربية.
بيد أن ذلك الأمر طبيعي أن يروج كل صاحب سلعة لسلعته فمن الطبيعي أن يروج البريطاني إلى الإنجليزية ويتحمس لنشرها، لكن ما يثير القلق الآن
هو أنه يتم الخلط بين تعلم اللغة و(التطبع) باللغة عند أصحاب اللغة أنفسهم، ويتضح ذلك الأمر بخاصة في مصر حيث تنتشر عقدة الخواجة، فنجد
تلك الأمثال المشوهة التي تتبني كلمات إنجليزية في كل صغيرة وكبيرة (سوري ميرسي أوكيه) وغيرها. وما يزعجني هو الدراسة باللغة الإنجليزية في
مدارس (اللغات) فينشأ جيل من أمثال من ذكرتهم في البداية ممن لا ينتمون إلى العربية ويتباهون بمعرفتهم بالإنجليزية. غير أنه يجب أن نفهم الفارق
بين الدراسة والتطبيع بلغة، أولاً دراسة اللغات الأجنبية أمر مطلوب في ديننا ومعاشنا فنجد الصحابي الجليل زيد بن ثابت وقد تعلم العبرية بناءً على
طلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أن ترجمة العلوم تعد من أسمى مصادر العلم والتي قام بها الغربيون أنفسهم حين ترجموا علومنا في
القرون الوسطى.
ومن يدرس اللغة الإنجليزية بعمق ويتفحص الأدب الإنجليزي يجد جمود التعبير والخيال فيه من استعارات وكنايات وتشبيهات بجانب المحسنات
البديعية، فأين ذلك من اللغة العربية التي تمتاز حتى في تنوع خطوطها. ويكفينا فخراً أن اللغة العربية هي التي نزل بها القرآن الكريم منجماً (مفرقاً)
على رسولنا الكريم.
أختم بالآية الكريمة "ودوا لو تدهن فيدهنون" قال المفسرون إن الإدهان هو التلبيس وإظهار الصداقة حيث أن المشركين عرضوا على رسول الله أن (
يطوروا) ديناً جديداً يشتمل على بعض من شرائع الإسلام وبعض من الشرك، فما كان من رسول الله إلا أن رفض ذلك العرض. لكننا الآن قبلنا العرض
وبكل سرور حيث (طورنا) لغة جديدة تحمل الأصوات العربية والحروف اللاتينية وهذا هو التشويه بعينه.