جمال البليدي
2011-12-12, 03:12
الوسائل الخفية لضرب الدعوة السلفية
لفضيلة الشيخ يحي الحجوري.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فهذه عدة نقاط دارت في خلدي، مما يتعلق بالوسائل الخفية، لضرب الدعوة السلفية، ورأيت أن بيان ذلك من المهمات، فما كل إنسان يفهم هذا ويعرفه، وبيان هذا من التعاون على البر والتقوى، ومن باب
عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه
ومن لم يعرف الشر من الخير يقع فيه
الوسيلة الأولى: التحريش، الذي يقوم به أضداد الدعوة السلفية بين حملة الدعوة السلفية، علماء، ودعاة، فينشرون في أوساطهم التحريش، وليس هذا بجديد، وإنما هو قديم من زمن الإمام البخاري وشيخه محمد بن يحيى الذهلي، ومن زمن الإمام مالك وابن إسحاق، ومن زمن عباس بن عبد العظيم، وعبد الرزاق وأئمة متقدمين، وهذا جهد الشيطان.
روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: »إن الشيطان أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن بالتحريش«، أي هو سائر في التحريش، عامل في التحريش، جاهد في التحريش، لا يفتأ من التحريش حتى يحرش بين الأخ وأخيه، والأب وابنه، ينصب عرشه على البحر، ويبث جنوده للتحريش بين الناس، ويأتي من يخبر بأنه حرش بين فلان وفلان، فلا يحبّذ ما صنع حتى يأتي من يقول: لا أزال بفلان وفلان حتى فارق امرأته، فيقول: نعم أنتَ ويتّوجه.
ومن سعى في ذلك يعتبر من جنود الشيطان في هذا، سواء حرش بين الأخ وأخيه، أو بين المرأة وزوجها، أو بين الجار وجاره، من المسلمين، كل ذلك من عمل الشيطان، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: »من خبب امرأة على زوجها ، أو مملوكاً على سيده فليس منا«، ومعنى خببها أي: أفسدها وجعلها تبغضه، وجعل المملوك يبغض سيده، ويتمرد على سيده، فيعينه على الإباق، ويعين المرأة على العقوق والشقاق على زوجها، الذي هو العشير، وأقرب جار لها، بل إن جعل الله المودة يكون من أحب الناس إليها.
الوسيلة الثانية: من الوسائل الخفية لضرب الدعوة السلفية، التلفيقات والبتر والكذب عليهم، وما صنيع أولئك الفقهاء بأبي إسماعيل الهروي عنكم ببعيد؛ حقدوا عليه، فعمدوا إلى لعبة أطفال، على صورة صنم، وأرادوا أن يزوروا الوالي فمروا على أبي إسماعيل، ولما جلسوا إلى أبي إسماعيل قالوا: أردنا أن نمر على الوالي، فرأينا أن حقك أولى، نزورك أولاً ثم نمر عليه.
فجلسوا معه ووضعوا تلك اللعبة تحت فراشه وانصرفوا، ثم أتوا الوالي وقالوا: إن أبا إسماعيل يعبد صنماً، فغضب الوالي، ما يرضى في رعيته أن يحصل فيهم هذا المنكر العظيم، مهما حصل عند أولئك من المعاصي، ومن بعض من كان يسمع الغناء، وبعضهم كان عنده بعض البدع، لكنهم يغارون على الدين، ويقيمون الشعائر، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر في الجملة.
ومن ذلك القيام بالجهاد وغير ذلك، وبُغض الكفار، كان معلومًا عندهم، فلما سمع بهذا أرسل إلى أبي إسماعيل من يتأكد من هذا الخبر، وجاء ذلك المرسول ونظر تحت الفراش، ثم أخذه معه وقال: الوالي يدعوك، فأتى إليه، وقد أعطاه المرسول تلك اللعبة، فلما جلس رفع الوالي تلك اللعبة وقال: ما هذا يا أبا إسماعيل؟ قال: هذه لعبة للأطفال، قال له: ما هذا؟ وغضب عليه، إنهم يقولون: إنك تعبد صنماً، فلما رأى أبو إسماعيل أن الأمر جدٌ، وأنه قد بُهتْ، وأنه قد ظلم، قال: ((سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ))[النور:16]، ورفع بها صوته، وكان جهورياً، وهي كلمة مظلوم، فوقعت في قلب الوالي، فعلم أنه مكذوب عليه، وأن هذا من التلفيقات عليه، فلا يزال بأولئك الكذابين حتى اعترفوا، قال: ما حملكم على ذلك؟ قالوا: حملنا على ذلك شهرته بين الناس، أي: حسدوه، حتى أرادوا أن يهونوا من شأنه، عند الوالي على أقل ما يمكن، إن لم يقتله، أو إن لم يسجنه، ويستحريحون منه، فزاده الله بذلك عزاً، عند الوالي وغيره.
وأمر شيخ الإسلام ابن تيمية الذي نقله ابن بطوطة في «رحلته» هو من هذا الباب من التلفيقات التي تستخدم ضد الدعوة السلفية، شيخ الإسلام من تعرفون، زهداً، وورعاً، وعلماً، وصدعاً بالحق، وجهاداً في الله، بقدر ما يستطيع، نحسبه كذلك والله حسبيه.
وبعد هذا كله حسده أهل زمنه من المتفقه، واقرأ في مقدمة كتابه «الواسطية»، من كتاب «المجموع في الفتاوى لشيخ الإسلام»، ترى ما صنعوا له من أجل تأليف «الواسطية»، فيها قال الله، قال رسوله، «الواسطية» فيها كلام مثل العسل، ليس فيها إلا آية وحديث، وبعض الآثار، عن السلف رضوان الله عليهم، ومع ذلك اعتبروا هذا جناية على الدين، ولا يزالون يوشون به إلى الولاه، وينصره الله عليهم، ويبهت أولئك الذين أرادوا قتل الحق، ومن البهت له، ما صنع ابن بطوطة، إذ قال في «رحتله» تلك أنه ألتقى بشيخ الإسلام، وسمع له خطبة في مسجد دمشق، وفي أثناء تلك الخطبة نزل شيخ الإسلام من على المنبر وقال: (إن الله ينزل عن السماء كما أنزل عن منبري هذا)، سبحان الله هذا تشبيه مزري، وحاشا شيخ الإسلام من هذا القول، وإنما هو الكذب الصراح على شيخ الإسلام، وجاءوا بالتاريخ الذي ذكره ابن بطوطة أثناء لقياه لشيخ الإسلام آنذاك، وأن المتيقن أن شيخ الإسلام كان في بطن السجن، ولم يكن خطيبًا في مسجد دمشق، ففضح ابن بطوطة في هذه الكذبة بالتاريخ.
وكذلك يعفلون من المكر والخديعة والخيانة، التي يفعلونها عن طريق الكمبيوترات، وعن طريق الجوالات، وما إلى ذلك من أنواع الأجهزة.
يمكن أن يأخذ لك كلمة من قبل عشر سنين، ثم يلفقها بكلمة في هذا الوقت، ويلفق كلمة أنك قلت: فرعون كافر، فيأتي بها إلى رجل من المسلمين، ويطرح عليه كلمة كافر، وهكذا ما صنعه هؤلاء الحزبيون، أصحاب أبي الحسن المصري، المعروفون عندنا بأصحاب براءة الذمة في قولهم: إننا قلنا: إن أصحاب أبي الحسن يعتبرون لوطة، تالله لو قلت هذا في فرعون، وفي أبي لهب، وأبي جهل؛ لكان ظلماً، وكذباً، لأن هؤلاء كفرة، وليسوا بلوطة، فكيف بمن يقول هذا في إنسان مسلم، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: »من قال في مسلم ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال«، فنحن نبرأ إلى الله من هذا الكذب، ولنا أن نقول: على الكذاب لعنة الله، وعلى من قال هذا الكلام لعنة الله، إن هذا من الكذب، ليجتالوا به الناس، نحن والله ما نبالي، بهذه الأكاذيب، قال تعالى: ((فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ))[الرعد:17].
لكن حرام عليهم أن يصدوا الناس عن السنة، وعن طلب العلم، بهذه الأكايب، كل حين يختلقون لهم كذبة؛ يهوشون بها عل الجهال، فليستحيوا على أنفسهم، قال الله تعالى: ((إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ)) [النحل:105].
هذه المقولات يكذبون بها ويرجو نها على الناس ليصدوهم؛ عن طلب العلم، وطب العلم اشرعي سبيل الله، والله سبحانه وتعالى يقول: ((وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ))[النحل:94]، ألا فليتقوا الله، قال تعالى: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً?[الأحزاب:71].
الله علق صلاح الأعمال، وغفران الذنوب، بالقول السديد، وبطاعة الله سبحانه وتعالى، لا بالكذب والتلفيقات، وإذا ظهرت الكذبة عند من كُذب عليه، يصير من أشد الناس بغضاً للمبلس عليه؛ لأنه غشه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: »من غشنا فليس منا«، أخرجه مسلم،
الوسيلة الثالثة:التصنع والتزلف، عند علماء السنة، ليتسنى للحزبيين نشر ما يريدون، فإنهم إذا أرادوا نشر فكرهم ومبدئهم دون أن يقربوا من أهل السنة، الناس ليس لهم ثقة في الحزبيين، انتزعت ثقة الناس عن فتاوى الحزبيين، وانتزعت ثقة الناس عن منهج الحزبيين، فعملوا الآن مكراً جديداً، وهو: القرب من علما ءالسنة، والمكث عند أقدامهم، واستعمال الأخلاق المزيفة، التي هي عبارة عن اجتذاب وامتصاص غضب ذلك العالم عليهم.
وهكذا يعمدون إلى بعض كتب السنة، فيأتونك بكلام في الحقيقة منشور في بطون كتب السنة، فيجمع له فيه رسالة، ثم يقدمها إلى ذلك العالم، فضيلة الشيخ، من فضلك قدم لي، ويقدم له ذلك وأشاد به، وبهذا يكون قد صار عند ثقة دهماء الناس، ويستطيع أن ينشر أباطيله بين أوساط العوام من تحزب، ومن غش، تحت ستار أنه طالب عند العالم الفلاني، أو أنه قدم له العالم الفلاني، والله ما ينفعك؛ عند الله، وعند الحاذقين من خلقه، فإن واصل بن عطاء الغزال، وبعده عمرو بن عبيد وجملة من هؤلاء، كانوا من تلاميذ ذلك الإمام النحرير الحسن البصري، بل إن ذو الخوصيرة عبارة أنه واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم آنذاك، ممن رآه منهم من يقول منافق، ومنهم من يقول غير ذلك، بل إن ابن سلول في زمن النبي صلى الله عليه وسلم, وقد سمع من النبي صلى الله عليه وسلم وغزى معه، وحضر معه، وصلى خلفه، وعمران بن حطان الذي صار من الخوارج يعتبر واحد ممن عايش كبار الصحابة، فهل هذا نفعهم؟، لما انحرفوا عن دين الله الحق، وبدأوا يقررون مناهج المبطلين، سواء كان منهجًا خارجيًا، أو كان المنهج القدري المتعزلي، أو ما إلى ذلك من المحاربة للسنة، ما نفعهم ذلك، ولكن نحن في زمن التبس به الحابل بالنابل، فقد يحصل من صاحب الباطل إذا تمسح بصاحب الحق؛ أن يغرر بعوام الناس وأشباههم، على حساب ذلك التمسح.
ألا فإني ناصح لمن يبلغه هذا الكلام من علماء السنة ومشايخها ودعاتها، أن ألا يفرحوا، ولا يتكثروا بقرب من رأوا منه الرغبة والرضى بأفكار الحزبيين، إما بأفكار سيد قطب، وإما بأفكار حسن البناء، وإما بغير ذلك من الأفكار، والله لقرب السلفي الذي يرجى خيره، ويؤمن شره، كما في الحديث: »خيركم من يرجى خيره، ويؤمن شره«، أجلّ وأفضل، وأحق من أن يقرب هذا الذي تجد منه تلك الكلمات اللماعة، وتقديم النعال، وفتح باب السيارة، ويقول: قال شيخنا، قال شيخنا، وهو على منهج منحرف.
.
الوسيلة الرابعة : محاولة جعل تكافؤ في الدعوات، توجد دعوات صوفية، ودعوات حزبية، ودعوات شيعية، ودعوات حق، ودعوات باطل، فيأتي بعض الناس فيحاولون جعل تكافوءٍ مذهبي، وقد صرح بهذا بعض المسئولين، ويقول: نحن ما نريد أن يكون سلفي فوق، وصوفي تحت، سلفي فوق، وحزبي تحت، ولكن يريدون أن يضربوا هذا بهذا، حتى تنفذ لهم مآربهم، ومن قال قولاً من السلفيين، يقال: قد خالفك العالم الفلاني، يأتون له بصوفي، أو يأتون له بشيعي، أو يأتون له بحزبي، فيقولون للمجتمع: هذا عالم، وهذا عالم، أنت تقول الانتخابات غير جائزة، وغيرك قال: الانتخابات جائزة، أنت تقول: الديمقراطية كفر، وغيرك مثل الصوفي الكشرك مرعي صاحب الحديدة، ومن حوله يقولون: الديمقراطية نعمة، أنت تقول: الإختلاط محرم، وغيرك يقول: هو ضرورة، أنت تقول: الربا حرام، وغيرك يقول: اقتصاد البلاد، ويجعلون الحق عبارة عن صوت من تلك الأصوات.
وهذا في الحقيقة تزهيد في الحق، وإعراض عنه، نسأل الله السلامة والعافية، العبرة بالحق، وليست العبرة بقول فلان أو علان.
وأيضاً يحاولون محاولة أخرى،: أن يجعلوا في الدعوة نفسها، من يعمل تكافئاً حتى يكونوا عبارة عن آراء متضاربة، منهجهم واحد، وآرؤهم شتى؛ عبد الله له رأي، وزيد له رأي، وعمرو له رأي، وكل واحد يريد أن ينفذ رأيه، فمن هنا يحصل الشتات، وتضارب الآراء، ويحصل ما يريده أعداء الدعوة السلفية؛ من الوقيعة منها، بالشحناء والاحتكاكات، وكل يقف ضد الآخر، ويحاولون نزع الثقة فيمن يرونه موثوقًا عندهم، وأن يكون الكل عبارة عن فوضى، ليس لهم دعوة منضبطة على شخص وكم قيل:
لايصلح الناس فوضى لا سراة لها
ولا سراة إذا جهالهم سادوا
ولكن هذه المحاولة كلّها فاشلة، بإذن الله عزوجل، وله الحمد والمنة، فإن الله عزوجل يقول: ((لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ)) [الروم:4]، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: لابن عباس: «وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ، لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ، لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ، وَجَفَّتْ الصُّحُفُ»، أخرجه الترمذي، وهو حديث صحيح، ولو كان الأمر موكولًا إلى الناس، لما قامت دعوة المرسلين عليهم الصلاة والسلام، وإنما ذكرنا ذلك؛ لمعرفة ما يحاك لهذه الدعوة. والله المستعان.
الوسيلة الخامسة: محاولة دخول الحزبيين في أوساط السلفيين، وفي معاقلهم، وتفكيكهم، ألا تلاحظون حفظكم الله ما صنعوا في السعودية؟، فإنهم لما رأوا دعوة التوحيد والسنة سائدة في تلك الدولة، حاول الحزبيون من أصحاب أفكار حسن البناء، وسيد قطب، أن يدخلوا في جامعاتهم، وأن يدخلوا في شئون دعوتهم باسمهم؛ حتى أنشأوا من يقوم بالدور، ولما حصل هذا القيام بالدور، من أيادي قوية ممكّنة، جعلوا يزحزحون السلفيين عن كثير من الأعمال الهامة، واحداً بعد واحد.
والله يا أصحاب المراكز السلفية، إن دخول الحزبيين في أوساط السلفيين، من أعظم التمييع لهم، ألم يقل الله سبحانه وتعالى عن المشركين: ((وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ))[القلم:9]،
فقد ذكر إماما التفسير ابن جرير الطبري، وابن كثير الدمشقي وغيرهما حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: اجتمعت قريش يوما فقالوا: انظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر، فيأت هذا الرجل الذي قد فرق جماعتنا، وشتت أمرنا، وعاب ديننا، فليكلمه ولينظر ماذا يرد عليه، فقالوا: ما نعلم أحدا غير عتبة بن ربيعة، فقالوا: يا أبا الوليد أنت، فأتاه عتبة فقال: يا محمد أنت خير أم عبدالله؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أنت خير أم عبدالمطلب؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن كنت تزعم أن هؤلاء خير منك فقد عبدوا الآلهة التي عبت، وإن كنت تزعم أنك خير منهم فتكلم حتى نسمع قولك، إنا والله ما رأينا سخلة قط أشأم على قومك منك، فرقت جماعتنا، وشتت شملنا، وعبت ديننا، وفضحتنا في العرب، حتى لقد طار فيهم أن في قريش ساحرا، وأن في قريش كاهنا، والله ما ننتظر إلا مثل صيحة الحبلى ويقوم بعضنا إلى بعض بالسيوف حتى نتفانى، أيها الرجل إن كان إنما بك الحاجة جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش رجلا واحدا، وإن كان إنما بك الباءة فاختر أي نساء قريش شئت فلنزوجك عشرًا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فرغت؟» قال: نعم، فقال: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ)) إلى قوله تعالى: ((فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ?» [فصلت:1-13]. فقال عتبة: حسبك حسبك ما عندك غير هذا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا».. الخ تلك القصة.
وأخرجها أبويعلى في «مسنده» وابن أبي شيبة في «مصنفه» وعبد بن حميد في «مسنده» ولها طرق تصير بها حسنة السند، كما أنها حسنة المتن.
فأئمتنا نصرهم الله بالحق؛ إبو إسماعيل الهروي يقول: عرضت على السيف كذا، وكذا مرة، لا يقال لي اترك دينك، ولكن يقال لي: أسكت عمن خالفك، فأقول: لا.
الوسيلة السادسة: زرع الجدل في أوساط السلفيين، بألفاظ مجملة، وقد ثبت من حديث أبي أمامة رضي الله عنه: أن النبي ? قال: »ما ضل قومٌ بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل«، ومن أشد الناس جدلاً وفراغاً هم الحزبيون أهل الباطل، ما عندهم ما يشغلهم، حتى لما كانوا فارغين، شغلوا أصحابهم ومن يليهم بعلم لا ينفع، ولا يستطيعون أن يعرفوا به كيف يصلون ، وكيف يوحدون الله سبحانه وتعالى ويعبدونه، سموه: (الإعجاز العلمي)، وبذلوا له الملايين من أموال المتطوعين، وأنشأوا له المعاهد، وأوجدوا له المدرسين، ويضيعون الناس، يقول قائلهم: من الإعجاز العلمي أن فرعون مات بالغرق، لقد اكتشف الآن أنه أوتي بمختبرٍ طبي، فاختبروا تلك الجثة، فوجدوها أنها ماتت بالغرق، ويأتون بأدلة، قال تعالى: ((سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ))[فصلت:53].
وما تبين لكم الحق إلا بذلك المختبر، أن فرعون مات بالغرق، وفي القرآن عدة آيات أن الله أغرق فرعون، فتأتون له بهذه الشواهد والمتابعات.
انظروا يا إخوان عدم القناعة بالحق، والتشكيك فيه عن طريق الإعجاز العلمي، وأن هذا هو التوحيد، فهذا زرع الجدل بين أوساط الناس، فلا تجد من يسمع بهذا إلا وهو يقول: أرأيت هذا صحيح، أم ليس بصحيح؟، ويشغلون الناس بهذا الضياع، فالجدل من وظائف هؤلاء الفرغ.
ومما يصنعونه بين أهل السنة وغيرهم، مسائل لا خاضها البخاري، ولا مسلم، ولا الإمام أحمد، ولا مالك، ولا الأوزاعي، ولا أئمة السنة، من السفيانين، والحمادين، وغير هؤلاء، ما أحد قال في ذلك، تارك جنس العمل مسلم أو كافر؟ هذا السؤال محدث، لم يكن في كتاب ولا سنة، وأيضاً هذه ألفاظ مجملة، من علم كفره بالدليل يقال: كافر، أما هذه الاجمالات فمحدثة، وقد تُسْتغل ممن لم يفطن للتفصيل في ذلك.
ومن هذه المسائل الجدلية، التي يطرحونها في أوساط السلفيين لشغلهم وتضيع أوقاتهم، قول بعضهم: هل العمل شرط في صحة الإيمان، أم في كمال الإيمان، وهذا أيضاً الذي عليه الدليل، والذي عليه السنة، وبوب عليه البخاري: أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، ومن أدلة ذلك، قول الله تعالى: ((وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ))[البقرة:143]، وفي »الصحيحين« من حديث أبي هريرة أن النبي ? قال: »إن الإيمان بعض وستون شعبة، أعالها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان«، وحديث: »حب الأنصار من الإيمان، وبغضهم من النقاق».
والحزبيين يأتون بألفاظ مجملة يشغلون بعض طلبة العلم، فبعضهم كل ما وجد من قربعة لقطها، ويظن أنه حصل على علم، ويريد أن يقررها على زميله.
.
وكم شغلوا الناس بنظرية داروين، وأن الإنسان كان أصله قردًا، والله عزوجل يقول: ((مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ)) [الكهف:51].
وكم شغلو الناس ببعض نظريات الكفار: أن الشمس ثابتة، والأرض تدور، والله عزوجل يقول: ((وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)) [يّـس:38]، ويقول: ((إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ)) [فاطر:41].
والأولى البُعد عن الجدل الفارغ، وطالب العلم بحاجة أن يقبل على ما ينفعه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: »أحرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجزن«.
يتبع بإذن الله.....
لفضيلة الشيخ يحي الحجوري.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فهذه عدة نقاط دارت في خلدي، مما يتعلق بالوسائل الخفية، لضرب الدعوة السلفية، ورأيت أن بيان ذلك من المهمات، فما كل إنسان يفهم هذا ويعرفه، وبيان هذا من التعاون على البر والتقوى، ومن باب
عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه
ومن لم يعرف الشر من الخير يقع فيه
الوسيلة الأولى: التحريش، الذي يقوم به أضداد الدعوة السلفية بين حملة الدعوة السلفية، علماء، ودعاة، فينشرون في أوساطهم التحريش، وليس هذا بجديد، وإنما هو قديم من زمن الإمام البخاري وشيخه محمد بن يحيى الذهلي، ومن زمن الإمام مالك وابن إسحاق، ومن زمن عباس بن عبد العظيم، وعبد الرزاق وأئمة متقدمين، وهذا جهد الشيطان.
روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: »إن الشيطان أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن بالتحريش«، أي هو سائر في التحريش، عامل في التحريش، جاهد في التحريش، لا يفتأ من التحريش حتى يحرش بين الأخ وأخيه، والأب وابنه، ينصب عرشه على البحر، ويبث جنوده للتحريش بين الناس، ويأتي من يخبر بأنه حرش بين فلان وفلان، فلا يحبّذ ما صنع حتى يأتي من يقول: لا أزال بفلان وفلان حتى فارق امرأته، فيقول: نعم أنتَ ويتّوجه.
ومن سعى في ذلك يعتبر من جنود الشيطان في هذا، سواء حرش بين الأخ وأخيه، أو بين المرأة وزوجها، أو بين الجار وجاره، من المسلمين، كل ذلك من عمل الشيطان، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: »من خبب امرأة على زوجها ، أو مملوكاً على سيده فليس منا«، ومعنى خببها أي: أفسدها وجعلها تبغضه، وجعل المملوك يبغض سيده، ويتمرد على سيده، فيعينه على الإباق، ويعين المرأة على العقوق والشقاق على زوجها، الذي هو العشير، وأقرب جار لها، بل إن جعل الله المودة يكون من أحب الناس إليها.
الوسيلة الثانية: من الوسائل الخفية لضرب الدعوة السلفية، التلفيقات والبتر والكذب عليهم، وما صنيع أولئك الفقهاء بأبي إسماعيل الهروي عنكم ببعيد؛ حقدوا عليه، فعمدوا إلى لعبة أطفال، على صورة صنم، وأرادوا أن يزوروا الوالي فمروا على أبي إسماعيل، ولما جلسوا إلى أبي إسماعيل قالوا: أردنا أن نمر على الوالي، فرأينا أن حقك أولى، نزورك أولاً ثم نمر عليه.
فجلسوا معه ووضعوا تلك اللعبة تحت فراشه وانصرفوا، ثم أتوا الوالي وقالوا: إن أبا إسماعيل يعبد صنماً، فغضب الوالي، ما يرضى في رعيته أن يحصل فيهم هذا المنكر العظيم، مهما حصل عند أولئك من المعاصي، ومن بعض من كان يسمع الغناء، وبعضهم كان عنده بعض البدع، لكنهم يغارون على الدين، ويقيمون الشعائر، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر في الجملة.
ومن ذلك القيام بالجهاد وغير ذلك، وبُغض الكفار، كان معلومًا عندهم، فلما سمع بهذا أرسل إلى أبي إسماعيل من يتأكد من هذا الخبر، وجاء ذلك المرسول ونظر تحت الفراش، ثم أخذه معه وقال: الوالي يدعوك، فأتى إليه، وقد أعطاه المرسول تلك اللعبة، فلما جلس رفع الوالي تلك اللعبة وقال: ما هذا يا أبا إسماعيل؟ قال: هذه لعبة للأطفال، قال له: ما هذا؟ وغضب عليه، إنهم يقولون: إنك تعبد صنماً، فلما رأى أبو إسماعيل أن الأمر جدٌ، وأنه قد بُهتْ، وأنه قد ظلم، قال: ((سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ))[النور:16]، ورفع بها صوته، وكان جهورياً، وهي كلمة مظلوم، فوقعت في قلب الوالي، فعلم أنه مكذوب عليه، وأن هذا من التلفيقات عليه، فلا يزال بأولئك الكذابين حتى اعترفوا، قال: ما حملكم على ذلك؟ قالوا: حملنا على ذلك شهرته بين الناس، أي: حسدوه، حتى أرادوا أن يهونوا من شأنه، عند الوالي على أقل ما يمكن، إن لم يقتله، أو إن لم يسجنه، ويستحريحون منه، فزاده الله بذلك عزاً، عند الوالي وغيره.
وأمر شيخ الإسلام ابن تيمية الذي نقله ابن بطوطة في «رحلته» هو من هذا الباب من التلفيقات التي تستخدم ضد الدعوة السلفية، شيخ الإسلام من تعرفون، زهداً، وورعاً، وعلماً، وصدعاً بالحق، وجهاداً في الله، بقدر ما يستطيع، نحسبه كذلك والله حسبيه.
وبعد هذا كله حسده أهل زمنه من المتفقه، واقرأ في مقدمة كتابه «الواسطية»، من كتاب «المجموع في الفتاوى لشيخ الإسلام»، ترى ما صنعوا له من أجل تأليف «الواسطية»، فيها قال الله، قال رسوله، «الواسطية» فيها كلام مثل العسل، ليس فيها إلا آية وحديث، وبعض الآثار، عن السلف رضوان الله عليهم، ومع ذلك اعتبروا هذا جناية على الدين، ولا يزالون يوشون به إلى الولاه، وينصره الله عليهم، ويبهت أولئك الذين أرادوا قتل الحق، ومن البهت له، ما صنع ابن بطوطة، إذ قال في «رحتله» تلك أنه ألتقى بشيخ الإسلام، وسمع له خطبة في مسجد دمشق، وفي أثناء تلك الخطبة نزل شيخ الإسلام من على المنبر وقال: (إن الله ينزل عن السماء كما أنزل عن منبري هذا)، سبحان الله هذا تشبيه مزري، وحاشا شيخ الإسلام من هذا القول، وإنما هو الكذب الصراح على شيخ الإسلام، وجاءوا بالتاريخ الذي ذكره ابن بطوطة أثناء لقياه لشيخ الإسلام آنذاك، وأن المتيقن أن شيخ الإسلام كان في بطن السجن، ولم يكن خطيبًا في مسجد دمشق، ففضح ابن بطوطة في هذه الكذبة بالتاريخ.
وكذلك يعفلون من المكر والخديعة والخيانة، التي يفعلونها عن طريق الكمبيوترات، وعن طريق الجوالات، وما إلى ذلك من أنواع الأجهزة.
يمكن أن يأخذ لك كلمة من قبل عشر سنين، ثم يلفقها بكلمة في هذا الوقت، ويلفق كلمة أنك قلت: فرعون كافر، فيأتي بها إلى رجل من المسلمين، ويطرح عليه كلمة كافر، وهكذا ما صنعه هؤلاء الحزبيون، أصحاب أبي الحسن المصري، المعروفون عندنا بأصحاب براءة الذمة في قولهم: إننا قلنا: إن أصحاب أبي الحسن يعتبرون لوطة، تالله لو قلت هذا في فرعون، وفي أبي لهب، وأبي جهل؛ لكان ظلماً، وكذباً، لأن هؤلاء كفرة، وليسوا بلوطة، فكيف بمن يقول هذا في إنسان مسلم، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: »من قال في مسلم ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال«، فنحن نبرأ إلى الله من هذا الكذب، ولنا أن نقول: على الكذاب لعنة الله، وعلى من قال هذا الكلام لعنة الله، إن هذا من الكذب، ليجتالوا به الناس، نحن والله ما نبالي، بهذه الأكاذيب، قال تعالى: ((فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ))[الرعد:17].
لكن حرام عليهم أن يصدوا الناس عن السنة، وعن طلب العلم، بهذه الأكايب، كل حين يختلقون لهم كذبة؛ يهوشون بها عل الجهال، فليستحيوا على أنفسهم، قال الله تعالى: ((إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ)) [النحل:105].
هذه المقولات يكذبون بها ويرجو نها على الناس ليصدوهم؛ عن طلب العلم، وطب العلم اشرعي سبيل الله، والله سبحانه وتعالى يقول: ((وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ))[النحل:94]، ألا فليتقوا الله، قال تعالى: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً?[الأحزاب:71].
الله علق صلاح الأعمال، وغفران الذنوب، بالقول السديد، وبطاعة الله سبحانه وتعالى، لا بالكذب والتلفيقات، وإذا ظهرت الكذبة عند من كُذب عليه، يصير من أشد الناس بغضاً للمبلس عليه؛ لأنه غشه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: »من غشنا فليس منا«، أخرجه مسلم،
الوسيلة الثالثة:التصنع والتزلف، عند علماء السنة، ليتسنى للحزبيين نشر ما يريدون، فإنهم إذا أرادوا نشر فكرهم ومبدئهم دون أن يقربوا من أهل السنة، الناس ليس لهم ثقة في الحزبيين، انتزعت ثقة الناس عن فتاوى الحزبيين، وانتزعت ثقة الناس عن منهج الحزبيين، فعملوا الآن مكراً جديداً، وهو: القرب من علما ءالسنة، والمكث عند أقدامهم، واستعمال الأخلاق المزيفة، التي هي عبارة عن اجتذاب وامتصاص غضب ذلك العالم عليهم.
وهكذا يعمدون إلى بعض كتب السنة، فيأتونك بكلام في الحقيقة منشور في بطون كتب السنة، فيجمع له فيه رسالة، ثم يقدمها إلى ذلك العالم، فضيلة الشيخ، من فضلك قدم لي، ويقدم له ذلك وأشاد به، وبهذا يكون قد صار عند ثقة دهماء الناس، ويستطيع أن ينشر أباطيله بين أوساط العوام من تحزب، ومن غش، تحت ستار أنه طالب عند العالم الفلاني، أو أنه قدم له العالم الفلاني، والله ما ينفعك؛ عند الله، وعند الحاذقين من خلقه، فإن واصل بن عطاء الغزال، وبعده عمرو بن عبيد وجملة من هؤلاء، كانوا من تلاميذ ذلك الإمام النحرير الحسن البصري، بل إن ذو الخوصيرة عبارة أنه واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم آنذاك، ممن رآه منهم من يقول منافق، ومنهم من يقول غير ذلك، بل إن ابن سلول في زمن النبي صلى الله عليه وسلم, وقد سمع من النبي صلى الله عليه وسلم وغزى معه، وحضر معه، وصلى خلفه، وعمران بن حطان الذي صار من الخوارج يعتبر واحد ممن عايش كبار الصحابة، فهل هذا نفعهم؟، لما انحرفوا عن دين الله الحق، وبدأوا يقررون مناهج المبطلين، سواء كان منهجًا خارجيًا، أو كان المنهج القدري المتعزلي، أو ما إلى ذلك من المحاربة للسنة، ما نفعهم ذلك، ولكن نحن في زمن التبس به الحابل بالنابل، فقد يحصل من صاحب الباطل إذا تمسح بصاحب الحق؛ أن يغرر بعوام الناس وأشباههم، على حساب ذلك التمسح.
ألا فإني ناصح لمن يبلغه هذا الكلام من علماء السنة ومشايخها ودعاتها، أن ألا يفرحوا، ولا يتكثروا بقرب من رأوا منه الرغبة والرضى بأفكار الحزبيين، إما بأفكار سيد قطب، وإما بأفكار حسن البناء، وإما بغير ذلك من الأفكار، والله لقرب السلفي الذي يرجى خيره، ويؤمن شره، كما في الحديث: »خيركم من يرجى خيره، ويؤمن شره«، أجلّ وأفضل، وأحق من أن يقرب هذا الذي تجد منه تلك الكلمات اللماعة، وتقديم النعال، وفتح باب السيارة، ويقول: قال شيخنا، قال شيخنا، وهو على منهج منحرف.
.
الوسيلة الرابعة : محاولة جعل تكافؤ في الدعوات، توجد دعوات صوفية، ودعوات حزبية، ودعوات شيعية، ودعوات حق، ودعوات باطل، فيأتي بعض الناس فيحاولون جعل تكافوءٍ مذهبي، وقد صرح بهذا بعض المسئولين، ويقول: نحن ما نريد أن يكون سلفي فوق، وصوفي تحت، سلفي فوق، وحزبي تحت، ولكن يريدون أن يضربوا هذا بهذا، حتى تنفذ لهم مآربهم، ومن قال قولاً من السلفيين، يقال: قد خالفك العالم الفلاني، يأتون له بصوفي، أو يأتون له بشيعي، أو يأتون له بحزبي، فيقولون للمجتمع: هذا عالم، وهذا عالم، أنت تقول الانتخابات غير جائزة، وغيرك قال: الانتخابات جائزة، أنت تقول: الديمقراطية كفر، وغيرك مثل الصوفي الكشرك مرعي صاحب الحديدة، ومن حوله يقولون: الديمقراطية نعمة، أنت تقول: الإختلاط محرم، وغيرك يقول: هو ضرورة، أنت تقول: الربا حرام، وغيرك يقول: اقتصاد البلاد، ويجعلون الحق عبارة عن صوت من تلك الأصوات.
وهذا في الحقيقة تزهيد في الحق، وإعراض عنه، نسأل الله السلامة والعافية، العبرة بالحق، وليست العبرة بقول فلان أو علان.
وأيضاً يحاولون محاولة أخرى،: أن يجعلوا في الدعوة نفسها، من يعمل تكافئاً حتى يكونوا عبارة عن آراء متضاربة، منهجهم واحد، وآرؤهم شتى؛ عبد الله له رأي، وزيد له رأي، وعمرو له رأي، وكل واحد يريد أن ينفذ رأيه، فمن هنا يحصل الشتات، وتضارب الآراء، ويحصل ما يريده أعداء الدعوة السلفية؛ من الوقيعة منها، بالشحناء والاحتكاكات، وكل يقف ضد الآخر، ويحاولون نزع الثقة فيمن يرونه موثوقًا عندهم، وأن يكون الكل عبارة عن فوضى، ليس لهم دعوة منضبطة على شخص وكم قيل:
لايصلح الناس فوضى لا سراة لها
ولا سراة إذا جهالهم سادوا
ولكن هذه المحاولة كلّها فاشلة، بإذن الله عزوجل، وله الحمد والمنة، فإن الله عزوجل يقول: ((لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ)) [الروم:4]، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: لابن عباس: «وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ، لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ، لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ، وَجَفَّتْ الصُّحُفُ»، أخرجه الترمذي، وهو حديث صحيح، ولو كان الأمر موكولًا إلى الناس، لما قامت دعوة المرسلين عليهم الصلاة والسلام، وإنما ذكرنا ذلك؛ لمعرفة ما يحاك لهذه الدعوة. والله المستعان.
الوسيلة الخامسة: محاولة دخول الحزبيين في أوساط السلفيين، وفي معاقلهم، وتفكيكهم، ألا تلاحظون حفظكم الله ما صنعوا في السعودية؟، فإنهم لما رأوا دعوة التوحيد والسنة سائدة في تلك الدولة، حاول الحزبيون من أصحاب أفكار حسن البناء، وسيد قطب، أن يدخلوا في جامعاتهم، وأن يدخلوا في شئون دعوتهم باسمهم؛ حتى أنشأوا من يقوم بالدور، ولما حصل هذا القيام بالدور، من أيادي قوية ممكّنة، جعلوا يزحزحون السلفيين عن كثير من الأعمال الهامة، واحداً بعد واحد.
والله يا أصحاب المراكز السلفية، إن دخول الحزبيين في أوساط السلفيين، من أعظم التمييع لهم، ألم يقل الله سبحانه وتعالى عن المشركين: ((وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ))[القلم:9]،
فقد ذكر إماما التفسير ابن جرير الطبري، وابن كثير الدمشقي وغيرهما حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: اجتمعت قريش يوما فقالوا: انظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر، فيأت هذا الرجل الذي قد فرق جماعتنا، وشتت أمرنا، وعاب ديننا، فليكلمه ولينظر ماذا يرد عليه، فقالوا: ما نعلم أحدا غير عتبة بن ربيعة، فقالوا: يا أبا الوليد أنت، فأتاه عتبة فقال: يا محمد أنت خير أم عبدالله؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أنت خير أم عبدالمطلب؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن كنت تزعم أن هؤلاء خير منك فقد عبدوا الآلهة التي عبت، وإن كنت تزعم أنك خير منهم فتكلم حتى نسمع قولك، إنا والله ما رأينا سخلة قط أشأم على قومك منك، فرقت جماعتنا، وشتت شملنا، وعبت ديننا، وفضحتنا في العرب، حتى لقد طار فيهم أن في قريش ساحرا، وأن في قريش كاهنا، والله ما ننتظر إلا مثل صيحة الحبلى ويقوم بعضنا إلى بعض بالسيوف حتى نتفانى، أيها الرجل إن كان إنما بك الحاجة جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش رجلا واحدا، وإن كان إنما بك الباءة فاختر أي نساء قريش شئت فلنزوجك عشرًا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فرغت؟» قال: نعم، فقال: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ)) إلى قوله تعالى: ((فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ?» [فصلت:1-13]. فقال عتبة: حسبك حسبك ما عندك غير هذا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا».. الخ تلك القصة.
وأخرجها أبويعلى في «مسنده» وابن أبي شيبة في «مصنفه» وعبد بن حميد في «مسنده» ولها طرق تصير بها حسنة السند، كما أنها حسنة المتن.
فأئمتنا نصرهم الله بالحق؛ إبو إسماعيل الهروي يقول: عرضت على السيف كذا، وكذا مرة، لا يقال لي اترك دينك، ولكن يقال لي: أسكت عمن خالفك، فأقول: لا.
الوسيلة السادسة: زرع الجدل في أوساط السلفيين، بألفاظ مجملة، وقد ثبت من حديث أبي أمامة رضي الله عنه: أن النبي ? قال: »ما ضل قومٌ بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل«، ومن أشد الناس جدلاً وفراغاً هم الحزبيون أهل الباطل، ما عندهم ما يشغلهم، حتى لما كانوا فارغين، شغلوا أصحابهم ومن يليهم بعلم لا ينفع، ولا يستطيعون أن يعرفوا به كيف يصلون ، وكيف يوحدون الله سبحانه وتعالى ويعبدونه، سموه: (الإعجاز العلمي)، وبذلوا له الملايين من أموال المتطوعين، وأنشأوا له المعاهد، وأوجدوا له المدرسين، ويضيعون الناس، يقول قائلهم: من الإعجاز العلمي أن فرعون مات بالغرق، لقد اكتشف الآن أنه أوتي بمختبرٍ طبي، فاختبروا تلك الجثة، فوجدوها أنها ماتت بالغرق، ويأتون بأدلة، قال تعالى: ((سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ))[فصلت:53].
وما تبين لكم الحق إلا بذلك المختبر، أن فرعون مات بالغرق، وفي القرآن عدة آيات أن الله أغرق فرعون، فتأتون له بهذه الشواهد والمتابعات.
انظروا يا إخوان عدم القناعة بالحق، والتشكيك فيه عن طريق الإعجاز العلمي، وأن هذا هو التوحيد، فهذا زرع الجدل بين أوساط الناس، فلا تجد من يسمع بهذا إلا وهو يقول: أرأيت هذا صحيح، أم ليس بصحيح؟، ويشغلون الناس بهذا الضياع، فالجدل من وظائف هؤلاء الفرغ.
ومما يصنعونه بين أهل السنة وغيرهم، مسائل لا خاضها البخاري، ولا مسلم، ولا الإمام أحمد، ولا مالك، ولا الأوزاعي، ولا أئمة السنة، من السفيانين، والحمادين، وغير هؤلاء، ما أحد قال في ذلك، تارك جنس العمل مسلم أو كافر؟ هذا السؤال محدث، لم يكن في كتاب ولا سنة، وأيضاً هذه ألفاظ مجملة، من علم كفره بالدليل يقال: كافر، أما هذه الاجمالات فمحدثة، وقد تُسْتغل ممن لم يفطن للتفصيل في ذلك.
ومن هذه المسائل الجدلية، التي يطرحونها في أوساط السلفيين لشغلهم وتضيع أوقاتهم، قول بعضهم: هل العمل شرط في صحة الإيمان، أم في كمال الإيمان، وهذا أيضاً الذي عليه الدليل، والذي عليه السنة، وبوب عليه البخاري: أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، ومن أدلة ذلك، قول الله تعالى: ((وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ))[البقرة:143]، وفي »الصحيحين« من حديث أبي هريرة أن النبي ? قال: »إن الإيمان بعض وستون شعبة، أعالها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان«، وحديث: »حب الأنصار من الإيمان، وبغضهم من النقاق».
والحزبيين يأتون بألفاظ مجملة يشغلون بعض طلبة العلم، فبعضهم كل ما وجد من قربعة لقطها، ويظن أنه حصل على علم، ويريد أن يقررها على زميله.
.
وكم شغلوا الناس بنظرية داروين، وأن الإنسان كان أصله قردًا، والله عزوجل يقول: ((مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ)) [الكهف:51].
وكم شغلو الناس ببعض نظريات الكفار: أن الشمس ثابتة، والأرض تدور، والله عزوجل يقول: ((وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)) [يّـس:38]، ويقول: ((إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ)) [فاطر:41].
والأولى البُعد عن الجدل الفارغ، وطالب العلم بحاجة أن يقبل على ما ينفعه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: »أحرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجزن«.
يتبع بإذن الله.....