sailaa 22011
2011-12-11, 10:24
فصول ومحطات تجربة الخيانة
ما إن لاح الفجر حتى تبين بأنه يوجد إلى جانب هؤلاء المقتولين الحسين حجيجي مسؤول الاتصالات لدى بلونيس، أما عبد القادر لطرش فقد عثر عليه فيما بعد مقتولا ومقطوع الأنف والأذنين، وبالنسبة للجنود المقتولين فقد كان عددهم بالمئات، وفيما يخص الجنود الأسرى فقد تم قتلهم يومي 20 و21 جوان وتعدادهم 300 منهم 86 كانوا معتقلين قبل الحادثة عند بلونيس.
وحسب تصريح لأحد الذين استسلموا للجيش الفرنسي وكان حاضرا أثناء هاته الحادثة، فإن 160 من المعتقلين قتلهم العربي قبايلي وحده.
لما قتل لطرش تولى قيادة جيشه حمه، وتوجه نحو جبل بوكحيل للالتحاق بمفتاح، وبينما كان هذا الجيش في طريقه هاجمته القوات الفرنسية بتاريخ 30 جوان في جبل طفارة على بعد 20 كلم من الجلفة، ودامت المعركة 45 دقيقة بعدها تلقى قائدها الضابط الفرنسي جان نوس Jean Nos أوامر بالانسحاب، وأعد تقريرا حول هاته المعركة جاء فيه "إن هاته المواجهة مع أتباع بلونيس كشفت بأنهم لا يستسلمون دون قتال، وجنودنا لا يمكن أن يشاركوا في معارك في ظل هاته الظروف".
بعدها أشاع العقيد جيرارد GIRARD بواسطة مناشير بأن مفتاح انضم إلى الجيش الفرنسي، داعيا أتباع بلونيس إلى انتهاج نفس المنهج، لكن هاته الحملة لم تثمر في البداية، إذ لم ينضم إلى الجيش الفرنسي إلا 150 وبتاريخ 25 جوان.
في هاته الأثناء كان بلونيس قد غادر مقر قيادته بدار الشيوخ مع حراسه القبائل وحمل معه الأموال، وقد شوهد مع العربي قبايلي وزوجته في شمال جبل زمرة وتشتت فلول أتباعه.
وبالنسبة لموقف القيادة العسكرية في هاته الأثناء وقبل هاته الحوادث كانت قد أصدرت في 16 جوان 1958 تعليمات من الجزائر تأمر GIRARD، بالعمل على استرجاع الأسلحة الموجودة لدى عناصر بلونيس، وبالنسبة للجنود العمل على ضمهم إلى الجيش الفرنسي بصفة حركى أو مخازنية، أو تسريحهم والسماح لهم بالعودة إلى بلدانهم الأصلية، أما في حالة رفض تسليم أسلحتهم سيعتبرون متمردين.
استمرت الحملة مدة 15 يوما ابتداء من 18 جوان بعدها بدأت السلطات مرحلة المواجهة المسلحة مع الرافضين للانضمام للجيش الفرنسي.
انطلقت عملية DAMIER التي تهدف إلى تصفية مجموعات ANPA وجيش التحرير في آن واحد. ففي تقرير صادر عن قيادة العمليات المشتركة يقدر تعداد أفراد هذه العملية 8000 جندي بقيادة العقيد ترانكي المشكلة من فيلق الكوموندو للطيران وفيلق المظليين، وتستهدف القبض على بلونيس، لكن القيادة العامة لهاته العملية كشفت بأنها لا تستهدف مجموعات مفتاح المرابطة بجبل بوكحيل، وتنحصر مهمتها مبدئيا في تصفية 4 مجموعات موالية لبلونيس وأهمها مقدرة بحوالي 500 إلى 800 قبائلي في منطقة جبل الصحاري، وتستهدف كذلك مجموعتين إحداهما ب500 جندي وأخرى من 200 اللتان يبدوان بأنهما لم يتخذا موقفا حاليا، حسب ما جاء في التقرير.
كما كشف ذات التقرير بأن هناك مفاوضات بين مفتاح وعمر إدريس الذي يقود كتيبتين في ضواحي بوكحيل. بعد القضاء على بلونيس في جويلية 1958 بدأت آخر وحدات بلونيس في التراجع والتقهقر.
وفي المقابل كانت الولاية السادسة بقيادة الحواس قد استرجعت قواتها ومنها المنطقة التاسعة للولاية الخامسة التي كان يقودها عمر إدريس، وبدأت وحدات جبهة التحرير في التموقع في أماكن عدة ضواحي الجلفة خاصة منها الأماكن التي كانت تحت قيادة بلونيس، وللعلم بأن تفكك وحدات بلونيس لم يكن تحت ضربات جيش التحرير أو الجيش الفرنسي فحسب، بل وقع اقتتال بين بعضهم البعض يضاف إليها التصفيات التي وقعت غداة هجوم لطرش على دار الشيوخ، وراح ضحيته المئات من الجنود الذين تمت تصفيتهم على يد بلونيس وأتباعه.
مصالي الحاج الذي التزم الصمت حول تصرفات بلونيس خاصة بعد أن أعلن بلونيس موقفه العلني الذي يبتعد عن خطة الحركة الوطنية، ونطق بعد القضاء على بلونيس، فقد صدر بيان غريب عن الحركة الوطنية جاء فيه "بأن الجنرال بلونيس قد استشهد ببطولة والسلاح بيده لأنه رفض الاندماج ويقود حربا من أجل استقلال الجزائر وتقرير مصيرها".
مفتاح في ركب الحركة الوطنية المسلحة
بدأ مصالي في استرجاع مفتاح إلى صفوف الحركة الوطنية وتأطيره بعد أن سبق أن أعلن عداءه لجيش الوطني للشعب الجزائري ءذخء. وولائه لمصالي والحركة الوطنية.
في المدة بين 21 و22 جويلية 1958 اشتبكت القوات الفرنسية مع مجموعة الميلود وجيش بن دقمان في ضواحي زنينه، وهي المجموعة التابعة لمفتاح، في شهر أوت أحصت القيادة العامة بالجلفة انضمام 200 من أنصار بلونيس إلى صفوفها وبصفة حركي، ومنهم العربي قبايلي والعربي الباريزي سعد مع جنود تعداده 37 فرد والعربي عين الريش وسي الحسين (يجب عدم الخلط بين الحسين حجيج) وعبد القادر دحماني.
مفتاح في مواجهة القوات الفرنسية
وانطلقت حملة فرنسية ضد مجموعة مفتاح الذي أعلن نفسه وريث زيان عاشور وليس بلونيس، إذا توجه العقيد LEVET قائد قطاع بوسعادة بتاريخ 27 جويلية نحو جبل بوكحيل وقام بعملية واسعة النطاق استهدفت جيش مفتاح، دامت يومين استعمل فيها النابالم، وتتضارب نتائجها، فالبعض يقول بأن هناك 103 جندي من الحركة الوطنية قتلوا و12 فرنسيا من بينهم ضابط، وتقارير أخرى تشير إلى مقتل 90 من أتباع مفتاح و24 جريحا و15 أسيرا من بينهم قائد كتيبة من جيش مفتاح و90 من الجانب الفرنسي.
نفس الهجوم قام به العقيد جيرار في جبل الصحاري يومي 1و12 أوت ضد جيش التحرير بقيادة عمر إدريس، استشهد فيه 34 جنديا وسجن 1 وقتل 3 فرنسين من بينهم قائد طائرة و21 جريحا وأغلب شهداء جيش التحرير قتلوا بالنابالم.
وفي 7 و11 أوت تم القضاء على مجموعة المبخوت على مرحلتين جنوب وشرق طاقين وتم أسر 50 من جنوده وهم كذلك من أتباع مفتاح.
في الفترة بين 31 و2 سبتمبر 1958 جرت اتصالات بين ممثلي مفتاح وممثلي جبهة التحرير في جبل محرق جنوب شرق الشارف، قاد المفاوضات من جانب مفتاح جقلاف وبن دقمان، أما عن الجبهة فقد كان مراد الذي طلب من موفدي مفتاح إبلاغه بضرورة تحديد مناطق تواجد ورسم حدود جغرافية لمنطقة كل منهما، وحسب ذات التقرير فإن هاته المحادثات لم تفض إلى أي اتفاق.
وفي 9 أكتوبر أرسل مفتاح رسالة إلى قائد جيش التحرير بالمنطقة جاء فيها "أرجو منك التحكم في عناصر جيشك وفي التنظيم الذي تشرفون عليه لتفادي أي اشتباك مسلح بيننا، وفي حالة العكس تتحملون مسؤوليتكم"، وأضاف بأنه من المؤلم الاقتتال بيننا في حين يقوم الاستعمار بمحاربتنا معا، وأضاف أن المدنيين مندهشون وهم يرون المجاهدين يتقاتلون فيما بينهم..
عكس هاته الرسالة التي أرسلها مفتاح المتميزة بنوع من الحس الوطني، فقد كتب بن دقمان رسالة إلى قادة كتائبه جاء فيها "تحدثونني عن اتفاقكم مع الجبهة، إنها تعد لكم كمينا... الاتفاق بينكم وبين الجبهة لن يكون إلا بلغة الرصاص كما سبق أن أمرتكم".
في أواخر ديسمبر 1958 تعززت قوات مفتاح، حسب تقرير المكتب الثاني، الذي كشف وجود 1200 مقاتل تحت قيادته مقسمين إلى 3 كتائب كالتالي:
مفتاح في بوكحيل بن دقمان في جبل مساعد وجقلاف في الشارف، وبالنسبة للتسليح فلدى هاته الكتائب ما بين 1500 و2500 قطعة سلاح حربية وكمية كبيرة من الذخيرة تم غنمها من بلونيس. موقف الضباط الفرنسيين من جيش مفتاح
استراتيجية الموقع الذي يشرف عليه مفتاح جعل القيادة العامة للجيش الفرنسي بالجزائر تراجع حساباتها، حيث رأت بأنه في حالة القضاء على مفتاح وجيشه أو تشتيته، يتحتم عليها تكثيف تواجدها في المنطقة بسرعة ودعمه بطريقة غير مباشرة بعدم مهاجمته لتمكينه من صد زحف جيش التحرير في منطقة الجلفة.
بالنسبة لجبهة التحرير وموقفها من مفتاح وبقايا الحركة الميصالية فقد تقرر في اجتماع العقداء بالطاهير من 6 إلى 12 ديسمبر تصفية مفتاح وأتباعه، لهذا الغرض تم تدعيم الولاية السادسة بكتيبة من الولاية الرابعة للقضاء على بقايا الحركة الوطنية. من جهته الجنرال روي ٌُّز الذي استخلف الجنرال دوبوي ٌٌٌّىُِِّْم على رأس منطقة جنوب العاصمة ذهب إلى أبعد حد، إذ أصدر تعليمة بتاريخ 20 فيفري 1959 جاء فيها "عدم القيام بأي عمل عسكري ضد بقايا الحركة الوطنية (CSA) ومساعدتهم بالذخيرة والدعم الجوي".. لكن رغم موافقة الجنرال ماسو MASSU على هذا القرار، فإن الجنرال
ALLARD قائد الناحية العسكرية العاشرة رفض ذلك (بدعوى أن هذا التصرف يعطي الاعتراف بالحركة الوطنية وبالتالي العودة إلى تجربة بلونيس ويحبذ تركهم على حالهم، لكن يمنع اتصال بهم وعدم منحهم الذخيرة والسلاح خاصة). أما العقيد قودار ومن خلال تقرير صادر بتاريخ 20 أفريل 1959 يرى أن هاته المجموعات تشكل قوة فوضوية، وبالتالي فإن الأسلحة التي بين يديها تعتبر غنيمة ثمينة بالنسبة لجيش التحرير بالولاية السادسة، والأفضل هو تحطيمها أو تشتيتها بعد استسلام أفرادها.
العقيد جيرار لازال من جهته يأمل في انضمام جماعي لبقايا الحركة الوطنية إلى صفوف فرنسا.
ففي شهر نوفمبر 1958 راسل بن دقمان ومفتاح في هذا الشأن لكن هذا الأخير أجابه بأنه لن يمتثل إلا لتعليمات مصالي، في حين كانت إجابة بن دقمان برسالة مهينة للفرنسيين.
وفي هاته الأثناء بدأ بن دقمان وجقلاف يتآمران على مفتاح بدعوى عدم تمكنه من لملمة شتات الحركة الوطنية. نهاية مفتاح مع بداية الفصل الأول 1959 بدأت مجموعات مفتاح تذوب ذوبان الثلج في قمم الأطلس أثناء الربيع، حسب تعبير الكاتب، إذ بدأت تتناقص أعدادها ليس بسبب خسائر القتال، لأن الجيش الفرنسي كان يحافظ على هذه البقايا، وليس بسبب المواجهات بين مفتاح وجبهة التحرير لأنها كانت ضئيلة، فقد دب اليأس في صفوف الجنود وأغلبهم فضل الفرار والعودة إلى الحياة المدنية.
ومن أسباب تهلهل جيش مفتاح مقتل العديد من معاونيه الأساسيين ثلاثة منهم هم بن دقمان قتل يوم 26 مارس بزمرة، وعمر الوهراني يوم 10 ماي في اشتباك مع الفرنسيين، وبن جدو انضم إلى الفرنسيين يوم 4 ماي مع 14 من أتباعه بأسلحتهم، وأصبح مسؤول الحركى، حسب التقرير الشهري للمخابرات قطاع الجلفة صادر في جويلية .1959
في سبتمبر 1959 اتصل أوروبي وافدا من بون مَر إلى بوكحيل، مبعوثا من طرف مصالي الحاج والتقى بمفتاح، ثم بعدها في 23 نوفمبر 1959، جاء ثلاثة آخرون باسم الحركة الوطنية من باريس من بينهم جزائريان وفرنسي لم يذكر الكاتب أسماءهم وعقدوا سلسلة من الاجتماعات مع مفتاح ومع عبد الله السلمي من جهة أخرى وممثل الحركة الوطنية بمنطقة وهران كل على حدة، وتمت خلال هاته اللقاءات استشارتهم في حالة ما إذا دخل مصالي في محادثات مع ديغول، فالإجابة كانت بإتباع تعليمات الحاج مصالي.
في سبتمبر 1959 أصبحت مجموعة مفتاح منقسمة إلى ثلاثة قطاعات:
مبارك مسؤول منطقة الشارف، ساعد حيواز منطقة بوكحيل وعمر عاشور في منطقة أولاد جلال.
نهاية سنة 1959 وفي ظل العد التنازلي لجيش مفتاح، وتراجع نفوذه، ارتكب أحد الأخطاء الجسيمة، حيث قيام بتصفة اثنين من أقرب مساعديه بتاريخ 8 نوفمبر وهما أحمد بولحية وعامر قويري، اللذان أعلنا نيتهما بالانضمام إلى جيش وجبهة التحرير، ونتيجة لهذا التصرف وبحكم مكانتهما داخل الجنود وقع تمرد في صفوف قيادة أركانه أدى إلى طرده من بوكحيل وتعويضه بالمدعو محمد بلعلمي وهو محمد طاهة بن العلمي، فذهب مفتاح مع 50 جنديا وأحد مساعديه يدعى لمبارك الذي سرعان ما انشق عنه فيما بعد، ولم يبق مع مفتاح سوى 5 من جنوده يتنقل بين الشارف والجلفة إلى غاية فيفري 1960، حيث تمكن الملازم عمر لكحل أحد مساعدي سالم بن خليفة قائد مجموعة الحركة الوطنية بالمنطقة من القضاء على مفتاح وكان سعيدا بالانتقام لمسؤوله السابق أحمد بولحية.
تلك النهاية المؤلمة لمفتاح الذي كان سببا في انهيار حركة بلونيس رغم صغر سنه، حيث كان عمره 30 سنة لما قتل وظل وفيّا لمصالي حتى آخر يوم من حياته.
كيف وصلت حركة مفتاح إلى هاته النهاية؟
في تقرير أعده ضابط المخابرات للقطاع العسكري بالجلفة ومؤرخ بتاريخ 3 فيفري 1960 جاء فيه: "منذ انهيار بلونيس، أراد مفتاح بسط نفوذه على ولاية الصحراء كقائد للحركة الوطنية المسلحة، لكن لم يتمكن من ذلك بحكم عدم تمكنه من فرض سلطته على بن دقمان وجقلاف وعمر الوهراني داخل الجيش.
وكانت هناك حالة من الحقد والتكتل تسري بين قادة الحركة المنحدرين من منطقة أولاد نائل (ساعد حيواز، محمد بلعلمي، عمر عاشوري، عبد القادر بن دقمان، عامر قويري، أحمد بولحية، سالم بن خليفة، عبد الرحمان الرافال وأحمد بلقاضي) ومن جهة أخرى (مفتاح واسمه الحقيقي موزي أو ماوزي عليوات المولود حوالي 1929 بمنطقة ألما ALMA) أحمد حواش من الأغواط وامبارك من طاقين خةصاءش.
الانكسارات المتتالية لجيش مفتاح جراء ضربات القوات النظامية، وجيش جبهة التحرير قلل من مصداقيته.
في أكتوبر 1959 عقد مفتاح اجتماعا لقادة الحركة في بوكحيل وبالتحديد في الشمال الغربي لمنطقة أولاد جلال، وخلال هذا اللقاء تعرض مفتاح لانتقادات وبسبب عدم تمكنه من تحقيق الوحدة بين أفراد جيش الحركة المنتشرين في الصحراء.
بعدها قام مفتاح بتصفية أحمد بولحية وعامر قويري بواسطة المدعو بتقة الكاتب الخاص لمبارك وبطريقة سرية لما أزيح مفتاح عن قيادة الجيش.
بعدها ذهب مفتاح مع مبارك الذي بقي وفيا له مع 60 جندي ومسلح بقطعتين من سلاح ح.ئ إلى منطقة سنلبا بهدف ضم مجموعات الشارف إلى صفه، لكن قائد الحركة الوطنية في هاته المنطقة لما علم بمقتل بولحية وقويري تخلى أنصار مفتاح عنه وانسحب مبارك ومجموعته إلى طاقين، في حين بقي مفتاح مع 5 معاونيه قرب باب بني مسعود (معد هذا التقرير لم يعلم بقتل مفتاح).
ما بعد مفتاح ومصير بعض أتباعه
بعد تصفية مفتاح، تراجع الجنرال روي عدز الذي كان يدعو إلى التريث في محاربة مفتاح، بتاريخ 5 أفريل أمضى تعليمة خاصة جاء فيها (عدم التفرقة بين أفراد الحركة الوطنية دون استثناء، شأنهم في ذلك شأن عناصر جيش وجبهة التحرير ومحاربتهم دون هوادة باستثناء الذين يستسلمون وينضمون بدون شروط، إذ يتم إرسالهم إلى مقر إقامتهم، ومهما كانوا لا يقبل انضمامهم للقوات النظامية، لكن شال اعترض على هذا القرار بقبولهم إن أرادوا الانضمام إلى الجيش الفرنسي بصفة فردية).
في هاته الأثناء تولى بلعلمي قيادة مجموعة الشرق وانضم إليه سالم بن خليفة و70 جنديا وفضلا عن مجموعته المسلحة ب70 بندقية ورشاشين 2 وقام بالهجوم مرتين على المجموعات الفرنسية في جوان 1960 وقتل ثلاثة فرنسيين، وفي نفس الشهر تلقى حيواز ضربات موجعة إذ كان متمركزا بمنطقة سنلبا وخسر 31 جنديا وأسر الفرنسيون 10 جنود من أتباعه من بين ال70 التي كانت تحت قيادته.
وفي شهر جويلية جاء دور بن خليفة الذي خسر 13 جنديا و12 بندقية وسلاح رشاش واحد وتم مفكيك خلية الحركة الوطنية بالجلفة. وحسب ما أفاد به مراسل يومية "كريتيان ديمقراط" الصحفي أندري لويس Andr Louis الذي زار هاته المجموعات جاء في موضوعه "فإن الحركة الوطنية بالصحراء ضعفت بسبب سوء هيكلتها فبقيادة العلمي ونائبه العسكري عبد الرحمان النوي المدعو الرفال كانت مقسمة إلى 4 قطاعات، وهي جبل زمرة ومناعة بقيادة عبد الله السلمي، بوكحيل عمر عاشور فيض البطمة ساعد حيواز، الشارف سالم بن خليفة وبكل قطاع يوجد من 60 إلى 80 مقاتلا.
شهرا أوت وسبتمبر 1960 سادهما هدوء، وفي التقرير الشهري للاستعلامات الصادر في شهر اكتوبر عن قطاع الجلفة جاء فيه "انهيار الحركة الوطنية كان كاملا في المنطقة الثالثة (مجموعة حيواز) وجزئيا في المنطقة الثانية (مجموعة عاشور) حيث تم القضاء على 50 جنديا واسترجاع 59 قطعة سلاح.
حيواز فقد منذ جوان نائبه وقائد كتيبة و3 من قادة مجموعاته، وقل عدد جنوده من 103 في ديسمبر 59 إلى 20 جنديا حاليا، وبالنسبة لعبد الله السلمي لديه 53 جنديا في المنطقة. وفي المنطقة الرابعة بن خليفة 70 جنديا وعمر عاشور هو الآخر معه 125 جندي. وأضاف التقرير أن جميع هاته المجموعات تلقت تعليمات بالحفاظ على تواجدها، ظانين بأن الوقت يعمل لصالحهم. في نهاية السنة وفي الوقت الذي صدرت فيه أوامر للجيش الفرنسي بعدم التعرض لمجموعات الحركة الوطنية، على خلفية العمل على تشكيل القوة الثالثة، لكن هاته التعليمات لم تتبع، ففي 20 أفريل 1961 قام الفيلق الثاني للفيف الأجنبي للخيالة بالهجوم بثنية الحصباية بمنطقة سنلبا على بلعلمي وحيواز وبن خليفة الذين كانوا في اجتماع وقتلوا جميعا مع 14 جنديا بعد اشتباك عنيف.
ما إن لاح الفجر حتى تبين بأنه يوجد إلى جانب هؤلاء المقتولين الحسين حجيجي مسؤول الاتصالات لدى بلونيس، أما عبد القادر لطرش فقد عثر عليه فيما بعد مقتولا ومقطوع الأنف والأذنين، وبالنسبة للجنود المقتولين فقد كان عددهم بالمئات، وفيما يخص الجنود الأسرى فقد تم قتلهم يومي 20 و21 جوان وتعدادهم 300 منهم 86 كانوا معتقلين قبل الحادثة عند بلونيس.
وحسب تصريح لأحد الذين استسلموا للجيش الفرنسي وكان حاضرا أثناء هاته الحادثة، فإن 160 من المعتقلين قتلهم العربي قبايلي وحده.
لما قتل لطرش تولى قيادة جيشه حمه، وتوجه نحو جبل بوكحيل للالتحاق بمفتاح، وبينما كان هذا الجيش في طريقه هاجمته القوات الفرنسية بتاريخ 30 جوان في جبل طفارة على بعد 20 كلم من الجلفة، ودامت المعركة 45 دقيقة بعدها تلقى قائدها الضابط الفرنسي جان نوس Jean Nos أوامر بالانسحاب، وأعد تقريرا حول هاته المعركة جاء فيه "إن هاته المواجهة مع أتباع بلونيس كشفت بأنهم لا يستسلمون دون قتال، وجنودنا لا يمكن أن يشاركوا في معارك في ظل هاته الظروف".
بعدها أشاع العقيد جيرارد GIRARD بواسطة مناشير بأن مفتاح انضم إلى الجيش الفرنسي، داعيا أتباع بلونيس إلى انتهاج نفس المنهج، لكن هاته الحملة لم تثمر في البداية، إذ لم ينضم إلى الجيش الفرنسي إلا 150 وبتاريخ 25 جوان.
في هاته الأثناء كان بلونيس قد غادر مقر قيادته بدار الشيوخ مع حراسه القبائل وحمل معه الأموال، وقد شوهد مع العربي قبايلي وزوجته في شمال جبل زمرة وتشتت فلول أتباعه.
وبالنسبة لموقف القيادة العسكرية في هاته الأثناء وقبل هاته الحوادث كانت قد أصدرت في 16 جوان 1958 تعليمات من الجزائر تأمر GIRARD، بالعمل على استرجاع الأسلحة الموجودة لدى عناصر بلونيس، وبالنسبة للجنود العمل على ضمهم إلى الجيش الفرنسي بصفة حركى أو مخازنية، أو تسريحهم والسماح لهم بالعودة إلى بلدانهم الأصلية، أما في حالة رفض تسليم أسلحتهم سيعتبرون متمردين.
استمرت الحملة مدة 15 يوما ابتداء من 18 جوان بعدها بدأت السلطات مرحلة المواجهة المسلحة مع الرافضين للانضمام للجيش الفرنسي.
انطلقت عملية DAMIER التي تهدف إلى تصفية مجموعات ANPA وجيش التحرير في آن واحد. ففي تقرير صادر عن قيادة العمليات المشتركة يقدر تعداد أفراد هذه العملية 8000 جندي بقيادة العقيد ترانكي المشكلة من فيلق الكوموندو للطيران وفيلق المظليين، وتستهدف القبض على بلونيس، لكن القيادة العامة لهاته العملية كشفت بأنها لا تستهدف مجموعات مفتاح المرابطة بجبل بوكحيل، وتنحصر مهمتها مبدئيا في تصفية 4 مجموعات موالية لبلونيس وأهمها مقدرة بحوالي 500 إلى 800 قبائلي في منطقة جبل الصحاري، وتستهدف كذلك مجموعتين إحداهما ب500 جندي وأخرى من 200 اللتان يبدوان بأنهما لم يتخذا موقفا حاليا، حسب ما جاء في التقرير.
كما كشف ذات التقرير بأن هناك مفاوضات بين مفتاح وعمر إدريس الذي يقود كتيبتين في ضواحي بوكحيل. بعد القضاء على بلونيس في جويلية 1958 بدأت آخر وحدات بلونيس في التراجع والتقهقر.
وفي المقابل كانت الولاية السادسة بقيادة الحواس قد استرجعت قواتها ومنها المنطقة التاسعة للولاية الخامسة التي كان يقودها عمر إدريس، وبدأت وحدات جبهة التحرير في التموقع في أماكن عدة ضواحي الجلفة خاصة منها الأماكن التي كانت تحت قيادة بلونيس، وللعلم بأن تفكك وحدات بلونيس لم يكن تحت ضربات جيش التحرير أو الجيش الفرنسي فحسب، بل وقع اقتتال بين بعضهم البعض يضاف إليها التصفيات التي وقعت غداة هجوم لطرش على دار الشيوخ، وراح ضحيته المئات من الجنود الذين تمت تصفيتهم على يد بلونيس وأتباعه.
مصالي الحاج الذي التزم الصمت حول تصرفات بلونيس خاصة بعد أن أعلن بلونيس موقفه العلني الذي يبتعد عن خطة الحركة الوطنية، ونطق بعد القضاء على بلونيس، فقد صدر بيان غريب عن الحركة الوطنية جاء فيه "بأن الجنرال بلونيس قد استشهد ببطولة والسلاح بيده لأنه رفض الاندماج ويقود حربا من أجل استقلال الجزائر وتقرير مصيرها".
مفتاح في ركب الحركة الوطنية المسلحة
بدأ مصالي في استرجاع مفتاح إلى صفوف الحركة الوطنية وتأطيره بعد أن سبق أن أعلن عداءه لجيش الوطني للشعب الجزائري ءذخء. وولائه لمصالي والحركة الوطنية.
في المدة بين 21 و22 جويلية 1958 اشتبكت القوات الفرنسية مع مجموعة الميلود وجيش بن دقمان في ضواحي زنينه، وهي المجموعة التابعة لمفتاح، في شهر أوت أحصت القيادة العامة بالجلفة انضمام 200 من أنصار بلونيس إلى صفوفها وبصفة حركي، ومنهم العربي قبايلي والعربي الباريزي سعد مع جنود تعداده 37 فرد والعربي عين الريش وسي الحسين (يجب عدم الخلط بين الحسين حجيج) وعبد القادر دحماني.
مفتاح في مواجهة القوات الفرنسية
وانطلقت حملة فرنسية ضد مجموعة مفتاح الذي أعلن نفسه وريث زيان عاشور وليس بلونيس، إذا توجه العقيد LEVET قائد قطاع بوسعادة بتاريخ 27 جويلية نحو جبل بوكحيل وقام بعملية واسعة النطاق استهدفت جيش مفتاح، دامت يومين استعمل فيها النابالم، وتتضارب نتائجها، فالبعض يقول بأن هناك 103 جندي من الحركة الوطنية قتلوا و12 فرنسيا من بينهم ضابط، وتقارير أخرى تشير إلى مقتل 90 من أتباع مفتاح و24 جريحا و15 أسيرا من بينهم قائد كتيبة من جيش مفتاح و90 من الجانب الفرنسي.
نفس الهجوم قام به العقيد جيرار في جبل الصحاري يومي 1و12 أوت ضد جيش التحرير بقيادة عمر إدريس، استشهد فيه 34 جنديا وسجن 1 وقتل 3 فرنسين من بينهم قائد طائرة و21 جريحا وأغلب شهداء جيش التحرير قتلوا بالنابالم.
وفي 7 و11 أوت تم القضاء على مجموعة المبخوت على مرحلتين جنوب وشرق طاقين وتم أسر 50 من جنوده وهم كذلك من أتباع مفتاح.
في الفترة بين 31 و2 سبتمبر 1958 جرت اتصالات بين ممثلي مفتاح وممثلي جبهة التحرير في جبل محرق جنوب شرق الشارف، قاد المفاوضات من جانب مفتاح جقلاف وبن دقمان، أما عن الجبهة فقد كان مراد الذي طلب من موفدي مفتاح إبلاغه بضرورة تحديد مناطق تواجد ورسم حدود جغرافية لمنطقة كل منهما، وحسب ذات التقرير فإن هاته المحادثات لم تفض إلى أي اتفاق.
وفي 9 أكتوبر أرسل مفتاح رسالة إلى قائد جيش التحرير بالمنطقة جاء فيها "أرجو منك التحكم في عناصر جيشك وفي التنظيم الذي تشرفون عليه لتفادي أي اشتباك مسلح بيننا، وفي حالة العكس تتحملون مسؤوليتكم"، وأضاف بأنه من المؤلم الاقتتال بيننا في حين يقوم الاستعمار بمحاربتنا معا، وأضاف أن المدنيين مندهشون وهم يرون المجاهدين يتقاتلون فيما بينهم..
عكس هاته الرسالة التي أرسلها مفتاح المتميزة بنوع من الحس الوطني، فقد كتب بن دقمان رسالة إلى قادة كتائبه جاء فيها "تحدثونني عن اتفاقكم مع الجبهة، إنها تعد لكم كمينا... الاتفاق بينكم وبين الجبهة لن يكون إلا بلغة الرصاص كما سبق أن أمرتكم".
في أواخر ديسمبر 1958 تعززت قوات مفتاح، حسب تقرير المكتب الثاني، الذي كشف وجود 1200 مقاتل تحت قيادته مقسمين إلى 3 كتائب كالتالي:
مفتاح في بوكحيل بن دقمان في جبل مساعد وجقلاف في الشارف، وبالنسبة للتسليح فلدى هاته الكتائب ما بين 1500 و2500 قطعة سلاح حربية وكمية كبيرة من الذخيرة تم غنمها من بلونيس. موقف الضباط الفرنسيين من جيش مفتاح
استراتيجية الموقع الذي يشرف عليه مفتاح جعل القيادة العامة للجيش الفرنسي بالجزائر تراجع حساباتها، حيث رأت بأنه في حالة القضاء على مفتاح وجيشه أو تشتيته، يتحتم عليها تكثيف تواجدها في المنطقة بسرعة ودعمه بطريقة غير مباشرة بعدم مهاجمته لتمكينه من صد زحف جيش التحرير في منطقة الجلفة.
بالنسبة لجبهة التحرير وموقفها من مفتاح وبقايا الحركة الميصالية فقد تقرر في اجتماع العقداء بالطاهير من 6 إلى 12 ديسمبر تصفية مفتاح وأتباعه، لهذا الغرض تم تدعيم الولاية السادسة بكتيبة من الولاية الرابعة للقضاء على بقايا الحركة الوطنية. من جهته الجنرال روي ٌُّز الذي استخلف الجنرال دوبوي ٌٌٌّىُِِّْم على رأس منطقة جنوب العاصمة ذهب إلى أبعد حد، إذ أصدر تعليمة بتاريخ 20 فيفري 1959 جاء فيها "عدم القيام بأي عمل عسكري ضد بقايا الحركة الوطنية (CSA) ومساعدتهم بالذخيرة والدعم الجوي".. لكن رغم موافقة الجنرال ماسو MASSU على هذا القرار، فإن الجنرال
ALLARD قائد الناحية العسكرية العاشرة رفض ذلك (بدعوى أن هذا التصرف يعطي الاعتراف بالحركة الوطنية وبالتالي العودة إلى تجربة بلونيس ويحبذ تركهم على حالهم، لكن يمنع اتصال بهم وعدم منحهم الذخيرة والسلاح خاصة). أما العقيد قودار ومن خلال تقرير صادر بتاريخ 20 أفريل 1959 يرى أن هاته المجموعات تشكل قوة فوضوية، وبالتالي فإن الأسلحة التي بين يديها تعتبر غنيمة ثمينة بالنسبة لجيش التحرير بالولاية السادسة، والأفضل هو تحطيمها أو تشتيتها بعد استسلام أفرادها.
العقيد جيرار لازال من جهته يأمل في انضمام جماعي لبقايا الحركة الوطنية إلى صفوف فرنسا.
ففي شهر نوفمبر 1958 راسل بن دقمان ومفتاح في هذا الشأن لكن هذا الأخير أجابه بأنه لن يمتثل إلا لتعليمات مصالي، في حين كانت إجابة بن دقمان برسالة مهينة للفرنسيين.
وفي هاته الأثناء بدأ بن دقمان وجقلاف يتآمران على مفتاح بدعوى عدم تمكنه من لملمة شتات الحركة الوطنية. نهاية مفتاح مع بداية الفصل الأول 1959 بدأت مجموعات مفتاح تذوب ذوبان الثلج في قمم الأطلس أثناء الربيع، حسب تعبير الكاتب، إذ بدأت تتناقص أعدادها ليس بسبب خسائر القتال، لأن الجيش الفرنسي كان يحافظ على هذه البقايا، وليس بسبب المواجهات بين مفتاح وجبهة التحرير لأنها كانت ضئيلة، فقد دب اليأس في صفوف الجنود وأغلبهم فضل الفرار والعودة إلى الحياة المدنية.
ومن أسباب تهلهل جيش مفتاح مقتل العديد من معاونيه الأساسيين ثلاثة منهم هم بن دقمان قتل يوم 26 مارس بزمرة، وعمر الوهراني يوم 10 ماي في اشتباك مع الفرنسيين، وبن جدو انضم إلى الفرنسيين يوم 4 ماي مع 14 من أتباعه بأسلحتهم، وأصبح مسؤول الحركى، حسب التقرير الشهري للمخابرات قطاع الجلفة صادر في جويلية .1959
في سبتمبر 1959 اتصل أوروبي وافدا من بون مَر إلى بوكحيل، مبعوثا من طرف مصالي الحاج والتقى بمفتاح، ثم بعدها في 23 نوفمبر 1959، جاء ثلاثة آخرون باسم الحركة الوطنية من باريس من بينهم جزائريان وفرنسي لم يذكر الكاتب أسماءهم وعقدوا سلسلة من الاجتماعات مع مفتاح ومع عبد الله السلمي من جهة أخرى وممثل الحركة الوطنية بمنطقة وهران كل على حدة، وتمت خلال هاته اللقاءات استشارتهم في حالة ما إذا دخل مصالي في محادثات مع ديغول، فالإجابة كانت بإتباع تعليمات الحاج مصالي.
في سبتمبر 1959 أصبحت مجموعة مفتاح منقسمة إلى ثلاثة قطاعات:
مبارك مسؤول منطقة الشارف، ساعد حيواز منطقة بوكحيل وعمر عاشور في منطقة أولاد جلال.
نهاية سنة 1959 وفي ظل العد التنازلي لجيش مفتاح، وتراجع نفوذه، ارتكب أحد الأخطاء الجسيمة، حيث قيام بتصفة اثنين من أقرب مساعديه بتاريخ 8 نوفمبر وهما أحمد بولحية وعامر قويري، اللذان أعلنا نيتهما بالانضمام إلى جيش وجبهة التحرير، ونتيجة لهذا التصرف وبحكم مكانتهما داخل الجنود وقع تمرد في صفوف قيادة أركانه أدى إلى طرده من بوكحيل وتعويضه بالمدعو محمد بلعلمي وهو محمد طاهة بن العلمي، فذهب مفتاح مع 50 جنديا وأحد مساعديه يدعى لمبارك الذي سرعان ما انشق عنه فيما بعد، ولم يبق مع مفتاح سوى 5 من جنوده يتنقل بين الشارف والجلفة إلى غاية فيفري 1960، حيث تمكن الملازم عمر لكحل أحد مساعدي سالم بن خليفة قائد مجموعة الحركة الوطنية بالمنطقة من القضاء على مفتاح وكان سعيدا بالانتقام لمسؤوله السابق أحمد بولحية.
تلك النهاية المؤلمة لمفتاح الذي كان سببا في انهيار حركة بلونيس رغم صغر سنه، حيث كان عمره 30 سنة لما قتل وظل وفيّا لمصالي حتى آخر يوم من حياته.
كيف وصلت حركة مفتاح إلى هاته النهاية؟
في تقرير أعده ضابط المخابرات للقطاع العسكري بالجلفة ومؤرخ بتاريخ 3 فيفري 1960 جاء فيه: "منذ انهيار بلونيس، أراد مفتاح بسط نفوذه على ولاية الصحراء كقائد للحركة الوطنية المسلحة، لكن لم يتمكن من ذلك بحكم عدم تمكنه من فرض سلطته على بن دقمان وجقلاف وعمر الوهراني داخل الجيش.
وكانت هناك حالة من الحقد والتكتل تسري بين قادة الحركة المنحدرين من منطقة أولاد نائل (ساعد حيواز، محمد بلعلمي، عمر عاشوري، عبد القادر بن دقمان، عامر قويري، أحمد بولحية، سالم بن خليفة، عبد الرحمان الرافال وأحمد بلقاضي) ومن جهة أخرى (مفتاح واسمه الحقيقي موزي أو ماوزي عليوات المولود حوالي 1929 بمنطقة ألما ALMA) أحمد حواش من الأغواط وامبارك من طاقين خةصاءش.
الانكسارات المتتالية لجيش مفتاح جراء ضربات القوات النظامية، وجيش جبهة التحرير قلل من مصداقيته.
في أكتوبر 1959 عقد مفتاح اجتماعا لقادة الحركة في بوكحيل وبالتحديد في الشمال الغربي لمنطقة أولاد جلال، وخلال هذا اللقاء تعرض مفتاح لانتقادات وبسبب عدم تمكنه من تحقيق الوحدة بين أفراد جيش الحركة المنتشرين في الصحراء.
بعدها قام مفتاح بتصفية أحمد بولحية وعامر قويري بواسطة المدعو بتقة الكاتب الخاص لمبارك وبطريقة سرية لما أزيح مفتاح عن قيادة الجيش.
بعدها ذهب مفتاح مع مبارك الذي بقي وفيا له مع 60 جندي ومسلح بقطعتين من سلاح ح.ئ إلى منطقة سنلبا بهدف ضم مجموعات الشارف إلى صفه، لكن قائد الحركة الوطنية في هاته المنطقة لما علم بمقتل بولحية وقويري تخلى أنصار مفتاح عنه وانسحب مبارك ومجموعته إلى طاقين، في حين بقي مفتاح مع 5 معاونيه قرب باب بني مسعود (معد هذا التقرير لم يعلم بقتل مفتاح).
ما بعد مفتاح ومصير بعض أتباعه
بعد تصفية مفتاح، تراجع الجنرال روي عدز الذي كان يدعو إلى التريث في محاربة مفتاح، بتاريخ 5 أفريل أمضى تعليمة خاصة جاء فيها (عدم التفرقة بين أفراد الحركة الوطنية دون استثناء، شأنهم في ذلك شأن عناصر جيش وجبهة التحرير ومحاربتهم دون هوادة باستثناء الذين يستسلمون وينضمون بدون شروط، إذ يتم إرسالهم إلى مقر إقامتهم، ومهما كانوا لا يقبل انضمامهم للقوات النظامية، لكن شال اعترض على هذا القرار بقبولهم إن أرادوا الانضمام إلى الجيش الفرنسي بصفة فردية).
في هاته الأثناء تولى بلعلمي قيادة مجموعة الشرق وانضم إليه سالم بن خليفة و70 جنديا وفضلا عن مجموعته المسلحة ب70 بندقية ورشاشين 2 وقام بالهجوم مرتين على المجموعات الفرنسية في جوان 1960 وقتل ثلاثة فرنسيين، وفي نفس الشهر تلقى حيواز ضربات موجعة إذ كان متمركزا بمنطقة سنلبا وخسر 31 جنديا وأسر الفرنسيون 10 جنود من أتباعه من بين ال70 التي كانت تحت قيادته.
وفي شهر جويلية جاء دور بن خليفة الذي خسر 13 جنديا و12 بندقية وسلاح رشاش واحد وتم مفكيك خلية الحركة الوطنية بالجلفة. وحسب ما أفاد به مراسل يومية "كريتيان ديمقراط" الصحفي أندري لويس Andr Louis الذي زار هاته المجموعات جاء في موضوعه "فإن الحركة الوطنية بالصحراء ضعفت بسبب سوء هيكلتها فبقيادة العلمي ونائبه العسكري عبد الرحمان النوي المدعو الرفال كانت مقسمة إلى 4 قطاعات، وهي جبل زمرة ومناعة بقيادة عبد الله السلمي، بوكحيل عمر عاشور فيض البطمة ساعد حيواز، الشارف سالم بن خليفة وبكل قطاع يوجد من 60 إلى 80 مقاتلا.
شهرا أوت وسبتمبر 1960 سادهما هدوء، وفي التقرير الشهري للاستعلامات الصادر في شهر اكتوبر عن قطاع الجلفة جاء فيه "انهيار الحركة الوطنية كان كاملا في المنطقة الثالثة (مجموعة حيواز) وجزئيا في المنطقة الثانية (مجموعة عاشور) حيث تم القضاء على 50 جنديا واسترجاع 59 قطعة سلاح.
حيواز فقد منذ جوان نائبه وقائد كتيبة و3 من قادة مجموعاته، وقل عدد جنوده من 103 في ديسمبر 59 إلى 20 جنديا حاليا، وبالنسبة لعبد الله السلمي لديه 53 جنديا في المنطقة. وفي المنطقة الرابعة بن خليفة 70 جنديا وعمر عاشور هو الآخر معه 125 جندي. وأضاف التقرير أن جميع هاته المجموعات تلقت تعليمات بالحفاظ على تواجدها، ظانين بأن الوقت يعمل لصالحهم. في نهاية السنة وفي الوقت الذي صدرت فيه أوامر للجيش الفرنسي بعدم التعرض لمجموعات الحركة الوطنية، على خلفية العمل على تشكيل القوة الثالثة، لكن هاته التعليمات لم تتبع، ففي 20 أفريل 1961 قام الفيلق الثاني للفيف الأجنبي للخيالة بالهجوم بثنية الحصباية بمنطقة سنلبا على بلعلمي وحيواز وبن خليفة الذين كانوا في اجتماع وقتلوا جميعا مع 14 جنديا بعد اشتباك عنيف.