طاهر القلب
2011-12-08, 16:48
بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله بدأ الكلام , ثم الصلاة و السلام على خير الأنام , صادق الوعد و شفيع الخلق بعد القيام , نبي أمة الإسلام , المبعوث رحمة للعالمين و على آله الأطهار الميامين و صحبه الأخيار المنتجبين و من سار و انتهج طريقهم إلى يوم الدين , أيها الإخوة الكرام فإني محييكم بأفضل التحايا خفة و مزايا , فالسلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته ...
أما بعـد :
إن الشجرة من غير جذور لا تنمو كما هو مثبت علميا , و إنما لجذورها الدور الأصلي فيها , تغذية لها و تثبيتا لها ضد ظروف الطبيعية القاسية أي أنها تمثل لها الحياة كلها و طبعا الاستمرارية فيها طورا بعد طور و حالة بعيد حالة , و كذلك الحال بالنسبة للرجل الحكيم القوي فقد كان ضعيفا هشا في صباه و صغره , و إنما لاستمراره من صباه إلى كبره مراحل و أطوار , جعلته يستمد تلك القوة حالة بعد حالة إلى أن حصل على الرجولة التامة قوة و حكمة و تجربة , لأنه اكتسبها من التجارب عديدة مرت به و صقل الفهم و الإدراك جيدا , و عايش كل الصعاب و نجح في الوصول للقمة المنشودة و تمام البناء المحكم بكل جوانبه , و هكذا نضرب الأمثال على أن كل ما في الوجود مما خلق الله عز و جل له أصل هو بدايته و منه يستمد بقائه و استمراره شبرا شبرا ثم يوّصل ما اكتسبه من بدايته إلى نهايته و لمن يليه ممن بعده يستضيء به طريقه و يكمل مشوار البناء و التشييد , و بهذا يتحقق التقدم و التطور الحقيقي و على كل مستوى يتخذه هذا التقدم و التطور مهما كان , و هي سنة الحياة و استمرار نهج الأجيال فيها إلى أن يرث الله الأرض و ما عليها , في الحقيقة هذه توطئة بسيطة لما سنتباحث صحته من فساده و حقيقته من زيفه ... ففي كل يوم يمر من أيامنا الحاضرة المثخنة بالطعن في كل شيء و التشكيك في كل شيء , نرى و نسمع من الواقع المعاش و من الواقع الافتراضي و من المنابر الإعلامية من يأتينا بالفتاوى و الدعاوى و تلك الحجج و البراهين على أسباب تخلفنا كعرب و كمسلمين , و يعد الوصفات و يرتب حولها حكايات و ألغاز و ربما نكت مضحكة و غير مضحكة , و كأنه حقق الغاية و أتانا بالهداية , و رسم التطور شكلا و مضمونا و كسب مقعده في الجنة , حتى بتنا نرى في تخلفنا ذاك شبحا أسودا جعل كل حياتنا سوادا في سواد , فلا شيء سالم صحيح فيها , و بالخصوص ما له صلة بتلك الأصول التي نستمد منها ثقافتنا و فكرنا و حضارتنا و قيم ديننا , ثم قد تعددت الأسباب و الوصفات و العلاجات و التخلف فينا واحد غير متعدد , و لعل منها أسباب مسلم بواقعيتها لدى الصغير و الكبير , الرجل و المرأة , و لا خلاف حول ذلك أبدا , و ما أود قوله هنا في الحقيقة هو التساؤل الكبير حول علاقتنا بحضارتنا و تراثنا بكل جوانبه و ما صار إليه حالنا اليوم؟
هناك من هو بيننا يخاف من التراث و أرشيفه الضخم و هناك من يخاف عليه , فتتشكل في الذهن تلك الصورة للجدلية القائمة بين الحداثة أو العصرنّة و التراث أو الأصول؟ فهل هي ثورة تجديد أم هو استعمار في ثوب جديد أم هي محاولات لمحق قديم بليد تليد؟
أيها الإخوة الكرام عندما يأتي أحدهم و يطعن في أصلك و ما أنت به اليوم موجود , فبما تجيبه و ترد عليه , و هو يقول لك أنك مكبوح به و رهن لمورثك الرجعي و أسير ماضيك , و لازلت قابع فيه و لا تريد الخروج منه , و هذا الماضي يجهض كل محاولة للتطور في حياتك فعليك بالتجديد و التمدن و التحضر , فالناس اليوم قد وصلت إلى الشمس و القمر , و أنت قابع في قال فلان الفلاني و قيل للشخص العلاني و يجر أمامك كل تلك القصص التاريخية و ما مر من سابق زمن و عهد ... فما رأيك في قوله هذا؟ و بماذا تراك ترد عليه بالحجة و البرهان؟
أيها الإخوة الكرام هناك من هو من بني جلدتنا , يتنفس هوائنا النقي و يشرب مائنا الصافي و يأكل طعامنا الشهي , و قد أعلنها حربا ضروسا على تراثنا بكل ما يعنيه بالنسبة لنا , و نحن لا ننكر بالإطلاق محاولات التجديد بل نريده و بشدة لكي نعيش حياتنا الحاضرة مع ما تتطلبه هذه الحياة من أشكال و نماذج يجب توافرها فينا و حولنا , و لكن هذا التجديد يجب أن يكون في إطاره القائم على الأصول التي هي امتداد طبيعي في حياتنا , و ليس ذلك التجديد الذي ينفي كل ذلك و يدحضه و يريده خارج حياتنا و فكرنا و عقولنا ...
فمثـلا من عظمة ديننا و أبديته القائمة إلى قيام الساعة أنه جعل أسلوب القياس و الاجتهاد الديني منهجا في التشريع الديني , و هذا ليتماشى مع كل عصر و جيل و أسلوب حياته و أي جديد في تلك الحياة مهما كان , و لكن شرط الإبقاء على الأصول أصولا و الفروع فروعا , و التي يبنى عليها ذلك القياس و الاجتهاد و بالتالي الوصول إلى بر الأمان و تسيير حياة الناس بالتي هي أحسن و أفضل زمن بعد زمن و جيلا بعد جيل ... و هنا يقبع التساؤل المهم فهل من الأفضل التشبث بالتراث أم الانجراف مع الحضارة الغربية المدنية؟ أم أنه من ممكن لنا تكييف تعارضنا و تناقضنا معها بطرق أخرى لا تؤدي إلى نبذ الماضي و كل ما يحمله من هويتنا الثقافية و الدينية؟
فمثـلا قد شهدت هذه الأيام من ينادي بالمدنية كأسلوب حياة و طريقة عيش و هذه المدنية أساسها رفض الأشكال الدينية و إبعادها على الحياة العامة للمجتمع سياسية كانت أم ثقافية أم اجتماعية , و لعله من سيل مصطلاحاتهم المغلوطة "الدولة المدنية" و "الدولة الدينية" أو "الإسلاميين" و "التقدميين" فهل يعقل أن تكون الدولة مدنية أو دينية و هل هذا من المضامين الاستعمارية الثقافية لمجتمعاتنا , خاصة لدى طبقات النخبة من مثقفينا و علمائنا و سياسينا ثم أليس الإسلام ديننا و الشريعة الإسلامية منهجنا؟ ... لعل الأمثلة كثيرة و متعددة و على كل صعيد و لكنها تتفق حول مضمون واحد و هدف واحد و هو ما عنونا به موضوعنا هذا , و كل تلك المحاولات لفصل الأصل عن الفرع و إخراجه لقيطا من غير جذع يستمد منه القوة , التي أرهبتهم و أقضّت مضاجعهم و جعلت الغرب كله يعاني الأرق و و القلق ثم رهاب الخوف من هذا الإرث الحضاري الضخم ...
ختاما نسأل الله أن يرينا الحق حقا و يرزقنا إتباعه و يرينا الباطل باطلا و يرزقنا اجتنابه - في زمن اختلط الحابل بالنابل و لبس الباطل ثوب الحق و أتهم الحق بأنه باطل , كما أرجو أن لا يكون الموضوع طويلا مملا من غير نفع , اللهم صل على محمد و آل محمد كما صليت على إبراهيم و آل إبراهيم في العالمين إنك مجيد حميد و السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته .
ملاحظة فقط : لعلى لم أستشهد كثيرا بالوقائع الأخيرة الخاصة بما يسمى "الربيع العربي" لأن أسبابه و طرقه و نتائجه غير محسومة بعد و لها عدة تأويلات يمكن أن تتداخل و تتضارب , و ينفي بعضها بعضا و بالتالي تذهب أدراج الرياح و كأنها لم تكن ... و المقصود هنا بشكل أدق تحكم ما يطلقون عليه بـ "الإسلاميين" بمقاليد السلطة في عدّة بلدان عربية و تجدد قيام الحرب البادرة التي عنوانها "المدنية و الدينية" أو "الحداثة و التراث"...
الحمد لله بدأ الكلام , ثم الصلاة و السلام على خير الأنام , صادق الوعد و شفيع الخلق بعد القيام , نبي أمة الإسلام , المبعوث رحمة للعالمين و على آله الأطهار الميامين و صحبه الأخيار المنتجبين و من سار و انتهج طريقهم إلى يوم الدين , أيها الإخوة الكرام فإني محييكم بأفضل التحايا خفة و مزايا , فالسلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته ...
أما بعـد :
إن الشجرة من غير جذور لا تنمو كما هو مثبت علميا , و إنما لجذورها الدور الأصلي فيها , تغذية لها و تثبيتا لها ضد ظروف الطبيعية القاسية أي أنها تمثل لها الحياة كلها و طبعا الاستمرارية فيها طورا بعد طور و حالة بعيد حالة , و كذلك الحال بالنسبة للرجل الحكيم القوي فقد كان ضعيفا هشا في صباه و صغره , و إنما لاستمراره من صباه إلى كبره مراحل و أطوار , جعلته يستمد تلك القوة حالة بعد حالة إلى أن حصل على الرجولة التامة قوة و حكمة و تجربة , لأنه اكتسبها من التجارب عديدة مرت به و صقل الفهم و الإدراك جيدا , و عايش كل الصعاب و نجح في الوصول للقمة المنشودة و تمام البناء المحكم بكل جوانبه , و هكذا نضرب الأمثال على أن كل ما في الوجود مما خلق الله عز و جل له أصل هو بدايته و منه يستمد بقائه و استمراره شبرا شبرا ثم يوّصل ما اكتسبه من بدايته إلى نهايته و لمن يليه ممن بعده يستضيء به طريقه و يكمل مشوار البناء و التشييد , و بهذا يتحقق التقدم و التطور الحقيقي و على كل مستوى يتخذه هذا التقدم و التطور مهما كان , و هي سنة الحياة و استمرار نهج الأجيال فيها إلى أن يرث الله الأرض و ما عليها , في الحقيقة هذه توطئة بسيطة لما سنتباحث صحته من فساده و حقيقته من زيفه ... ففي كل يوم يمر من أيامنا الحاضرة المثخنة بالطعن في كل شيء و التشكيك في كل شيء , نرى و نسمع من الواقع المعاش و من الواقع الافتراضي و من المنابر الإعلامية من يأتينا بالفتاوى و الدعاوى و تلك الحجج و البراهين على أسباب تخلفنا كعرب و كمسلمين , و يعد الوصفات و يرتب حولها حكايات و ألغاز و ربما نكت مضحكة و غير مضحكة , و كأنه حقق الغاية و أتانا بالهداية , و رسم التطور شكلا و مضمونا و كسب مقعده في الجنة , حتى بتنا نرى في تخلفنا ذاك شبحا أسودا جعل كل حياتنا سوادا في سواد , فلا شيء سالم صحيح فيها , و بالخصوص ما له صلة بتلك الأصول التي نستمد منها ثقافتنا و فكرنا و حضارتنا و قيم ديننا , ثم قد تعددت الأسباب و الوصفات و العلاجات و التخلف فينا واحد غير متعدد , و لعل منها أسباب مسلم بواقعيتها لدى الصغير و الكبير , الرجل و المرأة , و لا خلاف حول ذلك أبدا , و ما أود قوله هنا في الحقيقة هو التساؤل الكبير حول علاقتنا بحضارتنا و تراثنا بكل جوانبه و ما صار إليه حالنا اليوم؟
هناك من هو بيننا يخاف من التراث و أرشيفه الضخم و هناك من يخاف عليه , فتتشكل في الذهن تلك الصورة للجدلية القائمة بين الحداثة أو العصرنّة و التراث أو الأصول؟ فهل هي ثورة تجديد أم هو استعمار في ثوب جديد أم هي محاولات لمحق قديم بليد تليد؟
أيها الإخوة الكرام عندما يأتي أحدهم و يطعن في أصلك و ما أنت به اليوم موجود , فبما تجيبه و ترد عليه , و هو يقول لك أنك مكبوح به و رهن لمورثك الرجعي و أسير ماضيك , و لازلت قابع فيه و لا تريد الخروج منه , و هذا الماضي يجهض كل محاولة للتطور في حياتك فعليك بالتجديد و التمدن و التحضر , فالناس اليوم قد وصلت إلى الشمس و القمر , و أنت قابع في قال فلان الفلاني و قيل للشخص العلاني و يجر أمامك كل تلك القصص التاريخية و ما مر من سابق زمن و عهد ... فما رأيك في قوله هذا؟ و بماذا تراك ترد عليه بالحجة و البرهان؟
أيها الإخوة الكرام هناك من هو من بني جلدتنا , يتنفس هوائنا النقي و يشرب مائنا الصافي و يأكل طعامنا الشهي , و قد أعلنها حربا ضروسا على تراثنا بكل ما يعنيه بالنسبة لنا , و نحن لا ننكر بالإطلاق محاولات التجديد بل نريده و بشدة لكي نعيش حياتنا الحاضرة مع ما تتطلبه هذه الحياة من أشكال و نماذج يجب توافرها فينا و حولنا , و لكن هذا التجديد يجب أن يكون في إطاره القائم على الأصول التي هي امتداد طبيعي في حياتنا , و ليس ذلك التجديد الذي ينفي كل ذلك و يدحضه و يريده خارج حياتنا و فكرنا و عقولنا ...
فمثـلا من عظمة ديننا و أبديته القائمة إلى قيام الساعة أنه جعل أسلوب القياس و الاجتهاد الديني منهجا في التشريع الديني , و هذا ليتماشى مع كل عصر و جيل و أسلوب حياته و أي جديد في تلك الحياة مهما كان , و لكن شرط الإبقاء على الأصول أصولا و الفروع فروعا , و التي يبنى عليها ذلك القياس و الاجتهاد و بالتالي الوصول إلى بر الأمان و تسيير حياة الناس بالتي هي أحسن و أفضل زمن بعد زمن و جيلا بعد جيل ... و هنا يقبع التساؤل المهم فهل من الأفضل التشبث بالتراث أم الانجراف مع الحضارة الغربية المدنية؟ أم أنه من ممكن لنا تكييف تعارضنا و تناقضنا معها بطرق أخرى لا تؤدي إلى نبذ الماضي و كل ما يحمله من هويتنا الثقافية و الدينية؟
فمثـلا قد شهدت هذه الأيام من ينادي بالمدنية كأسلوب حياة و طريقة عيش و هذه المدنية أساسها رفض الأشكال الدينية و إبعادها على الحياة العامة للمجتمع سياسية كانت أم ثقافية أم اجتماعية , و لعله من سيل مصطلاحاتهم المغلوطة "الدولة المدنية" و "الدولة الدينية" أو "الإسلاميين" و "التقدميين" فهل يعقل أن تكون الدولة مدنية أو دينية و هل هذا من المضامين الاستعمارية الثقافية لمجتمعاتنا , خاصة لدى طبقات النخبة من مثقفينا و علمائنا و سياسينا ثم أليس الإسلام ديننا و الشريعة الإسلامية منهجنا؟ ... لعل الأمثلة كثيرة و متعددة و على كل صعيد و لكنها تتفق حول مضمون واحد و هدف واحد و هو ما عنونا به موضوعنا هذا , و كل تلك المحاولات لفصل الأصل عن الفرع و إخراجه لقيطا من غير جذع يستمد منه القوة , التي أرهبتهم و أقضّت مضاجعهم و جعلت الغرب كله يعاني الأرق و و القلق ثم رهاب الخوف من هذا الإرث الحضاري الضخم ...
ختاما نسأل الله أن يرينا الحق حقا و يرزقنا إتباعه و يرينا الباطل باطلا و يرزقنا اجتنابه - في زمن اختلط الحابل بالنابل و لبس الباطل ثوب الحق و أتهم الحق بأنه باطل , كما أرجو أن لا يكون الموضوع طويلا مملا من غير نفع , اللهم صل على محمد و آل محمد كما صليت على إبراهيم و آل إبراهيم في العالمين إنك مجيد حميد و السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته .
ملاحظة فقط : لعلى لم أستشهد كثيرا بالوقائع الأخيرة الخاصة بما يسمى "الربيع العربي" لأن أسبابه و طرقه و نتائجه غير محسومة بعد و لها عدة تأويلات يمكن أن تتداخل و تتضارب , و ينفي بعضها بعضا و بالتالي تذهب أدراج الرياح و كأنها لم تكن ... و المقصود هنا بشكل أدق تحكم ما يطلقون عليه بـ "الإسلاميين" بمقاليد السلطة في عدّة بلدان عربية و تجدد قيام الحرب البادرة التي عنوانها "المدنية و الدينية" أو "الحداثة و التراث"...