المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأشاعرة وموقف أهل السنة منهم


ليتيم الشافعي
2008-12-02, 10:36
الأشاعرة وموقف أهل السنة منهم
بسم الله الرحمن الرحيم

http://djelfa.info/vb/showthread.php?t=79208

جمال البليدي
2008-12-03, 00:05
جزاكم الله خيرا أخانا الكريم

--------------------------------------


مختصر في معتقد الأشاعرة وسبب إخراجهم من الفرقة الناجية(من كتاب تأكيد المسلمات السلفية في نقض الفتوى الجماعية بأن الأشاعرة من الفرقة المرضية للشيخ عبد العزيز الريس عن موقع الإسلام العتيق)



إليك شيئاً من معتقد الأشاعرة مفقراً على وجه الاختصار :
1- أن الإيمان هو التصديق فلا يرون عمل الجوارح من الإيمان ولا يرون كفراً يكون بالجوارح .
2- أنهم جبرية في باب القدر فلا يثبتون إلا الإرادة الكونية دون الإرادة الشرعية ، فليس للعبد عندهم قدرة ولا يثبتون إلا الاستطاعة والقدرة المقارنة للعمل دون ما قبله .
3- لا يثبتون لأفعال الله علة ولا حكمة والعياذ بالله .
4- لا يثبتون شيئاً من الصفات الفعلية .
5- الأشاعرة الذين هم من بعد أبي المعالي الجويني أنكروا علو الله على خلقه بذاته .
6- لا يثبتون من صفات المعاني إلا سبعاً أو أكثر وعمدتهم في الإثبات العقل ثم هم في الصفات السبع نفسها لا يثبتونها كما يثبتها أهل السنة .
7- معنى كلمة التوحيد لا إله إلا الله راجع إلى توحيد الربوبية فلا يعرفون توحيد الألوهية كما فسر الباقلاني كلمة التوحيد بمعنى الربوبية .
8- مآل قولهم في كلام الله أن القرآن مخلوق كما أفاده أحد أئمة الأشاعرة المتأخرين الرازي .
9- يتوسعون في الكرامة فيجعلون كرامة الأنبياء ممكنة للأولياء .
10- يقررون رؤية الله إلى غير جهة ومآل قولهم إنكار الرؤية .
11- أن العقل لا يحسن ولا يقبح .
12- أنه لا يصح إسلام أحد بعد التكليف إلا أن يشك ثم أول واجب عليه النظر كما قال أبو المعالي الجويني .
إلى آخر ما عندهم من اعتقادات بدعية .
إذا تبين شيء من معتقد الأشاعرة فالواحدة مما تقدم تكفي في تبديعهم وإخراجهم من أهل السنة والفرقة الناجية إلى عموم الاثنتين والسبعين فرقة المسلمة الضالة لأن ما ذكرت من المؤاخذات العقدية هي مؤاخذات كلية .
وتخرج الطائفة والفرقة من طائفة أهل السنة إلى أهل البدعة إذا خالفت أهل السنة في أمر كلي ولو واحداً كما أفاد ذلك الشاطبي في الاعتصام (2/712) فقال : وذلك أن هذه الفرق إنما تصير فرقاً بخلافها للفرقة الناجية في معنى كلي في الدين وقاعدة من قواعد الشريعة لا في جزئي من الجزئيات إذ الجزئي والفرع الشاذ لا ينشأ عنه مخالفة يقع بسببها التفرق شيعاً وإنما ينشأ التفرق عند وقوع المخالفة في الأمور الكلية لأن الكليات نص من الجزئيات غير قليل وشأنها في الغالب أن لا تختص بمحل دون محل ولا بباب دون باب واعتبر ذلك بمسألة التحسين العقلي فإن المخالفة فيها أنشأت بين المخالفين خلافاً في الفروع لا تنحصر ما بين فروع عقائد وفروع أعمال .
ويجرى مجرى القاعدة الكلية كثرة الجزئيات فإن المبتدع إذا أكثر من إنشاء الفروع المخترعة عاد ذلك على كثير من الشريعة بالمعارضة كما تصير القاعدة الكلية معارضة أيضاً وأما الجزئي فبخلاف ذلك بل يعد وقوع ذلك من المبتدع له كالزلة والفلتة وإن كانت زلة العالم مما يهدم الدين حيث قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه : ثلاث يهدمن الدين: زلة العالم وجدال المنافق بالقرآن وأئمة مضلون ولكن إذا قرب موقع الزلة لم يحصل بسببها تفرق في الغالب ولا هدم للدين بخلاف الكليات ا.هـ
فكيف بمن يخالف أهل السنة في عدة كليات كالأشاعرة .
أو إذا خالفت أهل السنة فيما اشتهر خلاف أهل السنة فيه لأهل البدع كما أفاده ابن تيمية إذ قال (35/414) : والبدعة التي يعد بها الرجل من أهل الأهواء ما اشتهر عند أهل العلم بالسنة مخالفتها للكتاب والسنة كبدعة الخوارج والروافض والقدرية والمرجئة ا.هـ
وقال ابن بطة -رحمه الله-: (ونحن الآن ذاكرون شرح السنة ووصفها، وما هي في نفسها، وما الذي إذا تمسك به العبد ودان الله به سمى بها واستحق الدخول في جملة أهلها، وما إن خالفه أو شيئاً منه دخل في جملة من عبناه وذكرناه وحذر منه من أهل البدع والزيغ مما أجمع على شرحنا له أهل الإسلام وسائر الأمة منذ بعث نبيه الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم - إلى وقتنا هذا . ثم ذكر أمور الاعتقاد -...) الشرح والإبانة على أصول السنة والديانة (175-176)

الماسة الزرقاء
2008-12-03, 10:12
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته

بارك الله فيكما و في جهدكما القيم و نفع بكما

ربوح ميلود
2008-12-03, 14:20
والاشاعرة في اثبات الصفات لايثبتون الا سبعا وهي : السمع والبصر والارادة والكلام والحياة والعلم والقدرة ومشكلتهم هل اثبتوها بالكتاب والسنة
لا ثم لا بل اثبتوها بالعقل وقالوا نثبت مااثبته والعقل
ولكن عقل من؟ فالامر لايخلو من حالتين
1 ـ عقل منظر لمنهجهم فأصبح هذا العقل هو الاله ومن دونه لاشيء واثبتوا ان عقل المنظر وصل الى الرتبة القصوى التى ليس اعلاها شيء وهذا امر خطير
2 ـ ان كل عقل يثبت ماشاء ويدعو ماشاء فتتعدد الاراء والصفات المثبة او المنفية او امأولة او المفوضة .
والخلاصة اصبح العقل قاض وحكم والنصوص الشرعية خصم ومتهم
فاعتبر ياشعري
اما اثبات الكلام فتلك طامة كبرى ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
لو سألتهم مالكلام عندكم لقالوا هو كلام نفسي عبر عليه جبريل ولهذا يقولون ان القرآن عبارة عن كلام الله وليس كلام الله
لانه لاينطق بالحرف . وهذا قليل من كثير
اخوكم ابو انس ميلود ربوح

محمد ناصر الدين
2008-12-05, 22:47
أهل السنة والجماعة مصطلح ظهر للدلالة على من كان على منهج السلف الصالح من التمسك بالقرآن والسنن والآثار المروية عن رسول الله ‘ وعن أصحابه رضوان الله تعالى عليهم، ليتميز عن مذاهب المبتدعة وأهل الأهواء.
وإذا أطلق هذا المصطلح في كتب العلماء فالمقصود به الأشاعرة والماتريدية وأصحاب الحديث؛ لأنهم هم الذين على ما كان عليه رسول الله‘، لم يبدلوا ولم يغيروا كما فعل غيرهم من أهل الزيغ والابتداع.
ولقد وصف رسول الله‘ الفرقة النـاجية بأنهم السواد الأعظم من الأمة، وهذا الوصف منطبق على الأشاعرة والماتريدية وأصحاب الحديث، إذ هم غالب أمة الإسلام، والمنفي عنهم الاجتماع على الضلالة بنص الحديث المشهور (لا تجتمع أمتـي علـى الضلالة) ([1] (mhtml:mid://00000002/#_ftn1)).
قال الإمام تاج الدين السبكي رحمه الله تعالى (إتحاف السادة المتقين 2/6):
(اعلم أن أهل السنة والجماعة كلهم قد اتفقوا على معتقد واحد فيما يجب ويجوز ويستحيل، وإن اختلفوا في الطرق والمبادئ الموصلة لذلك، أو في لِميّة([2] (mhtml:mid://00000002/#_ftn2)) ما هنالك، وبالجملة فهم بالاستقراء ثلاث طوائف:
الأولى: أهل الحديث ومعتمد مباديهم الأدلة السمعية، أعني الكتاب والسنة والإجماع.
الثانية: أهل النظر العقلي والصناعة الفكرية، وهم الأشعرية والحنفية، وشيخ الأشعرية أبو الحسن الأشعري، وشيخ الحنفية أبو منصور الماتريدي...
الثالثة: أهل الوجدان والكشف، وهم الصوفية، ومباديهم مبادئ أهل النظر والحديث في البداية، والكشف والإلهام في النهاية) اهـ.
وقال الإمام عضد الدين الإيجي - رحمه الله تعالى - في بيان الفرقة الناجية، بعد أن عدد فرق الهالكين (المواقف ص 430):
(وأما الفرقة الناجية المستثناة الذين قال النبي ـ ‘ ـ فيهم "هم الذين على ما أنا عليه وأصحابي" فهم الأشاعرة والسلف من المحدثين وأهل السنة والجماعة، ومذهبهم خالٍ من بدع هؤلاء) اهـ.
وقال الإمام الجلال الدواني رحمه الله تعالى (شرح العقائد العضدية 1/ 34):
(الفرقة الناجية، وهم الأشاعرة أي التابعون في الأصـول للشيخ أبي الحسـن... فـإن قلت: كيف حكم بأن الفرقة الناجية هم الأشاعرة؟ وكل فرقة تزعم أنها ناجية؟ قلت سياق الحـديث مشعر بأنهم – يعني الفرقة الناجية – المعتقدون بما روي عن النبـي‘ وأصحابه، وذلك إنما ينطبق على الأشاعرة، فإنهم متمسكون في عقائدهم بالأحاديث الصحيحة المنقولة عنه ‘ وعن أصحابه، ولا يتجاوزون عن ظواهرها إلا لضرورة، ولا يسترسلون مع عقولهم كالمعتزلة) اهـ.
والاقتصار على الأشاعرة في نصوص الأئمة إنما ذلك لكونهم أغلب أهل السنة، فلا يفهم منه إخراج غيرهم من طوائف أهل السنة من الفرقة الناجية، فمن لم يكن منهم متبعاً للإمام الأشعري فهو موافق له.
وقال العارف بالله الإمام ابن عجيبة([3] (mhtml:mid://00000002/#_ftn3)) رحمه الله تعالى (تفسير الفاتحة الكبير، المسمى بـ " البحر المديد " ص607): (أما أهل السنة فهم الأشاعرة ومن تبعهم في اعتقادهم الصحيح، كما هو مقرر في كتب أهل السنة)’اهـ.
قال الإمام تاج الدين السبكي رحمه الله تعالى (طبقات الشافعية 3 / 365):
(قال الشيخ الإمام - يعني والده التقي السبكي - فيما يحكيه لنا: ولقد وقفت لبعض المعتزلة على كتاب سماه طبقات المعتزلة، وافتتح بذكر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، ظناً منه أنه - برأه الله منهم - على عقيدتهم. قال: وهذا نهاية في التعصب، فإنما ينسب إلى المرء من مشى على منواله. قلت أنا للشيخ الإمام: ولو تم هذا لهم لكان للأشاعرة أن يعدوا أبا بكر وعمر رضي الله عنهما في جملتهم، لأنهم عن عقيدتهما وعقيدة غيرهما من الصحابة فيما يدعون يناضلون، وإياها ينصرون، وعلى حماها يحومون. فتبسم، وقال: أتباع المرء من دان بمذهبه وقال بقوله على سبيل المتابعة والاقتفاء الذي هو أخص من الموافقة، فبين المتابعة والموافقة بون عظيم) اهـ.
وقال الإمام عبدالقاهر البغدادي رحمه الله (الفرق بين الفرق ص 19):
(.. فأما الفرقة الثالثة والسبعون فهي أهل السنة والجماعة من فريقي الرأي والحديث دون من يشتري لهو الحديث، وفقهاء هذين الفريقين وقراؤهم ومحدثوهم ومتكلمو أهل الحديث منهم، كلهم متفقون على مقالة واحدة... وليس بينهم فيما اختلفوا فيه منها تضليل ولا تفسيق وهم الفرقة الناجية... فمن قال بهذه الجهة التي ذكرناها ولم يخلط إيمانه بشيء من بدع.... سائر أهل الأهواء فهو من جملة الفرقة الناجية - إن ختم الله له بها - ودخل في هذه الجملة جمهور الأمة وسوادها الأعظم من أصحاب مالك والشافعي وأبي حنيفة والأوزاعي والثوري وأهل الظاهر....) اهـ.
وقال أيضاً (أصول الدين ص309) بعد أن عدَّدَ أئمة أهل السنة والجماعة في علم الكلام من الصحابة والتابعين وتابعيهم إلى أن قال:
(.. ثم بعدهم شيخ النظر وإمام الآفاق في الجدل والتحقيق أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري الذي صار شجاً في حلوق القدرية..... وقد ملأت الدنيا كتبه، وما رزق أحد من المتكلمين من التبع ما قد رزق، لأن جميع أهل الحديث وكل من لم يتمعزل من أهل الرأي على مذهبه) اهـ.
وقال الإمام الزاهد القدوة أبو عمرو الداني([4] (mhtml:mid://00000002/#_ftn4)) رحمه الله تعالى(الرسالة الوافية في معتقد أهل السنةوالجماعة ص117): (اعلموا أيدكم الله بتوفيقه وأمدكم بعونه وتسديده، أن قول أهـل السنـة والجماعة من المسلمين المتقدمين والمتأخرين من أصحاب الحديث والفقهاء والمتكلمين..)
ثم شرع ببيان اعتقاد أهل السنة، وقوله (الفقهـاء والمتكلمين) يعني بهم الأشاعرة والماتريدية، ورسالته زاخرة بأدلة التقديس رحمه الله، وتأثره بشيخه وأستاذه شيخ أهل السنة القاضي أبي بكر الباقلاني رحمه الله تعالى وبطريقة الإمام الأشعري واضح لا يخفى على من طالع كتبه، بل إن بعض الألفاظ والعبارات هي هي التي استخدمها الإمام الأشعري في بعض كتبه.
وقال حجة المتكلمين الإمام أبو المظفر الإسفراييني - رحمه الله تعالى- (التبصـير في الدين ص111) بعد أن شرح عقيدة أهل السنة: (وأن تعلم أنّ كل من تدين بهذا الدين الذي وصفناه من اعتقاد الفرقة الناجية فهو على الحق وعلى الصراط المستقيم فمن بدّعه فهو مبتدع ومن ضلله فهو ضال ومن كفره فهو كافر) اهـ.
فانظر يا رعاك الله كيف هي خطورة الأمر، لتعلم استهتار الذين يقعون في أعراض الأشاعرة ويثلبونهم ويضللون عقائدهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وقال الإمام أبو إسحاق الشيرازي رحمه الله تعالى (طبقات الشافعية 3/ 376): (وأبو الحسن الأشعري إمام أهل السنة، وعامة أصحاب الشافعي على مذهبه، ومذهبه مذهب أهل الحق) اهـ.
وناهيك بأبي إسحاق الشيرازي علماً وفقهاً وديانة وورعاً وتقدماً في الدين.
وسئل الإمام ابن حجر الهيتمي – رحمه الله تعالى – عن الإمام أبي الحسن الأشعري والباقلاني وابن فورك وإمام الحرمين والباجي وغيرهم ممن أخذ بمذهب الأشعري، فأجاب:
(هم أئمة الدين وفحول علماء المسلمين، فيجب الاقتداء بهم لقيامهم بنصرة الشريعة وإيضاح المشكلات وردّ شبه أهل الزيغ وبيان ما يجب من الاعتقادات والديانات، لعلمهم بالله وما يجب له وما يستحيل عليه وما يجوز في حقه........ والواجب الاعتراف بفضل أولئك الأئمة المذكورين في السؤال وسابقتهم وأنهم من جملة المرادين بقوله ‘ " يحمل هذا العلممن كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين " فلا يعتقد ضلالتهم إلا أحمق جاهل أو مبتدع زائغ عن الحق، ولا يسبهم إلا فاسق، فينبغي تبصير الجاهل وتأديب الفاسق واستتابة المبتدع) اهـ. (الفتاوى الحديثية ص 205).
وقال العلامة السفاريني الحنبلي رحمه الله تعالى (لوامع الأنوار البهية 1 / 73): أهل السنة والجماعة ثلاث فرق:
·الأثرية، وإمامهم أحمد بن حنبل رضي الله عنه.
·والأشعرية، وإمامهم أبو الحسن الأشعري رحمه الله.
·والماتريدية، وإمامهم أبو منصور الماتريدي رحمه الله تعالى) اهـ.
وقال الإمام المرتضى الزبيدي - رحمه الله تعالى - (إتحاف السادة المتقين 2 / 6): (إذا أطلق أهل السنة والجماعة فالمراد بهم الأشاعرة والماتريدية) اهـ.
وقال أيضاً في موضع آخر (2 / 86):
(والمراد بأهل السنة هم الفرق الأربعة، المحدثون والصوفية([5] (mhtml:mid://00000002/#_ftn5)) والأشاعرة والماتريدية) اهـ.
ومما يستشهد به في هذا الباب رسالة أبي جعفر الطحاوي -’رحمه الله - في العقيدة، المسماة بالعقيدة الطحاوية، التي أجمل فيها اعتقاد السلف رضوان الله عليهم، وهي مما أطبقت الأمة عليه وتلقته بالقبول، وما تضمنته هذه العقيدة هو ما يعتقده الأشاعرة، سوى مسائل يسيرة لا تستلزم تضليلاً ولا تفسيقاً.
وقال الإمام العلامة أحمد الدردير - رحمه الله تعالى - في شرحه على منظومته في العقائد المسماة بـ " خريدة التوحيد " (ص 194):
(واتبع سبيل الناسكين العلماء) ثم شرح عبارته فقال (جمع عالم وهو العارف بالأحكام الشرعية التي عليها مدار صحة الدين اعتقادية كانت أو عملية والمراد بهم السلف الصالح ومن تبعهم بإحسان وسبيلهم منحصر في اعتقاد وعلم وعمل على طبق([6] (mhtml:mid://00000002/#_ftn6)) العلم، وافترق من جاء بعدهم من أئمة الأمة الذين يجب اتباعهم على ثلاث فرق، فرقة نصبت نفسـها لبيـان الأحكام الشرعية العملية وهم الأئمة الأربعة وغيرهم من المجتهدين، ولكن لم يستقر من المذاهب المرضية سوى مذاهب الأئمة الأربعة، وفرقة نصبت نفسها للاشتغال ببيان العقائد التي كان عليها السلف وهم الأشعري والماتريدي ومن تبعهما، وفرقة نصبت نفسها للاشتغال بالعمل والمجـاهدات على طبق ما ذهب إليه الفرقتان المتقدمتان وهم الإمام أبو القاسم الجنيد ومن تبعه، فهؤلاء الفرق الثلاثة هم خواص الأمة المحمدية ومن عداهم من جميع الفرق على ضلال وإن كان البعض منهم يحكم له بالإسلام فالناجي من كان في عقيدته على طبق ما بينه أهل السنة) اهـ.
وقال الإمام العلامة عبد الله بن علوي الحداد رحمه الله تعالى (نيل المرام شرح عقيدة الإسلامللإمام الحداد الصفحة 8):
(اعلم أن مذهب الأشاعرة في الاعتقاد هو ما كان عليه جماهير أمة الإسلام علماؤها ودهماؤها، إذ المنتسبون إليهم والسالكون طريقهم كانوا أئمة أهل العلوم قاطبة على مرّ الأيام والسنين، وهم أئمة علم التوحيد والكلام والتفسير والقراءة والفقه وأصوله والحديث وفنونه والتصوف واللغة والتاريخ) اهـ.

وقال أيضاً رضي الله عنه (رسالة المعاونة والمظاهرة والمؤازرة ص/67 ـ 68):
(وعليك بتحسين معتقدك وإصلاحه وتقويمه على منهاج الفرقة الناجية، وهي المعروفة من بين سائر الفرق الإسلامية بأهل السنة والجماعة، وهم المتمسكون بما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأنت إذا نظرت بفهم مستقيم عن قلب سليـم فـي نصوص الكتاب والسنة المتضمنة لعلوم الإيمان، وطالعت سير السلف الصالح من الصحابة والتابعين علمتَ وتحققتَ أن الحق مع الفرقة الموسومة بالأشعرية، نسبة إلى الشيخ أبي الحسن الأشعري رحمه الله، فقد رتب قواعد عقيدة أهل الحق وحرَّرَ أدلتها، وهي العقيدة التي أجمع عليها الصحابة ومن بعدهم من خيار التابعين، وهي عقيدة أهل الحق من أهل كل زمان ومكان، وهي عقيدة جملة أهل التصوف كما حكى ذلك أبو القاسم القشيري في أول رسالته، وهي بحمد الله عقيدتنا.. وعقيدة أسلافنا من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا.. والماتريدية كالأشعرية في جميع ما تقدم) اهـ.

محمد ناصر الدين
2008-12-05, 22:49
وقال العـلامة ابن الشطي الحنبلي - رحمه الله تعالى - في شرحـه على العقيـدة السفارينية (تبصير القانع في الجمع بين شرحي ابن شطي وابن مانع على العقيدة السفارينية، الصفحة / 73):
(قال بعض العلماء هم - يعني الفرقة الناجية - أهل الحديث يعني الأثرية والأشعرية والماتريدية) ثم قال بعد ذلك بأسطر:
(فائدة: أهل السنة والجماعة ثلاث فرق، الأثرية وإمامهم الإمام أحمد رضي الله عنه.
والأشعرية وإمامهم أبو الحسن الأشعري رحمه الله تعالى.
والماتريدية وإمامهم أبو منصور الماتريدي رحمه الله تعالى) اهـ.
وقال علامة الكويت الشيخ عبد الله بن خلف الدحيان - رحمه الله تعالى - تعليقا على تقسيم السفاريني لأهل السنة إلى ثلاث فرق:
(فإذا قلت: لفظ الحديـث يقتضـي عدم التعْدِيَة([7] (mhtml:mid://00000002/#_ftn7)) حيث قـال فيه ‘ " ستفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة كلهم في النار إلا فرقة واحدة وهي ما كان على ما أنا عليه وأصحابي " فالجواب: أن الثلاث فرق هي فرقة واحدة لأنهم كلهم أهل الحديث، فإن الأشاعرة والماتريدية لم يردوا الأحاديث ولا أهملوها، فإمّا فوضوها وإمّا أوّلوها، وكل منهـم أهـل حديث، وحينئذ فالثلاث فرقة واحدة، لاقتفائهم الأخبار وانتحالهم الآثار، بخلاف باقي الفرق فإنهم حكّموا العقول وخالفوا المنقول فهم أهل بدعة وضلالة ومخالفة وجهالة والله تعالى أعلم) اهـ. (تبصير القائع ص / 73).
وقال الشيخ العلامة الحنبلي محمد بن علي بن سلوم رحمه الله تعالى في شرحه على العقيدة السفارينية مثل ذلك. (شرح الدرة المضية، الصفحة / 58).
وقال العلامة المواهبي الحنبلي رحمه الله تعالى (العين والأثر ص/53):
(طوائف أهل السنة ثلاثة: أشاعرة، وحنابلة، وماتريدية، بدليل عطف العلماء الحنابلة على الأشاعرة في كثير من الكتب الكلامية وجميع كتب الحنابلة) اهـ.
وقال المحدث محمد بن درويش الحوت البيروتي - رحمه الله تعالى - (رسائل في بيان عقائد أهل السنة والجماعة، الصفحة / 77):
(فائدة: المالكية والشافعية أشعرية وإمامهم أبو الحسن الأشعري من ذرية أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، والحنفية ماتريدية وإمامهم أبو منصور الماتريدي، وهما إماما أهل السنة والجماعة، والحنابلة أثرية) اهـ.
وقال الإمام العلامة كمال الدين البياضي - رحمه الله تعالى - (إشارات المرام من عبارات الإمام، الصفحة 52):
(إن الفرقة الناجية هم الجماعة الكثيرة المتمسكون بمحكمات الكتاب والسنة في العقائد، فإنه المنطبق لما عليه الرسول ‘ ولما عليه الصحابة لا يتجاوزون عن ظاهرها إلا لضرورة مخالفة قطعي من الدليل النقلي والعقلي، فإن حجج الله تتعاضد ولا تتضاد) اهـ.
ومن نظر بعين المعقول وتجرد للوصول إلى الحق علم يقيناً أنه ليس أحد من الطوائف ينطبق عليه هذا الوصف إلا الأشاعرة والماتريدية وأهل الحديث، فهم الذي ملئوا الزمان والمكان، وطبقوا الأرض شهرة وانتشاراً.
قال الإمام عبد القاهر البغدادي - رحمه الله تعالى - (الفرق بين الفرق، 247):
(إن النبي ‘ لمّا ذكر افتراق أمته بعده ثلاثاً وسبعين فرقة وأخبر أن فرقة واحدة منها ناجية، سئل عن الفرقة الناجية وعن صفتها، فأشار إلى الذين هم على ما عليه هو وأصحابه، ولسنا نجد اليوم من فرق الأمة من هم على موافقة الصحابة رضي الله عنهم غيرَ أهل السنة والجماعة من فقهاء الأمة ومتكلمي الصفاتية)ثم أخذ رحمه الله يبين وجـوه عدم نجـاة بـاقي الفِرَق وضروب انحرافاتهم عن منهج الرسول ‘ وأصحابه، ثم قال:
(وبان من هذا أن المقتدين بالصحابة من يعمل بما قد صحّ بالرواية الصحيحة في أحكامهم وسيرهم، وذلك سنّة أهل السنة دون ذوي البدعة، وصح بصحة ما ذكرناه تحقيق نجاتهم لحكم النبي ‘ بنجاة المقتدين بأصحابه، والحمد لله على ذلك) اهـ.
وقال الإمام ابن حجر الهيتمي - رحمه الله تعالى - (الزواجر عن اقتراف الكبائر 82):
(المـراد بالسنة ما عليه إماما أهل السنة والجمـاعة الشيخ أبو الحسن الأشعري وأبو منصور الماتريدي..) اهـ.
وقال العلامة طاش كبري زاده - رحمه الله تعالى - (مفتاح السعادة 2 / 33):
(ثم اعلم أن رئيس أهل السنة والجماعة في علم الكلام - يعني العقائد - رجلان، أحدهما حنفي والآخر شافعي([8] (mhtml:mid://00000002/#_ftn8))، أما الحنفي فهو أبو منصور محمد بن محمود الماتريدي، إمام الهدى...
وأما الآخر الشافعي فهو شيخ السنة ورئيس الجماعة إمام المتكلمين وناصر سنة سيد المرسلين والذاب عن الدين والساعي في حفظ عقائد المسلمين، أبو الحسن الأشعري البصري.. حامي جناب الشرع الشريـف من الحديـث المفترى، الذي قـام في نصرة ملـة الإسـلام فنصرها نصراً مؤزراً) اهـ.
وعلى الجملة، فإن أقوال علماء الإسلام متفقة على أن الأشاعرة ومن وافقهم في الاعتقاد من طوائف أهل الحق هم الفرقة الناجية، وهم المعنيون بقوله ‘ " ما أنا عليه وأصحابي " وهم الوسط بين الفرق المبتدعة، فقد جانبوا أهل الزيغ وابتعدوا عنهم غاية البعد بحيث من رام بعداً عن الضلالة أكثر من بعدهم وقع فيها أو مال إليها.

محمد ناصر الدين
2008-12-05, 22:50
أقوال الأعلام المعاصرين فى الأشاعرة
لقد أطنبنا بذكر أقوال العلماء المتقدمين والمتأخرين التي تفيد قصر مصطلح أهل السنة والجماعة على الأشاعرة والماتريدية وأهل الحديث، وإليك الآن طائفة من نصوص الأعـلام المعاصرين ممن سلك مسلك أهل السنة وأشاد بفضلهم:
قال الشيخ الداعية حسن أيوب - حفظه الله تعالى - (تبسيط العقائد الإسلامية 299):
(أهل السنة هم أبو الحسن الأشعري وأبو منصور الماتريدي ومن سلك طريقهما، وكانوا يسيرون على طريق السلف الصالح في فهم العقائد، وقد جعلوا القرآن الكريم المنهل العذب الذي يلجأون إليه في تعرف عقائدهم فكانوا يفهمون من الآيات القرآنية مسائل العقائد، وما أشبه عليهم منه حاولوا فهمه بما توحيه أساليب اللغة ولا تنكره العقول، فإن تعذر عليهم توقفوا وفوضوا، وقد سمي أتباع أبي الحسن الأشعري بالأشاعرة، وأبي منصور الماتريدي بالماتريدية) اهـ.
وقال الأستاذ الداعية سعيد حوى - رحمه الله تعالى - (جولات في الفقهين الكبير والأكبر ص / 22):
(إن للمسلمين خلال العصور أئمتهم في الاعتقاد وأئمتهم في الفقه وأئمتهم في التصوف والسلوك إلى الله عز وجل، فأئمتهم في الاعتقاد كأبي الحسن الأشعري وأبي منصور الماتريدي... وهؤلاء وأمثالهم كلٌّ في اختصاصه حيث ثبت النقل عنهم قدَّمَ أصفى فهمٍ للكتاب والسنة، ومن ثم أجمعت الأمة على اعتماد أقوالهم وقبولها في خضم اتجاهات لا تعد ولا تحصى من الاتجاهات الباطلة الزائفة، منها الذي مات ومنها الذي لازال حياً) اهـ.
والشيخ سعيد حوى - رحمه الله تعالى - هنا وفي معظم ما كتب إنما ينقل خلاصة رأي الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله تعالى، وهو موافق لما عليه السلف والخلف من تنزيه الله تعالى عن كل ما لا يليق به سبحانه.
وقال الشيخ سعيد - رحمه الله تعالى - أيضاً (المصدر السابق ص/8):
(وكما وجد في الفقه مؤلفون وكتب، وكما وجد في الفقه أئمة أجمعت الأمة على قبولهم، فكذلك في باب العقائد وجد أئمة أجمعت الأمة على إمامتهم في هذا الشأن كأبي الحسن الأشعري وأبي منصور الماتريدي) اهـ.
وممن أشاد بفضل الأشاعرة من المعاصرين الشيخ الداعية الأستاذ أبو الحسن الندوي (رجال الفكر والدعوة في الإسلام، ص / 137) فقال - رحمه الله تعالى - منوهاً بذكرهم:
(خضع لعلمهم ونفوذهم العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه... وبفضلهم انتقلت قيادة العالم الإسلامي الفكرية وتوجيهه من المعتزلة إلى أهل السنة) اهـ.
وقال أيضا (ص / 133):
(وقد سار الأشعري في طريقه مجاهداً مناضلاً منتجاً.... لا يعبأ بما يقال فيه مؤمناً بأنه هو الطريق الذي ينفع الدين في عصره ويرد إلى الشريعة مهابتها وكرامتها ويحرس للناشئة دينها وعقيدتها، حتى استطاع بعمله المتواصل وشخصيته القوية وعقله الكبير وإخلاصه النادر أن يرد سيل الاعتزال والتفلسف الجارف الذي كان يتهدد الدين، ويثبّت كثيراً من الذين تزلزلت أقدامهم واضطربت عقولهم وعقائدهم، وأن يوجد في أهل السنة ثقة جديدة بعقيدتهم) اهـ.
وقال الشيخ وهبي سليمان غاوجي - حفظه الله تعالى - (أركان الإيمان ص / 7):
(وقد كان أول من كتب في أصول الدين ورد شبهات أهل الزيغ في الاعتقاد الإمام الأعظم أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - بطريقي النقل أو العقل، وتتابع الكاتبون في أصول الدين إلى أن استقرت قواعدها على يدي الإمامين العظيمين أبي منصور الماتريدي وأبي الحسن الأشعري رحمهما الله تعالى) اهـ.
هذا هو شأن الأشاعرة وقدرهم عند المتقدمين والمتأخرين، وهذه هي مكانتهم في التاريخ، فلا ينكر فضلهم وجهادهم إلا مكابر، ومهما بالغ البعض بالانتقاص منهم، وجَحَدَ فضلهم بلسانه، فإنه لا محالة مضطرٌّ إلى علومهم، إذ ما من متعلم أو معلم إلا وهو عالة على ما أثمرته وأنتجته قرائحهم، وسطرته أيديهم، وهل يستغني عالم أو طالب علم عن كتاب فتح الباري - مثلاً - للإمام الحافظ ابن حجر، أو شرح صحيح مسلم للإمام النووي رحمه الله تعالى؟!
بهذه النصوص التي نقلناها عن العلماء والأئمة المتقدمين والمتأخرين والمعاصرين أصبح جلياّ من المقصود بأهل السنة والجماعة، ومن هي الفرقة الناجية المعنية بالنصوص الشرعية والمخصوصة بالهداية والنجاة، فكيف يسوغ لمنصف بعد كل ذلك إخراج الأشاعرة والماتريدية من أهل السنة والجماعة؟!


* * * * *

المتشابه عند السلف والخلف
يصرّ البعض على تضليل الأشاعرة والماتريدية لأن جمهورهم أجاز التأويل بشروطه في نصوص المتشابه التي تتعلق بصفات الله تعالى، وينسى هؤلاء أن جُلَّ الأمة على مذهب التأويل وأن جماعات من السلف قالوا به.
قال الإمام الزركشي - رحمه الله تعالى - مبيناً المذاهب في المتشابه (البرهان في علوم القرآن 2 / 207):
(... والثالث أنها مؤولة، وأولـوها على ما يليق به، والأول – يعني مذهب الأخذ بالظاهر – باطل، والأخيران منقولان عن الصحابة... وممن نقل عنه التأويل علي وابن مسعود وابن عباس وغيرهم) اهـ.
وقال الإمام النووي – رحمه الله تعالى – عن مذهب التأويل:
(مذهـب أكثر المتكلمين وجماعات من السلف، وهو محكي عن مالك والأوزاعي) اهـ. (شرح صحيح مسلم 6 / 36).

محمد ناصر الدين
2008-12-05, 22:54
مفهوم المتشابه

قال تعالى: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هـن أم الكتاب وأخر متشابهات)
المتشابه في الأصل كل ما لا يهتدي إليه الإنسان، والمراد به هنا ما جاء في القرآن والسنة الصحيحة المشهورة من النصوص التي يوهم ظاهرها مشابهة الله تعالى لخلقه.
قال الراغب الأصفهاني - رحمه الله تعالى - (مفردات القرآن مادة " شبه "):
(والمتشابه من جهة المعنى أوصاف الله تعالى وأوصاف يوم القيامة، فإن تلك
الصفات لا تتصور لنـا، إذ كـان لا يحصل في نفوسـنا صورة مـا لا نحسه، أو لم يكن من جنس ما نحسه) اهـ.
ومثـال المتشابه من القرآن قوله تعالى: ( الرحمن على العرش استوى) وقوله عز وجل: ( يد الله فوق أيديهم ) وقوله سبحانه: ( فإنك بأعيننا ) ، ( ولتصنع على عينى ) ، ( لما خلقت بيدىّ ) ومثـاله من السنة قوله ‘: (ينزل ربنا في الثلث الأخير من الليل...) وقوله ‘: (ضحك الله الليلة من فعالكما) (إن الله خلق آدم على صورته) ونحو ذلك مما يوهم ظاهره مشابهة الله تعالى لخلقه.
وحكم المتشابه من هذه النصوص هو الإيمان به على الوجه الذي أراد الله تعالى، والقطع بأن له معنىً عظيماً شريفاً عند الله تعالى، بعد أن ننزه الله تعالى عن الظاهر المستحيل في حقه سبحانه.
هذا هو القدر المشترك بين العلماء في حكمهم على المتشابه، ثم اختلفوا في ما وراء ذلك، ومنشأ الاختلاف جاء من فهمهم لآية المتشابهات واختلافهم في محل الوقوف في قوله تعالى: ( وما يعلم تأويله إلا الله ، والراسخون فى العلم يقولون كلٌّ من عند ربنا).
قال جمهـور السلف إن الوقـوف في الآيـة على لفـظ الجلالـة لازم، وعليه، قوله تعـالى ( والراسخون ) الواو فيه استئنافية والجملة بعده مستأنفة، وبناء على ذلك يكون المعنى أنه لا يعلم تأويل المتشابه إلا الله تعالى، ويفوّض العلم بتأويله إليه سبحانه إذ هو تعالى أعلم بمراده، ولا نشتغل بتأويل شيء من ذلك، هذا بعد قطعهم بأن الظاهر المستحيل في حق الله تعالى غير مراد له سبحانه ولا لرسوله ‘.
أما الخلف فقالوا إن الواو في قوله تعالى ( والراسخون ) عاطفة وما بعدها معطوف على لفظ الجلالة، وعليه يكون معنى الآية، أن الراسخين في العلم يعلمون تأويل المتشابه.
وعلى أية حال فإن كلاّ ًمن الفريقين لا يضلل الآخر، كيف وقد نُقِلَ كلٌّ من المذهبين عن سلف الأمة من الصحابة والتابعين وتابعيهم.
ولقد أجمل حجة الإسلام الغزالي - رحمه الله تعالى - ما يجب على المسلم عند سماعه لهذه النصوص بقوله (إلجام العوام عن علم الكلام ص/4 من الطبعة الأزهرية للتراث سنة 1418هـ):
(اعلم أن الحق الصريح الذي لا مراء فيه عند أهل البصائر هو مذهب السلف، أعني مذهب الصحابة والتابعين. وها أنا أورد بيانه وبيان برهانه، فأقول:
حقيقة مذهب السلف وهو الحق عندنا أن كل من بلغه حديث من هذه الأحاديث من عوام الخلق يجب عليه فيه سبعة أمور، التقديس ثم التصديق ثم الاعتراف بالعجز ثم السكوت ثم الإمساك ثم الكف ثم التسليم لأهل المعرفة.
أما التقديس: فأعني به تنزيه الرب تعالى عن الجسمية وتوابعها.
وأما التصديق: فهو الإيمان بما قاله‘، وأن ما ذكره حق وهو فيما قاله صادق، وأنه حق على الوجه الذي قاله وأراده.
وأما الاعتراف بالعجز: فهو أن يقر بأن معرفة مراده ليست على قدر طاقته، وأن ذلك ليس من شأنه وحرفته.
وأما السكوت: فأن لا يسأل عن معناه ولا يخوض فيه، ويعلم أن سؤاله عنه بدعة، وأنه في خوضه فيه مخاطر بدينه، وأنه يوشك أن يكفر لو خاض فيه من حيث لا يشعر.
وأما الإمساك: فأن لا يتصرف في تلك الألفاظ بالتصريف والتبديل بلغة أخرى، والزيادة فيه والنقصان منه والجمع والتفريق، بل لا ينطق إلا بذلك اللفظ وعلى ذلك الوجه من الإيراد والإعراب والتصريف والصيغة.
وأما الكف: فأن يكف باطنه عن البحث عنه والتفكر فيه.
وأما التسليم لأهلـه: فأن لا يعتقد أن ذلـك إن خفي عليـه لعجـزه فقد خفي على رسول الله ‘ أو على الأنبياء أو على الصديقين والأولياء.
فهذه سبع وظائف اعتقد كافة السلف وجوبها على كل العوام، لا ينبغي أن يظن بالسلف الخلاف في شي منها) اهـ.
وقال الشيخ العلامة محمود خطاب السبكي - رحمه الله تعالى - (إتحاف الكائنات ببيان مذهب السلف والخلف في المتشابهات ص/ 167):
(المراد به - يعني المتشابه - هنا كل ما ورد في الكتاب أو السنة الصحيحة موهماً مماثلته تعالى للحوادث في شيء ما،وقامت الدلائل القاطعة على امتناع ظاهره في حق الله تعالى، ولذا أجمع السلف والخلف على تأويله تأويلاً إجمالياً بصرف اللفظ عن ظاهره المحال على الله تعالى، لقيام الأدلة القاطعة على أنه تعالى ليس كمثله شيء، ثم إن السلف لا يعينون المعنى المراد من ذلك النص بل يفوضون علمه إلى الله تعـالى بناء على أن الوقف على قوله تعالى : ( وما يعلم تأويله إلا الله ) والخلف يؤولونه تأويلاً تفصيلياً بتعيين المعنى المراد منه لاضطرارهم إلى ذلك ردّاً على المبتدعين الذين كثروا في زمانهم، بناء على أن الوقف على قوله تعالى :
( والراسخون فى العلم ) اهـ.
وقال الشيخ علي الطنطاوي - رحمه الله تعالى - (تعريف عام بدين الإسلام ص/84):
(بيّن الله في القرآن أن فيه آيات محكمات واضحة المعنى، صريحة اللفظ، وآيات وردت متشابهات، ولا يَضِحُ ـ الفعل المضارع من (وضح) ـ المعنى المراد منها تماماً، وإن على المؤمن ألا يطيل الغوص في معناها، ولا يتتبعها فيجمعها ليفتن الناس بالبحث فيها، ومن المتشابه آيات الصفات)
وعلّق - رحمه الله - على هذا في الهامش قائلاً: (ومن جمعها كلها وألقاها إلى التلاميذ فقد جانب طريقة السلف، لا سيما إذا ضمّ إليها أحاديث الآحاد المروية في مثلها، والتي لا تعتبر دليلاً قطعياً في أمور العقائد) اهـ.
ثم بين - رحمه الله تعالى - موقف المسلمين منها فقال:
(المسلمون الأولون وهم سلف هذه الأمة وخيرها وأفضلها لم يتكلموا فيها، ولم يخوضوا في شرحها، بل آمنوا بها كما جاءت من عند الله على مراد الله، فلما انتشر علم الكلام، وأوردت الشبه على عقائد الإسلام، وظهرت طبقة جديدة من العلماء انبرت لِرَدِّ هذه الشبه، تكلم هؤلاء العلماء في آيات الصفات، وفهموها على طريقة العرب في مجاوزة المعنى الأصلي للكلمة إذا لم يمكن فهمها به إلى معنى آخر، وهذا ما يسمى المجاز أو التأويل، وقيل في هذا: طريقة السلف أسلم، وطريقة الخلف أحكم، وكلهم متفقون على أن هذه الآيات نزلت من عند الله، من أنكر شيئاً منها كفر، وأن من عطلها تماماً فجعلها لفظاً بلا معنى كفر، ومن فهمها بالمعنى البشري وطبقه على الله فجعل الخالق كالمخلوق كفر، والمسلك خطر، والمفازة مهلكة، والنجاة منها باجتناب الخوض فيها) اهـ.
ولقد أجاد رحمه الله تعالى وأحسن، فالمسلك خطر جدّاً، والنجاة باجتناب الخوض جملة، وليس من الحكمة في شيء إلقاء مثل هذه النصوص على العامة وتعريضهم بهـذا الصنيع للفتنة، وقد تواردت الأخبار في النهي عن ذلك، منها ما خرّجه مسلم في مقدمة الصحيح عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: (ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة)، وعند البخاري في " كتاب العلـم " باب (من خصَّ بالعلم قوماً دون قوم كراهية أن لا يفهموا) عـن عليّ موقوفــاً (حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يُكذَّب الله ورسوله؟).
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى - (الفتح 1/272) في شرحه للحديث:
(فيه دليل على أن المتشابه لا ينبغي أن يذكر عند العامة... وضابط ذلك أن يكون الحديث يقوي البدعة، وظاهره في الأصل غير مراد، فالإمساك عنه عند من يُخشى عليه الأخذ بظاهره مطلوب) اهـ.
ولقد نهى الإمام مالك أن يُحَدَّث بما قد يلتبس على الناس كما نقل عنه الإمام ابن أبي زيد رحمه الله تعالى (النوادر والزيادات 14/ 553) (ولا ينبغي لأحد أن يصف الله تعالى إلا بما وصف به نفسه، ولا يشبهه كذلك بشيء، وليقل: له - تعالى - يدان كما وصف به نفسه، وله وجه كما وصف به نفسه. تقف عند ما في الكتاب، لأن الله سبحانه لا مثل له ولا شبيه له ولا نظير له، ولا يروي أحدٌ مثلَ هذه الأحاديث، مثلُ " إن الله خلق آدم على صورته " ونحوُ ذلك مـن الأحاديث. وأعظمَ مالكٌ أن يتحدث أحدٌ بمثل هذه الأحاديث أو يُردِّدَها).
(وانظر أيضاً في هذا البيان والتحصيل 18/504، والسيـر 8/104، الموافـقات 4/549، فتح الباري 1/272).
هذه نصوص واضحة في النهي عن التحديث بالمتشابهات، منها تعلم مجازفة من يخوض في هذه النصوص، ويلقيها على الناس على أنها مما لا يجوز الجهل به، بل ويزيد على هذا بحملها على ما يعهده الناس من هذه الظواهر، ويضلل من يصرفها عن ظاهرها المحال، الذي هو قطعاً ليس مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ما فهمه أصحابه رضوان الله تعالى عليهم من خطابه الشريف!!

محمد ناصر الدين
2008-12-05, 22:55
قال الأستاذ الدكتور الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي حفظه الله تعالى (كبرى اليقينيات الكونية ص/137) موضحاً شأن هذه المتشابهات:
(يُشْـكِل ـ بحسب الظاهر ـ آيات في كتاب الله، وأحاديث ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، تفيد بظاهر ألفاظها وتعابيرها ثبوت بعض النقائص أو النقائض التي نفيناها عن ذات الله جلّ جلاله، كالجهة والجسمية والجوارح والأعضاء والتحيز في المكان. كقوله سبحانه وتعالى ( وجاء ربك والملك صفّا صفّا ) ، وقوله ( يد الله فوق أيديهم ) ، وقولـه ( .. بل يداه مبسوطتان كيف يشاء ) وقوله ( الرحمن على العرش استوى ) وكقوله عليه الصلاة والسلام " إن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن "، وقوله " إن الله خلق آدم على صورته ".
إن هذه النصوص القرآنية من نوع المتشابه الذي ذكر الله عزّ وجلّ أن في كتابه آيات منه، والمقصود بالمتشابه كل نصّ تجاذبته الاحتمالات حول المعنى المراد منه، وأوهم بظاهره ما قامت الأدلة على نفيه.
غير أن هنالك آيات تتعلق بصفات الله تعالى أيضاً، ولكنها محكمات أي قاطعة في دلالتها لا تحتمل إلا معناها الواضح الصريح، كقوله جلّ جلاله ( ليس كمثله شئ ) ، وقوله ( قل هو الله أحد ، الله الصمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد ) وقد أوضح الله في كتابه بصريح العبارة ضرورة اتباع المؤمن للنصوص المحكمة في كتابه، وبناء عقيدته في الله بموجبها، ووضع النصوص المتشابهة من ورائها من حيث فهمها والوقوف على المعنى المراد منها...) ثم قال:
(وبناء على ذلك فقد اتفق المسلمون كلهم على تنزيه الله تعالى عمّا يقتضيه ظاهر تلك النصوص القرآنية والأحاديث النبوية من الصفات المنافية لكمال الله وألوهيته... وبعد أن اتفقوا على ذلك ـ وهذا القدر الذي يجب أن يعتقده المسلم ـ اختلفوا في موقفهم من النصوص المتشابهة إلى مذهبين: أولهما تمسك به السلف المتقدمون، وثانيهما جنح إليه مَن بعدهم مِنَ المتأخرين) اهـ.
وعلى الجملة، فإنه لم يؤثر عن علماء الأمة في المتشابه إلا هذان المذهبان المعتبران فقط، مذهب التفويض، وهو مذهب أكثر السلف، ومذهب التأويل، وهو مذهب الخلف وجماعات من السلف، ولا عبرة بمن قال بالأخذ بظاهر نصوص المتشابه، لمناقضته للمنقول وبداهة العقول.
قال الإمـام النووي - رحمه الله تعالى - أثنـاء شرحـه لحديـث مـن أحاديـث الصفـات (شرح مسلم 6 / 36):
(هذا الحديث من أحاديث الصفات وفيه مذهبان مشهوران للعلماء سبق إيضاحهما في كتاب الإيمان، ومختصرهما أن أحدهما: وهو مذهب جمهور السلف وبعض المتكلمين، أنه يؤمن بأنها حق على ما يليق بالله تعالى وأن ظاهرها المتعارف في حقنا غير مراد ولا يتكلم في تأويلها مع اعتقاد تنزيه الله تعالى عن صفات المخلوق وعن الانتقال والحركات وسائر سمات الخلق، والثاني: مذهب أكثر المتكلمين وجماعات من السلف وهو محكي عن مالك والأوزاعي أنها تتأول على ما يليق بها بحسب مواطنها) اهـ.
فاقتصر رحمه الله تعالى على ذكر هذين المذهبين، ونص على أن مذهب التأويل منقول أيضاً عن السلف رضوان الله تعالى عليهم، وهذا ليعلم من ينحى على الأشاعرة والماتريدية باللوائم ويصفهم بالابتداع لكونهم سوّغوا مسلك التأويل بشروطه أنه على السلف يعيب وإياهم ينتقص.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في مثل هـذه النصـوص (فتح الباري 13 / 466): (إما تفويض وإما تأويل) اهـ.
وقال أيضاً أثناء رده على أبي إسماعيل الهروي حين اعترض على من أوّل أحاديث النزول، وذكر - أي الهروي - عدة أحاديث في الصعود زاعماً أنها لا تقبل التأويل، فردّ عليه الحافظ بعد أن وصفه بالمبالغة في الإثبات ونقـل طعـن البعض عليه بسبب ذلك، قال الحافظ (الفتح 13 / 476): (فهذه الطرق كلها ضعيفة، وعلى تقدير ثبوتها لا يقبل قوله " إنها لا تقبل التأويل " فإن مُحصِّلها ذكرُ الصعود بعد النزول، فكما قَبِلَ النزولُ التأويلَ لا يُمنع قبولُ الصعودِ التأويلَ، والتسليم أسلم) اهـ.
فانظر إلى قوله رحمه الله (والتسليم أسلم) يتبين لك كونهم - رحمهم الله تعالى - ما طرقوا سبيل التأويل إلا مضطرين ملجئين، ولولا ذلك لوقفوا حيث وقف السلف رضوان الله على الجميع.

وقال الإمام الكرماني - رحمه الله تعالى - في حديث من أحاديث الصفات (الفتح 13 / 13):
(حكم هذا حكم سائر المتشابهات، إما التفويض وإما التأويل)’اهـ.
وقال أيضاً عن حديث آخر (13 / 441):
(هذا الحديث من المتشابهات فإما مفوض وإما مؤول) اهـ.
وقـال الإمـام بدر الديـن بـن جمـاعة عنـد قولـه تعـالى (ثم استوى على العــرش) (إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل لابن جماعة، طبع دار السلام القاهرة ص/103):
(... واتفق السلف وأهل التأويل على أن ما لا يليق من ذلك بجلال الرب تعالى غير مراد، كالقعود والاعتدال... فسكت السلف عنه - يعني تعيين المراد - وأوله المتأولون) اهـ.
وقـال الإمـام أبو عبد الله الأبي في شرحه على صحيح مسلم عند كلامه على حديث النزول (2 / 385):
(... ومذهب أهل الحق في جميع ذلك أن يصرف اللفظ عن ظاهره المحال، ثم بعد الصرف هل الأولى التأويل أو عدمه، بأن يؤمن باللفظ على ما يليق، ويكل علم حقيقة ذلك إلى الله سبحانه وتعالى... ثم الأظهر من قول أهل الحق التأويل) اهـ.
وقال الإمام العلامة ملا علي القاري - رحمه الله تعالى - بعد أن نقل قول الإمام النووي المارّ معنا قريباً (مرقاة المفاتيح 2 / 136):
(وبكلامه وبكلام الشيخ الرباني أبي إسحاق الشيرازي وإمام الحرمين والغزالي وغيرهم من أئمتنا وغيرهم يعلم أن المذهبين متفقان على صرف تلك الظواهر كالمجيء والصورة والشخص والرجل والقدم واليد والوجه والغضب والرحمة والاستواء على العرش والكون في السماء وغير ذلك عما يفهمه ظاهرها، لما يلزم عليه من محالات قطعية البطلان تستلزم أشياء يحكم بكفرها بالإجماع، فاضطر ذلك جميع الخلف والسلف إلى صرف اللفظ عن ظاهره.
وإنما اختلفوا هل نصرفه عن ظاهره معتقدين اتصافه سبحانه بما يليق بجلاله وعظمته من غير أن نؤوله بشيء آخر، وهو مذهب أكثر أهل السلف وفيه تأويل إجمالي، أو مع تأويله بشيء آخر وهو مذهب أكثر أهل الخلف، وهو تأويل تفصيلي، ولم يريدوا بذلك مخـالفة السلف الصالح - معاذ الله أن يظن بهم ذلك - وإنما دعت الضرورة في أزمنتهم لذلك، لكثرة المجسمة والجهمية وغيرها من فرق الضلال، واستيلائهم على عقول العامة، فقصدوا بذلك ردعهم وبطلان قولهم، ومن ثم اعتذر كثير منهم وقالوا: لو كنا على ما كان عليه السلف الصالح من صفاء العقائد وعدم المبطلين في زمنهم لم نخض في تأويل شيء من ذلك) اهـ.
وقال الإمام الزركشي – رحمه الله تعالى – (البرهان في علوم القرآن 2/ 207):
(اختلف الناس في الوارد منها - يريد المتشابهات - في الآيات والأحاديث على ثلاث فرق:
أحدها: لا مدخل للتأويـل فيها، بل تجرى على ظاهرها، ولا نؤول شيئاً منها، وهم المشبهة.
والثاني: أن لها تأويلاً ولكنا نمسك عنه مع تنزيه اعتقادنا عن الشبه والتعطيل ونقول لا يعلمه إلا الله، وهو قول السلف.
والثالث: أنها مؤولة، وأولوها على ما يليق به. والأول باطل، والأخيران منقولان عن الصحابة... وممن نقل عنه التأويل علي وابن مسعود وابن عباس وغيرهم) اهـ.
وقال العلامة محمد زكريا الكاندهلوي رحمه الله تعالى عند شرحه لحديث النزول من الموطأ (أوجز المسالك 4/334): (فالعلماء في ذلك على قسمين: الأول المفوّضة... والقسم الثاني: المؤوّلة) اهـ.
بهذا يكون الصبح قد استبان لذي عينين، وثبت أن التفويض والتأويل هما المذهبان الصحيحان في المتشابه من نصوص الصفات. بقي أن نبين سبب ورود مثل هذه الألفاظ في الكتاب والسنة مع كونها مثاراختلاف ومزلة قدم، فنقول: لا يبعد أن يكون ورود مثل هذه الألفاظ اختباراً وابتلاءً للناس، ليتبين من يلتزم الحد ويقف حيث أُمِر، ومن يتبع المتشابه ابتغاء الفتنة وتضليل الخلق، قال تعالى ( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هنّ أم الكتاب وأخر متشابهات ، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتِّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ، وما يعلم تأويله إلا الله ، والراسخون في العلم يقولون كلٌّ من عند ربنا ، وما يتذكر إلا أولوا الألباب )
قال الإمام الغزالي رحمه الله تعالى (إلجام العوام ص/49):
(إن قال قائل ما الذي دعا رسول الله ‘ إلى إطلاق هذه الألفاظ الموهمة مع الاستغناء عنها، أكان لا يدري أنه يوهم التشبيه ويغلّط الخلق ويسوقهم إلى اعتقاد الباطل في ذات الله تعالى وصفاته، وحاشا منصب النبوة أن يخفى عليه ذلك، أو عرف ولكن لم يبالِ بجهل الجهال وضلالة الضلاّل، وهذا أبعد وأشنع لأنه بُـعِـَث شـارحاً لا مـبهماً ملـبّساً ملغزاً، وهذا إشكال له وقع في القلوب حتى جرّ بعض الخلق إلى سوء الاعتقاد فيه، فقالوا: لو كان نبِيّاً لعرف الله ولو عرفه لما وصفه بما يستحيل عليه في ذاته وصفاته، ومالت طائفة أخرى إلى اعتقاد الظواهر، وقالوا لو لم يكن حقاً - أي هذه الظواهر المُحالة - لما ذكره كذلك مطلقاً، ولعدل عنها إلى غيرها أو قرنها بما يزيل الإيهام عنها في سبيل حلّ هذا الإشكال العظيم.
فالجواب: أن هذا الإشكال مُنْحَلٌّ عند أهل البصيرة، وبيانه أن هذه الكلمات ما جمعها رسول الله دفعةً واحدة وما ذكرها، وإنما جمعها المشبهة، وقد بيّنا أن لجمعها من التأثير في الإيهام والتلبيس على الأفهام ما ليس لآحادها المفرّقة، وإنما هي كلمات لهج بها في جميع عمره ‘ في أوقات متباعدة، وإذا اقتصر منها على ما في القرآن والأخبار المتواترة رجعت إلى كلمات يسيرة معدودة، وإن أضيفت إليها الأخبار الصحيحة فهي أيضاً قليلة، وإنما كثرت الروايات الشاذة الضعيفة التي لايجوز التعويل عليها، ثم ما تواتر منها إن صح نقلها عن العدول فهي آحاد كلمات وما ذكر‘ كلمة منها إلا مع قرائن وإشارات يزول معها إيهام التشيبه، وقد أدركها الحاضرون المشاهدون، فإذا نُقلت الألفاظ مجردة عن تلك القرائن ظهر الإيهام، وأعظم القرائن في زوال الإيهام المعرفة السابقة بتقديس الله تعالى عن قبول هذه الظواهر، ومن سبقت معرفته بذلك كانت تلك المعرفة ذخيرة له راسخة في نفسه مقارنة لكل ما يسمع، فينمحق معه الإيهام انمحاقاً لا يشك فيه، ويعرف هذا بأمثلة:
الأول: أنه ‘ سمى الكعبة بيت الله تعالى، وإطلاق هذا يوهم عند الصبيان وعند من تقرب درجتهم منهم أن الكعبة وطنه ومثواه لكن العوام الذين اعتقدوا أنه في السماء وأن استقراره على العرش ينمحق في حقهم هذا الإيهام على وجه لايشكون فيه، فلو قيل لهم: ما الذي دعا رسول الله ‘ إلى إطلاق هذا اللفظ الموهم المخيل إلى السامع أن الكعبة مسكنه؟ لبادروا بأجمعهم وقالوا: هذا إنما يوهم في حق الصبيان والحمقى أما من تكرر على سمعه أن الله مستقر على عرشه فلا يشك عند سماع هذا اللفظ أنه ليس المراد به أن البيت مسكنه ومأواه، بل يعلم على البديهة أن المراد بهذه الإضافة تشريف البيت أو معنىً سواه غير ما وُضع له لفظ البيت المضاف إلى ربه وساكنه. أليس كان اعتقاده أنه على العرش قرينة أفادته علماً قطعياً بأنه ما أريد بكون الكعبة بيته أنه مأواه، وأن هذا إنما يوهم في حق من لا يسبق إلى هذه العقيدة، فكذلك رسول الله ‘ خاطب بهذه الألفاظ جماعة سبقوا إلى علم التقديس ونفي التشبيه وأنه منزّه عن الجسمية وعوارضها، وكان ذلك قرينة قطعية مزيلة للإيهام لا يبقى معه شك، وإن جاز أن يبقى لبعضهم تردد في تأويله وتعيين المراد به من جملة ما يحتمله اللفظ ويليق بجلال الله تعالى) اهـ.
ثم أخذ الإمام الغزالي رحمه الله يزيل كل توهم في هذه القضية ببيانه المحكم وعبارته الفصيحة، فليراجع فهو غاية في الأهمية.
وبهذا يعلم أن من قال بظواهر هذه النصوص قد خالف السلف والخلف، وأتى بقول مبتدع ليس له نصيب من الحق، إذ ليس في هذه المسألة إلا التفويض أو التأويل، كما يعلم أيضـاً بأن التأويل ليس بدعة في الدين كما يروجه البعض - جهلاً - على العامة، بل هو مذهب حق ثابت عن سلف الأمة، وجارٍ على سنن لغة العرب.
فلماذا كل هذا التهويل في أمر لا يستلزم ذلك، لا سيما والحق فيه مـع الأشاعـرة والماتريدية؟!
ولماذا كل هذا الإصرار على تفريق الأمة والفتِّ في عضدها وخَضْدِ شوكتِها؟! وكأن الأمة لا يكفيها ما تئنُّ تحت وطأته من مصائب وإحن؟!!


* * * * *

محمد ناصر الدين
2008-12-05, 22:56
الخلاف في العقيدة

هل كل خلاف في العقيدة سواء كان في الأصول أو في الفروع يترتب عليه الكفر أو الضلالة، والبدعة والفسق؟
وهل وقع بين الصحابة وعلماء السلف الطيب خلاف في العقائد؟
وهل وقع بينهم رضي الله عنهم على إثر ذلك الخلاف تضليل لبعضهم أو تفسيق؟
عند الإجابة على هذه الأسئلة يتضح خطأ الذين يجازفون بتضليل الأشاعرة والماتريدية وعلماء الأمة وأعلامها وكل من خالفهم بغير علم ولا روية.
وكان الأجدر بهم - وحال الأمة من التفكك والتشرذم يدمى له قلب كل غيور - أن يُحمل الخلاف إذا وجد على محامل حسنة تتفق مع صدر ديننا الرحب، ويُلتمس العذر قدر المستطاع كي لا يزيدوا في فرقة الأمة وتشتتها، ويعينوا عليها أعداءها، كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً.
ولبيان قضية الخلاف في العقيدة نقول:
إن العقيدة تنقسم إلى أصول وفروع، والأصول تنقسم كذلك إلى أصول الدين وأصول مذهب أهل السنة والجماعة، أما أصول الدين، مثل: وجود الله تعالى ووحدانيته وبقاؤه وقدمه، وحدوث العالم، وهو كل ما سوى الله تعالى من الموجودات، وصدق الرسل والأنبياء، ونحو ذلك من القضايا، فحكم المخالف فيها الخروج من الملة بلا خلاف لكونها أعمدة الدين وأسسه التي ينبني عليها، ومثال المخالفين فيها أصحاب الديانات والنحل الأخرى كاليهودية والنصرانية والمجوسية والبوذية..إلخ
نقل الإمام النووي - رحمه الله تعالى - عن الإمام المتولي قوله (روضة الطالبين 10 / 64):
(من اعتقد قدم العالم أو حدوث الصانع أو نفى ما هو ثابت للقديم بالإجماع، ككونه عالماً قادراً، أو أثبت ما هو منفي عنه بالإجماع، كالألوان، أو أثبت له الاتصال والانفصال، كان كافراً، وكذا من جحد جواز بعثة الرسل، أو أنكر نبوة نبي من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، أو كذبه، أو جحد آية من القرآن مجمعاً عليها، أو زاد في القرآن كلمة واعتقد أنها منه، أو سبَّ نبياً أو استخف به، أو استحل محرماً بالإجماع، كالخمر والزنى واللواط، أو حرم حلالاً بالإجماع، أو نفى وجوب مجمع على وجوبه، كركعة من الصلوات الخمس، أو اعتقد وجوب ما ليس بواجب بالإجماع، كصلاة سادسة وصوم شوال، أو نسب عائشة رضي الله عنها إلى الفاحشة، أو ادعى النبوة بعد نبينا ‘، أو صدق مدّعياً لها، أو عظم صنماً بالسجود له، أو تقرب إليه بالذبح باسمه فكل هذا كفر) اهـ.
وهنا قضية هامة وخطرة لابد من التعريج عليها قبل الانتقال إلى الخلاف في أصول أهل السنة والجماعة بشيء من البسط حسب ما يقتضيه المقام، وهي قول الإمام المتولي (أو أثبت له الاتصال أو الانفصال) فجعل إثبات الاتصال والانفصال لله تعالى من الأمور المكفرة ووافقه على ذلك الإمام النووي، وسيأتي معنا أقوال العلماء التي تنزه الله تعالى عن الاتصال والانفصال والمكان والحيز والجهة وكل ما لا يليق به من صفات المخلوقين.
والاتصال والانفصال هو الدخول والخروج الذي ينزه أهل السنة الله تعالى عن الاتصاف بأحدهما.
هذه القضية من الأهمية والخطورة بمكان، ولولا عدم الفهم لها فهماً صحيحاً من قبل هؤلاء الذين ينكرون على الأشاعرة لأجلها ما أدرجناها هنا لدقتها، بيد أننا سنحاول أن لا ندخل في تفاصيلها وسنكتفي بالبيان الإجمالي وبنقل أقوال العلماء المحذرة من وصف الله تعالى بأي شيء من ذلك، ومن أراد الاستزادة والتفصيل فليراجع المسألة في مظانها من كتب العقائد.
كثيرا ما نقرأ أو نسمع من البعض التصريح بوصف الله تعالى بأنه (بائن من خلقه بذاته!!) وهذا القول هو ما حذر العلماء منه، لأن البينونة بالذات هي الانفصال الذي حكم العلماء بحرمة وصف الله تعالى به كما مر من قول المتولي وإقرار النووي رحمهما الله، وكما سيأتي من نصوص غيرهما من العلماء، فهذا القول - وهو قولهم بائن بذاته – فضلا عن كونه قولاً ممتنعاً عقلاً فهو أيضاً قولٌ مبتدع لم يرد في كتاب ولا سنة ولا على لسان أحد من الصحابة أو التابعين.
وإليك أقوال العلماء في إنكار لفظة (بذاته):
قال الحافظ الذهبي أثناء ترجمة ابن الزاغوني (سير أعلام النبلاء19/607):
(قد ذكرنا أن لفظة بذاته لا حاجة إليها، وهي تشغب النفوس، وتركها أولى، والله أعـلــم) اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني عند شرحه لحديث "إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يناجي ربه أو إن ربه بينه وبين القبلة..." الحديث، قال:(وفيه - أي الحديث - الرد على من زعم أنه على العرش بذاته) اهـ.
وقال الحافظ الذهبي في كتاب (العلو / ص263) بعد أن نقل قول يحيى بن عمار: (بل نقول هو بذاته على العرش وعلمه محيط بكل شيء) قال الذهبي (قولك "بذاته"من كيسك) اهـ.
وقال أيضاً في ترجمة الحافظ أبي القاسم إسماعيل بن محمد التيمي (سير أعلام النبلاء 20/86):
(قلت: الصواب الكف عن إطلاق ذلك،إذ لم يأت فيه نص، ولو فرضنا أن المعنى صحيح فليس لنا أن نتفوه بشيء لم يأذن به الله خوفاً من أن يدخل القلب شيء من البدعة. اللهم احفظ علينا إيماننا) اهـ.
وافتراض الذهبي لصحة المعنى محمول على ما ذكره صاحب الترجمة من المعاني الصحيحة للفظة (بذاته) لا على المعنى الظاهر المتبادرإلى الذهن منها.
وقال الإمام بدر الدين بن جماعة رحمه الله تعالى في كتابه (إيضاح الدليل ص/107):
(فمن جعل الاستواء في حقه تعالى ما يفهم من صفات المحدثين وقال: استـوى بذاته، أو قال: استوى حقيقة فقد ابتدع بهذه الزيادة التي لم تثبت في السنة ولا عن أحد من الأئمة المقتدى بهم) اهـ.
وقال الحافظ الذهبي في (العلو/ ص 256):
(وقد نقموا عليه ـ يعني ابن أبي زيد القيرواني ـ في قوله بذاته. فليته تركها) اهـ.
هذا مع اليقين بأن الإمام ابن أبي زيد القيرواني لم يُرِدْ بهذه اللفظة - إذا صحَّت عنه([9] (mhtml:mid://00000002/#_ftn9)) - المعنى الذي يريده البعض من ذكرها، كما هو بيّن وجليّ من أقوال شراح رسالته، وهو أشعري محب للإمام أبي الحسن كما هو واضح من جوابه لمن لامه في حُبِّه، قال: (ما الأشعري إلا رجل مشهور بالردِّ على أهل البدع وعلى القدرية والجهمية متمسك بالسنن) اهـ، وقد ذكره التاج السبكي ضمن الطبقة الثانية من الأشاعرة الذين فات الحافظ ابن عساكر ذكرهم في كتابه " التبيين " (تبيين كذب المفتري ص/123، طبقات الشافعية الكبرى 3/ 368، 372).
وقال الإمام ابن عبدالبر رحمه الله (الاستذكار 8 /153):
(وقد قالت فرقة منتسبة إلى السنة: إنه - تعالى - ينزل بذاته! وهذا قول مهجور، لأنه تعالى ذِكْرُه ليس بمحل للحركات ولا فيه شيء من علامات المخلوقات.) اهـ.
وقال الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى (السير 20/331، في ترجمة كوتاه):
(وكذا قوله( وجاء ربك ) ونحوه، فنقول: جاء، وينزل، وننهى عن القول: ينزل بذاته، كما لا نقول: ينزل بعلمه، بل نسكت ولا نتفاصح على الرسول صلى الله عليه وسلم بعبارات مبتدعة، والله أعلم) اهـ.
وبهذا يتضح أن لفظة بذاته غير ثابتة عن سلف الأمة الطيب ويأباها العقل والنقل. فأي حجة أقوى من هذه الحجة ونصوص الأئمة لا تحتمل معها أي معنى آخر، ونحن إذ نثبت هذا لا نحتم على مخالفينا اتباع ما نقول، كلاَّ، وإنما حسبنا أن يكفُّوا عن إساءتهم لعلماء الأمة وأئمة الهدى الذين لا يفتأون يُجرِّحونهم ويقعون في أعراضهم!! قـال أبـو الحسيـن ابن المنـادي - رحمـه الله - كمــا نقله ابن الجـوزي مـن خطّه (دفع شبه التشبيه 192):
(ولسنا نختلف أن الجبار لا يعلوه شيء من خلقه بحال، وأنه لا يحلّ بالأشياء بنفسه، ولا يزول عنها، لأنه لو حل بها لكان منها، ولو زال عنها لنأى عنها..) اهـ.
وقول ابن المنادي (وأنه لا يحلّ بالأشياء بنفسه ولا يزول عنها) هو عين ما يعنيه العلماء بقولهم: إن الله تعالى لا يوصف بالاتصال والانفصال والدخول والخروج.
وابن المنـادي هو الإمام أحمد بن جعفر المقرئ الحافظ كما وصفه الذهبي(السير 15 / 361)قال: (قال عنه الدانيّ: مقرئ جليل غاية في الإتقان، فصيح اللسان، عالم بالآثار، نهاية في علم العربية، صاحب سنة ثقة مأمون.) اهـ.
قال العلامة ابن خلدون رحمه الله تعالى (المقدمة ص/868):
(يقع كثيراً في كلام أهل العقائد من علماء الحديث والفقه أن الله تعالى مباين لمخلوقاته، ويقع للمتكلمين أنه لا مباين ولا متصل، ويقع للفلاسفة أنه لا داخل العالم ولا خارجه... فلنبينْ تفصيل هذه المذاهب ونشرحْ حقيقة كلِّ واحد منها حتى تتضح معانيها، فنقول: إن المباينة تقال لمعنيين أحدهما: المباينة في الحيز والجهة، ويقابلها [أي المباينة بهذا المعنى] الاتصال، وتُشعِر هذه المقابلة على هذه التقيدَ بالمكان إمّا صريحاً وهو تجسيم، أو لزوماً وهو تشبيه من قبيل القول بالجهة، وقد نقل مثله عن بعض علماء السلف من التصريح بهذه المباينة، فيحتمل غير هذا المعنى، ومن أجل ذلك أنكر المتكلمون هذه المباينة، وقالوا: لا يقال في البارئ أنه مباينٌ مخلوقاتَه ولا متصل بها، لأن ذلك إنما يكون للمتحيزات، وما يقال من أن المحلَّ لا يخلو عن الاتصاف بالمعنى وضدّه [أي نقيضه] فهو مشروط بصحة الاتصاف أولاً، وأمّا مع امتناعه فلا، بل يجوز الخلوُّ عن المعنى وضدِّه كما يقال في الجماد لا عالم ولا جاهل ولا قادر ولا عاجز ولا كاتب ولا أمّي، وصحة الاتصاف بهـذه المباينـة [أي المباينة في الحيز والجهة] مشروط بالحصول في الجهة، على ما تقرر من مدلولها، والبارئ منزه عن ذلك، ذكره ابن التلمساني في شرح اللمع لإمام الحرمين، وقال: " ولا يقال في البارئ مباين للعالم ولا متصل به، ولا داخل فيه ولا خارج عنه. ".....
وأما المعنى الآخر للمباينة فهو المغايرة والمخالفة، فيقال: البارئ مباين لمخلوقاته في ذاته وهويته ووجوده وصفاته، ويقابله الاتحاد والامتزاج والاختلاط، وهذه المباينة هي مذهب أهل الحق كلهم من جمهور السلف وعلماء الشرائع والمتكلمين والمتصوفة الأقدمين كأهـل الرسالـة [أي من جاء ذكرهم في رسالة القشيري] ومن نحا منحاهم) اهـ.
وقال ابن الجوزي- رحمه الله تعالى - (دفع شبه التشبيه ص 130):
(فإن التجاور والتباين من لوازم المتحيز في المتحيزات، وقد ثبت أن الاجتماع والافتراق من لوازم المتحيز، والحق سبحانه وتعالى لا يوصف بالتحيز... وكذا ينبغي أن يقال: ليس بداخل العالم وليس بخارج منه، لأن الدخول والخروج من لوازم المتحيزات وهما كالحركة والسكون وسائر الأعراض التي تختص بالأجرام.... وكلام هؤلاء كله مبني على الحس، وقد حملهم الحس على التشبيه والتخليط) اهـ.

ولقد فرعوا على القول بأن الله تعالى بائن بذاته من خلقه ـ وهي بينونة حسية ـ وعلى إثبات الحد له سبحانه وتعالى، فرعوا على ذلك القول بالجهة لله تعالى أي أنه تعالى بجهة الفوق حساً ويشار إليه بالإشارة الحسية، ونسبوا لله تعالى المكان.

محمد ناصر الدين
2008-12-05, 22:59
وهذه أقوال الأئمة الثقات بنفي الجهة عن الله تعالى وتنزيهه عن المكان:

* تنزيه الإمام مالك لله تعالى عن الجهة والمكان والعلو والنزول الحسي:
ذكر الإمام قاضي القضاة ناصر الدين بن المنير الإسكندري المالكي في كتابه" المنتقى في شرف المصطفى "لما تكلم على الجهة وقرر نفيها قال:
(ولهذا أشار مالك رحمه الله تعالى في قوله " لا تفضلوني على يونس بن متى " فقال مالك: إنما خص يونس للتنبيه على التنزيه لأنه،رفع إلى العرش ويونس عليه السلام هبط إلى قاموس البحر ونسبتهما مع ذلك من حيث الجهة إلى الحق جل جلاله نسبة واحدة ولو كان الفضل بالمكان لكان عليه السلام أقرب من يونس بن متى وأفـضـل، ولَمَا نهى عن ذلك) اهـ.
ثم أخذ الإمام ناصر الدين يبين أن الفضل بالمكانة لا بالمكان لأن العرش في الرفيق الأعلى فهو أفضل من السفلى. (إتحاف السادة المتقين 2/ 105).
وقال الإمام مالك رضي الله عنه في تأويله للنزول في الحديث (ينزل أمره كل سحر، فأما هو عز وجل فإنه دائم لا يزول ولا ينتقل، سبحانه لا إله إلا هو) اهـ. (التمهيد 7 / 143،شرح صحيح مسلم للنووي 6/ 37، سير أعلام النبلاء 8 / 105، الإنصاف لابن السيد البطليوسي ص / 81) قال الإمام ابن عبد البر بعد نقله لقول مالك: (وقد يحتمل أن يكون كما قال مالك رحمه الله على معنى أنه تتنزل رحمته وقضاؤه بالعفو والاستجابة) ثم قال بعد أن ذكر قول الذين يقولون: ينزل بذاته. قال رحمه الله تعالى: (ليس هذا بشيء عند أهل الفهم من أهل السنة، لأن هذا كيفية، وهم يفزعون منها لأنها لا تصلح إلا فيما يحاط به عياناً وقد جل الله وتعالى عن ذلك).

* قول الإمام الطبري في نفي العلو الحسي:
قال الإمام ابن جرير الطبري - رحمه الله تعالى - عند تفسير قوله عز وجل
( وه القاهر فوق عباده ) (7 / 103) قال (فهو فوقهم بقهره إياهم وهم دونه) فجعل - رحمه الله - فوقية الله على عباده فوقية القهر، وعباده دونه أي تحته من هذه الحيثية.
وقال أيضاً مؤولاً علو الله تعالى على عرشه ونافياً للاستقرار والتحيز (1 / 192): (علا عليه علو ملك وسلطان لا علو انتقال وزوال) اهـ.

* قول القاضي عياض في صرف ألفاظ المتشابه عن ظاهرها ونقله اتفاق الأمة على ذلك:
قال - رحمه الله تعالى - (إكمال المعلم 2/465، شرح صحيح مسلم للنووي 5 / 24):
(لا خلاف بين المسلمين قاطبة فقيههم ومحدثهم ومتكلمهم ونظارهم ومقلدهم أن الظواهر الواردة بذكر الله تعالى في السمـاء كقوله تعالى( ءَأَمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض ) ونحوه ليست على ظاهرها بل متأولة عند جميعهم) اهـ.

* قول الإمام النووي:
قال ـ رحمه الله تعالى ـ (روضة الطالبين 10 / 85):
(ولو قال – يعني الكافر – لا إله إلا ساكن السماء، لم يكن مؤمناً، وكذا لو قال لا إله إلا الله ساكن السماء، لأن السكون محال على الله) اهـ.
وقال أيضاً ـ رحمه الله تعالى ـ في شرح حديث الجارية(شرح مسلم 5 / 24):
(هذا حديث من أحاديث الصفات وفيها مذهبان، أحدهما الإيمان به من غير خوض في معناه مع اعتقاد أن الله تعالى ليس كمثله شيء وتنزيهه عن سمات المخلوقات.
والثاني: تأويله بما يليق. فمن قال بهذا قال: كأن المراد امتحان الجارية هل هي موحدة تُقرّ بأن الخالق المدبر الفعال هو الله وحده وهو الذي إذا دعاه الداعي استقبل السماء، كما إذا صلّى المصلّي استقبل الكعبة، وليس ذلك لأنه منحصر في السماء كما أنه ليس منحصراً في جهة الكعبة، بل ذلك لأن السماء قبلة الداعين كما أن الكعبة قبلة المصلّين، أو هي من عبدة الأوثـان التي بين أيديهم، فلما قـالت: في السمـاء عُلم أنها موحـدة وليست عابـدة للأوثان) اهـ.

* قول الحافظ ابن حجر العسقلاني:
قال - رحمه الله تعالى - (الفتح 6 / 158): (ولا يلزم من كون جهتي العلو والسفل محال على الله أن لا يوصف بالعلو، لأن وصفه بالعلو، من جهة المعنى، والمستحيل كون ذلك من جهة الحس) اهـ.
وقال - أيضاً - معلقاً على حديث "إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يناجي ربه أو إن ربه بينه وبين القبلة فلا يبزقن أحدكم قبل قبلته ":
(وفيه رد على من زعم أنه - تعالى - على العرش بذاته) اهـ (الفتح 1 /508).
وقال أيضاً منزهاً لله تعالى عن الجهة والمكان عند كلامه على حديث " لا شخص أغير من الله " (الفتح 13 / 413):
(وكأن لفظ الشخص أطلق مبالغة في إثبات إيمان من يتعذر على فهمه موجود لا يشبه شيئاً من الموجـودات، لئلا يفضي به إلى النفي والتعطيـل، وهو نحو قولـه ‘ للجارية " أين الله " قالت: " في السماء "، فحكم بإيمانها مخافة أن تقع في التعطيل لقصور فهمها عمّا ينبغي له من تنزيهـه مما يقتضـي التشبيـه تعـالى الله عن ذلك علوّا كبيراً) اهـ.
وقال أيضاً ناقلاً قول ابن بطال مؤيداً له (الفتح 13/397):
(والله منزه عن الحلول في المواضع، لأن الحلول عرض يفنى، وهو حادث، والحادث لا يليق بالله.) اهـ.
وقال في شرحه لحديث النزول (الفتح 3 / 37):
(استدل به من أثبت الجهة وقال: هي جهة العلوّ، وأنكر ذلك الجمهور، لأن القول بذلك يفضي إلى التحيز تعالى الله عن ذلك. وقد اختلف في معنى النزول على أقوال:
فمنهم من حمله على ظاهره وحقيقته وهم المشبهة، تعالى الله عن قولهم.
ومنهم من أنكر صحة الأحاديث الواردة في ذلك جملة، وهم الخوارج والمعتزلة، وهو مكابرة...
ومنهم من أجراه على ما ورد مؤمناً به على طريق الإجمال منزهاً الله تعالى عن الكيفية والتشبيه وهم جمهور السلف، ونقله البيهقي وغيره عن الأئمة الأربعة والسفيانين والحمّادين والأوزاعي والليث وغيرهم.
ومنهم من أوّله على وجه يليق مستعمل في كلام العرب... ومنهم من فصل بين ما يكون تأويله قريباً مستعملاً في كلام العرب وبين ما يكون بعيداً مهجوراً، فأوّل في بعض وفوّض في بعض، وهو منقول عن مالك وجزم به من المتأخرين ابن دقيق العيد)’اهـ.

* قول الإمام ابن الجوزي:
قال - رحمه الله تعالى - (دفع شبه التشبيه. ص / 136):
(اعلم أن كل من يَتصور وجود الحق سبحانه وجوداً مكانياً طَلَبَ له جهة، كما أن من تخيل أن وجوده وجود زماني طلب له مدة في تقدمه على العالم بأزمنة، وكلا التخيلين باطل.
وقد ثبت أن جميع الجهات تتساوى بالإضافة إلى القائل بالجهة، فاختصاصه ببعضها ليس بواجب لذاته، بل هو جائز فيحتاج إلى مخصص يخصصه ويكون الاختصاص بذلك المعنى زائداً على ذاته وما تطرق الجواز إليه استحال قدمه، لأن القديم هو الواجب الوجود من جميع الجهات، ثم إن كل من هو في جهة يكون مقدّراً محدوداً وهو يتعالى عن ذلك، وإنما الجهات للجواهر والأجسام لأنها أجرام تحتاج إلى جهة، والجهة ليست في جهة، وإذا ثبت بطلان الجهة ثبت بطلان المكان، ويوضحه أن المكان يحيط بمن فيه والخالق لا يحويه شيء ولا تحدث له صفة) اهـ.
وقوله رحمه الله تعالى (والجهة ليست في جهة) أراد أن يردّ فيه زعم الزاعم: لا يُتَعقَّل موجود ليس في جهة. توصّلاً بهذا إلى إثبات الجهة لله تعالى، إذ الجهة موجودة عند هذا الزاعم وهي ليست في جهة من نفسها، إذ لو كانت كذلك لتسلسل الأمر إلى غير نهاية، وهذا باطل، فثبت أن الجهة موجودة بلا جهة، وبه ينتقض زعمهم: لا يُتَعقَّل موجود ليس في جهة من الجهات.
وقال القاضي أبو يعلى (دفع شبه التشبيه 137):
(إن الله عزّ وجلّ لا يوصف بالمكان) اهـ.
قال الإمام ابن الجوزي بعد نقله لقول أبي يعلى الفراء (دفع شبه التشبيه 138):
(فإن قيل: نفي الجهات يحيل وجوده. قلنا: إن كان الموجود يقبل الاتصال والانفصال فقد صدقت، فأمّا إذا لم يقبلهما فليس خلوّه من طرف النقيض بمحال.
فإن قيل: أنتم تلزموننا أن نقرّ بما لا يدخل تحت الفهم. قلنا: إن أردت بالفهم التخيل والتصور فإن الخالق لا يدخل تحت ذلك، إذ ليس يحس ولا يدخل تحت ذلك إلا جسم له لون وقدر، فإن الخيال قد أنس بالمبصرات فهو لا يتوهم شيئاً إلا على وفق ما رآه لأن الوهم من نتائج الحس، وإن أردت أنه لا يعلم بالعقل فقد دللنا أنه ثابت بالعقل، لأن العقل مضطر إلى التصديق بموجب الدليل.
واعلم أنك لمّا لم تجد إلا حسّاً أو عرضاً وعلمت تنزيه الخالق عن ذلك بدليل العقل الذي صرفك عن ذلك، فينبغي أن يصرفك عن كونه متحيزاً أو متحركاً أو منتقلاً.
ولمّا كان مثل هذا الكلام لا يفهمه العامّي قلنا: لا تسمعوه ما لا يفهمه ودعوا اعتقاده لا تحركوه، ويقال إن الله تعالى استوى على عرشه كما يليق به) اهـ.
وهذا واضح في أن الأصل في النصوص المتشابهة التفويض ما لم تدْعُ حاجة إلى التأويل، وهو ما كان عليه جمهور السلف الصالح كما سيأتي من أقوال العلماء التي تفيد ذلك، وأنهم ـ نعني السلف ـ لو وُجد في أزمانهم ما حدث بعد ذلك لجهروا بالتأويل، كيف وقد ثبت التأويل عن جماعات منهم؟!

* قول الإمام القشيري:
قال الإمام القشيري - رحمه الله تعالى - (إتحاف السادة المتقين 2 / 108): (فالرب موصـوف بالعلو وفوقيـة الرتبة والعظمة منزه عن الكون في المكـان وعن المحاذاة) اهـ.

* قول قاضي القضاة ابن المنير:
نقل الحـافظ ابن حجر عن ابن المنيـر مؤيّداً له في تنزيـه الله تعــالى عن المكان والجهة (فتح الباري 13 / 429):
(قال ابن المنير... قوله " رب العرش "... نبّه [يعني البخاري] على بطلان قول من أثبت الجهة أخذاً من قوله " ذي المعارج " ففَـهِمَ - أي مثبت الجهة - أن العلوّ الفوقي مضاف إلى الله تعالى، فبين المصنف [يعني البخاري] أن الجهة التي يصدق عليها أنها سماء والجهة التي يصدق عليها أنها عرش كل منهما مخلوق مربوب محدث، وقد كان الله قبل ذلك وغيره، فحدثت هذه الأمكنة، وقدمه - تعالى - يحيل وصفه بالتحيز فيها والله أعلم) اهـ.
وبهذا تتفق كلمة البخاري وابن المنير والحافظ ابن حجر رحمهم الله تعالى في هذا النص على تنزيه الله تعالى عن المكان والجهة، وهذا قول جميع المنزهين.

* قول الإمام البيضاوي:
وقال الإمام البيضاوي - رحمه الله تعالى - (فتح الباري 3 / 37):
(ولما ثبت بالقواطع أنه سبحانه منزه عن الجسمية والتحيز امتنع عليه النزول على معنى الانتقال من موضع إلى موضع أخفض منه، فالمراد نور رحمته، أي ينتقل من مقتضى صفة الجـلال التي تقتضي الغضب والانتقـام إلى مقتضى صفة الإكرام التي تقتضي الرأفة والرحمة) اهـ.

محمد ناصر الدين
2008-12-05, 23:07
التفويض والتأويل

التفويض: مأخوذ من قولهم فوض إليه الأمر. أي ردّه إليه.
والمعنى الشرعي لا يخرج عن المعنى اللغوي، فهو شرعاً: ردُّ العلم بهذه المتشابهات إلى الله تعالى وعدم الخوض في معناها وذلك بعد تنزيه الله تعالى عن ظواهرها غير المرادة للشارع.
والتأويل: أصله من الأَوْلِ وهو الرجوع.
وهو شرعاً: صرف اللفظ عن الظاهر بقرينة تقتضي ذلك.
وهذان المذهبان كما أسلفنا هما المذهبان المعتبران المأثوران عن أهل السنة والجماعة في أبواب المتشابه، ولا اعتبار لمن جنح إلى التعطيل أو التشبيه من المذاهب الأخرى التي رفضتها الأمة ولفظتها.

· انحصار الحق في التفويض والتأويل:
هذه النصوص المتشابهة في الصفات إما أن تُثبت أو تُنفى، ونفيها تعطيل ظاهر، لأنه نفيٌ لما أثبت الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، والإثبات إما أن يكون معه حمل الكلام على ظاهره وحقيقته التي يعهدها البشر، أو يصرف الكلام معه عن هذا الظاهر وهذه الحقيقة، والأول نعني حملَ الكلام على الظاهر والحقيقة يفضي قطعاً إلى التشبيه، لأن حقائق وظواهرهذه الألفاظ أجسام وكيفيات مخلوقة، والله تعالى منزه عنها.
ولا يقال: نحملها على الظاهر ونفوض العلم بالكيفية إلى الله تعالى.
لأن هذا القول تناقض صريح أوقعت فيه الغفلة، إذ ليس من ظاهر ولا حقيـقة هنـا إلا الجسم، وهذا لا يصح قطعاً وصف الله تعالى به.
بقي القسم الأخير الذي هو صرف الكلام عن الحقيقة والظاهر، ثم بعد صرفه عن الظاهر إما أن يُتوقفَ عن التماس معنى له ويوكلَ العلمُ به إلى الله تعالى، وهذا هو التفويض الذي عليه جماهير السلف الصالح، أو يلتمسَ له معنى لائقٌ بالله تعالى حسب مناحي الكلام عند العرب وما تسيغه لغتهم، وهذا هو التأويل الذي عليه خلف الأمة وجماعات من سلفها الصالح.
بهذين المذهبين تنحصر القسمة الصحيحة في هذه القضية.
لهذا نرى العلماء ينصّون عندما يعرض لهم شيء من هذه المتشابهات على أنه (إما تفويض وإما تأويل) إذ ليس بعدهما إلا التشبيه أو التعطيل.
قال الإمام الأبّي رحمه الله تعالى (شرح صحيح مسلم للأبي 7 / 190) أثناء شرحه لحديث " إن الله يمسك السموات على أصبع ":
(والحديث من أحاديث الصفات فيصرف الكلام عن ظاهره المحال الموهم للجارحة، ويكون فيه المذهبان المتقدمان، إما الإمساك عن التأويل والإيمان به على ما يليق، ويصرف علمه إلى الله تعالى، أو يتأول) اهـ.
وقال الإمام العلامة بدر الدين بن جماعة (إيضاح الدليل ص/103):
(واتفق السلف وأهل التأويل على أن ما لا يليق من ذلك بجلال الرب تعالى غير مراد... واختلفوا في تعيين ما يليق بجلاله من المعاني المحتملة... فسكت السلف عنه، وأوله المتأولون) اهـ.
وقال الإمام ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - في حديث النزول (دفع شبه التشبيه 194):
(روى حديث النزول عشرون صحابياً، وقد تقدم أنه يستحيل على الله عز وجل الحركة والنقلة والتغير، فيبقى الناس رجلين: أحدهما، المتأول بمعنى أنه يقرب برحمته... والثاني، الساكت عن الكلام في ذلك مع اعتقاد التنزيه) اهـ.
وقال الإمام النووي - رحمه الله تعالى - في شرحه على صحيح مسلم (5 / 24) أثناء الكلام على حديث الجارية، ما نصه:
(هذا الحديث من أحاديث الصفات، وفيها مذهبان، أحدهما، الإيمان به من غير خوض في معناه مع اعتقاد أن الله تعالى ليس كمثله شيء، وتنزيهه عن سمات المخلوقات، والثاني، تأويله بما يليق)’اهـ.
وقـال أيضـاً أثنـاء الكلام على حديث إمساك السماوات على أصبع والأرضين على أصبع (17 / 129) ما نصه: (هذا من أحاديث الصفات، وقد سبق فيها المذهبان، التأويل والإمساك عنه مع الإيمان بها ومع اعتقاد أن الظاهر منها غير مراد) اهـ.
ونقل الحافظ ابن حجر قول ابن دقيق العيد مؤيداً له وموافقاً عليه في حديث " لا شخص أغير من الله " (الفتح 13 / 411): (قال ابن دقيق العيد: المنزهون لله إما ساكت عن التأويل، وإما مؤول) اهـ.
وعلى الجملة فإن أقوال العلماء في حصر الحق في هذين المذهبين لا تحصى كثرة، وبما نقلناه من نصوصهم مقنع.

محمد ناصر الدين
2008-12-05, 23:09
مذهب جمهور السلف التفويض

قال الإمام التـرمذي - رحمه الله - (سنن الترمذي 4 / 492) مثبتاً للسلف الصالح مذهب التفويض:
(والمذهب في هذا عند أهل العلم من الأئمة مثل سفيان الثوري ومالك بن أنس وابن المبارك وابن عيينة ووكيع وغيرهم أنهم رووا هذه الأشياء ثم قالوا تروى هذه الأحاديث ونؤمن بها ولا يقال كيف، وهذا الذي اختاره أهل الحديث أن تروى هذه الأشياء كما جاءت ويؤمن بها ولا تفسر ولا تتوهم ولا يقال كيف، وهذا أمر أهل العلم الذي اختاروه وذهبوا إليه) اهـ.
وقوله (يؤمن بها) إثبات لها، وبه يفارقون أصحاب التعطيل، وقوله (ولا تفسر ولا تتوهم ولا يقال كيف) تفويض لله تعالى في معانيها، وقوله (ولا يقال كيف) أي بلا استفسار عن معانيها، أو تعيين المراد بها، وبه يفارقون أصحاب التشبيه.
وروى الخلال بسند صحيح عن الإمام أحمد رضي الله عنه أنه قال في مثل هذه النصوص: (نؤمن بها ونصدق ولا كيف ولا معنى) اهـ.
وروى الإمـام الحـافظ البيهقي رحمه الله تعالى بسنده عن الإمام والأوزاعي ـ رحمه الله (الاعتقاد ص / 93) قال:
(كل ما وصف الله تعالى به نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته والسكوت عليه) اهـ.
والنصوص في هذا المعنى عن السلف كثيرة جدّاً كلها يفيد إيمانهم بها وإمرارها وعدم الخوض في تفسير معناها.
ولقد نقـل الحـافظ ابن حجر (الفتح 6 / 48) عن الحافظ ابن الجوزي معنى قولهم: أمـروهـا كمـا جاءت. قال:
(قال ابن الجوزي: أكثر السلف يمتنعون من تأويل مثل هذا ـ يشير إلى حديث يضحك الله إلى رجلين ـ ويمرونه كما جاء، وينبغي أن يراعى في مثل هذا الإمرار اعتقاد أنه لا تشبه صفات الله صفات الخلق، ومعنى الإمرار عدم العلم بالمراد([10] (mhtml:mid://00000002/#_ftn10)) منه مع اعتقاد التنزيه)’اهـ.
قال الإمام عدي بن مسافر([11] (mhtml:mid://00000002/#_ftn11)) رحمه الله تعالى (اعتقاد أهل السنة والجماعة ص / 26):
(وتقرير مذهب السلف كما جاء من غير تمثيل ولا تكييف ولا تشبيه ولا حمل على الظاهر) اهـ.
ونقل الحافظ ابن حجر عن الإمام ابن المنير (الفتح 13 / 190) قوله:
(لأهل الكلام في هذه الصفات كالعين والوجه واليد ثلاثة أقوال... والثالث إمرارها على ما جاءت مفوضاً معناها إلى الله تعالى، وقال الشيخ السهروردي في كتاب العقيدة له: أخبر الله في كتابه وثبت عن رسوله الاستواء والنزول والنفس واليد والعين فلا يتصرف فيها بتشبيه ولا تعطيل، إذ لولا إخبار الله ورسوله ما تجاسر عقل أن يحوم حول ذلك الحمى. قال الطيبي: هذا هو المذهب المعتمد وبه يقول السلف الصالح) اهـ.
وقال الإمام النووي - رحمه الله تعالى - (المجموع 1 / 25):
(اختلفوا في آيات الصفات وأخبارها هل يخاض فيها بالتأويل أم لا؟ فقال قائلون تتأول على ما يليق بها، وهذا أشهر المذهبين للمتكلمين، وقال آخرون: لا تتأول بل يمسك عن الكلام في معناها ويوكل علمها إلى الله تعالى ويعتقد مع ذلك تنزيه الله تعالى وانتفاء صفات الحوادث عنه، فيقال مثلاً: نؤمن بأن الرحمن على العرش استوى، ولا نعلم حقيقة معنى ذلك والمراد به، مع أنا نعتقد أن الله تعالى ليس كمثله شيء، وأنه منزه عن الحلول وسمات الحدوث، وهذه طريقة السلف أو جماهيرهم وهي أسلم) اهـ.
قال الإمام الجلال السيوطي - رحمه الله تعالى - (الإتقان في علوم القرآن 2 / 10):
(من المتشابه آيات الصفات... وجمهور أهل السنة منهم السلف وأهل الحديث على الإيمان وتفويض معناها المراد منها إلى الله تعالى، ولا نفسرها مع تنزيهنا له - تعالى - عن حقيقتها) اهـ.
هذه نصوص صريحة في إثبات التفويض للسلف الصالح لا سبيل إلى إنكارها أو حملها على معاني أخرى لا تتفق وجلالة أقدارهم وتنزيههم للباري سبحانه، كمن ينسب لهم إثبات الحقائق الظاهرة المتعارف عليها بين البشر وتفويض كيفياتها لله تعالى، فيقول إنهم يثبتون المعنى الحقيقي ويفوضـون الكيف، وقائل هذا لا يدري ما يقول، وقد جره إلى هذا الفهم عبـارة (بلا كيف) التي كثيراً ما ترد على ألسنة السلف عند الكلام على النصوص المتشابهة، ففهم منها أنهم يثبتون المعنى الحقيقي ويفوضون الكيف، وهذا فهم باطل، بل هي عبارةٌ المقصودُ منها زجرُ السائل عن البحث والتقصِّي، لا إثبات المعنى الحقيقي وتفويض الكيف!!
فإن أي لفظ يدلُّ في حقيقته على شيء من الجسمانيات والكيفيات متى ما جُهِل معناه كان السؤال عن المراد منه بكلمة (كيف)، وفي حديث فضل عيادة المريض الذي أخرجه مسلم ما يدل على هذا، وذلك حين يقول الله تعالى لعبده (مرضت فلم تعدني.. استطعمتك فلم تطعمني.. استسقيتك فلم تسقني..) كل ذلك والعبد يقول: (رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟!.. رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟!.. رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟!) فهو لم يفهم المعنى المراد من اللفظ بعد أن استحالت حقيقته في عقله، فسأل بـ (كيف؟) عن المعنى المراد، لا أنه أثبت حقيقة المرض والاستطعام والاستسقاء لله تعالى لكنه لم يعلم كيفياتها!!
فعندما يقال في جواب السائل (بلا كيف) يفهم منه أنه (بلا معنى) لأن لفظ الـ (كيف) هنا مستفهم به عن المعنى، وبنفيه ينتـفي المعنى المستفهم عنه به، فهو من قبيل نفي الملزوم عن طريق نفي اللازم، فالكيف لازم للمعنى الظاهر، وبنفيه نفيٌ للمعنى الظاهر، وذلك كمن يقول لك: إن هذا العدد ليس بزوج. فتفهم منه أنه ليس اثنين ولا أربعة ولا ستة... الخ لأن الزوجية لازم غير قابل للانفكاك عن الاثنين والأربعة والستة.. الخ.
من هنا يتبين مراد السلف بقولهم (بلا كيف)، ومنه تعلم أن من ينسب للسلف إثبات المعاني الحقيقية لهذه الألفاظ والتفويض في كيفياتها ينسب لهم التشبيه من حيث لا يدري.

محمد ناصر الدين
2008-12-05, 23:12
تنبيه


هل كان السلف يدركون أي معنى لهذه النصوص المتشابهة؟ أم أنها بالنسبة لهم كالحروف التي في أوائل السور؟
وإذا كانوا يدركون لها معنى، كيف يُوفَّق بين إدراكهم هذا وبين ما مرَّ من تفسير الإمرار بأنه عدم العلم بالمراد؟
يبدو للوهلة الأولى أن ثمة تعارض بين إدراك معاني هذا النصوص وبين إمرارها الذي هو عدم العلم بالمراد منها، وفي الحقيقة ليس ثمة أي تعارض بين الأمرين، فالمقصود بعدم العلم بالمراد الذي فُسِّر به الإمرار هو عدم العلم بالمراد تفصيلاً وعلى سبيل القطع والتحديد، وهذا لا يقتضي عدم علمهم بالمراد إجمالاً.
مثال على هذا قوله تعالى( بل يداه مبسوطتان ) يفهم منه على سبيل الإجمال معنى الكرم والجود المطلق والعطاء الذي لا ينقطع اللائق بصفة الرب تعالى، أما لفظ اليدين المضاف لله تعالى في الآية فبعد استبعاد المعنى الظاهر المتبادر من إطلاقه وهو الحقيقة اللغوية التي وضع اللفظ ليدلَّ عليها بين المخلوقين وهي الجارحة، نقول بعد استبعاد هذه الحقيقة احتمل اللفظ عدة معانٍ مجازية، ولهذا الاحتمال توقف جمهور السلف عن التعيين والقطع بأحدها، وهذ هو معنى عدم علمهم بالمراد لا أنهم لا يفهمون لهذه النصوص أي معنى، تعالى الله أن يخاطب الناس بما لا يُفهم.
هذا هو اللائق بمقامات السلف في العلم، إذ لا يعقل أنهم كانوا يسمعون مثلاً قول الله تعالـى ( يد الله فوق أيديهم ) أو ( بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ) أو ( الرحمن على العرش استوى ) أو ( ثم استوى إلى السماء ) أو ( يوم يكشف عن ساق )، أو قول رسول الله ‘ (يضحك ربنا) أو (ينزل ربنا) أو (يعجب ربنا) الخ، ثم لا يفهمون من كل ذلك أي معنى، كما هو الحال مع الحروف التي في فواتح السور، كلا، فإن هذه الألفاظ لها في لغة العرب معانٍ مجازيةٌ معروفةٌ ومشهورةٌ لا شك أن السلف فهموها إجمالاً، ولكنهم لفرط تقواهم وخشيتهم لله تعالى وتهيبهم لذلك المقام الأقدس ثم لعدم الاضطرار إلى التعيين لأحد المعاني لخلو عصرهم من المبطلين الذين يحملون كلام الله تعالى وكلام رسوله ‘ على وجوه فاسدة لا تحتملها لغة العرب وتتنافى مع التقديس والتنزيه، لهذا ولذاك أحجموا عن التعيين والتصريح، واكتفوا بهذا الفهم الإجمالي لها، وصرح بها الخلف بعدهم لطروِّ ما اقتضى ذلك وحتّمه عليهم.
قـال الشيـخ العلامـة العزامـي القضـاعي (فرقان القرآن مطبوع في ذيل الأسماء والصفات للبيهقي ص / 104):
(وقال تعالى: ( الله نور السموات والأرض )هل فهم أحد من السلف أنه هو ذلك النور الفائض على الحيطان والجدران المنتشر في الجو؟ جل مقام العلماء بالله وكتابه أن يفهموا هذا المعنى الظـاهر العامي. قال حبر الأمة ابن عباس فيما رواه عنه الطبري بالسند الصحيح: الله سبحانه هادي أهل السموات والأرض. وروى نحوه عن أنس بن مالك. وروى عن مجاهد أن معناه المدبر. ورجح الإمامُ الأوّلَ وزيف ما عداه … تعالى الله عن صفات الأجسام وسمات الحدوث. وهكذا لو استقريت أقوال السلف من مظانها لرأيت الكثير الطيب من بيان المعاني اللائقة بالله تعالى على سبيل التعيين، فمن نقل عدم التعيين مطلقاً عن السلف فما دقق البحث ولا اتسع اطلاعه) اهـ.


وقال أيضاً مُوضّحاً هذا المعنى:
(تنبيه مهم: إذا سمعت في عبارات بعض السلف " إننا نؤمن بأن له - تعالى - وجها لا كالوجوه ويداً لا كالأيدي " فلا تظن أنهم أرادوا أن ذاته العلية منقسمة إلى أجزاء وأبعاض، فجزءٌ منها يدٌ وجزءٌ منها وجهٌ غير أنه لا يشابه الأيدي والوجوه التي للخلق!! حاشاهم من ذلك، وما هذا إلا التشبيه بعينه، وإنما أرادوا بذلك أن لفظ الوجه واليد قد استعمل في معنى من المعاني، وصفة من الصفات التي تليق بالذات العلية كالعظمة والقدرة، غير أنهم يتورعون عن تعيين تلك الصفة تهيباً من التهجم على ذلك المقام الأقدس) اهـ.
وجاء في كتاب تاريخ المذاهب الإسلامية للإمام محمد أبو زهرة - رحمه الله - (1 / 237) ما نصه:
(فهل يتصور أن الذين يبايعون النبي ‘ تحت الشجرة عندما يتلون قوله تعالى ( إنّ الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم ، فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيما ) يفهمون أن اليد هنـا يد ليست كيد المخلوقات – يعني يدا حقيقية كما يقول أصحاب الظاهر ولكنها ليست كيد المخلوقات – ولا يفهمون أن المراد سلطان الله تعالى وقدرته، بدليل ما فيها من تهديد لمن ينكث بأن مغبة النكث تعود عليه. ولذلك نحن نرجح منهاج الماتريدي ومنهاج ابن الجوزي ومنهاج الغزالي، ونرى أن الصحابة كانوا يفسرون بالمجاز إن تعذر إطلاق الحقيقة، كما يفسرون بالحقيقة في ذاتها) اهـ.
يؤيد هذا ما نقل عن جماعات منهم من التصريح بذكر هذه المعاني المجازية مثل سيدنا ابن عباس وابن مسعود وعلي رضي الله عنهم والحسن البصري ومالك والأوزاعي وقتادة والثوري ومجاهد وعكرمة رحمهم الله وغيرهم ممن تزخر بنصوصهم كتب التفسير والحديث وغيرها.
وسيأتي معنا باب خاص في تأويلات السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم.

محمد ناصر الدين
2008-12-05, 23:19
التأويل مذهب سلفى وعربى أصيل


قد يظن البعض وذلك بسبب الرهج الذي يثار أمام البصائر والعقول في هذه القضية أن التأويل مذهب مبتدع ومنهج ضلال، لا سيما إذا مثل له بتأويلات المبتدعة من الفرق الباطنية وتعطيلات الجهمية وغيرها من الفرق التي اتخذت التأويل المتكلَّف مركباً وجسراً تعبر منه لهدم الدين ونقض الشريعة، والحق الذي لا يماري فيه منصف عاقل أن التأويل منهج سديد لابد منه لفهم الكتاب والسنة، ومذهب ثابت عن جماعات من السلف كما نقل ذلك علماء الأمة وأئمتها.
قال الإمام الزركشي - رحمه الله تعالى - (البرهان في علوم القرآن 2 / 207):
(وقد اختلف الناس في الوارد منها - يعني المتشابهات - في الآيات والأحاديث على ثلاث فرق:
أحدها: أنه لا مدخل للتأويل فيها، بل تجرى على ظاهرها، ولا نؤول شيئاً منها، وهم المشبهة.
الثانية: أن لها تأويلاً ولكنا نمسك عنه مع تنزيه اعتقادنا عن الشبه، والتعطيل، ونقول لا يعلمه إلا الله وهو قول السلف.
والثالثة: أنها مؤولة وأولوها على ما يليق به.
والأول باطل - يعني مذهب المشبهة - والأخيران منقولان عن الصحابة) اهـ.
فأثبت رحمه الله تعالى مذهب التأويل للصحابة.
وقال الإمام النووي - رحمه الله - في سياق شرحه لحديث من أحاديث الصفات (شرح مسلم 6 / 36):
(هذا حديث من أحاديث الصفات وفيه مذهبان مشهوران للعلماء... أحدهما وهو مذهب السلف... والثاني مذهب أكثر المتكلمين وجماعات من السلف وهو محكي عن مالك والأوزاعي أنها تتأول على ما يليق بها بحسب مواطنها) اهـ.
ومالك والأوزاعي من كبار علماء السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم. وقد مر معنا تأويل مالك لنزول الرب وتعليق ابن عبد البر على ذلك.
وقال الإمام أبو محمد الجويني([12] (mhtml:mid://00000002/#_ftn12)) والد إمام الحرمين رحمهما الله تعالى (إتحاف السادة المتقين 2 / 110):
(أما ما ورد من ظاهر الكتاب والسنة مما يوهم بظاهره تشبيهاً فللسلف فيه طريقان، الإعراض عن الخـوض فيها وتفويض علمها إلى الله تعالى... وإليها ذهب كثير من السلف... والطريقة الثانية: الكلام فيها وفي تفسيرها بأن يردها عن صفات الذات إلى صفات الفعل، فيحمل النزول على قرب الرحمة واليد على النعمة والاستواء على القهر والقدرة، وقد قال‘ " كلتا يديه يمين " ومن تأمل هذا اللفظ انتفى عن قلبه ريبة التشبيه، وقد قال تعالى ( الرحمن على العرش استوى )وقال ( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ) فكيف يكون على العرش ساعة كونه سادسهم إلا أن يُردَّ ذلك إلى معنى الإدراك والإحاطة لا إلى معنى المكان والاستقرار والجهة والتحديد) اهـ.
وقال العلامة الشوكاني - رحمه الله تعالى - (إرشاد الفحول 176):
(الفصل الثاني: فيما يدخله التأويل، وهو قسمان، أحدهما، أغلب الفروع، ولا خلاف في ذلك. والثاني، الأصول كالعقائد وأصول الديانات وصفات الباري عز وجل، وقد اختلفوا في هذا القسم على ثلاثة مذاهب:
الأول: أنه لا مدخل للتأويل فيها، بل تجرى على ظاهرها ولا يؤوَّل شيء منها، وهذا قول المشبهة.
والثاني: أن لها تأويلاً ولكنا نمسك عنه، مع تنزيه اعتقادنا عن التشبيه والتعطيل لقوله تعالى ( وما يعلم تأويله إلا الله )، قال ابن برهان وهذا قول السلف...
والمذهب الثالث: أنها مؤولة. قال ابن برهان، والأول من هذه المذاهب باطل، والآخران منقـولان عن الصحابة، ونقل هذا المذهب الثالث عن علي وابن مسعود وابن عباس وأم سلمة) اهـ.
وهذه أقوال صريحة للعلماء. بإثبات مذهب التأويل للسلف الصالح.
ونحن نقول: لنفترض أنه لم ينقل عن أحد من السلف الصالح التصريح بتأويل شيء من ذلك، أي حرج على من سلك سنن العرب في فهم الكلام العربي، وحمل هذه النصوص على ما تجيزه لغتهم، والعرب شائع في لسانهم تسمية الشيء باسم غيره إذا كان مجاوراً له أو كان منه بسبب، كتسمية المطر بالنوء، والقوة باليد، وشائع أيضاً عندهم نسبة الفعل إلى غير فاعله، إذا كان برضاه أو بأمره ونحو ذلك، كأن يقال: فعل الأمير كذا، وضرب الأمير فلاناً، والفاعل والضارب حقيقة عامله، وإنما نسب الفعل إليه لأنه أمر به أو رضي به، وعلى الجملة فإن هذا ونظائره كثير دارج على ألسنتهم، ولا سبيل إلى إنكاره وجحده، والقرآن وأحاديث الرسول ‘جاءا بلسان العرب ولغتهم.
على أن الكلام إذا خلا من المجازات والاستعارات سمج وأصبح فجاً ثقيلاً لا تقبله الأسماع ولا تهضمه.
ونقل الحافظ بن حجر عن الإمام المازري (الفتح 13 / 144) أثناء شرحه لحديث " إنكم سترون ربكم " وفيه قوله ‘" وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه ".
قال الحافظ: (قـال المازري كان النبي‘ يخاطب العرب بما تفهم، ويخرج لهم الأشياء المعنوية إلى الحس ليقرب تناولهم لها، فعبر عن زوال المـانع ورفعه عن الأبصـار بذلك) اهـ.
ثم قال الحافظ ابن حجر (المصدر السابق):
(قال عياض: كانت العرب تستعمل الاستعارة كثيراً، وهو أرفع أدوات بديع فصاحتها وإيجازها، ومنه قوله تعالى: ( جناح الذل ) فمخاطبة النبي‘ لهم بـ " رداء الكبرياء على وجهه " ونحو ذلك من هذا المعنى، ومن لم يتضح له، وعلم أن الله منزه عن الذي يقتضيه ظاهرها إما أن يكذب نقلتها، وإما أن يؤولها، كأن يقول: استعار لعظيم سلطان الله وكبريائه وعظمته وهيبته وجلاله المانعِ إدراكَ أبصارِ البشرِ مع ضعفها لذلك رداءَ الكبريـاء، فإذا شـاء تقويـة أبصـارهم وقلوبهم كشف عنهم حجـاب هيبته وموانع عظمته) اهـ.
ورجّح الإمـام العزبن عبد السلام - رحمه الله - طريـقة التأويـل فقــال (إتحاف السادة المتقين 2 / 109):
(طريقة التأويل بشرطها أقربها إلى الحق) وعلق الإمام الزبيدي رحمه الله تعالى على قول العز بقوله (ويعني بشرطها أن يكون على مقتضى لسان العرب) اهـ.
وقال الإمام العلامة الآلوسي رحمه الله تعالى (روح المعاني 3 / 89)حاثاً على حمل المتشابه على المجاز: (الحمل على المجاز الشائع في كلام العرب والكناية البالغة في الشهرة مبلغ الحقيقة أظهر من الحمل على معنى مجهول) اهـ.
وقال أيضاً (3 / 116): (والتأويل القريب إلى الذهن الشائع نظيره في كلام العرب مما لا بأس به عندي، على أن بعض الآيات مما أجمع على تأويلها السلف والخلف) اهـ.
فأثبت رحمه الله للسلف تأويل بعض الآيات وأنها مما أُجمِع على تأويلها.
وقال الدكتورالشيخ محمد سعيد رمضان البوطي حفظه الله تعالـى (كبرى اليقينيات ص/ 138 ومابعدها):
(مذهب السلف هو عدم الخوض في أي تأويل أو تفسير تفصيلي لهذه النصوص، والاكتفاء بإثبات ما أثبته الله تعالى لذاته، مع تنزيهه عزّ وجلّ عن كل نقص ومشابهة للحوادث، وسبيل ذلك التأويل الإجمالي لهذه النصوص وتحويل العلم التفصيلي بالمقصود منها إلى علم الله عزّ وجلّ، أما ترك هذه النصوص على ظاهرها دون أي تأويل لها سواء كان إجمالياً أم تفصيلياً فهو غير جائز، وهو شيء لم يجنح إليه سلف ولا خلف.... ولكنك عندما تنزه الله حيال جميع هذه الآيات عن مشابهة مخلوقه في أن يتحيز في مكان وتكون له أبعاد وأعضاء وصورة وشكل، ثم أثبتَّ لله ما أثبته هو لذاته على نحوٍ يليق بكماله وذلك بأن تكِلَ تفصيل المقصود بكلٍّ من هذه النصوص إلى الله جلّ جلاله سَلِمْتَ بذلك من التناقض في الفهم وسَلَّمْتَ القرآن من توهم أي تناقض فيه، وهذه هي طريقة السلف رحمهم الله ألا تراهم يقولون عنها " أمروها بلا كيف " إذ لولا أنهم يؤولونها تأويلاً إجمالياً بالمعنى الذي أوضحنا لما صحّ منهم أن يقولوا ذلك...
ومذهب الخلف الذين جاءوا من بعدهم هو تأويل هذه النصوص بما يضعها على صراط واحد من الوفاق مع النصوص المحكمة الأخرى التي تقطع بتنزّه الله عن الجهة والمكان والجارحة...
واعلم أن مذهب السلف في عصرهم كان هو الأفضل والأسلم والأوفق مع الإيمان الفطري المرتكز في كلٍّ من العقل والقلب.
ومذهب الخلف في عصرهم أصبح هو المصير الذي لا يمكن التحول عنه، بسبب ما قامت فيه من المذاهب الفكرية والمناقشات العلمية.... والمهم أن تعلم بأن كلاًّ من المذهبين منهجان إلى غاية واحدة، لأن المآل فيهما إلى أن الله عزّوجلّ لا يشبهه شيء من مخلوقاته، وأنه منزّه عن جميع صفات النقص، فالخلاف الذي تراه بينهما خلاف لفظي وشكلي فقط) اهـ.
وقال الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله تعالى (تعريف عام بدين الإسلام ص/81):
(القرآن أنزل بلسان العرب، وخوطب به العرب، وكل ما يفهمه منه العربي الصميم وفق قواعد العربية ومصطلح أهلها - حقيقة حيث ينصرف إلى الحقيقة أو مجازاً حيث يفهم منه المجاز - يكون فهماً صحيحاً، ولكن اللغات كلها إنما وضعت للتعبير عن المعاني الأرضية المادية، فلا تستطيع أن تحيط بالمشاعر الإنسانية فضلاً عن الصفات الإلهية) اهـ.
وهذه حقيقة لا ريب فيها بين العقلاء، إذ الكلام يتعين في الحقيقة والظاهر متى أمكن ذلك، وإلا فبالمجاز مندوحة وسَعة، وبما أن هذه الألفاظ حقائقها مادية حسية إذن من الخطأ بمكان حمل اللفظ عليها، بل يتعين الانصراف إلى المجاز.
فإذا كان الأمر كذلك، فلا ملامة ولا حرج حينئذ على علماء الأمة إذا فسروا كلام الله تعالى وكلام رسوله ‘ العربيين على طريقة العرب وحسب أسلوب تخاطبهم وتحاورهم وبما يليق بجلال الله تعالى، وبما يدفع شبه المشبهين، وهل هم في هذا إلا مـهتدون بهدي جمهور السلف الذين فهموا عن الله تعالى وعن رسوله ‘، لكنهم - كما ذكرنا - لم يتطرقوا - في الغالب - لإعلانه والتصريح به لعدم الحاجة إلى ذلك في عصورهم، ومضى قرنهم على هذا.
وهكذا كان الحـال مع الذين جاءوا من بعدهم، إلى أن جاء زمن نبتت فيه رؤوس البدعة، ورفع فيه أهل الزيغ عقيرتهم، وجابهوا الناس بما لم يكن لهم به عهد، واستولوا بمقالاتهم الفاسدة على عقول العامة، وحملوا كلام الله تعالى وكلام رسوله ‘على ما لا يجوز حملهما عليه من المعاني، حينها تعين على علماء أهل السنة الذود عن عقائد المسلمين، وغاية ما فعلوه ـ رضي الله تعالى عنهم ـ هو أنهم جهروا بما كان يجتنب جمهور السلف الصالح من الصحابة والتابعين الجهر به، لعدم الحاجة إليه في أزمنتهم.
قال الإمام العز بن عبد السلام (فتاوى العز بن عبد السلام ص / 22) رحمه الله تعالى:
(وليس الكلام في هذا - يعني التأويل - بدعة قبيحة، وإنما الكلام فيه بدعة حسنة واجبة لَمَّا ظهرت الشبهة، وإنما سكت السلف عن الكلام فيه إذ لم يكن في عصرهم من يحمل كلام الله وكلام رسوله على ما لا يجوز حمله عليه، ولو ظهرت في عصرهم شبهة لكذبوهم وأنكروا عليهم غاية الإنكار، فقد رد الصحابة والسلف على القدرية لما أظهروا بدعتهم، ولم يكونوا قبل ظهورهم يتكلمون في ذلك) اهـ.
وقال الشيخ الإمام القدوة الرباني عدي بن مسافر الشامي - رحمه الله تعالى - (اعتقاد أهل السنة والجماعة ص / 26):
(ونؤمن بما ورد به الكتاب والسنة ولا نتعرض للتأويل بعد أن نعلم أن الله عز وجل لا يشبه شـيئاً من المخلوقات ولا يشبهه شيء منها، فإن كل ما تمثل في الوهم فهو مُقدِّرُه قطعاً وخالقُهُ، وهذا الذي درج عليه السلف قبل ظهور الأهواء وتشعب الآراء، فلما ظهرت البدع وانتشر في الناس التشبيه والتعطيل فزع أهل الحق إلى التأويل)’اهـ.
وهذا الذي قاله رضي الله عنه هو عين ما يراه الأشاعرة ويعتقدونه، إذ لولا ظهور الفتن ومقالات أهل الزيغ وتشويشهم على عقائد العامة ما صرحوا وبينوا ما كان السلف يعتقدونه إجمالاً ويمرون عليه مروراً.

محمد ناصر الدين
2008-12-05, 23:25
وقال العلامة ملا على القاري - رحمه الله تعالى - معتذراً عن علمـاء الأمة لأخذهم بالتأويل (مرقاة المفاتيح 2 / 136): (ولم يريدوا بذلك مخالفة السلف الصالح - معاذ الله أن يظن بهم ذلك - وإنما دعت الضرورة في أزمنتهم لذلك، لكثرة المجسمة والجهمية وغيرها من فرق الضلال، واستيلائهم على عقول العامة، فقصدوا بذلك ردعهم وبطلان قولهم، ومن ثم اعتذر كثير منهم وقالوا: لو كنا على ما كان عليه السلف الصالح من صفاء العقائد وعدم المبطلين في زمنهم لم نخض في تأويل شيء من ذلك) اهـ.
وقال الإمام الزركشي - رحمه الله تعالى - (البرهان في علوم القرآن 2/ 209):
(قلت وإنما حملهم على التأويل وجوب حمل الكلام على خلاف المفهوم من حقيقته، لقيام الأدلة على استحالة المشابهة والجسمية في حق البارئ تعالى) اهـ.
وقال الحافظ بن حجر - رحمه الله تعالى - (مرقاة المفاتيح 1/134):
(أكثر السلف لعدم ظهور أهل البدع في أزمنتهم يفوضون علمها – آيات الصفات – إلى الله تعالى مع تنزيهه سبحانه عن ظاهرها الذي لا يليق بجلال ذاته، وأكثر الخلف يؤولونها بحملها على محامل تليق بذلك الجلال الأقدس والكمال الأنفس، لاضطرارهم إلى ذلك لكثرة أهل الزيغ والبدع في أزمنتهم) اهـ.
وقال إمام الحرمين الجويني رحمه الله تعالى (المصدر السابق):
(لو بقي الناس على ما كانوا عليه لم نؤمر بالاشتغال بعلم الكلام، أما الآن فقد كثرت البدع فلا سبيل إلى ترك أمواج الفتن تلتطم) اهـ.
وقال الإمام النووي - رحمه الله تعالى - (المجموع 1 / 25):
(فإن دعت الحاجة إلى التأويل لرد مبتدع ونحوه تأوّلوا حينئذ، وعلى هذا يحمل ما جاء عن العلماء في هذا) اهـ.
وقال العلامة ملا علي القاري - رحمه الله تعالى - (مرقاة المفاتيح 1/ 189):
(اتـفـق السلف والخلف على تنـزيه الله تعالى عن ظواهر المتشابهات المستحيلة على الله تعالى... وخاض أكثر الخلف في التأويل لكن غير جازمين بأن هذا هو مراد الله تعالى من تلك النصوص، وإنما قصدوا بذلك صرف العامة عن اعتقاد ظواهر المتشابه، والرد على المبتدعة المتمسكين بأكثر تلك الظواهر) اهـ.
وقال العلامة محمود بن خطاب السبكي - رحمه الله تعالى - في كتاب (الدين الخالص 1 / 27) ما نصه:
(أما ما ورد من الآيات والأحاديث المتشابهة فقد أجمع السلف والخلف رضي الله عنهم على أنها مصروفة عن ظاهرها لقوله تعالى ( قل هو الله أحد ، الله الصمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد ) وقوله سبحانه ( ليس كمثله شئ وهوالسميع البصير ) ثم اختلفوا في بيان معاني تلك الآيات والأحاديث، فالسلف يفوضون علم معانيها إليه تعالى، فيقولون إن الاستواء في آية ( الرحمن على العرش استوى ) لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، مع جزمهم بأنه جل جلاله يستحيل عليه الاستقرار على العرش أو اتصاله به أو جلوسه عليه، لأنه تعالى إله قديم موصوف باستوائه على العرش قبل خلق العرش، لأن القرآن الذي منه هذه الآية موجود قبل إيجاد العرش، فكيف يعقل أنه تعالى استقر على عرش غير موجود؟
ولما خلق الخلق لم يحتج إلى مكان يحل فيه، بل هو غني عنه. فهو تعالى لم يزل بالصفة التي كان عليها.
والخلف يقولون فيها: الاستواء معناه الاقتدار والتصرف أو نحو ذلك. ومذهب السلف أسلم...
ووجه صحة مذهب الخلف أنهم فسروا الآية بما يدل عليه اللفظ العربي، والقرآن عربي، وحملهم على التفسير المذكور ولم يفوضوا كما فوض السلف وجود المشبهة في زمانهم زاعمين - أي المشبهة- أن ظاهر الآيات يدل على أنه تعالى جسم، ولم يفقهوا أنه مستحيل عليه عز وجل الجسمية والحلول في الأمكنة...
فوجب عليهم - يعني الخلف - أن يبينوا للعامة معنى تلك الآيات والأحاديث المتشابهة حسب مدلولات القرآن والأحاديث النبوية بما يصح اتصاف الله تعالى به، ليعرفوا الحق فيعملوا عليه ويتركوا الباطل وأهله فجزاهم الله تعالى خير الجزاء.
وقد نقل العلامة زروق عن أبي حامد أنه قال: (لا خلاف في وجوب التأويل عند تعين شبهة لا ترتفع إلا به).
والحاصل: أن الخلف لم يخالفوا السلف في الاعتقاد وإنما خالفوهم في تفسير المتشابه للمقتضي الذي حدث في زمانهم دون زمان السلف كما علمت، بل اعتقادهم واحد، وهو أن الآيات والأحاديث المتشابهات مصروفة عن ظاهرها الموهم تشبيهه تعالى بشيء من صفات الحوادث وأنه سبحانه وتعالى مخالف للحوادث، فليس بجسم ولا جوهر ولا عرض ولا مستقر على عرش ولا في سماء ولا يمر عليه زمان وليس له جهة إلى غير ذلك مما هو من نعوت المخلوقين.) اهـ.
وعلى الجملة، فإن التأويل حق سواء ثبت النقل فيه عن السلف - وهو الحق كما سيأتي - أم لم يثبت، لأنه أسلوب عربي أصيل لفهم الكلام العربي، ويدخل في ضمنه كلام الله تعالى وكلام رسوله ‘، والقائل به لم يأت بدعاً من الأمر، ولكنه اتبع طريق العرب في فهم الكلام.

ليتيم الشافعي
2008-12-05, 23:26
[quote=محمد ناصر الدين;604691]التفويض والتأويل



التفويض: مأخوذ من قولهم فوض إليه الأمر. أي ردّه إليه.
والمعنى الشرعي لا يخرج عن المعنى اللغوي، فهو شرعاً: ردُّ العلم بهذه المتشابهات إلى الله تعالى وعدم الخوض في معناها وذلك بعد تنزيه الله تعالى عن ظواهرها غير المرادة للشارع.
والتأويل: أصله من الأَوْلِ وهو الرجوع.
وهو شرعاً: صرف اللفظ عن الظاهر بقرينة تقتضي ذلك.
بمعنى أشمل التأويل هو تحريف وإلحاد

·انحصار الحق في التفويض والتأويل:
هذه النصوص المتشابهة في الصفات إما أن تُثبت أو تُنفى، ونفيها تعطيل ظاهر، لأنه نفيٌ لما أثبت الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، والإثبات إما أن يكون معه حمل الكلام على ظاهره وحقيقته التي يعهدها البشر، أو يصرف الكلام معه عن هذا الظاهر وهذه الحقيقة، والأول نعني حملَ الكلام على الظاهر والحقيقة يفضي قطعاً إلى التشبيه، لأن حقائق وظواهرهذه الألفاظ أجسام وكيفيات مخلوقة
أما ترى أن للإنسان وجه .أما ترى أن للقط وجه .أما ترى أن للفأر وجه .أما ترى أن للفيل وجه.
قل لى بربك هل هاته الوجوه متشابهة .فمابالك برب العالمين .إتفقت فى الإسم وختلفت فى الصفة .
ولا يقال: نحملها على الظاهر ونفوض العلم بالكيفية إلى الله تعالى.
لأن هذا القول تناقض صريح أوقعت فيه الغفلة، إذ ليس من ظاهر ولا حقيـقة هنـا إلا الجسم، وهذا لا يصح قطعاً وصف الله تعالى به.
هل أنت أعلم برب العالمين حيث أضاف هذه الصفات إليه
هل أنت خير من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى لم
يترك شيئا إلا بينه لأمته. هل خفى عليه أمر التأويل .أم أنه
لايعرف حتى أتيت أنت وتأول

محمد ناصر الدين
2008-12-05, 23:29
نماذج من تأويل علماء الأمة وأئمتها لنصوص الصفات

قال الإمام الخطابي - رحمه الله تعالى - عند شرحه قول النبي ‘ "وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب " (معالم السنن 4 / 328):
(هذا الكلام إذا جرى على ظاهره كان فيه نوع من الكيفية، والكيفية عن الله وصفاته منفية، فعقل أن ليس المراد منه تحقيق هذه الصفة، ولا تحديده على هذه الهيئة، وإنما هو كلام تقريب أريد به عظمة الله وجلاله سبحانه، وإنما قصد به إفهام السائل من حيث يدركه فهمه إذ كان أعرابياً جلفاً لا علم له بمعاني ما دق من الكلام وبما لطف منه عن درك الإفهام، وفي الكلام حذف وإضمار، فمعنى قوله " أتدري ما الله " معناه أتدري ما عظمة الله وجلاله، وقوله " إنه ليئط به " معناه إنه ليعجز عن جلاله وعظمته حتى يئط به، إذ كان معلوماً أن أطيط الرحل بالراكب إنما يكون لقوة ما فوقه ولعجزه عن احتماله، فقرر بهذا النوع من التمثيل عنده معنى عظمة الله وجلاله وارتفاع عرشه ليعلم أن الموصوف بعلو الشأن وجلالة القدر وفخامة الذكر لا يجعل شفيعاً إلى من هو دونه في القدر وأسفل منه في الدرجة، وتعالى الله أن يكون مشبهاً بشيء أو مكيفا بصورة خلق أو مدركاً بحد. ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) اهـ.
وأوّل محيي السنة الإمام البغوي حبَّ الله تعالى للمؤمنين بثنائه عليهم وثوابه لهم وعفوه عنهم (تفسير البغوي 1 / 293).
وتفسيره زاخر بما تقرّ به أعين المنزّهين لله تعالى.
وقال الإمام أبو نصرالقشيري رحمه الله تعالى (إتحاف السادة المتقين 2/ 110):
(كيف يسوغ لقائل أن يقول: في كتاب الله تعالى ما ليس لمخلوق سبيل إلى معرفته ولا يعلم تأويله إلا الله، أليس هذا من أعظم القدح في النبوات؟! وأن النبي ‘ ما عرف تأويل ما ورد في صفـات الله تعالى، ودعا الخلق إلى علم ما لا يعلم، أليس الله يقول ( بلسان عربي مبين ) فإذاً – على زعمهم – يجب أن يقولوا كذب حيث قال ( بلسان عربي مبين ) إذ لم يكن معلوماً عندهم، وإلا فأين هذا البيان، وإذا كان بلغة العرب فكيف يدعى بأنه مما لا تعلمه العرب؟ ولو كان كذلك لما كان ذلك الشيء عربياً... ونسبة النبي ‘ إلى أنه دعا إلى رب موصوف بصفات لا تعقل، أمر عظيم لا يتخيله مسلم، فإن الجهل بالصفات يؤدي إلى الجهل بالموصوف. والغرض: أن يستبين من معه مسكة من العقل أن قول من يقول: استواؤه صفة ذاتية لا يعقل معناه، واليد صفة ذاتية لا يعقل معناها، والقدم صفة ذاتيـة لا يعقل معناه، تمويه ضمنه تكييف وتشبيه ودعاء إلى الجهل، وقد وضح الحق لذي عينين. وليت شعري، هذا الذي ينكر التأويل يطرد هذا الإنكار في كل شيء وفي كل آية، أم يقنع بترك التأويل في صفات الله تعالى؟ فإن امتنع من التأويل أصلاً فقد أبطل الشريعة والعلوم، إذ ما من آية وخبر إلا ويحتاج إلى تأويل وتصرفٍ في الكلام، لأن ثَمّ أشياء لابد من تأويلها لا خلاف بين العقلاء فيه إلا الملحدة الذين قصدهم التعطيل للشرائع، والاعتقاد لهذا يؤدي إلى إبطال ما هو عليه من التمسك بالشرع.
وإن قال: يجوز التأويل على الجملة إلا فيما يتعلق بالله وصفاته فلا تأويل فيه. فهذا يصير منه إلى أن ما يتعلق بغير الله تعالى يجب أن يعلم، وما يتعلق بالصانع وصفاته يجب التقاصي عنه، وهذا لا يرضى به مسلم. وسر الأمر أن هؤلاء الذين يمتنعون عن التأويل معتقدون حقيقة التشبيه غير أنهم يدلسون ويقولون: له يد لا كالأيدي وقدم لا كالأقدام، واستواء بالذات لا كما نعقل فيما بيننا، فليقل المحقق: هذا كلام لابد فيه من استبيان، قولكم: نُجري الأمر على الظاهر ولا يعقل معناه تناقض، إن أجريت على الظاهر فظاهر السياق في قوله تعالى ( يوم يكشف عن ساق ) هو العضو المشتمل على الجلد واللحم والعظم والعصب والمخ، فإن أخذت بهذا الظاهر والتزمت بالإقرار بهذه الأعضاء فهو الكفر، وإن لم يمكنك الأخذ بها فأين الأخذ بالظاهر؟ ألست قد تركت الظاهر وعلمت تقدس الرب تعالى عما يوهم الظاهر فكيف يكون أخذاً بالظاهر؟! وإن قال الخصم: هذه الظواهر لا معنى لها أصلاً. فهو حكم بأنها ملغاة وما كان في إبلاغها إلينا فائدة وهي هدر، وهذا محال. وفي لغة العرب ما شئت من التجوز والتوسع في الخطاب وكانوا يعرفون موارد الكلام ويفهمون المقاصد، فمن تجافى عن التأويل فذلك لقلة فهمه بالعربية، ومن أحاط بطرف من العربية هان عليه مدرك الحقائق، وقد قيل ( وما يعلم تأويله إلا الله ، والراسخون في العلم ) فكأنه قال والراسخون في العلم أيضاً يعلمونه ويقولون آمنا به فإن الإيمان بالشيء إنما يتصور بعد العلم، أما ما لا يعلم فالإيمان به غير متأت، ولهذا قال ابن عباس: أنا من الراسخين في العلم) انـتـهى قول الإمام القشيري رحمه الله.
ونقل الحافظ ابن حجر عن ابن دقيق العيد مؤيداً له في شرحـه لحديث " لا شخص أغير من الله " (الفتح 13 / 411) قال:
(قال ابن دقيق العيد: المنزهون لله إما ساكت عن التأويل، وإما مؤول، والثاني - يعني المؤول - يقول المراد بالغيرة المنع من الشيء والحماية، وهما من لوازم الغيرة، فأطلقت على سبيل المجاز، كالملازمة وغيرها من الأوجه الشائعة في لسان العرب) اهـ.
وقال الإمام النووي - رحمه الله - (شرح مسلم 5 / 24) في شرح حديث إمساك السموات على أصبع والأرضين على أصبع " ما نصه:
(هذا من أحاديث الصفات وقد سبق فيها المذهبان التأويل والإمساك...) ثم قال بعد صفحات (وأما إطلاق اليدين لله تعالى فمتأول على القدرة، وكنى عن ذلك باليدين لأن أفعالنا تقع باليدين، فخوطبنا بما نفهمه ليكون أوضح وأوكد في النفوس، ولا تمثيل لصفة الله تعالى السمعية المسماة باليد التي ليست بجارحة، والله تعالى أعلم بمراد نبيه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيما ورد في هذه الأحاديث من مشكل ونحن نؤمن بالله تعالى وصفاته ولا نشبه شيئاً به ولا نشبهه بشيء) اهـ.
وقال الإمام اللغوي النحوي ابن السيد البطليوسي - رحمه الله تعالى - بعد أن ذكر حديث النزول في سياق إثباته للمجاز (الإنصاف ص/ 82):
(جعلته المجسمة نزولا على الحقيقة، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً، وقد أجمع العارفون بالله عز وجل على أنه لا ينتقل لأن الانتقال من صفات المحدثات، ولهذا الحديث تأويلان صحيحان لا يقتضيان شيئاً من التشبيه:
أحدهما أشار إليه مالك رحمه الله وقد سئل عن هذا الحديث فقال: ينزل أمره كل سحر، فأما هو عز وجل فإنه دائم لا يزول ولا ينتقل سبحانه لا إله إلا هو.
وسئل الأوزاعي فقال: يفعل الله ما يشاء([13] (mhtml:mid://00000002/#_ftn13)).
وهذا تلويح يحتاج إلى تصريح، وخفي إشارة يحتاج إلى تبيين عبارة)
ثم أخذ رحمه الله ببيان حقيقة ما قالاه على أساليب العرب واستعاراتها، وذكر أن العرب تنسب الفعل إلى من أمر به كما تنسبه إلى من فعله وباشره ومعنى النزول في الحديث أن الله تعالى يأمر ملكاً بالنزول إلى السماء الدنيا فينادي بأمره، ثم قال رحمه الله: (فهذا تأويل كما تراه صحيح جار على فصيح كلام العرب في محاوراتها والمتعارف من أساليبها ومخاطباتها، وهو شرح ما أراده مالك والأوزاعي رحمهما الله) اهـ.
قال الإمام أبو بكر بن العربي - رحمه الله - (القبس شرح الموطأ 1 / 288 – 289):
(وأما الأوزاعي - وهو إمام عظيم - فنزع بالتأويل حين قال وقد سئل عن قول النبي ‘ "ينزل ربنا " فقال: يفعل الله ما يشاء. ففتح باباً من المعرفة عظيما ونهج إلى التأويل صراطا مستقيما).
ثم قال رحمه الله تعالى:
(إن الله سبحانه منزه عن الحركة والانتقال لأنه لا يحويه مكان كما لا يشتمل عليه زمان، ولا يشغل حيزاً كما لا يدنو إلى شيء بمسافة ولا يغيب بعلمه عن شيء، متقدس الذات عن الآفات منزه عن التغير والاستحالات، إله في الأرض إله في السماوات. وهذه عقيدة مستقرة في القلوب ثابتة بواضح الدليل) اهـ.
وقال أيضاً في شرحه على سنن الترمذي (2 /234):
(اختلف الناس في هذا الحديث وأمثاله على ثلاثة أقوال فمنهم من ردّه لأنه خبر واحد ورد بما لا يجوز ظاهره على الله وهم المبتدعة، ومنهم من قبله وأمرّه كما جاء ولم يتأوله ولا تكلم فيه مع اعتقاده أن الله ليس كمثله شيء، ومنهم من تأوله وفسره. وبه أقول، لأنه معنى قريب عربي فصيح.
أما إنه قد تعدى إليه قوم ليسوا من أهل العلم بالتفسير فتعدوا عليه بالقول بالتكثير، قالوا: في هذا الحديث دليل على أن الله في السماء على العرش من فوق سبع سموات.
قلنا:هذا جهل عظيم وإنما قال " ينزل إلى السماء " ولم يقل في هذا الحديث من أين ينزل ولا كيف ينزل.
قالوا - وحجتهم ظاهره - : قال الله تعالى ( الرحمن على العرش استوى )
قلنا: وما العرش في العربية؟ وما الاستواء؟...) إلى أن قال رحمه الله تعالى:
(والذي يجب أن يعتقد في ذلك أن الله كان ولا شيء معه ثم خلق المخلوقات من العرش إلى الفرش فلم يتغير بها ولا حدث له جهة منها ولا كان له مكان فيها فإنه لا يحول ولا يزول قدوس لا يتغير ولا يستحيل، وللاستواء في كلام العرب خمسة عشر معنى ما بين حقيقة ومجاز، منها ما يجوز على الله فيكون معنى الآية، ومنها ما لا يجوز على الله بحال، وهو إذا كان الاستواء بمعنى التمكن أو الاستقرار أو الاتصال أو المحاذاة، فإن شيئاً من ذلك لا يجوز على الباري تعالى، ولا يضرب له الأمثال في المخلوقات، وإما أن لا يفسر كما قال مالك وغيره: إن الاستواء معلوم. يعني مورده في اللغة. والكيفية التي أراد الله مما يجوز عليه من معاني الاستواء مجهولة، فمن يقدر أن يعيّنها، والسؤال عنه بدعة، لأن الاشتغال به وقد تبين طلب التشابه ابتغاء للفتنة. فتحصل لك من كلام إمام المسلمين مالك أن الاستواء معلوم وأن ما يجوز على الله غير متعين وما يستحيل عليه هو منزه عنه، وتعيُّن المراد بما لا يجوز عليه لا فائدة لك فيه إذ قد حصل لك التوحيد والإيمان بنفي التشبيه والمحال على الله سبحانه وتعالى فلا يلزمك سواه، وقد بينا ذلك في المشكلين على التحقيق، وأما قوله: ينزل ويجيء ويأتي، وما أشبه ذلك من الألفاظ التي لا تجوز على الله في ذاته معانيها فإنها ترجع إلى أفعاله، وهنا نكتة وهي: أن أفعالك أيها العبد إنما هي في ذاتك، وأفعال الله سبحانه لا تكون في ذاته ولا ترجع إليه وإنما تكون في مخلوقاته، فإذا سمعت الله يقول كذا فمعناه في المخلوقات لا في الذات، وقد بين ذلك الأوزاعي حين سئل عن هذا الحديث ـ أي حديث النزول ـ فقال: يفعل الله ما يشاء. وإما أن تعلم وتعتقد أن الله لا يتوهم على صفة من المحدثات ولا يشبهه شيء من المخلوقات ولا يدخل باباً من التأويلات.
قالوا- أي أصحاب الظواهر - : نقول ينزل ولا نكيف.
قلنا: معاذ الله أن نقول ذلك، إنما نقول كما علمنا رسول الله ‘ وكما علمنا من العربية التي نزل بها القرآن، قال النبي ‘: " يقول الله عبدي مرضت فلم تعدني.. وجعت فلم تطعمني.. وعطشت فلم تسقني " وهو لا يجوز عليه شيء من ذلك ولكن شرّف هؤلاء بأن عبّر به عنهم، كذلك قوله: ينزل ربنا، عبّر به عن عبده وملَكه الذي ينزل بأمره باسمه فيما يعطي من رحمته... والنزول قد يكون في المعاني وقد يكون في الأجسام، والنزول الذي أخبر الله عنه إن حملته على أنه جسم فذلك ملَكُه ورسوله وعبده، وإن حملته على أنه كان لايفعل شيئاً من ذلك ثم فعله عند ثلث الليل فاستجاب وغفر وأعطى وسمّى ذلك نزولاً عن مرتبة إلى مرتبة ومن صفة إلى صفة فتلك عربية محضة خاطب بها من هم أعرف منكم - أهل الظاهر - وأعقل وأكثر توحيداً وأقلّ بل أعدم تخليطاً. قالوا بجهلهم: لو أراد نزول رحمته لما خص بذلك الثلث من الليل لأن رحمته تنزل بالليل والنهار. قلنا: ولكنها بالليل وفي يوم عرفة وفي ساعة الجمعة يكون نزولها أكثر وعطاؤها أوسع وقد نبّه الله على ذلك بقوله تعالى( والمستغفرين بالأسحار ) اهـ.
ولقد أطلنا بنقل كلامه رحمه الله لنفاسته وإحكامه. ولا ندري - والله - كيف يكون مثل هذا الكلام الرفيع الرائع الرائق ضلالاً؟!

محمد ناصر الدين
2008-12-05, 23:32
وجاء في كتاب البيان والتحصيل لابن رشد (الجد) رحمه الله تعالى (18 / 504، وانظر السير 8/104، والنوادر والزيادات لابن أبي زيد 14/553) ما نصه:
(قال - يعني ابن القاسم صاحب مالك - وسألت مالكاً عن الحديث في أخبار سعد بن معاذ في العرش، فقال: لا تتحدث به... وعن الحديث " إن الله خلق آدم على صورته " وعن الحديث في الساق، وذلك كله، قال ابن القاسم: لا ينبغي لمن يتقي الله ويخافه أن يحدث بمثل هذا. قال ابن رشد بعد أن ذكر الأحاديث التي أشار إليها ابن القاسم: وإنما نهى مالك أن يتحدث بهذين الحديثين وبالحديث الذي جاء بأن الله خلق آدم على صورته، ونحو ذلك من الأحاديث التي يقتضي ظاهرها التشبيه، مخافة أن يتحدث بها، فيكثر التحدث بها، وتشيع في الناس، فيسمعها الجهال الذين لا يعرفون تأويلها، فيسبق إلى ظنونهم التشبيه بها، وسبيلها – إذا صحت الروايات بها – أن تتأول على ما يصح، مما ينتفي به التشبيه عن الله عز وجل بشيء من خلقه، كما يصنع بما جاء في القرآن مما يقتضي ظاهره التشبيه وهو كثير، كالإتيان في قوله عز وجل( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل ) والاستواء في قوله ( الرحمن على العرش استوى ) ، وكما يفعل أيضاً بما جاء من ذلك في السنن المتواترة كالضحك والنزول وشبه ذلك مما لم يكره روايتها لتواتر الآثار بها، لأن سبيلها كلها في اقتضاء ظاهرها التشبيه وإمكان تأويلها على ما ينتفي به تشبيه الله عز وجل بشيء من خلقه سواء) اهـ.
ولقد نقل الحافظ أبو الحسن على بن القطان - رحمه الله تعالى - الإجماع على التأويل الإجمالي والتأويل التفصيلي، قال (الإقناع في مسائل الإجماع 1 / 32 - 43):
(وأجمعـوا أنه تعالى يجيء يوم القيامة والملك صفاً صفاً لعرض الأمم وحسابها وعقابها وثوابها، فيغفر لمن يشاء من المؤمنين، ويعذب منهم من يشاء كما قال تعالى، وليس مجيئه بحركة ولا انتقال.
وأجمعوا أنه تعالى يرضى عن الطائعين له، وأن رضاه عنهم إرادته نعيمهم.
وأجمعوا أنه يحب التوابين ويسخط على الكافرين ويغضب عليهم، وأن غضبه إرادته لعذابهم وأنه لا يقوم لغضبه شيء) اهـ.
وفي صرف المجيء عن ظاهره الذي هو الحركة تأويل إجمالي، وفى حمل الرضا على إرادة النعيم، وحمل الغضب على إرادة العذاب تأويل تفصيلي.
وقال الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى (الاعتصام، بتحقيق محمد رشيد رضا، 1/297):
(إن للراسخين طريقاًً يسلكونها في اتباع الحق، وإن الزائغين على طريق غير طريقهم، فاحتجنا إلى بيان الطريق التي سلكها هؤلاء لنتجنبها، كما نبين الطريق التي سلكها الراسخون لنسلكها).
ثم أخذ ببيان طرق الزائغين فقال:
(فمنها اعتمادهم على الأحاديث الواهية الضعيفة... ومنها ضد هذا، وهو ردّهم للأحاديث التي جرت غير موافقة لأغراضهم ومذاهبهم... ومنها تخرّصهم على الكلام في القرآن والسنة العربيين مع العُروِّ عن علم العربية الذي يفهم به عن الله ورسوله... ومنها انحرافهم عن الأصول الواضحة إلى اتباع المتشابهات التي للعقول فيها مواقف).
وضرب مثلاً لهذا الصنف من غير أمة الإسلام بالنصارى، ثم قال رحمه الله: (ومثاله في ملة الإسلام مذهب الظاهرية في إثبات الجوارح للرب ـ المنزه عن النقائص ـ من العين واليد والرجل والوجه المحسوسات والجهة وغير ذلك من الثابت للمحدثات) اهـ.
ومعنى كلامه ظاهر، أي أن المحظور هو حملها على المحسوسات، وهو اللازم من حملها على الظاهر والحقيقة، أما إثباتها مع تنزيه الله تعالى عن ظواهرها وحقائقها اللغوية المعروفة فهو حق، وهو مذهب جماهير سلف الأمة الصالح رضوان الله عليهم.
وقال أيضاً رحمه الله تعالى في تأويل حُبِّه تعالى وبغضه (الموافقات 2/116):
(والحب والبغض من الله تعالى إما أن يراد بهما نفس الإنعام والانتقام، فيرجعان إلى صفات الأفعال على رأي من قال بذلك، وإما أن يراد بهما إرادة الإنعام والانتقام، فيرجعان إلى صفات الذات، لأن نفس الحب والبغض المفهومين في كلام العرب حقيقة محالان على الله تعالى) اهـ.
وقال الإمام ابن الأثير رحمه الله تعالى (النهاية في غريب الحديث 5/300):
( " الحجر يمين الله في الأرض " هذا الكلام تمثيل وتخييل، وأصله أن الملك إذا صافح رجلاً قبّل الرجل يده، فكأن الحجر الأسود لله بمنزلة اليمين للملك، حيث يستلم ويلثم.
ومنه الحديث الآخر " وكلتا يديه يمين " أي أن يديه تبارك وتعالى بصفة الكمال، لانقص في واحدة منهما، لأن الشمال تنقص عن اليمين، وكل ما جاء في القرآن والحديث من إضافة اليد والأيدي واليمين وغير ذلك من أسماء الجوارح إلى الله تعالى فإنما هو على سبيل المجاز والاستعارة، والله منزه عن التشبيه والتجسيم ) اهـ.
وقال أيضاً عن حديث النزول (5/42): ( النزول والصعود والحركة والسكون من صفات الأجسام، والله يتعالى عن ذلك ويتقدس، والمراد به نزول الرحمة والألطاف الإلهية، وقربها من العباد، وتخصيصها بالليل والثلث الأخير منه لأنه وقت التهجد وغفلة الناس عمّن يتعرض لنفحات رحمة الله، وعند ذلك تكون النية خالصة، والرغبة إلى الله وافرة، وذلك مظنة القبول والإجابة ) اهـ.
وقال الإمام القرطبي - رحمه الله تعالى - (المُفهم 6 / 672) في شرح حديث "قلوب بنى آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن ":
(ظاهر الأصبع محال على الله تعالى قطعاً... وقد تأول بعض أئمتنا هذا الحديث فقال: هذا استعارة جارية مجرى قولهم: فلان في كفي وفي قبضتي. يراد به أنه متمكن من التصرف فيه والتصريف له كيف يشاء...) اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى (الفتح 1/189) مؤولاً للفظ الحياء المضاف إلى الله تعالى في الحديث: (قوله " فاستحيا الله منه " أي رحمه ولم يعاقبه، وقوله " فأعرض الله عنه " أي سخط عليه..)’اهـ.
وقال أيضاً (الفتح 1/419) مؤوّلاً للفظ اليد (والمراد باليد هنا القدرة) اهـ.
وقال قبل ذلك (هدي الساري ص/219): (ووقع ذكر اليد في القرآن والحديث مضافاً إلى الله تعالى، واتفق أهل السنة والجماعة على أنه ليس المراد باليد الجارحة التي هي من صفات المحدثات، وأثبتوا ما جاء من ذلك وآمنوا به، فمنهم من وقف ولم يتأوّل، ومنهم من حمل كلّ لفظ منها على المعنى الذي ظهر له، وهكذا عملوا في جميع ما جاء من أمثال ذلك) اهـ
فأنت ترى أن الأمر يسير، ولا يستدعي كلّ ما أثير حوله من تهويل، فليس في حمل الكلام على المعنى المجازي كبير خطر، ما دام ذلك ضمن ما يفهم من اللسان العربي عن قرب، وهذا الحافظ ابن حجر يقول: إن أهل السنة ـ بعد التنزيه عن الظاهر ـ ما بين مفوض ومؤول، ولا نكير من أحدهم على الآخر.
وللإمام الأُبّي - رحمه الله تعالى - كـلام يعتبر قـاعدة ذهبية في هذا الباب، قال رحمه الله (شرح مسلم 7 / 54):
(القاعدة التي يجب اعتبارها أن ما يستحيل نسبته للذات أو الصفات يستحيل أن يرد متواتراً في نص لا يحتمل التأويل، وغاية المتواتر أن يرد فيما دلالته على المحال دلالة ظاهرة، والظاهر يقبل التأويل، فإن ورد فيجب صرف اللفظ عن ظاهره المستحيل، ثم اختلف، فوقف أكثر السلف عن التأويل، وقالوا نؤمن به على ما هو عند الله سبحانه في نفس الأمر، ونَكِلُ علم ذلك إلى الله سبحانه، وقال قوم بل الأولى التأويل... وإن ورد خبر واحد نصاً في محال قطع بكذب راويه، وإن كان محتملاً للتأويل يتصرف فيه كما سبق) اهـ.
وهذا كلام محكم نفيس في عبارة موجزة شاملة.
وقوله رحمه الله (وإن ورد... قطع بكذب راويه) لأنه ظني عارض القطعي، وقد ثبت بالقطعي من دليل النقل والعقل أنه تعالى ليس كمثله شيء، فكل خبر يأتي على خلاف ذلك يقطع بكذب راويه، لأن أدلة الشرع تتعاضد ولا تتضاد.
ومن اطلع على كتب التراث الإسلامي لأئمة الإسلام وجد ما لا يدخل تحت الحصر من هذه النصوص التي اكتفينا هنا بذكر شذرة منها، مما يدفع العاقل الأريب إلى الإيقان بصحة هذا المنهج الذي اجتمعت عليه الأمة.

محمد ناصر الدين
2008-12-05, 23:34
قال الشيخ الزرقاني في " مناهل العرفان " (2 / 286) ما نصه:
(علماؤنا أجزل الله مثوبتهم قد اتفقوا على ثلاثة أمور تتعلق بهذه المتشابهات، ثم اختلفوا فيما وراءها:
فأول: ما اتفقوا عليه صرفها عن ظواهرها المستحيلة، واعتقاد أن هذه الظواهر باطلة بالأدلة القاطعة وبما هو معروف عن الشارع نفسه في محكماته.
ثانيه: أنه إذا توقف الدفاع عن الإسلام على التأويل لهذه المتشابهات وجب تأويلها بما يدفع شبهات المشتبهين ويرد طعن الطاعنين.
ثالثه: إن المتشابه إن كان له تأويل واحد يفهم منه قريباً وجب القول به إجماعاً، وذلك كقوله تعالى( وهو معكم أينما كنتم ) فإن الكينونة بالذات مع الخلق مستحيلة قطعاً، وليس لها بعد ذلك إلا تأويل واحد، هو الكينونة معهم بالإحاطة علماً وبصراً وقدرة وإرادة.
وأما اختلاف العلماء فيما وراء ذلك فقد وقع على ثلاثة مذاهب)’اهـ.
فعد مذهب التفويض ومذهب التأويل، ثم جعل للإمام ابن دقيق العيد مذهباً ثالثاً متوسطاً بين المذهبين لقوله (الفتح 13 / 395) (نقول في الصفات المشكلة إنها حق وصدق على المعنى الذي أراده الله، ومن تأولها نظرنا، فإن كان تأويله قريباً على مقتضى لسان العرب لم ننكر عليه، وإن كان بعيداً توقفنا عنه ورجعنا إلى التصديق مع التنزيه)، وهو في حقيقة الأمر داخل ضمن مذهب التأويل، لأنه ليس من أهل السنة أحد إلا وهو متفق معه على ما ذهب إليه من رفض التأويلات البعيدة التي ليست على مقتضى لسان العرب.
وقال الشيخ العلامة محمد الحامد - رحمه الله تعالى - (ردود على أباطيل 2/ 10):
(النصوص السمعية المحكمة أي الواضحة المعنى هي الأصل الذي يجب أن يحمل عليه المتشابه، أي الذي يسبق إلى الوهم معنى التشبيه منه ( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هنَّ أمُّ الكتاب وأخر متشابهات ، فأمّا الذين في قلوبهم زيغ فيتَّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله ، والراسخون في العلم يقولون آمنّا به كلٌّ من عند ربنا ، وما يتذكّر ألا أولوا الألباب ) أي آمنا به جميعاً محكمه ومتشابهه، لكن إيمانهم بالمتشابه لا ينقض إيمانهم بالمحكم الذي هو الأصل، فهم لا يشبهون الله بخلقه، بل يكلون العلم بمعنى المتشابه إلى الله عز وجل معتقدين أن له معنى شريفاً يليق به سبحانه، فلا هم بالمعطلين للنصوص ولا هم بالمشبهين، ومذهبهم وسط بين الطائفتين الشاذتين عن سبيل أهل الحق وهما المعطلة والمشبهة. وعلى هذا درج سلف الأمة من الصحابة والتابعين وتابعيهم ولو ذهبت أسرد لك كلماتهم في هذا لطال بي القول وامتد الكلام، لكن لما ظهرت البدعة وتطلعت رؤوس أهل الزيغ وصاروا يشوشون على المسلمين عقائدهم، خشي علماء المسلمين على العقائد أن يلحقها لوث وفساد فاعتمدوا تأويل النصوص المتشابهة في إطار اللغة العربية وضمن سور الشريعة) اهـ.
وقوله رحمه الله (لكن إيمانهم بالمتشابه لا ينقض إيمانهم بالمحكم الذي هو الأصل) واضح في الرد على من حمل المتشابه على مقتضى الحس، فهؤلاء بدلاً من أن يحملوا المتشابه على المحكم ويرجعوه إليه، فعلوا العكس، فنقضوا بفعلهم هذا إيمانهم بالمحكم من مثل قوله تعالى( ليس كمثله شئ وهو السميع البصير )
وقال الداعية الكبير سيد قطب رحمه الله تعالى (في ظلال القرآن، سورة الحديد):
(وكذلك العرش فنحن نؤمن به كما ذكره، لا نعلم حقيقته، أما الاستواء على العرش فنملك أن نقول إنه كناية عن الهيمنة على هذا الخلق، استناداً إلى ما نعلمه من القرآن عن يقين من أن الله سبحانه لا تتغير عليه الأحوال، فلا يكون في حالة عدم استواء على العرش ثم تتبعها حالة استواء، والقول بأننا نؤمن بالاستواء ولا ندرك كيفيته لا يفسرقوله تعالى ( ثم استوى ) ، والأولى أن نقول: إنه كناية عن الهيمنة كما ذكرنا، والتأويل هنا لا يخرج على المنهج الذي أشرنا إليه آنفاً، لأنه لا ينبع من مقررات وتصورات من عند أنفسنا) اهـ.
وبالجملة، فإن منهج سيد قطب رحمه الله تعالى في الظلال دائر بين التأويل الذي أخذ به أولاً قبل العودة على الظلال بالتنقيح، وبين التفويض الذي آل إليه رأيه أخيراً، وكلا الطريقين حق، بل إن طريق التفويض الذي كان عليه جمهور السلف الصالح أولى بالاتباع ما لم تدعُ حاجة إلى التأويل.
وهذا الذي آل إليه رأي سيد قطب رحمه الله تعالى هو من قبيل ما ينسب إلى بعض الأئمة مثل الإمام الجويني والرازي والغزالي وغيرهم، ففهم البعض منه أنهم هجروا منهج الإمام الأشعري، وقد ردَدْنا هذا الفهم وبيَّنّا بطلانه، كما بيَّنا أيضاً أن منهج الأشعري تفويض وتأويل، وأنهم تركوا التأويل ورجعوا إلى التفويض الذي كان عليه جمهور السلف، وذكرنا أنه ليس بين المسلكين تناقض، إذ كلاهما قائل بتنزيه الله تعالى عن سمات النقص والحدوث، وكلاهما مؤوّل، فالسلف أوّلوا إجمالاً، والخلف أوّلوا تفصيلاً.
وقال الشيخ عمر التلمساني رحمه الله تعالى (بعض ما علمني الإخوان ص/17) في قوله تعالـى ( والسموات مطويات بيمينه ) (إن هذه اليمين التي تشير إليها الآية الكريمة هي التمكن من طي السموات والأرض، أي القدرة التي تفعل ما تشاء كيفما تشاء عندما تشاء) اهـ.
وكذا قال سيد قطب عند هذه الآية (الظلال 5/3062):
(وكل ما ورد في القرآن والحديث من هذه الصور والمشاهد إنما هو تقريب للحقائق التي لا يملك البشر إدراكها بغير أن توضع لهم في تعبير يدركونه، وفي صورة يتصورونها، ومنه هذا التصوير لجانب من حقيقة القدرة المطلقة التي لا تتقيد بشكل ولا تتحيز في حيز ولا تتحدد بحدود) اهـ.
وقال الإمام الداعية حسن البنا رحمه الله (مجموعة رسائل الإمام ص 411):
(انقسم الناس في هذه المسألة على أربع فرق:
الأولى: أخذت بظواهرها كما هي فنسبت إلى الله وجهاً كوجوه الخلق ويداً أو أيدٍ كأيديهم وضحكاً كضحكهم... وهؤلاء هم المجسمة والمشبهة، وليسوا من الإسلام في شيء، وليس لقولهم نصيب من الصحة.
والثانية: عطلت معاني هذه على أي وجه، يقصدون بذلك نفي مدلولاتها عن الله تبارك وتعالى فالله تبارك وتعالى عندهم لا يتكلم ولا يسمع ولا يبصر... وهؤلاء هم المعطلة ويطلق عليهم بعض علماء تاريخ العقائد الإسلامية الجهمية... هذان رأيان باطلان لا حظ لهما من النظر.
وبقي أمامنا رأيان هما محل أنظار العلماء في العقائد وهما رأي السلف والخلف.
مذهب السلف: نؤمن بهذه الآيات والأحاديث كما وردت ونترك بيان المقصود منها لله تبارك وتعالى، فهم يثبتون اليد والعين والأعين والاستواء والضحك والتعجب... الخ، وكل ذلك بمعان لا ندركها، ونترك لله تبارك وتعالى الإحاطة بعلمها...
أما الخلف: فقد قالوا إننا نقطع بأن معاني ألفاظ هذه الآيات والأحاديث لا يراد بها ظواهرها، وعلى ذلك فهي مجازات لا مانع من تأويلها...) اهـ.
ثم قال رحمه الله تعالى (بين السلف والخلف: قد علمت أن مذهب السلف في الآيات والأحاديث التي تتعلق بصفات الله تبارك وتعالى أن يُمِرّوها على ما جاءت عليه ويسكتوا عن تفسيرها أو تأويلها، وأن مذهب الخلف أن يؤولوها بما يتفق مع تنزيه الله تبارك وتعالى عن مشابهة خلقه) اهـ.
ثم بين رحمه الله تعالى أن كلا المذهبين حق ولا يستلزم اختلافهم تكفيراً ولا تفسيقاً.
وهو كما قال رحمه الله إذ لا خلاف بين السلف والخلف في هذا الباب، وإنما هو اختلاف جائز مباح، فَرَضَه اختلاف الظروف التي كان يعيشها كل من السلف والخلف، فزمن السلف كان خاليـاً من بدعة القول بالظاهر والتجسيم فاقتضى ذلك أن يتوقفوا ولا يقدموا على تفسير هذه النصوص، بخلاف أزمنة الخلف التي شاعت فيها مقالات المبطلين مما دعاهم إلى التصريح بالتأويل.
ولكن الخلاف الحقيقي هو الواقع بين السلف والخلف من جانب ومن يحملون هذه النصوص على ظواهرها وعلى مقتضى الحس من جانب آخر.
إن السلف الصالح والخلف متفقون جميعاً على صرف هذه النصوص عن ظاهرها المحال في حق الله تعالى، بل الأمة مجمعة على ذلك، كيف لا وهذه الظواهر منفية عن الله تعالى بالقطعي من الأدلة النقلية والعقلية، وهؤلاء الذين يصرون على إثبات هذه الظواهر المستلزمة لمعان باطلة ولوازم مستحيلة، لا يختلفون معنا في كون هذه اللوازم الباطلة من الجسمية والحد ونحوها منفية عن الله تعالى، إلا أنهم يجهلون أن إثبات الحقائق اللغوية المعهودة والظواهر المتبادرة من المتشابه يستلزم إثبات ما قد نفوه وأجمعت الأمة على نفيه وعلى تنزيه الله تعالى عنه وهو الحد والتحيز والجسمية ونحوها، وكونهم لا يقرون بهذه اللوازم أمرٌ لا يُقضى منه العجب، لأن إثبات الملزوم وهو المعنى الظاهر هنا ثم نفي اللازم وهو الجسمية ونحوها لا يعقل لأنه لازم لا ينفكّ.
وإذا قيل لهم: إن هذه الألفاظ إنما وضعت للدلالة على المخلوق، وأنه لا يفهم منها إذا حملت على الظاهر إلا ذلك. قالوا: إن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، فكما أثبتم ذاتاً لا كالذوات متصفة بالحياة والعلم والسمع والبصر، وغيرها مما أطلقتم عليه صفات المعـاني، ولم تؤولوا شيئاً منها، أثبتوا له تعـالى استواء ووجهاً ويداً وضحكاً ومللاً وأصبعاً.. الخ على الحقيقة وبلا تأويل!!
وهذه مغالطة وكلام يوهم ظاهره أنه حق، وقد يلتبس عند الخاطر الأول على من لم يدقق ويمعن النظر، ولكن مع قليل من التروي ينجلي للعقل فساد باطنه.
وقضية هذا الكلام التسوية بين ما يعرف بصفات المعاني وهذه الألفاظ والإضافات الواردة في نصوص المتشابه، وهي قضية خاسرة كما سنبين.
إن الفرق الذي بين الألفاظ التي تدل على الأجسام وما إليها وبين الألفاظ التي تدل على المعاني كبير وشاسع، فالأولى منها أول ما يتبادر إلى الذهن عند سماعها العضو والجسم الذي وضعت للدلالة عليه، فإذا أضيف ذلك اللفظ إلى الله تعالى قطع العارف بالله أن ذلك المعنى المتبادر والظاهر من اللفظ محال هنا ومنفي عن الله تعالى وإنما سيق الكلام على سبيل
الاستعارة والمجاز، وذلك كلفظ (اليد، والأصبع، والقدم، والساق، والوجه، والضحك، والاستواء، والنزول) ونحوها من الألفاظ التي ترجع حقائقها المتبادرة منها إلى الحس.
أما الثانية منها وهي التي ترجع إلى المعنى مثل القدرة والإرادة والسمع والبصر ونحوها فلا يلزم من حملها على ظاهرها وحقيقتها مشابهة لأنها معانٍ مجردة وحقائقها واسعة، فإذا أضيفت للخالق كان لها حقيقة لائقة به تعالى، وإذا أضيفت للمخلوق كانت لها حقيقة لائقة به ولهذا السبب لم يضطر علماء الأمة إلى صرفها عن ظاهرها.
ومما يعضد هذا القول أنه لم ينقل عن أحد من السلف الصالح رضوان الله عليهم أنه قال في شيء من صفات المعاني أمرّوها بلا كيف، أو لا تفسر ولا تكيف..الخ. وما هذا إلا لفطنتهم لهذا الفارق بين النوعين من الألفاظ، والأمر واضح وبيِّن لمن كان له شيء من الاطلاع على علوم اللغة.

محمد ناصر الدين
2008-12-05, 23:38
وانظر إلى قول الإمام أحمد رضي الله عنه كما جاء في عقيدته المروية عنه في طبقات الحنابلة (2/291):
(إن لله تعالى يدين، وهما صفة له في ذاته، ليستا بجارحتين وليستا بمركبتين ولا جسم، ولا من جنس الأجسام، ولا من جنس المحدود والتركيب، ولا الأبعاض والجوارح، ولا يقاس على ذلك، ولا له مرفق ولا عضد، ولا فيما يقتضي ذلك من إطلاق قولهم: يد، إلا ما نطق به القرآن الكريم أو صحَّت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم السنة فيه) اهـ.
فقد نفى الإمام أحمد رضي الله عنه كلَّ ما يعلق باللفظ من الظواهر الباطلة من الجوارح والأبعاض والتركيب ونحوها، وأوضَحَه بقوله: (ولا فيما يقتضي ذلك من إطلاق قولهم: يـد) أي كلُّ ما يقتضيه إطلاق لفظ اليد من هذه المعاني التي مرَّت من الجارحة والجسم ونحوه، كلُّه منفيٌّ عن ربِّنا عزَّ وجلَّ.
وقال أيضاً رضي الله عنه في صفة الاستواء (ولا يجوز أن يقال: استوى بمماسَّة ولا بملاقاة، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً) اهـ.
وهذا نصٌّ في نفي الظاهر المتبادر من إطلاق اللفظ، وهو ما يقول به الأشاعرة، فيثبتون لله تعالى يدين ووجهاً وعيناً وأنه تعالى استوى على عرشه كما قال سبحانه مخبراً عن نفسه، يثبتون كل ما أثبته تعالى لنفسه وأثبته رسوله صلى الله عليه وسلم له وينزهونه عن ظواهر هذه الألفاظ مما يعهده الخلق من أنفسهم وما يفهمونه من لغاتهم التي وضعوها لأجل التعبير بها عما يحتاجون إليه من شؤونهم، والله متعالٍ عن كل ذلك.
ولعل قائلاً أن يقول:
إنكم حين نفيتم الظواهر عطَّلتم ما أثبته الله تعالى لنفسه وأثبته له رسوله صلى الله عليـه وسلم.
فنقول: نحن إنما نفينا الظواهر ونزهنا الله تعالى عنها، وليس الظاهر - قطعاً - هو مراد الله تعالى ومراد رسوله عليه الصلاة والسلام، بل إن هذه الظواهر باتفاق السلف والخلف منفية عن الله تعالى عقلاً ونقلاً.
ونحن نفينا هذه الظواهر ولم ننفِ الصفة التي أثبتها الله تعالى لنفسه، فلم يَقُلْ أحد من أهل السنة أن الله تعالى ليس له يدان أو ليس له عين أو غير مستوٍ على عرشه، كلا، بل قالوا لله تعالى يدان ولكن يده تعالى ليست بجارحة، وهذا قول السلف كما مرَّ عن الإمام أحمد، ولله تعالى وجه وهو ليس بجارحة أو صورة أو جسم، وهو قول السلف كما في عقيدة الإمام أحمد، ولله تعالى عين ليست بجارحة، والله تعالى استوى على عرشه استواءً لائقاً به تعالى ليس بمماسة ولا بملاقاة، وهذا الذي قاله الإمام أحمد كما مرَّ، وهكذا، فتراهم يثبتون ما ثبت بالكتاب والسنة الصحيحة وينزهون الله تعالى عن الظاهر الذي يُفهَم من اللفظ بيـن الخلق، وحين يُستبعد الظاهر والحقيقة اللغوية المتبادرة من اللفظ لا يبقى إلا المجاز، فترى جمهور السلف لاحتمال اللفظ أكثر من معنى لديهم يتوقفون عن تعيين أحدها مكتفين بالفهم الإجمالي للفظ حسب موطنه من الكلام، فيفهمون من قوله تعالى( بل يداه مبسوطتان ) أن الله تعالى جوادٌ كريم لا تفنى خزائنه ولا ينقطع عطاؤه، ويفهمون من قوله تعالى ( يد الله فوق أيديهم ) النصرة والثواب، وهكذا، لكن جمهورهم لم ينطق بهذه المعاني، لوضوحها عندهم وعدم الحاجة إلى التصريح بها لخلوِّ عصرهم مما يقتضي ذلك، بيد أن هذا لم يمنع البعض منهم رضي الله عنهم من التصريح ببعض هذه المعاني كما سيأتي معنا في مبحث تأويلات السلف.
على أننا نقول: إن الله تعالى هو من علمنا كيف ننزهه وننفي عنه كلَّ ما لا يليق بذاته العلية من هذه الظواهر، كما جاء في الحديث القدسي الذي رواه الإمام مسلم في فضل عيادة المريض والذي يقول فيه الرب تعالى لعبده يوم القيامة: (يا ابن آدم مرضت فلم تعدني... يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني... يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني) كل ذلك والعبد يقول (رب كيف أعودك وأنت رب العالمين... رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين.. رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين) فإنه عندما استحال في عقل العبد الذي ينزه مولاه عن صفات المخلوقين وسمات الأجسام وعوارض النقص والآفات أن يمرض ربه ويعوده على الحقيقة وأن يستطعم ويستسقي على الحقيقة سأل (رب كيف.. وأنت رب العالمين) أي أن حقائق هذه الألفاظ لا تليق به تعالى وهي محالة قطعاً في حقه، وما دامت منفية الظاهر والحقيقة فهي عنده بلا معنى مفهوم. ولهذا سأل (رب كيف)، وهذا شأن كل لفظ من هذه الألفاظ التي من هذا القبيل عندما يستحيل معناه الظاهر والحقيقي يستفسر عن المـراد منـه بـ (كيف)، وهذا الذي حدث من بعض العوام في الصدر الأول حين أخذوا يسألون عن مثل هذه الألفاظ: كيف استوى؟ كيف ينزل؟ كيف يضحك؟ فنهاهم علماء السلف عن الاستفسار عن معانيها بقولهم (بلا كيف) وألزموهم تنزيه الله تعالى عن ظواهرها ثم السكوت بعد الإيمان بأن الله تعالى ليس كمثله شيء.
قال الإمام العز بن عبد السلام رحمه الله تعالى (الإشارة إلى الإيجاز ص/7):
(وأما قوله عليه السلام حكاية عن ربِّه " مرضت فلم تعدني واستطعمتك فلم تطعمني واستسقيتك فلم تسقني " فيحمل على حذف المضاف تقديره مرض عبدي فلم تعدْه، واستطعمك عبدي فلم تطعمه، واستسقاك عبدي فلم تسْـقِه... ويدلُّ على هذا أن الملوم لمَّا قيل له استطعمتك فلم تطعمني. قال استبعاداً لذلك وتعجباً منه - لمَّا لم يتفطن لحذف المضاف وإرادة الرب - كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ حملاً للكلام على ظاهره، فأظهر الرب سبحانه وتعالى مرادَه من تأويل كلامه فقال: " مرض عبدي فلم تعدْه واستطعمك عبدي فلم تطعمْه واستسقاك عبدي فلم تسْقه) اهـ.
وقوله (حملاً للكلام على ظاهره) أي أن العبد قال ذلك مستبعداً له لمّا لم يتفطن لغيره من المعاني اللائقة بالله تعالى.
وقال العلامة ابن خلدون - رحمه الله تعالى - (المقدمة 3 /1088، بتحقيق علي عبدالواحد وافي):
(إلى أن ظهر الشيخ أبو الحسن الأشعري وناظر مشيختهم – أي المعتزلة – في مسائل الصلاح والأصلح، فرفض طريقتهم وكان على رأي عبد الله بن سعيد بن كلاب وأبي العباس القلانسي والحارث المحاسبي من أتبـاع السلف وعلى طريقة السنة فأيد مقالاتهم – يعني السلف – بالحجج الكلامية وأثبت الصفات القائمة بذات الله تعالى من العلم والقدرة والإرادة... وكان من مذهبهم إثبات الكلام والسمع والبصر، لأنها] يعني هذه الصفات [وإن أوهم ظاهرها النقص بالصوت والحرف الجسمانيين، فقد وجد للكلام عند العرب مدلول آخر غير الحروف والصوت وهو ما يدور في الخلد والكلام حقيقة فيه دون الأول.... وأما السمع والبصر وإن كان يوهم إدراك الجارحة فهو يدلُّ لغةً على إدراك المسموع والمبصر وينتفي إيهام النقص حينئذ لأنه حقيقة لغوية فيهما) اهـ.
هذا فيما يتعلق بصفات المعاني، أما الصفات الأخرى التي يريد هؤلاء التسوية بينها وبين صفات المعاني وذلك بقولهم يجب إثبات حقائقها ومعانيها الظاهرة كما هو الحال في صفات المعاني فيقول العلامة ابن خلدون عنها:
(وأما لفظ الاستواء والمجيء والنزول والوجه واليدين والعينين([14] (mhtml:mid://00000002/#_ftn14)) وأمثال ذلك، فعدلوا عن حقائقها اللغوية لما فيها من إيهام النقص بالتشبيه إلى مجازاتها على طريقة العرب حين تتعذر حقائق الألفاظ، فيرجعون إلى المجاز، كما في قوله تعالى: ( يريد أن ينقضّ ) وأمثاله، طريقة معروفة لهم غير منكرة ولا مبتدعة) اهـ.
ثم قال موضحاً سبب أخذ الخلف بالتأويل: (وحملهم على هذا التأويل وإن كان مخالفاً لمذهب السلف في التفويض أن جماعة ارتكبوا في محمل هذه الصفات فحملوها على صفات ثابتة لله تعالى مجهولة الكيفية فيقولون في( استوى على العرش ) نثبت له استواء بحيث مدلول اللفظ] أي على الحقيقة [فراراً من تعطيله، ولا نقول بكيفيته فراراً من القول بالتشبيه الذي تنفيه آيات السلوب من قوله تعالى ( ليس كمثله شئ ) ( سبحان الله عمّا يصفون ) ( تعالى الله عمّا يشركون ) ( لم يلد ولم يولد ) ولا يعلمون مع ذلك أنهم ولجوا من باب التشبيه في قولهم بإثبات استواءٍ] يعني ظاهره اللغوي وحقيقته المعهودة عند الخلق [والاستواء عند أهل اللغة إنما موضوعه الاستقرار والتمكن وهو جسماني. وأما التعطيل الذي يشنعون بإلزامه وهو تعطيل اللفظ ـ أي ظاهره ـ فلا محذور فيه وإنما المحذور في تعطيل الإله([15] (mhtml:mid://00000002/#_ftn15))... ثم يدعون أن هذا مذهب السف، وحاشا لله من ذلك، وإنما مذهب السلف ما قررناه أولاً من تفويض المراد بها إلى الله والسكوت عن فهمها... ثم طردوا ذلك المحمل الذي ابتدعوه في ظواهر الوجه والعينين واليدين والنزول والكلام بالحرف والصوت يجعلون لها مدلولات أعم([16] (mhtml:mid://00000002/#_ftn16)) من الجسمانية وينزهونه عن مدلول الجسماني منها، وهذا شيء لا يعرف في اللغة، وقد درج على ذلك الأول والآخر منهم، ونافرهم أهل السنة من المتكلمين الأشعرية والحنفية ورفضوا عقائدهم في ذلك) اهـ.
وهذا الذي قرره وحرره العلامة ابن خلدون هو ما أطبقت عليه الأمة.
فإن قيل: قول السلف (بلا كيف) و(أمروها كما جاءت) ونحو ذلك مما نقل عنهم، تفويض في الكيف إلى الله بعد إثبات المعنى الظاهر.
قلنا: إن نفي هذه المعاني الظاهرة متفق عليه عند جميع العارفين بالله تعالى، وقد ذكرنا قبل أن هذه الكيفيات المحسوسة مما يتنزه الله تعالى عنها ولا يجوز وصفه بها لأنها لوازم لا تنفك عن المعاني الظاهرة من هذه الألفاظ، وحاشا السلف الصالح أن يثبتوا لله تعالى ما يستحيل في حقه وهم أعرف الخلق كافة بالله بعد رسول الله ‘.
وهذه نصوص العلماء في تنزيه الله تعالى عن الكيفيات المحسوسة:
من ذلك ما جاء في كتاب " الاعتقاد " للحافظ البيهقي (ص / 93):
قال الحافظ البيهقي: قال الأوزاعي: (كل ما وصف الله تعالى به نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته والسكوت عليه).
قال البيهقي (وإنما أراد - والله أعلم - فيما تفسيره يؤدي إلى تكييف، وتكييفه يقتضي تشبيهه له بخلقه في أوصاف الحدوث) اهـ.
file:///C:/DOCUME%7E1/Omar/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/01/clip_image003.gifنقول: إن كل ما جاء من نصوص المتشابه في الصفات من هذا القبيل، لأن ظاهره ومعناه الحقيقي يؤدي إلى التكييف المقتضي للتشبيه لا محالة، فلا فرق بين إثبات المعنى الحقيقي لهذه الألفاظ وبين التكييف المستحيل في حق الله تعالى، وهذا بعينه ما أشار إليه الإمام مالك رضي الله عنه في القول المشهور عنه في الاستواء (الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول..) أي لا يعقل، ولا يجوز على الله تعالى، لأن التكييف تحديد، والله تعالى منزه عن الحدود.
ونقل الإمام النووي عن القاضي عياض مؤيداً له ما نصه (شرح مسلم 5 / 24):
(لا خلاف بين المسلمين قاطبة فقيههم ومحدثهم ومتكلمهم ونظارهم ومقلدهم أن الظواهر الواردة بذكر الله تعالى في السماء... ليست على ظاهرها بل متأولة عند جميعهم... وهل بين التكييف وإثبات الجهات فرق؟!! لكن إطلاق ما أطلقه الشرع من أنه القاهر فوق عباده وأنه استوى على العرش مع التمسك بالآية الجامعة للتنزيه الكلي الذي لا يصح في المعقول غيره وهو قوله تعالى " ليس كمثله شيء " عصمة لمن وفقه الله تعالى) اهـ.
ونحن نتساءل بعجب مع القاضي عياض والإمام النووي وباقي أئمة الدين وأعلام المسلمين ونقول: وهل بين التكييف والقول بظواهر هذه النصوص فرق؟!!
وما هذا إلا للزوم التكييف لهذه الظواهر لزوماً غير قابل للانفكاك.
وقول الإمام أحمد المارّ قريباً (نؤمن بها ونصدق ولا كيف ولا معنى) صريح في كونهم رضي الله عنهم يفوضون المعنى، ولا يحتمل التفسير بغير ذلك.
وقال الإمام الخطابي معلقاً على حديث أطيط العرش ما نصه (معالم السنن 4 / 328):
(هذا الكـلام إذا جرى على ظاهره كان فيه نوع من الكيفية، والكيفية عن الله وصفاته منفية..) ثم أخذ بتأويل الحديث على ما يليق، وقد مر معنا قريباً.
وقال الحافظ ابن عبد البر - رحمه الله تعالى - (التمهيد 7 / 144) أثناء كلامه على حديث النزول بعد أن نقل قول القائلين: ينزل تعالى بذاته. قال: (ليس هذا بشيء عند أهل الفهم من أهل السنة، لأن هذا كيفية وهم يفزعون منها لأنها لا تصلح إلا فيما يحاط به عياناً، وقد جل الله وتعالى عن ذلك) اهـ.
وقال الحافظ ابن كثير مفوضاً وذامّاً الذين يحملون المتشابه على ظاهره وذلك في تفسيره لقوله تعالى في سورة الأعراف (ثم استوى على العرش) (2 / 220) ما نصه:
(فللناس في هذا المقام مقالات كثيرة جداً ليس هذا موضع بسطها، وإنما نسلك في هذا المقام مذهب السلف الصالح مالك والأوزاعي والثوري والليث بن سعد والشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه وغيرهم من أئمة المسلمين قديماً وحديثاً وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل، والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن الله فإن الله لا يشبهه شيء من خلقه) اهـ.

محمد ناصر الدين
2008-12-05, 23:42
وقال الشيخ سلامة العزامي القضاعي - رحمه الله تعالى - (الفرقان في ذيل الأسماء والصفات للبيهقي ص / 78):
(ومجمل القول في هذا الباب أن صفات المحدثات على قسمين:
القسم الأول :
ما يدل على الحدوث والإمكان والافتقار والاحتياج من حيث ذاته وماهيته أو ملزوماته أو لوازمه المساوية، كالكون في الجهة والمكان، وكالصغر والكبر والجسمية وقبول الانقسام، فهذا مختص بالكائنات لا يجوز أن يتصف الخالق منه بشيء ثم منه ما يكون القول به في الله كفراً إجماعا ً، ككونه - تعالى - والداً أو مولوداً أو ذا صاحبة أو له شريك، ونحو ذلك من كل ما النقص فيه جلي، ومنه ما اختلف فيه على أقوال ليس هذا محل بسطها، أرجحها أن ذلك ضلال وبدعة وفسق شنيع، أشد من فسق الجوارح بكثير، وقد يعذر العامي في الجهل ببعض ذلك، وأما من ارتفعت درجته عن العامية فلا يعذر وإنما يعزر، فإن كان داعية إلى رأيه كان الذنب أعظم والأمر أخطر – عياذاً بالله من ذلك.
القسم الثانى :
ما لا يدل على مـا سبق من حيث ذاته بل من حيث نقصه عن الدرجة العليا في كماله، كالوجود والحياة والعلم والإرادة والقدرة وأشباهها من كل صفة هي من حيث ذاتها كمال، فهذا القسم هو للحق تعالى بالأصالة على أكمل درجاته وأبعدها عن شوب النقص، وأرفعها عن الإمكان ولوازمه، واجب بوجوب موصوفه تبارك وتعالى، قديم بقدمه باق ببقائه، أما ما للخلق منه فهو له بالعرض حادثٌ فيه بإحداث الحق ممكنٌ غيرُ واجب، على درجة نازلة لائقة بحال الممكن، بحيث لا نسبة بين ما اتصف به الحق جل وعز وما اتصف به الممكن - أي المخلوق - وأين وجودٌ ممكنٌ حادثٌ قابلٌ للزوال غيرُ مملـوكٍ للمتصفِ به حين اتصافه به، من الوجودِ الواجبِ الأزليِّ الأبدي الذي يجل عن الابتداء والانتهاء، ويرتفع عن قبول الفناء؟!
... وبهذا يبين لك معنى قوله تعالى في صفة ذاته العلية وكمالاته المقدسة ( ليس كمثله شئ ) ( هو الحي ) ( وهو اللطيف الخبير ) ( وهو العليم القدير ) ( لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله ) إلى أمثال هذه الآيات الشريفة من كل ما دل على انحصار هذه الصفات فيه عز وجل، وقصرها عليه. ولبُـعْدِ ما بين حقائق هذه الصفات في الممكن - يعني المخلوق - وحقيقتِها في الواجب -يعني الله تعالى - قال بعض الفضـلاء: إن إطلاق الوجود والحياة والعلم ونحوها على الممكن ما هو إلا بالمجاز.
... وأرجو بعد هذا البيان لهذين القسمين أن تكون قد تكشفت لك تلك المغالطة التي قد يفوه بها بعضهم في مناظرة أهل السنة... وهو قولهم: إن الوجه والعين واليدين والقدمين والساق صفات كما أن الحياة والعلم والإرادة والقدرة صفات، وقد قلتم بها في ذات الله، فلماذا لا تقولون بتلك الصفات الوجه وما ذكر معه؟ فكما قلتم له علم لا كالعلوم، وقدرة لا كالـقُـدَر، فقولوا له وجه على الحقيقة لا كالوجوه ويد على الحقيقة لا كالأيدي ورجل على الحقيقة لا كالأرجل وساق على الحقيقة لا كالسوق، ويتوسعون في ذلك حتى انخدع بهذا الكلام من أهل الفضل من تروج عليه الحيل، ويغره الزخرف من القول، ويزيد في رواج هذا الزخرف أن هذه العبارة: " له وجه لا كالوجوه " توجد من بعض الأكابرالمنزهين للحق عن الأجزاء والجسمية كما هو الحق، وهي من هؤلاء ـ أي مثبتي الظواهرالحسية ـ مغالطة.. فإن الوجه والعين واليد والرجل والساق أجزاء وأبعاض وأعضاء لما هي فيه من الذوات،لا معان وأوصاف تقوم بموصوفاتها، فأين هي مما ألحقوها به من الحياة والعلم والإرادة والقدرة؟!.
وهل هذا إلا كتشبيه العالم بالعلم والأبيض بالبياض؟!
... فإن قالوا: إنا لا نريد بالوجه وأخواته ما هو أجزاء وأبعاض، بل نريد ما هو صفات حقيقة كالعظمة والملك والبصر والقدرة، ولكنا لا نعين المراد.
قلنا لهم: مرحبا بالراجعين إلى الحق... ولا نزاع بيننا وبينكم) انتهى كلامه رحمه الله بتصرف يسير.
وجاء في كتاب مناهل العرفان للشيخ الزرقاني - رحمه الله تعالى - (2 / 291) ما نصه:
(لقد أسرف بعض الناس في هذا العصر، فخاضوا في متشابه الصفات بغير حق، وأتوا في حديثهم عنها وتعليقهم عليها بما لا يأذن به الله، ولهم فيها كلمات غامضة تحتمل التشبيه والتنزيه.. حتى باتت هذه الكلمات نفسها من المتشابهات ومن المؤسف أنهم يواجهون العامة وأشباههم بهذا، ومن المحزن أنهم ينسبون ما يقولون إلى سلفنا الصالح... من ذلك قولهم: إن الله تعالى يشار إليه بالإشارة الحسية!! وله من الجهات الست جهة الفوق، ويقولون إنه - تعالى - استوى على العرش بذاته استواءً حقيقياً، بمعنى أنه استقر عليه استقراراً حقيقياً، غير أنهم يعودون فيقولون: ليس كاستقرارنا وليس على ما نعرف، وهكذا يتناولون أمثال هذه الآية، وليس لهم فيما نعلم إلا التشبث بالظواهر، ولقد تجلى لك مذهب السلف والخلف فلا نطيل بإعادته... لو أنصف هؤلاء لسكتوا عن الآيات والأخبار المتشابهة، واكتفوا بتنزيه الله تعالى عما توهمه ظواهرها من الحـدوث ولوازمـه، ثم فوضـوا الأمـر إلى الله وحـده) اهـ.
وقال العلامة محمود بن خطاب السبكي - رحمه الله تعالى - (الدين الخالص 1 / 28):
(وأما السلف والخلف فإنهم مجمعون على ثبوت صفات الله تعالى الواردة في الكتاب العزيز والسنة المحمدية، وإنما خلافهم في تفويض معنى المتشابه وهو مذهب السلف، وفي بيان معناه وهو مذهب الخلف) اهـ.
قال الإمام ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - (دفع شبه التشبيه ص / 97 وما بعدها):
(ورأيت من أصحابنا من تكلم في الأصول بما لا يصلح، فصنفوا كتبا شانوا بها المذهب، ورأيتهم قد نزلوا إلى مرتبة العوام فحملوا الصفات على مقتضى الحس، فسمعوا أن الله تعالى خلق آدم على صورته فأثبتوا له صورة ووجهاً زائداً على الذات، وعينين وفما ولهوات، وأضراسا وأضواء لوجهه هي السبحات، ويدين وأصابع وكفّاً وخنصراً وإبهاماَ وصدراً وفخذاً وساقين ورجلين.
وقالوا: ما سمعنا بذكر الرأس.
وقالوا: يجوز أن يَمَسَّ ويُمَسَّ، ويُدْني العبد من ذاته.
وقال بعضهم: ويتنفس.
ثم يرضون العوام بقولهم: لا كما يعقل!!
وقد أخذوا بالظاهر في الأسماء والصفات، فسموها بالصفات تسمية مبتدعة لا دليل لهم في ذلك من النقل ولا من العقل، ولم يلتفتوا إلى النصوص الصارفة عن الظواهر إلى المعاني الواجبة لله تعالى، ولا إلى إلغاء ما يوجبه الظاهر من سمات الحدوث، ولم يقنعوا بأن يقولوا: صفة فعل. حتى قالوا: صفة ذات، ثم لما أثبتوا أنها صفات ذات، قالوا: لا نحملها على توجيه اللغة مثل يد على نعمة وقدرة، ومجيء وإتيان على معنى بر ولطف، وساق على شدة، بل قالوا: نحملها على ظواهرها المتعارفة، والظاهر هو المعهود من نعوت الآدميين، والشيء إنما يحمل على حقيقته إذا أمكن، ثم يتحرجون من التشبيه، ويأنفـون من إضافته إليهم، ويقولون: نحن أهل السنة. وكلامهم صريح في التشبيـه، وقد تبعهم خلق من العـوام...).
إلى أن قال: (فلو أنكم قلتم نقرأ الأحاديث ونسكت، ما أنكر عليكم أحد، إنما حَـمْـلُكم إياها على الظاهر قبيح) اهـ.
وقال الإمام ابن القشيري - رحمه الله تعالى - (إتحاف السادة المتقين 2 / 109):
(يقولون - يعني أهل الظاهر - نحن نأخذ بالظاهر ونجري الآيات الموهمة تشبيهاً والأخبار المقتضية حداً وعضواً على الظاهر، ولا يجوز أن نطرق التأويل إلى شيء من ذلك، ويتمسكون بقوله تعالى( وما يعلم تأويله إلا الله ) ... وأوحوا إلى أوليائهم بهذه البدع وأحلوا في قلوبهم وصف المعبود سبحانه بالأعضاء والجوارح والركوب والنزول والاتكاء والاستلقاء والاستواء بالذات والتردد في الجهات، فمن أصغى إلى ظاهرهم يبادر بوهمه إلى تخيل المحسوسات فيعتقد الفضائح، فيسيل به السيل وهو لا يدري) اهـ.
قال الشيخ الزرقاني - رحمه الله تعالى - (مناهل العرفان 2 / 292):
(فالعمدة عندنا في أمور العقائد هي الأدلة القطعية التي توافرت على أنه تعالى ليس جسماً ولا متحيزًا ولا متجزئًا ولا مركبًا، ولا محتاجًا لأحد ولا إلى مكان ولا إلى زمان، ولا نحو ذلك، ولقد جاء القرآن بهذا في محكماته، إذ يقول: ( ليس كمثله شئ ) ويقول ( قل هو الله أحد ، الله الصمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد ) ويقول: ( إن تكفروا فأنّ الله غنىٌّ عنكم ولا يرضى لعباده الكفر ، وإن تشكروا يرضه لكم ) ويقول: ( ياأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله ، والله هو الغنىُّ الحميد ) وغير ذلك كثير في الكتاب والسنة، فكل ما جاء مخالفاً بظاهره لتلك القطعيات والمحكمات فهو من المتشابهات التي لا يجوز اتباعها، كما تبين لك فيما سلف.
ثم إن هؤلاء - يعني القائلين بالظواهر - متناقضون، لأنهم يثبتون تلك المتشابهات على حقائقها، ولا ريب أن حقائقها تستلزم الحدوث وأعراض الحدوث، كالجسمية والتجزؤ والحركة والانتقال، لكنهم بعد أن يثبتوا تلك المتشابهات على حقائقها ينفون هذه اللوازم، مع أن القول بثبوت الملزومات ونفي لوازمها تناقض لا يرضاه لنفسه عاقل، فضلاً عن طالب أو عالم، فقولهم في مسألة الاستواء الآنفة: إن الاستواء باق على حقيقته يفيد أنه الجلوس المعروف المستلزم للجسمية والتحيز، وقولهم بعد ذلك ليس هذا الاستواء على ما نعرف، يفيد أنه ليس الجلوس المعروف المستلزم للجسمية والتحيز، فكأنهم يقولون: إنه مستو غير مستو ومستقر على العرش غير مستقر، أو متحيز غير متحيز، وجسم غير جسم، أو أن الاستواء على العرش ليس هو الاستواء على العرش، والاستقرار فوقه ليس هو الاستقرار فوقه... فإن أرادوا بقولهم الاستواء على حقيقته، أنه على حقيقته التي يعلمها الله ولا نعلمها نحن، فقد اتفقنا، لكن تعبيرهم هذا موهم، لا يجوز أن يصدر من مؤمن، خصوصاً في مقام التعليم والإرشاد وفي موقف النقاش والحجاج، لأن القول حقيقة أو مجاز لا ينظر فيه إلى علم الله وما هو عنده، ولكن ينظر فيه إلى المعنى الذي وضع له اللفظ في عرف اللغة، والاستواء في اللغة العربية يدل على ما هو مستحيل على الله في ظاهره فلابد إذن من صرفه عن هذا الظاهر، واللفظ إذا صرف عما وضع له واستعمل في غير ما وضع له خرج عن الحقيقة إلى المجاز لا محالة، ما دامت هناك قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي، ثم إن كلامهم بهذه الصورة فيه تلبيس على العامة وفتنة لهم فكيف يواجهونهم به ويحملونهم عليه؟!
وفي ذلك ما فيه من الإضلال وتمزيق وحدة الأمة، الأمر الذي نهانا القرآن عنه، والذي جعل عمر ـ رضي الله تعالى عنه ـ يفعل ما فعل بصبيغ، وجعل مالكا ـ رحمه الله تعالى ـ يقول ما قال ويفعل ما فعل بالذي سأله عن الاستواء.
ولو أنصف هؤلاء لسكتوا عن الآيات والأخبار المتشابهة، واكتفوا بتنزيه الله تعالى عما توهمه ظواهرها من الحدوث ولوازمه، ثم فوضوا الأمر في تعيين معانيها إلى الله وحده) اهـ.
وبأقوال أئمة الإسلام وأعلام الأمة ينجلي في هذه القضية وجه الحق، وتتضح المحجة، ويتبين على وجه اليقين أنه ليس لأهل الحق في هذه المسألة إلا قولان، التفويض الذي عليه أكثر السلف، والتأويل الذي عليه أكثر الخلف وجماعات من السلف، وليس بعد هذين المذهبين إلا التعطيل أو التشبيه.

محمد ناصر الدين
2008-12-05, 23:47
التأويل والتعطيل

التأويل والتعطيل كلاهما أسند إلى الأشاعرة على سبيل القدح والتشنيع.. أما التأويل فقد تبين لك كونه شعاراً لأهل الحق أمام أهل البدعة من المشبهة والمجسمة، فاستحقوا به المدح لا القدح، والمنقبة لا المذمة.
وأما التعطيل فهم منه براء.. وكيف ينسب إلى الأشاعرة التعطيل وهم المثبتة للصفات المنزهون لله تعالى عن جميع الآفات وسمات النقص والمخلوقات، وهم المنتسبون إلى إمام أهل السنة، وشوكة أصحاب الحق في حلوق المبتدعة.
وإنما الذي أوقع من يتهم الأشاعرة في ذلك أنهم لم يدركوا حقيقة الفرق بين التأويل والتعطيل، أو أنهم لم يدركوا الفرق بين نفي أصل الصفة ونفي المعنى الحسي الظاهر والحقيقة اللغوية التي لا تليق بالله تعالى.
وعلى أية حال سنحاول في ما يأتي بيان هذا الفرق، ولكن قبل ذلك لا بد من بيان معنى التعطيل.


حقيقة التعطيل

التعطيل هو التخلية والنفي، هذا في الأصل، يقال: امرأة عاطل، إذا خلا جيدها من القلائد والزينة.
والمعطّلة هم نفاة صانع العالم، وهم هنا نفاة صفات الباري جلّ وعزّ، مثل الجهمية الذين نفوا صفات الله تعالى وعطّلوها.

هل عطل الأشاعرة صفات الله تعالى ؟!!

لقد مرّ معنا في هذا البحث اعتقاد الأشاعرة وتأويلهم لبعض الألفاظ التي يستحيل وصف الله تعالى بظاهرها وحقائقها التي يعهدها البشر من أنفسهم ومما حولهم، وهذا الذي ذهبوا إليه من التأويل هو عين ما كان يعرفه السلف الصالح ويعتقدونه، غير أن جمهورهم رضي الله عنهم أحجموا عن التصريح والتعيين حين احتمل اللفظ عندهم أكثر من معنى فتوقفـوا ورعاً وتهيّباً، ثم لعدم الحاجة إلى ذلك لسلامة عصرهم من البدع التي حدثت بعد، يشهد لهذا ما ذكرناه مراراً من تصريح البعض منهم بهذه المعاني التي قال بها الأشاعرة، ولو جاز وصف الأشاعرة بالتعطيل لأَخْذِهم بالتأويل لانسحب هذا الحكم على أجيال الصحابة والتابعيـن وتابعيهم.
ولقد نص العلماء على أن مذهب التأويل منقول عن السلف الصالح، وأخْذُ جمهورهم بمذهب التفويض - وهو ما يسميه العلماء تأويلاً إجمالياً- لا ينفى أخْذَ جماعاتٍ منهم بالتأويل.
قال الإمام النووي - رحمه الله - مثبتاً التأويل للسلف الصالح (شرح مسلم 6 / 36) ما نصه:
(هذا الحديث من أحاديث الصفات وفيه مذهبان مشهوران للعلماء.... ومختصرهما أن أحدهما وهو مذهب جمهور السلف وبعض المتكلمين... والثاني مذهب المتكلمين وجماعات من السلف وهو محكي عن مالك والأوزاعي أنها تتأولّ على ما يليق بها بحسب مواطنها) اهـ.
وقال الإمام الزركشي - رحمه الله تعالى - في النصـوص المتشـابهة (البرهان في علوم القرآن 2 /207):
(اختلف الناس في الوارد منها في الآيات والأحاديث على ثلاث فرق:
أحدها: أنه لا مدخل للتأويل فيها، بل تجري على ظاهرها ولا تؤول... وهم المشبهة.
والثاني: أن لها تأويلاً ولكنّا نمسك عنه مع تنزيه اعتقادنا عن التشبيه والتعطيل، ونقول لا يعلمه إلا الله. وهو قول السلف.
والثالث: أنها مؤوّلة، وأولوها على ما يليق به.
والأول باطل، والأخيران منقولان عن الصحابة... وممن نُقٍل عنه التأويل عليّ وابن مسعود وابن عباس وغيرهم) اهـ.
وقال العلامة الشوكاني - رحمه الله تعالى - (إرشاد الفحول ص / 176):
(الفصل الثاني: فيما يدخله التأويل، وهو قسمان، أحدهما أغلب الفروع، ولا خلاف في ذلك، والثاني: الأصول كالعقائد وأصول الديانات وصفات الباري عزّ وجلّ.
وقد اختلفوا في هذا القسم على ثلاثة مذاهب ).
ونقل المذاهب الثلاثة التي ذكرها الزركشي ثم قال:
(قال ابن برهان: الأول من هذه المذاهب باطل، والآخران منقولان عن الصحابة، ونُقِلَ هذا المذهب الثالث عن عليّ وابن مسعود وابن عباس وأم سلمة) اهـ.
ويؤيد هذا أيضاً ما نقله العلماء عن بعض أئمة السلف من التأويلات لبعض نصـوص المتشابه، نذكر منها على سبيل الإجمال:
تأويل ابن عباس رضي الله عنهما للفظ الساق بشدة الأمر، وكذلك مجاهد وعكرمة والضحاك وقتادة وسعيد بن جبير وغيرهم. (الطبري 29 / 38، القرطبي 18 / 249)
وتأويلهم للفظ الوجه في قوله تعالى ( فأينما تولّوا فثمّ وجه الله ) .
قال مجاهد: قبلة الله. (الطبري 1 / 402).
وقوله تعالى ( كلّ شئٍ هالكٌ إلا وجهه )
قال مجاهد وأبو عبيدة والضحاك: إلا هو. (القرطبي 13 / 322، الطبري 20 / 82، دفع شبه التشبيه ص / 113).
وقال أبو العالية وسفيان: إلا ما أريد به وجهه. وقال الصادق: دينه. وقال أبو عبيدة أيضاً: إلا جاهه. (القرطبي 13 / 322).
وتأويل ابن جرير الطبري للاستواء بالعلو والسلطان (في تفسيره 1/192) ويروى شيء قريب من هذا عن الحسن والثوري. (مرقاة المفاتيح 2/ 137، وتفسير العز بن عبد السلام 1 / 485 - 486). ( وجاء ربك )
وتأويل أحمد لقوله تعالى قال: جاء ثوابه. (ذكره ابن كثير من رواية البيهقيثم نقلقول البيهقي: وهذا إسناد لا غبار عليه. البداية والنهاية 10 / 327)، وهو مروي عن سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما. (تفسير النسفي 4 / 378، في هامش تفسير الخازن).
وتأويـل البخاري للضحك بالرحمة. (الأسماء والصفات للبيهقي ص / 470) وتأويـله لقوله تعالى ق( كلّ شـئٍ هالكٌ إلا وجهه ) قال : إلا ملكه. (الفتح 8 / 364).
وغير ذلك مما سيأتي بيانه وتفصيله في مبحث تأويلات السلف الصالح، وهي كثيرة جداً تزخر بها كتب التفسير والحديث وغيرها. وهو أمر ثابت لا سبيل إلى جحده، ولن يتأتى لمكابر إنكاره.
إن التعطيل كما هو واضح من تعريفه نفي صفات الباري سبحانه، والأشاعرة لم ينفوا صفة لله تعالى ثبتت بطريق صحيح، ومؤلفاتهم تشهد بهذا، غاية ما فعلوه أنهم حملوا هذه النصوص التي تقتضي ظواهرها وحقائقها تشبيه الله تعالى بخلقه على وجه تعرفه العرب لا ينافي تنزيه الله تعالى، وفرق كبير بين نفي ما أثبته الله تعالى كما فعل الجهمية، وبين إثباته ثم حمله على معنى لائق بالله تعالى مشهور في اللسان العربي بعد أن استحال الظاهر.
ولنأخذ على ذلك مثالاً ليزداد الأمر وضوحاً، قال الله تعالى ( الرحمن على العرش استوي ) فللاستواء في اللغة معانٍ كثيرةٌ ما بين حقيقة ومجاز، وكل ما كان حقيقة من معاني الاستواء لا يليق بالله تعالى، لأن الاستواء فعل حسِّي جسماني وكل ما كان من هذا القبيل ظاهره وحقيقته اللغوية قطعاً لا تليق بالله تعالى، ولهذا فإنه لا محيص من المصير إلى المعاني المجازية، وهذا ما فعله العلماء، فهم رحمهم الله عندما رأوا استحالة المعاني الحقيقية للاستواء في حق الله تعالى أثبتوا ما أثبته الله تعالى لنفسه أو أثبته له رسوله عليه الصلاة والسلام، ثم نزَّهوا الله عن ظاهر اللفظ فنفوا الحقيقة اللغوية المعهودة بين الخلق، وقالوا استوى ربُّنا تعالى كما أخبر استواءً ليس كاستواء البشر ـ كما يتبادر من ظاهر اللفظ ـ استواءً منزهاً عن المماسَّة والحلول والاستقرار وغير ذلك من المعاني الباطلة.
وهذه نصوصهم في ذلك:
قال الإمام الغزالي - رحمه الله تعالى - (إحياء علوم الدين 1 / 90):
(وأنه تعالى مستوٍ على العرش على الوجه الذي قاله وبالمعنى الذي أراده، استواءً منزّهاً عن المماسّة والاستقرار والتمكن والحلول والانتقال، لا يحمله العرش، بل العرش وحملته محمولون بلطف قدرته ومقهورون في قبضته).
وقال أيضاً (الإحياء 1 / 108)(الأصل الثامن: العلم بأنه تعالى مستوٍ على عرشه بالمعنى الذي أراده الله تعـالى بالاستـواء وهو لا ينافي الكبريـاء ولا يتطرق إليه سمـات الحدوث والفناء) 1هـ.
فبالله خبّرونا أي تعطيل في هذا ؟!
وهل نُفِي َهنا إلا ما يجب نفيه عن الله تعالى ويحرم إثباته؟!
فالأشاعرة لم يعطلوا صفة الاستواء، كلا، لكنهم نزهوا الله تعالى عن المعنى الحسي المحال للاستواء الذي هو الجلوس والاستقرار وهو المعنى الظاهر من اللفظ، ومثبته لا محالة واقع في التشبيه ومائل إليه، ولقد نصّ العلماء على أن الحمل على الظاهر تشبيه.
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى - أثناء شرحه لحديث النزول (الفتح 3 / 36):
(وقد اختلف في معنى النزول على أقوال: فمنهم من حمله على ظاهره وحقيقته وهم المشبهة تعالى الله عن قولهم..) اهـ.
وقد نقلنا قول الإمام الزركشي والشوكاني في هذا المعنى قريباً.
قال الإمـام القرطبي - رحمه الله تعالى - عند تفسير قوله تعالى ( ءأمنتم من في السماء ) (18 / 216) ما نصّه (قال المحققون: ءأمنتم من فوق السماء، كقوله تعالى ( فسيحوا في الأرض ) أي فوقها، لا بالمماسّة والتحيز لكن بالقهر والتدبير.....والأخبار في هذا الباب كثيرة صحيحة منتشرة مشيرة إلى العلوّ لا يدفعها إلا ملحد أو جاهل معاند، والمراد بها توقيره وتنزيهه عن السفل والتحت، ووصفه بالعلوّ والعظمة لا بالأماكن والجهات والحدود لأنها صفات الأجسام، وإنما ترفع الأيدي بالدعاء إلى السماء لأن السماء مهبط الوحي... ولأنه خلق الأمكنة وهو غير محتاج إليها وكان في أزله قبل خلق المكان والزمان ولا مكان ولا زمان وهو الآن على ما عليه كان) اهـ.
وقال الإمام الطبري رحمه الله تعالى (7 / 103)في تفسير قوله تعالى ( وهو القاهر فوق عباده ) ما نصّه (فهو فوقهم بقهره إياهم وهم دونه) أي هم دونه من هذه الحيثية، لا من حيث الحس والمكان.
وقـال في تفسيـره للاستـواء (1 / 192) (علا عليهم علوّ ملك وسلطان لا علوّ انتقال وزوال) اهـ.
وقال الإمام القرطبي (6 / 399) في تفسير قوله تعالى
( وهو القاهر فوق عباده ) (ومعنى فوق عباده فوقية الاستعلاء بالقهر والغلبة عليهم أي هم تحت تسخيره لا فوقية مكــان) اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر (الفتح 6 / 158):
(ولا يلزم من كون جهتي العلوّ والسفل محال على الله أن لا يوصف بالعلوّ، لأن وصفه بالعلوّ من جهة المعنى والمستحيل كون ذلك من جهة الحسّ) اهـ.
وقال أيضاً (الفتح 1 / 508) عند شرحه لحديث (إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يناجي ربه.. فإن الله في قبلته).
قال الحافظ (فيه ردَّ على من زعم أنه – تعالى – على العرش بذاته) اهـ.

أبوعبد الباسط
2008-12-05, 23:47
بارك الله فيك اخي نصر الدين .والله لقد أثلجت صدري .مجهود رائع قمت به .ياليت هؤلاء الناس يفهمون إن لم يكن الأشاعرة هم اهل السنة فمن يكون اهل السنة. من الغريب جدا أن أول ماتدعوا الناس إليه هو التشكيك في عقيدة الأشاعرة.الأشاعرة وسط اخذوا بنصوص الكتاب والسنة واستعملوا العقل حيث لايتنافي مع الشرع .والغريب في الأمر ان تثار ضجة في الموضوع وليس لها أثر في الواقع .من الناس من يزعم الانتساب للسلف في العقيدة ولا يقدر الله حق قدره .وآخر من الاشاعرة أومن غيرهم ويقدر الله حق قدره .العقيدة قبل ان تكون قعقعة الفاظ هو نور يقع في القلب ويترجم إلي سلوك .واتهام الأشاعرة بانهم يرون الإيمان عمل قلبي فقط هو افتراء عليهم (الإيمان ماوقر في القلب وصدقه العمل .ولا زلت أذكر يوم كنا ندرس عند الشيوخ في الزوايا جوهرة التوحيد ويركزون علي ها المعني بالذات .ماذا ينقمون علي الأشاعرة .كان منهم الفطاحلة ولازال فيهم العمالقة والحمدلله.

محمد ناصر الدين
2008-12-05, 23:50
وقال الإمام بدر الدين بن جماعةرحمه الله:
( ثم استوي على العرش ) ورد في خمس آيات وفي سادسة في طه ( الرحمن على العرش استوي ) والقرآن نزل بلغة العرب ومعاني كلامهم وما كانوا يتعقلون من خطابهم) ثم أخذ رحمه الله ببيان معاني الاستواء في اللغة، ثم قال:
(واتفق السلف وأهل التأويل على أن ما لا يليق من ذلك بجلال الرب تعالى غير مراد كالقعود والاعتدال، واختلفوا في تعيين ما يليق بجلاله من المعاني المحتملة كالقصد والاستيلاء، فسكت السلف عنه وأوّله المتأولون على الاستيلاء والقهر لتعالي الرب عزّ وجلّ عن سمات الأجسام من الحاجة إلى الحيّز والمكان، وكذلك لا يوصف بحركة أو سكون أو اجتماع وافتراق، لأن ذلك كله من سمات المحدثات وعروض الأعراض، والرب تعالى مقدس عنه، فقوله تعالى( استوي ) يتعين فيه معنى الاستيلاء والقهر لا القعود والاستقرار، إذ لو كان وجوده مكانياً أو زمانياً للزم قدم الزمان والمكان أو تقدّمهـما عليه تعالـى وكلاهما
باطل... فإن قيل: نفي الجهة - أي حسّاً - عن الموجود يوجب نفيه- أي الموجود – لاستحالة موجود من غير جهة. قلنا: الموجود قسمان: موجود لا يتصرف فيه الوهم والحس والخيال، ولا يقبل الاتصال والانفصال. وموجود يتصرف ذلك فيه ويقبله.
فالأول ممنوع الاستحالة - أي لا يستحيل وجوده بغير جهة - والرب تعالى لا يتصرف فيه ذلك، إذ ليس بجسم ولا عرض ولا جوهر، فصحّ وجوده عقلاً من غير جهة ولا حيز، كما دلّ الدليل العقلي على وجوده مع نفي الجسمية والعرضية مع بُعد الفهم الحسي له، فكذلك دلّ على نفي الجهة والحيز مع بُعد الفهم والحس له...... فإن قيل: قال الله تعالى ( إليه يصعد الكلم الطيب ) وهذا ظاهر في الجهة، وكذلك قوله تعالى( تعرج الملائكة والروح إليه ) وقوله ( ثمّ يَعرج إليه ) الآية. قلنا: ليس المراد بالغاية هنا غاية المكان، بل غاية انتهاء الأمور إليه، كقوله تعالى ( ألا إلى الله تصير الأمور ) و ( إليه يرجع الأمر كلُّه ) وكقول الخليل ( إني ذاهب إلى ربى سيهدين ) ... وهو كثير، فالمراد الانتهاء إلى ما أعدّه لعباده والملائكة من الثـواب والكرامة والمنزلة. فإن قيل: إنما يقال استولى لمن لم يكن مستولياً قبل، أو لمن كان له منازع فيما استولى عليه، أو عاجزاً ثم قدر. قلنا: المراد بهذا الاستيـلاء القـدرة التـامة الخـالية عن معـارض... فان قيـل: فالاستيـلاء- أي بهـذا المعنى - حاصل بالنسبة إلى جميع مخلوقاته، فما فائدة تخصيصه بالعرش. قلنا: خُصّ بالذكر لأنه أعظم المخلوقات إجماعاً، كما خصّ بقوله ( ربُّ العرش ) وهو رب كل شيء، وإذا استولى على العرش المحيط بكل شيء استولى على الكل قطعاً. إذا ثبت ذلك فمن جعل الاستواء في حقه تعالى ما يفهم من صفات المحدثين، وقال: استوى بذاته، أو قال: استوى حقيقة، فقد ابتدع بهذه الزيادة التي لم تثبت في السنة ولا عن أحد من الأئمة المقتدى بهم) اهـ. (إيضاح الدليل ص/101 ـ 107، إتحاف الكائنات، للشيخ محمود بن خطاب السبكي ص / 66 - 67، ويبدو أن النسخة التي اعتمد عليها الشيخ أوثق من نسخة ناشر الأصل، لذا اعتمدنا لفظ الإتحاف).
وقس على الاستواء جميع ما هو ثابت من نصوص الصفات، يثبتون كل ذلك بلا تشبيه ولا تمثيل، ويؤولون - إذا استحال الظاهر - بلا تعطيل، يثبتون ما أثبته الله تعالى لنفسه في كتابه أو على لسان نبيّه ‘ بعد أن ينزهوه تعالى عن كل ما لا يليق به سبحانه من ظاهر اللفظ، وهذا القدر من معنى اللفظ هو المنفي عندهم لاستحالة أن يتصف الله تعالى به، وهو القدر الذي يجب نفيه، ومثبته لا محالة واقع في التشبيه أو التجسيم أو مائل إليه.
على أن التأويل ليس عنه محيص، وكل الذين يفرون منه مضطرون إليه لا محالة، وإلا فماذا عساهم أن يقولوا في مثل قوله تعالى ( نسوا الله فنسيهم ) وقوله سبحانه ( اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا )
وقوله عزّ وجلّ ( وهو معكم أينما كنتم )
وقوله سبحانه ( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا )
وقوله تعالى ( الله يستهزئ بهم )
وقوله تعالى ( والله خير الماكرين )
وقوله تعالى ( يخادعون الله وهو خادعهم )
وقوله ‘ (لا يملّ الله حتى تملّوا).
وقوله ‘ في الحديث القدسي حاكياً عن ربّه عزّ وجلّ (.. ومن أتاني يمشي أتيته هرولة).
وقوله ‘ في الحديث القدسي حاكياً عن ربه تعالى (عبدي مرضت فلم تعدْني).
وقوله ‘ (فإن موسى الله أحدّ من موساك، وساعدَ الله أشدّ من ساعدك).
وقوله ‘ (إن الله تعالى حَييٌّ كريم يستحيي من عبده أن يرفع يديه فيردّهما صفراً ليس فيهما شيء).
وقوله ‘ (إن الله يضحك...).
وقوله ‘ (إن الله يغار...).
وقوله ‘ (إن الله يعجب...).
وغير ذلك من النصوص، أتراهم يثبتون ظواهرها وحقائقها المعهودة المعروفة بين البشر أيضاً، فيقولون:
نثبت لله نسياناً حقيقياً ومكراً حقيقياً وخداعاً حقيقياً واستهزاءً حقيقياً ومرضاً حقيقياً وهرولة حقيقية وسـاعداً شديداً حقيقياً، وموسى حادّةً حقيقية، ومللاً حقيقياً، وعجباً وغيرةً وحيـاءً وتردداً وضحكاً ومعيّةً وقرباً بالذات والمسافات، كلّ ذلك على الحقيقة؟!!
ولا نظن أن أحداً يماري ويكابر في استحالة هذه الظواهر وفي نفيها عن الله تعالى، فكذا ظاهر الاستواء والنزول والمجيء ونحوها يجب نفيه ومنعه لاتحاد العلّة في الجميع وهي استحالة الظاهر والحقيقة.
قال الحافظ ابن عساكر - رحمه الله تعالى - (تبيين كذب المفتري ص/ 388):
(فإنهم – يعني الأشاعرة – بحمد الله ليسوا معتزلة، ولا نفاة لصفات الله معطلة، لكنهم يثبتون له سبحانه ما أثبته لنفسه من الصفات، ويصفونه بما اتصف به في محكم الآيات، وبما وصفه به نبيّه ‘ في صحيح الروايات وينزهونه عن سمات النقص والآفات، فإذا وجدوا من يقول بالتجسيم أو التكييف من المجسمة والمشبهة، ولقوا من يصفه بصفات المحدثات من القائلين بالحدود والجهة فحينئذ يسلكون طريق التأويل، ويثبتون تنزيهه تعالى بأوضح الدليل، ويبالغون في إثبات التقديس له والتنزيه خوفاً من وقوع من لا يعلم في ظُلم التشبيه، فإذا أمنوا من ذلك رأوا أن السكوت أسلم، وترك الخوض في التأويل إلا عند الحاجة أحزم، وما مثالهم في ذلك إلا مثل الطبيب الحاذق الذي يداوي كلّ داء من الأدواء بالدواء الموافق، فإذا تحقق غلبة البرودة على المريض داواه بالأدوية الحارّة، ويعالجه بالأدوية الباردة عند تيقنه منه بغلبة الحرارة، وما هذا في ضرب المثال إلا كما رُويَ عن سفيان: إذا كنت بالشام فحدّث بفضائل عليّ رضي الله عنه، وإذا كنت بالكوفة فحدّث بفضائل عثمان رضي الله عنه.
وما مثال المتأوّل بالدليل الواضح إلا مثال الرجل السابح، فإنه لا يحتاج إلى السباحة ما دام في البر، فإن اتفق له في بعض الأحايين ركوب البحر، وعاين هوله عند ارتجاجه وشاهد منه تلاطم أمواجه، وعصفت به الريح حتى انكسر الفُلك، وأحاط به إن لم يستعمل السباحة الهُلك، فحينئذ يسبح بجهده طلباً للنجاة، ولا يلحقه فيها تقصير حبّاً للحياة، فكذلك الموحّد ما دام سالكاً محجّة التنزيه، آمناً في عقده من ركوب لجّة التشبيه، فهو غير محتاج إلى الخوض في التأويل لسلامة عقيدته من التشبيه والأباطيل، فأما إذا تكدّر صفاء عقده بكدورة التكييف والتمثيل، فلا بدّ من تصفية قلبه من الكدر بمصفاة التأويل، وترويق ذهنه براووق الدليل، لتسلم عقيدته من التشبيه والتعطيل) اهـ.
وقال الإمام أبو نصر القشيري رحمه الله تعالى (إتحاف السادة المتقين 2 / 108):
(فإن قيل: أليس الله يقول ( الرحمن على العرش استوي ) ؟ فيجب الأخذ بظاهره.
قلنا: الله يقول أيضاً ( وهو معكم أينما كنتم ) ويقول تعالى ( ألا إنّه بكلِّ شئ محيط ) فينبغي أيضاً أن تأخذ بظاهر هذه الآيات حتى يكون – تعالى – على العرش وعندنا ومعنا ومحيـطاً بالعالم محدقاً به بالذات في حالة واحدة، والواحد يستحيل أن يكون بذاته في كلّ مكان. قالوا: قوله تعالى ( وهو معكم ) يعني بالعلم، و ( بكل شـئ محيط ) إحاطة العلم.
قلنا: وقوله تعالى ( على العرش استوي ) قهر وحفظ) اهـ.
وقال الإمام وحجّة الإسلام الغزالي رحمه الله تعالى (الإحياء 1 / 108):
(الأصل الثامن: العلم بأنه تعالى مستوٍ على عرشه بالمعنى الذي أراده الله تعالى بالاستواء، وهو الذي لا ينافي وصف الكبرياء، ولا يتطرق إليه سمات الحدوث والفناء، وهو الذي أريد بالاستواء إلى السماء حيث قال في القرآن إ( ثم استوي إلى السماء وهى دخان ) وليس ذلك إلا بطريق القهر والاستيلاء.. واضطرّ أهل الحق إلى هذا التأويل كما اضطرّ أهل الباطل إلى تأويل قوله تعالى ( وهو معكم أينما كنتم ) إذ حمل ذلك بالاتفاق على الإحاطة والعلم وحمل قولـه ‘ (قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن) على القدرة والقهر، وحمل قوله ‘ (الحجر الأسود يمين الله في أرضه) على التشريف والإكرام، لأنه لو ترك على ظاهره للزم منه المحال، فكذا الاستواء لو ترك على الاستقرار والتمكن لزم منه كون المتمكن جسماً مماسّاً للعرش إما أكبر منه أو أصغر، وذلك محال، وما يؤدّي إلى المحـال فهو محال)’اهـ.
ولقد نقل العلماء الإجماع على أن هذه الظواهر غير مرادة للشارع، من ذلك ما ذكره الإمام الحافظ أبو الحسن علي بن القطان الفاسي - رحمه الله تعالى - حيث قال: (الإقناع في مسائل الإجماع 1 / 32 - 34):
(وأجمعوا أنه تعالى يجيء يوم القيامة والملك صفاً صفاً لعرض الأمم وحسابها وعقابها وثوابها، فيغفر لمن يشاء من المؤمنين ويعذب منهم من يشاء كما قال تعالى، وليس مجيئه بحركة ولا انتقال.
وأجمعوا أنه تعالى يرضى عن الطائعين له، وأن رضاه عنهم إرادته نعيمهم.
وأجمعوا أنه يحب التوّابين ويسخط على الكـافرين ويغضب عليهم، وأن غضبه إرادته لعذابهم، وأنه لا يقوم لغضبه شيء) اهـ.
أتراهم أجمعوا على باطل حين أجمعوا على نفي الظاهر المحال في لفظ المجيء والرضا والغضب؟! وهل تجتمع أمة محمد ‘ على ضلالة وبدعة؟! أم تراهم عطلوا صفات الباري عز وجل؟!
وقد مرَّ معنا قول القاضي عياض (شرح مسلم 5 / 24):
(لا خلاف بين المسلمين قاطبة فقيههم ومحدثهم ومتكلمهم ونظارهم ومقلدهم أن الظواهر الواردة بذكر الله تعالى في السمـاء كقوله تعالى ( ءأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض ) ونحوه ليست على ظاهرها بل متأوّلة عند جميعهم) اهـ.
وقال الإمام الزاهد القدوة أبو عمرو الداني رحمه الله تعالى (الرسالة الوافية لمذهب أهل السنة في الاعتقادات ص / 124):
(إن الله تعالى لم يزل مريداً، وشائياً، ومحبّاً، ومبغضاً، وراضياً، وساخطاً، وموالياً ومعادياً، ورحيماً، ورحماناً، وأن جميع هذه الصفات راجعة إلى إرادته في عباده، ومشيئته في خلقه لا إلى غضب يغيّره، ورضاً يسكن طبعاً له، وحنق وغيظ يلحقه، وحقد يجده، وأنه تعالى راضٍ في أزله عمّن علم أنه بالإيمان يختم عمله ويوافي به، وغضبان على من يعلم أنه بالكفر يختم عمله ويكون عاقبة أمره) اهـ.
وقال أيضاً في نزول الربّ جلّ وعزّ (ص / 135):
(ونزوله تبـارك وتعـالى كيف شـاء، بلا حدّ، ولا تكييـف، ولا وصف بانتقال ولا زوال) اهـ.
وقال ـ رحمه الله تعالى ـ في استوائه تعالى (ص / 130):
(واستواؤه جلّ جلاله علوّه بغير كيفية ولا تحديد ولا مجاورة ولا مماسة) اهـ.
فهل كان هؤلاء الأئمة معطلين حين صرفوا هذه الألفاظ عن ظاهرها، وحملوها على المجازات والاستعارات؟!
بهذا تعلم - تولّى الله هدانا وهداك - أن التعطيل الذي يُرمى به الأشاعرة والماتريدية وهم جماهير أعلام الأمة إنما هو عين التقديس والتنزيه، والذي يرفض ما ذهبوا إليه، ويصرّ على إثبات ما نفوه يقع حتماً بالتجسيم والتشبيه، إذ إن هذا القدر من معنى اللفظ الذي نفاه الأشاعرة ونزهوا الله تعالى عنه يحرم إثباته ووصفُ الله تعالى به لما يلزم منه من اللوازم الباطلة المحالة.
وعلى الجملة فأقوال سلف الأمة وخلفها مطبقة على تنزيـه الله تعالى عن هذه الظواهر المحالة، وفي ما نقلناه مقنع لمن أنصف.
نخلص من هذا إلى أن التأويل بشرطه وضوابطه شعارٌ سُنّيٌّ ومنهج شرعي أصيل لا مناص من الأخذ به لفهم كتاب الله تعالى وسنة نبيّه صلى الله على وسلم، وليس شعاراً للبدعة والضلالة أو التعطيل، وأن من يحمل المتشابه من نصوص الصفات على الظواهر المعهودة لدى الخلق هو الواقع في التعطيل، لأنه عطل المعنى المفهوم من النص وصدف به عن القصد.

محمد ناصر الدين
2008-12-05, 23:52
يتبعhttp://www.djelfa.info/vb/images/icons/17.gif

عبد الله ياسين
2008-12-06, 00:42
بارك الله فيك أخي "محمد ناصر الدين"

جمال البليدي
2008-12-06, 00:58
(نسبة التأويل إلى الصحابة رضي الله عنهم والتابعين – رحمهم الله – وبيان عدم ثبوت ذلك عنهم )

حاول الأشاعرة إثبات مذهب الرديء ، وطريقته المبتدعة في تأويل النصوص الشرعية الواردة في الصفات بنسبة هذا المذهب إلى الصحابة – رضي الله عنهم – والتابعين – رحمهم الله تعالى – وحاشاهم أن يثبت عنهم ذلك . فقال أحدهم(السقاف) في مقدمة تعليقه على كتاب ابن الجوزي (( دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه )) – وهو كتاب خالف قيه ابن الجوزي مذهب أهل السنة والجماعة في الصفات واعتقادهم فيها(1) – ( أوَّل ابن عباس قوله تعالى :{ يوم يكشف عن ساق } فقال : يكشف عن شدة ، فأول الساق بالشدة ، ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في (( فتح البارى )) ( 13/ 428) ، والحافظ ابن جرير الطبرى في تفسيره ( 29/38 ) ، حيث قال في صدر كلامه على هذه الآية : (( قال جماعة من الصحابة والتابعين من أهل التأويل : يبدو عن أمر شديد )) . قلت : ومنه سيتضح أن التأويل كان عند الصحابة والتابعين وهم سلفنا الصالح . قلت : ونقل ذلك الحافظ ابن جرير أيضاً عن : مجاهد ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، وغيرهم ) .

? قلت : هذا الذي نقله السقاف ونسبه إلى ابن عباس وجماعة من التابعين لا يصح عنهم وإليك ما ورد عنهم في ذلك ، مع بيان علل طرق كل خبر من هذه الأخبار .

? خبر ابن عبدا ? في ذلك(2) : وقد ورد عنه من طرق :
? الأول : ما رواه ابن جرير في (( التفسير ))(29/24) ، والحاكم في (( المستدرك )) (2/499) ، والبيهقي في (( الأسماء والصفات )) (746) من طريق : ابن المبارك ، عن أسامة بن زيد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : { يوم يكشف عن ساق } . قال : (( هو يوم كرب وشدة )) . ولفظه عند البيهقي : (( هذا يوم كرب وشدة )) وصححه الحاكم .
? قلت : بل هذا سند ضعيف ، ففيه أسامة بن زيد ، وهو وإن كان ابن أسلم أو الليثى فكلاهما ضعيف لا يحتج به ، إلا أن ابن أسلم ضعيف جداً . وأما الليثى : فقال أحمد : (( ليس بشىء )) ، وقال عبد الله بن أحمد ، عن أبيه : (( روى عن نافع أحاديث مناكير )) ، فقلت له : (( أُراه حسن الحديث )) ، فقال :(( إن تدبرت حديثه فستعرف فيه النكرة )) . وقال ابن معين في بعض الروايات : (( ثقة )) ، وزاد في رواية الدورى : (( غير حجة )) ، أى أنه ثقة من حيث العدالة ، إلا أنه ضعيف من حيث الضبط ، وبسط الكلام في حاله يطول.

? الثاني : ما رواه ابن جرير في (( تفسيره )) (29/24) ، والبيهقى في (( الأسماء والصفات )) من طريق : محمد بن سعد بن الحسين بن عطية ، حدثني أبي ، حدثني الحسين ين الحسن بن عطية ، حدثني أبي ، عن جدي عطية ابن سعد ، عن ابن عباس : في قوله : { يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود } يقول :((يكشف الأمر ، وتبدو الأعمال ، كشفه دخول الآخرة ، وكشف الأمر عنه)).
? قلت : أما محمد بن سعد فهو ابن محمد الحسين ، قال الخطيب – كما في (( الميزان )) (3/560) - : (( كان ليناً في الحديث )) . وأما أبوه سعد بن محمد بن الحسين العوفى فله ترجمة في (( تاريخ بغداد ))(9/127) ، وفيه نقل الخطيب البغدادى عن الأثرم قوله : قلت لأبي عبد الله – ( أي الإمام أحمد ) – أخبرني اليوم إنسان بشيء عجب ، زعم أن فلانا أمر بالكتابة عن سعد بن العوفى ، وقال: هو أوثق الناس في الحديث ، فاستعظم ذاك أبو عبدالله جداً ، وقال : لا إله إلا الله ، سبحان الله ، ذاك جهمي امتحن أول شيء قبل أن يُخَوّفوا ، وقبل أن يكون ترهيب ، فأجابهم ؟! قلت لأبي عبدالله : فهذا جهمي إذاً ؟ فقال : فأي شيء ؟! ، ثم قال أبو عبدالله : (( لو لم يكن هذا أيضاً لم يكن ممن يستأهل أن يكتب عنه ، ولا كان موضعاً لذلك )) . والحسين بن الحسن العوفى له ترجمة في (( تاريخ بغداد ))(8/29) ، وقد ضعفه ابن معين النسائي . والحسن بن عطية بن سعد العوفى وأبوه كلاهما من رجال التهذيب ، وهما ضعيفان، والأخير مدلس .

? الثالث : ما رواه ابن جرير في (( تفسيره ))(29/24) : حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سيفان ، عن المغيرة ، عن إبراهيم ، عن ابن عباس : { يوم يكشف عن ساق } قال : (( عن أمر عظيم ، كقول الشاعر : وقامت الحرب بنا على ساق )) .
? وسنده ضعيف ، فيه شيخ ابن جرير ، وهو محمد بن حميد وهو ضعيف الحديث ، وإبراهيم النخعى لم يدرك ابن عباس ومهران بن أبي عمر شيئ الحفظ . وقد اختلف فيه على مهران : فرواه ابن جرير عن ابن حميد ، حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن عاصم ، عن سعيد بن جبير ، قال : عن شدة الأمر . وهذا يدل على الاضطراب فيه .

*الرابع : ما رواه ابن جرير في (( تفسيره ))(29/24) ، والبيهقى في (( الأسماء والصفات )) من طريق : أبى صالح ، قال : حدثنا معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : قوله :{ يوم يكشف عن ساق } قال : (( هو الأمر الشديد المفظع من الهول يوم القيامة )) .
قلت : فيه أبو صالح عبدالله بن صالح – كاتب الليث – وهو ضعيف من قبل حفظه ، وعلى هو ابن أبي طلحة ، روى عن ابن عباس ولم يسمع منه ، فهو منقطع .

الخامس : ما رواه ابن جرير الطبري في (( تفسيره ))(29/24) : حُدَّثت عن الحسين ، قال سمعت أبا معاذ ، يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول : في قوله :{ يوم يكشف عن ساق } – وكان ابن عباس يقول : (( كان أهل الجاهلية يقولون : شمرت الحرب عن ساق )) - : (( يعني إقبال الآخرة وذهاب الدنيا )) .
وسنده ضعيف لجهالة شيخ ابن جرير، ورواية الضحاك عن ابن عباس منقطعة، ثم ليس هو من مسند ابن عباس ، وإنما هو من قول الضحاك .

السادس : ما رواه الطستى في (( مسائله عن ابن عباس )) – كما في (( الدر المنثور ))(8/254) – أن نافع بن الأزرق سأله عنم قوله : { يوم يكشف عن ساق } قال : (( عن شدة الآخرة )) . وقد أورده السيوطى في (( الإتقان ))(1/120) من طريق الطستى : حدثنا أبو سهل السرى بن سهل الجند يسابورى ، حدثنا يحيى بن أبي عبيدة بحر بن فروخ الملكى ، أخبرنا سعيد بن أبي سعيد ، أخبرنا عيسى بن داب ، عن حميد الأعرج ، وعبدالله بن أبي بكر بن محمد ، عن أبيه ، عن نافع به ، وفيه قصة .
قلت : وهذه القصة موضوعة ، فإن حميداً الأعرج ضعيف جداً ، وله ترجمة في ((التهذيب )) ، وعيسى بن داب ، هو ابن يزيد بن داب ، قال الذهبي في ((الميزان))(33/328) : (( كان أخبارياً علامة نسابة ، لكن حديثه واه ، قال خلف الأحمر : كان يضع الحديث ، وقال البخاري وغيره : منكر الحديث ، وقال أبو حاتم : منكر الحديث )) . وفي الإسناد لم أعرفه .

السابع : وأخرج ابن جرير (24/29) : حدثنى الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : { يوم يكشف عن ساق } قال : شدة الأمر . وقال ابن عباس : (( هي شر ساعة تكون في يوم القيامة )) .
قلت : وهذا سند ضعيف ، ورقاء ضعفه أحمد في التفسير ، وابن أبي نجيح مدلس وقد عنعن ، ثم إنه لم يسمع التفسير من مجاهد بن جبر .

الثامن : ما رواه اللالكائي في ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة))(724) : أخبرنا علي بن عمر بن إبراهيم ، قال : حدثنا عبد الصمد بن علي ، قال : حدثنا الحسين بن سعيد السلمي ، قال : حدثنى أحمد بن الحسن بن علي بن أربان البصرى المرادى ، قال : حدثنا الحسن بن محبوب ، عن علي بن دياب ،عن أبان بن ثعلب ، عن سعيد بن جبير : أن ابن عباس - في قوله تعالى : { يوم يكشف عن ساق } – قال : (( عن بلاء عظيم )) .
قلت : وآفة هذا الإسناد جهالة رواته ، فإني اجتهدت في البحث لهم عن تراجم ، فلم أقف على من ترجمهم ، أو ذكرهم بجرح أو تعديل .

التاسع : وأخرج ابن منده في (( الرد على الجهمية )) : حدثنا عمرو بن الربيع بن سلمان ، حدثنا بكر بن سهل ، حدثنا عبد الغني بن سعيد، حدثنا موسى بن عبد الرحمن ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس : وعن مقاتل ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : في قوله : { يوم يكشف عن ساق } ، قال : (( شدة الآخرة )) .
قلت :وهذا إسناد موضوع ، والمتهم به موسى بن عبد الرحمن الثقفي الصنعانى، قال ابن حبان : (( دجال ، وضع على ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس كتاباً في التفسير )) ، وقال ابن عدى : (( منكر الحديث )) وذكر له جملة من الأخبار ، ثم قال : (( هذه الأحاديث بواطيل )) . وعبد الغني بن سعيد أورده الذهبي في (( الميزان ))(2/642) ، وقال : (( ضعفه ابن يونس )) ، وبكر بن سهل هو الدمياطى ، ضعفه النسائي ، وقال الذهبي (1/346) في (( الميزان )) : (( حمل الناس عنه وهو مقارب الحال )) ، ومقاتل في السند الثاني هو ابن سليمان ، قال الحافظ في (( التقريب )) (6868) : (( كذَّبوه وهجروه ورمى بالتجسيم )) . والضحاك بن مزاحم لم يلق ابن عباس .

العاشر : وروى البيهقي في (( الأسماء والصفات )) .من طريق : محمد بن الجهم، حدثنا يحيى بن زياد الفراء ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس أنه قرأ : { يوم يكشف عن ساق } . يريد : يوم القيامة لشدتها .
قلت : وهذا سند صحيح لاعلة فيه (3) . إلا أنه ورد في (( المطبوعة )) ( يكشف ) بالياء ، وهو تصحيف ، وإنما هي ( تكشف ) فقد أورد السيوطي هذا الخبر في (( الدر المنثور ))(6/255) وقال : (( وأخرج سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن منده من طريق : عمرو ابن دينار ، قال : كان ابن عباس يقرأ : { يوم يكشف عن ساق } – بفتح التاء - . قال أبو حاتم السجستاني : أي تكشف الآخرة عن ساقها ، يستبين منها ما كان غائباً. قلت : وهذا الوجه هو الثابت عن ابن عباس ، وليس فيه على ما يدل على التأويل ، فإن قراءته على بناء الفعل للمعلوم المؤنث ثم إنه لم يفسر قراءته بالشدة – وإن حدث وفعل على هذه القراءة لم يقع في التأويل – بل الذي فسرها هو عمرو بن دينار ، وليس هو متأول بل مبين لبناء الفعل ، وصفة الفاعل . وقد ذهب ابن جرير إلى إثبات هذا القول عن ابن عباس ، فقال في (( التفسير )) (29/27) . (( وذكر عن ابن عباس أنه كان يقرأ ذلك { يوم يكشف عن ساق } بمعنى يوم تكشف عن شدة شديدة ، والعرب تقول : كشف هذا الأمر عن ساق إذا صار إلى شدة ومنه قول الشاعر : كشف لهم عن ساقها وبدا من الشعر الصراح )) فقول ابن عباس هذا تبعاً لهذه القراءة لا يعد تأويلاً للنص . وسوف يأتي ذكر من قال بالساق من الصحابة وأئمة السلف في باب : إثبات صفة الساق للرب جل وعلا – إن شاء الله تعالى - .

جمال البليدي
2008-12-06, 00:59
فصل : في بيان عدم ثبوت التأويل عن مجاهد بن جبر وسعيد بن جبير وغيرهم من أئمة السلف

وأما ما ذكره السقاف من نسبة التأويل إلى جماعة من أئمة السلف فغير صحيح ، وأفضل وسيلة لإثبات ذلك : ذكر الأخبار الواردة عنهم في التأويل وبيان عللها .

1 – خبر مجاهد بن جبر – رحمه الله - : أخرجه ابن جرير (29/24) من طريق : ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد به . وقد سبق ذكر علة هذا الإسناد . وأخرج ابن جرير : حدثني محمد بن عبيد المحاربى ، وابن حميد ، قالا : حدثنا ابن المبارك ، عن ابن جريج ، عن مجاهد { يوم يكشف عن ساق } قال : شدة الأمر وجده . قال ابن عباس : هي أشد ساعة في يوم القيامة .
قلت : ابن جريج مدلس وقد عنعن ، ثم إنه لم يسمع التفسير من مجاهد كما نص عليه ابن معين . ففي (( سؤالات ابن الجنيد )) له (37) : (( سألت يحيى بن معين ، قلت : ابن جريج سمع من مجاهد شيئاً ؟ قال : حرفاً أو حرفين ، قلت : فمن بينهما ؟ قال لا أدري )) . وقال : (595) : (( وسمعت يحيى بن معين يقول : سمع ابن جريج من مجاهد حرفاً واحداً في القراءة : { فإن الله لا يهدي من يضل } قال : لا أدري كيف قرأه يحيى بن معين ، ولم يسمع منه غيره ، كان أتاه ليسمع منه ، فأتاه فوجده قد مات ))

2 – خبر سعيد بن جبير – رحمه الله - : أخرجه ابن جرير (29/24) : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن عاصم بن كليب ، عن سعيد بن جبير قال : عن شدة الأمر .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ، وقد سبق بيان علته . لكن قال السيوطي في (( الدر المنثور ))(6/255) : (( وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، عن سعيد بن جبير ، أنه سئل عن قوله عز وجل : { يوم يكشف عن ساق } ، فغضب غضباً شديداً ، وقال : إن أقواماً يزعمون أن الله يكشف عن ساقه ، وإنما يكشف عن الأمر الشديد )) . قلت : وهذا الخبر لم يورد لنا السيوطي إسناده حتى نتبينه من حيث الصحة والضعف ، فلا حجة للسقاف فيه ، خصوصاً مع ما فيه من النكارة ، من حيث إنكار سعيد بن جبير على من يثبت صفة الساق للرب جل ذكره ، مع أن جمعاً من الصحابة أثبتوها له كما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى في باب أدلة إثبات الساق .

3 – خبر قتادة بن دعامة – رحمه الله : ثابت عنه ، وقتادة من الموصوفين بالكلام في القدر وهي بدعة مأخوذة عليه ومثلها هذا التأويل ، فهو مخالف لما ورد به الكتاب والسنة وأقوال الصحابة وعوام أهل العلم من الأئمة ، وسوف يأتي تفصيل ذلك . وأزيد السقاف بياناً ، فأقول له : وممن رُوى عنه أنه فسر هذه الآية على تأويل عكرمة ، وإبراهيم النخعي ، والربيع بن أنس وإليك خبر كل واحد منهم .

4 – خبر عكرمة – رحمه الله - : أخرجه البيهقي في (( الأسماء والصفات )) من طريق : أبي بكر يحيى بن أبي طالب ، أخبرنا حماد بن مسعدة ، أخبرنا عمر بن أبي زائدة ، قال : سمعت عكرمة سئل عن قوله عز وجل : { يوم يكشف عن ساق } قال : قال : (( فأخبرهم عن شدة ذلك )) .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ، فيه يحيى بن أبي طالب ، وهو مختلف فيه بين أهل العلم ، وعلى التحقيق فهو ضعيف . فأما من عدله : فالدار قطنى ، قال : (( لا بأس به عندي ، ولم يطعن فيه أحد بحجة )) وأمر البرقاني أن يخرج له في (( الصحيح )) ، قال الذهبي : (( الدار قطنى فمن أخبر الناس به )) . وقال أبو حاتم : (( محله الصدق )) ، وليس صاحب هذا الوصف ممن يحتج به عنده. وجرحه غيرهم : فقال أبو أحمد الحاكم : (( ليس بالمتين )) . وقال موسى بن هارون : (( أشهد عليه أنه يكذب )) . قال الذهبي : (( عنى في كلامه ولم يعن في الحديث فالله أعلم )) . قلت : هذه إحالة على جهالة ، ولا بد لهذا القول من دليل . وخط أو داود على حديثه . قلت : أما الدار قطنى فمتساهل في التوثيق ، وأما قول أبي حاتم : (( محله الصدق )) فهذا الوصف يطلقه على من توقف فيه ، فلم يطرح حديثه ، ولم يحتج به ، بل يُلحق بأحد القسمين بعد السبر والتتبع . فقد روى الخطيب في (( الكفاية )) بإسناده إلى ابن أبي حاتم قال : (( وإذا قيل أنه صدوق ، أو محله الصدق ، أو لا بأس به فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه )) . قلت :فأفضل أحوال يحيى بن أبي طالب أن يكون محتجاً به إذا لم يتفرد برواية الحديث أو الخبر ، فكيف إذا تفرد بخبر في تأويل صفة من صفات الرب جل وعلا ؟‍‍! لا شك أن حديثه – أو خبره – يكون منكراً ، ولا يحتج به في هذه الحالة ، وقد أكثر السقاف بوصف أحاديث كثيرة في البخاري ومسلم – مع أن رواتها ثقات – بالشذوذ لتفرد أحد الرواة بذكر صفة من صفات الرب جل وعلا .

5 - خبر إبراهيم النخعي – رحمه الله - : فرواه ابن جرير (29/24) : حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم : { يوم يكشف عن ساق } : (( ولا يبقى مؤمن إلا سجد ، ويقسو ظهر الكافر ، فيكو عظماً واحداً )) .
قلت : وسنده ضعيف لضعف ابن حميد .

6 – خبر الربيع بن أنس – رحمه الله - : أخرجه ابن جرير (29/27) من طريق : أبي جعفر الرازي ، ع الربيع في قول الله : { يوم يكشف عن ساق } ، قال : (( يكشف عن الغطاء )).
وسنده ضعيف لضعف أبي جعفر الرازي ، وسوف يأتي الكلام على حاله تفصيلاً في الجزء الثاني .

خلاصة البحث : فمما سبق : يتبين لنا أن ابن عباس لم يصح عنه التأويل ، ولا عن أئمة التابعين كمجاهد ، وعكرمة ، وغيرهم الذين نسبهم السقاف إلى التأويل ، ليشيد بدعته بهذا النسب الزائف ، وهذا التدليس الفاحش .

جمال البليدي
2008-12-06, 01:05
ما نسبه السقاف إلى ابن عباس وغيره من تأويل قوله تعالى :{ فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا }

قال السقاف : (وأول أيضاً سيدنا ابن عباس النسيان الوارد في قوله تعالى : { فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا } بالترك ، كما في تفسير الحافظ الطبري ) .

قلت : الآثار الواردة في ذلك ضعيفة من حيث الإسناد . فالطريق إلى ابن عباس : فيه علي بن أبي طلحة ، وهو لم ير ابن عباس ، وفيه لين كما مر بيانه . وله طريق آخر من رواية : أبناء وأحفاد عطية بن سعد العوفى عن ابن عباس ، وقد مر بيان عوار هذه الترجمة . ورواية مجاهد وردت عنه من ثلاث طرق :
? الأول : عن ابن أبي نجيح عنه ، ولم يسمع منه التفسير كما مر ذكره .
? الثاني : فيه جابر بن يزيد الجعفي وهو تالف ، وسفيان بن وكيع وقد ابتلى بوراقه ، وكان يدس له الأحاديث فيرويها ، وروجع في ذلك فلم يرجع .
? الثالث : من رواية عبد العزيز ، عن أبي سعد ، عن مجاهد .
قلت : وأبو سعد هذا لم أتبينه .

التنبيه هنا على أن النسيان ليست صفة من صفات الله عز وجل ، تعالى الله وتنزه ، وإطلاق الترك على النسيان هنا واجب ، وليس بتأويل . ذلك لأن صفات الرب عز وجل على قسمين ؛ صفات ثبوتية ، وصفات سلبية .
? والصفات الثبوتية : هي ما أثبته الله سبحانه وتعالى لنفسه في الكتاب ، أو على لسان نبيه ? ، وهي صفات كمال لا نقص ، مثل العلم ، والحياة ، والقدرة ، واليد ، والاستواء على العرش ، .. ولم يرد في الكتاب أو في السنة نفي صفة من هذه الصفات حتى نحكم على أنها صفات سلبية – أي صفات نقص – بل الأحاديث كثيرة في إثبات هذه الصفات ، وتلقاها العلماء بالقبول والتصديق والإيمان .
? والصفات السلبية : هي ما نزه الله سبحانه وتعالى نفسه عنها في الكتاب ، أو على لسان نبيه ? ، كالموت ، أو النسيان ، أو العجز ، أو الجهل .

وصفة النسيان في حق المخلوق صفة نقص وعيب تدل على قصوره ، وحدود قوته ، فكيف إذا وصف بها الخالق ؟؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍!! ولذلك نزه الله نفسه عن هذه الصفة ، فقال : { وما كان ربك نسيا } { مريم :64 } . وقال : { قل علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى } { طه : 52 } فلما يرد في الشرع نفي صفة من الصفات عن الرب عز وجل – خصوصاً إذا عُلم أنها صفة نقص وقصور – ثم تُذكر في موضع آخر من الكتاب أو السنة مضافة إلى الله عز وجل يعلم بذلك أن المراد بهذه النسبة إحدى معاني الصفة التي لا تدل على النقص إذا أضيفت إلى الرب تعالى . والنسيان يأتي بمعنى الترك ، فيكون معنى الآية أن الله عز وجل يتركهم في العذاب ، وهذا من تمام عدله وكماله عز وجل .

جمال البليدي
2008-12-06, 01:06
]نفي التأويل – الذي ادَّعاه السقاف - عن الإمام مالك – رحمه الله -[/color]

وادعى السقاف - زوراً وبهتاناً – أن الإمام مالك قد أوَّل صفة النزول ، بنزول الأمر . فقال : ( روى الحافظ ابن عبد البر في (( التمهيد ))(7/143) ، وذكر الحافظ الذهبي في ((سير أعلام النبلاء ))(8/105) أن الإمام مالكاً رحمه الله تعالى ، أوَّل النزول الوراد في الحديث بنزول أمره سبحانه وهذا نص الكلام من ((السير)) : قال ابن عدي : حدثنا محمد بن هارون بن حسان ، حدثنا صالح بن أيوب ، حدثنا حبيب بن أبي حبيب ، حدثني مالك ، قال : (( يتنزل ربنا تبارك وتعالى : أمره ، فأما هو فدائم لا يزول )) . قال صالح ، فذكرت ذلك ليحيى بن بكير ، فقال : حسن والله ، ولم أسمعه من مالك . قلت – ( القائل هو السقاف ) - : ورواية ابن عبد البر من طريق أخرى فتنبه ) .

قلت : هذا والله عين التبجح بنسبة الأقوال إلى العلماء بالأسانيد الساقطة ، والتدليس بأن ثمة طريقاً آخر يعضد طريق ابن عدي . وإليك تفصيل الكلام على هذه الطرق – الواهية – التي اعتمدها السقاف ليثبت ما ادعاه من نسبة التأويل إلى الإمام مالك – رحمه الله -.

{ الكلام على طريق ابن عدي } : أما طريق ابن عدي : ففيه حبيب بن أبي حبيب كاتب مالك ، قال أحمد : (( ليس بثقة ، . . كان يكذب )) وأثنى عليه شراً وسوءاً ، وقال أبو داود : (( كان من أكذب الناس )) ، وقال أبو حاتم : (( متروك الحديث ، روى عن ابن أخي الزهري أحاديث موضوعة )) ، وقال الأزدى : (( متروك الحديث )) ، وقال أبو داود في رواية : ((يضع الحديث )) ، وقال النسائي : (( متروك الحديث ، أحاديثه كلها موضوعة عن مالك )) ، وتكلم فيه ابن معين والحاكم . وصالح بن أيوب هذا مجهول . والغريب أن السقاف نقل هذا الخبر من (( السير )) ، ولم ينقل ما علقه الذهبي عليه أداءً للأمانة . قال الذهبي – رحمه الله – بعد إيراده هذا الخبر : (( قلت : لا أعرف صالحاً ، وحبيب مشهور ، والمحفوظ عن مالك – رحمه الله – رواية الوليد بن مسلم أنه سأله عن أحاديث الصفات ، فقال أمروها كما جاءت بلا تفسير ، فيكون للإمام في ذلك قولان إن صحت رواية حبيب )) .

قلت : لم تصح رواية حبيب ، فهو تالف الحال كما ذكرنا آنفاً . ولعله يُروى عن حبيب نفسه ، وليس هو بحجة ، فقد قال ابن عبد البر في ((التمهيد)) (7/143) : (( وروى ذلك عن حبيب كاتب مالك ، وغيره )) ، فلم ينسبه لمالك ، فيكون صالح بن أيوب قد رواه على التوهم فنسبه لمالك ، ولا إخاله يثبت عن حبيب نفسه ، فصالح مجهول كما سبق ذكره .

{ الكلام على الطريق المعضد !!}: وأما الطريق الآخر الذي ذكره السقاف – وكأنه يعضضد الطريق الأول !! – فأورده ابن عبد البر في (( التمهيد ))(7/143) وقال : (( وقد روى محمد بن علي الجبلي – وكان من ثقات المسلمين بالقيروان – قال : حدثنا جامع بن سوادة بمصر ، قال : حدثنا مطرف ، عن مالك بن أنس ، أنه سئل عن الحديث : (( إن الله ينزل في الليل إلى سماء الدنيا )) فقال مالك : يتنزل أمره .

قلت: وهذا سند ساقط ، فيه جامع بن سوادة ، ترجمه الذهبي في ((الميزان))(1/387) فقال : (( وعن آدم بن أبي إياس بخبر باطل في الجمع بين الزوجين ، وكأنه آفته )) . وأما محمد بن علي الجبلي ، فلعله الذي ترجمه الخطيب في (( تاريخه )) (3/101) ، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً ، ولكن قال : (( علقت منه مقطعات من شعره ، وقيل إنه كان رافضياً شديد الرفض )) . فهذان هما طريقا هذا الأثر ، الأول : موضوع ، والثاني : رواية متهم ، فأنى يكون لهذا الخبر ثبوت ؟!! .

جمال البليدي
2008-12-06, 01:06
الجواب عما نسبه السقاف إلى الإمام أحمد - رحمه الله – من التأويل

وقد نسب السقاف التأويل – أيضاً – إلى الإمام أحمد في أربعة مواضع :

قال : ( روى الحافظ البيهقي في كتابه (( مناقب الإمام أحمد )) – وهو كتاب مخطوط – ومنه نقل الحافظ ابن كثير في (( البداية والنهاية )) (1/327) ، فقال : (( روى البيهقي عن الحاكم ، عن أبي عمرو بن السماك ، عن حنبل ، أن أحمد ابن حنبل تأول قوله تعالى : { وجاء ربك } أنه جاء ثوابه ، ثم قال البيهقي ، وهذا إسناد لا غبار عليه )) انتهى كلام ابن كثير . وقال ابن كثير أيضاً في (( البداية )) (10/327) : (( وكلامه – أحمد – في نفي التشبيه ، وترك الخوض في الكلام ، والتمسك بما ورد في الكتاب والسنة عن النبي ? وعن أصحابه )) اهـ.

قلت :ومثل هذا لا يصح عن الإمام أحمد ، وإن ورد عنه بإسناد رجاله ثقات ، من وجهين :

? أولهما : أن روايه عنه هو حنبل بن إسحاق ، وهو وإن كان ثقة ، ومن تلاميذ الإمام أحمد – وابن عمه – إلا أنه يغرب ويتفرد عنه ببعض المسائل . قال الحافظ الذهبي – رحمه الله – في (( السير ))(3/52) : (( له مسائل كثيرة عن أحمد ، ويتفرد ، ويغرب )) . ونقل العليمى في (( المنهج الأحمد ))(1/245) عن أبي بكر الخلال قوله : (( قد جاء حنبل عن أحمد بمسائل أجاد فيها الرواية ، وأغرب بشيء يسير ، وإذا نظرت في مسائله شبهتها في حسنها وإشباعها وجودتها بمسائل الأثرم )) . قلت : فإن صح هذا الخبر عن حنبل ، فيكون قد أغرب به على أبي عبد الله – رحمه الله – فإن المحفوظ عنه إمرار النص على وجهه ، والتصديق ، وعدم التأويل (4) .

ثم وقفت بعد ذلك على كلام لابن رجب الحنبلي في شرحه على البخاري المسمى بـ((فتح الباري)) في دفع هذه النسبة ، فقال – رحمه الله – (9/279) في معرض الكلام على حديث النزول : (( ومنهم من يقول : هو إقبال الله على عباده ، وإفاضة الرحمة والإحسان عليهم . ولكن يردُّ ذلك : تخصيصه بالسماء الدنيا ، وهذا نوع من التأويل لأحاديث الصفات ، وقد مال إليه في حديث النزول – خاصة – طائفة من أهل الحديث ، منهم : ابن قتيبة ، والخطابي ، وابن عبد البر ، وقد تقدَّم عن مالك ، وفي صحته عنه نظر ، وقد ذهب إليه طائفة ممن يميل إلى الكلام من أصحابنا ، وخرجوا عن أحمد من رواية حنبل عنه في قوله تعالى : { وجاء ربك } أن المراد : وجاء أمر ربك . وقال ابن حامد : رأيت بعض أصحابنا حكى عن أبي عبدالله الإتيان ، أنه قال : تأتي قدرته ، قال : وهذا على حدَّ التوهم من قائله ، وخطأ في إضافته إليه )) .
حتى قال : (( والفرقة الثالثة : أطلقت النزول كما ورد ، ولم تتعد ماورد ، ونفت الكيفية عنه ، وعلموا أن نزول الله تعالى ليس كنزول المخلوق . وهذا قول أئمة السلف : حماد بن زيد ، وأحمد ، فإن حماد بن زيد سئل عن النزول فقال :هو في مكانه يقرب من خلقه كيف يشاء . وقال حنبل : قلت لأبي عبدالله : ينزل الله تعالى إلى سماء الدنيا ؟ قال : نعم ، قلت: نزوله بعلمه أو بماذا ؟ قال لي : اسكت عن هذا ، مالك ولهذا ، أتقن الحديث على ما روي بلا كيف ولا حدٍّ ، إلا بما جاءت به الآثار وبما جاء به الكتاب ، فقال الله عز وجل: {فلا تضربوا لله الأمثال} { النحل :74} ينزل كيف يشاء بعلمه وقدرته وعظمته ، أحاط بكل شيء علماً ، لا يبلغ قدره واصف ، ولا ينأى عنه هارب )) .

ثانيهما : أن هذه الرواية الأخيرة تدل على مذهب الإمام أحمد في حديث النزول ، وهي موافقة لسائر الروايات عنه في ذلك ، مما يدل على أن الرواية الأولى من المفاريد والغرائب عنه ، فهي غير مقبولة . ثم إن هذا الخبر من زيادات إحدى نسخ البداية والنهاية ، وهي النسخة المصرية ، وباقي النسخ لم يرد فيها هذا الخبر ، فثبوته محل نظر .

ومما ينبغي التنبيه عليه هنا : أن السقاف أورد كلام ابن كثير الأخير مورد الاستدلال على المخالف بأن أحمد نفى التشبيه ، يقصد بذلك صفات اليد ، والضحك ، والوجه ، والساق . وهذا فهم خاطئ ، وإنما التشبيه المقصود به هنا أن يقول : وجه كوجه ، أويد كيد ، أو ساق كساق . . وهكذا . قال الإمام الترمذي – رحمه الله – في (( جامعه ))(3/50) : (( قد ذكر الله عز وجل في غير موضع من كتابه : اليد ، والسمع ، والبصر ، فتأولت الجهمية هذه الآيات ففسروها على غير ما فسر أهل العلم ، وقالوا : إن الله لم يخلق آدم بيده ، وقالوا : إن معنى اليد هاهنا القوة . وقال إسحاق بن إبراهيم – ( وهو ابن راهويه ) - : إنما يكون التشبيه إذا قال يد كيد ، أو مثل يد ، أو سمع كسمع ، أو مثل سمع ، فإذا قال : سمع كسمع ، أو مثل سمع فهذا هو التشبيه . وأما إذا قال كما قال الله تعالى : يد وسمع وبصر ، ولا يقول كيف ، ولا يقول مثل سمع ، ولا كسمع ، هذا لا يكون تشبيهاً ، وهو كما قال الله تعالى في كتابه : { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } . ))

قلت : ونمثل للسقاف هنا بصفة الحلم . فإن الله عز وجل وصف نبيه إبراهيم بهذه الصفة فقال : { إن إبراهيم لأواه حليم } { التوبة : 114 } وقال : { إن إبراهيم لحليم أواه منيب } {هود :75 } . ووصف سبحانه وتعالى نفسه بنفس الصفة فقال : { والله شكور حليم } { التغابن :17 } { وإن الله لعليم حليم } { الحج : 59 } {إنه كان حليماً غفوراً } {الإسراء : 44 } ولكن اختلفت كيفية الصفة في ذلك ، ولا أظن أن السقاف يقول بأن حلم الله كحلم إبراهيم – والعياذ بالله – وإلا لكان هو المشبه .

وقال السقاف : ( تأويل آخر للإمام أحمد : قال الحافظ ابن كثير أيضاً في (( البداية والنهاية ))(10/327) : (( ومن طريق أبي الحسن الميموني ، عن أحمد بن حنبل أنه أجاب الجهمية حين احتجوا عليه بقوله تعالى :{ وما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون } قال : يحتمل أن يكون تنزيله إلينا هو المحدث ، لا الذكر نفسه هو المحدث ، وعن حنبل ، عن أحمد أنه قال : يحتمل أن يكون ذكراً آخر غير القرآن )).اهـ . قلت – ( القائل هو السقاف ) -: وهذا تأويل محض ، ظاهر ، واضح ، وهو صرف اللفظ عن ظاهره ، وعدم إرادته حقيقة ظاهره ) .

قلت : لا يصفو له هذا القول أيضاً في إثبات التأويل عن الإمام أحمد – رحمه الله – والجواب عنه من وجوده :
? الأول : أن الخبر قد أورده ابن كثير معلقاً ، ولم يورده بإسناده حتى نحكم عليه بالثبوت أو البطلان !!
? الثاني : أن هذا الخبر من زيادات إحدى نسخ (( البداية والنهاية )) – كسابقه – فهو محل نظر ، فكتاب البيهقي (( مناقب أحمد )) ، غير موجود بين أيدينا مطبوعاً حتى نحكم إذا ما كان هذا الخبر فيه حقاً ، أم أن بعض المعطلة قد زاد هذه الزيادات في نسخة البداية والنهاية .
? الثالث : أن هذا الخبر قد أورده الذهبي في (( السير ))(11/245) بسياق آخر يدل على أن الإمام أحمد لم يؤول النص ، بل فسره بنص آخر من القرآن . قال الذهبي – رحمه الله -: (( . . فقال بعضهم : { يأتيهم من ذكر من ربهم محدث } ، أفيكون محدث إلا مخلوقاً؟ فقلت : - ( القائل : هو الإمام أحمد ) - : قال الله : { ص *والقرآن ذي الذكر } ، فالذكر هو القرآن ، وتلك ليس فيها ألف ولام )) . فهذا النص يوضح مقصد الإمام أحمد (( يحتمل أن يكون ذكراً آخر )) ، فإن القرآن لا يطلق عليه ( ذكر ) بغير ألف ولام في القرآن . . ، فكأنه قصد هنا سنة رسول الله ? ، بل هو ما قصده . وقد خشى السقاف أن تنكشف حيلته ، فحذف الشطر الأخير من الخبر ، وهو : (( يحتمل أن يكون ذكراً آخر غير القرآن ، وهو ذكر رسول الله ? )) .

فدل ذلك دلالة واضحة على أن الإمام أحمد – رحمه الله – لم يتأول النص بما يخرجه عن ظاهره كما ادعى السقاف ، بل فسره بالقرآن ، فرد المتشابه إلى المحكم .

ثم قال السقاف : (تأويل آخر عن الإمام أحمد : قال الحافظ الذهبي في (( سير أعلام النبلاء ))(10/578) : (( قال أبو الحسن عبد الملك الميموني : قال رجل لأبي عبدالله – أحمد بن حنبل:- ذهبت إلى خلف البزار أعظه ، بلغني أنه حدث بحديث عن الأحوص ، عن عبدالله بن مسعود ، قال : ما خلق الله شيئاً أعظم من آية الكرسي .. وذكر الحديث . فقال أبو عبدالله – أحمد بن حنبل -: ما كان ينبغي أن يحدث بهذا في هذه الأيام – يريد زمن المحنة – والمتن : (( ما خلق الله من سماء ولا أرض أعظم من آية الكرسي )) . وقد قال أحمد بن حنبل لما أوردوا عليه هذا يوم المحنة : إن الخلق واقع هاهنا على السماء والأرض وهذه الأشياء ، لا على القرآن ) .

قلت : هذا النقل دليل على جهل السقاف ، وقلة بضاعته في العلم ، أو تجاهله وتدليسه لإثبات مذهبه الردىء . فالتأويل يأتي بمعنيين :
الأول : الحقيقة التي يؤول إليها الكلام .
والثاني: صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح لدليل يقترن به.
والتأويل بالمعنى الثاني هو المذموم الذي عليه كثير من المتأخرين والأشاعرة والمعتزلة وغيرهم ، وهو الذي يحاول السقاف إثباته على الإمام أحمد .

والتأويل بالمعنى الأول هو التفسير وهو الذي سار عليه الإمام أحمد مع هذا النص فحقيقة الكلام تؤول إلى أن الله عز وجل لم يخلق شيئاً أعظم من آية الكرسي من كلام الله ، وكلام الله غير مخلوق – وليس كما يدعي السقاف – أن حقيقة الكلام تؤول إلى أن آية الكرسي مخلوقة والعياذ بالله – فصرف الإمام أحمد الكلام عن هذا الوجه فقال بأن الخلق لم يقع عليها . وهذا التفسير الذي ذكرناه للحديث هو ما ذهب إليه ابن عيينة – رحمه الله - . قال الترمذي في (( جامعه ))(2884) : حدثنا محمد بن إسماعيل ، قال : حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان بن عيينة – في تفسير حديث عبد الله بن مسعود قال : ما خلق الله من سماء ولا أرض أعظم من آية الكرسي – قال سفيان : لأن آية الكرسي هو كلام الله ، وكلام الله أعظم من خلق الله ، من السماء والأرض . وسنده صحيح .

وبهذا يُعلم أن ما ذهب إليه أحمد – رحمه الله – هو ما يدل عليه ظاهر النص ، وليس وجهاً مرجوحاً متأولاً – بالمعنى الثاني للتأويل - .

وأخيراً قال هذا السقاف : ( تأويل آخر عن الإمام أحمد يتعلق بمسألة الصفات : روى الخلال بسنده ، عن حنبل ، عن عمه الإمام أحمد بن حنبل أنه سمعه يقول : احتجوا على يوم المناظرة ، فقالوا : (( تجيء يوم القيامة سورة البقرة … )) الحديث . قال : فقلت لهم : إنما هو الثواب . فتأمل في هذا التأويل الصريح ) . وقال في (( الحاشية )) : ( وقد نقل هذا لنا عن الخلال المحدث الإمام محمد زاهد الكوثرى رحمه الله تعالى في تعليقه على (( دفع شبه التشبيه )).

قلت : إسناده لا نعرفه عن حنبل حتى نثبته من قول الإمام أحمد ، ولو صح عنه فليس بتأويل ، إنما فسر هذا الحديث على النحو لرواية أخرى للحديث ورد فيها ما يدل على أن الذي يجيء يوم القيامة هو الثواب . وهذه الرواية هي حديث نواس بن سمعان مرفوعاً : (( يأتي القرآن وأهله الذين يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران … الحديث )). قال الإمام الترمذي في (( الجامع ))(5/148) : (( ومعنى هذا الحديث عند أهل العلم هذا الحديث أو ما يشبه من هذه الأحاديث أنه يجيء ثواب قراءة القرآن . وفي حديث النواس عن النبي ? ما يدل على ما فسروا ، إذ قال النبي ? : وأهله الذين يعملون به في الدنيا ، ففي هذا دلالة أنه يجيء ثواب العمل )) . قلت : وحديث النواس هذا صحيح مخرج عند مسلم والترمذي . فتأملوا تلبيس هذا السقاف !! وقد نسب السقاف التأويل إلى الإمام البخاري والنضر بن شميل وغيرهما ، وسوف يأتي الجواب عن ذلك عند الكلام على إثبات صفة الضحك ، والاستواء للرب تعالى .

جمال البليدي
2008-12-06, 01:08
خلط السقاف بين التفويض والتأويل وبين تفويض المعنى وتفويض الكيف ليثبت التأويل عند السلف الصالح !!

والعجيب من هذا السقاف استخفافه بالقراء الكرام ، بخلطه بين المصطلحات والإطلاقات ليثبت ما يدين به من ضرورة التأويل لصفات الرب عز وجل ، وقد ظهر هذا جلياً في مقدمته على (( دفع شبه التشبيه )) ، حيث قال : ( التفويض أيضاً كان مذهب السلف … ونصوص أئمة السلف في قولهم أمروها كما جاءت مع عدم الخوض في بيان معناها أكثر من أن تحصر ، من ذلك ما قاله الإمام الحافظ الترمذي في ((سننه ))(4/692): (( والمذهب في هذا عند أهل العلم من الأئمة مثل سفيان الثوري ومالك بن أنس وابن المبارك وابن عيينة ووكيع وغيرهم أنهم رووا هذه الأشياء ، ثم قالوا : تُروى هذه الأحاديث ، ونؤمن بها ، ولا يقال : كيف ، وهذا الذي اختاره أهل الحديث أن تروى هذه الأشياء كما جاءت : ويؤمن بها ، ولاتُفسر ، ولاتتوهم ، ولايُقال : كيف ، وهذا أمر أهل العلم الذي اختاروه وذهبوا إليه )) اهـ . قلت – القائل هو السقاف - : وقوله : ( لايُفسر ) هي نفس قول بعض أئمة السلف ( قراءتها تفسيرها ) ، وقوله : ( لاتتوهم ) معناه : يُصرف ظاهرها الذي يوهم مشابهة الله لخلقه ، مع تفويض المعنى الحقيقي لله تعالى ، وأما الكيف فلا نحتاج إلى تفويضه لأن الكيف محال على الله تعالى كما قال الإمام مالك : ولا يقال كيف ، والكيف عنه مرفوع ).

قلت : يظهر للقارئ الكريم من كلام السقاف أنه يحاول بشتى الطرق – محاولة المستميت – أن يثبت أن التأويل والتفويض من مذاهب السلف . ولذلك أتى بكلام الإمام الترمذي ، وهو كلام حسن رائق لاشوب فيه البتة ، وهو حقيقة مذهب السلف ، إلا أن السقاف المبتدع جاء ففسره كما يحب ، فنسب إلى السلف ما ليس من مذهبهم البتة . فقال : ( قوله : (لاتتوهم ) معناه : يُصرف ظاهرها الذي يوهم مشابهة الله لخلقه، مع تفويض المعنى الحقيقي لله تعالى ). وهذا ليس من مذهب أهل السنة والجماعة . وإنما معنى قولهم : ( لا تتوهم ): أي لا تتوهم أنها كصفات المخلوقين ، ففيها نفي الشبه بصفات المخلوقين ، لأنه سبحانه ليس كمثله شيء ، والسبب في ذلك أن معنى الصفة معروفة عندهم في لغة العرب ، فدفعوا التوهم في المشابهة في الكيفية . وهذا ولا شك بخلاف ما ذكره السقاف ، فإنه قد نفى المعنى أيضاً ، فهل يُعقل أنهم لم يكونوا يعرفون الفرق بين الوجه واليد ، والفرق بين الرحمة والسمع ، والفرق بين الاستواء والنزول ؟!!

من نسب إليهم ذلك فقد خاض غمار الجهل ، بل قد نسب نفسه إلى قول المعتزلة الملحدين . فهذا القول الذي بثه الخبيث من أنهم كانوا يفوضون المعنى يقتضى أنهم كانوا يثبتون للرب ما لا يعرفون معناه ، بل وهو يجر إلى قول آخر ، وهو إثبات الاسم دون الصفة ، كما ذهبت المعتزلة ، فهم يقولون : وهو سميع بلا سمع ، بصير بلا بصر . وإنما كان مذهب السلف الصالح – رحمهم الله تعالى - : إجراء النصوص على ظاهرها ، ولا يقولون كيف هذا ، لأن الصفة ثابتة بنص الكتاب أو السنة أوكليهما ، وهم يعرفون معنى الصفة إذا أطلقت ، فيعرفون ماذا تعني كلمة وجه ، ويد ، واستواء ، ونزول ، وإلا لو كانوا لا يعرفونها من حيث المعنى لجل الله سبحانه وتعالى أن يخاطبهم بما لا يعلمون ، فإنه لما خاطبهم ، خاطبهم باللسان العربي – وهذا خلاف ما يعتقده السقاف !! – ومعاني هذه الصفات معروفة عندهم في اللسان العربي ، إلا أنها لما أضيفت إلى الله تعالى لم يتعرضوا إلى كيفيتها ، لأنه سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء .

وقد دل على ذلك دلالة قوية قول الإمام مالك – رحمه الله تعالى – لما سئل عن الاستواء ، فأجاب : (( الاستواء غير مجهول ، والكيف غير معقول ..)) . فنفى الكيف ، وأثبت المعنى ، ألا تراه قال : الاستواء غير مجهول ، أي معناه . ولكن السقاف قد حرّف هذا المفهوم ، فقال : ( الاستواء غير مجهول – أي أنه قد ذُكر في القرآن -..) .

فأقول لهذا السخاف : وهل يذكر ربنا في القرآن ما لا يُعلم معناه ؟!! وهو القائل في محكم التنزيل : { لسان الذين يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين } {النحل :103} . قال شيخنا العلامة المحدث عبدالله بن يوسف الجديع – حفظه الله – في كتابه ((العقيدة السلفية)) : (( السلف كانوا يعملون معاني الصفات ، ويفرقون بينها بحسب ما دلت عليه مما تعرفه العرب من لسانها ، فالعلم غير الحياة ، والإتيان غير الاستواء على العرش ، واليد غير الوجه ، وهكذا سائر الصفات . وفي هذا إبطال قول الملحدين في أسماء الله وصفاته في حكايتهم مذهب السلف : أنهم كانوا مفوّضة !! ، ويعنون بهذا أنهم لم يكونوا يعلمون معاني الصفات ، ولا التمييز بينها ، وأنها من المتشابه الذي يكلون العلم به إلى الله تعالى ، وهذا معنى قولهم ((أمروها إذا جاءت)) . وهذا القول من أفسد ما ينسب إلى السلف ، وهو من الكذب والبهتان والافتراء البيّن ، وذلك لأن الصفات إنما تُعرف بالوصوف ، فإذا كان السلف يجهلون معانيها فكيف كانوا أعلم من غيرهم بالله تعالى ؟! وبماذا عرفوه إذاً ؟! إن هذا لمن أسوأ ما يُظن بهم ن وهم خير هذه الأمة ، وفيهم أصحاب رسول الله ? الذين لم يقدر الله أحد مثلهم .

وإنما كان السلف أبعد الناس عن الخوض فيما لم يحيطوا به علماً مما أخبر الله تعالى عنه من الغيب ، فكما أنهم لم يكونوا يحيطون بذات الله عليماً ، لم يكونوا يحيطون بصفاته علماً ، إذ الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات ، إلا أن صفاته كانت دليل المعرفة به ، ولا تصلح أن تكون كذلك وهي من المتشابه الذي ليس للعباد أن يعلموا حقيقته ، وإنما كانت معلومة المعاني عندهم ، مجهولة الكيف ، كما أن ذاته تعالى معلومة عندهم بصفاته ، مجهولة الكيف ، وهذا معنى إمرار الصفات كما جاءت . بل تضمن قوله : (( نمرها كما مرت )) إثباتها على الحقيقة ، فإن الأصل في الإطلاق الحقيقة ، فالعلم صفة على الحقيقة ، والقدرة صفة على الحقيقة ، واليد صفة على الحقيقة ، مع أن لكل صفة معنى غير الأخرى ، تعرف ذلك العرب من لغاتها )) .

جمال البليدي
2008-12-06, 01:14
بيان بطلان التفويض عن السلف


"...(النص1) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كيف تقولون بفرح رجل انفلتت منه راحلته. تجر زمامها بأرض قفر ليس بها طعام ولا شراب. وعليها له طعام وشراب. فطلبها حتى شق عليه. ثم مرت بجذل شجرة فتعلق زمامها. فوجدها متعلقة به؟" قلنا: شديدا[أي فرحه]. يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أما، والله! لله أشد فرحا بتوبة عبده، من الرجل براحلته". أخرجه مسلم.

هكذا يعتني عليه الصلاة والسلام ببيان المعاني لأصحابه وتوضيح المراد غاية التوضيح ففي صفة الفرح ضرب لهم مثلاً بأشد ما يكون فيه الفرح وهو فرح رجل في صحراء مهلكة قد انفلتت دابته وعليها طعامه وشرابه فأيس منها واستظل بظل شجرة ينتظر الموت فإذا براحلته وعليها طعامه وشرابه ففرح الرجل بذلك وليس في المخلوق فرح أشد من هذا فإذا عقل السامع عظم هذ الفرحة وشدتها فقد بين صلى الله عليه وسلم أن الله أشد فرحا بتوبة عبده، من هذا الرجل براحلته وهل هناك تحقيق للمراد وتوضيحه أكثر من هذا .؟


(النص2) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سبي، فإذا امرأة من السبي قد تحلب ثديها تسقي، إذا وجدت صبياً في السبي أخذته، فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم: (أترون هذه طارحة ولدها في النار). قلنا: لا، وهي تقدر على أن لا تطرحه، فقال: (لله أرحم بعباده من هذه بولدها).رواه البخاري.

وهاهنا في صفة الرحمة ضرب لهم مثلاً بأشد ما يكون فيه الرحمة وهو رحمة امرأة بحثت عن رضيعها واشتد حزنها وهمها وبعد مدة وجدته وألصقته بصدرها ترضعه فقال: (أترون هذه طارحة ولدها في النار) وليس في المخلوق رحمة أشد من هذه الرحمه فإذا عقل السامع عظم هذه الرحمه وفهمها فقد بين صلى الله عليه وسلم أن الله أرحم بعباده من هذه بولدها ، سبحانه وتعالى عما يعطل المعطلون.

(النص3) قال صلى الله عليه وسلم ((يأخذ الله عز وجل سماواته وأرضيه بيديه فيقول: أنا الله-[وجعل رسول الله] يقبض أصابعه ويبسطها-. أنا الملك)) حتى قال ابن عمر :نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه. حتى إني لأقول: أساقط هو برسول الله صلى الله عليه وسلم؟
والحديث أخرجه مسلم و أبو داود في الرد على الجهمية وابن خزيمه في التوحيد (باب تمجيد الرب عز وجل نفسه)


لماذا يقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ويبسطها حين ذكر أن الله يأخذ سماواته وأرضيه بيديه ؟

طبعاً لا يريد التشبيه بل هو صلى الله عليه وسلم يعتني ببيان المعاني لأصحابه وتوضيح المراد غاية التوضيح كما وضحنا من قبل .


(النص4) ما أخرجه البخاري ومسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة ، يتكفؤها الجبار بيده ، كما يكفأ أحدكم خبزته في السفر نزلاً لأهل الجنة..."الخ

كذلك قوله (كما...) بيان انه صلى الله عليه وسلم يعتني ببيان المعاني لأصحابه وتوضيح المراد غاية التوضيح."

"..كنت قد سألت "هل تقول أن السلف فوضوا بعض نصوص الصفات وبعضها لم يفوضوها ".

وهذا السؤال فيه الإطاحة بمذهب التفويض أيضاً لأن خصومنا يدعون أن السلف فوضوا بعض الصفات وبعضها لم يفوضوها !!

وحاصله ثلاث أجوبة: ان السلف فوضوا معاني كل الصفات أو اثبتوا ذلك أو فرقوا بين بعضها وبعضها ؟

فإن قال إنهم فوضوا جميع معاني الصفات مثل الحياة والعلم الخ فهذا كفر وإن قال اثبتوا كلها فهو المطلوب !!

وإن زعم أنهم فرقوا بين النصوص فقد كذب عليهم فلم يذكر عنهم قط أنهم فرقوا بين الصفات وقالوا "فوضوا بعض الصفات وبعضها لا تفوضوها" بل ورد العكس عنهم رحمهم الله، وأنا أذكر مثالين وعندي غيرها:

(النص 5)

قال الإمام الترمذي عند حديث : ((إن الله يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه ..))
((قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث ما يشبهه هذا من الروايات ونزول الرب تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا قالوا قد تثبت الروايات في هذا ويؤمن بها ولا يتوهم ولا يقال كيف هكذا روي عن مالك وسفيان بن عيينة وعبد الله بن المبارك أنهم قالوا في هذه الأحاديث أمروها بلا كيف وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة وأما الجـهـمـية فأنكرت هذه الروايات وقالوا هذا تشبيه وقد ذكر الله عز وجل في غير موضع من كتابه اليد والسمع والبصر فتأولت الجـهـمـية هذه الآيات ففسروها على غير ما فسر أهل العلم وقالوا إن الله لم يخلق آدم بيده وقالوا إن معنى اليد ههنا القوة وقال إسحاق بن إبراهيم إنما يكون التشبيه إذا قال يد كيد أو مثل يد أو سمع كسمع أو مثل سمع فإذا قال سمع كسمع أو مثل سمع فهذا التشبيه وأما إذا قال كما قال الله تعالى يد وسمع وبصر ولا يقول كيف ولا يقول مثل سمع ولا كسمع فهذا لا يكون تشبيها وهو كما قال الله تعالى في كتابه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير))أ.هـ

نستفيد من هذا النص أن :

1- صفات الله التي أثبتها لنفسه وأثبتها له رسوله.. نثبتها نحن له أيضاً ولا نقول كيف ولا لماذا.. وهذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة!
2- الجهـمـية هم الذين تأولوا هذه الصفات كتأويلهم لليد بالقوة.!
3-قوله" ففسروها على غير ما فسر أهل العلم" يدل على أن لأهل العلم تفسير لها وهو ظاهرها
3- لا يفرق السلف بين الصفات ويجعلون بعضها معلومه المعنى والبقية مجهولة كالأشعرية فهاهو الإمام يضرب لنا مثال لصفات الله التي نؤمن بها بلا كيف(( باليد والسمع والبصر..)) !

ولم يقل صفة اليد ليس لها معنى والسمع والبصر له معنى كما هو قول الأشعرية!! !! بل ساق الكلام سوقاً واحداً مما يدل على إثباتهم لجميع الصفات على نسق واحد..

(النص 6)
قال الإمام محمد بن جرير رحمه الله : ((فإن قال لك الجـهـمي: أنكرت ذلك (أي نزول الله )لإن الهبوط نقلة وذلك من صفات الأجسام قيل له : وما برهانك على أن معنى المجيء والهبوط هو النقلة والزوال ، وكيف لم يجز عندكم أن يكون معنى المجيء والهبوط والنزول بخلاف ما عقلتم من النقلة والزوال من القديم الصانع ، وقد جاز عندكم أن يكون معنى العالم والقادر منه بخلاف ما عقلتم ممن سواه؟؟)) التبصير بمعالم الدين ص144-145

نستفيد من هذا النص :

1- تأمل رحمك الله كيف احتج هذا الإمام بما أثبتوه من صفات كالعلم والقدرة حيث أثبتوها واثبتوا لها معنى وقالوا هي صفات ثابتة خلاف المخلوق فألزمهم أن يثبتوا صفة النزول(الهبوط) والمجيء كذلك مثل ما أثبتوا تلك تماماً ولا فرق!
2- زعمت الجهـمية أن النزول معناه (النقلة والزوال) وهذه مغالطة مفضوحة فطالبهم بإثبات كلامهم وإظهار برهانهم من كلام العرب! وكذلك نحن هنا نطالب كل من زعم معنى باطل لما وصف الله نفسه أو وصفه به رسوله بهذا."

"...مما ينقض التفويض أن السلف تكلموا في تفسير آيات الصفات بل لم يذكر قط أن أحد من السلف قال في نص من نصوص الصفات ((هذا مصروف عن ظاهره)) ثم لم يتكلم بمعناه بل تكلموا وبينوا معاني النصوص مثال ذلك تفسير السلف لاستواء الله على عرشه:

(النص 7 ، 8 ، 9)

7- قال الإمام البخاري : ((قال مجاهد[في تفسير استوى]: علا على العرش))
8- قال أبو عبيدة في قوله تعالى: ((ثم استوى على العرش)): ظهر على العرش وعلا عليه.
9-وهذا أبو العالية قال: ((ارتفع))

والنصوص في مثل هذا كثيرة.

ومن إيمان السلف بما ورد في الكتاب والسنة وتفسيرهم لها أنهم عبروا عن هذه المعاني بألفاظ متعددة صريحة في الإثبات مثل إثباتهم للعلو :

(النصوص 10-30)

بعض أقوال الصحابة رضي الله عنهم أجمعين:

10- قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (( ما بين السماء القصوى والكرسي خمسمائة عام ، ويبن الكرسي والماء كذلك ، والعرش فوق الماء والله فوق العرش ، ولا يخفى عليه شيء من أعمالكم))
أخرجه اللالكائي والبيهقي وابن خزيمة والطبراني وغيرهم كثير و قال الذهبي : (إسناده صحيح). وقال الهيثمي : ((رجاله رجال الصحيح)).

11- قال أنس بن مالك: ((كانت زينب تفخر على أزاوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سموات) )) رواه البخاري

12- قال عبدالله بن عباس لعائشة عندما دخل عليها وهي تموت: ((..أنزل الله براءتك من فوق سبع سموات ...))أخرجه أبو نعيم في الحلية والحاكم واحمد وابن سعد في الطبقات وغيره قال الألباني: ((سنده صحيح على شرط مسلم))

13- قالت عائشة رضي الله عنها: مبرئة نفسها من إرادة قتلها لعثمان : ((علم الله فوق عرشه أني لم أحب قتله)) أخرجه ابن أبي شيبه وأبو نعيم وغيره وقال الألباني إسناده صحيح.

14- لما قدم عمر بن الخطاب للشام استقبله الناس وهو على بعيره فقالوا يا أمير المؤمنين لو ركبت برذوناً يلقاك عظماء الناس ووجوههم فقال عمر رضي الله عنه: ((ألا أريكم ههنا ، إنما الأمر من ههنا. وأشار بيده إلى السماء((
قال الذهبي(إسناده كالشمس) وكذلك صححه الألباني وقال هو على شرط الشيخين.

وهذه بعض أقوال التابعين وتابعيهم والسلف الصالح:

15- مسروق بن الاجدع قال عن عائشة: ((حدثتني الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله المبرأة من فوق سبع سموات)) قال الذهبي: ((إسناده صحيح))

16- مجاهد بن جبير قال في تفسير(استوى) قال ((علا على العرش))أخرجه البخاري

17- قال حماد بن زيد : سمعت أيوب السختياني (وذكر المعتزلة) وقال: ((إنما مدار القوم على أن يقولوا : ((ليس في السماء شيء))
قال الذهبي ((هذا إسناد كالشمس وضوحاً وكالأسطوانة ثبوتاً عن سيد أهل البصرة وعالمهم((

18- عن مقاتل بن حيان عن الضحاك في قوله عز وجل ( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ) قال : (( هو فوق العرش وعلمه معهم أينما كانوا)) قال الذهبي : (بإسناد جيد) اهـ

19- يقول الإمام الأوزاعي: ((كنا والتابعون متوافرون نقول: إن الله عز وجل فوق عرشه ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته ))صححه الذهبي وابن تيميه وجوده ابن حجر.

20- يقول الإمام قتيبه بن سعيد: "هذا قول الائمة في الإسلام والسنة والجماعة:

نعرف ربنا في السماء السابعة على عرشه ، كما قال جل جلاله:الرحمن على العرش استوى".رواه الحاكم في كتابه شعار اهلل الحديث ص40-41 وسنده صحيح

قال الذهبي: فهذا قتيبة في امامته وصدقه قد نقل الإجماع على المسألة ،وقد لقي مالكا والليث وحماد بن زيد ، والكبار وعمر دهرا وازدحم الحفاظ على بابه.
انظر:مختصر العلو 187


21- سئل عبد الله بن المبارك رحمه الله كيف نعرف ربنا؟ قال : ((على السماء السابعة على عرشه ، وفي لفظ: فوق سمواته على عرشه)) صححه الذهبي وابن تيميه والألباني.

22- قال عبد الرحمن بن مهدي : ((ليس في أصحاب الاهواء شر من أصحاب جهم ، يدورون على أن يقولوا ليس في السماء شيء ، أرى والله أن لا يناكحوا ولا يوارثوا )) صححه الذهبي وابن القيم.

23- قال يوسف بن موسى القطان : قيل لأبي عبد الله(احمد بن حنبل) : الله فوق السماء السابعة على عرشه ، بائن من خلقه ، وعلمه وقدرته بكل مكان .
قال أحمد : (( نعم )) أخرجه واللالكائي وغيره وصححه الألباني وهو كما قال.

24- قال محمد بن مصعب : ((من زعم انك لا تتكلم ولا تُرى في الآخرة فهو كافر بوجهك ، أشهد إنك فوق العرش فوق سبع سموات ليس كما يقول أعداء الله الزنادقة)) أخرجه الدارقطني وعنه الخطيب في تاريخه والذهبي وقال الألباني: ((الإسناد صحيح وقد صححه المؤلف))

25- قال عبد الرحمن بن أبي حاتم : سألت أبا حاتم وأبا زرعة الرازيين رحمهما الله عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين ، وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار ، وما يعتقدان من ذلك ، فقالا : (( أدركنا العلماء في جميع الأمصار ، حجازاً ، وعراقاً ، ومصراً ، وشاماً ، ويمناً، وكان من مذهبهم أن الله على عرشه بائن من خلقه كما وصف نفسه بلا كيف ، أحاط بكل ‎شيء علماً ))
أخرجه اللالكائي قال الألباني في مختصر العلو (ص204-205) : ( قلت : هذا صحيح ثابت عن أبي زرعة وأبي حاتم رحمة الله عليهما. . . ) إلى أن قال : ( ورسالة بن أبي حاتم محفوظة في المجموع (11) في الظاهرية في آخر كتاب ( زهد الثمانية من التابعين )

26- قال الإمام أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة في كتاب (( تأويل مختلف الحديث )) له : (( نحن نقول في قوله ( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ) إنه معهم يعلم ما هم عليه ، كما تقول للرجل وجّهته إلى بلد شاسع ، احذر التقصير فإني معك ، تريد أنه لا يخفى عليَّ تقصيرك ، وكيف يسوغ لأحد أن يقول : إنه سبحانه بكل مكان على الحلول فيه مع قوله ( الرحمن على العرش استوى ) ومع قوله ( إليه يصعد الكلم الطيب ) كيف يصعد إليه شيء هو معه ، وكيف تعرج الملائكة إليه وهي معه ، ولو أن هؤلاء رجعوا إلى فطرهم ، وما ركبت عليه خِلَقُهم من معرفة الخالق لعلموا أن الله هو العلي وهو الأعلى ، وأن الأيدي ترتفع بالدعاء إليه ، والأمم كلها عجميها وعربيها ، تقول : إن الله في السماء . ما تركت على فطرها )) كتاب تأويل مختلف الحديث (ص182-183).

27- قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله (من قال لا أعرف ربي في السماء أو في الأرض فقد كفر
وكذا من قال إنه على العرش ولا أدري العرش أفي السماء أو في الأرض والله [يدعى] من أعلى لا من أسفل. لأن السفل ليس من وصف الربوبية والألوهية في شيء وعليه ما روي في الحديث:
"أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم بأمه سوداء فقال وجب علي عتق رقبة مؤمنه أفتجزىء هذه فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم" ((أمؤمنه أنت)) فقالت نعم فقال: ((أين الله)) فأشارت إلى السماء فقال: ((أعتقها فإنها مؤمنه)) ))أ.هـ
الفقه الأبسط المنسوب له بتحقيق الكوثري 49-52

وهذا النص مما أجمع أهل السنة وأهل البدعة على تلقيه بالقبول عن أبو حنيفة فلا مجال للتشكيك أما أهل البدعة فقد قال الكوثري في مقدمة تحقيقة للفقه الأبسط: ((والفقه الأكبر رواية أبي مطيع عن أبي حنيفة المعروف عند أصحابنا بالفقه الأبسط ، والفقه الأكبر رواية حماد بن أبي حنيفة عن أبيه...فتلك الرسائل هي العمد عند أصحابنا في معرفة العقيدة الصحيحة التي كان عليها النبي صلى الله عليها وسلم وأصحابه الغر الميامين ، ومن بعدهم من اهل السنة على توالي السنين))ص3 أما أهل السنة فدونك علو ابن قدامة والذهبي وابن القيم وغيرهم

وتدبر أيها المنصف في هذا النص دون تأويل النص بتكلف وتعسف تجد فيه ما يلي :

أ-التكفير لمن شك في فوقيه الله تعالى على عرشه.
ب-جواز السؤال عن الله تعالى بأين.
ج-والإجابة عنه بأنه في السماء

28- قال الإمام مالك إمام دار الهجرة: ((الله في السماء وعلمه في كل مكان)) رواه أبو داود في مسائله و أبو سعيد الدارمي وذكره البخاري مستدلاً به على علو الله في خلق أفعال العباد 15 وغيرهم كثير وصححه الحافظ الذهبي و الحافظ ابن تيميه والألباني مختصر العلو ص40

29- قال الإمام الثقة سليمان التيمي : ((لو سئلت أين الله تبارك وتعالى ؟ قلت في السماء)) رواه ابن أبي خيثمه في تاريخه وذكره البخاري جزماً في خلق أفعال العباد وغيرهم وإسناده صحيح راجع مختصر الألباني ص133.

30- عقب عليه الإمام البخاري مقراً لكلامه: ((وذلك لقوله تعالى: ((وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ)) يعني إلا بما بين)).أ.هـ


نكتفي بهذا وعندي مزيد بأنهم يثبتون بصريح الكلام أن الله في العلو (السماء) فوق العرش فوق سبع سموات وتأويل كلامهم الصريح بالإثبات مستحيل فبالله كيف لا يستحي من يصف هؤلاء بالتفويض ؟؟؟))

"...كما سبق أن قلت جاءت عبارات للسلف في الصفات صريحة بالإثبات ، وحصرها شبه مستحيل ، وهي تنقض مذهب التفويض من أساسه ، وتقطع الشك ، وتمحق الوهم ، وتدحض الشبهة وقد نقلنا قليل من النقول في مسألة الإستواء والعلو وهانحن نكمل في صفة عظيمة وهي صفة النزول:


(النص 31) من ذلك ما قاله إمام الأئمة ابن خزيمة -تلميذ تلاميذ الإمام الشافعي - في ما يعتقده في صفة النزول ، يقول رحمه الله:

((باب: ذكر أخبار ثابتة السند ، صحيحة القوام ، رواها علماء الحجاز والعراق عن النبي صلى الله عليه وسلم في نزول الرب إلى السماء الدنيا كل ليلة.

نشهد شهادة مقر بلسانه ، مصدق بقلبه ، مستيقن بما في هذه الأخبار من ذكر نزول الرب ، من غير أن نصف الكيفية لأن نبينا المصطفى لم يصف لنا كيفية نزول خالقنا إلى سماء الدنيا ، وأعلمنا أنه ينزل.

والله –جل وعلا- لم يترك ولا نبيه –عليه السلام- بيان ما بالمسلمين الحاجة إليه من أمر دينهم.

فنحن قائلون مصدقون بما في هذه الأخبار من ذكر النزول ، غير متكلفون القول بصفته أو بصفة الكيفية ، إذ النبي لم يصف لنا كيفية النزول.

وفي هذه الأخبار ما بان وثبت وصح أن الله –جل وعلا- فوق سماء الدنيا ، الذي أخبرنا نبينا أنه ينزل إليه ، إذ محال في لغة العرب أن يقول: نزل من أسفل إلى أعلى ، ومفهوم في الخطاب أن النزول من أعلى إلى أسفل)) كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب 1/289.

هكذا فهم السلف الصالح خطاب الشارع واستيقنوه وعلموه ، وجزموا به بهذه الثقة والوضوح والبيان ، لا يجمجمون فيه ولا يراوغون كما تفعل المبتدعة.

ففي الوقت الذي يعتقدون وحدانيته –سبحانه – في ذاته وأسمائه وصفاته وتنزهه عن التمثيل ، يفهمون النصوص فهماً تاماً ويعلمون معاني ما جاء، ولا يوجب لهم ذلك لوازم وهمية ، وإشكالات فاسدة ، كالتي ألقاها شياطين الجن والأنس في القلوب المريضة

(النص 32) ومن هذه الآثار الواردة عن السلف ما جاءنا من مناظرات الإمام الكبير إسحاق ابن راهويه للمبتدعة وغيرهم في صفة النزول ومنها هذه المناظرة:

سئل في مجلس الأمير عبد الله بن طاهر عن حديث النزول: "أصحيح هو" ؟

قال ابن راهويه: ((نعم))

فقال له بعض قواد عبدالله : "يا أبا يعقوب أتزعم أن الله ينزل كل ليلة" ؟

قال: (( نعم ))

قال: "كيف ينزل" ؟

فقال له إسحاق: (( أثبته فوق حتى أصف لك النزول))

فقال الرجل: "أثبته فوق"

فقال: إسحاق: ((قال الله عز وجل: ((وجاء ربك والملك صفا صفا))( ) ))

فقال الأمير عبدالله: " يا أبا يعقوب هذا يوم القيامة "

فقال إسحاق: ((أعز الله الأمير، ومن يجيء يوم القيامة من يمنعه اليوم؟)) عقيدة السلف أصحاب الحديث ص24 وأورده الذهبي في العلو ص132 وصححه الألباني في مختصر العلو ص193.

ففي هذه المناظرة الرائعة الرائقة دليل على اعتبار السلف –رحمهم الله- لدلالات الألفاظ على معانيها اللائقة بالله تعالى ، تأمل قوله : ((أثبته فوق حتى أصف لك النزول)) لما تقرر في الأذهان من المقابلة المعنوية بين الفوقية والنزول ، ولأن من أقر بالعلو والاستواء يقر بالنزول ونحوه من الصفات ، مع استصاحبهم رحمهم الله بأنه سبحانه "ليس كمثله شيء".

ليتيم الشافعي
2008-12-06, 09:04
-الأُصُوْلُ العَامَّةُ لِمَذْهَبِ أَهْلِ السُّـنَّةِ وَ الجَمَاعَةِ فِي الأَسْمَاءِ وَ الصِّفَاتِ :

يَقُوْمُ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّـنَّةِ وَ الجَمَاعَةِ فِي الأَسْمَاءِ وَ الصِّفَاتِ الإلَهِيَّةِ عَلَى ثَلاثَةِ أُصُـوْلٍ ، مَنْ حَقَّقَهَا هُدِيَ إِلَى الحَقِّ فِي هَذَا البَابِ ، وَ مَنْ أَخَلَّ بِهَا أَوْ بِبَعْضِهَا فَقَدْ ضَلَّ فِـيْهِ .
الأَصْلُ الأَوَّلُ : إِثْبَات ما وَرَدَ فِي الكِتَابِ وَ السُّـنَّةِ مِن الأَسْمَاءِ وَ الصِّفَاتِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ ، وَ لا نُقْصَانٍ .
وَسَأَتَحَدَّثُ عَلَى هَذَا الأَصْلِ فِي سِتِّ مَسَائِلَ :
المَسْأَلَةُ الأُوْلَى : اتِّفَاقُ أَهْلِ السُّـنَّةِ عَلَى هَذَا الأَصْلِ ، وَ ذِكْرُ نُصُوْصِهِمْ فِي ذَلِكَ .
المَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : الأَدِلَّةُ النَّقْلِيَّةُ ، وَ العَقْلِيَّةُ عَلَى هَذَا الأَصْلِ .
المَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : بَيَانُ نَوْعِ هَذَا الإثْـبَاتِ ، وَهُو إِثْبَاتُ أَلْفَاظِ الأَسْمَاءِ ، وَ الصِّفَاتِ الوَارِدَةِ فِي الكِتَابِ وَالسُّـنَّةِ مَع مَا تَضَمَّـنَتْهُ مِن المَعَانِي ؛ خِلافَـاً لأَهْلِ التَّحْرِيْفِ ( التَّـأْويْلِ ) ، وَ التَّفْوِيْضِ .
المَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : وُجُوْبُ إِثْبَاتِ الأَسْمَاءِ وَ الصِّفَاتِ الوَارِدَةِ فِي الكِتَابِ وَ السُّـنَّةِ – وَإِنْ لَمْ يَعْلَم المُكَلَّفُ مَعْنَاهَا - .
المَسْأَلَةُ الخَامِسَةُ : الوُقُوْفُ فِي إِثْبَاتِ الأَسْمَاءِ وَ الصِّفَاتِ عَلَى الكِتَابِ وَ السُّـنَّةِ لا يَنْـفِي إِثْبَاتَ العَقْلِ لَهَا .
المَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ : التَّفْرِيْقُ فِي هَذَا المَقَامِ بَيْنَ بَابِ التَّسْمِيَةِ وَ الوَصْفِ ، وَبَابِ الإخْـبَارِ .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المَسْأَلَةُ الأوْلَى : اتِّفَاقُ أَهْلِ السُّـنَّةِ عَلَى هَذَا الأَصْلِ ، وَ ذِكْرُ نُصُوْصِهِمْ فِي ذَلِكَ :

لَقَد اتَّفَقَتْ كَلِمَةُ أَهْلِ السُّـنَّةِ عَلَى هَذَا الأَصْلِ ، وَهَذِهِ بَعْضُ نُصُوْصِهِمْ :
قَالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ _ رَحِمَهُ اللهُ _ (ت240) : " لَقَدْ تَكَلَّمَ مُطَرِّفٌ عَلَى هَذِهِ الأَعْوَادِ بِكَلامٍ مَا قِيْلَ قَبْلَهُ ، وَ لا يُقَالُ بَعْدَهُ .
قَالُوْا : وَ مَا هُو يَا أَبَا سَعِيْدٍ ؟
قَالَ : " الحَمْدُ للهِ الذِي مِن الإيْمَانِ بِهِ الجَهْلُ بِغَيْرِ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ " ا.ه. [ذكره ابن تيمية في : "نقض المنطق" ص5 ، و ابن قدامة : "في ذم التأويل" ص31].
وَ قَالَ الشَّافِعِيُّ _ رَحِمَهُ اللهُ _ (ت204) : " للهِ _ تَعَالَى _ أَسْمَاءٌ وَصِفَاتٌ جَاءَ بِهَا كِتَابُهُ ، وَ أَخْبَرَ بِهَا نَبِيُّهُ _ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ _ ، لا يَسَعُ أَحَدَاً مِنْ خَلْقِ اللهِ _ تَعَالَى _ قَامَتْ عَلَيْهِ الحُجَّةُ رَدُّهَا ؛ لأَنَّ القُرْآنَ نَزَلَ بِهَا ، وَ صَحَّ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ القَوْلُ بِهَا "ا.ه.[انظر : "ذم التأويل" ص 235 لابن قدامة].
وَ قَالَ الإمَامُ أَحْمَدُ _ رَحِمَهُ اللهُ _ (ت241) : " لا يُوْصَفُ اللهُ _ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى _ بِأَكْثَرَ مِمَّا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ ، وَ لا يُتَعَدَّى القُرْآنُ وَ الحَدِيْثُ " ا.ه.[انظر : "إبطال التأويلات لأخبار الصفات"ص345،و: "المعتمد في أصول الدين"ص 62 كلاهما لأبي يعلى الحنبلي ، و نقله ابن تيمية عنه بنحوه كما في : "مجموع الفتاوى" 5/26 ، و ابن قدامة في : "لمعة الاعتقاد" ص9].
وَ قَالَ عَبْدُالعَزِيْزِ الكِنَانِيُّ _ رَحِمَهُ اللهُ _ (ت240) : " إِنَّ عَلَى النَّاسِ جَمِيْعَاً أَنْ يُثْبِتُوْا مَا أَثْبَتَ اللهُ ، وَ يَنْفُوْا مَا نَفَى اللهُ ، وَ يُمْسِكُوْا عَمَّا أَمْسَكَ اللهُ عَنْهُ " ا.ه.[انظر : "الحيدة و الاعتذار في الرد على من قال بخلق القرآن" ص 47].
وَ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ _ رَحِمَهُ اللهُ _ (ت276) : " الوَاجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَنْتَهِيَ فِي صِفَاتِ اللهِ إِلَى حَيْثُ انْتَهَى فِي صِفَاتِهِ ، أَوْ حَيْثُ انْتَهَى رَسُـوْلُهُ _ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ _ " ا.ه: "ا. [انظر : "الاختلاف في اللفظ" ص30].
وَ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ _ رَحِمَهُ اللهُ _ (ت 306 ) : " حَرَامٌ عَلَى العُقُوْلِ أَنْ تُمَثِّلَ اللهَ _ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى _ ، وَ عَلَى الأوْهَامِ أَنْ تَحُدَّهُ ، وَ عَلَى الظُّنُوْنِ أَنْ تَقْطَعَ ، وَ عَلَى الضَّمَائِرِ أَنْ تَعَمَّقَ ، وَ عَلَى النُّفُوْسِ أَنْ تُفَكِّرَ ، وَ عَلَى الأَفْكَارِ أَنْ تُحِيْطَ ، وَ عَلَى الأَلْبَابِ أَنْ تَصِفَ إِلا بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ ، أَوْ عَلَى لِسَانِ رَسُوْلِهِ _ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ _ " ا.ه.[انظر : "العلو" ص125، و "كتاب الأربعين في صفات رب العالمين" - ضمن ست رسائل - ص115 كلاهما للذهبي ، و "اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية" ص 170] .
وَ قَالَ أَبُو دَاوُدَ _ رَحِمَهُ اللهُ _ (ت275) : " سَمِعْتُ إِسْحَاقَ _ رَحِمَهُ اللهُ _ يَقُولُ : " إِنَّ اللهَ _ عَزَّ وَ جَلَّ _ وَصَفَ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ بِصِفَاتٍ اسْتَغْنَى الخَلْقُ أَنْ يَصِفُوْهُ بِغَيْرِ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ " ا.ه[انظر : "الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة" 2/451].
وَ قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ _ رَحِمَهُ اللهُ _ (ت311) : " إِنَّا لا نَصِفُ مَعْبُوْدَنَا إِلا بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ : إِمَّا فِي كِتَابِ اللهِ ، أَوْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ _ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ _ بِنَقْلِ العَدْلِ عَن العَدْلِ مَوْصُوْلاً إِلَيْهِ ، لا نَحْتَجُّ بِالمَرَاسِيْلِ ، وَ لا بِالأَخْبَارِ الوَاهِيَةِ ، وَ لا نَحْتَجُّ _ أَيْضَاً _ فِي صِفَاتِ مَعْبُوْدِنَا بِالآرَاءِ وَ المَقَايِيسِ " ا.ه[انظر : "التوحيد و إثبات صفات الرب –عزوجل-" 1/137 ، و انظر 1/51].
وَ قَالَ البَرْبَهَارِيُّ _ رَحِمَهُ اللهُ _ ( ت329) : " وَ اعْلَمْ _ رَحِمَكَ اللهُ _ أَنَّ الكَلامَ فِي الرَّبِّ _ تَعَالَى _ مُحْدَثٌ ، وَ هُو بِدْعَةٌ وَ ضَلالَةٌ ، وَ لا يُتَكَلَّمُ فِي الرَّبِّ إِلا بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ _ عَزَّ وَ جَلَّ _ فِي القُرْآنِ ، وَ مَا بَيَّنَ رَسُوْلُ اللهِ _ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ _ لأَصْحَابِهِ " ا.ه[انظر : "شرح السنة" ص 24].
وَ قَالَ الإسْمَاعِيْلِيُّ _ رَحِمَهُ اللََّهُ _ (ت371) : " اعْلَمُوْا _ رَحِمَنَا اللهُ وَ إِيَّاكُمْ _ أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ الحَدِيْثِ _ أَهْلِ السُّنَّةِ وَ الجَمَاعَةِ _ الإقْرَارُ بِاللهِ ، وَ مَلائِكَتِهِ ، وَ كُتُبِهِ ، وَ رُسُلِهِ ، وَ قَبُوْلُ مَا نَطَقَ بِهِ كِتَابُ اللهِ _ تَعَالَى _ ، وَ صَحَّتْ بِهِ الرِّوَايَةُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ _ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ َسَلَّمَ _ ، لا مَعْدِلَ عَمَّا وَرَدَا بِهِ ، وَ لا سَبِيْلَ إِلَى رَدِّهِ ؛ إِذْ كَانُوْا مَأْمُوْرِيْنَ بِاتِّبَاعِ الكِتَابِ وَ السُّـنَّةِ ، وَ يَعْتَقِدُوْنَ أَنَّ اللهَ _ تَعَالَى _ مَدْعُـوٌّ بِأَسْمَائِهِ الحُسْنَى ، وَ مَوْصُوْفٌ بِصِفَاتِهِ _ التِي سَمَّى ، وَ وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ ، وَ وَصَفَهُ بِهَا نَبِيُّهُ _ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ _ " ا.ه[أخرجه ابن قدامة في :"ذم التأويل" ص 17 ، و الذهبي في :"العلو" ص167 ، و في : "كتاب الأربعين في صفات رب العالمين" - ضمن ست رسائل - ص118، و في"سير أعلام النبلاء" 16/295"، و في"التذكرة" 3/939].
وَ قَالَ الخَطَّابِيُّ _ رَحِمَهُ اللَّهُ _ (ت388) : " وَ مِنْ عِلْمِ هَذَا البَابِ _ أَعْنِي بَابَ الأَسْمَاءِ وَ الصِّفَاتِ _ ، وَ مِمَّا يَدْخُلُ فِي أَحْكَامِهِ ، وَ يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ شَرَائِطَ : أَنَّهُ لا يُتَجَاوَزُ فِيْهَا التَّوْقِيْفُ ، وَ لا يُسْتَعْمَلُ فِيْهَا القِيَاسُ ؛ فَيُلْحَقَ بِالشَّئِ نَظِيْرُهُ فِي ظَاهِرِ وَضْعِ اللغَةِ ، وَ مُتَعَارَفِ الكَلامِ ... .
وَ هَذَا البَابُ يَجِبُ أَنْ يُرَاعَى ، وَ لا يُـغْفَلَ ؛ فَإِنَّ عَائِدَتَهُ عَظِيْمَةٌ ، وَ الجَهْل بِهِ ضَارٌّ ، وَ بِاللهِ التَّوْفِـيْقُ " ا.ه.[لنظر : "شأن الدعاء" ص 111]
وَ قَالَ أَبُو الحَسَنِ القَابِسِيُّ _ رَحِمَهُ اللهُ _ (ت403) : " أَسْمَاءُ اللهِ وَ صِفَاتُهُ لا تُعْلَمُ إِلا بِالتَّوْقِيْفِ مِن الكِتَابِ أَو السُّـنَّةِ أَو الإجْمَاعِ ، وَ لا يَدْخُلُ فِيْهَا القِيَاسُ " ا.ه.[نقله عنه الحافظ ابن حجر في :"فتح الباري" 11/217].
وَ قَالَ أَبُو نَصْرٍ السِّجْزِيُّ _ رَحِمَهُ اللهُ _ (ت444) : " وَ قَد اتَّفَقَت الأَئِمَّةُ عَلَى أَنَّ الصِّفَاتِ لا تُؤْخَذُ إِلا تَوْقِيْفَاً ، وَ كَذَلِكَ شَرْحُهَا لا يَجُوْزُ إِلا بِتَوْقِيْفٍ ؛ فَقَوْلُ المُتَكَلِّمِيْنَ فِي نَفْي الصِّفَاتِ ، أَوْ إِثْبَاتِهَا بِمُجَرَّدِ العَقْلِ ، أَوْ حَمْلِهَا عَلَى تَأْوِيْلٍ مُخَالِفٍ لِلظَّاهِرِ : ضَلالٌ .
وَ لا يَجُوْزُ أَنْ يُوْصَفَ اللهُ _ سُبْحَانَهُ _ إِلا بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ ، أَوْ وَصَفَهُ بِهِ رَسُوْلُهُ _ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ _ ؛ وَ ذَاكَ إِذَا ثَبَتَ الحَدِيْثُ ، وَلَمْ يَبْقَ شُبْهَةٌ فِي صِحَّتِهِ ، فَأَمَّا مَا عَدَا ذَلِكَ مِن الرِّوَايَاتِ المَعْلُوْلَةِ ، وَ الطُّرُقِ الوَاهِيَةِ فَلا يَجُوْزُ أَنْ يُعْتَقَدَ فِي ذَاتِ اللهِ _ سُبْحَانَهُ _ ، وَ لا فِي صِفَاتِهِ مَا يُوْجَدُ فِيْهَا بِاتِّـفَاقِ العُلَمَاءِ بِالأَثَـرِ " ا.ه.[انظر :"رسالة السجزي إلى أهل زبيد في الرد على من أنكر الحرف والصوت" ص 121، و انظر ص 161].
وَ قَالَ ابْنُ عَبْدِالبَرِّ _ رَحِمَهُ اللهُ _ (ت463) : " إِنَّ اللهَ _ عَزَّ وَ جَلَّ _ لا يُوْصَفُ عِنْدَ الجَمَاعَةِ _ أَهْلِ السُّـنَّةِ _ إِلا بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ ، أَوْ وَصَفَهُ بِهِ رَسُوْلُ اللهِ _ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ _ ، أَوْ أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الأُمَّـةُ " ا.ه. [ انظر : "جامع بيان العلم وفضله" 2/92].
وَ قَالَ _ أَيْضَـاً_ : " لَيْسَ فِي الاعْتِقَادِ كُلِّهِ فِي صِفَاتِ اللهِ ، وَ أَسْمَائِهِ إِلا مَا جَاءَ مَنْصُوْصَاً فِي كِتَابِ اللهِ ، أَوْ صَحَّ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ _ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ _ ، أَوْ أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الأُمَّـةُ .
وَ مَا جَاءَ مِنْ أَخْـبَارِ الآحَادِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ ، أَوْ نَحْوِهِ يُسَلَّمُ لَهُ ، وَ لا يُنَاظَـرُ فِيْهِ " ا.ه. [ انظر المرجع السابق 2/96].
وَ قَالَ أَبُو القَاسِمِ القُشَـيْرِيُّ _ رَحِمَهُ اللهُ _ (ت465) : " أَسْمِاءُ اللهِ تُوْجَدُ تَوْقِـيْفَاً ، وَ يُرَاعَى فِيْهَا الكِتَابُ وَالسُّـنَّةُ وَالإجْمَاعُ ، فَكُلُّ اسْمٍ وَرَدَ فِي هَذِهِ الأُصُوْلِ وَجَبَ إِطْـلاقُهُ فِي وَصْفِهِ _ تَعَالَى _ ، وَ مَا لَمْ يَرِدْ فِيْهَا لا يَجُوْزُ إِطْلاقُهُ فِي وَصْفِهِ _ تَعَالَى _ وَإِنْ صَحَّ مَعْنَاهُ " ا.ه. [نقله عنه الملا علي القاري في : " مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" 5/71].
وَ قَالَ قَوَّامُ السُّـنَّةِ الأَصْبَهَانِيُّ _ رَحِمَهُ اللهُ _ (ت535) : " فَلا يُسَمَّى إِلا بِمَا سَمَّى بِهِ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ ، أَوْ سَمَّاهُ بِهِ رَسُوْلُهُ _ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ _ ، وَ أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الأُمَّةُ ، وَ أَجْمَعَتْ الأُمَّةُ عَلَى تَسْمِيَتِهِ بِهِ ، وَ لا يُوْصَفُ إِلا بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ , أَوْ وَصَفَهُ بِهِ رَسُوْلُهُ _ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ _ ، أَوْ أَجْمَعَ عَلَيْهِ المُسْلِمُوْنَ ؛ فَمَنْ وَصَفَهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ فَهُو ضَالٌّ " ا.ه.[انظر : "الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة " 2/383.].
وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ – رَحِمَهُ اللهُ - : "إِنَّ مُعْتَمَدَنَا فِي صِفَاتِ اللهِ – تَعَالَى – مَا صَحَّ بِهِ النَّقْلُ عَن اللهِ – تَعَالَى - ، وَ عَنْ رَسُـوْلِ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ - ، وَ نَصِفُ اللهَ – تَعَالَى – بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ ، أَوْ وَصَفَهُ بِهِ رَسُوْلُهُ ، وَ لا نَتَـعَدَّى"ا.ه ["البرهان في بيان القرآن"ص88]
وَقاَلَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ – رَحِمَهُ اللهُ – (ت728): "القَوْلُ الشَّامِلُ فِي جَمِيْعِ بَابَ أَسْمَاءِ اللهِ وَ صِفَاتِهِ أَنْ يُوْصَفَ اللهُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ ، أَوْ وَصَفَهُ بِهِ رَسُوْلُهُ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ - ، وَ بِمَا وَصَفَهُ بِهِ السَّابِقُوْنَ الأوَّلُوْنَ ، لا يُتَجَاوَزُ القُرْآنُ وَ الحَدِيْثُ " ا.ه .[ "مجموع الفتاوى"5/26،و انظر 3/160، 7/663، "الجواب الفاصل بتمييز الحق من الباطل"ص13،22]
وَ قَالَ عَبْدُاللطِيْفِ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ حَسَنٍ – رَحِمَهُ اللهُ – (ت1293) : " وَ مِن الأُصُوْلِ المُعْتَبَرَةِ ، وَ القَوَاعِدِ المُقَرَّرَةِ عِنْدَ أَهْلِ السُّـنَّةِ وَ الجَمَاعَةِ أَنَّ اللهَ – تَعَالَى – لا يُوْصَفُ إِلا بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ أَوْ وَصَفَهُ بِهِ رَسُوْلُهُ ، لا يَتَجَاوَزُ ذَلِكَ أَهْلُ العِلْمِ وَالإيْمَانِ ، وَ لا يَتَكَلَّفُوْنَ عِلْمَ مَا لَمْ يَصِفْ الرَّبُّ – تَبَارَكَ وَ تَعَالَى – بِهِ نَفْسَهُ ، وَ مَا لَمْ يَصِفْهُ بِهِ رَسُوْلُهُ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ - ؛ وَ اللهُ أَكْبَرُ وَ أَجَلُّ وَ أَعْظَمُ فِي صُدُوْرِ أَوْلِيَائِهِ وَ عِبَادِهِ المُـؤْمِنِيْنَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمُوْا فِي صِفَاتِهِ بِمُجَرَّدِ آرَائِهِمْ وَ اصْطِلاحَاتِهِمْ ، وَ عِبَارَاتِ مُتَكَلِّمِـيْهِمْ " ا.ه.[انظر : "مجموعة الرسائل والمسائل النجدية لبعض علماء نجد الأعلام" 3/113].

ليتيم الشافعي
2008-12-06, 09:06
ذم التأويل
بسم الله الرحمن الرحيم وبه المستعان وعليه التكلان
1 - الحمد لله عالم الغيب والشهادة نافذ الفضاء والإرادة المتفرد بتدبير الإنشاء والإعادة وتقدير الشقاء والسعادة خلق فريقا للإختلاف وفريقا للعبادة وقسم المنزلين بين الفريقين للذين أساءوا السوءى وللذين أحسنوا الحسنى وزيادة وصلى الله على سيدنا محمد المصطفى وآله صلاة يشرف بها معاده
2 - أما بعد فإني أحببت أن أذكر مذهب السلف ومن اتبعهم بإحسان رحمة الله عليهم في أسماء الله تعالى وصفاته ليسلك سبيلهم من أحب الإقتداء بهم والكون معهم في الدار الآخرة إذا كان كل تابع في الدنيا مع متبوعه في الآخرة وسالك حيث سلك موعودا بما وعد به متبوعه من خير وشر دل على هذا قوله تعالى والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه التوبة 100 وقوله سبحانه والذين آمنوا واتبعهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم الطور 21 وقال حاكيا عن إبراهيم عليه السلام فمن تبعني فإنه مني إبراهيم 36 وقال في ضد ذلك من يشاقق
الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى النساء 115 وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم المائدة 51 وقال فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار هود 97 98 فجعلهم أتباعا له في الآخرة إلى النار حين اتبعوه في الدنيا
3 - وجاء في الخبر أن الله يمثل لكل قوم ما كانوا يعبدون في الدنيا من حجر أو شجر أو شمس أو قمر أو غير ذلك ثم يقول أليس عدلا مني أن أولي كل إنسان ما يتولاه في الدنيا ثم يقول لتتبع كل أمة ما كانت تعبد في الدنيا فيتبعونهم حتى يهوونهم في النار
4 - فكذلك كل من اتبع إماما في الدنيا في سنة أو بدعة أو خير أو شر كان معه في الآخرة فمن أحب الكون مع السلف في الآخرة وأن يكون موعودأ بما وعدوا به من الجنات والرضوان فليتبعهم بإحسان ومن اتبع غير سبيلهم
دخل في عموم قوله تعالى ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى الآية النساء 115
5 - وجعلت هذا الكتاب على ثلاثة أبواب
الباب الأول في بيان مذهبهم وسبيلهم
والثاني في الحث على اتباعهم ولزوم أثرهم
والثالث في بيان صواب ما صاروا إليه وأن الحق فيما كانوا عليه ونسأل الله تعالى أن يهدينا وسائر المسلمين إلى صراطه المستقيم ويجعلنا وإياهم من ورثة جنة النعيم برحمته آمين

ليتيم الشافعي
2008-12-06, 09:10
في بيان مذهبهم في صفات الله تعالى
6 - ومذهب السلف رحمة الله عليهم الإيمان بصفات الله تعالى وأسمائه التي وصف بها نفسه في آياته وتنزيله أو على لسان رسوله من غير زيادة عليها ولا نقص منها ولا تجاوز لها ولا تفسير ولا تأويل لها بما يخالف ظاهرها ولا تشبيه بصفات المخلوقين ولا سمات المحدثين بل أمروها كما جاءت وردوا علمها إلى قائلها ومعناها إلى المتكلم بها
7 - وقال بعضهم ويروى ذلك عن الشافعي رحمة الله عليه آمنت بما جاء عن الله على مراد الله وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله ص -
8 - وعلموا أن المتكلم بها صادق لا شك في صدقه فصدقوه ولم يعلموا حقيقة معناها فسكتوا عما لم يعلموه وأخذ ذلك الآخر والأول ووصى بعضهم بعضا بحسن الإتباع والوقوف حيث وقف أولهم وحذروا من التجاوز لهم والعدول عن طريقهم وبينوا لهم سبيلهم ومذهبهم و نرجوا أن يجعلنا الله تعالى ممن اقتدى بهم في بيان ما بينوه وسلوك الطريق الذي سلكوه
9 - والدليل على أن مذهبهم ما ذكرناه أنهم نقلوا إلينا القرآن العظيم وأخبار الرسول نقل مصدق لها مؤمن بها قابل لها غير مرتاب فيها ولا شاك
في صدق قائلها ولم يفسروا ما يتعلق بالصفات منها ولا تأولوه ولا شبهوه بصفات المخلوقين إذ لو فعلوا شيئا من ذلك لنقل عنهم ولم يجز أن يكتم بالكلية إذ لا يجوز التواطؤ على كتمان ما يحتاج إلى نقله ومعرفته لجريان ذلك في القبح مجرى التواطؤ على نقل الكذب وفعل ما لا يحل بل بلغ من مبالغتهم في السكوت عن هذا إنهم كانوا إذا رأوا من يسأل عن المتشابه بالغوا في كفه تارة بالقول العنيف وتارة بالضرب وتارة بالإعراض الدال على شدة الكراهة لمسألته
10 - ولذلك لما بلغ عمرا رضي الله عنه أن صبيغا يسأل عن المتشابه أعد له عراجين النخل فبينما عمر يخطب قام فسأله عن الذاريات ذروا فالحاملات وقرا الذاريات 12 وما بعدها فنزل عمر فقال ما اسمك قال أنا عبد الله صبيغ قال عمر وأنا عبد الله عمر إكشف رأسك فكشفه فرأى عليه شعرا فقال له لو وجدتك محلوقا لضربت الذي فيه عيناك بالسيف ثم أمر فضرب ضربا شديدا وبعث به إلى البصرة وأمرهم أن لا يجالسوه فكان بها كالبعير الأجرب لا يأتي مجلسا إلا قالوا عزمة أمير المؤمنين فتفرقوا عنه حتى تاب وحلف بالله ما بقي يجد مما كان في نفسه شيئا فأذن عمر في مجالسته فلما خرجت الخوارج أتي فقيل له هذا وقتك فقال لا نفعتني موعظة العبد الصالح
11 - ولما سئل مالك بن أنس رضي الله عنه فقيل له يا أبا عبد الله الرحمن على العرش استوى طه 5 كيف استوى فأطرق مالك وعلاه الرحضاء يعني العرق وانتظر القوم ما يجئ منه فيه فرفع رأسه إليه وقال الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة وأحسبك رجل سوء وأمر به فأخرج
12 - وقد نقل عن جماعة منهم الأمر بالكف عن الكلام في هذا وإمرار أخبار الصفات كما جاءت ونقل جماعة من الأئمة أن مذهبهم مثل ما حكينا عنهم
13 - أخبرنا الشيخ أبو بكر عبد الله بن محمد بن أحمد النقور أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي بن الحسن الطريثيثي إذنا قال أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن الحسن الطبري قال أنبأنا أحمد بن محمد بن حفص أنبأنا أحمد بن محمد بن المسلمة حدثنا سهل بن عثمان بن سهل قال سمعت
إبراهيم بن المهتدي يقول سمعت داود بن طلحة يقول سمعت عبد الله بن أبي حنيفة الدوسي يقول سمعت محمد بن الحسن يقول اتفق الفقهاء كلهم من الشرق إلى الغرب على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله في صفة الرب عز و جل من غير تفسير ولا وصف ولا تشبيه فمن فسر شيئا من ذلك فقد خرج مما كان عليه النبي وفارق الجماعة فإنهم لم يصفوا ولم يفسروا ولكن آمنوا بما في الكتاب والسنة ثم سكتوا فمن قال بقول جهم فقد فارق الجماعة لأنه وصفه بصفة لا شيء
14 - وقال محمد بن الحسن في الأحاديث التي جاءت إن الله يهبط إلى السماء الدنيا ونحو هذا من الأحاديث إن هذه الأحاديث قد روتها الثقات فنحن نرويها ونؤمن بها ولا نفسرها
15 - أخبرنا المبارك بن علي الصيرفي إذنا أنبأنا أبو الحسن محمد بن مرزوق ابن عبد الرازق الزعفراني أنبأنا الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الطيب قال أما الكلام في الصفات فإن ما روي منها في السنن الصحاح مذهب السلف رضي الله عنهم إثباتها وإجراؤها على ظاهرها ونفي الكيفية والتشبيه عنها والأصل في هذا أن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات ويحتذى في ذلك حذوه ومثاله فإذا كان معلوما أن إثبات رب العالمين عز و جل إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف فكذلك إثبات صفاته إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف فإذا قلنا لله تعالى يد وسمع وبصر فإنما هو إثبات صفات أثبتها الله تعالى لنفسه ولا نقول إن معنى اليد القدرة ولا أن معنى السمع والبصر العلم ولا نقول إنها الجوارح ولا نشبهها بالأيدي والأسماع والأبصار التي هي جوارح وأدوات الفعل ونقول إنما ورد إثباتها لأن التوقيف ورد بها ووجب نفي التشبيه عنها لقوله تبارك وتعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير الشورى 11 وقوله عز و جل ولم يكن له كفوا أحد الإخلاص 4

ليتيم الشافعي
2008-12-06, 09:16
16 - أخبرنا محمد بن حمزة بن أبي الصقر قال أنبأنا أبو الحسن علي بن أحمد ابن منصور بن قبيس الغساني أنبأنا أبي قال قال أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني إن أصخاب الحديث المتمسكين بالكتاب والسنة يعرفون ربهم تبارك وتعالى بصفاته التي نطق بها كتابه وتنزيله وشهد له بها رسوله على ما وردت به الأخبار الصحاح ونقله العدول الثقات ولا يعتقدون تشبيها لصفاته بصفات خلقه ولا بكيفونها تكييف المشبهة ولا يحرفون الكلم عن مواضعه تحريف المعتزلة والجهمية وقد أعاذ الله أهل السنة من التحريف والتكييف ومن عليهم بالتفهيم والتعريف حتى سلكوا سبيل التوحيد والتنزيه وتركوا القول بالتعطيل والتشبيه واتبعوا قوله عز من قائل ليس كمثله شيء وهو السميع البصير الشورى 11
17 - وذكر الصابوني الفقهاء السبعة ومن بعدهم من الأئمة وسمى خلقا كثيرا من الأئمة وقال كلهم متفقون لم يخالف بعضهم بعضا ولم يثبت عن واحد منهم واحد منهم ما يضاد ما ذكرناه
18 - أخبرنا الشريف أبو العباس مسعود بن عبد الواحد بن مطر الهاشمي قال أنبأنا الحافظ أبو العلاء صاعد بن سيار الهروي أنبأنا أبو الحسن علي ابن محمد الجرجاني أنبأنا أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي أنبأنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي قال اعملوا رحمنا الله وإياكم أن مذهب أهل الحديث أهل السنة والجماعة الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله وقبول ما نطق به كتاب الله تعالى وصحت به الرواية عن رسول الله لا معدل عما ورد به ولا سبيل إلى رده إذ كانوا مأمورين باتباع الكتاب والسنة مضمونا لهم الهدى فيهما مشهودا لهم بأن نبيهم يهدي إلى صراط مستقيم محذرين في مخالفته الفتنة والعذاب الأليم ويعتقدون أن الله تعالى مدعو بأسمائه الحسنى وموصوف بصفاته التي سمى ووصف بها نفسه ووصفه بها نبيه خلق آدم بنفسه و يداه مبسوطتان ينفق كيف يشآء المائدة 64 بلا اعتقاد كيف وأنه عز و جل استوى على العرش ولم يذكر كيف كان استواؤه
19 - وقال يحيى بن عمار في رسالته نحن وأئمتنا من أصحاب الحديث وذكر الأئمة وعد منهم ومن قبلهم من الصحابة ومن بعدهم لا يستحل أحد منا ممن تقدم أو تأخر أن يتكلف أو يقصد إلى قول من عنده في الصفات أو في تفسير كتاب الله عز و جل أو معاني حديث رسول الله أو زيادة على ما في النص أو نقصان منه ولا نغلو ولا نشبه ولا نزيد على ما في الكتاب والسنة
20 - وقال الإمام محمد بن إسحاق بن خزيمة إن الأخبار في صفات الله موافقة لكتاب الله تعالى نقلها الخلف عن السلف قرنا بعد قرن من لدن الصحابة والتابعين إلى عصرنا هذا على سبيل الصفات لله تعالى والمعرفة والإيمان به والتسليم لما أخبر الله تعالى في تنزيله ونبيه الرسول عن كتابه مع اجتناب التأويل والجحود وترك التمثيل والتكييف
21 - أخبرنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن أحمد قال أنبأنا أبو بكر الطريثيثي إجازة أنبأنا أبو القاسم هبة الله أنبأنا محمد بن أحمد بن عبيد أنبأنا محمد بن الحسن أنبأنا أحمد بن زهير حدثنا عبد الوهاب بن نجدة الحوطي حدثنا بقية حدثنا الأوزاعي قال كان الزهري ومكحول يقولان أمروا هذه الأحاديث كما جاءت
2 - قال أبو القاسم حدثنا محمد بن رزق الله حدثنا عثمان بن أحمد حدثنا عيسى بن موسى قال سمعت أبي يقول سمعت سفيان بن عيينة يقول كل ما وصف الله تعالى به نفسه في القرآن فقراءته تفسيره ولا كيف ولا مثل
23 - وعن أحمد بن نصر أنه سأل سفيان بن عيينة فقال حديث عبد الله أن الله يجعل السماء على اصبع وحديث إن قلوب العباد بين اصبعين من أصابع الرحمن وإن الله يعجب أو يضحك ممن يذكره في
الأسواق وأنه عز و جل ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة ونحو هذه الأحاديث فقال هذه الأحاديث نرويها ونقربها كما جاءت بلا كيف
24 - وقال أبو بكر الخلال أخبرني أحمد بن محمد بن واصل المقرئ حدثنا الهيثم بن خارجة حدثنا الوليد بن مسلم قال سألت مالك بن أنس وسفيان الثوري والليث بن سعد والأوزاعي عن الأخبار التي في الصفات فقالوا أمروها كما جاءت
25 - قال يحيى بن عمار وهؤلاء أئمة الأمصار فمالك إمام أهل الحجاز والثوري إمام أهل العراق والأوزاعي إمام أهل الشام والليث إمام أهل مصر والمغرب
26 - وقال أبو عبيد ما أدركنا أحدا يفسر هذه الأحاديث ونحن لا نفسرها
27 - وذكر عباس الدوري قال سمعت يحيى بن معين يقول شهدت زكريا ابن عدي سأل وكيع بن الجراح فقال يا أبا سفيان هذه الأحاديث

ليتيم الشافعي
2008-12-06, 09:26
يعني مثل الكرسي موضع القدمين فقال أدركنا إسماعيل بن أبي خالد وسفيان ومسعرا يحدثون بهذه الأحاديث ولا يفسرون شيئا
28 - قال أبو عمر بن عبد البر روينا عن مالك بن أنس وسفيان الثوري وسفيان ابن عيينة والأوزاعي ومعمر بن راشد في حديث الصفات أنهم كلهم قالوا أمروها كما جاءت
29 - قال رجل من فقهاء المدينة إن الله تبارك وتعالى علم علما علمه العباد وعلم علما لم يعلمه العباد فمن يطلب العلم الذي لم يعلمه العباد لم يزدد منه إلا بعدا والقدر منه
30 - وقال سعيد بن جبير ما لم يعرفه البدريون فليس من الدين
31 - قال أبو عمر ما جاء عن النبي من نقل الثقات أو جاء عن الصحابة رضي الله عنهم فهو علم يدان به وما أحدث بعدهم ولم يكن له أصل فيما جاء عنهم فبدعة وضلالة وما جاء في أسماء الله وصفاته عنهم سلم له ولم يناظر فيه كما لم يناظروا فيه
32 - وقال أبو بكر الخلال أخبرنا المروذي قال سألت أبا عبد الله عن
أخبار الصفات فقال نمرها كما جاءت
33 - قال وأخبرني علي بن عيسى أن حنبلا حدثهم قال سألت أبا عبد الله عن الأحاديث التي تروى إن الله تبارك وتعالى ينزل كل ليلة إلى السمآء الدنيا و أن الله يرى وإن الله يضع قدمه وما أشبهه فقال أبو عبد الله نؤمن بها ونصدق بها ولا كيف ولا معنى ولا نرد منها شيئا ونعلم أن ما جاء به الرسول حق إذا كانت بأسانيد صحاح ولا نرد على رسول الله قوله ولا يوصف الله تعالى بأكثر مما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله بلا حد ولا غاية ليس كمثله شيء وهو السميع البصير الشورى 11 ولا يبلغ الواصفون صفته وصفاته منه ولا نتعدى القرآن والحديث فنقول كما قال ونصفه كما وصف نفسه ولا نتعدى ذلك نؤمن بالقرآن كله محكمه ومتشابهه ولا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شنعث
34 - وذكر شيخ الإسلام أبو الحسن علي بن أحمد بن يوسف القرشي الهكاري قال أنبأنا أبو القاسم عبد الله بن الحسن بن محمد بن الخلال
حدثنا محمد بن العباس المخلص أنبأنا أبو بكر بن أبي داود حدثنا الربيع بن سليمان قال سألت الشافعي رضي الله عنه عن صفات من صفات الله تعالى فقال حرام على العقول أن تمثل الله تعالى وعلى الأوهام أن تحده وعلى الظنون أن تقطع وعلى النفوس أن تفكر وعلى الضمائر أن تعمق وعلى الخواطر أن تحيط وعلى العقول أن تعقل إلا ما وصف به نفسه في كتابه أو على لسان نبيه
35 - وقال يونس بن عبد الأعلى سمعت أبا عبد الله محمد بن إدريس الشافعي يقول وقد سئل عن صفات الله تعالى وما يؤمن به فقال لله تعالى أسماء وصفات جاء بها كتابه وأخبر بها نبيه لا يسع أحدا من خلق الله تعالى قامت عليه الحجة ردها لأن القرآن نزل بها وصح عن رسول الله القول بها فإن خالف ذلك بعد ثبوت الحجة عليه فهو كافر بالله تعالى فأما قبل ثبوت الحجة عليه من جهة الخبر فمعذور بالجهل لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا بالرؤية ولا بالفكر
36 - وقال ابن وضاح كل من لقيت من أهل السنة يصدق بها لحديث التنزل وقال ابن معين صدق به ولا تصفه وقال أقروه ولا تحدوه
- وروي عن الحسن البصري أنه قال لقد تكلم مطرف على هذه الأعواد بكلام ما قيل قبله ولا يقال بعده قالوا وما هو يا أبا سعيد قال قال الحمد لله الذي من الإيمان به الجهل بغير ما وصف به نفسه
38 - وقال سحنون من العلم بالله السكوت عن غير ما وصف به نفسه
39 - أخبرنا أبو الحسن سعد الله بن نصر بن الدجاجي الفقيه قال أنبأنا الإمام الزاهد أبو منصور محمد بن أحمد الخياط أنبأنا أبو طاهر عبد الغفار بن محمد بن جعفر أنبأنا أبو علي بن الصواف أنبأنا بشر بن موسى أنبأنا أبو بكر عبد الله بن الزبير الحميدي قال أصول السنة فذكر أشياء ثم قال وما نطق به القرآن والحديث مثل وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم المائدة 64 ومثل والسموات مطويات بيمينه الزمر 67 وما أشبه هذا من القرآن والحديث لا نزيد فيه ولا نفسره ونقف على ما وقف عليه القرآن والسنة ونقول الرحمن على العرش استوى ومن زعم غير هذا فهو معطل جهمي
40 - أخبرنا يحيى بن محمود إجازة قال أنبأنا جدي الحافظ أبو القاسم قال ما جاء في الصفات في كتاب الله تعالى أو روي بالأسانبد الصحيحة فمذهب السلف رحمة الله عليهم إثباتها وإجراؤها على ظاهرها ونفي الكيفية عنها لأن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات وإثبات الذات إثبات وجود لا إثبات كيفية فكذلك إثبات الصفات وعلى هذا مضى السلف كلهم وقد سبق ذكرنا لقول مالك حين سئل عن كيفية الاستواء
41 - وروى قرة بن خالد عن الحسن عن أمه عن أم سلمة أنها قالت في قول الله تعالى الرحمن على العرش استوى الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإقرار به إيمان والجحود له كفر
42 - وقال ربيعة بن أبي عبد الرحمن الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول ومن الله الرسالة ومن الرسول البلاغ وعلينا التصديق

ليتيم الشافعي
2008-12-06, 09:29
43 - وهذه الأقوال الثلاثة متقاربة المعنى واللفظ فمن المحتمل أن يكون ربيعة ومالك بلغهما قول أم سلمة فاقتديا بها وقالا مثل قولها لصحته وحسنه وكونه قول إحدى أزواج النبي ومن المحتمل أن يكون الله تعالى وفقهما للصواب وألهمهما من القول السديد مثل ما ألهمهما
44 - وقولهم الاستواء غير مجهول أي غير مجهول الوجود لأن الله تعالى أخبر به وخبره صدق يقينا لا يجوز الشك فيه ولا الإرتياب فيه فكان غير مجهول لحصول العلم به وقد روي في بعض الألفاظ الاستواء معلوم
45 - وقولهم الكيف غير معقول لأنه لم يرد به توقيف ولا سبيل إلى معرفته بغير توقيف
46 - والجحود به كفر لأنه رد لخبر الله وكفر بكلام الله ومن كفر بحرف متفق عليه فهو كافر فكيف بمن كفر بسبع آيات ورد خبر الله تعالى في سبعة مواضع من كتابه والإيمان به واجب لذلك
47 - والسؤال عنه بدعة لأنه سؤال عما لا سبيل إلى علمه ولا يجوز الكلام فيه ولم يسبق في ذلك في زمن رسول الله ولا من بعده من أصحابه
48 - فقد ثبت ما ادعيناه من مذهب السلف رحمة الله عليهم بما نقلناه عنهم جملة وتفصيلا واعتراف العلماء من أهل النقل كلهم بذلك ولم أعلم عن أحد منهم خلافا في هذه المسألة بل قد بلغني عمن يذهب إلى
التأويل لهذه الأخبار والآيات الاعتراف بأن مذهب السلف فيما قلناه ورأيت لبعض شيوخهم في كتابه قال اختلف أصحابنا في أخبار الصفات فمنهم من أمرها كما جاءت من غير تفسير ولا تأويل مع نفي التشبيه عنها وهو مذهب السلف فحصل الإجماع على صحة ما ذكرناه والحمد لله
الباب الثاني في بيان وجوب اتباعهم والحث على لزوم مذهبهم وسلوك سبيلهم وبيان ذلك من الكتاب والسنة وأقوال الأئمة
49 - وأما الكتاب فقول الله تعالى ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وسآءت مصيرا النساء 115 فتوعد على اتباع غير سبيلهم بعذاب جهنم ووعد متبعهم بالرضوان والجنة فقال تعالى والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه التوبة 100 فوعد المتبعين لهم بإحسان بما وعدهم به من رضوانه وجنته والفوز العظيم
50 - ومن السنة قول النبي عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة
51 - فأمر بالتمسك بسنة خلفائه كما أمر بالتمسك بسنته وأخبر أن المحدثات بدع وضلالة وهو ما لم يتبع فيه سنة رسول الله ولا سنة أصحابه
52 - وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال قال رسول الله ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذوا النعل بالنعل حتى لو كان فيهم من يأتي أمه علانية لكان في أمتي من يفعل ذلك إن بني إسرائيل افترقوا على ثنتين وسبعين فرقة ويزيدون عليها ملة وفي رواية وأمتي ثلاثا وسبعين ملة كلها في النار إلا واحدة قالوا يا رسول الله من الواحدة قال ما أنا عليه وأصحابي وفي رواية الذي أنا عليه وأصحابي
53 - فأخبر النبي أن الفرقة الناجية هي التي تكون على ما كان عليه هو وأصحابه فمتبعهم إذا يكون من الفرقة الناجية لأنه على ما هم عليه ومخالفهم من الاثنتين والسبعين التي في النار ولأن من لم يتبع السلف رحمة الله عليهم وقال في الصفات الواردة في الكتاب والسنة قولا من تلقاء نفسه لم يسبقه إليه السلف فقد أحدث في الدين وابتدع وقد قال النبي كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة
54 - وروى جابر قال كان رسول الله يقول أما بعد فأحسن الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة أخرجه مسلم في صحيحه
55 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد يعني مردود
56 - وروى عبد الله بن عكيم قال كان عمر يعني بن الخطاب رضي الله عنه يقول إن أصدق القيل قيل الله ألا وإن أحسن الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة ضلالة
57 - وعن الأسود بن هلال قال قال عبد الله يعني بن مسعود رضي الله عنه إن أحسن الهدي هدي محمد وإن أحسن الكلام كلام الله وإنكم ستحدثون ويحدث لكم وكل محدثة ضلالة وكل ضلالة في النار

ليتيم الشافعي
2008-12-06, 09:32
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
http://islamport.com/w/aqd/Web/2623/1.htm (http://islamport.com/w/aqd/Web/2623/1.htm)
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

محمد ناصر الدين
2008-12-06, 09:41
الأخ الكريم , ليس السقاف الذي نقل عن السلف التأويل , إنما هم كبار الأئمة : كالإمام البيهقي , والإمام الطبري , والإمام النسفي , والإمام القرطبي , والإمام ابن كثير , والإمام الألوسي , الإمام ابن الجوزي , وغيرهم ....



تأويلات السلف الصالح لنصوص الصفات

إن الخلف من علماء الأمة حين سلكوا مذهب التأويل لم يبتدعوا قولاً ومنهجاً من عند أنفسهم، لكنهم سلكوا بهذا مسلك جماعات كثيرة من السلف الصالح قالوا بالتأويل وأخذوا به - كما مرّ معنا - وهذا يدلّ قطعاً على سنّية هذا المنهج وأصالته وشرعيته، ولقد نقل العلماء تأويلات ثلة من أكابر السلف الصالح، من ذلك على سبيل المثال:
تأويل ابن عباس رضي الله عنهما للكرسي بالعلم:
جاء في تفسير الطبري (3 / 7) عند تفسيره لآية الكرسي ما نصّه (اختلف أهل التأويل في معنى الكرسي الذي أخبر الله تعالى ذكره في هذه الآية أنه وسع السموات والأرض، فقال بعضهم: هو علم الله تعالى ذكره.... وأما الذي يدُلُّ على ظاهر القرآن فقول ابن عباس الذي رواه جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير أنه قال: هو علمه..) اهـ.
تأويله رضي الله عنه لمجيء الرب جلّ وعزّ:
جاء في تفسير النسفي رحمه الله تعالى (4 / 378)عند قوله تعالى ( وجاء ربك والمَلَك صفّاً صفَّا ) ما نصّه (هذا تمثيل لظهور آيات اقتداره وتبيين آثار قهره وسلطانه، فإن واحداً من الملوك إذا حضر بنفسه ظهر بحضوره من آثار الهيبة ما لا يظهر بحضور عساكره وخواصّه، وعن ابن عباس: أمره وقضاؤه) اهـ.
ونقل الإمام القرطبي نحو هذا عن الحسن البصري، وقال هناك نقلاً عن بعض الأئمة ما نصّه (تفسير القرطبي 20 / 55):
(جعل مجيء الآيات مجيئاً له تفخيماً لشأن تلك الآيات، ومنه قوله تعالى في الحديث " يا ابن آدم مرضت فلم تعدني.. واستسقيتك فلم تسقني.. واستطعمتك فلم تطعمني ".. والله جلّ ثناؤه لا يوصف بالتحول من مكان إلى مكان، وأنّى له التحول والانتقال ولا مكان له ولا أوان، ولا يجري عليه وقت ولا زمان، لأن في جريان الوقت على الشيء فوْتَ الأوقات، ومن فاته شيء فهو عاجز) اهـ.
تأويله رضي الله عنه للفظ (الأعين):
قال تعالى ( واصنع الفلك بأعيننا ) قال رضي الله عنه: بمرأى منا (تفسير البغوي 2 / 322). وقال تعالى ( واصبر لحكم ربك فإنّك بأعيننا ) قال رضي الله عنه: نرى ما يعمل بك (تفسير الخازن 4 / 190).
تأويله رضي الله عنه للفظ (الأيد):
قال تعالى ( والسماء بنيناها بأييد )قال رضي الله عنه: بقوّة وقدرة (القرطبي17 / 52).
تأويله رضي الله عنه لقوله تعالى ( الله نور السموات والأرض )
جاء في تفسير الطبري (18/135) ما نصّه ( عن ابن عباس قوله ( الله نور السموات والأرض ) يقول: الله سبحانه هادي أهل السموات والأرض ).
تأويله رضي الله عنه لنصوص (الوجه):
قال تعالى ( ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) قال رضي الله عنه: الوجه عبارة عنه. وقال القرطبي في تفسيره: أي ويبقى الله فالوجه عبارة عن وجوده وذاته سبحانه.. وهذا الذي ارتضاه المحققون من علمائنا ابن فورك وأبو المعالي وغيرهم.. وقال أبو المعالي: وأما الوجه المراد به عند معظم أئمتنا وجود الباري تعالى (القرطبي 17 / 165).
تأويله رضي الله عنه للفظ (الساق):
قال تعالى ( يوم يُكشف عن ساق ) قال رضي الله عنه: عن كرب شديـد (الطبري 29 / 38، القرطبي 18 / 249).
تأويله رضي الله عنه للفظ (الجنب):
قال تعالى: ( أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرّطت في جنب الله ) قال رضي الله عنه: تركت من طاعة الله وأمر الله وثوابه (روح المعاني الآية 56 من الزمر).
قال الإمام الألوسي رحمه الله تعالى: (وبالجملة لا يمكن إبقاء الكلام على حقيقته لتنزهه عزّ وجلّ من الجنب بالمعنى الحقيقي، ولم أقف على عدِّ أحـد من السلف إياه من الصفات السمعية) اهـ. (المصدر السابق).
هذا هو سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما وناهيك بابن عباس فقهاً وعلماً بالقرآن والتنزيل، وهو الذي دعـا له رسول الله ‘بقوله: (اللهمّ فقّهه في الدين وعلمه التأويل) وهو حبر الأمة وترجمان القرآن.
هذا والذي ذهب إليه الأشاعرة والماتريدية في هذه النصوص هو عين ما نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما، فإن جاز اتهام الأشاعرة والماتريدية بالتعطيل والابتداع، جاز ذلك على سيدنا ابن عباس - معاذ الله - وحاشاه أن يقول في الله تعالى ما ليس له به علم.
ألا فليتق الله! امرؤ جاءته موعظة من ربه، وليَنْتَهِ! عن التطاول على أئمة الدين وعلماء الشرع الذي هو في حقيقة الأمر تطاول على صحابة رسول الله ‘والتابعين لهم بإحسان !.
تأويل مجاهد والسدي للفظ (الجنب):
جاء في تفسير الطبري رحمه الله (24 / 19)عند قوله تعالى ( أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرّطت في جنب الله ) قال مجاهد: في أمر الله، وقال السدي: على ما تركت من أمر الله.
تأويل الضحاك وقتادة وسعيد بن جبير للفظ (الساق):
جاء في تفسير الطبري (29 / 38 – 39) عند قوله تعالى ( يوم يُكشف عن ساق ) قال الضحاك: هو أمر شديد، وقال قتادة: أمر فظيع وشدّة الأمر، وقال سعيد: شدة الأمر.
وقال الإمام الطبري قبل هذا بأسطر: (قال جماعة من الصحابة والتابعين من أهل التأويل: يبدو عن أمر شديد) اهـ.
تأويل سفيان الثوري وابن جرير الطبري للاستواء:
قال الإمام الطبري (1 / 192)فيتفسيرقوله تعلى ( ثم استوي إلى السماء ) بعد أن ذكر معاني الاستواء في اللغة، ما نصّه: (علا عليهن وارتفع، فدبرهن بقدرته....علا عليها علو ملك وسلطان، لا علو انتقال وزوال)
وأوّل سفيان الثوري الاستواء على العرش: بقصد أمره، والاستواء إلى السماء: بالقصد إليها (مرقاة المفاتيح 2 / 137).
تأويل مجاهد والضحاك وأبي عبيدة للفظ (الوجه):
قال تعالى ( فأينما تولُّوا فثم وجه الله ) قال مجاهد رحمه الله: قبلة الله. (الطبري 1 / 402، الأسماء والصفات للبيهقي ص/309، وصححه ابن تيمية عنهما كما في العقود الدرية ص/247ـ248)
وقال الضحاك وأبو عبيدة في قوله تعالى ( كلُّ شـئ هالك إلا وحهه ) : أي إلا هو (دفع شبه التشبيه ص / 113).
تأويل الإمام الشافعي رضي الله عنه للفظ (الوجه):
حكى المزني عن الشافعي في قوله تعالى (فثم وجه الله) قال: يعني والله أعلم فثم الوجه الذي وجهكم الله إليه. (الأسماء والصفات للبيهقي ص/309).
تأويل الإمام الطبري للفظ (العين):
قال رحمه الله في تفسير قوله تعالى ( ولتصنع على عيني ) بمرأى مني ومحبة وإرادة (16 / 123).
تأويل الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه لحديث النزول:
سئل الإمام مالك - رحمه الله - عن نزول الرب عزّ وجلّ، فقال (ينزل أمره - تعالى - كل سَحَر، فأما هو عزّ وجلّ فإنه دائم لا يزول ولا ينتقل سبحانه لا إله إلى هو) اهـ.
(التمهيد 7 / 143، سير أعلام النبلاء 8 / 105، الرسالة الوافية لأبي عمرو الداني ص/136، شرح النووي على صحيح مسلم 6 / 37، الإنصاف لابن السيد البطليوسي ص / 82).
تأويل الإمام أحمد رضي الله عنه مجيء الله تعالى:
جاء في كتاب البداية والنهاية للإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى (10 / 361) ما نصّه:
(روى البيهقي عن الحاكم عن عمرو بن السماك عن حنبل أن أحمد بن حنبل تأوّل قول الله تعالى ( وجاء ربك ) أنه جاء ثوابه. ثم قال البيهقي: وهذا إسناد لا غبار عليه) اهـ.
ونقل الحافظ ابن الجوزي عن القاضي أبي يعلى عن الإمام أحمد في قولـه تعالـى: ( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام ) أنه قال: المراد به قدرته وأمره. قال: وقد بيّنه في قوله تعالى ( أو يأتى أمر ربك ) ومثل هذا في القرآن ( وجاء ربك ) قال: إنما هو قدرته. (دفع شبه التشبيه ص/ 141).
تأويل الحسن البصري رضي الله عنه:
قال رضي الله تعالى عنه في قوله تعالى: ( وجاء ربك ) : جاء أمره وقضاؤه. وعن الكلبي: جاء حكمه (تفسير البغوي 4 / 454).
وعنه رضي الله عنه في قوله تعالى ( أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله ) قال:في طاعة الله. (انظر روح المعاني تفسير الآية 56 من سورة الزمر).
تأويل الإمام البخاري رضي الله عنه للضحك:
قال الإمام البيهقي - رحمه الله تعالى - في كتـاب " الأسمـاء والصفـات " (ص / 470): (باب ما جاء في الضحك.. عن أبي هريرة أن رسول الله صلى عليه وسلم قال: " يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة..." قال: قال البخاري معنى الضحك الرحمة. قال أبو سليمان – يعني الخطابي - قول أبي عبد الله قريب، وتأويله على معنى الرضى لفعلهما أقرب وأشبه، ومعلوم أن الضحك من ذوي التمييز يدلُّ على الرضى، والبشر والاستهلال منهم دليل قبول الوسيلة، ومقدّمة إنجاح الطَّلِبة، والكرام يوصفون عند المسألة بالبشر وحسن اللقاء، فيكون المعنى في قوله " يضحك الله إلى رجلين " أي يُجزل العطاء لهما لأنه موجَب الضحك ومقتضاه)’اهـ.
قال الحافظ ابن حجر (فتح الباري 6 / 486) مؤكداً مؤيداً لما ذهب إليه أبو سليمان الخطابي والأعلام المنزهون العارفون بالله تعالى:
(قلت ويدلّ على أن المراد بالضحك الإقبال بالرضا تعديته بـ " إلى "، تقول: ضحك فلان إلى فلان. إذا توجّه إليه طلْق الوجه مظهراً للرضا به) اهـ.
تأويل الإمام البخاري للفظ (الوجه):
قال الإمام البخاري - رحمه الله - في تفسير قوله تعالى: ( كلّ شـئ هالك إلا وجهه )إلا ملكه. ويقـال: إلا ما أريـد به وجـه الله (الصحيـح كتـاب التفسيـر سـورة القصص، فتحالبـاري 8/ 364) اهـ.

محمد ناصر الدين
2008-12-06, 09:43
وقد مرّ معنا نقلُ إجماع الأمة على منهج التأويل حيث قال الحافظ أبو الحسن علي بن القطان الفاسي رحمه الله تعالى (الإقناع في مسائل الإجماع 1 / 32 – 33) (وأجمعوا أنه تعالى يجيء يوم القيامة والملك صفاً صفاً لعرض الأمم وحسابها وعقابها وثوابها، فيغفر لمن يشاء من المؤمنين ويعذب منهم من يشاء، كما قال تعالى، وليس مجيئه بحركة ولا انتقال.
وأجمعوا أنه تعالى يرضى عن الطائعين له، وأن رضاه عنهم إرادته نعيمهم.
وأجمعوا أنه يحب التوابين ويسخط على الكافريـن ويغضب عليهم، وأن غضبه إرادته لعذابهم، وأنه لا يقوم لغضبه شيء) اهـ.
وإجماع الأمة على صرف لفظ المجيء عن ظاهره المحال في حق الله تعالى وهو الحركة والانتقال إجماع على التفويض، وإجماعهم على حمل لفظ الرضا على إرادة الإحسـان والنعيم، ولفظ الغضب على إرادة العقاب والانتقام إجماع على التأويل، وبهذا يتأكد ما ذكرناه سابقاً أن هذين المذهبين التفويض والتأويل هما المذهبان المعتبران اللذان ارتضتهما الأمة وعوّلت عليهما، وما نقلناه من تأويلات سلفنا الصالح غيض من فيض وزهرة من روض، ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى كتب التراث من تفسير وحديث وأصول وغيرها، ليقف على ما يثلج صدر كل موحد منزه.
تنبيه
شبهة تتردد على ألسنة المثبتين لظواهر نصوص المتشابه، وهي:
إثبات المعاني الإجمالية لهذه النصوص لا ينفي إثبات الصفة الواردة في النص، مثال ذلك قول الله تعالى( بل يداه مبسوطتان ) يقولون: نحن لا ننكر أن النص يفيد إثبات الجود والكرم له تعالى ونفي البخل عنه، فإن معنى بسط اليد مشهور عند العرب، بيد أن هذا لا ينفي إثبات صفة اليد لله تعالى. وقس على هذا جميع النصوص الواردة في الصفات.
هذا تقرير هذه الشبهة.
وفي جوابها نقول:
إن أريد بإثبات الصفات إثباتها على ما جاءت دون تفسير ولا تعيين معنى وإنما يكتفي بتلاوتها والسكوت عليهـا، وذلك - قطعاً - بعد صرفها عن ظاهرها المحال في حق الله تعالى ولا يقال بالذات أو حقيقة، فذلك حق لا ريب فيه، وهو ذاته مذهب السلف الصالح، وهو لا ينافي - كما مر معنا - مذهب الخلف، وشرح هذا على المثـال الذي ضربناه أن يقال: جاء في النص أن لله تعالى يدين، إذاً نثبت لله تعالى يدين ليستا بجارحتين، ثم نسكت، ونفوض العلم بالمراد إلى الله تعالى، فهذا مسلك لا اختلاف في صحته، وهو بعينه مسلك السلف الصالح، أما إن أريد بالإثبات حملُها على ظاهر اللفظ المحال وعلى الحقيقة اللغوية المعهودة فهو باطل قطعاً، ولقد نقلنا عن علماء الأمة ما يدحضه وينفيه فلا نعيده.
على أننا نقول: ليس كل ما يضاف إلى الله تعالى يراد به إثبات صفة لله تعالى، إذ قد تكون الإضافة من باب المشاكلة والمقابلة كالاستهزاء والمكر والخداع وما جرى هذا المجرى، فلا يثبت بما كان من هذا القبيل من الألفاظ صفة لله تعالى، كأن يقال لله مكر يليق به أو استهزاء يليق به، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً، ومن ذلك أيضاً ما كان صفة نقص كالملل والنسيان والمرض والتعجب والتردّد ونحو ذلك، فكل هذا وأمثاله الله تعالى منزه عنه بالإجماع، فلا يوصف الله تعالى بشيء من ذلك، ومنه أيضاً ما كان مشهوراً في معنى مجازي كلفظ الجنب والأصبع ونحوه، فهذا وبابه لا خلاف في حمله على ما اشتهر فيه.
نقل الحافظ ابن حجر عن ابن دقيق العيد (فتح الباري 13 / 395) ما نصّه:
(نقول في الصفات المشكلة أنه حق وصدق على المعنى الذي أراده الله، ومن تأوّلها نظرنا فإن كان تأويله قريباً على مقتضى لسان العرب لم ننكره عليه، وإن كان بعيداً توقفنا عنه ورجعنا إلى التصديـق مع التنزيه، وما كان منها معناه ظاهراً مفهوماً من تخاطب العرب حملناه عليه، مثل قوله تعالى ( على ما فرّطت في جنب الله ) فإن المراد به في استعمالهم الشائع حق الله فلا يتوقف في حمله عليه، وكذا قوله ‘ "إن قلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن " فإن المراد به إرادة قلب ابن آدم مصرفة بقدرة الله وما يوقعه فيه، وكذا قوله تعالى ( فأتى الله بنيانهم من القواعد ) معنـاه خرب الله بنيانهـم، وقوله ( إنما نطعمكم لوجه الله ) معنـاه لأجـل الله، وقس على ذلـك، وهو تفصيـل بالغ قلّ من تيقظ له) اهـ.
وقال الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله تعالى (تعريف عام بدين الإسلام ص/82):
(إذا كانت اللغات تعجز عن الإحاطة بالمشاعر الإنسانية وتضيق عنها، فهي عن أن تحيط بصفات الله أعجز وأضيق، فلا يجوز إذن أن تفهم الكلمات الواردة في آيات الصفات بالمعنى " القاموسي"، ولا يجوز أن نقول: إن لله يداً كأيدينا لقوله تعالى: ( يد الله فوق أيديهم )ولأن معنى اليد في " القاموس " يدل على ذلك. هذا هو الأساس في فهم آيات الصفات، لقوله تعالى( ليس كمثله شـئ ) ولأن الخالق لا يشبه المخلوق.
ولا يجوز كذلك أن ننفي عنها كل معنى، وأن نعطلها من الدلالة. فالله لم ينزل القرآن ليعطل عن معانيه، ولم يجعله ألفاظاً جوفاء لا تدل على شيء.
فكيف إذن نفهم آيات الصفات؟
لقد وجدت أن هذه الآيات على ثلاثة أشكال:
1- آيات وردت على سبيل الإخبار من الله كقوله ( الرحمن على العرش استوي ) فنحن لا نقول: إنه ما استوى،فنكون قد نفينا ما أثبته الله، ولا نقول: إنه استوى على العرش كما يستوي القاعد على الكرسي، فنكون قد شبهنا الخالق بالمخلوق، ولكن نؤمن بأن هذا هو كلام الله، وأن لله مراداً منه لم نفهم حقيقته وتفصيله، لأنه لم يبين لنا مفصلاً، ولأن العقل البشري يعجز عن الوصول إلى ذلك بنفسه، ولا نخوض فيه بل نتبع فيه طريق السلف، والسلف لم يبحثوا فيه أصلاً، ولم يقولوا " حقيقة " ولم يقولوا "مجازاً ".
2- آيات وردت على الأسلوب المعروف عند علماء البلاغة بالمشاكلة.... والآيات الواردة على هذا الأسلوب كثيرة، كقوله تعالى: ( نسوا الله فنسيهم ) ... ومن أمثالها آية : ( ومكروا ومكر الله ) وآية: ( يخادعون الله وهو خادعهم )
3- آيات دلّت على المراد منها آيات أخرى، كقوله تعالى: ( وقالت اليهود يد الله مغلولة غلّت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ) تدل على المراد منها آية: ( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط ) ويفهم منها أن بسط اليد يراد به الكرم والجود ولا يستلزم ذلك " بل يستحيل " أن يكون لله تعالى يدان حقيقيتان كأيدي الناس وقد جاء في القرآن قوله: ( بين يدي رحمته ) و( بين يدى عذاب شديد ) والقرآن ( لا يأتيه الباطل بين يديه ) وليس للرحمة ولا للعذاب ولا للقرآن يدان حقيقيتان) اهـ.
ومما هو جدير بالتنبيه عليه والتحذير منه ذلك المنهج الغريب والمسلك الشاذ عن أصول المنهج العلمي لا سيما في مجـال العقيدة وأبواب الصفات التي نيطت بالقطعي واليقيني من الأدلة، ذلك المنهج الذي طفق أصحابه يثبتون صفات لله تعالى بأحاديث وآثار لا تصلح أن تكون دليلاً في جزئيات فروع الفقه فضلاً عن أصول الديانات وما يتعلق منها بذات الله تعالى وصفاته، وهؤلاء متناقضون في أحكامهم أشد التناقض وأصرحه، فبينما هم يتساهلون هنا في جانب الإثبات، ويثبتون لله تعالى الصفات بأحاديث واهية وأخبار ضعيفة، تراهم يتشددون في جانب الفروع الفقهية، بل أبواب الترغيب والترهيب وأبواب فضائل الأعمال - هذه الأبواب التي تساهل العلماء في قبول الأحاديث فيها بالشروط المعروفة - وينكرون على الناس العمل بالأحاديث الضعيفة في هذه الأبواب، ثم يثبتون لله تعالى صفات بمثل هذه الأحاديث التي أنكروها، بل أضعف منها وأوهى، فيتشدّدون في مواطن التسهيل ويتساهلون في المواطن التي يجب التشدد والتيقن فيها مثل العقائد، هذا مع افتراضنا أن مضمون هذه الأحاديث والآثار التي يثبتون بها لله تعالى الصفات مما لا يحيله العقل والنقل، فكيف والأمر على النقيض من ذلك ومضمونها وظواهرها مما قطعت العقول الصريحة والنقول الصحيحة باستحالته وتنزه الله تعالى عنه، لا شك أن البلية في هذه الحال تكون أعظم والخطر أجسم.
ولقد نقلنا قبل عن الإمام الأبي في شرحه على صحيح مسلم (7 / 54) قاعدة ذهبية في أبواب الصفات، لا بأس بإعادتها لتستقر في الأذهان والعقول، قال رحمه الله تعالى:(القاعدة التي يجب اعتبارها أن ما يستحيل نسبته للذات أو الصفات يستحيل أن يرد متواتراً في نص لا يحتمل التأويل، وغاية المتواتر أن يرد فيما دلالته على المحال دلالة ظاهرة، والظاهر يقبل التأويل، فإن ورد يجب صرف اللفظ عن ظاهره المستحيل، ثم اختلف فوقف أكثر السلف عن التأويل، وقالوا نؤمن به على ما هو عند الله سبحانه في نفس الأمر، ونكِلُ علم ذلك إلى الله سبحانه، وقال قوم بل الأولى التأويل.. وإن ورد خبر واحد نصّاً في محال قطع بكذب راويه، وإن كان محتملاً للتأويل يتصرف فيه كما سبق) اهـ.
ومضمون هذه القاعـدة مما اجتمعت عليه عقول أعلام الأمة وأئمـة المسلميـن والعارفين بالله، وهذا مما يدل يقيناً على خطأ هؤلاء المجازفين.
قال الحافظ ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - (دفع شبه التشبيه 155):
(لا تنفع ثقة الرواة إذا كان المتن مستحيلاً، وصار هذا كما لو أخبرنا جماعة من المعدّلين: بأن جمل البزاز دخل في خرم إبرة الخياط، فإنه لا حكم لصدق الرواة مع استحالة خبرهم) اهـ.
وبهذا نختم هذا الباب، ونمسك القلم عن الإسهاب، لننتقل إلى باب آخر من الحديث نثبت فيه كون الأشاعرة والماتريدية غالب الأمة المحمدية، وعلى الله التكلان.

ليتيم الشافعي
2008-12-06, 10:12
بسم الله الرحمن الرحيم


الدليل والبرهان

على أن إجماع السلف إثبات الصفات لله عز وجل كما يليق بشأنه تبارك وتعالى

إن العجب لا يكاد ينتهي من الكوثري وأمثاله و فروخه من الذين ينسبون للسلف الصالح التفويض

في آيات الصفات وعدم البحث عن المراد منها .

و إن ما نقله العلماء من العبارات المختلفة لفظًا ، والمتحدة معنى على أن إجماع السلف في الصفات أنما

هم إثباتها مع الرد على المعطلة النافين لها ، والممثلة المشبهين لها بصفات الخلق كثير جدا في الرد على

دعوى أولئك .

وإليك طائفة مباركة منها:

1) قال الوليد بن مسلم : سألت الأوزاعي ومالك بن أنس وسفيان الثوري ، والليث بن سعد ـــ

رحمهم الله ـــ: عن الأحاديث التي في الصفات ؟ فكلهم قالوا لي : أمـُّروها كما جاء بلا تفسير . وفي رواية :

بلا كيف .

2) قال ربيعة الرأي ، ومالك رحمهما الله وغيرهما : " الاستواء غير مجهول ، والكيف غير

معقول، والإيمان به واجب " .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في " الفتوى الحموية " ( ص 109 مطبعة السنة المحمدية ) .

" فقول ربيعة ، ومالك : الاستواء غير مجهول ......" موافق لقول الباقين ، " أمروها كما جاءت بلا

كيف ": فإنما نفوا علم الكيفية ، ولم ينفوا حقيقة الصفة . ولو كان القوم آمنوا باللفظ المجرد من غير فهم

لمعناه على ما يليق بالله لما قالوا : " الاستواء غير مجهول ، والكيف غير معقول " ولما قالوا : " أمروها

كما جاءت بلا كيف ، فإن الاستواء حينئذ لا يكون معلومًا ، بل يكون مجهولا ً بمنزلة حروف المعجم " !

وأيضًا فإنه لا يحتاج إلى نفي علم الكيفية ،إذا لم يفهم عن اللفظ معنى ، وإنما يحتاج إلى نفي علم الكيفية

إذا أثبت الصفات .

وأيضًا، فإن من ينفي الصفات الجزئية – أو الصفات مطلقًا – لا يحتاج إلى أن يقول " بلا كيف " ، فمن

قال : " إن الله ليس على العرش " لا يحتاج أن يقول " بلا كيف " ، فلو كان مذهب السلف نفي الصفات في

نفس الأمر ، فلما قالوا : " وبلا كيف " .

وأيضًا فقولهم " أمروها كما جاءت " يقتضي إبقاء دلالتها على ما هي عليه ، فإنها جاءت ألفاظًا دالة على

معاني ، فلو كانت دلالتها منتفية لكان الواجب أن يقال : " أمروا لفظها مع اعتقاد أن المفهوم منها غير

مراد , أو أمروا لفظها مع اعتقاد أن من الله لا يوصف بما دلت عليه حقيقة "، وحينئذ تكون قد أمرت كما

جاءت ، ولا يقال حينئذ " بلا كيف " ، إذ نفي الكيف عما ليس بثابت لغو من القول " .

3) قال الإمام الخطابي رحمه الله :" مذهب السلف في الصفات إثباتها ، وإجراؤها على ظاهرها ،

ونفي الكيفية والتشبيه عنها " .

4) قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله :

" أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة في الكتاب والسنة وحملها على الحقيقة لا على المجاز

، إلا أنهم لم يكيفوا شيئًا من ذلك . وأما الجهمية والمعتزلة والخوارج فكلهم ينكرها ولا يحمل منها شيئًا

على الحقيقة ، ويزعمون أن من أقر بها مشبه ، وهم عند من أقر بها نافون للمعبود " .

5)قال الحافظ الخطيب رحمه الله تعالى :

( أما الكلام في الصفات ، فإن ما روى منها في السنن الصحاح ، مذهب السلف رضوان الله عليهم إثباتها

وإجراؤها على ظواهرها ، ونفي الكيفية والتشبيه عنها. وقد نفاها قوم فأبطلوا ما أثبته الله سبحانه .

وحققها من المثبتين قوم فخرجوا في ذلك إلى ضرب من التشبيه والتكييف . والقصد إنما هو سلوك الطريقة

المتوسطة بين الأمرين ، ودين الله بين الغالي فيه والمقصر عنه .

والأصل في هذا أن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات و يحـتـَذي في ذلك حذوه ومثاله . فإذا كان

معلومًا أن إثبات رب العالمين عز وجل إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية . فكذلك إثبات صفاته إنما هو

إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف .

فإذا قلنا : لله تعالى يد ، وسمع ، وبصر ، فإنما هي صفات أثبتها الله تعالى لنفسه , ولا نقول : إن معنى اليد

القدرة ، ولا إن معنى السمع والبصر العلم ، ولا نقول : إنها جوارح ، ولا نشبهها بالأيدي والأسماع

والأبصار التي هي جوارح وأدوات للفعل ، ونقول : إنما وجب إثباتها لأن التوقيف ورد بها ، ووجب نفي

التشبيه عنها لقوله تبارك وتعالى ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) وقوله عز وجل ( ولم يكن له

كفواً أحد ) .

ولما تعلق أهل البدع على عيب أهل النقل برواياتهم هذه الأحاديث ولبسوا على من ضَعُفَ علمه ُ بأنهم

يروون ما لا يليق بالتوحيد ولا يصح في الدين ، ورموهم بكفر أهل التشبيه ، وغفلة أهل التعطيل أجيبوا بأن

في كتاب الله تعالى آيات محكمات يفهم منها المراد بظاهرها ، وآيات متشابهات لا يوقف على معناها إلا

بردها إلى المحكم ، ويجب تصديق الكل والإيمان بالجميع ، فكذلك أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم جارية

هذا المجرى ، ومنزلة على هذا التنزيل ، يرد المتشابه منها إلى المحكم ، ويقبل الجميع ..).

ولذا قال شيخنا العلامة الألباني رحمه الله عقب كلام الخطيب رحمه الله السابق :

(( فاحفظ هذا الأصل من الكلام في الصفات وافهمه جيداً ، فإنه مفتاح الهداية والاستقامة عليها ، وعليه

اعتمد الإمام الجويني حين هداه الله تعالى لمذهب السلف في الاستواء وغيره كما تقدم ذكره عنه ، وهو عمدة

المحققين كلهم في تحقيقاتهم لهذه المسألة كابن تيمية وابن القيم وغيرهما )).

و لتوثيق النقول يراجع العلو للعلي الغفار للإمام الذهبي رحمه الله

ليتيم الشافعي
2008-12-06, 10:56
الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة


http://arabic.islamicweb.com/Books/Taimiya.asp?book=101&ID=1

ليتيم الشافعي
2008-12-06, 14:11
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الإمام البخاري رحمه الله يثبت صفة الوجه فلا مجال للأفتراء عليه بأنه يؤول صفة الوجه !!!

وأما قوله في تفسير سورة القصص فهو كلام عن تفسير آية في معرض معين فقد يختلف السلف في دلالة آية على صفة من الصفات دون اختلافهم في إثبات الصفة، كما اختلفوا في دلالة يوم يكشف عن ساق في دلالتها على الصفة مع اتفاقهم على ثبوت الصفة بالسنة .

و ظاهر كلام الامام البخاري هنا أنه يثبت الوجه صفة لله، فإنه نقل الخلاف في المراد بها ولم ينقل الخلاف في الصفة، فقال : "(كل شيء هالك إلا وجهه) إلا ملكه ويقال إلا ما أريد به وجه الله"، فكأنه قال : قيل في تفسير الآية إلاّ ملكه، وقيل الصفة، ولم ينكر هذا القول فدل ذلك على أن أصل إثبات الصفة مستقر عنده، وقد وضح ذلك الكتاب الذي ساقه لأجل إثبات الصفات بجلاء إذ ذكر فيه نصوص إثبات الوجه لله جل جلاله.

2 - ان الامام الحافظ ابن كثير قال في تفسيره :

( قال مجاهد والثوري في قوله { كل شيء هالك إلا وجهه } أي إلا ما أريد به وجهه وحكاه البخاري في صحيحه كالمقرر له ))

فهنا نرى ان الحافظ ابن كثير نقل تفسير الامام البخاري الصحيح و و هو : الا ما اريد به وجهه , سبحانه و تعالى وفيها : اثبات صفة الوجه , فقول البخاري : الا ما اريد به وجهه , اثبات لصفة الوجه !!! فأين تذهب من هذا التقرير السلفي للامام البخاري ؟؟؟؟؟

3- نحن نعرف ان لصحيح البخاري روايات متعددة و نسخ كثيرة , فقول المغربي - هداه الله - ( لأن نسخ البخاري كلها متفقة على هذا )
قول متسرع و صاحب جرأة فهلا اطلع على جميع نسخ و مرويات البخاري ليقول ما قاله ؟؟؟

و لمزيد فائدة :

فقد ذكر الحافظ ابن حجر قولا يفيد في ان هذه اللفظة من رواية النسفي فقال :

قوله إلا وجهه إلا ملكه في رواية النسفي وقال معمر فذكره ومعمر هذا هو أبو عبيدة بن المثنى وهذا كلامه في كتابه مجاز القرآن لكن بلفظ إلا هو وكذا نقله الطبري عن بعض أهل العربية )

فهنا نرى ان ان هذه اللفظة في رواية النسفي , و بهذا القول اخذ الشيخ الالباني رحمه الله .




4- لم ينقل عن احد الائمة الثقات من اهل السنة ان كلام البخاري هذا تأويل , فهل مر عليهم مرور الكرام ؟؟؟

5- قول الامام الالباني : (هذا لا يقوله ‏مسلم مؤمن ) اي يؤول الوجه و يقول هي الملك ! فأين نفى البخاري : ان الوجه ليس صفة لله بل هو الملك ؟؟



6 - ثم جنح الاخ المغربي - هداه الله - الى التكفير و هذا من مصائب الصوفية - الغمارية و الاحباش على وجه الخصوص - فتكفير المعين مثل شرب الماء عندهم !!!

و تحرير ذلك كالاتي :

فرق بين ان يطلق امام سني التكفير على العموم و التكفير على المعين ( او الشخص ) و الذي اطلقه الامام الالباني رحمه الله كان كالاتي :

( هذا لا يقوله ‏مسلم مؤمن) فأين تكفير الامام البخاري يا مفتري ؟؟

ثم ان التكفير عند اهل السنة بالاساس مختلف عن ما هو عند الاحباش و الغماريين - فغالب كتب و مواقع الطائفتين المذكورتين تكفير للمعين كتكفير شيخ الاسلام و ابن القيم و غيرهم من ائمة السنة - فهم يسقطون التكفير على العمل اما تكفير المعين فله ضوابط فليس لكل من هب و دب ان يفتي بذلك !!!

و اضف الى سابقه ان هناك ائمة اجلاء كالحافظ ابن حجر و النووي و غيرهم و قعوا في تأويلات نتيجة وجودهم في بيئات مشبعة بعلم الكلام و غيره و لكن هذا لا يجعلنا نكفرهم بل نرى انهم اجتهدوا خصوصا انهم من اهل السنة و الحديث و تحروا و اجتهدوا و لم يوافقوا الاشاعرة في الكثير من الاقوال

و هنا مثلا : نرى ان الشيخ احمد الغماري كان سلفي العقيدة ّ!! و لا يستطيع بلديه المغربي الصوفي ان ينكر ذلك !!! و انى له ذلك و الغماري يسب الاشاعرة و يصفهم بأنهم ..... و انهم ..... الخ كلامه من الالفاظ المستشنعة و البشعة في حقهم , فهلا كفرته يا مغربي صوفي .؟

ليتيم الشافعي
2008-12-06, 14:15
قال ابن أبي حاتم في تفسيره ج9/ص3028
قوله تعالى كل شيء هالك الا وجهه
17214 حدثنا الحسن بن عرفة ثنا عمار بن محمد عن ابي سعيد عن خصيف عن مجاهد في قول الله كل شيء هالك الا وجهه قال الا ما اريد به وجهه
17215 حدثنا ابي ثنا محمود بن خالد ثنا الوليد عن عطاء بن مسلم الحلبي عن سفيان الثوري في قول الله كل شيء هالك الا وجهه قال كل شيء هالك الا ما ابتغى به وجهه من الاعمال الصالحة
وفي تفسير الثوري ج1/ص234
كل شيء هالك إلا وجهه قال ما أريد به وجهه
وقال في الدر المنثور ج6/ص447:
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس رضي الله عنهما كل شيء هالك إلا وجهه إلا ما يريد به وجهه
وقد جمع ابن كثير رحمه الله بين القولين في تفسيره ج3/ص404فقال :
وقوله كل شيء هالك إلا وجهه إخبار بأنه الدائم الباقي الحي القيوم الذي تموت الخلائق ولا يموت كما قال تعالى كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام فعبر بالوجه عن الذات وهكذا قوله ها هنا كل شيء هالك إلا وجهه أي إلا إياه وقد ثبت في الصحيح من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أصدق كلمة قالها الشاعر لبيد إلا كل شيء ما خلا الله باطل وقال مجاهد والثورى في قوله كل شيء هالك إلا وجهه أي إلا ما أريد به وجهه وحكاه البخاري في صحيحه كالمقرر له قال بن جرير ويستشهد من قال ذلك بقول الشاعر
أستغفر الله ذنبا لست محصيه رب العباد إليه الوجه والعمل
وهذا القول لا ينافي القول الأول فإن هذا إخبار عن كل الأعمال بأنها باطلة إلا ما أريد به وجه الله تعالى من الأعمال الصالحة المطابقة للشريعة والقول الأول مقتضاه أن كل الذوات فانية وزائلة إلا ذاته تعالى وتقدس فإنه الأول الاخر الذي هو قبل كل شيء وبعد كل شيء قال أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا في كتاب التفكر والإعتبار حدثنا أحمد بن محمد بن أبي بكر حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا عمر بن سليم الباهلي حدثنا أبو الوليد قال كان بن عمر إذا أراد أن يتعاهد قلبه يأتي الخربة فيقف على بابها فينادى بصوت حزين فيقول أين أهلك ثم يرجع إلى نفسه فيقول كل شيء هالك إلا وجهه وقوله له الحكم أي الملك والتصرف ولا معقب لحكمه وإليه ترجعون أي يوم معادكم فيجزيكم بأعمالكم إن خيرا فخير وإن شرا فشر آخر تفسير سورة القصص ولله الحمد والمنة. انتهى كلامه
وصفة الوجه ثابتة لله تعالى من الأدلة السابقة ومن قوله تعالى {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ }الرحمن27
قال البيهقي الاعتقاد ج1/ص88
باب ذكر آيات وأخبار وردت في إثبات صفة الوجه واليدين والعين وهذه صفات طريق إثباتها السمع فنثبتها لورود خبر الصادق بها ولا نكيفها قال الله تبارك وتعالى ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام فأضاف الوجه إلى الذات وأضاف النعت إلى الوجه فقال ذو الجلال والإكرام ولو كان ذكر الوجه صلة ولم يكن للذات صفة لقال ذي الجلال والإكرام فلما قال ذو الجلال والإكرام علمنا أنه نعت للوجه وهو صفة للذات .ا.هـ
وهناك أدلة كثيرة من السنة على إثبات هذه الصفة
وأحيانا يعبر الله سبحانه بالوجه عن الجهة كما في قوله تعالى أينما تولوا فثم وجه الله
وهذه كما أشار الإخوة من كلام شيخ الإسلام أنها ليست من آيات الصفات
وأحيانا يعبر بالوجه ويريد الذات الإلهية كلها كما في قوله الآية التي بوب لها البخاري وهي تدل على الذات وتدل على الصفة أيضا على سبيل التضمن كما ذكر شيخنا ابن عثيمين رحمه الله في شرح الواسطية
ومن ذلك قوله سبحانه: "كل شيء هالك إلا وجهه" (القصص/88) وقوله " وما تنفقون إلا ابتغاء وجـه الله " (البقرة/272) وقوله: "والذين صيروا ابتغاء وجه ربهم" (الرعد/22) وحديث قصة الثلاثة الذين حُبِسوا في الغار وفيه: "اللهم إن كنت فعـلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحـن فيه " البخـاري برقم : (2272) ومسلم برقم : (2743).
وهذه النصوص وسواها ربما وجدت تفسيرها عند بعض العلماء بلازمها كتفسيرها بالذات الإلهية أو كما وجدتها عند البخاري أعلاه وكما روي عن بعض السلف كما أشرت لك وهؤلاء كلهم يثبتون الصفة ولا يعني أنهم إذا فسروا بعض النصوص بلازمها أن هذا تأويل منهم للصفة إذ إن مذهبهم إثبات الصفات فلا يحكم عليهم من خلال نص دلالته ليست صريحة على المطلوب والله أعلم
__________________

ليتيم الشافعي
2008-12-06, 14:55
القول الجلي في تخريج أثر ابن عباس في تفسير الكرسي


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهد الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .

أمّا بعدُ،،،
فهذا تحقيق لما روي عن ابن عباس في تفسير الكرسي ، دفعني إلي ذلك أن المبتدعة يستدلون ببعض هذه الروايات على بدعهم ، وأن أحد الأخوة وجدته صحح ما استدل به المبتدعة في تحقيقه ( ! ) لـ " البداية والنهاية " ، وهذا التحقيق مخطوط حتى الساعة – أسأل الله أن يظل هكذا إلى الأبد – ، ثم رأيت أن أضيف في الخاتمة أربعة شواهد للأثر .

أسأل الله – سبحانه وتعالى – أن يغفر لي ، وأن يجعل هذا العمل خالصاً لوجه الكريم ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

وبعد ،،،

فقد روي عن ابن عباس أنه قال : " كرسيه علمه " .
أخرجه ابن جرير الطبري في " تفسيره " ( 3 / 15 ) ، وابن أبي حاتم – كما في " تفسير ابن كثير " ( 1 / 457 ) – ، والطبراني في " كتاب السنة " – ومن طريقه ابن حجر في " تغليق التعليق " ( 4 / 185 ) – ، وعبد بن حميد – كما في " تغليق التعليق " ( 4 / 186 ) و " فتح الباري " ( 8 / 47 ) ، و " الدر المنثور " ( 2 / 17 ) – ، وابن منده في " الرد على الجهمية " ، وابن حجر في " تغليق التعليق " ( 4 / 185 – 186 ) .
من طرق عن مطرف ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، { وسع كرسيه } قال : كرسيه علمه .

قال ابن منده : " ولم يُتابع عليه جعفر ، وليس هو بالقوي في سعيد بن جبير " ، وأقره الذهبي في " الميزان " ( 2 / 148 ) ثم قال : " قد روى عمار الدهني ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : كرسيه موضع قدمه ، والعرش لا يقدر قدره " .
فكأنه يشير إلى أن هذه الرواية هي المحفوظة .

وقال ابن كثير في " تفسيره " ( 1 / 457 ) : " وعن ابن عباس وسعيد بن جبير أنهما قالا في قوله – تعالى – { وسع كرسيه السموات والأرض } ، أي : علمه ، والمحفوظ عن ابن عباس كما رواه الحاكم في مستدركه وقال : إنه على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، من طريق سفيان الثوري ، عن عمار الدهني ، عن مسلم البطين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، أنه قال : " الكرسي موضع القدمين ، والعرش لا يقدر قدره إلا الله – عز وجل – " .

وقال أبومنصور الأزهري في " تهذيب اللغة " ( 10 / 54 ) : " والذي روي عن ابن عباس في الكرسي أنه العلم ، فليس مما يثبته أهل المعرفة بالأخبار " .

قلت : هذا الإسناد ظاهره أنه حسن ، ولكنه منكر ؛ فإن رجاله ثقات سوى جعفر بن أبي المغيرة وثقه أحمد وابن حبان ( تهذيب التهذيب 1 / 388 ) ، ولكن سبق قول ابن منده : " ليس بالقوي في سعيد بن جبير " ، وهذا فيه زيادة علم ، فنضعفه في سعيد بن جبير ، هذا وقد خولف فيه كما سيأتي .

وخالف مطرف ، سفيان الثوري فرواه في " تفسيره " – كما في " فتح الباري " ( 1 / 47 ) – عن جعفر ، عن سعيد بن جبير موقوفاً .
وأخرجه عنه ابن حجر في " تغلق التعليق " ( 4 / 185 ) ، وعلّقه البخاري في " صحيحه " ( 1 / 46 – فتح ) .
والعهدة في هذا الاختلاف على جعفر بن أبي المغيرة نفسه .


وخالف جعفر بن أبي المغيرة ، مسلم البطين فرواه عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله – تعالى – : { وسع كرسيه السموات والأرض } ، قال : " الكرسي : موضع القدمين ، ولا يقدر أحد قدره " .
أخرجه الدارقطني في " الصفات " ( 36 ) ، و " النزول " ( ص 49 ) ، والخطيب في " تاريخ بغداد " ( 5 / 251 ) .
عن أحمد بن منصور الرمادي ، عن أبي عاصم الضحاك بن مخلد ، عن سفيان ، عن عمار الدهني ، عن مسلم البطين ، به .
وهذا الإسناد صحيح ؛ مسلم البطين احتج به مسلم ، ووثقه أحمد وابن معين وأبوحاتم والنسائي وابن حبان ( تهذيب التهذيب 5 / 431 ) .
وعمار الدهني وثقه أحمد وابن معين وأبوحاتم والنسائي وابن حبان ( تهذيب التهذيب 4 / 255 ) .
وبقية رجاله ثقات .

وقد توبع أحمد بن منصور الرمادي ، فتابعه محمد بن معاذ ، عن أبي عاصم ، به .
أخرجه الحاكم في " المستدرك " ( 2 / 282 ) ، وقال : " صحيح على شرط الشيخين " ، ووافقه الذهبي .

وتابعهما محمد بن بشار ، عن أبي عاصم ، به .
أخرجه ابن خزيمة في " التوحيد " ( ص 107 ) .

وتابعهم الحسن بن علي ، عن أبي عاصم ، به .
أخرجه أبوجعفر بن أبي شيبة في " كتاب العرش " ( 61 ) .

وتابعهم أبومسلم الكجي ، عن أبي عاصم ، به .
أخرجه الخطيب في " تاريخ بغداد " ( 5 / 251 ) ، والهروي في " الأربعين في دلائل التوحيد " ( 14 ) ، والطبراني في " كتاب السنة " ، ومن طريقه الضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة " ( 10 / 311 / 332 ) .
أبومسلم الكجي وثقه الدارقطني ( سير أعلام النبلاء 13 / 424 ) ، وقال الذهبي ( 13 / 423 ) : " الشيخ الإمام الحافظ المعمر شيخ العصر " .

وقد اضطرب فيه أبومسلم فرواه مرة أخرى عن أبي عاصم ، عن سفيان ، عن عمار الدهني ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، به .
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " ( 12 / 39 / 12404 ) ، ومن طريقه الضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة " ( 10 / 310 / 331 ) .
وقال الهيثمي في " المجمع " ( 6 / 323 ) : " رواه الطبراني ، ورجاله رجال الصحيح " .
قلت : هذا الإسناد منقطع ؛ عمار الدهني لم يسمع من سعيد بن جبير كما قال أبوبكر بن عياش ( تهذيب التهذيب 4 / 255 ) .


وقد توبع عليه أبا عاصم نفسه فتابعه عليه من هذا الوجه ، عبدالرحمن بن مهدي ، عن سفيان ، عن عمار الدهني ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، به .
أخرجه عبدالله بن أحمد في " السنة " ( 2 / 454 / 1020 ) عن أبيه ، وأبوالشيخ في " العظمة " ( 2 / 584 / 28 ) عن محمد بن المثنى ، كلاهما عن ابن مهدي ، به .
وهذا الإسناد منقطع ، كما سبق .
وخالفهم أحمد بن حنبل ومحمد بن المثنى ، يعقوب بن إبراهيم فرواه عن ابن مهدي ، عن سفيان ، عن عمار الدهني ، عن مسلم البطين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، به .
أخرجه الخطيب في " تاريخ بغداد " ( 5 / 251 ) .
ويعقوب بن إبراهيم هو ابن كثير مولى عبدالقيس ، احتج به الشيخان ، ووثقه النسائي وابن حبان ، وقال أبوحاتم : " صدوق " .


وتابع أبا عاصم عليه من الوجه الأول ، وكيع فرواه في " تفسيره " – كما في " تفسير ابن كثير " ( 1 / 457 ) – ، عن سفيان ، عن عمار الدهني ، عن مسلم البطين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، به .
وأخرجه عنه عبدالله بن أحمد في " السنة " ( 1 / 301 / 586 ) و ( 2 / 454 / 1021 ) ، و ابن خزيمة في " التوحيد " ( ص 108 ) ، وعثمان بن سعيد الدارمي في " نقض بشر المريسي " ( 1 / 400 و 412 و 423 ) ، والدارقطني في " الصفات " ( 37 ) ، والهروي في " الأربعين في دلائل التوحيد " ( 14 )، والخطيب في " تاريخ بغداد " ( 5 / 251 ) .
وهذا الإسناد صحيح .

وتابع سفيان ، قيس فرواه عن عمار الدهني ، عن مسلم البطين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، به .
أخرجه الفريابي – كما في " الدر المنثور " ( 2 / 17 ) – ، ومن طريقه أبوالشيخ في " العظمة " ( 2 / 582 ) .
وإسناده صحيح .

وخالف أبا عاصم الضحاك بن مخلد وعبدالرحمن بن مهدي ووكيع ، أبوأحمد الزبيري فرواه عن سفيان ، عن عمار الدهني ، عن مسلم البطين ، موقوفاً عليه من قوله .
أخرجه ابن جرير الطبري في " تفسيره " ( 3 / 16 ) .
وهذا الإسناد منكر ؛ أبوأحمد الزبير هو عبدالله بن الزبير ثقة ثبت إلا أنه قد يُخطئ في حديث الثوري كما في " التقريب " ( 2 / 95 ) ، وقد أخطأ في هذا الأثر .


وخالف أحمد بن منصور الرمادي ومحمد بن معاذ ومحمد بن بشار والحسن بن علي وأبومسلم الكجي ، شجاع بن مخلد فرواه في " تفسيره " – كما في " الرد على الجهمية " لابن منده ( ص 45 ) ، و " تاريخ بغداد " ( 5 / 251 ) ، و " تفسير ابن كثير " ( 1 / 457 ) ، و " البداية والنهاية " ( 1 / 13 ) – عن أبي عاصم ، عن سفيان ، عن عمار الدهني ، عن مسلم البطين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : سئل النبي – صلى الله عليه وسلم – عن قول الله – تعالى – { وسع كرسيه السموات والأرض } ، قال : " كرسيه : موضع قدمه ، والعرش لا يقدر قدره إلا الله – عز وجل – " .
وأخرجه عنه العقيلي في " الضعفاء " – كما في " تهذيب التهذيب " ( 2 / 482 ) ، و " تغليق التعليق " ( 4 / 186 ) ، و " فتح الباري " ( 8 / 47 ) – ، والطبراني في " كتاب السنة " – كما في " فتح الباري " ( 8 / 47 ) – ، وابن منده في " الرد على الجهمية " ( ص 44 ) ، وابن مردويه في " تفسيره " – كما في " تفسير ابن كثير " ( 1 / 457 ) – ، والخطيب في " تاريخ بغداد " ( 5 / 251 ) – ومن طريقه ابن الجوزي في " العلل المتناهية " ( 1 / 22 / 4 ) ، وأبوالحسن علي بن عمر الحربي في " فوائده " – كما في " فتح الباري " ( 8 / 47 ) – ، والضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة " ( 10 / 311 – 310 / 333 ) ، وابن الجوزي في " العلل المتناهية " ( 1 / 22 / 4 ) .

قال ابن الجوزي : " هذا الحديث وهم شجاع بن مخلد في رفعه ، فقد رواه أبومسلم الكجي وأحمد بن منصور الرمادي كلاهما عن أبي عاصم فلم يرفعاه ، ورواه عبدالرحمن بن مهدي ووكيع كلاهما عن سفيان فلم يرفعاه بل وقفاه على ابن عباس ، وهو الصحيح .
وكان ابن عباس يفسر معنى الكرسي وأنه موضع قدمي الجالس ؛ ليخرجه عن قول من يقول : أن الكرسي بمعنى العلم " .

وقال العقيلي : " إن رفعه خطأ " .

وقال ابن كثير في " تفسيره " ( 1 / 457 ) : " وهو غلط " .
وقال في " البداية والنهاية " ( 1 / 13 ) : " والصواب أنه موقوف على ابن عباس " .

وقال ابن أبي العز في " شرح العقيدة الطحاوية " ( ص 369 ) : " وقد روي مرفوعاً ، والصواب أنه موقوف على ابن عباس " .
وقال ( ص 371 ) : " والظاهر أنه من جراب الكلام المذموم " .

قلت : شجاع بن مخلد وإن كان ثقة – فقد وثقه أحمد وابن معين وأبوزرعة وابن حبان ( تهذيب التهذيب 2 / 482 ) – إلا أنه قد خالفه من هو أوثق منه فرووه موقوفاً على ابن عباس كما سبق .


الخلاصة :
يتلخص مما سبق أن ما روي عن ابن عباس أن كرسيه علمه منكر ، والمحفوظ عنه أنه قال : " الكرسي : موضع القدمين " ، وعندي أن عمار الدهني كان يرويه على الوجهين متصلاً ومرسلاً ، هذا إن لم نرجح المتصل .
وقد رجح ابن جرير الطبري في " تفسيره " ( 1 / 17 ) تفسيره بالعلم ، وإنا لله وإنا إليه راجعون ، وسيكون لنا بحث في الرد عليه وبيان أن معنى الكرسي هو موضع القدمين .

وأقول : إن مثل هذا لا يُقال من قِبل الرأي ، وابن عباس لم يكن من المكثرين من الأخذ عن أهل الكتاب ، ولكن عندي أن هذا الأثر ليس حكم الرفع ؛ لأن ذلك المعنى معروف في لغة العرب ، وراجع " لسان العرب " ( 6 / 194 ) .

وله شاهد عن أبي موسى الأشعري قال : " الكرسي موضع القدمين ، وله أطيط كأطيط الرحل " .
أخرجه ابن جرير الطبري في " تفسيره " ( 3 / 15 ) ، وعبدالله بن أحمد في " السنة " ( 1 / 302 – 303 / 588 ) ، وأبوجعفر بن أبي شيبة في " كتاب العرش " ( 60 ) ، وأبوالشيخ في " العظمة " ( 3 / 627 / 56 ) ، والبيهقي في " الأسماء والصفات " ( ص 509 – 510 ) .
من طريق عبدالصمد بن عبدالوارث ، قال : ثني أبي ، قال : ثني محمد بن جحادة ، عن سلمة بن كهيل ، عن عمارة بن عمير ، عن أبي موسى ، قال : " الكرسي : موضع القدمين ، وله أطيط كأطيط الرحل " .

قال الألباني في " مختصر العلو " ( ص 124 ) : " إسناده موقوف صحيح " .

قلت : بل ضعيف ؛ فإن رجاله ثقات رجال الشيخين ، ولكن عمارة بن عمير لا يُعرف له رواية عن أبي موسى ، وإنما يروي عن ابنه إبراهيم .

وأما قول الكوثري في " التعليق على الأسماء والصفات " ( ص 510 ) : " ذكره البخاري في الضعفاء " .
فقد تعقبه الألباني يقوله : " كذا قال ، هو خطأ محض ، ولست أدري إذا وقع ذلك منه سهواً أم عمداً ، فالرجل قد بلونا منه المغالطة التي تشبه الكذب نفسه ، كما بين ذلك العلامة اليماني في رده العظيم عليه المسمى : " التنكيل بما جاء في تأنيب الكوثري من الأباطيل " ، أقول هذا لأن عمارة بن عمير تابعي ثقة اتفاقاً ، وقد أخرج له الشيخان في " صحيحيهما " ، وقال الحافظ : " ثقة ثبت " ، ومثله لا يمكن أن يخفى على مثل الكوثري ، وليس هو في " ضعفاء البخاري " كما زعم ، وإنما فيه عمارة بم جوين وهذا متروك ! فغفرانك اللهم " . ا هـ .

وعبدالصمد بن عبدالوارث صدوق صالح الحديث كما قال أبوأحمد الحاكم ( تهذيب التهذيب 3 / 455 ) .

ولكن الأثر ثابت عن أبي موسى فقد عزاه ابن حجر في " الفتح " ( 1 / 47 ) ، والسيوطي في " الدر المنثور " ( 2 / 17 ) ، إلى ابن المنذر ، وقال ابن حجر : " إسناده صحيح " .

وله شاهدين مرفوعين ، عن أبي هريرة وأبي ذر .

فأما حديث أبي هريرة فد رواه ابن مردويه في " تفسيره " – كما في " تفسير ابن كثير " ( 1 / 457 ) – من طريق الحكم بن ظهير الفزاري الكوفي ، عن السدي ، عن أبي ، عن أبي هريرة ، مرفوعاً .

قال ابن كثير : " لا يصح " .

قلت : هذا الإسناد منكر جداً ؛ الحكم بن ظهير قال البخاري : " متروك الحديث ، تركوه " ، وقال أبوحاتم : " متروك الحديث ، لا يكتب حديثه " ، وقال أبوزرعة : " واهي الحديث ، متروك الحديث " ، وقال ابن معين : " ليس بثقة " ( تهذيب التهذيب 1 / 575 ) .

وقد خالفه أسباط بن نصر فرواه عن السدي موقوفاً .
أخرجه ابن جرير الطبري في " تفسيره " ( 1 / 14 ) .
وهذا أصح ، ولكنه ضعيف أيضاً ؛ فإن أسباط صدوق كثير الخطأ كما في " التقريب " ( 1 / 76 ) .

وقد خالفهما إسرائيل فرواه عن السدي ، عن أبي مالك في قوله – عز وجل – : { وسع كرسيه السموات والأرض } ، قال : " إن الصخرة التي تحت الأرض السابعة ومنتهى الخلق على أرجائها أربعة من الملائكة ، لكل مالك منهم أربعة وجوه وجه إنسان ، ووجه أسد ، ووجه نسر ، ووجه ثور ، فهم قيام عليها ، قد أحاطوا ، وضوء والسموات ورؤوسهم تحت الكرسي ، والكرسي تحت العرش " ، قال : " وهو واضع رجليه – تبارك وتعالى – على الكرسي " .
أخرجه عبدالله بن أحمد في " السنة " ( 1 / 303 / 589 ) حدثني أبي ، نا رجل ، ثنا إسرائيل ، به .
وإسناده ضعيف ؛ لجهالة شيخ أحمد فيه .

وأما حديث أبي ذر فرواه أبوالشيخ في " العظمة " ( 2 / 587 / 31 ) من طريق أصبغ بن الفرج ، قال : سمعت عبدالرحمن بن زيد بن أسلم ، يقول عن أبيه : إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : " ما السموات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس " ، قال ابن زيد : فقال أبوذر – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – : " ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري فلاة من الأرض ، والكرسي موضع القدمين " .

وهذا الإسناد رجاله ثقات سوى عبدالرحمن بن زيد بن أسلم قال ابن معين : " ليس حديثه بشيء " ، وقال أبوحاتم : " ليس بقوي في الحديث ، كان في نفسه صالحاً ، وفي الحديث واهياً " ، وقال أبوزرعة : " ضعيف " ، وقال ابن الجوزي : " أجمعوا على ضعفه " ( تهذيب التهذيب 3 / 363 – 364 ) .

وأخرجه ابن جرير الطبري في " تفسيره " ( 1 / 16 ) من طريق ابن وهب ، عن ابن زيد ، به ، ولكنه لم يذكر : " والكرسي موضع القدمين " .

وحديث أبي ذر بدون هذه اللفظة له طرق لا تزيده إلا وهناً ، خلافاً لمن صححه من الأفاضل ، بيناها في موضع آخر .


وللفائدة :
فعن العباس بن محمد الدوري ، قال : سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام ، وذكر الباب الذي يروى فيه : حديث الرؤية والكرسي موضع القدمين ..... فقال : " هذه أحاديث صحاح ، حملها أصحاب الحديث والفقهاء بعضهم عن بعض ، وهى عندنا حق لا شك فيها ، ولكن إذا قيل كيف وضع قدمه وكيف ضحك ؟ قلنا : " لا يُفسر هذا ، ولا سمعنا أحداً يفسره " .
أخرجه ابن منده في " التوحيد " ( 3 / 116 / 522 ) ، الدارقطني في " الصفات " ( 57 ) ، والخلال في " السنة " ( 311 ) ، والآجري في " التصديق بالنظر " ( 11 ) أو " الشريعة " ( 2 / 10 / 622 ) ، وأبوعبدالله الدقاق في " مجلس إملاء في رؤية الله " ( 7 ) ، واللالكائي في " شرح أصول اعتقاد أهل السنة " ( 3 / 526 / 928 ) .

وقال أبونعيم في " محجة الواثقين " – كما في " مجموعة الفتاوى " ( 5 / 60 ) – : " وليس كرسيه علمه كما قالت الجهمية " .

والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه وسلم .

وكتب
أبوالمنهال محمد بن عبده آل محمد الأبيضي
ليلة الاثنين 28 / رجب / 1425
مصر - الإسكندرية

ليتيم الشافعي
2008-12-06, 15:01
السؤال: ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد في تفسير آية: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ﴾ [القلم: 42]، بشدَّة الهول والأمر، ألا يُعدُّ هذا من تأويل الصفات؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا.

الجواب:الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فإنّ الآية يختلف تفسيرها عند السلف باختلاف إطلاق لفظة «الساق» من غير إضافتها إلى الله تعالى، أو مع إضافتها إليه سبحانه وتعالى، وبناءً عليه فإنّ لفظة: «الساق» تحتمل معنيين:
- المعنى الأول: فمن فسَّر الآيةَ بمفردها من غير إضافة «الساق» إلى الله تعالى حملها على المعنى اللغوي وهو شدَّة الهول والأمر العظيم، ولا يلزم من هذا التفسير تأويل الصفات، لأنّ الآية ليست بهذا الوجه من آيات الصفات أي: أنّها ليست دالَّة على صفة -عنده- أصلاً لأنّها لم تضف «الساق» إلى الله تعالى، وعلى هذا يحمل تفسير ابن عباس رضي الله عنهما.
- المعنى الثاني: ومن فسَّر الآية على أنّ «الساق» مضافة إلى الله تعالى، وتجريدها عن الإضافة من باب التعظيم واحتجَّ لها بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «يَكْشِفُ رَبُّنَا عَنْ سَاقِهِ، فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ، وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ فِي الدُّنْيَا رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَيَذْهَبُ لِيَسْجُدَ فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا»(١- أخرجه البخاري في التفسير (4919)، وفي التوحيد (7439)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه)، كانت الآية في هذه الحالة من جملة آيات الصفات التي يجب إثباتها من غير تأويلها بشدَّة الهول وعظم الأمر خلافًا للمعطِّلة الذين حَمَلوا الآية على شدَّة الأمر مع نفيهم لصفة «الساق» مطلقًا ولا يثبتونها لا بالقرآن ولا بالسُّنة.
هذا، وعلى التفسير الثاني فلا يقتضي منافاة بين الآية والحديث، لأنّه يوم يكشف ربُّنا عن ساقه حقيقةً من غير تأويلٍ ولا تعطيلٍ ولا تشبيهٍ ولا تمثيلٍ ولا تحريفٍ، فإنّ ذلك اليوم أمر عظيم ويوم شدَّة وهول على المنافقين والكافرين لعجزهم عن السجود لربّ العالمين.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.
ماذا يحدث اذا تعارض تفسير الحديث لآية مع تفسير صحابي أو تابعي!


هل نأخذ بأحدهم ؟أم ماذا؟


الجواب أننا علينا أن نوفق بين التفسيرين


وان لم يمكن ماذا نفعل؟


فالجواب أننا الواجب أن نقدم تفسير الرسول صلي الله عليه وسلم على تفسير غيره


لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخواني أعلم بمراد الله سبحانه وتعالي من غيره كما سبق أن ذكرت لكم


فهو الذي لا ينطق عن الهوى ولأن الله سبحانه وتعالي يقول"يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله"


سورة الحجرات


أي اخواني (لا تقدموا قولا أو فعلا)


ومثال ذلك قول الله سبحانه وتعالي"يوم يكشف عن ساق" سورة القلم


ففسرها البخاري رحمه الله بالحديث(يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة)) وهو حديث متفق عليه


وجاء في رواية عن ابن عباس في تفسير الآية قال : هو يوم كرب وشدة (وهذا ذكره اخواني ابن جرير / ولكن ضعف قول ابن عباس –سليم الهلالي- في كتابه المنهل الرقراق لاضرابه)


ولكن ان صح النقل عنه فلا يتعارض مع الحديث الذي فسر الآية بالساق لله تعالى من غير تشبيه


فيكشف ربنا سبحانه وتعالي عن ساقه يوم القيامة وهو يوم كرب وشدة



وايضا يمكن أن يقال /ان ابن عباس لم يبلغه حديث أبي سعيد الخدري الذي فسر الآية كما ثبت في الصحيح أن أبا موسى حين استأذن على عمر ثلاثا فلم يؤذن له انصرف ثم قال عمر: ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس يستأذن ؟ ائذنوا له، فطلبوه فوجدوه قد ذهب، فلما جاء بعد ذلك قال : ما أرجعك؟ قال : اني استأذنت ثلاثا ولم يؤذن لي ، واني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((اذا استأذن أحدكم ثلاثا ولم يؤذن له فلينصرف))


متفق عليه


فقال عمر: لتأتيني على هذا ببينة والا أوجعتك ضربا ، فذهب الى ملأ من الأنصار فذكر لهم ما قال عمر، فقالوا : لا يشهد لك الا أصغرنا ، فقام معه أبو سعيد الخدري فأخبر عمر بذلك فقال : ألهاني عنه الصفق بالأسواق


(للمزيد تفسير ابن كثير 3/278)





:::المرجع:
كتاب كيف نفهم القرآن إعداد : محمد بن جميل زينو::
لله سبحانه ساق
يجب علينا أن نصدق بذلك ولا نكذّبه ، لأنّه – سبحانه – قد أخبرنا بذلك ، قال تعالى : ( يوم يكشف عن ساقٍ ويدعون إلى السُّجود فلا يستطيعون ) [ القلم : 42 ] وقد ورد في الصحيحين ما يفسر هذه الآية ويوضحها ، فعن أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( يكشف ربنا عن ساقه ، فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة ، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رئاء وسمعة ، فيذهب ليسجد ، فيعود ظهرُهُ طبقاً واحداً ) . (39)
وينبغي أن ننبه هنا إلى أن إثبات الساق لله كإثبات اليد والسمع والبصر وغيرها من الصفات ، وما ورد عن ابن عباس أنه فسر كشف الساق بمعنى شدة الأمر معارض بما ثبت عن ابن مسعود أن ربنا يكشف عن ساقه . (40)
وما أحسن ما قاله الشوكاني حيث قال : " قد أغنانا الله سبحانه في تفسير هذه الآية بما صح عن رسول الله ، وذلك لا يستلزم تجسيماً ولا تشبيهاً ، فليس كمثله شيء " . (41)
وقد أورد ابن جرير الطبري وابن كثير تفسير ابن عباس كما أوردا روايات الحديث المفسر للنص القرآني ، ولم يؤولا الحديث بحمله على غير ظاهره مما يدل على أنه لا تعارض عندهما بين الحديث وكلام ابن عباس ، فإن الأمر شديد في يوم القيامة ، ولا ينافي هذا أن يكشف عن ساقه

عبد الله ياسين
2008-12-06, 23:21
بدون إطالة :

فيما يخصّ ثبوت الأثر فقد قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري بشرح صحيح البخاري :
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : تَهَيَّبَ كَثِير مِنْ الشُّيُوخ الْخَوْض فِي مَعْنَى السَّاق , وَمَعْنَى قَوْل اِبْن عَبَّاس إِنَّ اللَّه يَكْشِف عَنْ قُدْرَته الَّتِي تَظْهَر بِهَا الشِّدَّة . وَأَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ الْأَثَر الْمَذْكُور عَنْ اِبْن عَبَّاس بِسَنَدَيْنِ كُلّ مِنْهُمَا حَسَن , وَزَادَ : إِذَا خَفِيَ عَلَيْكُمْ شَيْء مِنْ الْقُرْآن فَأَتْبِعُوهُ مِنْ الشِّعْر وَذَكَرَ الرَّجَز الْمُشَار إِلَيْهِ , وَأَنْشَدَ الْخَطَّابِيُّ فِي إِطْلَاق السَّاق عَلَى الْأَمْر الشَّدِيد " فِي سَنَة قَدْ كَشَفَتْ عَنْ سَاقهَا " وَأَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ وَجْه آخَر صَحِيح عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : يُرِيد يَوْم الْقِيَامَة , قَالَ الْخَطَّابِيُّ : وَقَدْ يُطْلَق وَيُرَاد النَّفْس.انتهى

و ليس بعد قول الحفاظ كلام.

أمّا فيما يخصّ رواية "ساقه" فقد ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني في الفتح :
قوله: (باب يوم يكشف عن ساق) أخرج أبو يعلى بسند فيه ضعف عن أبي موسى مرفوعا في قوله: (يوم يكشف عن ساق) قال " عن نور عظيم، فيخرون له سجدا " وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (يوم يكشف عن ساق) قال: عن شدة أمر، وعند الحاكم من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: هو يوم كرب وشدة قال الخطابي : فيكون المعنى يكشف عن قدرته التي تنكشف عن الشدة والكرب وذكر غير ذلك من التأويلات كما سيأتي بيانه عند حديث الشفاعة مستوفي في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى.
و وقع في هذا الموضع " يكشف ربنا عن ساقه " وهو من رواية سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم فأخرجها الإسماعيلي كذلك ثم قال : في قوله " عن ساقه " نكرة.
ثم أخرجه من طريق حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم بلفظ " يكشف عن ساق " قال الإسماعيلي : هذه أصح لموافقتها لفظ القرآن في الجملة ، لا يظن عن أن الله ذو أعضاء وجوارح لما في ذلك من مشابهة المخلوقين، تعالى الله عن ذلك ليس كمثله شيء.انتهى

و من باب الفائدة :

قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم :
قَوْله : ( فَذَلِكَ يَوْم يُكْشَف عَنْ سَاق ) ‏
قَالَ الْعُلَمَاء : مَعْنَاهُ وَ مَعْنَى مَا فِي الْقُرْآن { يَوْم يُكْشَف عَنْ سَاق } يَوْم يُكْشَف عَنْ شِدَّة وَهَوْل عَظِيم أَيْ يُظْهِر ذَلِكَ . يُقَال : كَشَفَتْ الْحَرْب عَنْ سَاقهَا إِذَا اِشْتَدَّتْ , وَأَصْله أَنَّ مَنْ جَدَّ فِي أَمْره كَشَفَ عَنْ سَاقه مُسْتَمِرًّا فِي الْخِفَّة وَالنَّشَاط لَهُ . انتهى‏

قال شيخ المُفسرين الإمام الطبري :
يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَوْم يُكْشَف عَنْ سَاق } يَقُول تَعَالَى ذِكْره { يَوْم يُكْشَف عَنْ سَاق } قَالَ جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ مِنْ أَهْل التَّأْوِيل : يَبْدُو عَنْ أَمْر شَدِيد. انتهى‏

لاحظ جيّداً قوله : "جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ " فهو ينقل عنهم التأويل و يرتضيه و لا يسمّيه تعطيل كما يهرف من لا يعرف.

قال الإمام القرطبي في تفسيره :
يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ
يَجُوز أَنْ يَكُونَ الْعَامِل فِي " يَوْم " " فَلْيَأْتُوا " أَيْ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ يَوْم يُكْشَف عَنْ سَاق لِيَشْفَعَ الشُّرَكَاء لَهُمْ . وَيَجُوز أَنْ يَنْتَصِبَ بِإِضْمَارِ فِعْل , أَيْ اُذْكُرْ يَوْمَ يُكْشَف عَنْ سَاق ; فَيُوقَف عَلَى " صَادِقِينَ " وَلَا يُوقَف عَلَيْهِ عَلَى التَّقْدِير الْأَوَّل . وَقُرِئَ " يَوْمَ نَكْشِف " بِالنُّونِ . " وَقَرَأَ " اِبْن عَبَّاس " يَوْم تَكْشِف عَنْ سَاق " بِتَاءِ مُسَمَّى الْفَاعِل ; أَيْ تَكْشِف الشِّدَّة أَوْ الْقِيَامَة . عَنْ سَاقهَا ; كَقَوْلِهِمْ : شَمَّرَتْ الْحَرْب عَنْ سَاقهَا . قَالَ الشَّاعِر : فَتَى الْحَرْب إِنْ عَضَّتْ بِهِ الْحَرْب عَضَّهَا وَإِنْ شَمَّرَتْ عَنْ سَاقهَا الْحَرْب شَمَّرَا وَقَالَ الرَّاجِز : قَدْ كَشَفَتْ عَنْ سَاقهَا فَشُدُّوا وَجَدَّتْ الْحَرْب بِكُمْ فَجِدُّوا وَقَالَ آخَر : عَجِبْت مِنْ نَفْسِي وَمِنْ إِشْفَاقهَا وَمِنْ طَرَّاد الطَّيْر عَنْ أَرْزَاقهَا فِي سَنَة قَدْ كَشَفَتْ عَنْ سَاقهَا حَمْرَاء تَبْرِي اللَّحْمَ عَنْ عُرَاقهَا وَقَالَ آخَر : كَشَفَتْ لَهُمْ عَنْ سَاقهَا وَبَدَا مِنْ الشَّرّ الصُّرَاحْ وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا وَالْحَسَن وَأَبِي الْعَالِيَة " تُكْشَف " بِتَاءِ غَيْر مُسَمَّى الْفَاعِل . وَهَذِهِ الْقِرَاءَة رَاجِعَة إِلَى مَعْنَى " يُكْشَف " وَكَأَنَّهُ قَالَ : يَوْم تَكْشِف الْقِيَامَة عَنْ شِدَّة . وَقُرِئَ " يَوْم تُكْشِف " بِالتَّاءِ الْمَضْمُومَة وَكَسْر الشِّين ; مِنْ أَكْشَفَ إِذَا دَخَلَ فِي الْكَشْف . وَمِنْهُ : أَكْشَفَ الرَّجُل فَهُوَ مُكْشَف ; إِذَا اِنْقَلَبَتْ شَفَته الْعُلْيَا . وَذَكَرَ اِبْن الْمُبَارَك قَالَ : أَخْبَرَنَا أُسَامَة بْن زَيْد عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى : " يَوْم يُكْشَف عَنْ سَاق " قَالَ : عَنْ كَرْب وَشِدَّة . أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج عَنْ مُجَاهِد قَالَ : شِدَّة الْأَمْر وَجَدّه . وَقَالَ مُجَاهِد : قَالَ اِبْن عَبَّاس هِيَ أَشَدّ سَاعَة فِي يَوْم الْقِيَامَة . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : إِذَا اِشْتَدَّ الْحَرْب وَالْأَمْر قِيلَ : كَشَفَ الْأَمْر عَنْ سَاقه . وَالْأَصْل فِيهِ أَنَّ مَنْ وَقَعَ فِي شَيْء يَحْتَاج فِيهِ إِلَى الْجَدّ شَمَّرَ عَنْ سَاقه ; فَاسْتُعِيرَ السَّاق وَالْكَشْف عَنْهَا فِي مَوْضِع الشِّدَّة . وَقِيلَ : سَاق الشَّيْءَ أَصْله الَّذِي بِهِ قِوَامه ; كَسَاقِ الشَّجَرَة وَسَاق الْإِنْسَان . أَيْ يَوْم يُكْشَف عَنْ أَصْل الْأَمْر فَتَظْهَر حَقَائِق الْأُمُور وَأَصْلهَا . وَقِيلَ : يُكْشَف عَنْ سَاق جَهَنَّمَ . وَقِيلَ : عَنْ سَاق الْعَرْش . وَقِيلَ : يُرِيد وَقْت اِقْتِرَاب الْأَجَل وَضَعْف الْبَدَن ; أَيْ يَكْشِف الْمَرِيض عَنْ سَاقه لِيَبْصُر ضَعْفه , وَيَدْعُوهُ الْمُؤَذِّن إِلَى الصَّلَاة فَلَا يُمْكِنهُ أَنْ يَقُومَ وَيَخْرُج . فَأَمَّا مَا رُوِيَ أَنَّ اللَّهَ يَكْشِفُ عَنْ سَاقه فَإِنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَتَعَالَى عَنْ الْأَعْضَاء وَالتَّبْعِيض وَأَنْ يَكْشِفَ وَيَتَغَطَّى . وَمَعْنَاهُ أَنْ يَكْشِفَ عَنْ الْعَظِيم مِنْ أَمْره.انتهى‏

قال الإمام ابن كثير في تفسيره :
يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ
لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْد رَبّهمْ جَنَّات النَّعِيم بَيَّنَ مَتَى ذَلِكَ كَائِن وَ وَاقِع فَقَالَ تَعَالَى :" يَوْم يُكْشَف عَنْ سَاق وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُود فَلَا يَسْتَطِيعُونَ" يَعْنِي يَوْم الْقِيَامَة وَمَا يَكُون فِيهِ مِنْ الْأَهْوَال وَالزَّلَازِل وَالْبَلَاء وَالِامْتِحَان وَالْأُمُور الْعِظَام وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيّ هَهُنَا حَدَّثَنَا آدَم حَدَّثَنَا اللَّيْث عَنْ خَالِد بْن يَزِيد عَنْ سَعِيد بْن أَبِي هِلَال عَنْ زَيْد بْن أَسْلَم عَنْ عَطَاء بْن يَسَار عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ قَالَ سَمِعْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول " يَكْشِف رَبّنَا عَنْ سَاقه فَيَسْجُد لَهُ كُلّ مُؤْمِن وَمُؤْمِنَة وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُد فِي الدُّنْيَا رِيَاء وَسُمْعَة فَيَذْهَب لِيَسْجُد فَيَعُود ظَهْره طَبَقًا وَاحِدًا" وَهَذَا الْحَدِيث مُخَرَّج فِي الصَّحِيحَيْنِ وَفِي غَيْرهمَا مِنْ طُرُق وَلَهُ أَلْفَاظ وَهُوَ حَدِيث طَوِيل مَشْهُور وَ قَدْ قَالَ عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك عَنْ أُسَامَة بْن زَيْد عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس " يَوْم يُكْشَف عَنْ سَاق " قَالَ هُوَ يَوْم الْقِيَامَة يَوْم كَرْب وَشِدَّة رَوَاهُ اِبْن جَرِير ثُمَّ قَالَ حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد حَدَّثَنَا مِهْرَان عَنْ سُفْيَان عَنْ الْمُغِيرَة عَنْ إِبْرَاهِيم عَنْ اِبْن مَسْعُود أَوْ اِبْن عَبَّاس - الشَّكّ مِنْ اِبْن جَرِير" يَوْم يُكْشَف عَنْ سَاق " قَالَ عَنْ أَمْر عَظِيم كَقَوْلِ الشَّاعِر شَالَتْ الْحَرْب عَنْ سَاق . وَقَالَ اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد" يَوْم يُكْشَف عَنْ سَاق " قَالَ شِدَّة الْأَمْر وَقَالَ اِبْن عَبَّاس هِيَ أَشَدّ سَاعَة تَكُون فِي يَوْم الْقِيَامَة وَقَالَ اِبْن جَرِير عَنْ مُجَاهِد " يَوْم يُكْشَف عَنْ سَاق " قَالَ شِدَّة الْأَمْر وَجِدّه. وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله " يَوْم يُكْشَف عَنْ سَاق " هُوَ الْأَمْر الشَّدِيد الْفَظِيع مِنْ الْهَوْل يَوْم الْقِيَامَة وَقَالَ الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله " يَوْم يُكْشَف عَنْ سَاق " يَقُول حِين يُكْشَف الْأَمْر وَتَبْدُو الْأَعْمَال وَكَشْفه دُخُول الْآخِرَة وَكَشْف الْأَمْر عَنْهُ وَكَذَا رَوَى الضَّحَّاك وَغَيْره عَنْ اِبْن عَبَّاس . أَوْرَدَ ذَلِكَ كُلّه أَبُو جَعْفَر بْن جَرِير . ثُمَّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو زَيْد عُمَر بْن شَيْبَة حَدَّثَنَا هَارُون بْن عُمَر الْمَخْزُومِيّ حَدَّثَنَا الْوَلِيد بْن مُسْلِم حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيد رَوْح بْن جَنَاح عَنْ مَوْلًى لِعُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز عَنْ أَبِي بُرْدَة بْن أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " يَوْم يُكْشَف عَنْ سَاق " يَعْنِي عَنْ نُور عَظِيم يَخِرُّونَ لَهُ سُجَّدًا " وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى عَنْ الْقَاسِم بْن يَحْيَى عَنْ الْوَلِيد بْن مُسْلِم بْن وَفِيَّة رَجُل مُبْهَم وَاَللَّه أَعْلَم .انتهى‏

فهل أئمّة التفسير و شرّاح الحديث أصبحوا معطّلة بمنظور المُخالف ؟!!!

فلا ينكر ثبوت تأويل الساق عند السلف إلا مُكابر و رحم الله علماء الإسلام.