المسير213
2008-12-01, 17:36
ثمة دعاوى تطل برأسها كل حين عند الحديث عن البرامج الاقتصادية لدى حركات الإسلام السياسي يتسم بعضها بتوجيه النقد الموضوعي لهذه الحركات عبر قراءات تستند لروح النقد البناء المنصف تأخذ على الإسلاميين افتقارهم لرؤى برامجية قادرة على إحداث تغييرات بنيوية لمشاكل مجتمعاتها الاقتصادية، ودعاوى أخرى تناولت هذا الجانب بقوالب نقدية خادشة بعيدة عن لغة الجرح والتعديل المنصفة، إشباعا لحالة الخصومة السياسية والفكرية التنافسية القائمة مع تلك الحركات.
ويتبنى كثير من خصوم الإسلاميين على اختلاف ألوانهم الفكرية ومدارسهم النقدية قناعة تحتاج لمراجعة موضوعية مفادها أن الاقتصاد والحديث فيه وتقديم الحلول لمعضلاته في المجتمعات العربية والإسلامية يعد "خاصرة حركات الإسلام السياسي الطرية" فيما تبرز الحالة "الأردوغانية" ربما كمثال نافر لتجربة الإسلاميين – إن جاز اعتبارهم كذلك - لتقديم أجوبة على الكثير من الأسئلة المشككة بالأداء الاقتصادي لحركات الإسلام السياسي.
وعلى الرغم من إمكانية اعتبار التجربة التركية نموذجا خادما يمكن الدفع به لنجاحات الإسلاميين ضمن ضوابط لا يجوز " مطها " إلا انه يتعين الاعتراف أنها تجربة تتمتع بشيء من الخصوصية التي قد يتعذر معها اعتبارها نموذجا ووصفة جاهزة يمكن إعادة " عجنها وخبزها " في بيئات الإسلاميين المختلفة لاعتبارات موضوعية عدة .
إن حركات الإسلام المعتدلة نهجا وممارسة بحاجة اليوم قبل أي وقت مضى لتقديم أجوبة مقنعة لما تعيشة الأمة اليوم من مشكلات فقرية اقتصادية قاتمة بذات مقدرتها النشطة في الأطر السياسية و الإجتماعية و التوعوية والإصلاحية الأخرى التي برعت بها وقدمت حلولا وأجوبة للعديد من مشكلاتها وأسئلتها.
ولا شك أن الإسلاميين برعوا إلى حد بعيد في تثقيف الشارع وتعبئته حد الإشباع بكل مفردات ورؤى وبرامج الإصلاح السياسي والاجتماعي وأسهموا بشكل وفير في تقديم وجبات دسمة للمكتبة العربية والإسلامية ضمن هذا المضمار، حيث باتوا يتصدرون اليوم أكثر المشاهد سخونة من حيث المنافسة السياسية أمام النظم الحاكمة بحكم تجاربهم المريرة وما باتوا يمتلكوه من خزان بشري وهياكل ومؤسسات مكنتهم عبر العقود الماضية من تقديم رؤاهم السياسية الإصلاحية والاجتماعية بشكل شبه محترف لاقى قبولا كبيرا في كثير من البلدان.
لكن ينبغي الاعتراف بذات النسق أن القضية الاقتصادية ما زالت تشكل معضلة حقيقية وتحديا شامخا لهذه الحركات – كما غيرهم من النظم الحاكمة وأصحاب التيارات الأخرى - وبات هناك العديد من الأسئلة التي غدت بحاجة لإجابة واقعية بعيدة عن ثقافة الشعارات والتنبؤات التحليلية النظرية، بصورة تعمل على جسر ما يعتبره البعض تباينا في بنيان الإسلاميين.
فالصعود السياسي والأخلاقي والاجتماعي المتزايد للحركات الإسلامية وارتفاع نسبة احتمال إمساكهم أو مشاركتهم بالهياكل ومؤسسات الحكم القائمة لا يوازيه ذات الحضور في الملف الاقتصادي وهذا لا يتناسب بنظر نقادهم مع حجمهم وحضورهم والمأمول منهم .
ثمة شكوك تحتاج لتفنيد رقمي ومسحي من قبل الإسلاميين يقدمها خصومهم بشكل دائم على موائد الحوار والمناظرة تتهم برامجهم ورؤاهم السياسية وحضورهم بافتقاره لرؤية اقتصادية واقعية لمواجهة المشكلات البنيوية التي تعاني منها مجتمعاتهم ، فضلا عن نعتهم الدائم للإسلاميين من أنهم لا يحملون مشروعاً تنموياً يستند إلى منطق علمي متين لتطوير القطاعات الاقتصادية المختلفة، بل يزيد أنصار هذا الفريق بالقول أن القضايا الاقتصادية مغيبة تماماً في برنامج الإسلاميين، أما الاقتراب منها فهو أقرب إلى اللغة الخطابية الاستعراضية بهدف تسجيل مواقف وتحقيق مكاسب سياسية دون وجود رؤية إستراتيجية وبدائل حقيقية.
لكن الناظر لطبيعة المساحة التي تتحرك بها حركات الإسلام السياسي قد يجد لها عذرا موضوعيا وواقعيا يمنعها فعلا من تقديم رؤاها الاقتصادية واقعا على الأرض ، فهذه الحركات تواجه سيلا من الإكراهات لا يمكن تجاوزها، أدت إلى جنوحها في تقديم رؤيتها الإقتصادية الإصلاحية على شكل " نظريات ليس أكثر" تفتقر لعامل التجربة والواقع على الأرض .
ويمكن أجمال الأسباب التي جعلت من الخطاب الإسلامي السياسي في المجال الاقتصادي يقترب من النظرية أكثر منه للتطبيق بالعوامل التالية :
أولا : تجذر عقلية الإقصاء السياسي لدى النظم العربية الحاكمة بحق الحركات الإسلامية المعتدلة ما حرمها من اخذ فرصة تجريب رؤاها الاقتصادية واختبار مقدرة مطبخها الداخلي على إنتاج حلول واقعية ، فكيف يستقيم الحكم الموضوعي على فشل النظرية الاقتصادية لهذه الحركات وسط عمليات الإقصاء المستمرة والمتعمدة التي تقوم بها الأنظمة بحقها منذ عشرات السنين .
ثانيا : تعرض هذه الحركات لمتوالية مبرمجة ومتدحرجة من الأزمات والانشغالات التي تبتكرها أجهزة النظم الحاكمة دفع بها لتقديم أولوية المحافظة على كيانها وحضورها ومكتسباتها كنقطة اعتبار أصيلة جعلها تدفع بملف الاهتمام الاقتصادي والتنموي إلى مؤخرة برامجها بخلاف الجوانب الأخرى وعلى رأسها السياسية التي تقدمت وبرزت لتحتل ناصية الحراك في المناظرة الإسلامية.
ثالثا : تجسد جماعة الأخوان المسلمين كبرى واجهات حركات ما يعرف بالإسلام السياسي اليوم وهذه الجماعة رغم تخومها العريضة جغرافيا وشعبيا إلا أنها ما تزال محظورة الوجود القانوني في العديد من البلدان ومطاردة ومضيّق عليها في أخرى ،ما يجعل من قيامها بنشاط اقتصادي بارز المعالم خاضع للتقويم والتجربة والنقد الموضوعي متعذرا بالنظر لاعتبارات " قانونية وتنظيمية وأمنية تكتيكية أخرى " .
رابعا : يعاني الإسلاميون الذين يتمتعون بدولهم بمشاركة سياسية ( تشاركية ) في هياكل الدولة ومؤسساتها ( حكومة وبرلمان ) من البنية الفكرية والقانونية التي تأسس عليها نظام دولتهم الاقتصادي ، والذي غالبا ما يكون تابعا إما لوصفات صندوق النقد الدولي، أو مرهونا بمواقف سياسية تجعل من فكاكه واستقلاله أمرا متعذرا، أو خضوعه لقوالب وأفكار اقتصادية جامدة ذات هوى إما ( رأسمالي أو اشتراكي ) ما يعني صعوبة تقديم رؤاهم وبرامجهم الاقتصادية دون إحداث تغيير جذري في تلك القوانين والسياسات والتي تحتاج لحياة دستورية ديمقراطية تعددية قوية تتيح الفرصة للأغلبية النيابية بالتغيير المنشود .
وإذا كانت المحددات السابقة تشكل عقبات حقيقية قد تنصف الإسلاميين أمام خصومهم بنظر البعض إلا أن ذلك لا يعفيهم من إحداث مراجعات تقويمية وبرامجية في هذا الباب الحساس، الذي بات يشكل اليوم هاجساً شعبياً ومجتمعياً أولياً يتجاوز اهتمام الناس بالقضايا السياسية سواء كانت محلية أو خارجية.
ويملك الإسلاميون المعتدلون بين أيديهم عوامل وأوراقا عدة من شانها رفع سويتهم الاقتصادية ( نظريا وعمليا ) يمكن إجمالها بالتالي :
أولا : امتلاكهم للعنصر البشري العددي والنوعي ذي الميزة الشبابية في غالبه القادر على إحداث تغييرات حقيقية وتنفيذ الرؤى الإصلاحية الاقتصادية بكل همة ونشاط .
ثانيا : امتلاكهم لمصطلح " اليد النظيفة " وهو ما يمنحهم ثقة المستثمرين والمؤيدين لمشروعاتهم بعيدا عن لغة التخوين وحمى الفساد المالي التي غدت ملازمة لغالبية النظم الحاكمة .
ثالثا : نجاحهم الملفت في إدارة دفة مشروعاتهم الخيرية والاقتصادية الصغيرة التي لامست أفئدة واحتياجات الناس وأعطت نموذجا مصغرا قد يصح البناء عليه لإدارة المشروعات الاقتصادية الكبرى .
رابعا : استنادهم في رؤاهم الاقتصادية لمحاضن الشريعة الإسلامية التي أحكمت آياتها سبل الحلول الموضوعية للعديد من المشكلات الاقتصادية المستعصية .
خامسا : تملكهم لإرادة التغيير الحقيقية ورفضهم المبدأي الرضوخ لمؤسسات الهيمنة المالية العالمية والتبعية غير المبصرة لحالة العولمة وإسقاطاتها وشروطها المجحفة بحق الدول الفقيرة لصالح الكبرى الصناعية .
سادسا : تمتلك حركات الإسلام السياسي عنصر التوجيه "التنظيمي" إن جاز التعبير كأحد الأدوات الداخلية الفعالة لتوجيه براعم أعضائها صوب تخصصات تشبع الجانب الاقتصادي بكل مكوناته واحتياجاته بصورة تفوق قدرة النظم الحاكمة على تفعيل هذا الجانب رغم امتلاك الأخيرة لناصية المال والسلطة .
سابعا : يشكل المنهج السلمي المعتدل لتلك الحركات ونظرتها الشمولية السمحة للإسلام من جميع جوانبه ومتطلباته وقبولها للأخر تحت قاعدة الاحترام المتبادل بيئة خصبة صالحة ومشجعة للتعاون والاستثمار المثمر معها دون خوف أو وجل.
ثامنا : تمتع الإسلاميين المعتدلين بالفكر البراغماتي المتحرك يمنحهم مرونة التعامل المفتوح مع أصحاب المدارس الاقتصادية الناجحة من غير الإسلاميين بهدف الاستفادة منهم وبناء شراكة حقيقية معهم قادرة على تشخيص مشكلتهم بهذا الجانب وتقديم الحلول النقدية الجادة لهم .
تاسعا: يمتلك الإسلاميون خزانات بشرية متدفقة على مساحات وتخوم جغرافية مترامية داخل العالمين العربي والإسلامي تدين لهم بالقناعة والإعجاب والالتفاف من شانها إغراء أصحاب المشاريع العملاقة من شخوص وحكومات للشراكة معهم وبناء مزاوجات مثمرة وفرصا اقتصادية حقيقية وأمنة على المدى القريب والبعيد
ويتبنى كثير من خصوم الإسلاميين على اختلاف ألوانهم الفكرية ومدارسهم النقدية قناعة تحتاج لمراجعة موضوعية مفادها أن الاقتصاد والحديث فيه وتقديم الحلول لمعضلاته في المجتمعات العربية والإسلامية يعد "خاصرة حركات الإسلام السياسي الطرية" فيما تبرز الحالة "الأردوغانية" ربما كمثال نافر لتجربة الإسلاميين – إن جاز اعتبارهم كذلك - لتقديم أجوبة على الكثير من الأسئلة المشككة بالأداء الاقتصادي لحركات الإسلام السياسي.
وعلى الرغم من إمكانية اعتبار التجربة التركية نموذجا خادما يمكن الدفع به لنجاحات الإسلاميين ضمن ضوابط لا يجوز " مطها " إلا انه يتعين الاعتراف أنها تجربة تتمتع بشيء من الخصوصية التي قد يتعذر معها اعتبارها نموذجا ووصفة جاهزة يمكن إعادة " عجنها وخبزها " في بيئات الإسلاميين المختلفة لاعتبارات موضوعية عدة .
إن حركات الإسلام المعتدلة نهجا وممارسة بحاجة اليوم قبل أي وقت مضى لتقديم أجوبة مقنعة لما تعيشة الأمة اليوم من مشكلات فقرية اقتصادية قاتمة بذات مقدرتها النشطة في الأطر السياسية و الإجتماعية و التوعوية والإصلاحية الأخرى التي برعت بها وقدمت حلولا وأجوبة للعديد من مشكلاتها وأسئلتها.
ولا شك أن الإسلاميين برعوا إلى حد بعيد في تثقيف الشارع وتعبئته حد الإشباع بكل مفردات ورؤى وبرامج الإصلاح السياسي والاجتماعي وأسهموا بشكل وفير في تقديم وجبات دسمة للمكتبة العربية والإسلامية ضمن هذا المضمار، حيث باتوا يتصدرون اليوم أكثر المشاهد سخونة من حيث المنافسة السياسية أمام النظم الحاكمة بحكم تجاربهم المريرة وما باتوا يمتلكوه من خزان بشري وهياكل ومؤسسات مكنتهم عبر العقود الماضية من تقديم رؤاهم السياسية الإصلاحية والاجتماعية بشكل شبه محترف لاقى قبولا كبيرا في كثير من البلدان.
لكن ينبغي الاعتراف بذات النسق أن القضية الاقتصادية ما زالت تشكل معضلة حقيقية وتحديا شامخا لهذه الحركات – كما غيرهم من النظم الحاكمة وأصحاب التيارات الأخرى - وبات هناك العديد من الأسئلة التي غدت بحاجة لإجابة واقعية بعيدة عن ثقافة الشعارات والتنبؤات التحليلية النظرية، بصورة تعمل على جسر ما يعتبره البعض تباينا في بنيان الإسلاميين.
فالصعود السياسي والأخلاقي والاجتماعي المتزايد للحركات الإسلامية وارتفاع نسبة احتمال إمساكهم أو مشاركتهم بالهياكل ومؤسسات الحكم القائمة لا يوازيه ذات الحضور في الملف الاقتصادي وهذا لا يتناسب بنظر نقادهم مع حجمهم وحضورهم والمأمول منهم .
ثمة شكوك تحتاج لتفنيد رقمي ومسحي من قبل الإسلاميين يقدمها خصومهم بشكل دائم على موائد الحوار والمناظرة تتهم برامجهم ورؤاهم السياسية وحضورهم بافتقاره لرؤية اقتصادية واقعية لمواجهة المشكلات البنيوية التي تعاني منها مجتمعاتهم ، فضلا عن نعتهم الدائم للإسلاميين من أنهم لا يحملون مشروعاً تنموياً يستند إلى منطق علمي متين لتطوير القطاعات الاقتصادية المختلفة، بل يزيد أنصار هذا الفريق بالقول أن القضايا الاقتصادية مغيبة تماماً في برنامج الإسلاميين، أما الاقتراب منها فهو أقرب إلى اللغة الخطابية الاستعراضية بهدف تسجيل مواقف وتحقيق مكاسب سياسية دون وجود رؤية إستراتيجية وبدائل حقيقية.
لكن الناظر لطبيعة المساحة التي تتحرك بها حركات الإسلام السياسي قد يجد لها عذرا موضوعيا وواقعيا يمنعها فعلا من تقديم رؤاها الاقتصادية واقعا على الأرض ، فهذه الحركات تواجه سيلا من الإكراهات لا يمكن تجاوزها، أدت إلى جنوحها في تقديم رؤيتها الإقتصادية الإصلاحية على شكل " نظريات ليس أكثر" تفتقر لعامل التجربة والواقع على الأرض .
ويمكن أجمال الأسباب التي جعلت من الخطاب الإسلامي السياسي في المجال الاقتصادي يقترب من النظرية أكثر منه للتطبيق بالعوامل التالية :
أولا : تجذر عقلية الإقصاء السياسي لدى النظم العربية الحاكمة بحق الحركات الإسلامية المعتدلة ما حرمها من اخذ فرصة تجريب رؤاها الاقتصادية واختبار مقدرة مطبخها الداخلي على إنتاج حلول واقعية ، فكيف يستقيم الحكم الموضوعي على فشل النظرية الاقتصادية لهذه الحركات وسط عمليات الإقصاء المستمرة والمتعمدة التي تقوم بها الأنظمة بحقها منذ عشرات السنين .
ثانيا : تعرض هذه الحركات لمتوالية مبرمجة ومتدحرجة من الأزمات والانشغالات التي تبتكرها أجهزة النظم الحاكمة دفع بها لتقديم أولوية المحافظة على كيانها وحضورها ومكتسباتها كنقطة اعتبار أصيلة جعلها تدفع بملف الاهتمام الاقتصادي والتنموي إلى مؤخرة برامجها بخلاف الجوانب الأخرى وعلى رأسها السياسية التي تقدمت وبرزت لتحتل ناصية الحراك في المناظرة الإسلامية.
ثالثا : تجسد جماعة الأخوان المسلمين كبرى واجهات حركات ما يعرف بالإسلام السياسي اليوم وهذه الجماعة رغم تخومها العريضة جغرافيا وشعبيا إلا أنها ما تزال محظورة الوجود القانوني في العديد من البلدان ومطاردة ومضيّق عليها في أخرى ،ما يجعل من قيامها بنشاط اقتصادي بارز المعالم خاضع للتقويم والتجربة والنقد الموضوعي متعذرا بالنظر لاعتبارات " قانونية وتنظيمية وأمنية تكتيكية أخرى " .
رابعا : يعاني الإسلاميون الذين يتمتعون بدولهم بمشاركة سياسية ( تشاركية ) في هياكل الدولة ومؤسساتها ( حكومة وبرلمان ) من البنية الفكرية والقانونية التي تأسس عليها نظام دولتهم الاقتصادي ، والذي غالبا ما يكون تابعا إما لوصفات صندوق النقد الدولي، أو مرهونا بمواقف سياسية تجعل من فكاكه واستقلاله أمرا متعذرا، أو خضوعه لقوالب وأفكار اقتصادية جامدة ذات هوى إما ( رأسمالي أو اشتراكي ) ما يعني صعوبة تقديم رؤاهم وبرامجهم الاقتصادية دون إحداث تغيير جذري في تلك القوانين والسياسات والتي تحتاج لحياة دستورية ديمقراطية تعددية قوية تتيح الفرصة للأغلبية النيابية بالتغيير المنشود .
وإذا كانت المحددات السابقة تشكل عقبات حقيقية قد تنصف الإسلاميين أمام خصومهم بنظر البعض إلا أن ذلك لا يعفيهم من إحداث مراجعات تقويمية وبرامجية في هذا الباب الحساس، الذي بات يشكل اليوم هاجساً شعبياً ومجتمعياً أولياً يتجاوز اهتمام الناس بالقضايا السياسية سواء كانت محلية أو خارجية.
ويملك الإسلاميون المعتدلون بين أيديهم عوامل وأوراقا عدة من شانها رفع سويتهم الاقتصادية ( نظريا وعمليا ) يمكن إجمالها بالتالي :
أولا : امتلاكهم للعنصر البشري العددي والنوعي ذي الميزة الشبابية في غالبه القادر على إحداث تغييرات حقيقية وتنفيذ الرؤى الإصلاحية الاقتصادية بكل همة ونشاط .
ثانيا : امتلاكهم لمصطلح " اليد النظيفة " وهو ما يمنحهم ثقة المستثمرين والمؤيدين لمشروعاتهم بعيدا عن لغة التخوين وحمى الفساد المالي التي غدت ملازمة لغالبية النظم الحاكمة .
ثالثا : نجاحهم الملفت في إدارة دفة مشروعاتهم الخيرية والاقتصادية الصغيرة التي لامست أفئدة واحتياجات الناس وأعطت نموذجا مصغرا قد يصح البناء عليه لإدارة المشروعات الاقتصادية الكبرى .
رابعا : استنادهم في رؤاهم الاقتصادية لمحاضن الشريعة الإسلامية التي أحكمت آياتها سبل الحلول الموضوعية للعديد من المشكلات الاقتصادية المستعصية .
خامسا : تملكهم لإرادة التغيير الحقيقية ورفضهم المبدأي الرضوخ لمؤسسات الهيمنة المالية العالمية والتبعية غير المبصرة لحالة العولمة وإسقاطاتها وشروطها المجحفة بحق الدول الفقيرة لصالح الكبرى الصناعية .
سادسا : تمتلك حركات الإسلام السياسي عنصر التوجيه "التنظيمي" إن جاز التعبير كأحد الأدوات الداخلية الفعالة لتوجيه براعم أعضائها صوب تخصصات تشبع الجانب الاقتصادي بكل مكوناته واحتياجاته بصورة تفوق قدرة النظم الحاكمة على تفعيل هذا الجانب رغم امتلاك الأخيرة لناصية المال والسلطة .
سابعا : يشكل المنهج السلمي المعتدل لتلك الحركات ونظرتها الشمولية السمحة للإسلام من جميع جوانبه ومتطلباته وقبولها للأخر تحت قاعدة الاحترام المتبادل بيئة خصبة صالحة ومشجعة للتعاون والاستثمار المثمر معها دون خوف أو وجل.
ثامنا : تمتع الإسلاميين المعتدلين بالفكر البراغماتي المتحرك يمنحهم مرونة التعامل المفتوح مع أصحاب المدارس الاقتصادية الناجحة من غير الإسلاميين بهدف الاستفادة منهم وبناء شراكة حقيقية معهم قادرة على تشخيص مشكلتهم بهذا الجانب وتقديم الحلول النقدية الجادة لهم .
تاسعا: يمتلك الإسلاميون خزانات بشرية متدفقة على مساحات وتخوم جغرافية مترامية داخل العالمين العربي والإسلامي تدين لهم بالقناعة والإعجاب والالتفاف من شانها إغراء أصحاب المشاريع العملاقة من شخوص وحكومات للشراكة معهم وبناء مزاوجات مثمرة وفرصا اقتصادية حقيقية وأمنة على المدى القريب والبعيد