تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الأسرة المسلمة في ظلال التوحيد


شمس العرب
2007-03-20, 19:09
الأسرة المسلمة في ظلال التوحيد
جمال عبدالرحمن

الحمد لله، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

فإن الأسرة المسلمة حقًا، تقوم بحق الله تعالى كما أمر، وكما علمها سيدها سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم ، فهي تعرف التوحيد الخالص ولوازمه وحقوقه، ومقتضياته، وما يترتب عليه، وهي تؤمن بالله ورسله، لا تفرق بين أحد من رسله، والدين عندها كله لله، فلا تؤمن ببعض وتكفر بالبعض الآخر، صلاتها ونسكها ومحياها ومماتها لله رب العالمين، وهذا الذي أُمِرت به.

تلك الأسرة التي صورتها الناصعة صورة أسلافنا الكرام؛ عرفت الأهمية العظمى لتربية النشء، فكان بعضهم يأتون بمربين أفاضل تتوفر فيهم الخبرة الكافية والمقدرة العالية لتربية النشء الذي يُرجى أن يكون من صفاته الشهامة والرجولة، والنخوة والفحولة، والكرم والشجاعة، والشدة والبأس والفروسية، والنجدة ومكارم الأخلاق، وكانوا لا يبخلون في سبيل تحقيق ذلك بغالٍ ولا رخيص، وعلى الأخص الموسرون منهم.

فهذا عبد الملك بن مروان يقول لمؤدب ولده ومعلمه: علمهم الصدق كما تعلمهم الآية من القرآن، وجنِّبْهم السّفلة، فإنهم أسوأ الناس ورعًا، وأقلهم أدبًا، وجنِّبهم الخدم فإنهم لهم مفسدة، وأطعمهم اللحم يقوَوْا، وعلمهم الشِّعر يمجدوا وينجدوا (يرتفعوا)، ومُرهم أن يستاكوا (بالسواك) عرضًا، ويمصوا الماء مصًا ولا يعبّوه عبًا، وإذا احتجت أن تتناولهم بأدب (تأديب وتوبيخ) فليكن ذلك في ستر لا يعلم به أحد من الفاشية (أي الذين يفشون الأسرار).

وقال هشام بن عبد الملك لسليمان الكلبي مؤدب ولده: "إن ابني هذا جلدة ما بين عينيَّ وقد وليتك تأديبه، فعليك بتقوى الله وأدِّ الأمانة، وأول ما أوصيك به أن تأخذه بكتاب الله ثم روِّه من الشِّعر أحسنه ثم تخلل به في أحياء العرب فخذ من صالح شعرهم، وبصِّره طرفًا من الحلال والحرام، والخطب والمغازي".

وقال الرشيد لمعلم ولده الأمين: "إن أمير المؤمنين قد دفع إليك مهجة نفسه وثمرة قلبه، فصيِّر يدك عليه مبسوطة، وطاعته لك واجبة، فكن بحيث وضعك أمير المؤمنين، أقرئه القرآن وعرفه الأخبار، وروِّه الأشعار، وعلمه السنن، وبصِّره بمواقع الكلام وبدئه، وامنعه من الضحك إلا في أوقاته، وخذه بتعظيم مشايخ بني هاشم إذا دخلوا عليه، ورفع مجالس القواد إذا حضروا مجلسه، ولا تَمُرَّنَّ بك ساعة إلا وأنت مغتنم فائدة تفيده إياها من غير أن تُحزنه فتميت ذهنه، ولا تمعن في مسامحته فيستحلي الفراغ ويألفه، وقوِّمه ما استطعت بالقُرب والملاينة، فإنْ أباهما فعليك بالشدة والغلظة".

بهذه الهمة العالية والنصائح الغالية كان كبار القوم وعليتهم يحرصون على تربية أبنائهم، أما من لم يتيسر له المال في إلحاق ولده بمعلم فكان يذهب به إلى البادية ليقيم مع العشائر البدوية فترة من الزمن، يتعلم من حياة البادية الصفات العربية الأصيلة والعادات الكريمة، والشِّيم النبيلة كالكرم والشجاعة والنخوة وإغاثة اللهفان ومعاونة الضعيف وغير ذلك، وكل ذلك يتم في جو لا وجود فيه للصفات الهدامة والمبادئ المخربة للعقول والسلوكيات، فكانوا ينشأون رجالاً بمعنى الرجولة وأفذاذًا ذوي فحولة.


مَنْ لأولادنا في عصرنا؟!

في عصرنا الحالي تغير الحال تمامًا مع النشء؛ الغني فيهم والفقير، فمعلمهم جميعًا يبث لهم ليل نهار علومًا يجلسون في تلقيها فاغرين أفواههم، شاخصين أبصارهم كأن على رؤوسهم الطير، والذي حاله هكذا ينتهل انتهالاً ويشرب قلبه من ذلك المصدر الخطير، يجلس أبناؤنا أمام ذلك المربي بالساعات الطويلة دون ملل أو كلل ويطلبون المزيد، لا يصرفهم إلا ذبذبة العينين من كثرة ما شاهدت، وتهالك الجسم من طول المتابعة والسهر، وصداع الرأس من سوء ما حشيت به مما لا نفع فيه ولا خير يرجَى منه، وينصرفون وقد تشربوا تعاليم وثقافة وأخلاقًا وأفكارًا وأساليب في الحياة، من ذلك المربي المقيت الذي لابد للقارئ الحكيم أن يكون قد عرفه؛ ألا وهو التلفاز البغيض، ذلك الجهاز الذي يبث ما يملأ به صفحات قلوب أولادنا من غزو فكري، وانحطاط أخلاقي، يهطل على رءوسهم هطول الأمطار الغزيرة المتواصلة، ثم أضيف إلى ذلك الفضائيات التي تبث البرامج المملوءة بالمجون والانحطاط، وتقذف بالفتيات العاريات شبه الكاسيات المختلطات بالمائعين من الشباب والمراهقين في رقص ومجون ومداخلات هابطة، ينتسبون إلى الإسلام ولا يعرفونه، ويصلون على النبي ولا يوقرونه، وقدوتهم في سائر حياتهم المطربون والمطربات والراقصون والراقصات أصحاب الحركات المثيرة، فوا أسفاه! ما حيلة هذا الشباب الذي أسلمه أهله للذبح؟ نعم فقد ذُبحت عند أمثالهم الفضيلة بسكين الرذيلة ولا حول ولا قوة إلا بالله.


أيها المربي

اعلم أيها الأب أن الله سبحانه وتعالى كلفك بحماية نفسك وأسرتك جميعًا من هذه المفاوز السحيقة والأودية المهلكة التي لا توصل إلا إلى جهنم ساءت مستقرًا ومقامًا، قال سبحانه وتعالى: يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون {التحريم: 6}.
وقال صلى الله عليه وسلم : "كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته". فهل أعددت أيها الراعي للسؤال جوابًا؟

إن مرحلة الطفولة هي أهم مرحلة في وضع اللبنات الأساسية في ثقافة أولادنا وشخصياتهم، كما أن مرحلة المراهقة تعتبر أخطر المراحل، فهي مرحلة التمرد والاستقلالية والاعتراض على سلطة البيت والمربين، وقيود القيم والمبادئ، فإهمال المرحلة الأولى ينعكس سلبًا على المرحلة الثانية إلا من رحم الله وعصم.

ولا يكفى حسن النية من الآباء، وإحسان الظن بالأبناء، ولا يقبل عذرًا قولُ الآباء: إننا مشغولون بتوفير لقمة العيش والحياة الكريمة، فمثل هذه الحياة على ما سبق وصفه ليست حياة كريمة، وقد ذم الله تعالى في كتابه الذين يركزون في الحياة الدنيا على البطون والشهوات والمتعة، وبَيَّنَ أن ذلك هو الهدف الرئيس لأهل الكفر، فقال سبحانه: والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم {محمد: 12}، فكيف بنا وقد قلنا إننا رضينا بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًا ورسولاً ثم يصير حالنا كحالهم؟ عياذًا بالله.


أيتها المربية

إن المرأة المسلمة الصالحة هي التي تستطيع بإذن الله تعالى أن تباشر أولادها بالتربية الصحيحة النقية، ومن هؤلاء كثرة لكنهن في تيار الفتن الجارف قلة كالشعرة البيضاء في جسد الثور الأسود.
ومن أرادت أن تعلم أولادها الفضيلة فعليها أن تبدأ بنفسها لتكون قدوة في ذلك، ولتكون هي مقتدية بالصالحات القانتات من سلف الأمة.
وفي قصة موسى صلى الله عليه وسلم مع المرأتين في سورة القصص قال الله تعالى: ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير {القصص:23}.

فامتنعت المرأتان عن سقي غنمهما ابتعادًا عن مخالطة الرجال على البئر، وكان بإمكانهما أن يسقيا الغنم قبل كثير من الناس، وذلك بالتعرف على بعض الرجال الذين يحبون مخالطة النساء، كما يحدث من كثيرات ممن تظن أنها صاحبة فهم وحسن تصرف! لكنهما - رضي الله عنهما - لعفتهما امتنعتا عن مجرد الوقوف عند الرجال على البئر. فاعتزلتا بالغنم حتى يفرغ الرعاة من سقي غنمهم، ثم لما سألهما موسى #- ولم يكن بُعث بعد- عن خطبهما وحالهما ذكرتا أنهما لا تريدان مخالطة الرجال على البئر، وأن الذي دفعهما واضطرهما للخروج هكذا كِبَرُ سن الوالد المُقعد في المنزل فقالتا: وأبونا شيخ كبير، فلما جاء موسى إلى أبيهما وعلمت البنتان بقوته وأمانته وعفته أظهرتا رغبتهما في القرار في البيت وترك الخروج وقالت إحداهما: يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين {القصص: 26}، لكن أباهما حريص على بناته وعفتهما - وما أحوجنا إلى ذلك الحرص في أيامنا- فكيف يستأجره فيختلط ببناته بلا مَحْرَم والرجل ضعيف الحال كبير مقعد؟ فرأى أن زواج موسى بإحدى ابنتيه سيكون حلاً للمشكلة، بل جعل المهر أيضًا عملاً يُسهم في حلها، فقال لموسى: إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك {القصص: 27}، يعني يكون المهر خدمة الوالد في بيته وعمله ثمان سنوات أو عشرًا، فرضي موسى عليه السلام.

إن المربية العاقلة هي التي تعرف أن بيتها حصنها وصيانتها.

وعن عمرة رضي الله عنها أن الزبير كان شَرَط عند زواجها أن لا يمنعها من المسجد، وكانت امرأة خليقة (أي ذات خلق) فكانت إذا تهيأت للخروج للصلاة قال لها: والله إنك لتخرجين وإني لكاره، فتقول: فامنعني فأجلس، فيقول: كيف وقد شرطتُ لك ألا أفعل؟ فاحتال لها على الطريق في الغلس (ظلمة الليل)، فلما مرت وضع يده على كِفْلها فاسترجعت، ثم انصرفت إلى منزلها، فلما حان الوقت الذي كانت تخرج فيه إلى المسجد لم تخرج، فقال لها الزبير: ما لك لا تخرجين إلى الصلاة؟ قالت: فسد الناس، والله لا أخرج من منزلي!! فعلم أنها ستفي بما قالت، فقال: لا روع يا ابنة عمر، وأخبرها الخبر. {الاستيعاب لابن عبد البر: 4-19}

وكثير من النساء تتساهل في التستر وفي صيانة نفسها عن مجامع الرجال وخاصة في الحج فكيف بغير الحج؟ فيكشفن وجوههن ويختلطن بالرجال ويتعللن بعلل لا تشفي غليلاً ولا تصلح دليلاً، فتقول إحداهن: نحن في حج والقلوب صافية! وتقول أخرى: المهم القلب. إلخ. ونسأل: هل قلوب تلك النساء ومن حولهن من الرجال أصفى من قلوب نساء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن حولهن من الصحابة؟
والجواب: لا، فلماذا إذن قالت فاطمة بنت المنذر رضي الله عنها وهي العفيفة التقية النقية وكانت في الحج: "كنا نحمِّر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر- تعني جدتها-" قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المرأة تلبس المخيط كله والخِفاف ( الخف )، وأن لها أن تغطي رأسها وتستر شعرها إلا وجهها فتسدل عليه الثوب سدلاً خفيفًا تستتر به عن نظر الرجال.
وقى الله نساءنا الشرور وجنبهن التبرج والسفور.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


منقول من مجلة التوحيد عدد شهر شعبان 1426هـ
__________________

ب.علي
2010-03-29, 00:41
http://up.arabsgate.com/u/3250/2003/15193.gif