زهيرة
2008-11-30, 21:53
الفتن وأسباب السقوط فيها
وقوع الفتن سنة ربانية لا تتبدل، كما في قوله- تعالى-: ((أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ)) [العنكبوت:2]
وقد كتبها الله- عز وجل- على عباده لحكمٍ عظيمة: منها تمييز المؤمنين من غيرهم، ومنها تكفير السيئات ورفع الدرجات، ومنها غير ذلك مما لا نعلم.
فعن حذيفة- رضي الله عنه- قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً، فأيُّ قلبٍ أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين: أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر مر باداً، كالكوز مجخياً لا يعرف معروفاً، ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه )) [1].
والحديث عن الفتن وأسبابها يتطلب إفراد كلمة (الفتن) بالتعريف، والشرح، وتوضيح الفرق بين مد لولاتها.
فالفتن : وهي بكسر الفاء وفتح التاء، جمع فتنة، قال الأزهري : (جامع معنى الفتنة في كلام العرب الابتلاء والامتحان،وأصلها مأخوذ من قولك: [" فتنت الفضة والذهب "] أذبتهما بالنار ليتميز الردئ من الجيد،
ومن هذا قول الله جل وعز: (( يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ)) [ الذاريات:13] ،أي يُحرقون بالنار، وقال ابن الأنبا ري: [فتنت فلانة فلاناً، قال بعضهم: أمالته]. قال تعالى: (( وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ)) [الإسراء: 73] .
أي يميلونك، فتنت الرجل عن رأيه أي أزلته عما كان عليه، والفتنة: الإثم في قوله تعالى : (( وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ)) [التوبة:49] .
وأما قول النبي e: (( إني أرى الفتن خلال بيوتكم )) [2] .
فإنه يكون القتل والحروب والاختلاف، الذي يكون بين فرق المسلمين إذا تحزبوا. ويكون ما يبلون به من زينة الدنيا وشهواتها؛ فيفتنون بذلك عن الآخرة والعمل لها، والفتنة الإضلال في قوله تعالى : (( مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ)) [الصافات:162] .
يقول: ما أنتم بمضلين إلا من أضله الله، والفتنة العذاب نحو تعذيب الكفار ضعفي المؤمنين في أول الإسلام ليصدوهم عن الإيمان. وأخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي أنه قال: الفتنة الاختبار، والفتنة المحنة، والفتنة المال، والفتنة الأولاد، والفتنة الكفر، والفتنة اختلاف الناس بالآراء، والفتنة الإحراق، وقيل الفتنة: الغلو في التأويل المظلم، يقال: فلان مفتونٌ بطلب الدنيا، أي قد غلا في طلبها. وجماع الفتنة في كلام العرب: الابتلاء والامتحان) [3] ا.هـ.
مما سبق بيانه يتحصل لدينا أنَّ الفتنة تطلقُ ويرادُ منها معانٍ كثيرة يدلُ على كل معنى منها، ويعرف حسبما ورد بالسياق والقرائن،
ومن هذه المعاني :
ا- الابتلاء والامتحان.
2- الميل عن الحق.
3- الإثم.
4- القتل والحرب.
5- الاختلاف والفرقة.
6 - ا لإضلال.
7- الكفر.
8- العذاب.
9- الغلو. وغير ذلك من المعاني المذمومة.
والآن وبعد أن تبين لنا معنى الفتنة وما يتفرع عنها من المعاني، وبعد
أن تبين لنا خطرها وذم الشرع لها، وجب الحذر منها، والهرب والفرار والفزع إلى الله- عز وجل- من شرورها.
ومما يساعد على البعد عنها، أو النجاة منها إذا وقعت، معرفة أسبابها والطرق المؤدية إليها؛ لأنَّ معرفة أسباب السقوط فيها تعينُ على الوقاية منها قبل وقوعها، أو النجاة منها بعد وقوعها بإذن الله عز وجل.
أسباب السقوط في الفتن أعاذنا الله منها :
الأسباب المؤدية إلى ملابسة الفتن والسقوط فيها كثيرة، لكنها لا تخرج في مجموعها عن سببين هامين، يرجع إليهما جميع الأسباب.
وقد ذكر هذين السببين الإمامان الجليلان ابن تيمية وتلميذه ابن القيم- رحمهما الله تعالى- وعبرا عن ذلك بأسلوبين مختلفين لفظاً لكنهما متفقان في المعنى.
وأبدأ بما ذكره الإمام ابن تيمية- رحمه الله تعالى- عن هذين السببين، ثم أثني بما ذكره الإمام ابن القيم- رحمه الله تعالى-. وأختم هذا المبحث إن شاء الله تعالى بما تلخص من كلام الإمامين حول هذه الأسباب.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله تعالى-:
ولا تقع فتنة إلاَّ من ترك ما أمر الله به، فإنَّه سبحانه أمر بالحق وأمر بالصبر. فالفتنة : إما من ترك الحق، وإما من ترك الصبر.
فالمظلوم المحق الذي لا يقصر في عمله يؤمر بالصبر، فإذا لم يصبر فقد ترك المأمور.
وإن كان مجتهداً في معرفة الحق ولم يصبر، فليس هذا بوجه الحق مطلقاً، لكن هذا وجه نوع حق فيما أصابه، فينبغي أن يصبر عليه. وإن كان مقصراً في معرفة الحق، فصارت ثلاثة ذنوب: أنَّه لم يجتهد في معرفة الحق، وأنَّه لم يصبه، وأنَّه لم يصبر.
وقد يكون مصيباً فيما عرفه من الحق فيما يتعلق بنفسه، ولم يكن مصيباً في معرفة حكم الله في غيره؛ وذلك بأن يكون قد علم الحق في أصلٍ يختلف فيه بسماعٍ وخبر، أو بقياسٍ ونظر، أو بمعرفةٍ وبصر، ويظنُّ مع ذلك أن ذلك الغير التارك للإقرار بذلك الحق عاصٍ أو فاسق أو كافر. ولا يكون الأمر كذلك، لأنَّ ذلك الغير يكون مجتهداً، قد استفرغ وسعهُ، ولا يقدر على معرفة الأول؛ لعدم المقتضى، ووجود المانع.
وأمور القلوب لها أسبابٌ كثيرة، ولا يعرف كل أحد حال غيره من إيذاءٍ له بقولٍ أو فعل، قد يحسب المؤذى- إذا كان مظلوماً لا ريب فيه- أن ذلك المؤذي محض باغ عليه، ويحسب أنَّه يدفع ظلمه بكل ممكن. ويكون مخطئاً في هذين الأصلين، إذ قد يكون المؤذي متأولاً مخطئا، وإن كان ظالماً لا تأويل له فلا يحل دفع ظلمه بما فيه فتنة بين الأمة، وبما فيه شر أعظم من ظلمه. بل يؤمرُ المظلوم ها هنا بالصبر، فإنَّ ذلك في حقه محنة وفتنة. وإنَّما يقع المظلومُ في هذا لجزعه وضعف صبره، أو لقلة علمه وضعف رأيه. فإنَّهُ قد يحسب أنَّ القتل ونحوه من الفتن يدفع الظلم عنه، ولا يعلم أنَّه يضاعفُ الشر كما هو الواقع، وقد يكون جزعه يمنعه من الصبر.
والله سبحانه وصف الأئمة بالصبر واليقين، فقال: (( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ)) [السجدة:24] .
وقال: ((وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)) [العصر:3] [4]ا. هـ.
وهذا الكلام من شيخ الإسلام- رحمه الله تعالى- وإن كان متوجهاً
إلى فتنة البغي والاختلاف بين المسلمين، لكننا نجدهُ يعمم ذلك على كل فتنة، حيث يقول فيما سبق: (فالفتنة: إمَّا من ترك الحق، وإما من ترك الصبر).
وقوع الفتن سنة ربانية لا تتبدل، كما في قوله- تعالى-: ((أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ)) [العنكبوت:2]
وقد كتبها الله- عز وجل- على عباده لحكمٍ عظيمة: منها تمييز المؤمنين من غيرهم، ومنها تكفير السيئات ورفع الدرجات، ومنها غير ذلك مما لا نعلم.
فعن حذيفة- رضي الله عنه- قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً، فأيُّ قلبٍ أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين: أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر مر باداً، كالكوز مجخياً لا يعرف معروفاً، ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه )) [1].
والحديث عن الفتن وأسبابها يتطلب إفراد كلمة (الفتن) بالتعريف، والشرح، وتوضيح الفرق بين مد لولاتها.
فالفتن : وهي بكسر الفاء وفتح التاء، جمع فتنة، قال الأزهري : (جامع معنى الفتنة في كلام العرب الابتلاء والامتحان،وأصلها مأخوذ من قولك: [" فتنت الفضة والذهب "] أذبتهما بالنار ليتميز الردئ من الجيد،
ومن هذا قول الله جل وعز: (( يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ)) [ الذاريات:13] ،أي يُحرقون بالنار، وقال ابن الأنبا ري: [فتنت فلانة فلاناً، قال بعضهم: أمالته]. قال تعالى: (( وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ)) [الإسراء: 73] .
أي يميلونك، فتنت الرجل عن رأيه أي أزلته عما كان عليه، والفتنة: الإثم في قوله تعالى : (( وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ)) [التوبة:49] .
وأما قول النبي e: (( إني أرى الفتن خلال بيوتكم )) [2] .
فإنه يكون القتل والحروب والاختلاف، الذي يكون بين فرق المسلمين إذا تحزبوا. ويكون ما يبلون به من زينة الدنيا وشهواتها؛ فيفتنون بذلك عن الآخرة والعمل لها، والفتنة الإضلال في قوله تعالى : (( مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ)) [الصافات:162] .
يقول: ما أنتم بمضلين إلا من أضله الله، والفتنة العذاب نحو تعذيب الكفار ضعفي المؤمنين في أول الإسلام ليصدوهم عن الإيمان. وأخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي أنه قال: الفتنة الاختبار، والفتنة المحنة، والفتنة المال، والفتنة الأولاد، والفتنة الكفر، والفتنة اختلاف الناس بالآراء، والفتنة الإحراق، وقيل الفتنة: الغلو في التأويل المظلم، يقال: فلان مفتونٌ بطلب الدنيا، أي قد غلا في طلبها. وجماع الفتنة في كلام العرب: الابتلاء والامتحان) [3] ا.هـ.
مما سبق بيانه يتحصل لدينا أنَّ الفتنة تطلقُ ويرادُ منها معانٍ كثيرة يدلُ على كل معنى منها، ويعرف حسبما ورد بالسياق والقرائن،
ومن هذه المعاني :
ا- الابتلاء والامتحان.
2- الميل عن الحق.
3- الإثم.
4- القتل والحرب.
5- الاختلاف والفرقة.
6 - ا لإضلال.
7- الكفر.
8- العذاب.
9- الغلو. وغير ذلك من المعاني المذمومة.
والآن وبعد أن تبين لنا معنى الفتنة وما يتفرع عنها من المعاني، وبعد
أن تبين لنا خطرها وذم الشرع لها، وجب الحذر منها، والهرب والفرار والفزع إلى الله- عز وجل- من شرورها.
ومما يساعد على البعد عنها، أو النجاة منها إذا وقعت، معرفة أسبابها والطرق المؤدية إليها؛ لأنَّ معرفة أسباب السقوط فيها تعينُ على الوقاية منها قبل وقوعها، أو النجاة منها بعد وقوعها بإذن الله عز وجل.
أسباب السقوط في الفتن أعاذنا الله منها :
الأسباب المؤدية إلى ملابسة الفتن والسقوط فيها كثيرة، لكنها لا تخرج في مجموعها عن سببين هامين، يرجع إليهما جميع الأسباب.
وقد ذكر هذين السببين الإمامان الجليلان ابن تيمية وتلميذه ابن القيم- رحمهما الله تعالى- وعبرا عن ذلك بأسلوبين مختلفين لفظاً لكنهما متفقان في المعنى.
وأبدأ بما ذكره الإمام ابن تيمية- رحمه الله تعالى- عن هذين السببين، ثم أثني بما ذكره الإمام ابن القيم- رحمه الله تعالى-. وأختم هذا المبحث إن شاء الله تعالى بما تلخص من كلام الإمامين حول هذه الأسباب.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله تعالى-:
ولا تقع فتنة إلاَّ من ترك ما أمر الله به، فإنَّه سبحانه أمر بالحق وأمر بالصبر. فالفتنة : إما من ترك الحق، وإما من ترك الصبر.
فالمظلوم المحق الذي لا يقصر في عمله يؤمر بالصبر، فإذا لم يصبر فقد ترك المأمور.
وإن كان مجتهداً في معرفة الحق ولم يصبر، فليس هذا بوجه الحق مطلقاً، لكن هذا وجه نوع حق فيما أصابه، فينبغي أن يصبر عليه. وإن كان مقصراً في معرفة الحق، فصارت ثلاثة ذنوب: أنَّه لم يجتهد في معرفة الحق، وأنَّه لم يصبه، وأنَّه لم يصبر.
وقد يكون مصيباً فيما عرفه من الحق فيما يتعلق بنفسه، ولم يكن مصيباً في معرفة حكم الله في غيره؛ وذلك بأن يكون قد علم الحق في أصلٍ يختلف فيه بسماعٍ وخبر، أو بقياسٍ ونظر، أو بمعرفةٍ وبصر، ويظنُّ مع ذلك أن ذلك الغير التارك للإقرار بذلك الحق عاصٍ أو فاسق أو كافر. ولا يكون الأمر كذلك، لأنَّ ذلك الغير يكون مجتهداً، قد استفرغ وسعهُ، ولا يقدر على معرفة الأول؛ لعدم المقتضى، ووجود المانع.
وأمور القلوب لها أسبابٌ كثيرة، ولا يعرف كل أحد حال غيره من إيذاءٍ له بقولٍ أو فعل، قد يحسب المؤذى- إذا كان مظلوماً لا ريب فيه- أن ذلك المؤذي محض باغ عليه، ويحسب أنَّه يدفع ظلمه بكل ممكن. ويكون مخطئاً في هذين الأصلين، إذ قد يكون المؤذي متأولاً مخطئا، وإن كان ظالماً لا تأويل له فلا يحل دفع ظلمه بما فيه فتنة بين الأمة، وبما فيه شر أعظم من ظلمه. بل يؤمرُ المظلوم ها هنا بالصبر، فإنَّ ذلك في حقه محنة وفتنة. وإنَّما يقع المظلومُ في هذا لجزعه وضعف صبره، أو لقلة علمه وضعف رأيه. فإنَّهُ قد يحسب أنَّ القتل ونحوه من الفتن يدفع الظلم عنه، ولا يعلم أنَّه يضاعفُ الشر كما هو الواقع، وقد يكون جزعه يمنعه من الصبر.
والله سبحانه وصف الأئمة بالصبر واليقين، فقال: (( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ)) [السجدة:24] .
وقال: ((وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)) [العصر:3] [4]ا. هـ.
وهذا الكلام من شيخ الإسلام- رحمه الله تعالى- وإن كان متوجهاً
إلى فتنة البغي والاختلاف بين المسلمين، لكننا نجدهُ يعمم ذلك على كل فتنة، حيث يقول فيما سبق: (فالفتنة: إمَّا من ترك الحق، وإما من ترك الصبر).