ليتيم الشافعي
2008-11-30, 11:27
اسم الخطيبعدنان بن أحمد السيامي
http://www.alminbar.net/images/city-name-title.gif
مكة المكرمة
ملخص الخطبة
1- نعمة تمام الدين وكمال الإسلام قبل موته http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif. 2- تعريف البدعة. 3- المبتدع يتهم رسول الله بالتقصير في البلاغ. 4- كل بدع ضلالة. 5- معنى قول عمر: نعمت البدعة... . 6- البدعة تفرق الأمة. 7- أهل البدع يذادون عن الحوض. 8- أسباب انتشار البدع.
الخطبة الأولى
أما بعد:
فاتقوا الله – عباد الله – واعلموا أن نعم الله تعالى قد عمت البوادي والأمصار، وأن نعم الله لا تحصى بعدٍّ ولا تحد بمقدار، http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ ٱلإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif[إبراهيم:34]. فاتقوا الله واحمدوه على كل حال، وارغبوا إليه في حراسة النعم عن الزوال، وتقربوا إليه بالبعد عن قبائح الأفعال والأقوال، واحذروا المعاصي فإنها جالبة النقم ومغيرة النعم والأحوال، http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifإِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مّن دُونِهِ مِن وَالٍhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif[الرعد: 11].
والإسلام – عباد الله – أجلُّ نعم الله وأعظمها علينا، يقول تعالى: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلأسْلاَمَ دِيناًhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif[المائدة: 3].
هذه الآية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في يوم عظيم مشهود، يعض على يديه فيه كل صاحب قلب على الإسلام حقود حسود، أكمل الله تعالى في ذلك اليوم الدين، وأتم بذلك النعمة على العالمين، فليس بعد الإكمال مجال لاستدراك، وليس بعد الضلالة إلا الهلاك.
والإتمام للدين يفرض على أهل الإيمان الاتباع، ويحذرهم من طرق الهالكين في الابتداع.
الاتباع – عباد الله – سبيل النجاة المسلوك من سلفنا الماضين، أولئك الذين طار ذكرهم، وخُلدت مآثرهم باتباعهم لهدي سيد المرسلين.
والابتداع – عباد الله – سبلٌ من الشيطان متعددة، وأهواء متشعبة، ليس سبيل منها واحد، يؤدي إلى رضوان الله الرحمن الرحيم الواحد.
والبدعة – عباد الله – طريقة مخترعة في الدين تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله تعالى.
طريقة مخترعة في الدين، أي: لم تكن من هدي سيد المرسلين، من ختم الله به التشريعات إلى يوم الدين، ولم يجرِ عليها عمل سلفنا الماضين، من الصحابة الكرام والتابعين، فليس هو إلا وسواس الشياطين، يرتفع عنه أهل الرسوخ واليقين، ويهلك فيه كل حائر ظنين.
فما كان في زمنه صلى الله عليه وسلم شريعة من شعائر الإسلام، وعبادة يتقرب إلى الله بها أهلُ الطاعة والإيمان، فهو باقٍ كذلك إلى أن يرث الأرضَ ومن عليها الملكُ الديّان.
وما لم يكن في زمنه -http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif- مما تعارف على العمل به المسلمون، حماة الدين ونقلته المؤتمنون، فليس من الدين، ولا مما رضيه الله لنا رب العالمين.
قال ابن الماجشون: سمعت مالكًا رحمه الله يقول: "من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة؛ فقد زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم خان الرسالة؛ لأن الله يقول: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif[المائدة:3]. فما لم يكن يومئذ دينًا؛ فلا يكون اليوم دينًا".
قال ابن الجوزي: البدعة عبارة عن فعل ٍ لم يكن، فابتدع أي أُخترِع[1] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=4156#_ftn1).
فأيُّ إحداثٍ لعبادة لم يتعبدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يدل عليها كتاب ولا سنة، ولا جرى عليها عمل سلف الأمة، فهي بدعة، وكل بدعة ضلالة.
قال صلى الله عليه وسلم: ((كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار))[2] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=4156#_ftn2).
ولا بدَّ إخوة الإيمان من الرد على الشبهة التي يقذفها في قلوب المبتدعة الشيطان، فيقولون: كيف تقولون في قول عمر الفاروق: (نعمت البدعة هذه)[3] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=4156#_ftn3)، فليست كل بدعة ضلالة، وإلا لما نطق عمر بهذه المقالة.
إخوة الإيمان:
إنّ عمر لم يرد بقوله (نعمت البدعة هذه) البدعة في الدين، لعدم إحداثه لشيء لم يعمله سيد المرسلين، بل النبي صلى الله عليه وسلم قد قام بالناس ليلتين من رمضان، واحتجب عنهم الثالثة خشية أن يفرضها عليهم الرحمن، فكان الناس زمن الفاروق يصلون في ليالي رمضان في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم أوزاعاً، جماعاتٍ وفرادى، فرأى جمعهم على إمام واحد، كما صلوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أُمِن أن تفرض بعده صلى الله عليه وسلم، فلما حصل ذلك، ورآهم يصلون خلف أبيّ بن كعب كذلك، قال: (نعمت البدعة هذه).
قال ابن رجب: (وأما ما وقع في كلام السلف من استحسان بعض البدع، فإنما ذلك في البدع اللغويّة لا الشرعية، فمن ذلك قول عمر رضي الله عنه لما جمع الناس في قيام رمضان على إمام واحدٍ في المسجد، وخرج ورآهم يصلون كذلك فقال: نعمت البدعة هذه)[4] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=4156#_ftn4).
عباد الله:
الحديث عن الابتداع ليس من قبيل الأحاديث التي تقطع بها الساعات، ويشغل بها أوقات الفارغين بالمفيد من الكلمات. وليست خطباً يؤدى بها الواجب فقط على المنابر، ولا صحائف تسود ثم تنسى في بطون الدفاتر.
إن الحديث عن البدعة والابتداع حديث عن قضية خطيرة جليلة، وبيان وتوضيح لباقعة جدُّ عظيمة، ذلكم لما للبدعة من آثار مهلكة، وتبعات مردية، من تلكم الآثار والتبعات:
أن في البدعة طعناً في قيام النبي صلى الله عليه وسلم بتبليغ الدين على الوجه الأكمل؛ لأنه لم يذكر هذه البدعة، فلم يكن مقامه في ذلك بالمقام الأفضل.
أيُطعن في ثلاثة وعشرين عاماً من الجهاد والدعوة، علم وعمل، تربية وتعليم، تضحية وبذل، مجادلة لأهل الكفر ومجالدة.
لم يترك صلى الله عليه وسلم خيراً إلا وأرشد الأمة إليه، ولا شراً إلا وحذّر الأمة منه، قال صلى الله عليه وسلم: ((ما تركت شيئاً يقربكم إلى الله إلا وقد أمرتكم به، وما تركت شيئاً يبعدكم عن الله إلا وقد نهيتكم عنه))[5] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=4156#_ftn5).
ومن تلكم الآثار – عباد الله - أن صاحب البدعة مكذبٌ بلسان حاله بالقرآن، مُعرّضٌ نفسه للويل والحرمان، وموقفٌ لها على شفا حفرة من النيران، ألا يقول الله – تبارك وتعالى – في محكم تنزيله، وواضح تأويله: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلأسْلاَمَ دِيناًhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif[المائدة:3].
فماذا يقول صاحب البدعة، المجتهد في غير منفعة، ببدعته التي لم يأت بتصديقها سنة ولا كتاب، ولم يجرِ عليها عمل الأصحاب؟ إنه يقول ببدعته: هذه الآية غير صحيحة، والدين بنزولها لم يكمل، لأنّه لبدعتي التي ابتدعتها لم يشمل، فهذا حال المبتدعة مع هذه الآية، ومآلهم بسبب ابتداعهم في النهاية.
ومن تلكم الآثار – عباد الله - أن البدعة اجتهاد فيما يحسبه المبتدع طاعة، وحقيقته معاندة للشرع ومشاقة، يحسبه الطريق إلى الجنان، والواقع أنه يضلل عن طريق الرحمن، عمله يوم القيامة مردود، وسعيه يوم الحسرة هباءٌ منثور، قال تعالى: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراًhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif[الفرقان:23].
وقال http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))[6] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=4156#_ftn6). ولذلك يقول ابن مسعود: (الاقتصاد في السنة خير من الاجتهاد في بدعة)[7] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=4156#_ftn7).
ومن تلكم الآثار – إخوة الإيمان - أن البدعة سبب من أسباب وهن الأمة وتفرقها، ذلكم أنها من عند غير الله العالم بما يُصلحها، ففي البدعة مفارقة أهلها للجماعة، وشق لعصا الطاعة، فهي اعتماد على الرأي، واتباع للهوى، وقد حذّر منه المولى، فقال جل وعلا: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ ٱلْبَيّنَـٰتُhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [آل عمران:105]. وقال تعالى: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الأنعام:153]. وقال صلى الله عليه وسلم: ((افترقت اليهود على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة))[8] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=4156#_ftn8).
قال قتادة: "ولعمري لو كان أمر الخوارج هدى لاجتمع، ولكنه كان ضلالاً فتفرق، وكذلك الأمر إذا كان من عند غير الله وجدت فيه اختلافاً كثيراً"[9] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=4156#_ftn9).
ومن تلكم الآثار – إخوة الإيمان - أن صاحب البدعة يذاد عن حوض النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يسقى منه.
ذلكم الحوض العظيم الذي من شرب منه شربة واحدة، لا يظمأ بعدها أبداً.
أهل البدع والإحداث في الدين، يذادون عن حوض النبي صلى الله عليه وسلم الأمين، لأنهم لم يكونوا أمناء على دينه، ولا حماةً لسنته، فابتدعوا وأحدثوا، فذادوا عن حوضه الشريف يوم القيامة وزُجروا.
قال صلى الله عليه وسلم: ((تردُّ عليَ أمتي الحوض، وأنا أذود الناس عنه، كما يذود الرجل إبل الرجل عن إبله)) قالوا: يا نبي الله! أتعرفنا؟ قال: ((نعم، لكم سيما ليست لأحدٍ غيركم، تردون علي غراً محجلين من آثار الوضوء، وليصدّن عني طائفة منكم فلا يصلون، فأقول: يا رب! هؤلاء أصحابي، فيجيبني ملك، فيقول: وهل تدري ما أحدثوا بعدك؟))[10] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=4156#_ftn10).
وفيه رواية: ((ألا ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال، أناديهم: ألا هلمّ، فيقال: إنهم قد بدّلوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقاً)).
فاللهم ارزقنا الاعتصام بكتابك، وصدق الاتباع لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم، ولا تحرمنا يوم القيامة من الورود، على حوضه الشريف المورود.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
[1] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=4156#_ftnref1) تلبيس إبليس : ص16.
[2] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=4156#_ftnref2) أخرجه أحمد في المسند (16694) ، وأبو داود : (4607) ، من حديث العرباض بن سارية ، وصـححه الألبـاني في صحيـح سنن أبي داود (3851).
[3] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=4156#_ftnref3) أخرجه البيهقي شعب الإيمان : (3/177).
[4] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=4156#_ftnref4) جامع العلوم (2/128).
[5] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=4156#_ftnref5) أخرجه الطبراني في الكبير (2/155) ووثق رجاله الهيثمي في المجمع (8/264).
[6] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=4156#_ftnref6) أخرجه مسلم 1718 ، من حديث عائشة رضي الله عنها.
[7] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=4156#_ftnref7) أخرجه الحاكم في المستدرك : 11/103.
[8] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=4156#_ftnref8) المسند (2/332) ، وأبو داود (4596) ، والترمذي (2778) ، وابن ماجه (3991) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، وصححه الألباني صحيح سنن ابن ماجه (3240).
[9] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=4156#_ftnref9) أخرجه الطبري في تفسيره : 3/178.
[10] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=4156#_ftnref10) أخرجه مسلم (247).
http://www.alminbar.net/images/small-white-h-line.gif
http://www.alminbar.net/images/city-name-title.gif
مكة المكرمة
ملخص الخطبة
1- نعمة تمام الدين وكمال الإسلام قبل موته http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif. 2- تعريف البدعة. 3- المبتدع يتهم رسول الله بالتقصير في البلاغ. 4- كل بدع ضلالة. 5- معنى قول عمر: نعمت البدعة... . 6- البدعة تفرق الأمة. 7- أهل البدع يذادون عن الحوض. 8- أسباب انتشار البدع.
الخطبة الأولى
أما بعد:
فاتقوا الله – عباد الله – واعلموا أن نعم الله تعالى قد عمت البوادي والأمصار، وأن نعم الله لا تحصى بعدٍّ ولا تحد بمقدار، http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ ٱلإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif[إبراهيم:34]. فاتقوا الله واحمدوه على كل حال، وارغبوا إليه في حراسة النعم عن الزوال، وتقربوا إليه بالبعد عن قبائح الأفعال والأقوال، واحذروا المعاصي فإنها جالبة النقم ومغيرة النعم والأحوال، http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifإِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مّن دُونِهِ مِن وَالٍhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif[الرعد: 11].
والإسلام – عباد الله – أجلُّ نعم الله وأعظمها علينا، يقول تعالى: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلأسْلاَمَ دِيناًhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif[المائدة: 3].
هذه الآية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في يوم عظيم مشهود، يعض على يديه فيه كل صاحب قلب على الإسلام حقود حسود، أكمل الله تعالى في ذلك اليوم الدين، وأتم بذلك النعمة على العالمين، فليس بعد الإكمال مجال لاستدراك، وليس بعد الضلالة إلا الهلاك.
والإتمام للدين يفرض على أهل الإيمان الاتباع، ويحذرهم من طرق الهالكين في الابتداع.
الاتباع – عباد الله – سبيل النجاة المسلوك من سلفنا الماضين، أولئك الذين طار ذكرهم، وخُلدت مآثرهم باتباعهم لهدي سيد المرسلين.
والابتداع – عباد الله – سبلٌ من الشيطان متعددة، وأهواء متشعبة، ليس سبيل منها واحد، يؤدي إلى رضوان الله الرحمن الرحيم الواحد.
والبدعة – عباد الله – طريقة مخترعة في الدين تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله تعالى.
طريقة مخترعة في الدين، أي: لم تكن من هدي سيد المرسلين، من ختم الله به التشريعات إلى يوم الدين، ولم يجرِ عليها عمل سلفنا الماضين، من الصحابة الكرام والتابعين، فليس هو إلا وسواس الشياطين، يرتفع عنه أهل الرسوخ واليقين، ويهلك فيه كل حائر ظنين.
فما كان في زمنه صلى الله عليه وسلم شريعة من شعائر الإسلام، وعبادة يتقرب إلى الله بها أهلُ الطاعة والإيمان، فهو باقٍ كذلك إلى أن يرث الأرضَ ومن عليها الملكُ الديّان.
وما لم يكن في زمنه -http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif- مما تعارف على العمل به المسلمون، حماة الدين ونقلته المؤتمنون، فليس من الدين، ولا مما رضيه الله لنا رب العالمين.
قال ابن الماجشون: سمعت مالكًا رحمه الله يقول: "من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة؛ فقد زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم خان الرسالة؛ لأن الله يقول: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif[المائدة:3]. فما لم يكن يومئذ دينًا؛ فلا يكون اليوم دينًا".
قال ابن الجوزي: البدعة عبارة عن فعل ٍ لم يكن، فابتدع أي أُخترِع[1] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=4156#_ftn1).
فأيُّ إحداثٍ لعبادة لم يتعبدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يدل عليها كتاب ولا سنة، ولا جرى عليها عمل سلف الأمة، فهي بدعة، وكل بدعة ضلالة.
قال صلى الله عليه وسلم: ((كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار))[2] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=4156#_ftn2).
ولا بدَّ إخوة الإيمان من الرد على الشبهة التي يقذفها في قلوب المبتدعة الشيطان، فيقولون: كيف تقولون في قول عمر الفاروق: (نعمت البدعة هذه)[3] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=4156#_ftn3)، فليست كل بدعة ضلالة، وإلا لما نطق عمر بهذه المقالة.
إخوة الإيمان:
إنّ عمر لم يرد بقوله (نعمت البدعة هذه) البدعة في الدين، لعدم إحداثه لشيء لم يعمله سيد المرسلين، بل النبي صلى الله عليه وسلم قد قام بالناس ليلتين من رمضان، واحتجب عنهم الثالثة خشية أن يفرضها عليهم الرحمن، فكان الناس زمن الفاروق يصلون في ليالي رمضان في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم أوزاعاً، جماعاتٍ وفرادى، فرأى جمعهم على إمام واحد، كما صلوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أُمِن أن تفرض بعده صلى الله عليه وسلم، فلما حصل ذلك، ورآهم يصلون خلف أبيّ بن كعب كذلك، قال: (نعمت البدعة هذه).
قال ابن رجب: (وأما ما وقع في كلام السلف من استحسان بعض البدع، فإنما ذلك في البدع اللغويّة لا الشرعية، فمن ذلك قول عمر رضي الله عنه لما جمع الناس في قيام رمضان على إمام واحدٍ في المسجد، وخرج ورآهم يصلون كذلك فقال: نعمت البدعة هذه)[4] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=4156#_ftn4).
عباد الله:
الحديث عن الابتداع ليس من قبيل الأحاديث التي تقطع بها الساعات، ويشغل بها أوقات الفارغين بالمفيد من الكلمات. وليست خطباً يؤدى بها الواجب فقط على المنابر، ولا صحائف تسود ثم تنسى في بطون الدفاتر.
إن الحديث عن البدعة والابتداع حديث عن قضية خطيرة جليلة، وبيان وتوضيح لباقعة جدُّ عظيمة، ذلكم لما للبدعة من آثار مهلكة، وتبعات مردية، من تلكم الآثار والتبعات:
أن في البدعة طعناً في قيام النبي صلى الله عليه وسلم بتبليغ الدين على الوجه الأكمل؛ لأنه لم يذكر هذه البدعة، فلم يكن مقامه في ذلك بالمقام الأفضل.
أيُطعن في ثلاثة وعشرين عاماً من الجهاد والدعوة، علم وعمل، تربية وتعليم، تضحية وبذل، مجادلة لأهل الكفر ومجالدة.
لم يترك صلى الله عليه وسلم خيراً إلا وأرشد الأمة إليه، ولا شراً إلا وحذّر الأمة منه، قال صلى الله عليه وسلم: ((ما تركت شيئاً يقربكم إلى الله إلا وقد أمرتكم به، وما تركت شيئاً يبعدكم عن الله إلا وقد نهيتكم عنه))[5] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=4156#_ftn5).
ومن تلكم الآثار – عباد الله - أن صاحب البدعة مكذبٌ بلسان حاله بالقرآن، مُعرّضٌ نفسه للويل والحرمان، وموقفٌ لها على شفا حفرة من النيران، ألا يقول الله – تبارك وتعالى – في محكم تنزيله، وواضح تأويله: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلأسْلاَمَ دِيناًhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif[المائدة:3].
فماذا يقول صاحب البدعة، المجتهد في غير منفعة، ببدعته التي لم يأت بتصديقها سنة ولا كتاب، ولم يجرِ عليها عمل الأصحاب؟ إنه يقول ببدعته: هذه الآية غير صحيحة، والدين بنزولها لم يكمل، لأنّه لبدعتي التي ابتدعتها لم يشمل، فهذا حال المبتدعة مع هذه الآية، ومآلهم بسبب ابتداعهم في النهاية.
ومن تلكم الآثار – عباد الله - أن البدعة اجتهاد فيما يحسبه المبتدع طاعة، وحقيقته معاندة للشرع ومشاقة، يحسبه الطريق إلى الجنان، والواقع أنه يضلل عن طريق الرحمن، عمله يوم القيامة مردود، وسعيه يوم الحسرة هباءٌ منثور، قال تعالى: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراًhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif[الفرقان:23].
وقال http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))[6] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=4156#_ftn6). ولذلك يقول ابن مسعود: (الاقتصاد في السنة خير من الاجتهاد في بدعة)[7] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=4156#_ftn7).
ومن تلكم الآثار – إخوة الإيمان - أن البدعة سبب من أسباب وهن الأمة وتفرقها، ذلكم أنها من عند غير الله العالم بما يُصلحها، ففي البدعة مفارقة أهلها للجماعة، وشق لعصا الطاعة، فهي اعتماد على الرأي، واتباع للهوى، وقد حذّر منه المولى، فقال جل وعلا: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ ٱلْبَيّنَـٰتُhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [آل عمران:105]. وقال تعالى: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الأنعام:153]. وقال صلى الله عليه وسلم: ((افترقت اليهود على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة))[8] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=4156#_ftn8).
قال قتادة: "ولعمري لو كان أمر الخوارج هدى لاجتمع، ولكنه كان ضلالاً فتفرق، وكذلك الأمر إذا كان من عند غير الله وجدت فيه اختلافاً كثيراً"[9] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=4156#_ftn9).
ومن تلكم الآثار – إخوة الإيمان - أن صاحب البدعة يذاد عن حوض النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يسقى منه.
ذلكم الحوض العظيم الذي من شرب منه شربة واحدة، لا يظمأ بعدها أبداً.
أهل البدع والإحداث في الدين، يذادون عن حوض النبي صلى الله عليه وسلم الأمين، لأنهم لم يكونوا أمناء على دينه، ولا حماةً لسنته، فابتدعوا وأحدثوا، فذادوا عن حوضه الشريف يوم القيامة وزُجروا.
قال صلى الله عليه وسلم: ((تردُّ عليَ أمتي الحوض، وأنا أذود الناس عنه، كما يذود الرجل إبل الرجل عن إبله)) قالوا: يا نبي الله! أتعرفنا؟ قال: ((نعم، لكم سيما ليست لأحدٍ غيركم، تردون علي غراً محجلين من آثار الوضوء، وليصدّن عني طائفة منكم فلا يصلون، فأقول: يا رب! هؤلاء أصحابي، فيجيبني ملك، فيقول: وهل تدري ما أحدثوا بعدك؟))[10] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=4156#_ftn10).
وفيه رواية: ((ألا ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال، أناديهم: ألا هلمّ، فيقال: إنهم قد بدّلوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقاً)).
فاللهم ارزقنا الاعتصام بكتابك، وصدق الاتباع لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم، ولا تحرمنا يوم القيامة من الورود، على حوضه الشريف المورود.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
[1] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=4156#_ftnref1) تلبيس إبليس : ص16.
[2] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=4156#_ftnref2) أخرجه أحمد في المسند (16694) ، وأبو داود : (4607) ، من حديث العرباض بن سارية ، وصـححه الألبـاني في صحيـح سنن أبي داود (3851).
[3] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=4156#_ftnref3) أخرجه البيهقي شعب الإيمان : (3/177).
[4] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=4156#_ftnref4) جامع العلوم (2/128).
[5] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=4156#_ftnref5) أخرجه الطبراني في الكبير (2/155) ووثق رجاله الهيثمي في المجمع (8/264).
[6] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=4156#_ftnref6) أخرجه مسلم 1718 ، من حديث عائشة رضي الله عنها.
[7] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=4156#_ftnref7) أخرجه الحاكم في المستدرك : 11/103.
[8] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=4156#_ftnref8) المسند (2/332) ، وأبو داود (4596) ، والترمذي (2778) ، وابن ماجه (3991) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، وصححه الألباني صحيح سنن ابن ماجه (3240).
[9] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=4156#_ftnref9) أخرجه الطبري في تفسيره : 3/178.
[10] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=4156#_ftnref10) أخرجه مسلم (247).
http://www.alminbar.net/images/small-white-h-line.gif