zembla
2008-11-26, 15:16
إعداد : أبو يوسف من كتاب" فقه النصر والتمكين "د/ على محمد الصلابي
إن قصة طالوت عليه السلام توضح نوعًا من أنواع التمكين ألا وهو نصر الله للمؤمنين على الكافرين في المعارك.
وقد شعر القوم بالذل ومرارة الهزيمة والهوان، وكان هذا الشعور عند الجميع، العامة والملأ المالكين فيهم، فأرادوا أن يغيروا واقعهم الذليل، وأن يبدلوا ذلهم عزة وهزيمتهم نصرًا، وعلموا أن السبيل الوحيد لذلك هو الجهاد والقتال، لذلك لجأ الملأ الحاكمون فيهم إلى نبيهم، وفزعوا إليه، وطلبوا منه أن يختار لهم ملكًا يتولى أمورهم، ويقودهم إلى العزة والنصرة، ويقاتل لهم أعداءهم في سبيل الله. ويبدو أن ذلك النبي كان يعلم طبيعتهم المائعة وهمتهم الرخوة، وأنهم عندما يؤمرون بالقتال،فسوف ينكصون عنه ويقعدون عن خوضه، فقال لهم: أخشى عليكم الامتناع عن أمر الله عندما يأمركم بالجهاد، فردوا بحماسة بأنهم عازمون, وبينوا الأسباب التي تدعو إلى قتال أعدائهم, فبعد ذلك سأل نبيهم ربه، فأوحى إليهم أن طالوت ملكهم، فاحتجوا بحجج واهية نسفها لهم نبيهم وعندما جاء وقت الجد والكفاح والقتال والجهاد بدأوا في التساقط ولم يصبر مع طالوت إلا فئة قليلة سمعت وأطاعت واعتمدت على خالقها، فنصرهم الله على أعدائهم.
ولقد وقف العلماء على هذه القصة العظيمة يدرسونها ويغترفون من بحرها العميق دروسًا مفيدة في تكوين الأفراد وقيادة الجماعات وإحياء الشعوب والسعي بها نحو التمكين.
فالقصة هذه مثلاً:
فيها دروس للدعاة في التعامل مع الآخرين، ودروس للمصلحين الذين يريدون تغيير الواقع السيئ الذي تعيشه الأمة، ودروس للمجاهدين الذين يعملون على تبديل الذل إلى عزة والهزيمة إلى نصر، ودروس للذين يعتمدون على الجماهير، ويصدّقون اندفاعهم وحماستهم، ويضعون على أساسها خططهم وبرامجهم، فتتخلى عنهم الجماهير وقت الحاجة، ودروس في التربية الفردية والجماعية، ودروس في الضبط والحزم والامتحان، ودروس في الجهاد والقتال وخوض المعركة، والتوجه إلى الله والاستنصار به، وعدم الرعب والهلع من قوة الأعداء، وفيها دروس في أسس اختيار الحكام والمسئولين وما هي مواصفات الحكام المطلوبة، إن هذه القصة مليئة بالدروس والعبر في مجال الدعوة والداعية، والحاكم والمحكوم، والجندي والقائد، وفي مجال الإيمان والعقيدة، والدعوة والجهاد، والإصلاح والتغيير, والتوجيه والتربية، والسياسة والولاية، والحكم والسيادة.
إن هذا العصر يتطلب من العلماء أن يبتعدوا عن الترف الفكري والعلمي، لأننا مطالبون بالإصلاح والدعوة والتغيير، كما أن علينا مسئوليات عظيمة لتغيير واقع الأمة من الحضيض التي فيه إلى قمة العزة والتمكين التي يريدها الله لها.
إن من الضروري للأمة الإسلامية أن تعي سنة الله - تعالى - في دفع الناس بعضهم ببعض: «لتدرك أن سنة الله - تعالى - في تدمير الباطل أن يقوم في الأرض حق يتمثل في أمة، ثم يقذف الله - تعالى - بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق».(1)
إن الحق يحتاج إلى عزائم تنهض به، وسواعد تمضى به، وقلوب تحنو عليه، وأعصاب ترتبط به.. إنه يحتاج إلى الطاقة البشرية, الطاقة القادرة القوية، والطاقة الواعية العاملة..إنه يحتاج إلى جهد بشري، لأن هذه سنة الله تعالى في الحياة الدنيا سنة ماضية : [فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً] [فاطر: 43].(2)
والعبرة الكلية تبرز من القصة كلها، هي أن هذه الانتفاضة- انتفاضة العقيدة - على الرغم من كل ما اعتورها أمام التجربة الواقعة من نقص وضعف، ومن تخلى القوم عنها فوجًا بعد فوج في مراحل الطريق على الرغم من هذا كله، فإن ثبات حفنة قليلة من المؤمنين عليها قد حقق لبنى إسرائيل نتائج ضخمة جدًا، فقد كان فيها العز والنصر والتمكين، بعد الهزيمة المنكرة، والمهانة الفاضحة، والتشريد الطويل، والذل تحت أقدام المتسلطين.
والعبرة الأخيرة التي تكمن في مصير المعركة.. أن القلب الذي يتصل بالله، تتغير موازينه وتصوراته، لأنه يرى الواقع الصغير المحدود بعين تمتد وراءه إلى الواقع الكبير الممتد الواصل، وإلى أصل الأمور كلها وراء الواقع الصغير المحدود, فهذه الفئة المؤمنة الصغيرة التي ثبتت وخاضت المعركة وتلقت النصر كانت ترى من قلتها وكثرة عدوها، ما يراه الآخرون الذين قالوا: [لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ] ولكنها لم تحكم حكمهم على الموقف إنما حكمت حكمًا آخر، فقالت: [كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ] ثم اتجهت لربها تدعوه: [رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ] وهي تحس أن ميزان القوى ليس في أيدي الكافرين، إنما هو في يد الله وحده، فطلبت منه النصر، ونالته من اليد التي تملكه وتعطيه.
وهكذا تتغير التصورات والموازين للأمور عند الاتصال بالله حقًا، وعندما يتحقق في القلب الإيمان الصحيح، وهكذا يثبت أن التعامل مع الواقع الظاهر للقلوب أصدق من التعامل مع الواقع الصغير الظاهر للعيون!.
.................................................. .................................................. ...................................
( 1) في ظلال القرآن (2/1091)
( 2) انظر: التمكين للأمة الإسلامية ص 225.
إن قصة طالوت عليه السلام توضح نوعًا من أنواع التمكين ألا وهو نصر الله للمؤمنين على الكافرين في المعارك.
وقد شعر القوم بالذل ومرارة الهزيمة والهوان، وكان هذا الشعور عند الجميع، العامة والملأ المالكين فيهم، فأرادوا أن يغيروا واقعهم الذليل، وأن يبدلوا ذلهم عزة وهزيمتهم نصرًا، وعلموا أن السبيل الوحيد لذلك هو الجهاد والقتال، لذلك لجأ الملأ الحاكمون فيهم إلى نبيهم، وفزعوا إليه، وطلبوا منه أن يختار لهم ملكًا يتولى أمورهم، ويقودهم إلى العزة والنصرة، ويقاتل لهم أعداءهم في سبيل الله. ويبدو أن ذلك النبي كان يعلم طبيعتهم المائعة وهمتهم الرخوة، وأنهم عندما يؤمرون بالقتال،فسوف ينكصون عنه ويقعدون عن خوضه، فقال لهم: أخشى عليكم الامتناع عن أمر الله عندما يأمركم بالجهاد، فردوا بحماسة بأنهم عازمون, وبينوا الأسباب التي تدعو إلى قتال أعدائهم, فبعد ذلك سأل نبيهم ربه، فأوحى إليهم أن طالوت ملكهم، فاحتجوا بحجج واهية نسفها لهم نبيهم وعندما جاء وقت الجد والكفاح والقتال والجهاد بدأوا في التساقط ولم يصبر مع طالوت إلا فئة قليلة سمعت وأطاعت واعتمدت على خالقها، فنصرهم الله على أعدائهم.
ولقد وقف العلماء على هذه القصة العظيمة يدرسونها ويغترفون من بحرها العميق دروسًا مفيدة في تكوين الأفراد وقيادة الجماعات وإحياء الشعوب والسعي بها نحو التمكين.
فالقصة هذه مثلاً:
فيها دروس للدعاة في التعامل مع الآخرين، ودروس للمصلحين الذين يريدون تغيير الواقع السيئ الذي تعيشه الأمة، ودروس للمجاهدين الذين يعملون على تبديل الذل إلى عزة والهزيمة إلى نصر، ودروس للذين يعتمدون على الجماهير، ويصدّقون اندفاعهم وحماستهم، ويضعون على أساسها خططهم وبرامجهم، فتتخلى عنهم الجماهير وقت الحاجة، ودروس في التربية الفردية والجماعية، ودروس في الضبط والحزم والامتحان، ودروس في الجهاد والقتال وخوض المعركة، والتوجه إلى الله والاستنصار به، وعدم الرعب والهلع من قوة الأعداء، وفيها دروس في أسس اختيار الحكام والمسئولين وما هي مواصفات الحكام المطلوبة، إن هذه القصة مليئة بالدروس والعبر في مجال الدعوة والداعية، والحاكم والمحكوم، والجندي والقائد، وفي مجال الإيمان والعقيدة، والدعوة والجهاد، والإصلاح والتغيير, والتوجيه والتربية، والسياسة والولاية، والحكم والسيادة.
إن هذا العصر يتطلب من العلماء أن يبتعدوا عن الترف الفكري والعلمي، لأننا مطالبون بالإصلاح والدعوة والتغيير، كما أن علينا مسئوليات عظيمة لتغيير واقع الأمة من الحضيض التي فيه إلى قمة العزة والتمكين التي يريدها الله لها.
إن من الضروري للأمة الإسلامية أن تعي سنة الله - تعالى - في دفع الناس بعضهم ببعض: «لتدرك أن سنة الله - تعالى - في تدمير الباطل أن يقوم في الأرض حق يتمثل في أمة، ثم يقذف الله - تعالى - بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق».(1)
إن الحق يحتاج إلى عزائم تنهض به، وسواعد تمضى به، وقلوب تحنو عليه، وأعصاب ترتبط به.. إنه يحتاج إلى الطاقة البشرية, الطاقة القادرة القوية، والطاقة الواعية العاملة..إنه يحتاج إلى جهد بشري، لأن هذه سنة الله تعالى في الحياة الدنيا سنة ماضية : [فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً] [فاطر: 43].(2)
والعبرة الكلية تبرز من القصة كلها، هي أن هذه الانتفاضة- انتفاضة العقيدة - على الرغم من كل ما اعتورها أمام التجربة الواقعة من نقص وضعف، ومن تخلى القوم عنها فوجًا بعد فوج في مراحل الطريق على الرغم من هذا كله، فإن ثبات حفنة قليلة من المؤمنين عليها قد حقق لبنى إسرائيل نتائج ضخمة جدًا، فقد كان فيها العز والنصر والتمكين، بعد الهزيمة المنكرة، والمهانة الفاضحة، والتشريد الطويل، والذل تحت أقدام المتسلطين.
والعبرة الأخيرة التي تكمن في مصير المعركة.. أن القلب الذي يتصل بالله، تتغير موازينه وتصوراته، لأنه يرى الواقع الصغير المحدود بعين تمتد وراءه إلى الواقع الكبير الممتد الواصل، وإلى أصل الأمور كلها وراء الواقع الصغير المحدود, فهذه الفئة المؤمنة الصغيرة التي ثبتت وخاضت المعركة وتلقت النصر كانت ترى من قلتها وكثرة عدوها، ما يراه الآخرون الذين قالوا: [لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ] ولكنها لم تحكم حكمهم على الموقف إنما حكمت حكمًا آخر، فقالت: [كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ] ثم اتجهت لربها تدعوه: [رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ] وهي تحس أن ميزان القوى ليس في أيدي الكافرين، إنما هو في يد الله وحده، فطلبت منه النصر، ونالته من اليد التي تملكه وتعطيه.
وهكذا تتغير التصورات والموازين للأمور عند الاتصال بالله حقًا، وعندما يتحقق في القلب الإيمان الصحيح، وهكذا يثبت أن التعامل مع الواقع الظاهر للقلوب أصدق من التعامل مع الواقع الصغير الظاهر للعيون!.
.................................................. .................................................. ...................................
( 1) في ظلال القرآن (2/1091)
( 2) انظر: التمكين للأمة الإسلامية ص 225.