تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الخطاب الغائب


طالب المعالي
2008-11-26, 08:09
إن بناء الإنسان من خلال الخطاب والإقناع يعتبر من أرقى أنواع حرية الاختيار وتكريم الإنسان والاعتراف بإنسانيته.
كما أن الأمة المسلمة ، أمة الفكرة ، هي الأمة الوحيدة التي تشكلت من خلال كتاب وخطاب بنا لها قناعات ، ومكنها من الفهم والتفاهم ، وانتهى بها إلى الإيمان بقيم ومثل إنسانية .
وأن مجاهدة الأمة المسلمة تاريخيا تمحورت حول الخطاب القرآني ، وانطلقت منه ، وعادت إليه ، ولذلك كانت المهمة الأساس للرسول الخاتم البلاغ ، وكان الخطاب القرآني هو ميدان الجهاد الكبير والحقيقي : ( فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا ..) الفرقان52.
إن ميدان المجاهدة الثقافية هي من أكبر المعارك التي يتطلب بناء خطابها الكثير من المدارك اللغوية والعلوم التربوية ، والمعارف الاجتماعية والإنسانية والنفسية والعلمية والسياسية ، حتى يؤتى أصحابها الحكمة و فصل الخطاب ....
والحكمة بأبسط مدلولاتها ، تعني : وضع الأمور بمواضعها ، فلكل مقام مقال ، ولكل ميدان مفرداته ، ولكل مستوى خطاب، * ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة * أخرجه مسلم عن ابن مسعود .
ولذلك لا بد أن ندرك من نخاطب ؟ ومتى تخاطب ؟ كيف تخاطب ؟ ولماذا تخاطب ؟ وندرك كيف نتأدب بأدب المعرفة ونتوقف عن الخطاب فيما ليس لنا به علم ، قال تعالى : ( ولا تقف ماليس لك به علم ) الإسراء 36
ولعل من الحكمة وفصل الخطاب أن ندرك أيضا أن لكل حالة خطابها ومفرداتها ومصطلحاتها ، ولكل خطاب مواصفاته ومقوماته وشروطه ، فللتربية خطابها ، وللدعوة خطابها ، وللحوار خطابه ، وللعلم خطابه ، وللمعركة خطابها ....
والقرآن الكريم منطلقنا إلى بناء خطابنا المعاصر ، ....علما بأن الخطاب القرآني قد استخدم كل فنون وأجناس القول ، من القصة والمثل ، والبرهان الكوني ، والدليل العقلي ، ودفع الإنسان نحو اتفكير والاستنتاج والقياس والمقارنة والاستقراء ، وخاطب الإنسان عقلا وعاطفة ومشاعر وأحاسيس وفطرة وتاريخا ونشأة ومصيرا .
فكيف نستطيع اليوم أن نحاكي أساليب القرآن وفنونه في القول ، لنجدد خطابنا ونسترد المواصفات الغائبة ، ونعاود إخراج الأمة من جديد ، ونمتلك البلاغ الملائم لخطاب الآخر ، وإلحاق الرحمة به ، استجابة لقوله تعالى : ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) الأنبياء 107.
فالخطاب يصنع الإنسان ، والإنسان يصنع الحضارة .
* نقلته لكم حصريا على منتدى الجلفة .