تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : وتقتلني الكلمات


زيتوني محرز
2011-11-06, 19:07
وتقتلني الكلمات
عندما تحترق الهوام الملتصقة بالمصابيح ..هل أنت السبب لأنك أشعلت لها النور ..؟
ينطفئ النور ..أحس بالخوف .. رباط العنق يشدني شدا ، أحس بيد باردة تربت على كتفي ، ألتفت ، لا أعثر على أحد ، يزداد خوفي ، تختلط الأصوات في ذاكرتي ،تتراقص الأشباح أمام ناظري ، أصرخ ، صراخي لا يتعدى الحنجرة ، عيناي تبحلقان في المجهول ، قلبي يرتعد فرقا ، أجري .. أقف .. أدور ..أسقط .. أنهض ..أركض .. وتضيع كل الحركات الإرادية كطير مذبوح ينوس من شدة الألم ، وتسقط القاذورات على رأسي ، أرفع بصري إلى الأعلى ، رذاذ الأوساخ قادم من عمارة تسبح في الماء الآسن، ألعن الزمن الدوار ، أحوقل ، أستغفر الله ، أجري ، رنين السيارات يجبرني على اقتفاء الرصيف ، أحشر نفسي مع الجموع المتزاحمة ، أحس بوخز الأقدام المتدلية على أعمدة الرصيف ، يعترضني فوج من بنات حواء، حركاتهن سريعة مضطربة كجيش منهزم ، ورائهن كوكبة من الشباب بنظاراته السوداء ، و سراويله المضغوطة ، و شعره المتجعد المتدلي على أكتاف عريضة ، أحوقل في نفسي ، أهمس : - وذلك أضعف الإيمان .
أركض من جديد ، أتحسس الجدران الباردة التي تحيط بي، أرتطم بالأرض .. المسامير المتناثرة على الأرضية تتغرز في جسدي ، يتجدد النزيف ، يعاودني الغثيان ، أتطحلب على أديم الأرض ، يتبادر إلى سمعي صوت قادم من اللانهاية : - أتعرفني ؟ - .
أحاول تبين الصوت ، رائحة المراحيض تدخل الأنف عنوة ، أرفع يدي لأوقف نفوذ هذه الرائحة لرئتي المسلولتين : يأتي الصوت أكثر وضوحا هذه المرة :
- أنا بطلة قصتك الأخيرة ، أنا تلك المرأة التي وصفتها بالعاهرة قليلة الأخلاق ، لمذا تظلمني يا هذا ؟ أتعرف لما أصبحت كما صورتني ريشتك السحرية ؟ كتاباتك و كتابات زملائك التي علّمتني كيف أبيع شرفي من أجل متعة عارضة ، كنت مراهقة عندما قرأت قصصك ، هزني أسلوبها بل أقولها صراحة هزتني المغامرات العاطفية التي لا تخلو منها صفحة واحدة ، و بدأت أجرّب ، كانت نظرة أولى فابتسامة و مواعيد ثم .... ولما صحوت عرفت أنني قد فقدت كل شيء، بل أعزّ شيء تفتخر به أنثى : شرفي و كبريائي و حتى عائلتي ، نعم عائلتي التي طردتني إلى الشارع و لا ألومها على ذلك – فالعار يخرب الدار - ، حاولت أن أجمع ما تبقى من ماء وجهي ، وأنّ ألّم شتلت نفسي المبعثرة ، لكن فات القطار و لم يعد ،، و حتى لو عاد من يقبل فتاة دون شرف ؟ رجعت إلى قصصك فلم أجد حلا إلا أن أبيع نفسي في المزاد العلني ، و بقيت عانسا أتأرجح بين حبلين : الرجل الذي يريدني عملة صعبة يدخل بها السوق ، والمجتمع الذي يريدني مثالا للصلاح لأربي الجيل الجديد ،، و بقيت أقتات من كبريائي ، و أنهش من شرفي ، و عجلة الحياة تنهب الأرض نهبا ، و ترمي كل القاذورات في دواليبها ، ونهضت يوما لأجدك قد وسخت مسوداتك لتصفني كما إشتهت نفسك المريضة . إتّق الله في نفسك ، ولا تزرع بذورك المسمومة في الأرض الطيبة -.
أتحسس الجرح النازف ، أشم رائحة الدم المختلط بصدأ المسامير ، أتطحلب على الأرض ، أحاول القيام ، يشتد الظلام ، يكبلني الجرح ، أرتمي أرضا ، أقدام آدمية ترفسني ، تتغوط الأيام على بدني.
- أين أنت يا -...- ، لقد أخطأت في حقك ، كان علي أن آخذ بيدك إلى النور، إلى الحياة ، كان علي أن أخرجك من دوامة اليأس إلى اشراقة الأمل ،، أعذريني ، أعذريني ؟ -
ترفسني الأقدام من جديد ،، تتقدم مني امرأة نصف عارية ، الدود يأكل كيانها ، تتناقص تدريجيا ، تتلاشى كشمعة من وهج الخطيئة، أمد يدي ، أقبض على الريح ، يعاودني الغثيان و التقزز ، أتقدم من الصخرة المطلة على البحر ، أتأمل الموج المعربد في جنون ، أتذكر كل الذين أعرفهم ، يراودني الشوق إلى حضن أمي ، فأرتعد ، تتقلص عضلاتي عنوة ، أقفز ... لا ... لا يمكن ... ترفسني أقدام كثيرة ، أتحسس الحذاء الذي وقع بثقله على خارطة القلب ، إنه الحذاء نفسه الذي ألبسته بطل قصتي الأخيرة ، مدور من الأمام ، أملس ، يصلح لقدم ملت التسكع في عرض الأزقة و المقاهي .
- آه ... آه ... أمازلت تذكرني أيها القاص المبجل ، صنعت مني بطلا ضعيفا مهمته في الحياة البطالة و التسكع ، لتصنع من شاكلتي الكثير من أندادي ، و دفعتني إلى الانتحار دفعا جعلت مني شابا مائعا لا هدف له في الحياة ، جزائك الوحيد أن تنتحر ... هيّا انتحر ... -.
أحس بيد تدفعني لأسقط من أعلى الصخر ، أتهاوى ... أتهاوى ... أصرخ ثم ...
صوت المؤذن – الصلاة خير من النوم – يقطع شريط أحلامي ، أقفز من فراشي ، أهمس – الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا و إليه النشور – و أعلن ميلادي من جديد .

صَمْـتْــــ~
2011-11-06, 22:16
السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قرأتها ولي عودة لقراءةٍ أخرى إن شاءَ الله..

ومسرورة بعودتك أخي محرز.

*بسمة*
2011-11-08, 15:32
كلمات راااااااااااااائعة شكرااااااا