ابو إبراهيم
2008-11-15, 14:32
استعادة صلاح الدين الأيوبي رحمه الله للقدس
ظل الصليبيون في بيت المقدس يشيعون فيه الإفساد مدة إحدى وتسعين سنة، إلى أن أذن الله بالنصر للسلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب ، فالحقيقة أن هذا الأمر مما يلفت النظر، فالقدس صارت لسنوات كثيرة في يد الصليبيين أطول مما صارت الآن في يد اليهود لعنهم الله. فالسنوات في عمر الدعوات هي ثوانٍ ولحظات في الحقيقة، فمهما طال الأمد فلابد أن تعلو كلمة الله تبارك وتعالى، وقد جاءنا الخبر من النبي صلى الله عليه وسلم أن الإسلام سيظهر في الشام، وأن خلافة داود في بيت المقدس؛ حتى لا يصيب المسلمين اليأس، فمهما طال العهد بهؤلاء اليهود فإن من سبقوهم مكثوا في القدس أكثر مما مكثوا، وعلوا في الأرض أكثر مما علوا. أذن الله بالنصر للسلطان الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، فقد توجه نهار الأحد الخامس عشر من رجب فنزل بجيشه غربي بيت المقدس، ثم انتقل إلى الجانب الشمالي، وخيم هناك، وضيق على الإفرنج المسالك، ونصب المجانيق، وضرب على المدينة حصاراً انتهى بتسليم الصليبيين إياها يوم الجمعة السابع والعشرين من رجب سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة، فاتفق الفتح في اليوم الذي كان فيه حادثة الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم. ومما يرطب قلوبنا ويحيي الأمل في نفوسنا أن نطالع ما حدث في ذلك اليوم العظيم، كما حكاه الإمام ابن كثير رحمه الله تبارك وتعالى، وقد صحح الحافظ ابن كثير أن صلاة الجمعة أقيمت في الجمعة المقبلة، وليس في أول جمعة؛ لأنهم لم يتمكنوا من إقامتها يومئذ لضيق الوقت، وإنما أقيمت في الجمعة المقبلة، وكان الخطيب محيي الدين بن محمد بن علي القرشي بن الزكي . يقول ابن كثير : لكن المسلمين نظفوا المسجد الأقصى مما كان فيه من الصلبان والرهبان والخنازير، وخربت دور الداوية، وكانوا قد بنوها غربي المحراب الكبير، واتخذوا المحراب مشتاً لعنهم الله، فنظف من ذلك كله، وأعيد إلى ما كان عليه في الأيام الإسلامية، وغسلت الصخرة بالماء الطاهر، وأعيد غسلها بماء الورد والمسك الفاخر، وأبرزت للناظرين، وقد كانت مستورة مخبوءة عن الزائرين، وأنزل الصليب عن قبتها، وعادت إلى حرمتها. وقد كان الفرنج قلعوا منها قطعاً فباعوها من أهل البحور الجوانية بزنتها ذهباً، فتعذر استعادة ما قطع منها، ثم قبض -أي: السلطان صلاح الدين - من الفرنج ما كانوا بذلوه عن أنفسهم من الأموال، وأطلق السلطان خلقاً منهم من بنات الملوك بمن معهن من النساء والصبيان والرجال، ووقعت المسامحة في كثير منهم، وشفع في أناس كثير منهم فعفا عنهم، وفرق السلطان جميع ما قبض منهم من الذهب في العسكر، ولم يأخذ منه شيئاً مما يقتنى ويدخر؛ فقد كان رحمه الله حليماً كريماً مقداماً شجاعاً رحيماً. ......
أول جمعة أقيمت في المسجد الأقصى بعد استعادة القدس وذكر خطيبها
يقول الحافظ ابن كثير حاكياً ما حدث في أول جمعة أقيمت ببيت المقدس بعد فتحه: لما تطهر بيت المقدس مما كان فيهم من الصلبان والنواقيس والرهبان والقساقس، ودخله أهل الإيمان، ونودي بالأذان، وقرئ القرآن، ووحد الرحمن، كان أول جمعة أقيمت في اليوم الرابع من شعبان بعد يوم الفتح بثمانٍ، فنصب المنبر إلى جانب المحراب، وبسطت البسط، وعلقت القناديل، وتلي التنزيل، وجاء الحق، وبطلت الأباطيل، وصفت السجادات، وكثرت السجدات، وتنوعت العبادات، وارتفعت الدعوات، ونزلت البركات، وانجلت الكربات، وأقيمت الصلوات، وأذن المؤذنون، وخرس القسيسون، وزال البوس، وطابت النفوس، وأقبلت السعود، وأدبرت النحوس، وعبد الله الأحد الصمد الذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:3-4]، وكبره الراكع والساجد، والقائم والقاعد، وامتلأ الجامع، وسالت لرقة القلوب المدامع، ولما أذن المؤذنون للصلاة قبل الزوال، كادت القلوب تطير من الفرح في ذلك الحال! ولم يكن عين خطيب، فبرز من السلطان المرسوم الصلاحي وهو في قبة الصخرة: أن يكون القاضي محيي الدين بن الزكي اليوم خطيباً، فلبس الخلعة السوداء، وخطب للناس خطبة سنية فصيحة بليغة، ذكر فيها شرف بيت المقدس، وما ورد فيه من الفضائل والترغيبات، وما فيه من الدلائل والأمارات. وقد أورد الشيخ أبو شامة الخطبة في الروضتين بطولهما، وكان الخطيب الإمام ابن الزكي رحمه الله أول ما صعد المنبر بدأ الخطبة بقوله: فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:45]، ثم أورد تحميدات القرآن كلها -أي: كل الآيات التي فيها حمد لله تبارك وتعالى من القرآن- ثم قال: الحمد لله معز الإسلام بنصره، ومذل الشرك بقهره، ومصرف الأمور بأمره، ومزيد النعم بشكره، ومستدرج الكافرين بمكره، والذي قدر الأيام دولاً بعدله، وجعل العاقبة للمتقين بفضله، وأفاض على العباد من طله وهطله، الذي أظهر دينه على الدين كله، القاهر فوق عباده فلا يمانع، والظاهر على خليقته فلا ينازع، والآمر بما يشاء فلا يراجع، والحاكم بما يريد فلا يدافع، أحمده على إظفاره وإظهاره، وإعزازه لأوليائه، ونصرة أنصاره، ومطهر بيت المقدس من أدناس الشرك وأوضاره، حمد من استشعر الحمد باطن سره وظاهر أجهاره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، شهادة من طهر بالتوحيد قلبه، وأرضى به ربه. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، رافع الشكر، وداحض الشرك، ورافض الإفك، الذي أسري به من المسجد الحرام إلى هذا المسجد الأقصى، وعرج به منه إلى السماوات العلى، إلى سدرة المنتهى، عندها جنة المأوى، ما زاغ البصر وما طغى، صلى الله عليه وعلى خليفته الصديق السابق إلى الإيمان، وعلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، أول من رفع عن هذا البيت شعار الصلبان، وعلى أمير المؤمنين عثمان بن عفان ذي النورين جامع القرآن، وعلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب مزلزل الشرك ومكسر الأصنام، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان. واستمر رحمه الله في ذكر فضائل بيت المقدس، ثم ذكر تمام الخطبتين، ثم دعا للخليفة الناصر العباسي ، ثم دعا للسلطان الناصر صلاح الدين ، وبعد الصلاة جلس الشيخ زين الدين أبو الحسن علي بن نجى المصري على كرسي الوعظ بإذن السلطان، فوعظ الناس، واستمر القاضي ابن الزكي يخطب الناس في أيام الجمع أربع جمعات. ثم قرر السلطان للقدس خطيباً مستقراً، وأرسل إلى حلب فاستحضر المنبر الذي كان الملك العادل نور الدين الشهيد قد أعده لبيت المقدس -وقد أحرق في حادثة إحراق المسجد الأقصى قبل عدة سنوات- وقد كان يؤمل أن يكون فتحه على يديه، وكان قد أعد هذا المنبر حتى يصلي فيه، لكن لم يكتب له ذلك، وقتل شهيداً رحمه الله، أي: أن الملك نور الدين كان يؤمل أن يكون فتحه على يديه، فما كان إلا على يدي بعض أتباعه بعد وفاته، وهو صلاح الدين رحمه الله . ...... ينقلها للفائدة -- اخوكم ابو ابراهيم --
ظل الصليبيون في بيت المقدس يشيعون فيه الإفساد مدة إحدى وتسعين سنة، إلى أن أذن الله بالنصر للسلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب ، فالحقيقة أن هذا الأمر مما يلفت النظر، فالقدس صارت لسنوات كثيرة في يد الصليبيين أطول مما صارت الآن في يد اليهود لعنهم الله. فالسنوات في عمر الدعوات هي ثوانٍ ولحظات في الحقيقة، فمهما طال الأمد فلابد أن تعلو كلمة الله تبارك وتعالى، وقد جاءنا الخبر من النبي صلى الله عليه وسلم أن الإسلام سيظهر في الشام، وأن خلافة داود في بيت المقدس؛ حتى لا يصيب المسلمين اليأس، فمهما طال العهد بهؤلاء اليهود فإن من سبقوهم مكثوا في القدس أكثر مما مكثوا، وعلوا في الأرض أكثر مما علوا. أذن الله بالنصر للسلطان الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، فقد توجه نهار الأحد الخامس عشر من رجب فنزل بجيشه غربي بيت المقدس، ثم انتقل إلى الجانب الشمالي، وخيم هناك، وضيق على الإفرنج المسالك، ونصب المجانيق، وضرب على المدينة حصاراً انتهى بتسليم الصليبيين إياها يوم الجمعة السابع والعشرين من رجب سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة، فاتفق الفتح في اليوم الذي كان فيه حادثة الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم. ومما يرطب قلوبنا ويحيي الأمل في نفوسنا أن نطالع ما حدث في ذلك اليوم العظيم، كما حكاه الإمام ابن كثير رحمه الله تبارك وتعالى، وقد صحح الحافظ ابن كثير أن صلاة الجمعة أقيمت في الجمعة المقبلة، وليس في أول جمعة؛ لأنهم لم يتمكنوا من إقامتها يومئذ لضيق الوقت، وإنما أقيمت في الجمعة المقبلة، وكان الخطيب محيي الدين بن محمد بن علي القرشي بن الزكي . يقول ابن كثير : لكن المسلمين نظفوا المسجد الأقصى مما كان فيه من الصلبان والرهبان والخنازير، وخربت دور الداوية، وكانوا قد بنوها غربي المحراب الكبير، واتخذوا المحراب مشتاً لعنهم الله، فنظف من ذلك كله، وأعيد إلى ما كان عليه في الأيام الإسلامية، وغسلت الصخرة بالماء الطاهر، وأعيد غسلها بماء الورد والمسك الفاخر، وأبرزت للناظرين، وقد كانت مستورة مخبوءة عن الزائرين، وأنزل الصليب عن قبتها، وعادت إلى حرمتها. وقد كان الفرنج قلعوا منها قطعاً فباعوها من أهل البحور الجوانية بزنتها ذهباً، فتعذر استعادة ما قطع منها، ثم قبض -أي: السلطان صلاح الدين - من الفرنج ما كانوا بذلوه عن أنفسهم من الأموال، وأطلق السلطان خلقاً منهم من بنات الملوك بمن معهن من النساء والصبيان والرجال، ووقعت المسامحة في كثير منهم، وشفع في أناس كثير منهم فعفا عنهم، وفرق السلطان جميع ما قبض منهم من الذهب في العسكر، ولم يأخذ منه شيئاً مما يقتنى ويدخر؛ فقد كان رحمه الله حليماً كريماً مقداماً شجاعاً رحيماً. ......
أول جمعة أقيمت في المسجد الأقصى بعد استعادة القدس وذكر خطيبها
يقول الحافظ ابن كثير حاكياً ما حدث في أول جمعة أقيمت ببيت المقدس بعد فتحه: لما تطهر بيت المقدس مما كان فيهم من الصلبان والنواقيس والرهبان والقساقس، ودخله أهل الإيمان، ونودي بالأذان، وقرئ القرآن، ووحد الرحمن، كان أول جمعة أقيمت في اليوم الرابع من شعبان بعد يوم الفتح بثمانٍ، فنصب المنبر إلى جانب المحراب، وبسطت البسط، وعلقت القناديل، وتلي التنزيل، وجاء الحق، وبطلت الأباطيل، وصفت السجادات، وكثرت السجدات، وتنوعت العبادات، وارتفعت الدعوات، ونزلت البركات، وانجلت الكربات، وأقيمت الصلوات، وأذن المؤذنون، وخرس القسيسون، وزال البوس، وطابت النفوس، وأقبلت السعود، وأدبرت النحوس، وعبد الله الأحد الصمد الذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:3-4]، وكبره الراكع والساجد، والقائم والقاعد، وامتلأ الجامع، وسالت لرقة القلوب المدامع، ولما أذن المؤذنون للصلاة قبل الزوال، كادت القلوب تطير من الفرح في ذلك الحال! ولم يكن عين خطيب، فبرز من السلطان المرسوم الصلاحي وهو في قبة الصخرة: أن يكون القاضي محيي الدين بن الزكي اليوم خطيباً، فلبس الخلعة السوداء، وخطب للناس خطبة سنية فصيحة بليغة، ذكر فيها شرف بيت المقدس، وما ورد فيه من الفضائل والترغيبات، وما فيه من الدلائل والأمارات. وقد أورد الشيخ أبو شامة الخطبة في الروضتين بطولهما، وكان الخطيب الإمام ابن الزكي رحمه الله أول ما صعد المنبر بدأ الخطبة بقوله: فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:45]، ثم أورد تحميدات القرآن كلها -أي: كل الآيات التي فيها حمد لله تبارك وتعالى من القرآن- ثم قال: الحمد لله معز الإسلام بنصره، ومذل الشرك بقهره، ومصرف الأمور بأمره، ومزيد النعم بشكره، ومستدرج الكافرين بمكره، والذي قدر الأيام دولاً بعدله، وجعل العاقبة للمتقين بفضله، وأفاض على العباد من طله وهطله، الذي أظهر دينه على الدين كله، القاهر فوق عباده فلا يمانع، والظاهر على خليقته فلا ينازع، والآمر بما يشاء فلا يراجع، والحاكم بما يريد فلا يدافع، أحمده على إظفاره وإظهاره، وإعزازه لأوليائه، ونصرة أنصاره، ومطهر بيت المقدس من أدناس الشرك وأوضاره، حمد من استشعر الحمد باطن سره وظاهر أجهاره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، شهادة من طهر بالتوحيد قلبه، وأرضى به ربه. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، رافع الشكر، وداحض الشرك، ورافض الإفك، الذي أسري به من المسجد الحرام إلى هذا المسجد الأقصى، وعرج به منه إلى السماوات العلى، إلى سدرة المنتهى، عندها جنة المأوى، ما زاغ البصر وما طغى، صلى الله عليه وعلى خليفته الصديق السابق إلى الإيمان، وعلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، أول من رفع عن هذا البيت شعار الصلبان، وعلى أمير المؤمنين عثمان بن عفان ذي النورين جامع القرآن، وعلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب مزلزل الشرك ومكسر الأصنام، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان. واستمر رحمه الله في ذكر فضائل بيت المقدس، ثم ذكر تمام الخطبتين، ثم دعا للخليفة الناصر العباسي ، ثم دعا للسلطان الناصر صلاح الدين ، وبعد الصلاة جلس الشيخ زين الدين أبو الحسن علي بن نجى المصري على كرسي الوعظ بإذن السلطان، فوعظ الناس، واستمر القاضي ابن الزكي يخطب الناس في أيام الجمع أربع جمعات. ثم قرر السلطان للقدس خطيباً مستقراً، وأرسل إلى حلب فاستحضر المنبر الذي كان الملك العادل نور الدين الشهيد قد أعده لبيت المقدس -وقد أحرق في حادثة إحراق المسجد الأقصى قبل عدة سنوات- وقد كان يؤمل أن يكون فتحه على يديه، وكان قد أعد هذا المنبر حتى يصلي فيه، لكن لم يكتب له ذلك، وقتل شهيداً رحمه الله، أي: أن الملك نور الدين كان يؤمل أن يكون فتحه على يديه، فما كان إلا على يدي بعض أتباعه بعد وفاته، وهو صلاح الدين رحمه الله . ...... ينقلها للفائدة -- اخوكم ابو ابراهيم --