المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حوار بين قطّين


هامتارو
2011-10-13, 19:22
جاء في امتحان شهادة إتمام الدراسة الابتدائية لهذا العام ( 1943) في موضوع الإنشاء ما يأتي:

تقابل قطّان: أحدهما سمين تبدو عليه آثار النعمة، والآخر نحيف يدل منظره على سوء حاله، فماذا يقولان إذا حدّث كل منهما صاحبه عن معيشته؟



وقد حار التلاميذ الصغار فيما يضعون على لسان القطّين، ولم يعرفوا كيف يوجّهون الكلام بينهما، وإلى أي غاية ينصرف القول في محاورتها، وضاقوا جميعاً وهم أطفال- أن تكون في رؤوسهم عقول السنانير؛ وأعياهم أن تنزل غرائزهم الطيبة في هذه المنزلة من البهيمة ومن عيشها خاصةً، فيكتنهوا تدبير هذه القطاط لحياتها، وينفذوا إلى طبائعها، ويندمجوا في جلودها، ويأكلوا بأنيابها، ويمزقوا بمخالبها.

قال بعضهم: وسخطنا على أساتذتنا أشد السخط وعبناهم بأقبح العيب؛ كيف لم يعلمونا من قبل-أن نكون حميراً، وخيلاً، وبغالاً، وثيراناً، وقردة، وخنازير، وفئراناً، وقططة، وماهبّ ودبّ، وماطار ودرج، ومامشى وانساح؛ وكيف –ويحهم- لم يلقنونا مع العربية والإنجليزية لغات النهيق، والصهيل، والشحيح، والخوار، وضحك القرد، وقباع الخنزير، وكيف نصيء ونموء، ونلغط ولغط الطير، ونفح فحيح الأفعى، ونكش كشيش الدبابات إلى مايتم به هذا العلم اللغوي الجليل، الذي تقوم به بلاغه البهائم والطير والحشرات والهمج وأشباهها..؟

وقال تلميذ خبيث لأستاذه:

أما أنا فأوجزت وأعجزت.

قال أستاذه:



أجدت وأحسنت، والله أنت! وتالله لقد أصبحت! فماذا كتبت؟


فال: كتبت هكذا:


يقول السمين: ناو، ناو، ناو... فيقول النحيف: نَـوْ، ناو، نو... فيرد عليه السمين: نو، ناو، ناو،... فيغضب النحيف، ويكثر عن أسنانه، ويحرك ذيله ويصيح: نو، نو، نو... فيلطمه السمين فيخدشه ويصرخ: ناو... فيثب ويصطرعان وتختلط "النونوة" لايمتاز صوت من صوت، ولايبين معنى من معنى، ولايمكن الفهم عنهما في هذه الحالة إلا بتعب شديد، بعد مراجعة قاموس القطاط...!.


قال الأستاذ:


يابني، بارك الله عليك أبدعت الفن إبداعاً، فصنعت مايصنع أكبر النوابغ، يظهر فنه بإظهار الطبيعة وإخفاء نفسه، وماينطق القط بلغتنا إلا معجزة لنبي، ولانبي بعد محمد (صلى الله عليه وسلم)؛


فلا سبيل إلا ماحكيت ووصفت، وهو مذهب الواقع والواقع هو الجديد في الأدب؛ ولقد أرادوك تلميذاً هراً، فكنت في إجابتك هراً أستاذاً، ووافقت السنانير وخالفت الناس، وحققت للممتحنين أرقى نظريات الفن العالي، فإن هذا الفن إنما هو في طريقه الموضوع الفنية، لافي تلفيق المواد لهذا الموضوع من هنا وهناك، ولو حفظوا حرمة الأدب ورعوا عهد الفن لأدركوا أن في أسطرك القليلة كلاماً طويلاً بارعاً في النادرة والتهكم، وغرابة العبقرية، وجمالها وصدقها، وحسن تناولها، وإحكام تأديتها لما تؤدى، ولكن مالفرق يابني بين (ناو) بالمد، و(نو) بغير مد...؟


قال التلميذ:


هذا عند السنانير كالإشارات التلغرافية: شرطة ونقطة وهكذا.


قال:


يابني، ولكن وزارة المعارف لاتقر هذا ولاتعرفه، وإنما يكون المصحح أستاذاً لاهراً والامتحان كتابي لاشفوي.


قال الخبيث: وأنا لم أكن هر بل كنت إنساناً، ولكن الموضوع حديث قطّين، والحكم في مثل هذا لأهله القائمين به، لا المتكلفين له، المتطفلين عليه؛ فإن هم خالفوني قلت لهم: اسألوا القطط، أو لا فليأتوا بالقطين: السمين والنحيف، فليجمعوا بينهما، وليحرشوهما، ثم ليحضروا الرقباء هذا الامتحان، وليكتبوا عنهما مايسمعونه، وليصفوا منهما مايرونه، فهو الذي خلق السنانير والتلاميذ والممتحنين والمصححين جميعاً-مايزيد الهران على ((نو، ناو)) ولايكون القول بينهما إلا من هذا، ولايقع إلا ماوصفت، ومابد من المهارشة والمواثبة بما في طبيعة القوى والضعيف، ثم فرار الضعيف مهزوماً، وينتهي الامتحان!













وأنا أريد أن أكتب من حديثهما وخبرهما، " الكاتب مصطفى الرفاعي يتخيل ويحلل طبعا ما يكون بين القطين من حديث "





كان القط الهزيل مرابطا فى زقاق وقد طارد فار فاختبات فى جحر فوقف المسكين يتربصبها ان تخرج .


وكان القط السمين قد خرج من درا اصحابه يريد ان يفرج عن نفسهبان يكون ساعة او بعض ساعة كالقططة بعضها مع بعض لا كاطفال الناس مع اهليهموذويهموابصر الهزيل من بعيدفاقبل يمشى نحوه وراه الهزيل وجعل يتامله وهو يتخلغ تخلعالاسد فى مشيته وقد ملأ جلدته من كل اقطارها ونواحيها وبسطته النعمة من اطرافهوانقلبت فى لحمه غلظا وفى لاعصبه شدة وفى شعره بريقا وهو يموج فى بدنه من قوةوعافية ويكاد جلده ينشق سمنا مكدته فانكسرت نفس الهزيل ودخلته الحسرة وتضعضعلمأىهذه النعمة مرحة مختالة واقبل السمين حتى وقف عليه وادركته الرحمة له اذ راه نحيفاطاوى البطن بارز الاضلاع كانما همت عظامه ان تترك مسكنها من جلده لتجد لها ماوى ..

فقال له : ماذا بك ومالى اراك ميبسا كالميت فى قبره غير انك لم تمت ومالكاعطيت الحياة غير انك لم تحى او ليس الهر صورة مختزلة من الاسد فمالك ...ويحك .. رجعت صورة مختزلة من الهر افلا يسقونك اللبن ويطعمونك الشحم واللحم وياتونك السمكويقطعون لك من الجبن ابيض واصفر ويفتون لك الخبز فى المرق ويؤثرك الطفل ببعض طعامهوتدلللك الفتاه على صدرها ؟؟؟؟

وما لجلدك هذا مغبرا كانك لا تلطعه بلعابك ولاتتعهده بتنظيف واراك متزيل الاطراف متفككا حتى ضعفت وجهدت ما اشبهك باسد اهلكه الايجد الا العشب الاخضر فما له لحم .........







قال له الهزيل : وان لك لمهوشحمة ولبنا وسمكا وجبنا وفتاتا وانك لتقضى يومك تلطع جلدك ماسحا وغاسلا او تتطرحعلى الوسائد والطنافس نائما ومتمددا ؟ اما والله اقد جائتك المنعمة والبلادة معاوصلحت لك الحياة وفسدت منك الغريزة واحكمت طبعا ونقضت طباعا وربحت شبعا وخسرت لذةعطفوا عليك وافقدوك ان تعطف على نفسك وحملوك واعجزوك ان تستقل ..

وقد صرت معهمكالدجاجة تسمن اتذبح غيلر انهم يذبحونك دلالا وملالا ..





انك لتاكل من خواناصحابك وتنظر اليهم ياكلون فتشبع بالعين والرغبة ثم لا شىء غيرها وكانك مرتبط بحبالمن اللحم تاكل منها وتحتبس فيها ....

ان كان اول ما فى الحياة ان تاكل فاهون مافى الحياة ان تاكل وما يقتلك شىء كاستواء الحال ولا يحييك شىء كتفاوتها والبطن لايتجاوز البطن ولذته لذته وحدها .

ولكن اين انت من ارثك من اسلافك وعن العللالباطنة التى تحركنا الى لذات اعضائنا ومتاع ارواحنا وتهبنا من كل ذلك وجودناالاكبر وتجعلنا نعيش من قبل الجسم كله لا من المعده وحدها ............؟







قالالسمين : تالله لقد اكسبك الفقر حكمة الحياة وارانى بازائك معدوما بزوال اسلافى منىواراك بازائى موجودا بوجود اسلافك منك ناشدتك الله الا ما وصفت لى هذه اللذات التىتعلو بالحياة عن مرتبة الوجود الاصغر الشبع وتستطيل بها الى مرتبة الوجود الاكبر منالرضى ..؟؟؟؟



فقال الهزيل : انك ضخم ولكنك ابله اما علمت ويحك ان المحنة فىالعيش هى فكرة وقوة وان الفكرة والقوة هما لذة ومنفعة وان لهفة الحرمان هى التى تضعفى الكسب لذة الكسب وسعار الجوع هو الذى يجعل فى الطعام من المادة طعاما اخر منالروح وان ما عدل به عنك من الدنيا لا تعوضك منه الشحمه واللحمة فان رغباتنا لابدلها ان تجوع كما لابد من مثل ذلك لبطوننا ليوجد كل منها حياته فى الحياة والامورالمطمئنة كهذه التى انت فيها هى للحياة امراض مطمئنة فان لم تنقص من لذتها فهى لنتزيد فى لذتها ولكن مكابدة الحياة زيادة فى الحياة نفسها .............



وسرالسعادة ان تكون فيك القوى الداخلية التى تجعل الاحسن احسن مما يكون وتمنع الاسوأمما هو وكيف لك بهذه القوة وانت وادع قار محصور من الدنيا بين الايدى والارجل؟؟



انك كلاسد فى القفص صغرت اجمته ولم تزل تصغر حتى رجعت قفصا يحده ويحبسه ,فصغر هو ولم يزل يصغر حتى اصبح حركة فى جلد اما انا فأسد على مخالبى ووراء انيابىوغيضتى ابدا تتسع ولا تزال تتسع ابدا وان الحرية لتجعلنى اتشمم من الهواء لذة مثللذه الطعام واستروح من التراب لذة مثل لذة اللحم .............



وما الشقاءالا خلتان من خلال النفس : اما واحدة فان يكون فى شرهك ما يجعل الكثير قليلا وهذهليست لمثلى ما دمت على حد الكفاف من العيش ..



وما الثانية فان يكون فى طمعكما يجعل القليل غير قليل وهذه ليس لها مثلى ما دمت على ذلك الحد من الكفاف ..........



والسعادة والشقاء كالحق والباطل كلها من قبل اللذات , لا منالاسباب والعلل فمن جاراها سعد بها ومن عكسها عن مجراها فبها يشقى ..



ولقدكنت الساعة اراوغ فأر اختبأت فى جحر فطعمت منها لذه وان لم اطعم لحما وبالامس رمانىطفل خبيث بحجر فأحدث لى وجعا ولكن الوجع احدث لى الاحتراس وساغشى الان هذه الدارالتنى بازائنا فايه لذة فى السلة والخطفة والاستراق والانتهاب ثم الوثب شدا بعد ذلك؟

هل ذقت انت بروحك لذة الفرصه والنهزة او وجدت فى قلبك راحة المخالسة واستراقالغفلة من فأر او جرذ او ادركت يوما فرحة النجاة بعد الروغان من عابث او باغ اوظالم ؟؟

وهل نالتك لذة الظفر حين هولك طفل بالضرب فهولته انت بالعض والعفر ففرعنك منهزما لا يلوى







قال السمين : وفى هذه الدنيا هذه اللذات كلها وانا لاادرى ؟ هلم اتوحش معك ليكون لى مثل مكرك ودهائك واحتيالك فيكون لو مثل راحتكالمكدودة ولذتك المتعبة وعمرك المحكوم عليه منك وحدك

وساتصدى معك للرزق اطاردهواواثبه واغاديه واراوحه .. فقطع عليه الهزيل وقال :





يا صاحبى ان عليك منلحم ونعمتك علامة اسرك فلا يلقانا اول طفل الا اهوى لك فاخذك اسيرا واهوى علىبالضرب لانطلق حرا .



فانت على نفسك بلاء ,,وانت بنفسك بلاء على ..

وكانالفأر التى اختبأت فى الجحر قد رأت ما وقع بينهم فسرها انشغال الشر ... بالشر وطالتمراقبتها حتى ظنت الفرصة ممكنة فوثبت وثبة من ينجو بحياتها ودخلت فى باب مفتوحولمحها الهزيل كما تلمح برقا أومضوانطفأ .

فقال للسمين : اذهب راشدا فحسبك الانمن المعرفة بنفسك وموضعها من الحياة ان الوقوف معك ساعة لهو ضياع رزق ..







وكذلك امثالك فى الدنيا هم بالفاظهم فى الاعلى وبمعانيهم فى الاسفل ....



من كتاب ( وحى القلم ) للكاتب ( مصطفى صادق الرافعى)

علي العدوي
2011-10-15, 13:12
بارك الله فيك اخي على النقل المفيد.

قصة طريفة معها عبرة كبيرة .

احلام 2012
2011-10-22, 15:55
مشكووووووووووووووووووور اخي اروع ماقرات............

هامتارو
2011-10-23, 09:00
مشكووووووووووووووووووور اخي اروع ماقرات............


شكرا لمرورك و جزاك الله خيرا.

الشتاء
2011-10-23, 09:21
جــــزاك الله خـــيرا أخي الفــاضل

ذكرتني بدبدوب لي ســـٌرق مـني من طرف تلك المخلوقات الغريبة التي تكثر زيارتها في المناسبات :d

و لولا اسم معرفك لمــا تذكرته ...فقد كـان على شكله :d






شــكرا عــلى القصة ... أعجبتني كثيرا ....~

بارك الله فيك

هامتارو
2011-10-25, 11:44
جــــزاك الله خـــيرا أخي الفــاضل

ذكرتني بدبدوب لي ســـٌرق مـني من طرف تلك المخلوقات الغريبة التي تكثر زيارتها في المناسبات :d

و لولا اسم معرفك لمــا تذكرته ...فقد كـان على شكله :d






شــكرا عــلى القصة ... أعجبتني كثيرا ....~

بارك الله فيك

و فيك بارك الله.