تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : وقفات شرعية مع الأزمة المالية للشيخ محمد صالح المنجد الجزء 01


hairless17
2008-11-08, 16:31
بسم الله الرحمن الرحيم

وقفات شرعية مع الأزمة المالية للشيخ محمد صالح المنجد

مما لا يخفى على أحد أن الأزمة المالية اليوم تعصف بالعالم شرقاً وغرباً، فهي حدثٌ عظيم أقضَّ مضاجع السَّاسة وأصحاب القرار وأرباب الفكر والاقتصاد، وهي خطبٌ جسيم، له تعقيداته وتداعياته المتعددة، يوضح ذلك الاضطراب الكبير الذي يعيشه الاقتصاديون والسياسيون، وكثرة الكتابات، وتباين التحليلات، فهم في أمر مريج، وقد أقبل بعضهم على بعض يتلاومون فيمن يتحمل مسؤولية ما حدث.

وهذه الأزمة تستوجب وقفاتٍ لبيان بعض الجوانب الشرعية المهمة المتعلقة بها:



1- الأزمة حقيقية: تهاوت فيها بنوك كبرى ومؤسسات مالية، وانحدرت فيها البورصات العالمية، وتبخرت تريليونات، وطارت مليارات من أسواق المال، وهوت دول في العالم إلى الحضيض، وملايين فقدوا أموالهم إما على هيئة أسهم، أو مدخرات أو استثمارات، وتآكلت من استثمارات الشعب الأمريكي في البورصات المالية بمقدار 4 تريليون دولار، وصارت هذه الأزمة أشبه بتسونامي يعصف باقتصاديات الكثير من الدول.



2- فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ: الاقتصاد والمال هما القاعدة الأساس للمجتمع الغربي، ولما ركنوا إليها وتركوا شريعة الله (فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ).

وها نحن نرى اليوم تدميراً كبيراً يُطبق عليهم ، فأمسى البناء الاقتصادي الذي تفاخروا به وظنوا أنه يمنعهم ويحميهم سبباً لاضطرابهم وفساد أمرهم، فجاءهم البلاء من فوقهم ومن أسفل منهم، وكانوا يظنون نظامهم المالي محكماً ولكن جاءهم من جهته ما لم يكونوا يحتسبون (وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ )



3- قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ: كما أن للمصائب والكوارث أسباباً مادية معروفة، فإن لها أسباباً شرعية كذلك، ووجود الأسباب المادية لا يتنافى مع الأسباب الشرعية.

فالظلم والبغي والذنوب والمعاصي وأكل الحقوق كلها أسباب لنزول المصائب بالناس، على مستوى الأفراد والجماعات، بل على العالم كله أحياناً، كما نشهده في هذه الأزمة التي تنطوي على كوارث يتبع بعضها بعضاً، (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ)، (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ).

وفي الحديث الصحيح: (إذا ظهر الزنا والربا في قرية، فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله) أخرجه الطبراني في الكبير وصححه الألباني في صحيح الجامع (679).

فلم يكن ما نزل بالقوم آفة سماوية، وإنما بلاء أصابهم بذنوبهم وبما كسبت أيديهم.



4- الله يُمهل ولا يُهمل: فقد أمهلهم وهم يتعاملون بالربا، ويأكلونه أضعافًا مُضاعَفة، ويحاربونه تعالى على مر السنين ، حتى أخذهم بالنقص والبوار ، كما فعل مع فرعون وقومه من قبل: (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ).

وقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ، حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ)، ثُمَّ قَرَأَ:( وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) متفق عليه.

فلا يظنن ظانٌ أنَّ الله في عليائه وكبريائه وجبروته يترك هؤلاء يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق، ويكفرون به، ويقترفون كل كبيرة، ثم لا يُنزل بهم بطشه وعقوبته وعذابه.



5- مصير الباطل إلى ضعف واضمحلال: فمهما علا وارتفع فهناك يوم سينخفض فيه ولا بد، سنةٌ من سنن الله لا تتبدل ولا تتغير (حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يَرْتَفِعَ شَيْءٌ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا وَضَعَهُ) البخاري(2872)

لقد تبوّأ الغربيون ذروة الاقتصاد عالمي، وقالوا:" من أشدّ منّا قوّة؟ فأنزلهم الله تعالى من صياصيهم وقلاعهم المالية، وقذف في قلوبهم الهلع والرعب، وأظهر زيف ادعاءاتهم.



6- انكسار منسأة العالم الغربي: لقد أكلت سوسة الربا والمحرمات المالية منسأة العالم الغربي، الذي كان يتظاهر أمام الناس بأنه قويٌ معتدل، بينما هو يستند على عصاً منخورة، فلما خر تبينت الجن والإنس والشرق والغرب أنَّ البناء خاو والأساس متهالك لايمكن إنقاذه وإعادته ، وقد صرح وزير المالية الألماني "بير شتاينبروك" قائلا: "إن العالم لن يعود أبداً إلى ما كان عليه قبل الأزمة ".



7- حرب الله على أهل الربا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ...) .

وهذه الحرب تتجلى اليوم بصورها المتنوعة: على الأعصاب والقلوب..على البركة والرخاء..على المال والقوة.. على السعادة والطمأنينة.

إنها حرب القلق والخوف..الساحقة الماحقة من جراء النظام الربوي المقيت..والمسعرة حتى الآن؛ تأكل الأخضر واليابس.

وهاهم اليوم يصابون بالاكتئاب والقلق والإحباط والانهيارات النفسية جراء الأزمة المالية، حتى قالت العالمة النفسية الأمريكية " نانسي موليتور": " لم أشهد يوماً طوال ممارستي هذه المهنة منذ عشرين عاماً، ما يشبه ذلك، إن مستوى القلق يحطم كلَّ الأرقام القياسية".

ووصل الأمر إلى حالات قتل وانتحار نتيجة ضغوط الأزمة.



8- (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا): والمحق حسي ومعنوي، فيذهب ببركة المال فلا ينتفع به صاحبه، أو يذهب بالمال كليةًَ كما سمعنا عن تبخر ترليوني دولار في خمسة أيام من أموال مصلحة التقاعد الأمريكية... وقد أدت الأزمة حتى الآن إلى اختفاء 16 بنكا من الساحة، من بينها بنك "إندي ماك" الذي يستحوذ على أصول بقيمة 32 مليار دولار، وودائع تصل إلى 19 مليار دولار.

بل طالتْ عملية الإفلاس سبعة بنوك كبرى في أوروبا.

ويتوقع بعض المحللين أن يتم إغلاق ما يقرب من 110 بنكا، تصل قيمة أصولها إلى حوالي 850 مليار دولار بحلول منتصف العام القادم.



9- المرابي يعاقب بنقيض قصده: (وما أَتْيتُم مِن رِباً لِيَرْبُوَ في أَمْوال النَّاسِ فَلاَ يَرْبُو عِنْد الله) وفي الحديث الصحيحَ: (مَا أَحَدٌ أَكْثَرَ مِنْ الرِّبَا إِلَّا كَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهِ إِلَى قِلَّةٍ) رواه ابن ماجه وصححه الألباني.

وقد ظهر للناس من ذلك صور كثيرة، منها أن خسائر 10 أثرياء بريطانيين بلغت 40 مليار دولار، ، كما أن أحد المرابين الكبار تناقصت ثروته خلال أربعة أشهر بمعدل 7 ملايين في كل ساعة، وفي روسيا بلغت خسائرُ رجال الأعمال نحو 230 بليون دولار، ويمثل هذا المبلغ نحو 62 % من مجموع ثروات الأثرياء الروس!! فكيف حسرة أمثال هؤلاء



10- تزاوج الربا والميسر نذير خراب ودمار: وكانت من نتيجة هذا التزاوج إعلان أكبر المصارف الأمريكية إفلاسها، كمصرف "ليمان براذرز"، ومصرف "أنتجرتي"، و"واشنطن ميوتشوال"، وانهيار أكبر شركة تأمين (aig) التي دفعت (11) بليون دولار من التعويضات, وتكبدت أكبر خسائر في تاريخها الذي يمتد إلى تسعين عاما!!.

وأصبح ما بين (2-3) ملايين أمريكي يواجهون خطر فقدان منازلهم، بسبب عدم قدرتهم على دفع الأقساط الشهرية.

ومع هذه الآثار يطالبنا بعض من في قلبه مرضٌ بالتأمين على الأرصدة ضد مخاطر الإفلاس!!



11-جزاء الطمع: الطمع والجشع، والخداع، والتدليس في العقود، مع التغرير بالناس، واستغلال حاجتهم.. أسبابٌ لها تأثيرها الواضح في الأزمة، فقد توسعت بعض هذه البنوك في الإقراض لأكثر من (60) ضعف حجم رؤوس أموالها الحقيقية، طمعاً في الأرباح الكثيرة.

وقد علقت بعض صحفهم على هذه الأزمة بقولها: " لوموا الطمع".



12- مخاطر التعامل بالأرصدة الوهمية: فقد أظهرت الأزمة الفارق الكبير بين القطاع العيني من السلع والخدمات والمنتجات الحقيقية، وبين المشتقات المالية المعاصرة كالنقود الإلكترونية، والسندات المالية، والبطاقات الائتمانية على نقود وهمية..والأرصدة الإلكترونية التي لا وجود لها إلا في ذاكرة الحواسيب...تكتسب قيمتها من ضمان البنوك لها، فإذا فقدت الثقة في هذه البنوك والمؤسسات زالت قيمتها.

فماذا يفعلون بعد أن تبخرت الأرقام الفلكية للمليارات والترليونات التي كانت تتراقص على شاشات البورصات.



13- الاقتصاد الحر والفشل: هذه الأزمة أكبر دليل على فشل نظرية الاقتصاد الحر، فترك الباب مفتوحا على مصراعيه؛ ليتصرّف الفرد كما يشاء، دون قيود وضوابط لتصرفاته الاقتصادية لتنمية المال، أدى إلى تضخّم رؤوس المال لدى فئة من المجتمع.. فعُدِم التوازن وظهرت الطبقية بآثارها المخالفة لقول الله تعالى: (كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأغْنِيَاءِ مِنْكُمْ).

ورغم الحرية المزعومة وجدنا في حلولهم للأزمة تدخل الدولة بسلطتها لتأميم المصارف والمؤسسات المالية، وضخ الأموال لشراء الأصول، وتغيير الأنظمة، وتقييد حريات الملاك، من أجل حماية المؤسسات الاقتصادية من الانهيار.

أم بدر الدين
2008-11-08, 18:40
جزيت الجنة على هذا الموضوع

عادل الجلفاوي
2008-11-08, 19:26
موضوعفي القمة من شخص في القمة مشكووووور وبارك الله فيك وجعلها الله في ميزان حسناتك

hairless17
2008-11-08, 20:17
مشكورين على المرور الكريم