المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الاصول السياسية


المثابر120
2008-11-07, 11:16
الأصول السياسية

د. لطيفة حسين الكندري د. بدر محمد ملك


سياسة الناس بمعنى فن استخدام السلطة وممارسة النفوذ في التعامل مع الآخرين بنمط مؤثر وتشمل دائرتها ميدان السياسة الأسرية والمدرسية والمجتمعية وهناك ارتباط واضح بين التنشئة السياسية وبين التنشئة الاجتماعية فالمجتمع الديمقراطي مثلاً يُرحب بالحوار ويُوفر فرص الاختيار وفي المقابل يرفض التسلط والإجبار. هذه القيم تُغرس من الصغر في محيط الأسرة. الكثير من المدارس في أنحاء العالم تُمول مالياً من قِبل الحكومات وعليه فإن الحكومات ترسم السياسات التربوية للمؤسسات بحكم النفوذ المالي والسياسي. المدارس ترمومتر يقيس سلامة الرؤية السياسية المهيمنة في المجتمع فالنظام التعليمي أدق مؤشر لطبيعة الحياة السياسية الفاشلة أو الناجحة أو المتأرجحة. التعليم ترجمة إجرائية تستمد روحها وتصوراتها ومساراتها من الفلسفة السياسية للمجتمع وكلما اتضحت المقاصد السياسية وآلياتها الموضوعية المطلوبة للقطاع التعليمي كلما لعبت المؤسسات التعليمية دوراً فاعلاً أساسه التخطيط الدقيق الواعي.
يقول الراغب الأصفهاني (ت 502 هـ) السياسة ضربان: سياسة الإنسان نفسه وبدنه وما يختص به. والثاني سياسة غيره من ذويه وأهل بلده، ولا يصلح لسياسة غيره من لا يصلح لسياسة نفسه" (ص93). وقال بسمارك "السياسة فن العمل في حدود الممكن" (عبود، 2001، ص 444).

قال الفيلسوف الألماني عمانويل كانط (1824م-1804م) :
"ثمة اكتشافان إنسانيان يحق لنا اعتبارهما أصعب الاكتشافات: فن حكم الناس، وفن تربيتهم" (نصار، 2000 م، ص 5). ولهذا فإن التربية السياسية من أصعب الفنون في عالم يشهد تغيرات سريعة ومتباينة بل ومتناقضة.
وظيفة التربية السياسية تحقيق التماسك والضبط الاجتماعي وذلك من خلال مساعدة الإنسان على فهم نظام الحكم العام بغرض المشاركة في مناشطه والتعايش الحكيم مع الاختلافات وتحقيق التقدم وفق تطلعات ومصالح المجتمع وفي إطار التسامح والحرية والعدالة. من أهم عوامل فساد الحياة السياسية: تغليب المنفعة الشخصية على المصلحة العامة، وزيادة الضغوطات الاجتماعية، وكثرة الانحرافات الفكرية، وغياب المبادئ الأخلاقية، وسيطرة الاستبداد، والقمع، والإرهاب الفكري، وهيمنة أهل النفوذ الاقتصادي، وتهميش دور المرأة، وتقليل دور أهل الاختصاص، وسيطرة النظرة الآنية وغياب الرؤية المستقبلية، والانشغال بسفاسف الأمور وإهمال القضايا المصيرية. دور التربية السليمة نحو السياسة يتمثل في أمرين:
أولاً: توجيه جميع فئات المجتمع نحو السياسة العادلة الشاملة بمستوياتها المختلفة لتحقيق ذلك التضامن فلا بد من تسخير المؤسسات الرسمية وغير الرسمية لتكوين ثقافة سياسية واعية تتحمل أعباء المسئولية.
ثانياً: إفساح المجال للناس كي يشاركوا السلطة عبر القنوات المناسبة للقيام في عملية المراقبة العامة وكشف التجاوزات وعلاجها بحكمة مما ييسر للجميع أسباب الاستقرار والنظام في نطاق العدالة فإن من مقتضيات السياسة حُسن الإدارة، والإدارة الجيدة لا تكون بمعزل من جهود المجتمع. إن زيادة وعي النساء والرجال في المشاركة الفاعلة مجتمعيا يتيح لهما فرص تصحيح المسارات السياسية وممارسة حقهما في الاحتساب (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).
تعمل التربية السياسية على تكوين وتنمية قدرات المشاركة السياسية للفرد "بحيث يكون قادراً على-وراغباً في المشاركة السياسية بفعالية في قضايا مجتمعه العامة بكل صور المشاركة المتاحة والتي تؤدي إلى التغيير نحو الأفضل" (سعيد إسماعيل علي، 1997،ص 148). وحاجة العرب اليوم إلى نشر تربية سياسية رشيدة لا تقل أهمية عن ضرورة معالجة الأمية الأبجدية والتكنولوجية والقانونية بل هي نتيجة أليمة لتلك الأمية الثقافية.
النسق السياسي في أدبياته يتضمن مفاهيم كبرى مثل القرار والحكم والقوة والنفوذ وفي ميدان التربية يهتم المربون بتمكين Empower وتفعيل المعلم والطالب في عملية المساهمة في صنع القرارات. من أشكال السياسة التسلطية في المدارس- أو حتى في الأسرة والمجتمع- استخدام العنف البدني مع الطالب أو فرض القرارات المدرسية والآراء الفردية وتسفيه آراء الآخرين وهي تقع ضمن ممارسة السيطرة على الفرد ومصادرة رأيه. ومن الموضوعات التي تندرج تحت هذا الباب أيضاً حقوق الأقليات والفئات المُستضعفة مثل أهمية تعليم المحرومين من الفقراء لأن لهم من الحقوق الإنسانية ما لغيرهم والمطالبة بتعليم المرأة فهو مفتاح لمعرفة الحقوق والواجبات المجتمعية وكذلك من الموضوعات التي تشغل الرأي العام العالمي ما يتصل بإفساح المجال لأصحاب الإعاقات وغيرهم في أخذ حقوقهم من فرص عادلة للتعليم الغير محدود وتوفير فرص مناسبة للعمل.
من الحقوق المثيرة للجدل في عالمنا العربي هو ما مدى حدود حرية الرأي والتعبير ومن يملك حق الوصاية الفكرية من البشر على البشر. بشكل عام فإن كرامة الإنسان واحترام خصوصياته أصبحت من الحقوق المدنية والسياسية في منظومة حقوق الإنسان والنظام التربوي من خلال مؤسساته المتنوعة هو الذي يغرس في الفرد والمجتمع أهمية تطبيق تلك الحقوق. التعليم الجيد يقوم بتشكيل وصياغة الفرد كمواطن يتمتع بالوعي السياسي Political awareness.

العالم الإسلامي والتربية
1- فرض الله عز وجل على هذه الأمة بأن تتسلح بالعلم إذ أن الحق سبحانه لا يُعبد على جهل أبداً وعمران الأرض يستلزم التسلح بسلاح العلم. قال تعالى: "الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُوا الصّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ (41)" (سورة الحج).
من الأصول الراسخة عند المسلمين أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب والعلم اليوم هو السلاح أو العدة التي تُرهب الأعداء وتُعين المسلمين في نشر رسالتهم وإقامة العدل، والحفاظ على الأرض والعرض. وقديماً قال كوان تسو (551-479 ق م): "إذا كنت تخطط لسنة فاغرس بذرة، وإن كنت تخطط لعشر سنوات فازرع شجرة، وإن كنت تخطط لمائة سنة فعلم الناس". والحق أننا بحاجة إلى بذرة العلم، وزهرة التعلم، وشجرة التعليم. المصلح الكبير رشيد رضا (ت 1354 هـ = 1935 م) أكد على أن سعادة "الأمم بأعمالها، وكمال أعمالها منوط بانتشار العلوم والمعارف فيها" (تمام، 2002 م).
2- الأمة المسلمة تعاني اليوم من انتشار الجهل و المرض والفقر والضعف السياسي فيها ديارها ولا سبيل للنهوض دون إيمان قوي وعلم متين وفق معادلة ثلاثية الأبعاد:
إخلاص + اختصاص + مؤسسات = أمة قوية.
لم تأت الرسالة الإسلامية إلا من أجل إقامة العدل قال تعالى "لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)" (سورة الحديد).
3- تمتلك إسرائيل كمية أكبر من العرب شبكات الانترنت بنسبة خمسين ضعفاً وتتفوق أيضاً سبعين ضعفاً مقارنة بعدد السكان من حيث النشر العلمي العالمي (عباس، 2001 م، ص 38). ولأن القوة العسكرية ثمرة لشجرة التربية السليمة فإن اللواء الركن شيت خطاب (ت 1998 م) الذي خاض حروبا طويلة مع اليهود بسلاحه وقلمه يقول "إن المسلمين اليوم في حاجة ماسة إلى قادة كخالد والمثنى إلا أن حاجتهم إلى العلماء العاملين أمس وأشد".
إذا تكلمنا بلغة الأرقام عن الواقع الأليم للدول العربية نجد أن "لدينا من الإحصائيات ما يؤكد المجاعة الأدبية التي يعيشها طفلنا العربي، إذ يصدر في أمريكا سنوياً قرابة خمسة آلاف كتاب سنوياً، بينما الوطن العربي، الذي لديه تقريباً نفس عدد سكان أمريكا، فهو لا يصدر أكثر من 5% من هذا القدر، وأمة (اقرأ) لا تستهلك من ورق الطباعة إلا 10% مما تستهلكه بلجيكا التي لا يزيد عدد سكانها على 10% من الأمة العربية" (يوسف 1995، ص56). المجلات المخصصة للطفل العربي لا تتجاوز العشرات في حين أن الغرب يمتلك آلاف المجلات العريقة التي تطبع بالملايين وعدد المجلات التي تصدر للأطفال في الولايات المتحدة الأمريكية (400 مجلة)، وفي انجلترا نحو مئة مجلة وفي ألمانيا تصدر دار فروزو وحدها (17 مجلة) للأطفال لعدد من الأطفال هم (17 مليوناً)، بينما هناك أكثر من (40) مليون طفل عربي، مجلاتهم لا تزيد عن العشر (يوسف، 2000 م، ص 160). لقد فاز كاتب إسرائيلي بجائزة أندرسون العالمية في أدب الطفل وعالمنا العربي لا يعرف الكثير عن هذه الجائزة العالمية (يوسف، 2002 م، ص 138) فهل الذي لم يسمع عن المسابقات العالمية يمكنه أن ينافس فيها ويرصد العصر الذي يعيشه ويعرف العدو الذي يتربص به؟
قصص المساء تأليف ماكسوال طُبع منه أكثر من 40 مليون نسخة وقصص هيري بتر قد يشتريها الملايين من الناس نقداً في كل القارات قبل أن تخرج من المطبعة علماً بأن القصة الواحدة -مثل الجزء الرابع- تحتوي على 734 صفحة يطلع عليها طلاب المرحلة المتوسطة والثانوية ويتلقفون حبكاتها الدرامية بنهم. لقد انفض إلى هذه الكتب الغربية الجذابة بعض أبناء العرب وتركوا الكتب العربية لعدة أسباب منها: أنها إصدارات وعظية مملة لا جديد فيها لا على مستوى الخيال والابتكار ولا على مستوى المعاصرة والتخصص. وهذا يدل على أن أمة الأكثر من مليار مسلم بحاجة إلى نشر مظاهر الصحوة الفكرية في ربوعها والتي من مظاهرها الصحية وأهم أساسياتها تشجيع عملية طباعة الكتب وتحبيب القراءة للأبناء والبنات وترغيبهم في اكتشاف معارف جديدة واكتساب مهارات مفيدة. لا يمكن تحقيق ذلك من غير غرس الوعي بأهمية القراءة كقوة ثقافية وحضارية تقف وراء كل تقدم حقيقي. لا بد للمجتمعات المسلمة أن تفقه مفهوم "اقرأ" كشعار ونشاط عبر تفعيل فوري وجذري ومنهجي ومتجدد لدور الأسرة والمدرسة والمكتبات العامة، والمراكز والأدوات الثقافية والإعلامية المطبوعة والمسموعة والمرئية.
4- تمتلك الأمة الإسلامية رسالة خالدة، وثروات هائلة، وتراث فكري وافر يعج بالمآثر، والتربية الحكيمة هي الكفيلة باستثمار ثرواتنا الطبيعية، والبشرية، والتاريخية المخزونة داخل وخارج حدود عالمنا العربي، والتربية الناجحة –وحدها-هي القادرة على نشر رسالتنا الإسلامية العظيمة لتملأ الأرض ضياءً والفضاء حضارة. المسلمون من أقدر الناس على تكريس مبدأ التعايش مع الآخرين على أسس العدالة الراسخة، ودعائم الكرامة الإنسانية، ووفق المنظومة القرآنية "لتعارفوا" شكلاً ومضموناً. قال تعالى في سورة الحجرات: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)".
5-العالم من حولنا يشهد قفزات علمية في ميدان التكنولوجيا والاقتصاد والعمران ونحن من غير نظام تربوي فعال. لا سبيل للأمة المسلمة إلى اللحاق بالركب أو حتى الصمود في وجه أمواج التحديات التغريبية والتخريبية إذا كانت الأمة العربية في سبات عميق والعالم المتقدم في سباق علمي شديد. تشير الدراسات اليوم إلى أن المعلومات التي تُنشر على شبكة الانترنت تتضاعف مرة واحدة كل 53 يوماً وهي معركة ثقافية بالمقاييس العقلية لأن من خلال الحاسب الآلي تنشر الشعوب قيمها بقوة. لا شك أن النمو يتضاعف وهذه الأرقام أو التقديرات بعد حين ستصبح قديمة والفجوة الرقمية ستتسع لمن يفكر في التقدم. الانفجار المعرفي لا يعني وصف العصر بصيغة المجاز بل على وجه الحقيقة فمكتبة الكونغرس التي أنشئت عام 1800 م تنمو سنوياً بمعدل مليون وعاء معرفي (Encyclopaedia Britannica Online) يضاف إلى حصيلة الكتب والمخطوطات والخرائط والصور مما يوفر للغرب قاعدة بيانات هائلة تساعده على السيطرة الفكرية والعسكرية عالمياً إضافة إلى ضمان الهيمنة التكنولوجية.
6-تآمر الأعداء على الأمة المسلمة لنهب خيراتها وسلب خبراتها. قال تعالى: "وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (120)" (سورة البقرة). واتباع ملتهم يكون بتقليدهم في كل شيء لقوله صلى الله عليه وسلم "لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: فَمَنْ؟" (رواه البخاري في صحيحه- كتاب أحاديث الأنبياء).
ومن علامات ذلك التقليد الأعمى حب الدنيا والبعد عن تطبيق مبادئ الدين. عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يُوشِكُ الأمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الأكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا. فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ. فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهْنُ قَالَ حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ" (رواه أبو داود في سننه- كتاب الملاحم).
قال شُرّاح الحديث النبوي إن فِرق الكفر تداعى عليكم أي يدعو بعضهم بعضا إلى الاجتماع لقتالكم وكسر شوكتكم ليغلبوا على ما ملكتموها من الخيرات كما أن الفئة الآكلة يتداعى بعضهم بعضا إلى قصعتهم التي يتناولونها بسهولة فيأكلونها صفوا من غير تعب (الآبدي، باختصار).
واليوم نجد أمة المليار مسلم تنوح وتترنح أمام حفنة من اليهود يسلبون بيت المقدس ويذلون أهلها وتتوالى سلسلة الانتكاسات على المستوى العسكري والاقتصادي والعلمي فأصبح بأس العُرب بينهم يأكل بعضهم بعضاً عياناً ودون حياء. إن الحياة الكريمة لا تُوهب لمن لا يهاب ذُل الهوان.
ومن صور تكالب الأمم علينا وتكاتفهم ضدنا نجاح اللوبي الصهيوني في تسخير قدرات هيئة الأمم المتحدة لخدمة المصالح الإمبريالية في ظل النظام العالمي الجديد ومما جاء في مجلة البيان (1418 هـ-1998م) " منذ إنشاء منظمة الأمم المتحدة في 24 أكتوبر 1945م، والهيئة خاضعة لمواقف الدول العظمى عمومًا وأمريكا والاتحاد السوفيتي خصوصًا، فإذا ما أراد الإنسان معرفة موقف الأمم المتحدة من قضية ما، فما عليه إلا أن يعود إلى موقف أمريكا وروسيا منها، ولكن بعد سقوط المعسكر الشرقي أضحت الهيئة تجسيدًا للسياسة الأمريكية. إن السيطرة اليهودية الأمريكية على هذه الهيئة قديمة حتى التمويل لهذه الهيئة كان بنسبة 75% من الدول الكبرى، وأمريكا وحدها كانت تساهم بثلث الميزانية الإجمالية منذ إنشائها وحتى عام 1968م. إننا حينما نعرف هذا لا نستغرب الحقائق الآتية: حتى عام 1992م أصدر مجلس الأمن 69 قرارًا ضد إسرائيل لم ينفذ منها أي قرار له أهمية، ومنذ أزمة كشمير 1947م وحتى الآن صدر لصالح كشمير 13 قرارًا ولم ينفذ منها أي قرار له أهمية" (عدد رقم 121 بتصرف).
6-المؤسسات التعليمية في عالمنا العربي في معظمها تواجه مشاكل متشابهة تشمل المناهج التعليمية والمباني والقوانين الإدارية التقليدية الجامدة كما أنها ينقصها الخطط الإستراتيجية ذات المراحل الزمنية. إن الطلاب والطالبات في الكثير من المؤسسات التعليمية مازالوا يعانون من الشُعب المُغلقة والمباني القديمة والقاعات الخالية من المدرجات والمعدات الأساسية المُفترض أن تكون في الفصول كالميكرفون والسماعات.
إن اللوائح البيروقراطية الجامدة ونظام التسجيل ومعادلة الوحدات الدراسية في حال التحويل من كلية إلى أخرى أو التحويل من الجامعة إلى جهة أخرى من ميادين الهدر للطاقات والامكانان. مبالغ طائلة تُهدر وجهود هائلة تُخسر في أثناء عملية السحب والإضافة في بداية كل فصل دراسي إذ أن القاعات خاوية في الغالب باسم الإضافة والسحب وتصبح المدة الفعلية للتعلم أقل.
هانحن أولاء قد دخلنا قرناً جديداً ومواد تعليم الطباعة وكيفية استخدام آلة الطباعة تُدرَّس في كلياتنا رغم أن استخدام الحاسب الآلي هو أساس المهن في المؤسسات الحديثة. إن المؤسسات التعليمية يجب أن تهيئ المتعلم لسوق العمل وتدفع بمهاراته للأحسن لكن بالنظم التعليمية اليوم تصرفه عن الجديد وتعلمه مهارات لم تعد صالحة كواقع.
إن الكثير من القضايا المصيرية في المؤسسات التربوية العربية بحاجة إلى إصلاحات جذرية في ميدان المناهج أو اللوائح الإدارية كما أن علاقة المؤسسات التعليمية بسوق العمل تستدعي التحرك الفوري للإصلاح إذا أريد لتلك المؤسسات مكانة كبيرة في بناء وطن عربي وأمة مسلمة قوية في المُستقبل.
7-العاملون في الحقل السياسي يعلمون مدى حاجة الأمة المسلمة إلى مراجعة الذات وتصويب الأخطاء وإعادة النظر في ممارسات النشطاء في ساحة الإصلاح السياسي. يقول المفكر الإسلامي فهمي هويدي (2002 م) "ولست أتردد هنا في القول بأن قطاعا عريضا من النشطاء الإسلاميين في زماننا استغرقهم العمل السياسي، وتطلعوا إلى تغيير المجتمع من قمته، في حين تراجع لديهم الاهتمام بالقيم الأخلاقية والحضارية، ومن تجارب عدة ثبت أن التغيير الفوقي هو محاولة عبثية لإقامة بناء بغير أساس، وحين يتعلق الأمر بالبنيان الإسلامي بوجه أخص، الذي قوامه الهداية ومكارم الأخلاق. إن قليلين هم الذين يقدمون أنفسهم بالخلق الكريم والصدق والوفاء والإتقان والنظافة واحترام الأوقات والمواعيد، بينما تؤثر الأغلبية أن تعلن عن نفسها بالصياح واللافتات والإسراف في المظاهر الإيمانية. الذين شغلوا بالعمل السياسي، ووقعوا في خطيئة استهداف تغيير السلطة قبل تغيير المجتمع، ارتكبوا خطأ آخر، هو أنهم تعلقوا بالهدف النهائي، في عجلة غير حميدة، ولم يحسنوا التعامل مع نهج التدرج والأهداف المرحلية. فألحوا مثلا على تطبيق الشريعة، وجعلوه عنوانا كبيرا لأنشطتهم، دون أن يشغلوا أنفسهم بالدفاع عن الحرية وحقوق الإنسان، والأولى هدف نهائي قد تختلف بعض عناصر النخبة حوله، بينما الثانية هدف مرحلي لا يكاد يختلف عليه أحد" (باختصار).

النصيحة من دعائم الأصول السياسية
الإسلام دين ودولة كما أنه عقيدة وشريعة، وتربية وعمل، ومن دعائم الأصول السياسية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فردياً وجماعياً لأن النصيحة وفق الضوابط الشرعية تحفظ المجتمع من الغفلة وتفتح باب التذكير والمحاسبة إذا لزم الأمر مع المسيء إذا أصر على زلاته وأضر المجتمع سواء كان حاكماً أو محكوماً. لا شك أن القوانين لوحدها لا يمكن أن تضبط وتنظم حياة الناس إلا إذا قام المجتمع بجميع أفراده بتعزيز دور المؤسسات الرقابية لأداء دورها تجاه أمن المجتمع رسمياً وشعبياً.
نطاق النصيحة واسع جداً وهو أهم أصل في الدين والتربية القويمة. طريق الفلاح لهذه الأمة هو طريق التواصي والنصح لقوله تعالى في سورة آل عمران "وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)". ذكر الإمام مسلم في صحيحه: "عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الدِّينُ النَّصِيحَةُ. قُلْنَا [أي الصحابة رضي الله عنهم]: لِمَنْ؟
قَالَ: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ ولأئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ" (كتاب الإيمان). لهذا يقول الإمام الغزالي إن "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الأعظم في الدين" (إحياء علوم الدين، ج2، ص302).
ومن الأهمية بمكان أن ندرك أن الإسلام أعطى المرأة الحق السياسي في ممارسة دورها في حماية وتنمية المجتمع المساهمة في ترجمة أفكارها في أرض الواقع ضمن إطار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فمن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم. قال تعالى في سورة التوبة "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)".
ولن تستطيع المرأة أن تقوم بدورها المنوط بها اجتماعياً والمطلوب منها شرعياً إلا إذا تحصنت بالعلم وفي الآية تقرير حق سياسي للمرأة وأن المساواة مبنية على تحمل المسئولية الاجتماعية والدينية كل حسب استطاعته وفي حدود اختصاصه الذي كلفه الله سبحانه علماً وعملاً واعتقاداً. وعليه فإن تربية البنات لا تقف عند إعدادهن لخدمة البيت بل يتعدى التعليم هذا الدور المهم ليضيف إليه أهمية إعدادهن لخدمة المجتمع.
القرآن الكريم يُخبرنا عن الدور العظيم للمرأة المسلمة التي هرعت لبيعة النبي صلى الله عليه وسلم كما حكى القرآن الكريم "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا ولا يَسْرِقْنَ ولا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12)" (سورة الممتحنة). فالمرأة مكلفة شرعاً ويجري عليها الذي يجري على الرجل في الجزاء لقوله تعالى "وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124) (سورة النساء). وقوله "فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ" (سورة آل عمران، آية: 195). وقوله "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)" (سورة النحل).
النصيحة في دلالاتها السياسية لا تعني الوصاية لأن النصيحة فعل محمود أما الوصاية فهي محاولة للسيطرة والتنفير فبين النصيحة والوصاية بون عظيم.

يتبع >

المثابر120
2008-11-07, 11:17
الحرية
تنمية الحرية العلمية المتزنة بالشرع الحنيف والمنضبطة بالخلق الرفيع من أهم مستلزمات الابتكار العلمي والأصالة في الإنتاج فالحرية لحياتنا كالشمس للدنيا ليس لها عوض. ذكر الرازي أن الإمام الشافعي رضي الله عنه قال "إن الله خلقك حراً، فكن كما خلقك". وهذه عبارة صادقة فأعظم دور للتعليم ينبثق من هذه القاعدة إذ المراد من التعليم تحرير الإنسان من الخضوع للمخلوقين وتحريره من الركوع لغير رب العالمين … وتحريره من جهل نفسه… ومن ظلم الطواغيت … ومن الشهوات المنحرفة … ومن خطوات الشيطان … تحرير الإنسان من التقليد الأعمى … من العادات الظالمة … من هيمنة الأغنياء والكبراء… تحرير الإنسان من بخس الناس حقوقهم وخضوع القوانين لطبقة مهيمنة ..ومن غير هذا التحرير – الذي يستدعي الكفاح المستمر- لا تصبح التربية مصدر الكرامة ولن تكون أمل الأمة.
قال السفير المسلم ربعي بن عامر رضي الله عنه لرستم قائد جيش الفرس في القادسية "الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عباده من عبادة العباد إلى عبادة الله ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام .."(ابن كثير، البداية والنهاية، ج7 ص39). وهذه الكلمات القليلة تلخص غاية الرسالات السماوية.
الحرية تضمن للفقير والغريب والضعيف وغير المسلم حق الحياة الكريمة في ديار الإسلام والتاريخ الإسلامي يحدثنا عن سماحة الإسلام مع الأقليات غير المسلمة ففي مصر عاش الأقباط في أمن وكرامة وحفظ المسلمون كنائسهم وأمام تلك السماحة الرائعة نجد أمثلة مغايرة في تاريخ الحضارة الغربية في أسبانيا إذ فتكوا بالمسلمين وأقاموا محاكم التفتيش وما نقموا منهم إلا أنهم على دين غير دينهم. عمر رضي الله عنه وجد انحرافاً في مسلك بعض ولاته فذكره بقاعدة من أهم القواعد الإنسانية حيث قال عمر بن الخطاب "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً".
إن وسائط التربية كالأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام من أهم أدوارها تنشئة الفرد على الحفاظ على حريته التي وهبها الله له فالحرية شجرة نادرة تنمو بماء العزة والفهم والإيمان وثمرتها الأكيدة الحياة الكريمة.
يقول القرضاوي في كتابه الفتاوى المعاصرة "جاء الإسلام فقرر مبدأ الحرية، وقال علي بن أبي طالب في وصية له: لا تكن عبد غيرك وقد خلقك الله حرًا. فالأصل في الناس أنهم أحرار بحكم خلق الله، وبطبيعة ولادتهم … هم أحرار، لهم حق الحرية… وليسوا عبيدًا .. جاء الإسلام فأقر الحرية في زمن كان الناس فيه مستعبدين: فكريًا ، وسياسيًا، واجتماعيًا، ودينيًا، واقتصاديًا، جاء فأقر الحرية، حرية الاعتقاد، وحرية الفكر، وحرية القول، والنقد".
التعليم النافع وحده هو المخرج من الأزمة فنمو الحرية يعني نمو التعليم الحر. مدارسنا ينبغي أن تمرر القرارات في محيط المدرسة وتعطي الأسباب وتبين أهميتها فيقتنع العاملون بها ولهم حق الاستفسار بل حتى الاستنكار بطرق حكيمة ومن حقهم المشاركة في إصدار القوانين التي تمس أعمالهم. الاحترام يهدي إلى التعاون والتعاون يهدي إلى الحرية والحرية والتسامح من أهم مكونات النشأة الإنسانية الطبيعية التي تنشد العدالة بجميع ميادينها وكل درجاتها. الرأي السديد الصائب هو أن نسعى بكل الطرق الحكيمة لتعزيز وممارسة وتطبيق مبادئ حقوق الإنسان التي كفلها الإسلام في أسرنا ومدارسنا وجامعاتنا وأجهزة الإعلام إلى أن تصبح الحرية والعدالة من أهم سمات وأساسيات حياة المجتمع الذي نعيش فيه وننتمي إليه.
من أهم الحريات السياسية التي تؤكد التربية القرآنية على تأصيلها هي حرية الحوار فهي من الحاجات لا الكماليات. قال تعالى في سورة البقرة "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاء إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32)قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (33)".
من أهم الغايات الاجتماعية للتربية المساهمة في إيجاد الإنسان المصلح الحر في تفكيره البنّاء، وتعبيره المؤدب، وتصرفه السليم، وهو بذلك يعرف حقوقه فيتمتع بها باتزان، ويعرف واجباته فيقوم بها بإتقان. في كل يوم تخطو التربية المعاصرة نظرياً خطوات متسارعة نحو التأكيد على أهمية مبدأ الحرية في التربية لتوليد القوة والطاقة في نفوس المتعلمين والمعلمين.
إن كبت الحريات المشروعة في الاختلاف المحمود والمعارضة الموضوعية سواء في ميدان الأسرة أو المدرسة أو الجامعة أو الحياة العامة تمثل سلسلة متصلة من القيود الحديدية التي تحد من حركة المجتمع وتحجبه من نعمة الرؤية الجماعية والمصارحة الصادقة والتمتع بالحياة. إن ظاهرة الإرهاب الفكري في كثير من الدول الإسلامية تأخذ مظاهر شتى فقد أصبح الخوف من سيف التسفيه والسخرية والفتاوي الشرعية المتسرعة التي تخرج وتوزع بلمح البصر يلاحق الباحثين إذا طرحوا موضوعات غير مألوفة ولا عجب أن نجد بعضهم يقدم الدراسات التي تساير وتساعد التوجه القوي في الساحة السياسية لأجل مصالح ومكاسب شخصية والبعض يختار السلامة فلا يعارض أو يواجه الخاصة ولا العامة.
من المحال حسم كل الخلافات العلمية في فرع من فروع العلم ولكن بالإمكان فتح أبواب الحوار العلمي البعيد عن التجريح الشخصي وأول عائد لمثل هذا الغرس هو احترام آراء المخالفين، والانفتاح على فكر الآخرين، والتعايش السلمي رغم التحديات والاحباطات .
إن الحاجة إلى رعاية حق الحوار وحماية حرية الاختلاف في حدود الآداب الإسلامية – ضرورة تحتمها تنوع الأفهام، وتباين الأنظار، واختلاف الطباع. أليس بالاجتهاد وحرية البحث نجح المسلمون الأوائل في بناء حضارتهم وانطلقوا سراعاً نحو التأليف والترجمة وعمل التجارب … ؟ ألم يكن حق السؤال والمشورة والقول مكفولاً في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين لكل من الرجل والمرأة والغني والفقير سواء بسواء …؟ ألم يكن البحث الحر عن مصابيح الحكمة ضالة كل مؤمن وغاية كل مؤمنة …؟
إن حرية إبداء المشورة والتعبير عن الرأي يجب أن يغرس في نفس الطفل منذ نعومة أظفاره فعندما يشاهد الطفل أفراد أسرته يتحاورون دون أن يتسلط الكبير أو يستبد الأب بفرض رأيه في كل شاردة وواردة … عندما يرى أن الاحترام لا الخصام يعقب كل نقاش محتدم… عندما يرى أن الإقناع والتحاور أساس التعامل … عندما يرى المرأة مكرمة معززة لها الحق في إصدار القرار وأنها ليست مجرد قطعة من أثاث الدار … ويرى كبار السن لهم عظيم التقدير ووافر التوقير … ويجد المنهج الدراسي من أبجدياته ترسيخ حرية الحوار…فإنه يتعلم عملياً ممارسة الحرية التي وهبها الله عز وجل للعباد.
إن الحرية في التعبير والتفكير والحركة تتطلب نية مخلصة وشجاعة أدبية وثقة بالنفس، ومنطق سليم، وحب الخير للناس وهو غاية الإسلام في تربية الطفل فإذا مارس تلك الفضائل عملياً في منزله الصغير فإنه بلا شك سيمارس تلك المكارم طواعية في مجتمعه الكبير.
لقد حث الله عز وجل المسلمين بإتباع نهج الشورى واتخاذ القرار الجماعي ونهاهم عن التفرد بالرأي وقال سبحانه "وأمرهم شورى بينهم" (سورة الشورى 38) مع العلم أن السورة مكية أي أن التأكيد على الشورى لخدمة الأغراض العائلية والاجتماعية جاء قبل أن تقوم دولة المسلمين ككيان سياسي مستقل وفي هذا الفهم تصويب لما قد يظنه البعض من أن الشورى يجب أن تمارس في النطاق السياسي فقط. والأمر الذي هو أعظم من ذلك أن الله سبحانه يطلب من نبيه صلى الله عليه وسلم - قدوة كل مسلم- أن يحيا في ظل الشورى فغيره بلا شك أولى بالتشاور في سياساته ومشكلاته الحياتية.
المدرسة تستكمل المسيرة مع الطفل فتغرس القيم الإيجابية للحرية في نفس المتعلم من خلال التأصيل النظري والتطبيق العملي. المدرسة في سياستها وممارساتها تستطيع أن تتعامل مع المتعلمين من خلال عدة أنماط سياسية لها صلة وثيقة بموضوع الحريات وهي:
1-السياسة التسلطية الاستبدادية حيث يسمع الطالب التعليمات وينفذها قهراً دون مناقشة أو اقتناع. الطالب المثالي في ظل هذه السياسة هو الذي يحفظ المقرر الدراسي ولا يحيد عنه. المعلم يلقن ويعلم ويسيطر على العملية التعليمية دون اشتراك المتعلمين معه ويظل المعلم الطريق الوحيد الموصل إلى المعرفة أما الكتاب المدرسي فهو المصدر الأساسي للعلم .
2-السياسة التعاونية القائمة على أساس الشورى هي التي تقوم على المشاركة والتعاون والإقناع. هنا على النقيض من النمط السابق فإن المتعلم يتحاور مع الأستاذ ويحول المعلم إلى موجه يرشد إلى مصادر المعرفة ويساعد المتعلم كي يبحث ويفكر من خلال إتاحة الفرص والخبرات التعليمية وبناء على ذلك تصبح المناقشة والحوار من أساسيات هذه الطريقة. رغم وجود لوائح عامة في النظام القائم على الشورى إلا أن المتعلم يستطيع أن يبدي رأيه ويعبر عن مشاعره الإنسانية ويشارك في التخطيط للكثير من الأنشطة التي تقوم بها المدرسة. أما الكتاب المدرسي فهو مصدر من مصادر عدة للمعرفة. في الشورى يتنفس المتعلم عبير الحرية والكرامة التي كتبها الله تعالى لعباده. الخبرة والممارسة وذاتية المتعلم والبحث الحر والحوار المثمر … كلها مفردات أساسية في إعداد المتعلم لحياة قوامها الشورى.
3-النمط الثالث الذي قد ينتشر في المدارس وحتى في نطاق الأسرة بل الدولة هو النمط المُتساهل الغير حازم وهو نقيض النمط التسلطي في السياسة والإدارة. وفي ظل هذا النمط تصبح المدرسة متسيبة تفقد المصداقية والجدية في العمل حيث تعم الفوضى من خلال الأعمال الارتجالية المتخبطة والاجتهادات المتناقضة مما يدعو إلى تثبيط المدرسين وتقليل تفاعلهم وإنتاجهم. يُلاحظ أن هذا النمط لا يمارس توزيع المسئوليات بالتساوي في المدرسة، وينقصه الجدية في متابعة القرارات والقوانين.
توسيع دائرة الحريات وتبصير الناس بحقوقهم من القيم السياسية الهامة في عملية تنشئة الإنسان المثقف. ومن القواعد الأساسية لإصلاح الأوضاع السياسية تطبيق مبدأ الشورى الملزمة لا المعلمة في الممارسات اليومية. ملزمة بمعنى أن الحاكم وولي الأمر في سياساتهم للآخرين لهم حق التعبير عن الرأي والمشاركة في صنع القرارات التي تمس حياتهم. أما الشورى المعلمة هي الاستشارة بغرض الاستئناس برأي الآخرين فقط.
واقع القمع السياسي في العالم الإسلامي يتطلب تأصيل مواثيق عصرية تأصل القيم الإسلامية ويتم صياغتها والإعلان عنها والتقيد بها على أرض الواقع. رفض سياسة تسلط العساكر، وتفرد الأسرة الحاكمة، واستبداد علماء الدين. الدعوة إلى المشاركة الشعبية في الحكم واستلهام الشورى الملزمة لا المعلمة من أهم ضرورات الأمة المسلمة اليوم لدفع العجز الحضاري الذي يلف الأمة ويتلف الحياة. قال القرطبي في تفسيره "قال ابن عطية: والشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام؛ من لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب. هذا ما لا خلاف فيه. وقد مدح الله المؤمنين بقوله: "وأمرهم شورى بينهم" [الشورى: 38]. قال أعرابي: ما غبنت قط حتى يغبن قومي؛ قيل: وكيف ذلك؟ قال لا أفعل شيئا حتى أشاورهم. وقال ابن خويز منداد: واجب على الولاة مشاورة العلماء فيما لا يعلمون، وفيما أشكل عليهم من أمور الدين، ووجوه الجيش فيما يتعلق بالحرب، ووجوه الناس فيما يتعلق بالمصالح، ووجوه الكتاب والوزراء والعمال فيما يتعلق بمصالح البلاد وعمارتها. وكان يقال: ما ندم من استشار. وكان يقال: من أعجب برأيه ضل".
المدارس تغرس في النفوس رفض الظلم. قال أبو القاسم الشابي:

أول خطوة في توسيع نطاق الحريات والتحرر من ضيق التسلط إلى آفاق الحرية أن ندرس الأدبيات الخاصة بهذا الباب فتتوفر القناعة وتزيد الرغبة في تطبيق حرية سماع الرأي الآخر والاستفادة منه إن كان نافعاً ثم تبدأ الأسرة والمدرسة بتنشئة الإفراد على ذلك وتسعى الحركات الإصلاحية ووسائل الإعلام إلى تعزيز هذه الممارسات في أوساطها وتنادي بتوسع دائرة المشاركة الشعبية الواعية.
قال محمد الغزالي في كتابه السنة النبوية بين أهل الفقه .. وأهل الحديث "والشورى في دولة الخلافة برزت في صور شتى، وليس المهم أي طراز نستمسك به؟ بل المهم أن نوفر الضمانات والأساليب التي تجعل الشورى حقيقة مرعية، فيختفي الفرد المستبد، وتموت الوثنيات السياسية، ويترجح الرأي الصحيح دون عوائق، ويتقدم الرجل الكفء دون أحقاد...هل يمكن ذلك في غيبة العقائد والأخلاق؟ هذا مستحيل! لقد نقل الشرق الإسلامي صورة الديمقراطيات الغربية في مرحلة هابطة من تاريخه، صرعته فيها مواريث جاهلية، وخدعته تقاليد استعمارية سفيهة، فماذا حدث؟ تم تزوير الانتخابات على نحو مذهل، وشقت الوثنيات السياسية طرقها وسط هالة من تأييد شعبي مكذوب!".

معايير لقياس الحريات في المجتمع
الإقبال على الديمقراطية يمر بدرجات متفاوتة تبدأ من الرفض التام لمضمون الفكرة إلى القبول المطلق في جميع المجتمعات العربية المعاصرة. يرفض البعض استخدام كلمة الديمقراطية تماماً لأنها كلمة غربية لها تاريخها ومدلولاتها. هذا التباين له صداه في الخطاب الديني والعلماني والقومي لإصلاح الوضع السياسي المتأزم في العالم العربي بعد أن أصبحت الحريات مكبوتة إن لم تكن مسحوقة. الديمقراطية بمعنى منهج سياسي سلمي لإدارة الأمور، وتنظيم الأدوار، وتقدير المصالح، ضرورة مجتمعية لتحسين أداء الحركة في المجتمع طالما أنها لا تعارض مقتضيات الشريعة. تُجند التربية الحديثة جميع مؤسساتها لترسيخ معاني الحياة الديمقراطية لتشارك معظم شرائح المجتمع في اتخاذ قراراتها الوطنية وفق ثوابت المجتمع علماً بأن الديمقراطية ليست مجرد انتخاب وترشيح ومهرجانات خطابية. من التجارب العربية السباقة في مضمار الحياة البرلمانية تجربة الكويت وهي تجربة واقعية للمجتمع المسلم الذي يتبنى منهج الشورى في إدارة الدولة ويستفيد من التجارب السياسية العالمية بما يتوافق مع مقاصد الشريعة الإسلامية. ينص دستور دولة الكويت على "أن نظام الحكم في الكويت ديمقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعاً" علماً بأن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع.
هناك جملة من المؤشرات الهامة لقياس مدى تمتع الأمم بالحريات السياسية أشار إليها الباحثون في هذا المضمار مثل د. إسماعيل الشطي (2002 م) الذي يقترح مجموعة معايير لقياس الديمقراطية سنذكر بعضاً منها وسنضيف إليها بعض الضمانات في النقاط التالية:
"مقدار حيازة الأمة للسلطة، فكلما حازت الأمة قدرا أكبر من السلطة زادت درجة اقترابها من النظام الديمقراطي، حتى إذا صارت مصدرا للسلطات فإنها تعبر عن إرادتها من خلال دستور تجتمع عليه، يضم المبادئ التي تتفق عليها، ويحوي الحقوق والواجبات وينظم العلاقات بين السلطات المختلفة.
مقدار المشاركة السياسية للأمة ونسبة المقترعين من السكان، إذ قد تحرم القوى المهيمنة في المجتمع بعض الفئات من المشاركة في الحكم، أما بسبب العنصر أو الجنس أو الدين والمذهب أو المستوى الاجتماعي أو السن.
وفرة مؤسسات المجتمع المدني، كالنقابات والاتحادات والجمعيات والهيئات الخاصة، وكلما تعددت هذه المؤسسات عكست مؤشرا قويا لاقترابها من الديمقراطية، غير أنه من الضروري إدراك أن تلك المؤسسات يجب أن تكون حرة مستقلة عن الأجهزة الرسمية للدولة أو الأواصر الاجتماعية، وتشكل هيئاتها بالاقتراع المباشر .

استقلالية القضاء عن بقية السلطات.

التعددية السياسية، وهي التي تضمن تعدد الاتجاهات لتحول دون احتكار طرف سياسي للسلطة.
ضمانات للحريات العادلة، وأبرزها حرية التعبير والتجمع والتنقل والملكية، وبالأخص عدم تقنين احتكار إصدار الصحف أو محطات البث أو غيرها من وسائل الإعلام، والتعامل مع هذه الوسائل كسلطة تشكل الرأي العام ولكن يبقى مصدرها الشعب كبقية السلطات" (باختصار).
يمكننا أن نجعل مناهج التعليم من مؤشرات قياس الحريات في المجتمع إذ أن المنهج الدراسي يجب أن يهيئ الطلاب والطالبات لممارسة الحياة البرلمانية وفق وعي سياسي ناضج يفقه روح الديمقراطية. عندما تجد الطالبة في أنشطة الفصل برلماناً صغيراً فإنها تعايش أبجديات الدستور وتفهم طبيعة العمل السياسي الحر منذ الصغر فينشأ الولاء لمنهج الشورى.
يجب أن تقوم مؤسسات الإعلام بتعميق وتطبيق وإثراء مفهوم المواطنة.
ينبغي أن تلعب المدرسة في الكويت دوماً دوراً حضارياً رائداً في غرس المفاهيم السياسية من خلال:
التأكيد على أهمية الدستور الكويتي في استقرار وتقدم البلد.
تقدير نعمة الحرية والمكاسب الوطنية والافتخار بها والمحافظة عليها.
شحذ ذهن المتعلم كي يتعلم كيف يفكر موضوعياً ويعبر سلمياً.
يقدر أهمية المشاركة في القرار.
يمارس في واقعه الميداني مهارات وقيم الحياة البرلمانية (التحليل – المناقشة - التصويت – المشاركة في صنع القرار – إبداء الرأي – احترام الاختلافات – التعاون مع القرارات الجماعية).
يطلع على بعض مظاهر الحياة البرلمانية بشكل محسوس (الزيارات الميدانية لمجلس الأمة).
نقد التصرفات الغير مقبولة والتي تتنافى مع أبجديات الحرية والعدل (الأنانية-التسرع-الغلو).
ينادي المربون اليوم ببناء وعي تربوي عربي مُتكامل بحقوق الإنسان في مؤسَّساتنا التَّربوية. "وإذا كانت هذه الضَّرورة التَّربوية تأخذ طابعاً ملحاً في مختلف أنحاء العالم المعاصر، فإنَّها في سِياق وجودنا وحياتنا العربية تَتجاوز حُدود كل أولوية وضَرورة" (وَطفة والرَّاشد، 1999، ص 11). وتأسيساً على هذا السياق فإن التوجهات التربوية المعاصرة تنادي بإدخال مبادئ وقيم الديمقراطية ضمن المناهج الدراسية مع التركيز على الأساسيات التالية:
احترام الشخصية الإنسانية والاعتقاد بذكاء الفرد وقدراته الإبداعية.
الثقة في الحياة وفي العمل الجماعي.
تزويد الطلاب والطالبات بطرائق متنوعة لتمييز القيم والمفاهيم (سليمان والعثمان، 2002 م، ص 35، 83).
تأصيل مفهوم الحرية في سياق التعاليم الإسلامية إذ أن الإسلام جاء لتحرير الإنسان من جميع صور الظلم.

مقتطفات من وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (Universal Declaration of Human Rights) في عام 1948 م. فيما يلي مقتطفات من الوثيقة:
المادة الأولى: يولد جميع الناس أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق وقد وهبوا عقلا وضميرا وعليهم أن يعامل بعضهم بعضا بروح الاخاء.
المادة الثامنة عشرة: لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته[1]، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر، ومراعاتها سواء أكان ذلك سرا أم مع الجماعة.
-المادة التاسعة عشرة: لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية.
-المادة السادسة والعشرون:
1-لكل شخص الحق في التعلم، ويجب أن يكون التعليم في مراحله الأولى والأساسية على الأقل بالمجان، وأن يكون التعليم الأولي إلزاميا وينبغي أن يعمم التعليم الفني والمهني، وأن ييسر القبول للتعليم العالي على قدم المساواة التامة للجميع وعلى أساس الكفاءة.
2- يجب أن تهدف التربية إلى إنماء شخصية الإنسان إنماء كاملا وإلى تعزيز احترام الإنسان والحريات الأساسية وتنمية التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الشعوب والجماعات العنصرية أو الدينية، وإلى زيادة مجهود الأمم المتحدة لحفظ السلام.
3-للآباء الحق الأول في اختيار نوع تربية أولادهم.
-المادة السابعة والعشرون:
1-لكل فرد الحق في أن يشترك اشتراكاً حراً في حياة المجتمع الثقافي وفي الاستمتاع بالفنون والمساهمة في التقدم العلمي والاستفادة من نتائجه.
2-لكل فرد الحق في حماية المصالح الأدبية والمادية المترتبة على إنتاجه العلمي أو الأدبي أو الفني.
-المادة الثامنة والعشرون:لكل فرد الحق في التمتع بنظام اجتماعي دولي تتحقق بمقتضاه الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا الإعلان تحققا تاما.
-المادة التاسعة والعشرون:
1-على كل فرد واجبات نحو المجتمع الذي يتاح فيه وحده لشخصيته أن تنمو نموا حرا كاملا.
2-يخضع الفرد في ممارسة حقوقه وحرياته لتلك القيود التي يقررها القانون فقط، لضمان الاعتراف بحقوق الغير وحرياته واحترامها ولتحقيق المقتضيات العادلة للنظام العام والمصلحة العامة والأخلاق في مجتمع ديمقراطي.

يتبع >

المثابر120
2008-11-07, 11:18
الميثاق الإسلامي لحقوق الإنسان
"وإن هناك مجالاً واسعاً للأخذ بقواعد القانون الدولي العام الحاضر القائمة على أساس العرف والمعاهدات، وهذان مصدران واسعان جداً يستقي القانون الدولي العام قواعده وأحكامه منهما، وإن الشريعة الإسلامية تجيز الأخذ بالعرف الصحيح في العلاقات الدولية، كما تجيز عقد المعاهدات مع الدول الأخرى، بشرط ألا تخالف الشريعة وتلزم بالوفاء بمضمونها" (العسلي، 2001م).
تعمل كثير من دول العالم على تطبيق الوثيقة العالمية لحقوق الإنسان كقيم حضارية، وأنساق اجتماعية، وأخلاق عالمية، وتساندها في ذلك عدد كبير من المنظمات الشعبية والمهنية والأكاديمية وكثير من الدول والهيئات الإسلامية وافقت عليها وإن لم تطبق بنودها. يرى بعض المفكرين في العالم الإسلامي أن وثيقة هيئة الأمم من أعظم الوثائق التاريخية للإنسانية ويجب قبولها، ويرى فريق آخر أنها سياسة ليبرالية غربية ويجب معارضتها، وطائفة ثالثة من المفكرين تؤمن بكثير منها وترفض بنودها المخالفة لمبادئ الدين الإسلامي. هذا التباين والتناقض في صفوف المفكرين يصفها بعض المربين "بإشكالية الموقف الإسلامي من الإعلام العالمي لحقوق الإنسان" (وطفة والراشد، 1999 م، ص 147).
"الإسلام بمبادئه وقيمه وأهدافه، المتصلة بمجال العلاقات الدولية، لا يزال قادراً على قيادة وتوجيه علاقات خارجية بناءة وناجحة على شرط أن يتمسك المسلمون بهذه المبادئ والأهداف الإسلامية الشاملة. كما يتعين عليهم إعادة بناء تصوراتهم وتفهمهم للعصر الإسلامي الأول حتى يمكنهم الحصول على وعي قويم وفكر سليم، وفهم منظم، ليساعد بدوره في تطوير الدراسات الإسلامية التجريبية للعلاقات الدولية. وبهذه الطريقة سيكون بمقدور رجال الدولة والمفكرين المسلمين تقويم سبل العمل والبدائل المتاحة لهم بشكل فعال من أجل خدمة أمتهم ونصرة دين الإسلام، والسعي لخير الإنسانية جمعاء" (أبو سليمان، 1993، ص 271).
المطلع على أحوال العالم الإسلامي بتمعن يدرك أن الجهود المبذولة لإخراج مقترح الميثاق الإسلامي لحقوق الإنسان تحتاج إلى مساندة الدول الإسلامية كي تتبناها وتعمل بمقتضاها وترسم آليات عملية مؤسسية متنوعة لمراقبتها بعد أن تتم بلورة بنودها بشكل نهائي وتبنيها بشكل رسمي. الوثيقة الإسلامية يجب أن تركز على تحرير الشعوب والإفراد وتحارب كافة أنواع السيطرة الدولية على مقدرات وقرارات الشعوب الضعيفة.
لا شك أن الإسلام دين سلام يرعى ويسعى لدعم التعارف والتعاون بين الشعوب ويحض على احترام العهود والوفاء بالمواثيق الدولية إذا نبعت من رغبة لا رهبة الشعوب ومن غير أي مساومة مهينة في بنودها وتنازلات مذلة في قيودها. على هذه المبادئ الأساسية في التكافل والتضامن تقوم أطر السياسات الخارجية والعلاقات الإنسانية في ضوء الشريعة الإسلامية. إن تعليم الناشئة بشكل فاعل يتطلب تقديم نظرة أخلاقية لمفهوم العدل ليتحصن بها المتعلم فيفهم المواثيق العالمية ويتصدى لضباب النفعية، وسراب الدبلوماسية ويرفض قبول كل تحالف سياسي يخالف الحق. الإعلام الغربي يعمل جاهداً على مسخ ذاكرة الشعوب وتزوير التاريخ وترويض الأمم على قبول ضغط الواقع. هذه السياسة هي تمهيد لاستعباد الأمم والتنازل عن الحقوق والتفريط بها مما يحول بين نهوض الأمم المستضعفة فتظل في سباتها وتعيش عالة على فكر وبضائع وإعلام الغرب. ومن صور نجاح هذه السياسة العالمية أن القاموس السياسي أصبح يلعب بالمسميات فنقرأ في جدار الواقع أن الاستسلام يسمى سلام وأن مذلة التركيع تسمى بسياسة التطبيع، وأن الجهاد في دفع الظلم فساد، وأن التمسك بالشرف تطرف.

معضلة النظرية السياسية في مؤسسات التعليم
العقل العربي اليوم يعايش مأزقاً قاسياً يصبغ حياتنا السياسية بالبؤس وهذا المأزق نتج من تمزق النخب الثقافة وتفرقها في موضوع إدارة شئون المجتمع فهناك رؤية ليبرالية تطالب بحريات مطلقة وهناك حركات دينية عاجزة تملك شعارات براقة لا تسمن ولا تغني من جوع.
تقول الباحثة هبة رءوف عزت (2002 م) "ويلاحظ الباحث في النظرية السياسية المعاصرة في بلدان العالم الإسلامي الانشطار الواضح الذي يعاني منه العقل السياسي الإسلامي بين مدرسة تتبنى النظرية الفقهية التقليدية، ولا تخرج في جوهر منهاجيتها عن منهاجية وموضوعات كتب السياسية الشرعية القديمة.
ومدرسة ثانية تسعى إلى بناء نظرية سياسية باللجوء إلى تبني المنهاجية الغربية والمفاهيم المعتمدة، والسعي إلى إثبات اتفاقها مع مبادئ نظام الحكم في الإسلام؛ من حزبية، وشكل للدولة، وأنظمة للحكم، دون محاولة لتأصيل رؤية إسلامية مستقلة إلا فيما ندر.
وتقف بين المدرستين فئة قليلة من الباحثين تسعى إلى تحقيق الربط المفقود بين المنهاجيتين واستيعاب لغة الفريقين. ولعل أبرز أسباب هذا الانشطار والاستقطاب هو النظام التعليمي في الدول الإسلامية الذي يغلب عليه النظام الغربي في كليات العلوم الاجتماعية؛ فلا يدرس طلابها ولو نبذة عن العلوم الشرعية، في حين يدرس طلاب السياسية الشرعية الفقه والعلوم الشرعية دون أدنى معرفة بالنظرية السياسية الغربية، ولذا يبقى الفريقان في انفصال وانفصام لا يجمعهما حد أدنى من الثقافة أو حتى الاحتكاك الأكاديمي. وتظل الفئة الوسيطة التي تسعى لتجسير الفجوة، فئة من الذين تخرجوا -في الأغلب- في كليات العلوم الاجتماعية المدنية، وسعوا بجهد شخصي إلى تحصيل العلم الشرعي دون دعم من مؤسساتهم الأم. وهي فئة تنظر إليها مؤسساتها الأكاديمية نظرة استغراب، بل واستنكار، وتنظر إليها الكليات الشرعية نظرة ريبة وشك، ويبقى جهدها -رغم جديته- خارج التيار العام للمدرستين" (باختصار).
المعضلة السياسية في ثقافتنا العربية لها عدة قسمات أورد بعضها الشنقيطي (2002 م) عندما تحدث عن إشكالية العقل المسلم اليوم الذي يعاني من "ضمور خطير في الفقه السياسي والإداري والتنظيمي , لعدة أسباب منها الجفاء الذي ساد بين أهل القرآن وأهل السلطان , نتيجة سيادة الملك العضوض , وبعده عن مقتضيات الدين , مما دفع الفقهاء إلى الإعراض عن هذه الجوانب المهمة من فقه التدين. العقل المسلم فقَدَ مرونته العملية بعد قرون من الانحطاط فتحولت العديد من المبادئ الإسلامية إلى أفكار نظرية مجردة قد تُساق للتمدح بجلال الرسالة الإسلامية , لكنها لا تُتَّخذ قاعدة منهجية هادية للعمل. إن تخلف الثقافة السياسية في العالم الإسلامي عمومًا جعل بعض الإسلاميين أسرى صور تاريخية بائسة من القيادة .. وبذلك تحولت مبادئ الإسلام السياسية الجليلة ـ كالشورى والأمانة والقوة والعدل والطاعة ـ إلى شعارات مجردة ، بدلاً من أن تكون دليلاً عمليًا هاديًا للمسيرة. الفكر المسلم اليوم في مسيس الحاجة إلى الثقافة المنهجية المعينة على كسب المعركة وإقامة مجتمع العدل والإنصاف، والمقصود بالثقافة المنهجية هنا هو العلوم التنظيمية والإستراتيجية والسياسية " (باختصار وتصرف) .