تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : شهداء قليقية


HADIL146
2011-09-23, 10:28
صحيفة الشرق القطرية


جريمة قتل أجهزة عباس للقائدين الشهيدين محمد السمان ومحمد الياسين- رحمهما الله- من كتائب عز الدين القسام بعد تعقب طويل واشتباك ليلة كاملة وما تبع ذلك من تصريحات لعباس وفياض وما يرافق هذه الجريمة من تحولات في مواقف ومواقع السلطة.. كل هذه حيثيات تجعل الجريمة أكثر وأكبر من مجرد حادثة اشتباك وأكثر وأكبر من قتل لمجاهدين مطاردين للاحتلال على ما في ذلك من معاني الغدر والخيانة، وهي جريمة أكبر وأكثر من البحث في فروق الروايات الميدانية لها والاختلاف حول تفاصيلها.. وهي تتجاوز- وبدون مبالغة ولا تهييج- كل العناوين التي عملت تحتها أجهزة دايتون في أسوأ حالاتها حتى الآن، ولا يمكن نسبتها أو تبريرها بقصة الانفصال بين غزة والضفة والخلاف بين الرئيس ورئيس وزرائه؛ فقد هدأت النفوس بعد سنتين من تلك الفتنة وما يفترض من أن العقل والقيم العليا هي التي تغلبت على وحر النفوس وأحاديث الغريزة.. ما حدث في قلقيلية يأتي والحوار الفلسطيني يصل نهاياته ولم يتبق عليه إلا جولة واحدة يفترض أن تعقد يوم 7/7 القادم، ويأتي بعد العديد من اللقاءات والحوارات التي يفترض أنها بددت الكثير من الشك والعداوة ووطدت الكثير من الثقة والصفاء بين الطرفين.. لكن وبالنظر في سياق الحدث وسباقه ولحاقه.. يمكن الجزم بأنه يأتي ضمن رسائل (خائبة) تحاول سلطة رام الله أن تستثمر فيها.. ويمكن رصد ذلك كما يلي:

معلوم أن الاحتلال هو الذي اعتمد السلطة ومنحها التفوق والميزة على بقية الفصائل، ومعلومة الأثمان التي دفعتها قبل ذلك وبعده وفي مقابله حتى صارت السلطة.. وغرقت في مشروع التسوية ورهنت وجودها به حتى غدا الرئة التي تتنفس بها وإكسير حياتها ووجودها ولم تعد قيمته فيما يفترض أن ينجم عنه من الاستقلال والتحرر والتنمية والهوية.. حتى جاء نتانياهو- أخيراً- الذي يصر على تجميد المفاوضات وعلى استمرار الاستيطان وعلى طلب التنسيق الأمني على أوسع نطاق وعلى تغيير قواعد التسوية.. أي أنه أطبق على عنقها فبات القائمون عليها المنتفعون منها يشعرون بالتلاشي والتهديد.. وبما أنهم عاجزون عن فعل شيء خارج نطاق المفاوضات- المتوقفة- فهم يرون أن المخرج الوحيد من أجل البقاء هو في أمرين اثنين؛ الأول: المراهنة على أوباما الذي يتكلم إنشاء جيداً مدغدغاً لطموحاتهم السياسية وتوفير الحد الأعلى من رضاه عنهم، والثاني: المزيد من الغرق في التنازلات والأداءات لصالح العدو وإعادة ثقته بوفائهم وولائهم وجدارة المراهنة عليهم..

هنا يأتي الكلام على ملفين أساسين يحاول العدو دائماً أن يحافظ على اختراقاته لهم فيهما: ملف التنسيق الأمني وملف الاستيطان.. أما التنسيق الأمني فهم يحاولون تجاوز كل الاعتبارات الوطنية والثورية وأن يقنعوا نتانياهو بأنهم موضع جدارة وثقة في ذلك وأنهم لا يكتفون بدور تنفيذي فيه بل يقومون بمبادرات وكسر محرمات وأنهم لم يعودوا يمسكون العصا من الوسط بين قبول المقاومة ورفضها إلى رفضها بالكلية ومطاردتها من غير هوادة وهنا بالضبط يمكن تفسير اشتداد عملياتهم العدوانية ضد المقاومة ومطالباتهم العدو باجتياح غزة من جديد، وفهم لماذا صاروا يمارسون التنسيق الاستخباري والميداني مع العدو على المكشوف ومن هذه الزاوية يمكن معرفة مغزى ومضمون تصريحات عباس التي واكبت اغتيال القائدين القساميين والتي قال فيها (نحن نقوم بالتزاماتنا وعلى الإسرائيليين أن يقوموا بالتزاماتهم) وما قاله مستشاره- غيث العمري- عن حوافز قدمتها السلطة وستقدمها لحكومة العدو!! وما قاله حسين الشيخ وغيره في معرض تبريرهم لعملية القتل الآثمة هذه.. وأما في ملف الاستيطان فقد صرح مسؤول ملف المفاوضات من جهة السلطة أحمد قريع لصحيفة هآرتس الصهيونية يوم الثلاثاء الماضي 26 /5: إنهم- أي السلطة- يقبلون بضم المجمعات الاستيطانية الكبيرة إلى الدولة الفلسطينية المقترحة! وأن المستوطنين يستطيعون الاحتفاظ بالجنسية الإسرائيلية، ثم شبه المستوطنين بفلسطينيي الـ48 الذين يحملون- كما يقول- الجنسية الإسرائيلية والقومية الفلسطينية! ولنا أن نتخيّل خطورة هذا الطرح إذا علمنا أن المستوطنين في الضفة يقاربون الـ482 ألفاً؛ فما أثر اقتراح السيد قريع على زيادة عددهم في قابل الأيام؟ وهل هي رسالة لحكومة العدو مفادها أن يتوسعوا في الاستيطان لأن الحل المنتظر سيشرعن وجودهم ويشرعن مستوطناتهم؟ وهل في تشبيهه المستوطنين بفلسطينيي الـ48 إشارة خاصة تجاه التبادلية في الأرض والسكان التي يطنطن حولها العدو؟ وهل يأتي في إطار الاعتراف بالدولة اليهودية الخالصة؟ وأين القانون الدولي الذي يجرم الاستيطان في فكر وذهنية السلطة وقريع؟ ثم أليس هذا اعترافاً جديداً بالاحتلال حتى على مناطق الـ67 بعد التنازل عن كل الـ48 قبل ذلك؟ وأليس في ذلك ما فيه من القبول بتقطيع الضفة إلى كانتونات طالما قالوا إنها خط أحمر؟

واضح أن القوم يريدون أن يقولوا لنتانياهو: نحن على استعداد لكسر كل المحرمات وفعل أكثر مما تتوقعون!! ولكن نرجوكم ونتوسل إليكم ألا توقفوا المفاوضات وألا تضعونا في مواجهة الرأي العام الفلسطيني والعربي، وألا تعطوا الانطباع بأننا نتعاون معكم دون مقابل! وواضح أنهم يراهنون على الرئيس الأمريكي ويظنون أنه سيغير وجه القضية.. أما ما هو الحل؟ فيبدو أنهم لم يعودوا يفكرون كثيرا فيه ولا في مآلاته على الثوابت الوطنية..

فهل تصريحات أوباما تستحق كل هذه المراهنة عليها؟ وهل هو قادر على تقديم شبكة الأمان التي يتوقف عليها وجودهم وحياتهم- حتى لو أراد ذلك- في ظل وجود حكومة نتانياهو - ليبرمان؟ وهل سيكون عروبياً أكثر منهم ومن النظم المعتدلة التي تجرجرهم من تنازل لآخر؟ ثم من قال إن أوباما وعدهم بشيء أساساً؟ الصحيح أنها أحلام يقظتهم التي يحدثون بها أنفسهم ويولّدون منها أوهامهم.. أما تصريحات أوباما فيؤخذ عليها مأخذان يكفيان لتبديد أي أمل ينبني عليها؛ الأول: أنها تأتي في سياق حاجته لتحالف عربي وإسلامي ضد إيران من ناحية وفي سياق حاجته لحلول مالية وسياسية يحتاجها منهم في الأزمة الاقتصادية والعسكرية التي تطحن أمريكا من ناحية أخرى، هذا المأخذ الأول.. وهنا نسأل كم مرة يجب أن ينخدع العرب بالوعود وأن يؤخذوا لتحالفات تطير أدراج الرياح؟ حدث هذا في الحرب العالمية الأولى ثم الثانية ثم عندما أرادتهم أمريكا لتدمير العراق.. والآن جاء دور تدمير إيران وهم- أي العرب وفي مقدمتهم السلطة- يقومون بالدور الوسخ دون طائل ولا مقابل..

أما المأخذ الثاني على تصريحات أوباما فهو أنها لا تعدو ثلاثة محددات يتكلم من خلالها عن القضية الفلسطينية؛ المحدد الأول: الالتزام بما يراه حقاً للعدو في دولة يهودية خالصة؛ وقد أكد ذلك في خطابه يوم 24/12/2007 بولاية إيوا أثناء حملته الانتخابية يوم قال: (أعتقد أن كل شخص يدرك ما يجب أن تكون عليه أسس الحل بين إسرائيل والفلسطينيين.. ) ثم قال: (وعلى الفلسطينيين أن يفهموا حق العودة بشكل يحافظ على إسرائيل كدولة يهودية!)؛ المحدد الثاني: ترك القرار النهائي دائما لنتانياهو وظروف حكومته وائتلافه والمعوقات التي قد يضعها.. وقد قال تعليقاً على لقاءاته مع عباس ونتانياهو في الأسبوع الماضي: (لكني لا أتخذ قراراتي بالاستناد إلى محادثات أجريناها فقط.. لأن على نتانياهو بالتأكيد تسوية هذه المسائل داخل حكومته وداخل تحالفه)، وفي معرض رده على سؤال عن مدى تفاؤله بإقامة دولة فلسطينية قال: (نتمنى أن تتحقق هذه الأمور! ولا مبرر كي لا تتحقق ما لم تضع "إسرائيل" عقبات!) ؛ المحدد الثالث: ترك الأمور عائمة وغائمة فيما يتعلق بشكل الدولة الفلسطينية وقضايا الوضع النهائي ورفض تعيين جدول زمني لتحقيقها ووصفه بجدول مصطنع، ثم قال: (سأرى تقدماً وسأعمل بجد لتحقيق ذلك.. وأنا واثق أننا نستطيعه).

آخر القول: إن استدرار جماعة السلطة للعطف والشرعية من أوباما ونتانياهو وألا يروا مخرجا لها إلا ذلك.. يطرح جملة من التساؤلات: على كل المخلصين وعلى الداخل الفتحاوي خاصة: إلى أين سيصل هذا الاستدرار؟ وعند أي حد سيتوقف- إن كان سيتوقف- ؟ وهل سلطة بهذا المضمون لا تزال وطنية بشكل ما؟ وإذا كان القائمون على السلطة بهذا المعطى في القيم الوطنية والجدوى السياسية فما المتوقع منهم بالنسبة للقضية كلها وبالنسبة للتوافق أو التناقض الداخلي؟ وهل عرف الآن في أي سياق تأتي هذه الجريمة؟
http://www.masrawy.com/Ketabat/Images/2011/3//16-3-2011-18-21-5899.gif