المثابر120
2008-11-06, 17:04
الانتخابات العامة
مادة الشرعية وميزانها والبرلمانية ثمرتها في مواجهة الاستبداد
1ـ3
ناصية البحث :
لقد أصبح الحديث اليوم عن الديمقراطية في العالم العربي والإسلامي ، كالحديث عن الاشتراكية في نهاية الخمسينات والستينيات والسبعينيات ، أي مجرد شعار تطلقه بعض النخب الثقافية يعلنون من خلاله توبتهم عما اقترفوا من زلل وخطل وتضليل ، هذا إذا أحسنا الظن بهم . ولكن عندما يجعلون سبب تعثر الديمقراطية في العالم العربي والإسلامي هو الحركات الإسلامية كالإخوان المسلمين أو جبهة الإنقاذ أو غيرها من الحركات الإسلامية فيجب أن يكون لنا معهم حديث آخر . الغرب الأوربي وصل إلى صيغة معينة من الديمقراطية وأعلن منذ البداية أن هذه الصيغة غير قابلة للتطبيق إلا في منظومة فلسفية وفكرية واجتماعية واقتصادية غربية ، مبرراً بذلك سياسة الاستعمار التي كان يمارسها في الأقطار التي وقعت تحت نير استبداد جنوده وجنرالاته من جهة ، وليشبع غروره العنصري واستعلائه على الآخر من جهة ثانية . إلا أن هناك عامل آخر ، وهو خلق العداوة والبغضان مع الآخر ليضمن ولاء شعبه للنخبة الحاكمة .
Montesquieu مونتيسكيو : أبو الدستور ، كما يعرّف بالغرب ، وكذالك Hugo Grotius هوجو غروتيوس : أبو حقوق الإنسان . يعلنان أن الديمقراطية وحقوق الإنسان نبتتان غربيتان لا يمكن استنباتها في تربة خارج أوربا . كانت النخب الأوربية تعتقد ، وحتى وقت قريب ، أن أجراء انتخابات عامة وحرة وفق المعاير الأوربية في الضبط والربط سيحمل الحركات الإسلامية إلى سدة القرار السياسي وسيسبب متاعب للغرب نفسه . المستفيد الوحيد من هذا الهاجس الغربي هو الاستبداد والطغيان نفسه . لم يعد سراً أن الغرب نفسه هو الذي ساند كل أنواع الأنظمة الشمولية التي أفسدت الحرث والنسل . وبعد عناد وإصرار عجيب من قبل النخب الحاكمة في الغرب على هذا الوهم القاتل وأصبح الوضع في كل الدول العربية كارثي الأبعاد . وقع الغرب في حيرة من أمره الاستمرار أو التوقف وترك الحبل على الغارب . الأرجح أن الغرب لن يستمر في دعم الاستبداد على نفس الوتيرة السابقة ، ولكن لن يدعم القوى الواعدة في إرساء الديمقراطية ، كمقدمة للإصلاح ، وأقصى ما يستطيع الغرب الأوربي اليوم هو الحياد السلبي أما أمريكا فستبقى لفترة ، قد تطول أو تقصر ، تدعم المشروع الصهيوني المدمر . لهذا فالرهان على أمريكا كعكاز يستند عليه للإصلاح والديمقراطية وهم عقيم . أمريكا مهددة أن تنكص إلى نظام فاشي مستبد . لا يوجد في أمريكا مؤسسات مهيئة فلسفيا وفكرياً لتقويم المسيرة غير الديمقراطية ، وجل ما لدى أمريكا أفكار تدعوا إلى "تحسين" الأداء الامبراطوري . الساحة العربية ستصبح عما قريب منطقة فراغ سياسي وعجز اقتصادي ، ولاسبيل للخروج منه إلا أن تأخذ النخب العربية زمام المبادرة وتبحث عن قواسم مشتركة فيما بينها وتتنافس فيما بينها ضمن هذه القواسم . يجب أن لا تأخذ بالديمقراطية كنتيجة فحسب ولكن عليها أن تدرس الطريق الذي قاد إلى الديمقراطية بوعي وموضوعية . في انكلترا ، أعرق ديمقراطية في العالم ، بدأت المسيرة الديمقراطية بوضع البرلمانية في مقابل الاستبداد وجعلت البرلمان الممثل لإرادة الأمة البديل الوحيد لاستبداد الذي يستمد شرعيته من الإرادة الإلهية ، ومن المفارقات أن الخصم العنيد للاستبداد ودعوى الإرادة الإلهية هم من المتدينين المسيحين في حين أن فلاسفة الاستبداد وتغول الدولة من الملاحدة أو المتشككين بوجود الله وعلى رأسهم تومس هوبز Thomas Hobbes الذي كان يتوقع الشر والحرب الأهلية لمجرد ضعف الملك والرضوخ أو التنازل لمطالب الديمقراطين . الضعف كان متبادل الملك قدم بعض الإصلاحات المغرية لفريق من الديمقراطيين ، ومرفوضة من الفريق الآخر الأكثر عزوة ومكانة عند الشعب . نفس الشئ وقع في الطرف الآخر . فريق كان يرى : أن أي تنازل من قبل الملك سوف يأتي على هيبة السلطة ويشجع الديمقراطيين على طلب المزيد من حتى تؤول السلطة في النهاية لخصومهم وكان يمثل هذا الفريق هوبز . وفريق يرى أن القبول ببعض التنازلات هي الضريبة واجبة الدفع لكسب الوقت للعودة إلى مواطن القوة من جديد . لقد وقعت الحرب الأهلية كما توقع هوبز في كتابه الغول Laviathan وعاشت انكلنرا أقبح أنواع الستبداد قبل أن تصل إلى نظام برلماني . إن خطاء القبول ببعض الإصلاحات من قبل القوى الديمقراطية ونجاح سياسة " الرشوة " الإصلاحية في شق صفوف الديمقراطين هو السبب الأساس في نشؤ الحرب الأهلية . الاستبداد لا يصلح فالإصرار على البرلمانية كممثل لإرادة الشعب دون مساومة ، حتى في الجزئيات المتعلقة بآليات الانتخابات ، التي قد تصبح من الأمور الجوهرية . إن سورية تحكم ومنذ أربعين عاماً بنظام مستبد وأجهزة قمعية مخيفة وهي الآن تبحث عن دور وظيفي جديد في منظومة الهيمنة الأمريكية ، وبما أن أمريكا تستطيع فقط أن تنفذ سياسة حماية إسرائيل دون الهيمنة على العالم انطلاقاً من العراق كقاعدة ، كما سوق الصهاينة خطة احتلال العراق ، فالدور الوظيفي الذي تبحث عنه سورية اليوم لن يكون إلا صهيوني الشكل والمضمون . فهل يقبل الاستبداد في سورية بكل فصائله هذا الدور ؟ إن حجة النظام بقبول الدور الوظيفي الأمريكي في الماضي والقول لا طاقة لنا بجالوت أو حسب المثل الشامي " اليد التي لا تقدر عليها بوسها وادعي عليها بالكسر " أصبحت يد إسرائيل بدون القفاز الأمريكي . فهل يقبل الاستبداد والباطنية السياسية يد إسرائيل في سبيل البقاء بالسلطة والفوز بغنيمة المال الحرام في البنوك الغربية . ؟ الأيام حبلى بالكثير . إن الإصرار على البرلمانية من قبل قوى التغير شرط أساسي لتجنيب البلاد التشرذم الذي يقود إلى ما هو أسوء من أحداث الثمانيات . إن أي مشرع للإصلاح يراهن على أحد أجنحة الاستبداد للحصول على مكاسب " إصلاحية " وهم وتخلي عن مبدأ إرادة الشعب التي يجب أن تكون الحكم . المشروع الذي طرحته المعارضة المصرية الإسلامية واللبرالية والذي يتلخص بإجراء انتخابات رئاسية يسمح لعدد من المرشحين منافسة المستبد ، أقل ما يقال فيه أنه سذاجة وتلفيق ، فالمستبد يملك كل آليات التلاعب والتزوير لتزيف إرادة الشعب . ما الذي يضير المستبد أن يفوز بنسبة 70% بدلاً من 99,9% مع بقاء آليات الاستبداد والقمع والطغيان . إن النظام الرئاسي حتى على الطريقة الفرنسية هو تحجيم للبرلمانية التي تمثل إرادة الشعب وعنها تنبثق السلطة التنفيذية رئاسة ووزارة . يجب على الطبقة السياسية والمعارضة أن تدخل عالم البرلمانية والديمقراطية من أبوابها وليس التسلق على جدرانها . في الحالة السورية يجب أن تطالب المعارضة بمجلس نيابي منتخب يمثل إرادة الشعب . ويجب أن تتوفر كل الشروط الدستورية والقانونية لها مع كل آليات الضبط والربط الأوربية ، فحن لسنا أقل شأناً منهم ، وأن تجرى وفق النظام النسبي المعمول به في الدول الاسكندنافية أو ألمانيا ، أي الأخذ بكل صغيرة وكبيرة في هذا الشأن فالشيطان يقبع في التفاصيل ، كما يقول المثل . الدستور السوري المعمول به اليوم هو وثيقة استبداد مرفوضة كلياً وجزئياً وغير قابلة للإصلاح . دستور سورية لعام 1950 الذي أوقف العمل به بعد انقلاب آذار 1963 هو العقد الاجتماعي الأكثر ملائمة لسد الفراغ الدستوري الذي قد يحصل بعد سقوط الاستبداد . على المعارضة السورية ، إسلامية أو غير ذالك ، أن ترفض العنف غير المقاوم للإحتلال رفضاً مبدئياً وليس تكتيكياً باعتباره ، أي العنف ، مشرع استبداد للمستقبل ، فليس من العقلانية والحكمة استبدال ، استبداد باستبداد ، وظلم بظلم ، وقهر بقهر . إن هذا البحث الذي بين يدي القارئ هو تفصيل في جزئية في المشروع البرلماني الديقراطي ، ولكنها جزئية مهمة ودقيقة ، فهي الميزان الذي توزن به الديمقراطية نفسها ، فكلما كان الميزان دقيقاً كلما كان القبول بالنتائج أشمل وأوسع . إن الذين يتبضعون بين مسارات الهيمنة الأمريكية وينادون على "رحيق" الديقراطية الأمريكية في الأسواق العربية ، سيجدون في هذا البحث ما ينقض غزلهم ويبين زيفهم . أما بعض الشيوخ الذين مارسوا الاستبداد في سورية في بواكير عهده ، ولم يفارقهم حلم الرجوع إليه مرددين أغنية " نجاة الصغيرة "من شعر نزار القباني : كم قلت آني غير عائدة له /// ورجعت ما أحلى الرجوع إليه . أنصحهم بقراءة الكتاب الشعبي الماجن " رجوع الشيخ إلى صباه " ففيه ما قد يصرفهم عن أضغاث الأحلام وعنجهيات الأقزام .
بحث مقارن في القوانين والنظم الانتخابية الغربية ، وإمكانية الاستفادة منها في بلورة مشروع برلماني في مواجة الاستبداد
لا يمكن بحث هذا الموضوع بحثاً فنياً ، بعيداً عن الموروث والمستحدث وتجارب الإنسان ، التي أفرزت معانات بعيدة الأثر في سلوك الفرد والجماعات ، وما أحاط كل هذا من عقائد نقلية وتصورات فلسفسةعقليةجدلية ، ولكن ضرورة التخصيص ( الواقع السياسي في سوريا ) قد يعفينا من الدخول في خضم الجدل النظري الذي لم يصل أحد فيه إلى يقين يطمئن إليه ، فضلاً أن يحمل الآخرين عليه ، وبقي الجدل كما بدأ أول مرة ؛ كل حزب بما لديهم فرحون .
لو استعرضنا أدبيات المعارضة السورية من طقق إلى السلام عليكم ، كما يقول المثل الدارج ، نجد أنها تتجنب طرح مسألة الشرعية ، أي شرعية النظام في سورية . هل أنقلاب الثامن من آذار عام 1963 واستيلاء الجيش والأجهزة القمعية على السلطة كل السلطة ( تشريعية ، قضائية ، تنفيذية ) كان شرعية يعتد بها ؟. هل فرضية الدفاع عن الحقوق المغتصبة عبر تجيش الدولة والمجتمع مرجعية كافية لتبرير السطو على كرامة الإنسان ومعين رزقه والوصاية عليه ، حتى في أخص خصوصياته ؟ منذ تاريخ ذلك السطو ، وعملية الحلول والاتحاد الباطنية ، أصبحت السلطة تردد مقالة فرعون كما أوردها القرآن الكريم " ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد " . أدبيات المعارضة السورية ، في معظمها ، تطرح وهم إصلاح سلطة مغتصبة لا تملك أى مقوم من مقومات الشرعية بل تساوم من سطى عليها لإنتزاع بعض من ذلك السطو فتكسب السلطة بالمقابل اعتراف ضمني ببعض الشرعبة . مطلب الإصلاح مبرر بل مطلوب فقط من سلطة تملك شرعية معتبرة . إن رفض اللاشرعية شرط لازم وقد يكون غير كافي لمنع عملية سطو أخرى تحل محل "اللاشرعية " فنكون كالمستجير من الرمضاء بالنار . لهذا من واجب الذين يتصدون ويعارضون اللاشرعية أن يقدموا ، وبوضوح لا لبس فيه ، معالم الشرعية البديلة للاشرعية . مثل اغتصاب السلطة كمثل الاحتلال كلاهما غير شرعي والمفاضلة بينهما صناعة سوفسطائية صورية . المستهدف في كلا الحالتين كرامة الإنسان تمهيداً لستعباده ، يختلفان فقط في الوسيلة والغواية والتبرير والتغرير .
المادة الأولى من الدستور الألماني تقول وبشك مقتضب محكم الصياغية وعنوانها : ( صيانة الكرامة الإنسانية ) مفردات هذا العنوان :
1- كرامة الإنسان لا تمس ، احترامها وصيانتها واجب كافة سلطات الدولة .
2- لهذا فالشعب الألماني يعرف نفسه ، برفض النيل أو مصادرة حقوق الإنسان ، كقاعدة لمجتمع إنساني سلمي وعادل في العالم
3- الحقوق الأساسية الاحقة تلزم المشرع والسلطة التنفيذية والقضاء مباشرة الحقوق . هذه المادة الدستورية تعتبر من الثوابت التي لايمكن المساس بها أوتعديلها بأي غالبية برلمانية . من الثوابت في الدستور الألماني المادة 20 التي تحمل عنوان حماية أسس الحياة الطبيعية وهو ما يطلق عليه في الفقة الإسلامي حماية النسل والحرث . جعل الدستور الأماني سلطات الدولة ومؤسسات وأجهزة الدولة في خدمة هدف واحد صيانة الكرامة الإنسانة وعدم المساس بها كما أطلق العنان لكل التنظيمات غير الحكومية لممارسة حق مراقبة أداء أجهزة الدولة من أجل الوصل إلى نفس الغرض . موقع البرلمان في بنية الدولة هو حلقة الوصل بين المنظمات غيرالرسمية والمؤسسات الرسمية ، وعليه فإن فساد المؤسسة البرلمانية يعني انفراط العقد وتسيب آليات الضبط والربط . أما الجنوحاً نحو الاستبداد أو الجنوحاً نحو الفوضي . أطلق على البرلمان والمؤسسات الملحقة به السلطة التشريعية وهو تعبير مجازي أكثر منه حقيقة وواقع . إن صناعة القانون أو التشريعات ألتي تنتظم البلاد صناعة أهل الاختصاص تنجز في ظل البرلمان والوزارة ، أي من في أروقة المعاهد ومراكز البحث العلمي ، والتي قد تبعد عن مبنى البرلمان في المكان مئات الكيلومترات وفي الأهلية العلمية أجيال معرفية . ولكن في الغالب بتكليف من البرلمان أو الوزارة أو الأحزاب . لهذا يتلقى البرلمان وكتله البرلمانية فتاوى أو إقتراحات متعدد في الموضوع الواحد . قد يأخذ أحدها صيغة القانون إذا نال أغلبية أصوات البرلمان وصادق عليه المجلس الفدرالي الذي يمثل الولايات وينبثق عادة من مجالس الولايات وبشكل نسبي وفق تمثيل الأحزاب في مجلس الولاية . لايوجد إقصاء للأقلية بأى حال من الأحوال . مع ذالك قد يحدث أن يصدر قانون من البرلمان ويصادق عليه المجلس الفدرالى ، ولكن يعترض على دستوريته أحد أو بضع أفراد من البرلمان أو خارج البرلمان . عند ذلك يحال إلى المحكمة الدستورية للنظر في مطابقتة أو عدم مطابقته للدستور . عندما ترى المحكمة عدم مطابقته للدستور كلياً أو جزئياً يعاد إلى البرلمان لإخال التعديلات المقترحة من قبل المحكمة الدستورية . نرى من خلال هذا العرض أن المحكمة الدستورية هي التي تمارس السيادة في نهاية المطاف وليس السلطة التنفيذية أو السلطة التشريعية ، ممثلة بالبرلمان والمجلس الفدرالي ، ولهذا يعتبر الدستور هو وثيقة السيادة أو وثيقة الحاكمية . هذه الآلية هي نفسها الآلية المعتمدة في الفقه السياسي الإسلامي . الفقهاء الوضعيون أخذوا هذه الآلية من الفقه الإسلامي وليس العكس ، وذلك عندما رأوا أن الأمير يقف أمام القاضي كمدعي أو مدعي عليه كأي فرد آخر . الفقه الإسلامي يفرق بين الحكم ومنه الحاكمية أي السيادة ، والأمر ومنه الأمارة أو سياسة الملك . بل أن مادة (حَكَمَ) و(أََمَرَ) في المراجع اللغوية متباينة تبان واضح ، ويمكن الرجوع إلى لسان العرب للتأكد من ذلك . إن الآيات القرآنية التي ترد فيها كلمة (حَكَمَ) ومشتقاتها تشير بلا لبس أوغموض أن الحكم لله عندما يتعلق الأمر بموضوع العقائد وتحكيم غير الله في المنظومة العقائدية يعني الكفر أو الشرك ، أما إذا كان الأمر يتعلق في المنظومة الأخلاقية والقيمية فتحكيم غير الله في هذه المنظومة يعني الفسق ، وكذلك في منظومة حقوق الأفراد أو مبادئ العدل فتحكيم غير الله يعني الظلم . والقاضي أو الحكم يحكمان بين الناس أو الفرقاء المتخاصمين بالعدل ، والشريعة تعني منظومة العدل . إن التمعن الدقيق والتدبر السليم في الآيات 47 و48 و50 من سورة المائدة يبين صحة ما ذهبنا إليه . لم يستعمل الفقهاء المسلمون كلمة (أَمَرَ) محل كلمة (حَكَمَ) أو بالعكس ، وعندهم أن الأمر هو من شأن الأمة أو الشعب الذى يحسم بالشورى وبكلمة مخختصرة : إن الولاية للأمة أو الشعب . لم تنعت السلطة التنفيذية بالحكومة من قبل الفقهاء بل كان المصطلح المتعارف عليه الوزارة التي تحمل عن الأمارة بعض الوزر ( راجع الأحكام السلطانية والوزاة للماوردي ) إلا أن الكثير من فقهاء السياسة المعاصرين لم يتوخوا الدقة في استعمال المصطلح في هذا الموضوع ، رغم خطورته ، فجعلوا الحكم كالأمر والعكس ، بل لم يأنفوا من استعمال مصطلح الحكومة كتعريب لكلمة Government التي تعني السيطرة والتوجيه في حين كلمة حكم أو قضاء تقابل كلمة Judgment ، وكان عليهم التزام مصطلح الوزارة والإمارة وأن تستعمل كلمة (حَكَم) ومشتقاتها بما يليق بها من وقار . يستعمل الألمان كلمة Regierung وهي مصطلح عصري نسبياً وتعني ( قاد ، رسم ، نظم ، خط ) لأجهزة الدولة العليا . وظيفة الحكم أو القضاء في الشأن العام والدولة والسلطة هو تقويم الإمارة والوزارة بما ينسجم مع مفهوم السيادة أو الحاكمية ، وهو نفس الوظيفة التي تقوم بها المحكمة الدستورية في الدولة العصرية . لقد أشرنا إلى الوظيفة الفعلية والنظرية للبرلمان أو المجلس النيابي وقلنا أن الوظيفة الفعلية هو حلقة الوصل بين الأمة أو الشعب وبين السلطة التنفيذية ، ونظرياً أو مجازاً السلطة التشريعية وعنه تنبثق السلطة التنفيذية . يعتبر هذا الدور من أخطر بل من ضروريات الاستقرار في الدولة والمجتمع . السؤال : ماذا يقدم الفقة السياسي الإسلامي في هذا المضمار ؟ إن الإجابة على هذا السؤال بشكل أكاديمي يرضي أهل الاختصاص من الغربيين ومراكز البحث العلمي في الجامعات الإسلامية ( الأزهر الشريف ، كليات الشربعة والقانون ، ومراكز الفتوى والمرجعيات ) سيخرجنا عن القصد والغاية من هذا البحث ولكن من الواجب أن نعلن أن النتائج التي توصلنا إليها قابلة للبحث والجدل العلمي لتبيان الأسس الأصلية التي استندنا إليها في تقرير هذه النتجية ، فقد أخذنا على أنفسنا أن نتجنب التوليف والتلفيق ومسايرة الضغوط التي يفرضها الواقع الثقافي المعزز بالإعلام الصاخب ، وعلمتنا الخبرة أن ما يعتبر من المسلمات والثوابت قد لا يكون كذلك ، كما أن صياغة شذرات المعرفة بشكل عقيدة أو ادلجة المعرفة هو السهم القاتل للمعرفة والحقيقة . ومع ذلك يبقى العرض قائماً لكل الذين يريدون معرفة المقدمات والأسس التي قادتنا إلى هذه النتائج ، ونسأل الله أن يمكننا أن نقدمها خالصة من السوفسطائية لتطمئن قلوب أهل المعرفة وطلاب الحق . إن البرلمانية Parliamentarian أو Parlamentarismus وتعني بالعربية تمثيل الشعب عبر مجلس منتخب يعبر عن إرادة الناخبين أو الشعب في مقابل السلطة التنفيذية ، المنبثقة أصلاّ عن المجلس ، تعتبر من طيبات الفكر الإنساني أو من الحكمة التي تعتبر ضالة المؤمن أَنا وجدها فهو أحق الناس بها ولا يجد الباحث في الفقه السياسي المعاصر صعوبة في إيجاد جرثومة هذا الفكر في أصول الشريعة نفسها ، وأهمها على الإطلاق قوله تعالى في سورة الشورى الآية 38 ( وأمرهم شورى بينهم ) بل إن ممارسة الرسول (صلى الله عليه وسلم) في قيادة دولة الدعوة تقدم عملياً وحسياً وبصائرياً ما يجب أن تكون عليه الحياة السياسية وكل تأويل يهدف إلى تحجيم أو إلغاء الحياة الشورية هي من سفسطة الاستبداد المقيت الذي يقود إلى ظلامية وضمور الشعور بالمسؤولية .
الانتخابات العامة
مادة الشرعية وميزانها والبرلمانية ثمرتها في مواجهة الاستبداد
2ـ3
قد يعترض غير المسلم ويقول هذا شأن وهمّ ينتظم فقط أهل الملة . أنا أريد حقي في هذا الشأن . لا أريد أن أطمئنه على حقه في دولة تحكمها غالبية مسلمة فحسب بل أريد أن أحرضه ليطالب بحقه ، سأقف معه كمسلم ليس متعاطفاً فحسب بل ومدافعاً عما أعتقد أن من صلب ما أمن به ، وبحجج وآليات أكثر صدقاً وحصافة مما تعتمده المنظمات الغربية التي تدافع عن حقوق الأقليات في الدول الديمقراطية . إن دولة تحكم بأغلبية مسلمة ملزمة بتطبيق ما تعتقد أنه من الثوابت ، وفي هذه الحالة عليها أن تأخذ بمبدأ العدل حصراً وليس انطلاقاً من حيادية الدولة وحماية الأقليات المعمول به في الدول العلمانية التي لا تغني عن الحق شيئاً . مبدأ العدل يرسم : أن يعطى كل ذي حق حقه ( يا أيها الذَّين أمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنَّكم شنئان قوم على ألا تعدلوا ، اعدلوا هو أقرب للتقوى واتَّقوا الله ، إنَّ الله خبير بما تعملون ). على غير المسلم أن يرفع صوته ويقول للسلطة التي تقودها أغلبية مسلمة إني أطالب بحق المواطنة في هذه الدولة وبكل مفردات المواطنة استناداً إلى وثيقة المدينة التي خطها رسولكم عندما دخل المدينة مهاجراً ، وإلا فأنتم قوم تقولون ما لا تفعلون . يستطيع المسيحي العربي أن يضيف إلى كل هذا ، إذا شاء ، أنه ابن هذا البلد كابر عن كابر ، وأجداده حملوا المسيحية السمحة إلى عقر بلاد الفرنجة فأسهموا في إيجاد قيم مشتركة بين أهل الملة والآخر ، أقلها الوصايا العشرة . أما أهل الفرق والنحل من أهل الملة فلم يعد هناك مبرر للتعصب لمقالة أو لرجل أوجدتها قراءة فلسفية باطنية في ظروف قهر واستبداد فنحن في عصر أنعم الله به بوسائل للبحث والمعرفة تجعلنا نأخذ المعلومة من أصولها وتغنينا عن مقالة شيخ خرف أو زنديق لعوب . لقد بدد الخوف المضفي إلى التقوقع وافتضح سراة الفرق والنحل على رؤوس الأشهاد على أنهم قوم جعلوا ( الأنا ) تستبح الإنسان وتجعل منه كالأنعام أو أضل سبيلاً ، ومع هذا كله لا يمكن حسم الجدل في هذا الموضوع نظرياً فلا بد من الممارسة والمضارعة ليتبن أي الفريقين ( الأغلبية أم الأقلية ) أصدق قولاً وأحسن عملاً . لقد وصلت إلى يقين أن الحياة الاجتماعية في ادغال افريقيا والأمازون في القرن التاسع عشر وحياة البداوة والقبلية قبل الإسلام أكثر إنسانية ورحمة بالإنسان من العيش تحت كابوس الاستبداد والطغيان . أما معالم الحياة التي يبشر بها أهل العولمة في الهمجية ، يكون المستجير بها كالمستجير من الرمضاء بالنار . العودة إلى البرلمانية هي عود على بدء ، ووضع الحصان أمام العربة ، وقد يكون الزخم الذي ستفرزه ممارسة البرلمانية في العالم العربي الإسلامي أعظم شأناً من الزخم الذي عرفته أوربا في القرن الثامن عشر ، لأن الإشكاليات التي واجهت الإنسان الغربي آنذاك هي إيجاد الآلة التي تطعم الناس وتأمنهم من خوف ، وقد حلت هذه المعضلة بالعلم والتكنولوجيا .
أما اليوم فالإشكاليات تنحصر بكسر طوق الاحتكار والهيمنة ، حيث يعتبر الاستبداد والطغيان سياجها الأول . إن أهم معينين للاستبداد والطغيان هو الأنانية الفردية والأنانية العصبية ، التي تصنع الوثنية والأساطير والخرافة والهلع والإرهاب والعداوة والبغضاء لتجعل منها واقع . حسي بصائري لا تخطئه أعين الدهماء ، بل تجعل الثقافة السائدة ثقافة الدهماء لا مكان للتدبر والتبصر فيها . عجيب أمر العالم الذي نعيشه . إنه يرى رأي العين ، وربما مرار في اليوم الواحد ، ما يبيت للعالم من جحيم وطغيان . في العراق وفلسطين ، بيوت تهدم وأطفال تقتل ، وأشجار تقلع ، ونساء ترمل ، وأسوار تشيد ، وكأن المغول بعثوا من أجداثهم ينسلون . يأمرون الناس فيطاعون ، ولقتلهم يستسلمون ، وعليهم بالبعث والحساب أن يكفرون . إن الاستبداد والطغيان هما مجموعة قلاع يشد بعضها بعض ، سواء على مستوى القطر الواحد أم على مستوى العالم بأسره ، ولا يمكن إسقاطها دفعة واحدة ، وقد شاهدنا ذلك في الاتحاد السوفيتي وفي كل الأنظمة الشمولية . من هنا لابد من إسقاط قلاع الاستبداد وثقافة الاستبداد خطوة خطوة مع عدم الدخول في مساومة مع ثقافة الاستبداد . إن تجربة الأمم في هذا المضمار غنية جداً وتحتاج منا معرفة ماهيتها وكنهها . إن عملية التخلص من الاستبداد في انكلترا بدأت من طرح إشكالية السلطة المطلقة في مقابل البرلمانية فأدى هذا الطرح إلى حرب أهلية استغلت فضائع الحرب الأهلية لتبرير شرعية السلطة المطلقة وتغول الدولة التى تفرض هيبة النظام بالقوة والقسوة والجبروت ، وبررت هذه الإجراءت لمنع عودة الفتنة والحرب الأهلية . وقد نظّر لهذه المقالة هوبز حيث رأى المجتمع عبارة عن قطيع من الذئاب كل يريد أن يفتك بالآخر ولفرض سلوك التعايش بين الذئاب لابد من الدولة والسلطة القوية . هذه الفلسفة ( الهبزية ) للدولة والمجتمع والسلطة هي عين سياسة الملك التوراتيه لبني إسرائيل ، وهي التي تقود معظم صناع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية سواء في سياستهم الداخلية أو في سياستهم الخارجية . إن انتظار العون من أمريكا لإقامة نظام ديمقراطي تعددي هو من نوع إنتظار إبليس دخول جنة الخلد بدون حساب . البرلمانية في الولايات المتحدة الامريكية صورية وهزيلة وليس لها وظيفة البرلمانية في الدول الغربية . المؤسسات البرلمانية الأمريكية معلمة غير ملزمة وليس بمقدورها أن تقوم بحلقة الوصل بين السلطة التنفيذية ومؤسسات المجتمع المدني ، ولذلك فتقويم سياسة السلطة التنفيذية رهن بنشاط وقوة مؤسسات المجتمع المدني أو تدخل السلطة القضائية . نيكسون لم يقال من قبل المؤسسات البرلمانية وإنما من قبل القضاء بعنى أنه ارتكب جرماً .
يتبع >
مادة الشرعية وميزانها والبرلمانية ثمرتها في مواجهة الاستبداد
1ـ3
ناصية البحث :
لقد أصبح الحديث اليوم عن الديمقراطية في العالم العربي والإسلامي ، كالحديث عن الاشتراكية في نهاية الخمسينات والستينيات والسبعينيات ، أي مجرد شعار تطلقه بعض النخب الثقافية يعلنون من خلاله توبتهم عما اقترفوا من زلل وخطل وتضليل ، هذا إذا أحسنا الظن بهم . ولكن عندما يجعلون سبب تعثر الديمقراطية في العالم العربي والإسلامي هو الحركات الإسلامية كالإخوان المسلمين أو جبهة الإنقاذ أو غيرها من الحركات الإسلامية فيجب أن يكون لنا معهم حديث آخر . الغرب الأوربي وصل إلى صيغة معينة من الديمقراطية وأعلن منذ البداية أن هذه الصيغة غير قابلة للتطبيق إلا في منظومة فلسفية وفكرية واجتماعية واقتصادية غربية ، مبرراً بذلك سياسة الاستعمار التي كان يمارسها في الأقطار التي وقعت تحت نير استبداد جنوده وجنرالاته من جهة ، وليشبع غروره العنصري واستعلائه على الآخر من جهة ثانية . إلا أن هناك عامل آخر ، وهو خلق العداوة والبغضان مع الآخر ليضمن ولاء شعبه للنخبة الحاكمة .
Montesquieu مونتيسكيو : أبو الدستور ، كما يعرّف بالغرب ، وكذالك Hugo Grotius هوجو غروتيوس : أبو حقوق الإنسان . يعلنان أن الديمقراطية وحقوق الإنسان نبتتان غربيتان لا يمكن استنباتها في تربة خارج أوربا . كانت النخب الأوربية تعتقد ، وحتى وقت قريب ، أن أجراء انتخابات عامة وحرة وفق المعاير الأوربية في الضبط والربط سيحمل الحركات الإسلامية إلى سدة القرار السياسي وسيسبب متاعب للغرب نفسه . المستفيد الوحيد من هذا الهاجس الغربي هو الاستبداد والطغيان نفسه . لم يعد سراً أن الغرب نفسه هو الذي ساند كل أنواع الأنظمة الشمولية التي أفسدت الحرث والنسل . وبعد عناد وإصرار عجيب من قبل النخب الحاكمة في الغرب على هذا الوهم القاتل وأصبح الوضع في كل الدول العربية كارثي الأبعاد . وقع الغرب في حيرة من أمره الاستمرار أو التوقف وترك الحبل على الغارب . الأرجح أن الغرب لن يستمر في دعم الاستبداد على نفس الوتيرة السابقة ، ولكن لن يدعم القوى الواعدة في إرساء الديمقراطية ، كمقدمة للإصلاح ، وأقصى ما يستطيع الغرب الأوربي اليوم هو الحياد السلبي أما أمريكا فستبقى لفترة ، قد تطول أو تقصر ، تدعم المشروع الصهيوني المدمر . لهذا فالرهان على أمريكا كعكاز يستند عليه للإصلاح والديمقراطية وهم عقيم . أمريكا مهددة أن تنكص إلى نظام فاشي مستبد . لا يوجد في أمريكا مؤسسات مهيئة فلسفيا وفكرياً لتقويم المسيرة غير الديمقراطية ، وجل ما لدى أمريكا أفكار تدعوا إلى "تحسين" الأداء الامبراطوري . الساحة العربية ستصبح عما قريب منطقة فراغ سياسي وعجز اقتصادي ، ولاسبيل للخروج منه إلا أن تأخذ النخب العربية زمام المبادرة وتبحث عن قواسم مشتركة فيما بينها وتتنافس فيما بينها ضمن هذه القواسم . يجب أن لا تأخذ بالديمقراطية كنتيجة فحسب ولكن عليها أن تدرس الطريق الذي قاد إلى الديمقراطية بوعي وموضوعية . في انكلترا ، أعرق ديمقراطية في العالم ، بدأت المسيرة الديمقراطية بوضع البرلمانية في مقابل الاستبداد وجعلت البرلمان الممثل لإرادة الأمة البديل الوحيد لاستبداد الذي يستمد شرعيته من الإرادة الإلهية ، ومن المفارقات أن الخصم العنيد للاستبداد ودعوى الإرادة الإلهية هم من المتدينين المسيحين في حين أن فلاسفة الاستبداد وتغول الدولة من الملاحدة أو المتشككين بوجود الله وعلى رأسهم تومس هوبز Thomas Hobbes الذي كان يتوقع الشر والحرب الأهلية لمجرد ضعف الملك والرضوخ أو التنازل لمطالب الديمقراطين . الضعف كان متبادل الملك قدم بعض الإصلاحات المغرية لفريق من الديمقراطيين ، ومرفوضة من الفريق الآخر الأكثر عزوة ومكانة عند الشعب . نفس الشئ وقع في الطرف الآخر . فريق كان يرى : أن أي تنازل من قبل الملك سوف يأتي على هيبة السلطة ويشجع الديمقراطيين على طلب المزيد من حتى تؤول السلطة في النهاية لخصومهم وكان يمثل هذا الفريق هوبز . وفريق يرى أن القبول ببعض التنازلات هي الضريبة واجبة الدفع لكسب الوقت للعودة إلى مواطن القوة من جديد . لقد وقعت الحرب الأهلية كما توقع هوبز في كتابه الغول Laviathan وعاشت انكلنرا أقبح أنواع الستبداد قبل أن تصل إلى نظام برلماني . إن خطاء القبول ببعض الإصلاحات من قبل القوى الديمقراطية ونجاح سياسة " الرشوة " الإصلاحية في شق صفوف الديمقراطين هو السبب الأساس في نشؤ الحرب الأهلية . الاستبداد لا يصلح فالإصرار على البرلمانية كممثل لإرادة الشعب دون مساومة ، حتى في الجزئيات المتعلقة بآليات الانتخابات ، التي قد تصبح من الأمور الجوهرية . إن سورية تحكم ومنذ أربعين عاماً بنظام مستبد وأجهزة قمعية مخيفة وهي الآن تبحث عن دور وظيفي جديد في منظومة الهيمنة الأمريكية ، وبما أن أمريكا تستطيع فقط أن تنفذ سياسة حماية إسرائيل دون الهيمنة على العالم انطلاقاً من العراق كقاعدة ، كما سوق الصهاينة خطة احتلال العراق ، فالدور الوظيفي الذي تبحث عنه سورية اليوم لن يكون إلا صهيوني الشكل والمضمون . فهل يقبل الاستبداد في سورية بكل فصائله هذا الدور ؟ إن حجة النظام بقبول الدور الوظيفي الأمريكي في الماضي والقول لا طاقة لنا بجالوت أو حسب المثل الشامي " اليد التي لا تقدر عليها بوسها وادعي عليها بالكسر " أصبحت يد إسرائيل بدون القفاز الأمريكي . فهل يقبل الاستبداد والباطنية السياسية يد إسرائيل في سبيل البقاء بالسلطة والفوز بغنيمة المال الحرام في البنوك الغربية . ؟ الأيام حبلى بالكثير . إن الإصرار على البرلمانية من قبل قوى التغير شرط أساسي لتجنيب البلاد التشرذم الذي يقود إلى ما هو أسوء من أحداث الثمانيات . إن أي مشرع للإصلاح يراهن على أحد أجنحة الاستبداد للحصول على مكاسب " إصلاحية " وهم وتخلي عن مبدأ إرادة الشعب التي يجب أن تكون الحكم . المشروع الذي طرحته المعارضة المصرية الإسلامية واللبرالية والذي يتلخص بإجراء انتخابات رئاسية يسمح لعدد من المرشحين منافسة المستبد ، أقل ما يقال فيه أنه سذاجة وتلفيق ، فالمستبد يملك كل آليات التلاعب والتزوير لتزيف إرادة الشعب . ما الذي يضير المستبد أن يفوز بنسبة 70% بدلاً من 99,9% مع بقاء آليات الاستبداد والقمع والطغيان . إن النظام الرئاسي حتى على الطريقة الفرنسية هو تحجيم للبرلمانية التي تمثل إرادة الشعب وعنها تنبثق السلطة التنفيذية رئاسة ووزارة . يجب على الطبقة السياسية والمعارضة أن تدخل عالم البرلمانية والديمقراطية من أبوابها وليس التسلق على جدرانها . في الحالة السورية يجب أن تطالب المعارضة بمجلس نيابي منتخب يمثل إرادة الشعب . ويجب أن تتوفر كل الشروط الدستورية والقانونية لها مع كل آليات الضبط والربط الأوربية ، فحن لسنا أقل شأناً منهم ، وأن تجرى وفق النظام النسبي المعمول به في الدول الاسكندنافية أو ألمانيا ، أي الأخذ بكل صغيرة وكبيرة في هذا الشأن فالشيطان يقبع في التفاصيل ، كما يقول المثل . الدستور السوري المعمول به اليوم هو وثيقة استبداد مرفوضة كلياً وجزئياً وغير قابلة للإصلاح . دستور سورية لعام 1950 الذي أوقف العمل به بعد انقلاب آذار 1963 هو العقد الاجتماعي الأكثر ملائمة لسد الفراغ الدستوري الذي قد يحصل بعد سقوط الاستبداد . على المعارضة السورية ، إسلامية أو غير ذالك ، أن ترفض العنف غير المقاوم للإحتلال رفضاً مبدئياً وليس تكتيكياً باعتباره ، أي العنف ، مشرع استبداد للمستقبل ، فليس من العقلانية والحكمة استبدال ، استبداد باستبداد ، وظلم بظلم ، وقهر بقهر . إن هذا البحث الذي بين يدي القارئ هو تفصيل في جزئية في المشروع البرلماني الديقراطي ، ولكنها جزئية مهمة ودقيقة ، فهي الميزان الذي توزن به الديمقراطية نفسها ، فكلما كان الميزان دقيقاً كلما كان القبول بالنتائج أشمل وأوسع . إن الذين يتبضعون بين مسارات الهيمنة الأمريكية وينادون على "رحيق" الديقراطية الأمريكية في الأسواق العربية ، سيجدون في هذا البحث ما ينقض غزلهم ويبين زيفهم . أما بعض الشيوخ الذين مارسوا الاستبداد في سورية في بواكير عهده ، ولم يفارقهم حلم الرجوع إليه مرددين أغنية " نجاة الصغيرة "من شعر نزار القباني : كم قلت آني غير عائدة له /// ورجعت ما أحلى الرجوع إليه . أنصحهم بقراءة الكتاب الشعبي الماجن " رجوع الشيخ إلى صباه " ففيه ما قد يصرفهم عن أضغاث الأحلام وعنجهيات الأقزام .
بحث مقارن في القوانين والنظم الانتخابية الغربية ، وإمكانية الاستفادة منها في بلورة مشروع برلماني في مواجة الاستبداد
لا يمكن بحث هذا الموضوع بحثاً فنياً ، بعيداً عن الموروث والمستحدث وتجارب الإنسان ، التي أفرزت معانات بعيدة الأثر في سلوك الفرد والجماعات ، وما أحاط كل هذا من عقائد نقلية وتصورات فلسفسةعقليةجدلية ، ولكن ضرورة التخصيص ( الواقع السياسي في سوريا ) قد يعفينا من الدخول في خضم الجدل النظري الذي لم يصل أحد فيه إلى يقين يطمئن إليه ، فضلاً أن يحمل الآخرين عليه ، وبقي الجدل كما بدأ أول مرة ؛ كل حزب بما لديهم فرحون .
لو استعرضنا أدبيات المعارضة السورية من طقق إلى السلام عليكم ، كما يقول المثل الدارج ، نجد أنها تتجنب طرح مسألة الشرعية ، أي شرعية النظام في سورية . هل أنقلاب الثامن من آذار عام 1963 واستيلاء الجيش والأجهزة القمعية على السلطة كل السلطة ( تشريعية ، قضائية ، تنفيذية ) كان شرعية يعتد بها ؟. هل فرضية الدفاع عن الحقوق المغتصبة عبر تجيش الدولة والمجتمع مرجعية كافية لتبرير السطو على كرامة الإنسان ومعين رزقه والوصاية عليه ، حتى في أخص خصوصياته ؟ منذ تاريخ ذلك السطو ، وعملية الحلول والاتحاد الباطنية ، أصبحت السلطة تردد مقالة فرعون كما أوردها القرآن الكريم " ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد " . أدبيات المعارضة السورية ، في معظمها ، تطرح وهم إصلاح سلطة مغتصبة لا تملك أى مقوم من مقومات الشرعية بل تساوم من سطى عليها لإنتزاع بعض من ذلك السطو فتكسب السلطة بالمقابل اعتراف ضمني ببعض الشرعبة . مطلب الإصلاح مبرر بل مطلوب فقط من سلطة تملك شرعية معتبرة . إن رفض اللاشرعية شرط لازم وقد يكون غير كافي لمنع عملية سطو أخرى تحل محل "اللاشرعية " فنكون كالمستجير من الرمضاء بالنار . لهذا من واجب الذين يتصدون ويعارضون اللاشرعية أن يقدموا ، وبوضوح لا لبس فيه ، معالم الشرعية البديلة للاشرعية . مثل اغتصاب السلطة كمثل الاحتلال كلاهما غير شرعي والمفاضلة بينهما صناعة سوفسطائية صورية . المستهدف في كلا الحالتين كرامة الإنسان تمهيداً لستعباده ، يختلفان فقط في الوسيلة والغواية والتبرير والتغرير .
المادة الأولى من الدستور الألماني تقول وبشك مقتضب محكم الصياغية وعنوانها : ( صيانة الكرامة الإنسانية ) مفردات هذا العنوان :
1- كرامة الإنسان لا تمس ، احترامها وصيانتها واجب كافة سلطات الدولة .
2- لهذا فالشعب الألماني يعرف نفسه ، برفض النيل أو مصادرة حقوق الإنسان ، كقاعدة لمجتمع إنساني سلمي وعادل في العالم
3- الحقوق الأساسية الاحقة تلزم المشرع والسلطة التنفيذية والقضاء مباشرة الحقوق . هذه المادة الدستورية تعتبر من الثوابت التي لايمكن المساس بها أوتعديلها بأي غالبية برلمانية . من الثوابت في الدستور الألماني المادة 20 التي تحمل عنوان حماية أسس الحياة الطبيعية وهو ما يطلق عليه في الفقة الإسلامي حماية النسل والحرث . جعل الدستور الأماني سلطات الدولة ومؤسسات وأجهزة الدولة في خدمة هدف واحد صيانة الكرامة الإنسانة وعدم المساس بها كما أطلق العنان لكل التنظيمات غير الحكومية لممارسة حق مراقبة أداء أجهزة الدولة من أجل الوصل إلى نفس الغرض . موقع البرلمان في بنية الدولة هو حلقة الوصل بين المنظمات غيرالرسمية والمؤسسات الرسمية ، وعليه فإن فساد المؤسسة البرلمانية يعني انفراط العقد وتسيب آليات الضبط والربط . أما الجنوحاً نحو الاستبداد أو الجنوحاً نحو الفوضي . أطلق على البرلمان والمؤسسات الملحقة به السلطة التشريعية وهو تعبير مجازي أكثر منه حقيقة وواقع . إن صناعة القانون أو التشريعات ألتي تنتظم البلاد صناعة أهل الاختصاص تنجز في ظل البرلمان والوزارة ، أي من في أروقة المعاهد ومراكز البحث العلمي ، والتي قد تبعد عن مبنى البرلمان في المكان مئات الكيلومترات وفي الأهلية العلمية أجيال معرفية . ولكن في الغالب بتكليف من البرلمان أو الوزارة أو الأحزاب . لهذا يتلقى البرلمان وكتله البرلمانية فتاوى أو إقتراحات متعدد في الموضوع الواحد . قد يأخذ أحدها صيغة القانون إذا نال أغلبية أصوات البرلمان وصادق عليه المجلس الفدرالي الذي يمثل الولايات وينبثق عادة من مجالس الولايات وبشكل نسبي وفق تمثيل الأحزاب في مجلس الولاية . لايوجد إقصاء للأقلية بأى حال من الأحوال . مع ذالك قد يحدث أن يصدر قانون من البرلمان ويصادق عليه المجلس الفدرالى ، ولكن يعترض على دستوريته أحد أو بضع أفراد من البرلمان أو خارج البرلمان . عند ذلك يحال إلى المحكمة الدستورية للنظر في مطابقتة أو عدم مطابقته للدستور . عندما ترى المحكمة عدم مطابقته للدستور كلياً أو جزئياً يعاد إلى البرلمان لإخال التعديلات المقترحة من قبل المحكمة الدستورية . نرى من خلال هذا العرض أن المحكمة الدستورية هي التي تمارس السيادة في نهاية المطاف وليس السلطة التنفيذية أو السلطة التشريعية ، ممثلة بالبرلمان والمجلس الفدرالي ، ولهذا يعتبر الدستور هو وثيقة السيادة أو وثيقة الحاكمية . هذه الآلية هي نفسها الآلية المعتمدة في الفقه السياسي الإسلامي . الفقهاء الوضعيون أخذوا هذه الآلية من الفقه الإسلامي وليس العكس ، وذلك عندما رأوا أن الأمير يقف أمام القاضي كمدعي أو مدعي عليه كأي فرد آخر . الفقه الإسلامي يفرق بين الحكم ومنه الحاكمية أي السيادة ، والأمر ومنه الأمارة أو سياسة الملك . بل أن مادة (حَكَمَ) و(أََمَرَ) في المراجع اللغوية متباينة تبان واضح ، ويمكن الرجوع إلى لسان العرب للتأكد من ذلك . إن الآيات القرآنية التي ترد فيها كلمة (حَكَمَ) ومشتقاتها تشير بلا لبس أوغموض أن الحكم لله عندما يتعلق الأمر بموضوع العقائد وتحكيم غير الله في المنظومة العقائدية يعني الكفر أو الشرك ، أما إذا كان الأمر يتعلق في المنظومة الأخلاقية والقيمية فتحكيم غير الله في هذه المنظومة يعني الفسق ، وكذلك في منظومة حقوق الأفراد أو مبادئ العدل فتحكيم غير الله يعني الظلم . والقاضي أو الحكم يحكمان بين الناس أو الفرقاء المتخاصمين بالعدل ، والشريعة تعني منظومة العدل . إن التمعن الدقيق والتدبر السليم في الآيات 47 و48 و50 من سورة المائدة يبين صحة ما ذهبنا إليه . لم يستعمل الفقهاء المسلمون كلمة (أَمَرَ) محل كلمة (حَكَمَ) أو بالعكس ، وعندهم أن الأمر هو من شأن الأمة أو الشعب الذى يحسم بالشورى وبكلمة مخختصرة : إن الولاية للأمة أو الشعب . لم تنعت السلطة التنفيذية بالحكومة من قبل الفقهاء بل كان المصطلح المتعارف عليه الوزارة التي تحمل عن الأمارة بعض الوزر ( راجع الأحكام السلطانية والوزاة للماوردي ) إلا أن الكثير من فقهاء السياسة المعاصرين لم يتوخوا الدقة في استعمال المصطلح في هذا الموضوع ، رغم خطورته ، فجعلوا الحكم كالأمر والعكس ، بل لم يأنفوا من استعمال مصطلح الحكومة كتعريب لكلمة Government التي تعني السيطرة والتوجيه في حين كلمة حكم أو قضاء تقابل كلمة Judgment ، وكان عليهم التزام مصطلح الوزارة والإمارة وأن تستعمل كلمة (حَكَم) ومشتقاتها بما يليق بها من وقار . يستعمل الألمان كلمة Regierung وهي مصطلح عصري نسبياً وتعني ( قاد ، رسم ، نظم ، خط ) لأجهزة الدولة العليا . وظيفة الحكم أو القضاء في الشأن العام والدولة والسلطة هو تقويم الإمارة والوزارة بما ينسجم مع مفهوم السيادة أو الحاكمية ، وهو نفس الوظيفة التي تقوم بها المحكمة الدستورية في الدولة العصرية . لقد أشرنا إلى الوظيفة الفعلية والنظرية للبرلمان أو المجلس النيابي وقلنا أن الوظيفة الفعلية هو حلقة الوصل بين الأمة أو الشعب وبين السلطة التنفيذية ، ونظرياً أو مجازاً السلطة التشريعية وعنه تنبثق السلطة التنفيذية . يعتبر هذا الدور من أخطر بل من ضروريات الاستقرار في الدولة والمجتمع . السؤال : ماذا يقدم الفقة السياسي الإسلامي في هذا المضمار ؟ إن الإجابة على هذا السؤال بشكل أكاديمي يرضي أهل الاختصاص من الغربيين ومراكز البحث العلمي في الجامعات الإسلامية ( الأزهر الشريف ، كليات الشربعة والقانون ، ومراكز الفتوى والمرجعيات ) سيخرجنا عن القصد والغاية من هذا البحث ولكن من الواجب أن نعلن أن النتائج التي توصلنا إليها قابلة للبحث والجدل العلمي لتبيان الأسس الأصلية التي استندنا إليها في تقرير هذه النتجية ، فقد أخذنا على أنفسنا أن نتجنب التوليف والتلفيق ومسايرة الضغوط التي يفرضها الواقع الثقافي المعزز بالإعلام الصاخب ، وعلمتنا الخبرة أن ما يعتبر من المسلمات والثوابت قد لا يكون كذلك ، كما أن صياغة شذرات المعرفة بشكل عقيدة أو ادلجة المعرفة هو السهم القاتل للمعرفة والحقيقة . ومع ذلك يبقى العرض قائماً لكل الذين يريدون معرفة المقدمات والأسس التي قادتنا إلى هذه النتائج ، ونسأل الله أن يمكننا أن نقدمها خالصة من السوفسطائية لتطمئن قلوب أهل المعرفة وطلاب الحق . إن البرلمانية Parliamentarian أو Parlamentarismus وتعني بالعربية تمثيل الشعب عبر مجلس منتخب يعبر عن إرادة الناخبين أو الشعب في مقابل السلطة التنفيذية ، المنبثقة أصلاّ عن المجلس ، تعتبر من طيبات الفكر الإنساني أو من الحكمة التي تعتبر ضالة المؤمن أَنا وجدها فهو أحق الناس بها ولا يجد الباحث في الفقه السياسي المعاصر صعوبة في إيجاد جرثومة هذا الفكر في أصول الشريعة نفسها ، وأهمها على الإطلاق قوله تعالى في سورة الشورى الآية 38 ( وأمرهم شورى بينهم ) بل إن ممارسة الرسول (صلى الله عليه وسلم) في قيادة دولة الدعوة تقدم عملياً وحسياً وبصائرياً ما يجب أن تكون عليه الحياة السياسية وكل تأويل يهدف إلى تحجيم أو إلغاء الحياة الشورية هي من سفسطة الاستبداد المقيت الذي يقود إلى ظلامية وضمور الشعور بالمسؤولية .
الانتخابات العامة
مادة الشرعية وميزانها والبرلمانية ثمرتها في مواجهة الاستبداد
2ـ3
قد يعترض غير المسلم ويقول هذا شأن وهمّ ينتظم فقط أهل الملة . أنا أريد حقي في هذا الشأن . لا أريد أن أطمئنه على حقه في دولة تحكمها غالبية مسلمة فحسب بل أريد أن أحرضه ليطالب بحقه ، سأقف معه كمسلم ليس متعاطفاً فحسب بل ومدافعاً عما أعتقد أن من صلب ما أمن به ، وبحجج وآليات أكثر صدقاً وحصافة مما تعتمده المنظمات الغربية التي تدافع عن حقوق الأقليات في الدول الديمقراطية . إن دولة تحكم بأغلبية مسلمة ملزمة بتطبيق ما تعتقد أنه من الثوابت ، وفي هذه الحالة عليها أن تأخذ بمبدأ العدل حصراً وليس انطلاقاً من حيادية الدولة وحماية الأقليات المعمول به في الدول العلمانية التي لا تغني عن الحق شيئاً . مبدأ العدل يرسم : أن يعطى كل ذي حق حقه ( يا أيها الذَّين أمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنَّكم شنئان قوم على ألا تعدلوا ، اعدلوا هو أقرب للتقوى واتَّقوا الله ، إنَّ الله خبير بما تعملون ). على غير المسلم أن يرفع صوته ويقول للسلطة التي تقودها أغلبية مسلمة إني أطالب بحق المواطنة في هذه الدولة وبكل مفردات المواطنة استناداً إلى وثيقة المدينة التي خطها رسولكم عندما دخل المدينة مهاجراً ، وإلا فأنتم قوم تقولون ما لا تفعلون . يستطيع المسيحي العربي أن يضيف إلى كل هذا ، إذا شاء ، أنه ابن هذا البلد كابر عن كابر ، وأجداده حملوا المسيحية السمحة إلى عقر بلاد الفرنجة فأسهموا في إيجاد قيم مشتركة بين أهل الملة والآخر ، أقلها الوصايا العشرة . أما أهل الفرق والنحل من أهل الملة فلم يعد هناك مبرر للتعصب لمقالة أو لرجل أوجدتها قراءة فلسفية باطنية في ظروف قهر واستبداد فنحن في عصر أنعم الله به بوسائل للبحث والمعرفة تجعلنا نأخذ المعلومة من أصولها وتغنينا عن مقالة شيخ خرف أو زنديق لعوب . لقد بدد الخوف المضفي إلى التقوقع وافتضح سراة الفرق والنحل على رؤوس الأشهاد على أنهم قوم جعلوا ( الأنا ) تستبح الإنسان وتجعل منه كالأنعام أو أضل سبيلاً ، ومع هذا كله لا يمكن حسم الجدل في هذا الموضوع نظرياً فلا بد من الممارسة والمضارعة ليتبن أي الفريقين ( الأغلبية أم الأقلية ) أصدق قولاً وأحسن عملاً . لقد وصلت إلى يقين أن الحياة الاجتماعية في ادغال افريقيا والأمازون في القرن التاسع عشر وحياة البداوة والقبلية قبل الإسلام أكثر إنسانية ورحمة بالإنسان من العيش تحت كابوس الاستبداد والطغيان . أما معالم الحياة التي يبشر بها أهل العولمة في الهمجية ، يكون المستجير بها كالمستجير من الرمضاء بالنار . العودة إلى البرلمانية هي عود على بدء ، ووضع الحصان أمام العربة ، وقد يكون الزخم الذي ستفرزه ممارسة البرلمانية في العالم العربي الإسلامي أعظم شأناً من الزخم الذي عرفته أوربا في القرن الثامن عشر ، لأن الإشكاليات التي واجهت الإنسان الغربي آنذاك هي إيجاد الآلة التي تطعم الناس وتأمنهم من خوف ، وقد حلت هذه المعضلة بالعلم والتكنولوجيا .
أما اليوم فالإشكاليات تنحصر بكسر طوق الاحتكار والهيمنة ، حيث يعتبر الاستبداد والطغيان سياجها الأول . إن أهم معينين للاستبداد والطغيان هو الأنانية الفردية والأنانية العصبية ، التي تصنع الوثنية والأساطير والخرافة والهلع والإرهاب والعداوة والبغضاء لتجعل منها واقع . حسي بصائري لا تخطئه أعين الدهماء ، بل تجعل الثقافة السائدة ثقافة الدهماء لا مكان للتدبر والتبصر فيها . عجيب أمر العالم الذي نعيشه . إنه يرى رأي العين ، وربما مرار في اليوم الواحد ، ما يبيت للعالم من جحيم وطغيان . في العراق وفلسطين ، بيوت تهدم وأطفال تقتل ، وأشجار تقلع ، ونساء ترمل ، وأسوار تشيد ، وكأن المغول بعثوا من أجداثهم ينسلون . يأمرون الناس فيطاعون ، ولقتلهم يستسلمون ، وعليهم بالبعث والحساب أن يكفرون . إن الاستبداد والطغيان هما مجموعة قلاع يشد بعضها بعض ، سواء على مستوى القطر الواحد أم على مستوى العالم بأسره ، ولا يمكن إسقاطها دفعة واحدة ، وقد شاهدنا ذلك في الاتحاد السوفيتي وفي كل الأنظمة الشمولية . من هنا لابد من إسقاط قلاع الاستبداد وثقافة الاستبداد خطوة خطوة مع عدم الدخول في مساومة مع ثقافة الاستبداد . إن تجربة الأمم في هذا المضمار غنية جداً وتحتاج منا معرفة ماهيتها وكنهها . إن عملية التخلص من الاستبداد في انكلترا بدأت من طرح إشكالية السلطة المطلقة في مقابل البرلمانية فأدى هذا الطرح إلى حرب أهلية استغلت فضائع الحرب الأهلية لتبرير شرعية السلطة المطلقة وتغول الدولة التى تفرض هيبة النظام بالقوة والقسوة والجبروت ، وبررت هذه الإجراءت لمنع عودة الفتنة والحرب الأهلية . وقد نظّر لهذه المقالة هوبز حيث رأى المجتمع عبارة عن قطيع من الذئاب كل يريد أن يفتك بالآخر ولفرض سلوك التعايش بين الذئاب لابد من الدولة والسلطة القوية . هذه الفلسفة ( الهبزية ) للدولة والمجتمع والسلطة هي عين سياسة الملك التوراتيه لبني إسرائيل ، وهي التي تقود معظم صناع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية سواء في سياستهم الداخلية أو في سياستهم الخارجية . إن انتظار العون من أمريكا لإقامة نظام ديمقراطي تعددي هو من نوع إنتظار إبليس دخول جنة الخلد بدون حساب . البرلمانية في الولايات المتحدة الامريكية صورية وهزيلة وليس لها وظيفة البرلمانية في الدول الغربية . المؤسسات البرلمانية الأمريكية معلمة غير ملزمة وليس بمقدورها أن تقوم بحلقة الوصل بين السلطة التنفيذية ومؤسسات المجتمع المدني ، ولذلك فتقويم سياسة السلطة التنفيذية رهن بنشاط وقوة مؤسسات المجتمع المدني أو تدخل السلطة القضائية . نيكسون لم يقال من قبل المؤسسات البرلمانية وإنما من قبل القضاء بعنى أنه ارتكب جرماً .
يتبع >