تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : هجــــــــــر المبتـــــــــــدع...رسالة قيّمة ونفيسة ....


oumyahia
2008-11-06, 11:47
لصاحب الفضيلة العلامة

الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد

-رحمه الله تعالى -

طويلة ولكن ماشاء الله قيّمة ونافعة بإذن الله ...وسأضعها في حلقات بإذن الله ..


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فإنه في حال من انفتاح ما كان يخشاه النبي صلى الله عليه وسلم على أمته في قوله عليه الصلاة والسلام: (أبشروا وأملوا ما يسركم، فوالله لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم) انظر: فتح الباري 6 / 58 2، 263.
وانفتاح العالم بعضه على بعض، حتى كثرت في ديار الإسلام الأخلاط، وداهمت الأعاجم العرب، وكثر فيهم أهل الفرق، يحملون معهم جراثيم المرض العقدي والسلوكي.

وفي وسط من تداعي الأمم كما قال عليه الصلاة والسلام : (يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق...) السلسلة الصحيحة برقم / 956، وصحيح الجامع الصغير برقم / 8035.
وأمام هذا: غياب رؤوس أهل العلم حينًا، وقعودهم عن تبصير الأمة في الاعتقاد أحيانًا، وفي حال غفلة سرت إلى مناهج التعليم بضعف التأهيل العقدي، وتثبيت مسلمات الاعتقاد في أفئدة الشباب، وقيام عوامل الصد والصدود عن غرس العقيدة السلفية وتعاهدها في عقول الأمة.

في أسباب تمور بالمسلمين مورًا، يجمعها غايتان :
* الأولى: كسر حاجز (الولاء والبراء) بين المسلم والكافر، وبين السني والبدعي، وهو ما يسمى في التركيب المولَّد باسم: (الحاجز النفسي)، فيكسر تحت شعارات مضللة:(التسامح) (تأليف القلوب) (نبذ: الشذوذ والتطرف والتعصب)، (الإنسانية)((3)) ونحوها من الألفاظ ذات البريق، والتي حقيقتها (مؤامرات تخريبية) تجتمع لغاية القضاء على المسلم المتميز وعلى الإسلام.

* الثانية: فشوّ (الأمية الدينية) حتى ينفرط العقد وتتمزق الأمة، ويسقط المسلم بلا ثمن في أيديهم وتحت لواء حزبياتهم، إلى غير ذلك مما يعايشه المسلمون في قالب:(أزمة فكرية غثائية حادة) أفقدتهم التوازن في حياتهم، وزلزلت السند الاجتماعي للمسلم (وحدة العقيدة)، كلٌّ بقدر ما علَّ من هذه الأسباب ونهل، فصار الدخل، وثار الدخن وضعفت البصيرة، ووجد أهل الأهواءوالبدع مجالًا فسيحًا لنثر بدعهم ونشرها، حتى أصبحت في كف كل لافظ، وذلك من كل أمر تعبدي محدث لا دليل عليه (خارج عن دائرة وقف العبادات على النص ومورده).

فامتدت من المبتدعة الأعناق، وظهر الزيغ، وعاثوا في الأرض الفساد، وتاجرت الأهواء بأقوام بعد أقوام، فكم سمعنا بالآلاف من المسلمين وبالبلد من ديار الإسلام يعتقدون طرقًا ونحلًا محاها الإسلام. إلى آخر ما هنالك من الويلات، التي يتقلب المسلمون في حرارتها، ويتجرعون مرارتها، وإن كان أهل الأهواء في بعض الولايات الإسلامية هم :

مغمورون، مقموعون، وبدعهم مغمورة مقهورة، بل منهم كثير يؤوبون لرشدهم، فحمدًا لله على توفيقه، لكن من ورائهم سرب يحاولون اقتحام العقبة، لكسر الحاجز النفسي وتكثيف الأمية الدينية في ظواهر لا يخفى ظهور بصماتها في ساحة المعاصرة وأمام العين الباصرة.

والشأن هنا في تذكير المسلم بالأسباب الشرعية الواقعية من "المد البدعي، واستشرائه بين المسلمين، والوعاء الشامل لهذه الذكرى": القيام بواجب الدعوة إلى الله تعالى على بصيرة، والتبصير في الدين، وتخليص المنطقة الإسلامية من شوائب البدع والخرافات والأهواء والضلالات، وتثبيت قواعد الاعتقاد السلفي المتميز على ضوء الكتاب والسنة في نفوس الأمة.

ومن أبرز معالم التميز العقدي فيها، وبالغ الحفاوة بالسنة والاعتصام بها، وحفظ بيضة الإسلام عما يدنسها:
نصب عامل "الولاء والبراء" فيها، ومنه: إنزال العقوبات الشرعية على المبتدعة، إذا ذكروا فلم يتذكروا، ونهوا فلم ينتهوا، إعمالًا لاستصلاحهم وهدايتهم وأوبتهم بعد غربتهم في مهاوي البدع والضياع، وتشييدًا للحاجز بين السنة والبدعة، وحاجز النفرة بين السني والبدعي، وقمعًا للمبتدعة وبدعهم، وتحجيمًا لهم ولها عن الفساد في الأرض، وتسرب الزيغ في الاعتقاد، ليبقى الظهور للسنن صافية من الكدر، نقية من علائق الأهواء وشوائب البدع، جارية على منهاج النبوة وقفو الأثر، وفي ظهور السنة أعظم دعوة إليها ودلالة عليها، وهذا كله عين النصح للأمة.

فالبصيرة إذًا في العقوبات الشرعية للمبتدع: باب من الفقه الأكبر كبير، وشأنه عظيم، وهو رأس في واجبات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأصل من أصول الاعتقاد بدلالة الكتاب والسنة والإجماع، ولهذا تراه بارز المعالم في كتب الاعتقاد السلفي "اعتقاد أهل السنة والجماعة".

(3) عن "مذهب الإنسانية" انظر: مذاهب فكرية معاصرة لمحمد قطب: 589 604، وفي: معجم المناهي اللفظية، حرف الألف، ومقدمة طه العلواني لكتاب: النهي عن الاستعانة والاستنصار في أمور المسلمين بأهل الذمة والكفار، لمصطفى الوارداني.

يتبع .....

ابو إبراهيم
2008-11-06, 12:00
موفقة اختنا ام يحى ان شاء الله
--- اخوكم ابو ابراهيم ---

oumyahia
2008-11-10, 15:56
موفقة اختنا ام يحى ان شاء الله
--- اخوكم ابو ابراهيم ---


جزيت خيرا أخونا أبو إبراهيم

oumyahia
2008-11-10, 16:24
كل هذا تحت سلطان القاعدة العقدية الكبرى (الولاء والبراء) التي مدارها على الحب والبغض في الله تعالى، الذي هو (أصل الدين) وعليه تدور رحى العبودية.

وهذه العقوبات الشرعية التي كان يتعامل بها السلف مع أهل البدع والأهواء، متنوعة ومتعددة في مجالات:

الرواية، والشهادة، والصلاة خلفهم وعليهم، وعدم توليتهم مناصب العدالة كالإمامة والقضاء، والتحذير منهم ومن بدعهم وتعزيرهم بالهجر، إلى آخر ما تراه مرويًا في كتب السنة والاعتقاد، مما حررت مجموعه في "أصول الإسلام لدرء البدع عن الأحكام".

وما في هذه الرسالة هو في خصوص (الزجر بالهجر للمبتدع ديانة)لأهميته في: التميز، والردع، وعموم المطالبة به، ولأنه أصبح في الغالب من (السنن المهجورة)، تحت العوامل المذكورة في صدر هذه المقدمة، لهذا رأيت إفراده بهذه الرسالة إحياءً لهذه السنة، ونشرًا لها بضوابطها الشرعية التي تحفظ للمبتدع كرامته مسلمًا، وتكشف بدعته بوصفه مبتدعًا، ما لم تكن مكفرة كبدعة: القدر(3) والباب، والبهاء... وتحفظ على أهل السنة والجماعة كف بدعته ومداخلتها في صفوفهم، وهذا واجب باتفاق المسلمين.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في بيان وجوب النصح لصالح الإسلام والمسلمين:

ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة، أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة، فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين، هذا أفضل.
فبيَّن أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته، ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين، ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين، وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب، فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعًا، وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداءً ا..

هذا وما سيمر نظرك عليه في هذه الرسالة، فإنه ينتظم في جملته: أحكام الهجر الشرعي للكافر والمبتدع الضال ببدعته والعاصي المجاهر بمعصيته، لكن صار نسج الكلام وجلب الروايات والنقول في "هجر المبتدع"، لأن ضرره أعظم وخطره أشد، كما مر بك في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، ويأتي له نظائر إن شاء الله تعالى.
وتجد رؤوس المعتبرات في هذه الرسالة على ما يلي:
1 - مقاصد الإسلام في الهجر.
2 - أنواعه.
3 - شروطه.
4 - صفته.
5 - منزلة هجر المبتدع من الاعتقاد.
6 - الأدلة العلمية من الكتاب والسنة والإجماع.
7 - إعمال الصحابة فمن بعدهم له في مواجهة المبتدع.
٨ - ضوابط الهجر في الشرع.
9 - عقوبة من والى المبتدعة.
10 - التحذير من إشاعة البدعة.
فاللهم (ارزقنا هديًا قاصدًا)(5) و(جنِّبنا منكرات الأخلاق والأهواء والأدواء).



(3) ما أحسن ما قاله الحربي أبو إسحاق رحمه الله تعالى: من لم يؤمن بالقدر لم يتهنَّ بعيشه انظر: ولاية الله للشوكاني /396.



يتبع .....

oumyahia
2008-11-12, 15:49
المبحث الأول : مقاصد الإسلام في الهجر

فوائد الهجر للمبتدع التي قصدها الشرع كثيرة، منها ما يعود إلى الهاجرين القائمين بهذه الوظيفة الشرعية العقدية، ومنها ما يعود إلى المهجور وإلى عامة المسلمين، وإلى حماية السنن من البدع والأهواء، فالهجر الشرعي ومنه (هجر المبتدعة) : عقوبة زجرية متعددة الغايات والمقاصد الشرعية المحمودة، وهي على ما يلي :

١- أن (الزجر بالهجر) عقوبة شرعية للمهجور، فهي من جنس الجهاد في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا، وأداء لواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تقربًا إلى الله تعالى بواجب الحب والبغض فيه سبحانه وتعالى.

2 - بعث اليقظة في نفوس المسلمين من الوقوع في هذه البدعة وتحذيرهم.

3 - تحجيم انتشار البدعة.

4 - قمع المبتدع وزجره، ليضعف عن نشر بدعته، فإنه إذا حصلت مقاطعته والنفرة منه بات كالثعلب في جحره. أما معاشرته ومخالطته، وترك تحسيسه ببدعته: فهذا تزكية له، وتنشيط وتغرير بالعامة، إذ العامي مشتق من العمى، فهو بيد من يقوده غالبًا، فلابد إذًا من الحجر على المبتدع استصلاحًا للديانة وأحوال الجماعة، وهو ألزم من الحجر الصحي لاستصلاح الأبدان.

وبعد أن نقل الشاطبي رحمه الله تعالى بعض الآثار في النهي عن توقير المبتدع، قال:

(فإن الإيواء يجامع التوقير، ووجه ذلك ظاهر، لأن المشي إليه والتوقير له تعظيمٌ له لأجل بدعته، وقد علمنا أن الشرع يأمر بزجره وإهانته وإذلاله بما هو أشد من هذا، كالضرب والقتل، فصار توقيره صدودًا عن العمل بشرع الإسلام. وإقبالًا على ما يضاده وينافيه، والإسلام لا ينهدم إلا بترك العمل به والعمل بما ينافيه.

وأيضًا فإن توقير صاحب البدعة مظنة لمفسدتين تعودان بالهدم على الإسلام:

* أحدهما: التفات العامة والجهال إلى ذلك التوقير، فيعتقدون في المبتدع أنه أفضل الناس، وأن ما هو عليه خير مما عليه غيره، فيؤدي ذلك إلى اتباعه على بدعته دون اتباع أهل السنة على سنتهم.
* والثانية: أنه إذا وقر من أجل بدعته صار ذلك كالحادي المحرض له على انتشار الابتداع في كل شيء. وعلى كل حال فتحيا البدع وتموت السنن، وهو هدم الإسلام بعينه .( الاعتصام 1 / 114)

5 - إعطاء ضمانة للسنن من شائبة البدع ومداخلتها لصفاء السنن. والله أعلم.

يتبع...

oumyahia
2008-11-16, 17:50
المبحث الثاني : أنواع الهجر

وهي ثلاثة :

* الأول : الهجر ديانة، أي: (الهجر لحق الله تعالى) وهو من عمل أهل التقوى، في: هجر السيئة، وهجر فاعلها، مبتدعًا أو عاصيًا.
وهذا النوع من الهجر للفجار على قسمين :
1 - هجر ترك: بمعنى هجر السيئات، وهجر قرناء السوء الذين تضره صحبتهم إلا لحاجة أو مصلحة راجحة. قال الله تعالى: ﴿ والرُّجْزَ فَاهْجُرْ ﴾، وقال سبحانه: ﴿ واهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا ﴾. وقال تعالى: ﴿وإذَا رَأَيْتَ الَذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وإمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾(1)
وقال تعالى: ﴿ وقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الكِتَابِ أَنْ إذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا ويُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إنَّكُمْ إذًا مِّثْلُهُمْ﴾
وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( المهاجر من هجر ما نهى الله عنه ).

2 - هجر تعزير: وهذا من العقوبات الشرعية التبصيرية التي يوقعها المسلم على الفجار كالمبتدع، على وجه التأديب، في دائرة الضوابط الشرعية للهجر، حتى يتوب المبتدع ويفيء.
وهذا القسم هو الذي تدور عليه الأبحاث في هذه الرسالة المباركة.
وهذا النوع بقسميه من أصول الاعتقاد، والأمر فيه أمر إيجاب في أصل الشرع، ومباحثه في كتب السنن والتوحيد والاعتقاد وغيرها.

- تنبيه في هجر الكافر:
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى : (قال الطبري: قصة كعب بن مالك أصل في هجران أهل المعاصي، وقد استشكل كون هجران الفاسق أو المبتدع مشروعًا ولا يشرع هجران الكافر، وهو أشد جرمًا منهما لكونهم من أهل التوحيد في الجملة. وأجاب ابن بطال: بأن لله أحكامًا فيها مصالح للعباد وهو أعلم بشأنها وعليهم التسليم لأمره فيها، فجنح إلى أنه تعبد لا يعقل معناه. وأجاب غيره: بأن الهجران على مرتبتين: الهجران بالقلب، والهجران باللسان، فهجران الكافر بالقلب وبترك التودد والتعاون والتناصر لاسيما إذا كان حربيًا، وإنما لم يشرع هجرانه بالكلام لعدم ارتداعه بذلك عن كفره، بخلاف العاصي المسلم فإنه ينزجر بذلك غالبًا، ويشترك كل من الكافر والعاصي في مشروعية مكالمته بالدعاء إلى الطاعة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنما المشروع ترك المكالمة بالموادة ونحوها) ا هـ(2)

والظاهر ما قاله النووي رحمه الله تعالى من أن للمسلم هجر الكافر من غير تقييد(3) لما هو معلوم من الأصل الشرعي العام من تحريم موالاة الكفار، والتحذير من موادتهم وتعظيم ما يؤدي إلى ذلك، ونصب الأسباب الموصلة إلى ظهور المسلم عليهم كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله ﷺ قال : (لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه) رواه أحمد ومسلم وغيرهما. والنصوص في تحريم موالاة الكافرين من الكتاب والسنة وآثار السلف كثيرة مشهورة، والله أعلم(4)

* الثاني : الهجر لاستصلاح أمر دنيوي، أي (الهجر لحق العبد): وفيه جاءت أحاديث الهجر بما دون ثلاث ليال، رواها جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، بأسانيد في الصحيحين وغيرها(5) وجميعها تفيد أن الشرع لم يرخص بهذا النوع من الهجر بين المسلمين إلا بما دون ثلاث ليال، كما لم يرخص في إحداد غير الزوجة أكثر من ثلاث.

ومن الهجر هنا: هجر الوالد لولده، والزوج لزوجته، وقد هجر النبي صلى الله عليه وسلم نساءه شهرًا.

عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال).

وبعد أن بين الخطابي رحمه الله تعالى: أن ما وراء الثلاث على المنع قال : (فأما هجران الوالد ولده والزوج لزوجه، ومن كان في معناهما فلا يضيق أكثر من ثلاث، وقد هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه شهرًا). ا هـ(6).
وهذا النوع من الهجر من مباحث الرقاق والآداب.
* النوع الثالث: الهجر قضاء، وهو من العقوبات التعزيزية للمعتدين، وهذا يبحثه الفقهاء في باب التعزيز(7).

() الفتح 28 / 211 213، 216 217، 203، فتح الباري 10 / 497 الترغيب والترهيب 3/ 454 462، الدرر السنية 4 / 216 208
() فتح الباري 10/497
فتح الباري 10/496
) انظر: تحفة الإخوان، فهو مهم في هذا، والدرر السنية 4/135، 140 143، 20، 208 216،ومن النظر فيها يتبين أن ما استشكله الطبري غير مشكل والله أعلم.
() الترغيب والترهيب 3/454-462.
() معالم السنن 4/112.
() وانظر: كتاب التعزيز، لعبد العزيز عامر، ص (237)، وما بعدها.

يتبع ....

oumyahia
2008-11-22, 16:09
المبحث الثالث : شروط الهجر

الهجر الشرعي للفجار من المبتدعين، والفساق (عبادة)، والعبادة لابد من توفر ركنيها:
١ - الإخلاص، وهو ميزان الأعمال في باطنها.
٢ - والمتابعة، وهو ميزان الأعمال في ظاهرها.
فلابد من أن يكون الهجر: خالصًا صوابًا، فالهجر لهوى النفس: ينقض الإخلاص، والهجر على خلاف الأمر: ينقض المتابعة. والله أعلم.

المبحث الرابع : صفات الهجر(1)

الأصل في الهجر هو الإعراض بالكلية عن المبتدع والبراءة منه.
ومن مفرداته:
١ - عدم مجالسته.
٢ - الابتعاد عن مجاورته.
٣ - ترك توقيره. ترك مكالمته.
٤ - ترك السلام عليه.
٥ - ترك التسمية له.
٦ - عدم بسط الوجه له مع عدم هجر السلام والكلام.
٧ - عدم سماع كلامه وقراءتهم.
٨ - عدم مشاورتهم.
وهكذا من الصفات التي يتأدى بها الزجر بالهجر، وتحصل مقاصد الشرع.

(1) انظر: فتح الباري 8/123124، 10/497 ? وشرح أصول اعتقاد أهل السنة لللالكائي 1/114150، ومبحث الآثار من هذه الرسالة.


يتبع ....

oumyahia
2008-12-16, 10:32
المبحث الخامس : منزلة الهجر من الاعتقاد

يؤصل علماء الإسلام (هجر المبتدع ديانة) تحت القاعدة العقدية الكبرى (قاعدة الولاء والبراء)(1)
ومفهوم هذه القاعدة الشريفة لدى أهل السنة والجماعة هو: الحب والبغض في الله، فهم يوالون أولياء الرحمن، ويعادون أولياء الشيطان، وكلٍ بحسب ما فيه من الخير والشر.

وفي حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال : ( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره المرء أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار) متفق عليه(2).

وعن أبي إمامة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال : ( من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، فقد استكمل الإيمان ) رواه أبو داود والضياء(3)

يحيى بن معاذ : (حقيقة الحب في الله أن لا يزيد بالبر، ولا ينقص بالجفاء)(4)

وهذه القاعدة من مسلمات الاعتقاد في الإسلام، لكثرة النصوص عليها من الكتاب والسنة والأثر(5) ومن أولى مقتضياتها التي يثاب فاعلها ويعاقب تاركها البراءة من أهل البدع والأهواء، ومعاداتهم، وزجرهم بالهجر ونحوه، على التأبيد حتى يفيئوا، وهذا موفور في عامة كتب اعتقاد أهل السنة والجماعة(6)

وأكتفي بما أصله الإمام أبو إسماعيل الصابوني م سنة 449 هـ رحمه الله تعالى إذ قال : (ويبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، ولا يحبونهم ولا يصحبونهم، ولا يسمعون كلامهم، ولا يجالسونهم ولا يجادلونهم في الديني، ولا يناظرونهم، ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم التي إذا مرت بالآذان قَرّت بالآذان وقرت بالقلوب ضرّت وجرّت إليها من الوساوس والخطرات الفاسدة ما جَرَّت، وفيه أنزل الله عز وجل قوله: ﴿وإذَا رَأَيْتَ الَذِينَ يَخُوضُونَ في آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا في حَدِيثٍ غَيْرِهِ﴾.
ثم ذكر علامات أهل البدع، وعلامات أهل السنة، ثم قال: (واتفقوا مع ذلك على القول بقهر أهل البدع وإذلالهم وإخزائهم وإبعادهم وإقصائهم، والتباعد منهم ومن مصاحبتهم ومعاشرتهم والتقرب إلى الله عز وجل بمجانبتهم ومهاجرتهم…) ا هـ(7)
والعقوبة بالهجر للمبتدع إحدى العقوبات الشرعية التي ينزلها أهل السنة بالمبتدعة، حسب البدع والأهواء التي يتلبسون، بها، ومنها ما تقدمت الإشارة إليه والله أعلم.



(1) تنبيه مهم : هذه القاعة مشتركة لفظا بين أهل السنة والجماعة وحقيقتها لديهم كما علمت، وبين الخوارج (لا ولاء إلا ببراء) أي لا موالاة لأبي بكر وعمر رض الله عنهما إلا بالبراءة من أميري المؤمنين عثمان وعلي رض الله عنهما وبين الشيعة (لا ولاء إلا ببراء) إي لا ولاء لعلي وآل البيت إلا بالبراءة من أبي بكر وعمر وعثمان وسائر الصحابة رضي الله عنهم ومعتقد أهل السنة والجماعة موالاة جميع الصحابة رضى الله عنهم بتزكية الله لهم تنبيه آخر: ولدى أهل السنة والجماعة كذلك (بدعية الولاء والبراء) من وجه: بمعنى أن يتبرأ من قوم هم على دين الإسلام والسنة، ويتولى من ليسوا كذلك، كما ذكره ابن بطة رحمه الله تعالى في الشرح و الإبانة، ص (341) رقم /472.

(2) فتح الباري 1/606.
(3) السلسلة الصحيحة ٢/380.
(4)فتح الباري 1/62.
(5) الدرر السنية 4/208 216، تحفة الإخوان/431.
(6) كما في: العقيدة للصابوني م سنة 449 هـ رحمه الله تعالى/100 2 0 1 , وشرح أصول اعتقاد أهل السنة لللالكائي 1/114150 ,وفي كتاب السنة للخلال: باب مجانبة من قال القرآن مخلوق كما في الفتاوى 28 /210 213، والاعتقاد للبيهقي: باب النهي عن مجالسة أهل البدع ومكالمتهم /145، والشرح والإبانة لابن بطة/54 1، 275276، 282.
(7) رسالته في العقيدة /100، 112.


يتبع ...