مشاهدة النسخة كاملة : كشف أكاذيب سعيد فودة في كتابه الكاشف الصغير
الموحد السلفي
2008-11-05, 14:18
نقض مبحث الجسمية في كتاب الكاشف الصغير لسعيد فودة
" الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى ويصبرون منهم على الأذى , يحيون بكتاب الله الموتى , ويبصرون بنور الله أهل العمى , فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه , وكم من ضال تائه قد هدوه , فما أحسن أثرهم على الناس , وما أقبح أثر الناس عليهم , ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين , وانتحال المبطلين , وتأويل الجاهلين , الذين عقدوا ألوية البدعة , وأطلقوا عنان الفتنة فهم مخالفون للكتاب مختلفون في الكتاب مجتمعون على مفارقة الكتاب , يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم , يتكلمون بالمتشابه من الكلام , ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم" والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه واتبع هداه أما بعد :
- فلعل المطلع على كتاب الكاشف الصغير لمؤلفه سعيد فودة يكون أحد رجلين :
رجل يعرف مصطلحات أهل الكلام ومعانيها وما يقصدون بها وهؤلاء قلة قليلة جدا قدرهم الغزالي رحمه الله في وقته بواحد من الألف !
أما الغالبية العظمى من المسلمين فهم يمثلون الرجل الثاني الذي لا يعرف هذه المصطلحات ولا المقصود بها ،فلا يعرف معنى الجسم والحيز والجهة والحد ولا غيرها فهي بالنسبة له طلاسم وشخابيط وشفرات لا يعرف معانيها إلا أصحابها .
- والأستاذ فودة قد سمى كتابه الكاشف الصغير ليكشف به على حد قوله عقائد ابن تيمية لا ليرد عليه ،وهذا يعني أنه فقط ينسب إليه القول بأقوال معينه يوصفها هو بأنها تجسيم أو غير ذلك ...
فالكتاب كله مبني على نسبة هذه الأقوال لابن تيمية فحسب ليتوصل فيها بزعمه أن ابن تيمية يقول بأن الله سبحانه وتعالى جسم وان ابن تيمية رحمه الله مجسم .
وعلى من يحقق وراء الأستاذ فودة أن يتحقق ابتداءا من صحة نسبة هذه الأقوال إلى ابن تيمية ثم من صحة توجيه وتوصيفه لها بعد ذلك ...
وعلى هذا فإن نقض الكاشف الصغير إنما يكون أيضا بأن يكشف ما فيه إما من عدم صحة نسبة هذه الأقوال إلى ابن تيمية وإما أن يكشف بطلان توجيه الأستاذ فودة لها ،وليس عليه بالضرورة أن يرد عليه كما فعل هو .
وإن كنت في حقيقة الأمر لا أصدق دعوى أنه لم يرد فإن ما ذكره في كتابه الكاشف لا يخرج عن معنى الرد ، حيث أن ما نقله من كلام ابن تيمية رحمه الله قد لا يتعدى بضعا وعشرين ورقة وكتابه قرب على الخمسمائة صفحة ، ومع ذلك فإنه يحرص في كل مناسبة أن يؤكد أنه لا يرد على ابن تيمية ، فلعله يعلم من بضاعته التي جاء بها في كاشفه هذا أنها لا تصلح لان تكون ردا ، ولكنا على كل حال في شوق إلى هذا الرد لا إلى مجرد الكشف الذي يحمل معنى التشنيع فحسب لاسيما إذا قرن بالافتراء والكذب كما سيأتي .
وبعد الاطلاع على كتاب الكاشف الصغير عدة مرات تبين لي أن كلام الأستاذ فودة يقوم على عدة أصول مزيفة حاول فيها جاهدا أن يؤصلها لانه بدونها ما كان ليستطيع أن يكتب كلمة واحدة في حق ابن تيمية رحمه الله ومن هذه الأصول :
أولا : انه يجزم بنسبة هذه الأقوال لابن تيمية رحمه الله وإن كان يحكيها على لسان غيره بل ويسميها أيضا نصوصا صريحة !
ثانيا : انه يصف من ينقل عنهم ابن تيمية رحمه الله أنهم أهل الحق عنده وتارة بأنهم الكرامية والحنابلة وتارة بأنهم أهل الحديث وتارة بأنهم السلف وأنه لا يخرج عن أقوالهم مع توصيفه لهم غير ما مرة بالمجسمة.
ثالثا : أنه يتجاهل تماما اصطلاحات من ينقل عنهم ابن تيمية ويتكلم على لسانهم بل ينسب إليهم الألفاظ باصطلاحه هو دون أي اعتبار لما اصطلحوا هم عليه .
رابعا : أن يتجاهل موقف ابن تيمية الصريح والذي نص عليه مرارا ببدعية هذه المصطلحات من جهة إثباتها ونفيها في حق الله سبحانه وتعالى بل يصف هذا بأنه خدعة وتناقض من ابن تيمية !
خامسا : أنه يقول في جميع هذه الأقوال باللوازم ويدعي أنها لوازم قريبة تصح نسبتها إلى ابن تيمية حتى وإن نفاها عن نفسه أو قال بعدم لزومها .
فهذه بعض الأصول التي انطلق منها الأستاذ فودة في نسبته هذه الأقوال التي يزعم أنها تدل
على تجسيم ابن تيمية رحمه الله وحاشاه .
-وحيث أن الرد عليه ونقض كلامه سيقوم على إبراز هذه المسائل والأصول وغيرها فلابد أن نضع بين يدي هذا البحث تمهيدا وسيكون من وقفتين:
- نبين في أحدهما طريقة ابن تيمية رحمه الله في رده على طوائف أهل البدع والمخالفين للسنة ، حتى يعلم كيف يورد شيخ الإسلام أقوال هؤلاء وهؤلاء ويرد عليها ..
- ونبين في الثانية من هم أهل الإثبات الذين يزعم الأستاذ فودة أنهم أهل الحق عند ابن تيمية ويستبيح بذلك نسبة أقوالهم إليه بل ويجزم بأنها " نصوص صريحة " لابن تيمية في التجسيم ، ثم بعد ذلك نتناول هذه النصوص نصا نصا ...
الوقفة الأولى :
ما هي طريقة ابن تيمية رحمه الله في مناقشة أقوال أهل البدع عامة ومناقشة الرازي في بيان التلبيس خاصة ؟
والجواب يكون بكلام ابن تيمية رحمه الله حيث قال :
1- ( وأما مناظرات الطوائف التي كل منها يخالف السنة ولو بقليل فأعظم ما يستفاد منها بيان إبطال بعضهم لمقالة بعض ..... والمقصود هنا أن يكون المقصود بالمناظرة بيان رجحان بعض الأقوال على بعض ولهذا كان كثير من مناظرة أهل الكلام إنما هي في بيان فساد مذهب المخالفين وبيان تناقضهم لأنه يكون كل من القولين باطلا فما يمكن أحدهم نصر قوله مطلقا فيبين فساد قول خصمه وهذا يحتاج إليه إذا كان صاحب المذهب حسن الظن بمذهبه قد بناه على مقدمات يعتقدها صحيحة فإذا أخذ الإنسان معه في تقرير نقيض تلك المقدمات لم يقبل ولا يبين الحق ويطول الخصام كما طال بين أهل الكلام فالوجه في ذلك أن يبين لذلك رجحان مذهب غيره عليه أو فساد مذهبه بتلك المقدمات وغيرها فإذا رأى تناقض قوله أو رجحان قول غيره على قوله اشتاق حينئذ إلى معرفة الصواب وبيان جهة الخطأ فيبين له فساد تلك المقدمات التي بنى عليها وصحة نقيضها ومن أي وجه وقع الغلط وهكذا في مناظرة الدهرى واليهودي والنصراني والرافضي وغيرهم إذا سلك معهم هذا الطريق نفع في موارد النزاع فتبين لهم وما من طائفة إلا ومعها حق وباطل فإذا خوطبت بين لها أن الحق الذي ندعوكم إليه هو أولى بالقبول من الذي وافقناكم عليه ( المنهاج 2/201
فهذه الطريقة مبينة على مقابلة أقوال الطوائف بعضها ببعض بحسب اختلاف المسائل كمثل محاججة أقوال نفاة للصفات بأقوال المثبتين لها وأقوال الخوارج بأقوال أهل الإرجاء وهكذا وتكون كما ذكر رحمه الله في (مناظرات الطوائف التي كل منها يخالف السنة ولو بقليل) ليتوصل فيها إلى إبطال قول الخصم بقول من يقابله أو يبين تناقضه وصحة قول مخالفة أو قربه إلى الحق وليس في ذلك تقرير لأي من القولين ولا تصحيح لها بل الأمر كما قال رحمه : (بيان رجحان بعض الأقوال على بعض)
2- وقال رحمه الله :
( والمناظرة تارة تكون بين الحق والباطل وتارة بين القولين الباطلين لتبين بطلانهما أو بطلان أحدهما أو كون أحدهما أشد بطلانا من الآخر فإن هذا ينتفع به كثيرا في أقوال أهل الكلام والفلسفة وأمثالهم ممن يقول أحدهم القول الفاسد وينكر على منازعه ما هو أقرب منه إلى الصواب فيبين أن قول منازعه أحق بالصحة إن كان قوله صحيحا وأن قوله أحق بالفساد إن كان قول منازعه فاسدا لتنقطع بذلك حجة الباطل فإن هذا أمر مهم إذ كان المبطلون يعارضون نصوص الكتاب والسنة بأقوالهم فإن بيان فسادها أحد ركني الحق وأحد المطلوبين فإن هؤلاء لو تركوا نصوص الأنبياء لهدت وكفت ولكن صالوا عليها أصول المحاربين لله ولرسوله فإذا دفع صيالهم وبين ضلالهم كان ذلك من أعظم الجهاد في سبيل الله ................
فهذه الحجة وأمثالها من حجج النفاة يمكن إبطالها من وجوه كثيرة بعضها ( من ) جهة المعارضة بأقوال أهل باطل آخر وبيان انه ليس أولئك بأبطل من قول هؤلاء فإذا لم يمكن الاستدلال على نفي أحد القولين إلا بالمقدمة التي بها نفي القول الآخر لم يكن نفي أحدهما أولى من نفي الآخر بل إن كانت المقدمة صحيحة لزم نفيهما جميعا وغن كانت باطلة لم تدل على نفي واحد منهما فكيف إذا كانت المقدمة التي استدل بها المستدل على نفي قول منازعه قد قال بها وبما هو أبلغ منها ؟)2/281 درء التعارض
3- وقال رحمه الله :
( وقد بسطنا كلام هؤلاء وخصومهم في الحكومة العادلة فيما ذكره الرازي في تأسيسه من المجادلة ...) إبطال التحليل 0ج:1/402
فما كان في كتاب بيان التلبيس كان على هذا الوجه من المناظرة فليتأمل .
4
- وقال أخيرا :
(.. ونحن نورد من كلامهم ما يتبين به أن جانبهم أقوى من جانب النفاة وليس لنا غرض في تقرير ما جمعوه من النفي والإثبات في هذا المقام بل نبين أنهم في ذلك أحسن حالا من نفاة انه على العرش فيما جمعوه من النفي والإثبات وقد أجاب هؤلاء عما ألزمهم النفاة من التجسيم الذي هو التركيب والانقسام ....)
بيان تلبيس الجهمية ج: 2 ص: 63
- ففي النص الأول بين طريقة رده على أهل البدع وهي مقابلة اقوالهم بعضها ببعض .
- وبين أنه ليس بالضرورة أن تكون هذه المقابلة للأقوال مقابلة بين الحق والباطل بل تكون أحيانا بين الأقوال الباطلة أو الأقوال الذي يترجح فيها قول على الأخر من جهة العقل أو الشرع .
- أن ترجيح أحد هذه الأقوال على الأخرى بناءا على ما سبق ليس حكما بأحقيتها مطلقا بل حكما يرجحانها على الأخرى فحسب وغن كانت هي في نفسها أيضا باطلة .
- أن القول بان أحد هذه القوال أقرب للحق أو للشرع أو للعقل لا يفيد الحكم بأنها حق مطلقا .
- وأخيرا ان ما في كتاب بيان تلبيس الجهمية هو على هذه الطريقة في المناظرة وهذا بنص كلام ابن تيمية رحمه الله السابق .
- أن ابن تيمية رحمه الل لا يلتزم أحد هذه الأقوال وقد نص على ذلك نصا صريحا لا يمكن لمنصف يخف الله ويرجوا اليوم الأخر أن يتجاهله وينسب اليه ما يشاء .
- فإذا تقرر ما سبق فليعلم أن الكثير من النصوص التي نسبها الأستاذ فودة إلى ابن تيمية رحمه الله كان مستنده فيها أنه قال عنها أنها أقرب للعقل أو اقرب للشرع إلى غير ذلك ...
- وليعلم أيضا أن الأستاذ فودة قد اعتمد أصلا في كتابه الكاشف يبيح له أن ينسب لابن تيمية كل ما يقول به أهل الإثبات الذين ينقل عنهم أقوالهم في رده على الرازي وهو ما سبقت الإشارة إليه من أنهم أهل الحق عند ابن تيمية وهذا ما سيبطله ما جاء في ...
الوقفة الثانية :
من هم أهل الإثبات الذي يذكرهم ابن تيمية في مقابلة أقوال الرازي وحججه ؟
والجواب أن يقال :
مصطلح أهل الإثبات عند شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يطلق بالاشتراك على طائفتين :
الطائفة الأولى : أهل الإتباع المحض من الصحابة والتابعين والسلف الصالح والأئمة ...
الطائفة الثانية : أهل الكلام ممن يثبت الصفات أو بعضها ، سواء كانوا متكلمة أو ممن تأثر بهم ودخل معهم في الكلام من أهل الحديث والفقه والصوفية وإتباع المذاهب .
- فإذا أطلق ابن تيمية رحمه مصطلح ( أهل الإثبات ) فليس بالضرورة أن يكونوا هم الطائفة الأولى الذين هم السلف الصالح من الصحابة والتابعين والأئمة لاسيما إذا كان الكلام في نفي أو إثبات مصطلحات أهل الكلام كالجسم والحيز والحد والجهة والتركيب والانقسام والأبعاد الثلاثة والجوهر والعرض .. إلخ .
- والذين قرر ابن تيمية رحمه الله في غير ما موضع أنهم لم يتعرضوا لهذه الألفاظ نفيا ولا إثباتا حيث أن هذه الألفاظ لم تكن مستعملة ولا مشتهرة في وقتهم وإن وجد شيء منها فليست هي على ما اصطلح عليه أهل الكلام ومن أدرك منهم هذه المصطلحات فقد ذمها وذم أهلها وبدعهم.
- قال رحمه الله : (أن لفظ الجسم والعرض والمتحيز ونحو ذلك ألفاظ اصطلاحية وقد قدمنا غير مرة أن السلف والأئمة لم يتكلموا في ذلك حق الله لا بنفي ولا بإثبات بل بدعوا أهل الكلام بذلك وذموهم غاية الذم ) ا. هـ
- فلا يمكن أن يكونوا طرفا في مناظرة حول هذه المصطلحات فينحصر الكلام في الغالب في متكلمة أهل الإثبات - كما سيأتي تفصيلهم - إن كان متعلقا بهذه الألفاظ نفيا وإثباتا ...
- ولما كانت أقوال متكلمة الصفات قد تتفق أهل في الجملة مع أقوال السلف من حيث التوافق على بعض المعاني الصحيحة والمثبتة بنصوص الكتاب والسنة كان من الممكن أن تنسب إليهم هذه المعاني كالعلو والاستواء وغيره لدلالة النصوص من الكتاب والسنة على إثبات هذه المعاني .
- وهذا ما يخلط فيه الأستاذ فودة وغيره وربما يلتبس عليهم هذا فيظنوا أن ابن تيمية ينسب القول بإثبات هذه الألفاظ إلى السلف والأئمة وفي الحقيقة أنه ينسب بعض معاني هذه الألفاظ مما وافقت صريح المعقول وصحيح المنقول من الكتاب والسنة وتكلم بها السلف والأئمة فيأتي الأستاذ فودة جهلا أو تجاهلا فيقول ابن تيمية ينسب إلى السلف والأئمة القول بهذه الألفاظ والمصطلحات !!!
وهذا خلط يخالف ما نص عليه شيخ الإسلام رحمه الله في غير موضع .
وسيأتي التمثيل بذلك حين التعرض لنصوص الأستاذ فودة .
وفي الحقيقة فإن الأستاذ فودة لم يتعلم الدقة من ابن تيمية رغم أنه يزعم أنه قد مارس كتبه أو جلها !
- أما كون هؤلاء من أهل الإثبات فلأنهم يثبتون صفات الله سبحانه وتعالى أو بعضها وهذا يشمل من يثبت منهم بعض الصفات وينفي بعضها كالكلابية والاشاعرة ...
- أما كونهم مع ذلك ليسوا من الطائفة الأولى (السلف)أو تبعا لهم ، فذلك لأنهم ولجوا علم الكلام واعتمدوا طرقا مبتدعة للإثبات لم يتكلم بها السلف ولا دل عليها كتاب ولا سنة .
فما أثبتوه من الصفات إنما أثبتوه على غير منهج السلف بل بما سموه حججا عقلية وما نفوه إنما نفوه أيضا بما سموه حججا عقلية، من غير إتباع لما جاء في الكتاب والسنة وما أثبتوه سيبقى حجة وشاهدا ينادي على تناقضهم إلى يوم القيامة ولذلك لتماثل موجب الإثبات والنفي .
- فكتاب الكاشف الصغير من أوله إلى آخره قائم على نسبة أقوال متكلمة أهل الإثبات إلى ابن تيمية حيث أنهم على زعمه أهل الحق عنده وأنه لا يخرج عن قولهم !
فإذا ثبت أنهم ليسوا كذلك فينتقض بذلك كلام الأستاذ فودة جميعه وتبطل نسبة هذا الكلام إلى ابن تيمية
لاسيما إذا عرفت طريقته في إبطال حجج أهل البدع .
أما متكلمة أهل الإثبات فينقسمون إلى قسمين :
القسم الأول :
طوائف ممن ينفون الجسمية عن الله سبحانه وتعالى ومع ذلك فهم يثبتون الصفات وينفون لوازم هذا الإثبات الذي يزعمه النفاة من أن الإثبات يلزم منه التجسيم فهم ينفون الجسمية ويثبتون الصفات .وهؤلاء هم طوائف من نظار المتكلمين من الكلابية والاشاعرة وأتباع المذاهب وغيرهم .
القسم الثاني :
طوائف ممن يثبتون الجسمية لله سبحانه وتعالى وهم ينقسمون أيضا إلى صنفين :
الأول : طوائف من نظار أهل الكلام وعلماءهم يفسرون الجسم بالموجود القائم بنفسه الموصوف بالصفات أو المشار اليه ويقولون الجسم هو ما له ذات والقابل للصفات والله سبحانه وتعالى قائم بنفسه موصوف بالصفات فهو جسم ولكنه غير مماثل للأجسام فهو جسم لا كالأجسام ويثبتون ما ينفيه النفاة من هذه الألفاظ ويعارضون أقوالهم بالحجج العقلية والأدلة الكلامية .
الثاني : المجسمة الغلاة الذين يقولون بأن الله سبحانه جسم ويزعمون أنه حقيقته مماثلة لسائر الأجسام ويصفونه بما توصف به سائر الأجسام فيقولون ما يحكى عنهم من الأقوال الشنيعة وهؤلاء متفق على ضلالهم وبطلان أقوالهم .
فإذا تركنا المجسمة الغلاة جانبا للاتفاق على رد قولهم وبطلانه ...
فيبقى لنا طائفتان من متكلمة أهل الإثبات :
الأولى : تنفي أن يوصف الله سبحانه بأنه جسم ومع ذلك فهم يثبتون الصفات .
الثانية : تثبت أن الله سبحانه وتعالى جسم وأيضا يثبتون الصفات وهذان هما من يعارض بهما وبأقوالهم ابن تيمية رحمه الله أقوال النفاة وحججهم .
- قد يقول قائل : ما الفائدة من أقوال القسم الأول الذين ينفون الجسمية كما ينفيها الرازي ؟
والجواب : أن هؤلاء النظار من المتكلمين عندما يثبتون الصفات مع نفيهم لكون الله سبحانه وتعالى جسم فهذا يعني أنهم لا يقولون بهذه اللوازم التي يقول بها الرازي من إثبات هذه الصفات ...
فمثلا هم يثبتون المباينة لله سبحانه وتعالى من خلقه فيقولون بالاستواء والعلو .
- فيقولون هو سبحانه فوق العرش بائن من خلقه وليس بجسم..
- أما الرازي فيقول ليس فوق العرش رب أصلا لان إثبات المباينة والفوقية والاستواء يلزم منه التجسيم لان هذا كله من خصائص الأجسام فمن أثبت العلو الذي يسميه جهة فقد لزمه التجسيم على قوله !
فيرد عليه ابن تيمية بقول هؤلاء الذين أثبتوا العلو والاستواء ومع ذلك هم ينفون الجسمية .فيبين من هذه المعارضة أن لوازم التجسيم التي يجعلها لازمة للعلو والاستواء والفوقية ليست بلوازم صحيحة وإنما هي لوازم باطلة لان من سبقه من المتكلمين والنظار الأئمة في المذهب الأشعري والكلابية وغيرهم لم يقولوا بهذه اللوازم مع نفيهم للجسمية .فغما أنهم مجسمة وإما أنها ليست بلوازم صحيحة فتكون المعارضة على هذا الوجه
- - وقد يقول قائل أيضا وكيف يحتج ابن تيمية رحمه الله بقول من يقول بأن الله جسم ويثبت لله سبحانه وتعالى الحيز والحد والجهة ونفي حدوث جميع الأجسام ؟
والجواب هو أن نقرر ابتداءا موقف ابن تيمية من هذه الألفاظ بكلامه الصريح والواضح وذلك بقوله ( وإثبات لفظ الجسم ونفيه بدعة لم يتكلم به أحد من السلف والأئمة كما لم يثبتوا لفظ التحيز ولا نفوه ولا لفظ الجهة ولا نفوه ولكن أثبتوا الصفات التي جاء بها الكتاب والسنة ونفوا مماثلة المخلوقات)
فموقف ابن تيمية قد أبان عنه رحمه الله فهو في هذه المصطلحات لا ينفيها ولا يثبتها تبعا للشريعة التي لم تتعرض لها بنفي ولا إثبات فهو في حقيقة خصم معارض لكلا الفريقين المثبتين والنفاة وهذا مقتضى صريح قوله .
- أما معارضته بأقوال هؤلاء فهي من باب المحاججة والمناظرة والمقابلة بين الأقوال التي يزعم أهلها أنها " عقلية ضرورية " فيظهر بإثبات هذا بطلان نفي هذا ، وبظهور حجة هذا ضعف حجة الآخر ... فهذا يثبت عقلا بان الله سبحانه وتعالى جسم والآخر ينفي ذلك عقلا ايضا وكلاهما يزعم أن هذا هو المعقول وهذا هو عين الكمال له سبحانه ، وهذا يثبت الجهة وهذا ينفيها وهذا يرد على هذا بأن الموجود القائم بنفسه لا يكون إلا مباينا منفصلا عن غيره ممن يقوم بنفسه والآخر يرد عليه بأن ثمة موجود لا مباين ولا محايث وكلا الفريقين من المتكلمين وكلاهما يدعي أن حكمه هو حكم العقل القاطع وقد يكون ثمة قرب لأحدهما للعقل والشرع على الأخرى فيقر له بالمعنى الموافق للشريعة كإثبات العلو والاستواء وإثبات الصفات الخبرية كالحب والرضى والغضب وغيرها ...
لكن في النهاية لدينا موقفا صريحا صحيحا موافقا للكتاب والسنة قد قرره ابن تيمية رحمه الله وهو بدعية هذه المصطلحات وعدم جواز نفيها او إثباتها لله سبحانه وتعالى .
فإذا فهم ذلك لم يكن لأحد يدعي التحقيق والإنصاف أن ينسب إلى ابن تيمية رحمه الله أيا من هذه الأقوال التي نص على موقفه منها صراحة فتجاهل ذلك دليل العناد والإصرار على الكذب .
فهو تارة يعارض أقوال الرازي وغيره بأقوال أمثالهم ممن ينفون الجسمية ويثبتون هذه الصفات .طعنا فيما جعلوه لوازم الإثبات بزعمهم ! فيقول لهم هؤلاء اثبتوا الصفات ولم يقولوا بهذا اللوازم فإما أن هذه اللوازم لا تلزم أصلا وإما أن هؤلاء الأئمة السابقين لكم والمؤسسين لمذهبكم مجسمة وإما أنكم متعارضون مختلفون في معنى الجسمية الذي تنفونه جميعا
.
- وتارة يعارض أقوالهم بأقوال من يثبت الجسمية على المعنى الذي ذكروه ويقابل بحججهم حجج هؤلاء النفاة في مثل مسائل الحدوث والمباينة وانحصار المجودات إلى غير ذلك .
و هذه بعض النصوص التي تعرض فيها ابن تيمية لذكر أهل الإثبات على نحو ما ذكرت :
قال رحمه الله :
( ولا ريب أن المثبتين لهذه الصفات أربعة أصناف :
1- صنف يثبتونها وينفون التجسيم والتركيب والتبعيض مطلقا كما هي طريق الكلابية والأشعرية وطائفة من الكرامية كابن الهيصم وغيره وهو قول طوائف من الحنبلية والمالكية والشافعية والحنفية كأبي الحسن التميمي وابنه أبي الفضل ورزق الله التميمي والشريف أبي علي ابن أبي موسى والقاضي أبي يعلى والشريف أبي جعفر وأبي الوفاء ابن عقيل وأبي الجسن ابن الزاغوني لا حصى كثرة يصرحون بإثبات هذه الصفات وينفي التجسيم والتركيب والتبعيض والتجزئ والانقسام ونحو ذلك وأول من عرف أنه قال هذا القول هو محمد عبدالله بن سعيد بن كلاب ثم اتبعه على ذلك خلائق لا يحصيهم إلا الله .
2- وصنف يثبتون هذه الصفات ولا يتعرضون للتركيب والتجسيم والتبعيض ونحو ذلك من الألفاظ المبتدعة لا بنفي ولا إثبات لكن ينزهون الله عما تزه عنه نفسه ويقولون إنه أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ويقول من يقول منهم مأثور عن ابن عباس وغيره أنه لا يتبعض فينفصل بعضه عن بعض وهم متفقون على أنه لا يمكن تفريقه ولا تجزيه بمعنى انفصال شيء منه عن شيء وهذا القول هو الذي يؤثر عن سلف الأمة وأئمتها وعليه أئمة الفقهاء وأئمة أهل الحديث وأئمة الصوفية وأهل الاتباع المحض من الحنبلية على هذا القول يحافظون على الألفاظ المأثورة ولا يطلقون على الله نفيا وإثباتا إلا ما جاء به الأثر وما كان في معناه
3- وصنف ثالث يثبتون هذه الصفات ويثبتون ما ينفيه النفاة لها ويقولون هو جسم لا كالأجسام ويثبتون المعاني التي ينفيها أولئك بلفظ الجسم وهذا قول طوائف من أهل الكلام المتقدمين والمتأخرين
4- وصنف رابع يصفونه مع كونه جسما بما يوصف به غيره من الأجسام فهذا قول المشبهة الممثلة وهم الذين ثبت عن الأمة تبديعهم وتضليلهم
فلفظ الجسم لم يتكلم به أحد من الأئمة والسلف في حق الله لا نفيا ولا إثباتا ولا ذموا أحدا ولا مدحوه بهذا الاسم ولا ذموا مذهبا ولا مدحوه بهذا الاسم وإنما تواتر عنهم ذم الجهمية الذين ينفون هذه الصفات وذم طوائف منهم كالمشبهة وبينوا مرادهم بالمشبهة)
بيان التلبيس 1/46
وهذا كله مصداق ما ذكرته من تقسيم أهل الإثبات .
وقال رحمه الله :
- ( فإن أهل الإثبات من أهل الحديث وعامة المتكلمة الصفاتية من الكلابية والأشعرية والكرامية وغيرهم.) .اقتضاء الصراط 1/419
وقال رحمه الله :
3- ( ومتكلمة أهل الإثبات للصفات والقدر مثل الكرامية والكلابية والأشعرية والسالمية وغيرهم أقرب إلى موافقة المعقول الصريح والمنقول الصحيح وإن كان لكل منهم من الخطأ ما لا يوافقه الآخر عليه فأما السلف والأئمة وأكابر أهل الحديث والسنة والجماعة فهم أولى الطوائف بموافقة المعقول الصحيح والمنقول والصحيح...)
ومن الدلائل الواضحة على عدم دخول ابن تيمية رحمه الله في مسمى أهل الإثبات أو المثبتين الذي يذكره في كتاب بيان التلبيس في رده على الرازي قوله رحمه الله :
4- ( قلت والكلام على هذا مع العلم بأن المقصود ذكر القول والفصل والحكم العادل فيما يذكره النفاة من الحجج والجواب عما ذكره من جهة منازعه ليس المقصود استيفاء حجج المثبتة بل إذ تبين أن هذا الذي هو الإمام المطلق في المتأخرين من هؤلاء النفاة المتكلمين والفلاسفة وعرف فرط معاداته لهؤلاء المثبتة الذين ذكرهم وذكر حججهم مع ما هم عليه من ضعف الحجج وقلة المعرفة بالسنن ومذاهب السلف ومع ما فيهم من الانحراف ثم تبين ظهور حججهم العقلية التي ذكرها دع السمعية على ما استوفاه من حجج النفاة العقلية والسمعية مع استعانته بكل من هو من النفاة حتى المشركين الصابئين مثل أرسطو وأبي معشر وشعيتهما من الفلاسفة والمنجمين والمعتزلة وغيرهم.) بيان تلبيس الجهمية 2/330 )
فهل بعد كل ما سبق يجوز لمسلم أن ينسب ابن تيمية رحمه الله إلى هؤلاء الذين ينعتهم بضعف الحجج وقلة المعرفة بالسنن ومذاهب السلف بل وينعتهم بالانحراف ؟!
فإذا أتفق على ما جاء في هاتين الوقفتين ابتداءا فلستصحب مضمونهما حين محاكمة الأستاذ فودة في إيراده لما يزعمه نصوصا عن ابن تيمية صريحة في التجسيم والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .
الموحد السلفي
2008-11-05, 14:26
قال الأستاذ فودة صـ129 من الكاشف :
النص الأول : المسالة الرابعة في إثبات أن ابن تيمية يقول
أن الله جسم :
ثم قال : وهنا سوف نوضح رأي ابن تيميه في هذه المسالة " بنصوص صريحة " وهي هل الله تعالى جسم أو لا ؟
وهنا يبدو الأستاذ فودة وكأنه يصور للقارئ أن ابن تيمية سيجيب على سؤال وجه إليه ونصه :
هل الله تعالى جسم أو لا ؟ فيقول ابن تيمية جوابا : نعم إن الله تعالى جسم ! (تصوير وهمي)
وهذا ليدل القارئ على صراحة ووضوح النص !
ثم يقول :
وهذا عنده له معنيان :
هل الله متحيز وقابل لفرض الأبعاد ، فهو يقول نعم .وسائر الفرق تقول لا .
وقوله : "وهذا عنده " تصوير تخيلي باطل يوهم بأن ابن تيمية مقر بهذا التفسير للفظ الجسم . . وتأمل كيف يصور الأستاذ فودة الأمر ببساطة وكأنه ابن تيمية يجيب على سائل يسأل :
هل الله متحيز وقابل لفرض الأبعاد ؟ ، فيجيب ابن تيمية : نعم ! ( وهذا كله غير صحيح بل مجرد دعوى لا دليل عليها )
فهل سيجد القارئ هذا السؤال وهذه الإجابة أم هو الكذب الصريح من الأستاذ على قارئه ؟!
ثم يكمل الأستاذ فودة المعاني التي "عند " ابن تيمية للفظ الجسم فيقول :
الثاني : هل هو متركب من أجزاء،سائر الفرق تقول أن ما كان متحيزا " كما مر" فهو لا محالة مركب ....
ثم يقول : فسائر الفرق ينفون التركيب عن الله تعالى بجميع الوجوه المذكورة هنا ، وأما ابن تيمية فيقول لا ينتفي ذلك عنه ، بل لا ينفي إلا معنى واحد ... إلى آخره
ثم أخيرا يقول : وسوف ننقل فيما يلي " نصوصا " عديدة عن ابن تيمية يوضح فيها بأن الله تعالى متحيز أي له حيز وأنه جسم بهذا المعنى ...
يعني أن القارئ لن يجد هذا السؤال ذكره الأستاذ فودة والذي وجه لابن تيمية ، ولن يجد أيضا الجواب الذي أجاب به ابن تيمية لان كل هذا في الحقيقة كذب ولا أساس له وإنما مجرد إيهام وتخييل للقارئ بأنه سيجد نصوصا صريحة على هذا النحو !
وقول الأستاذ فودة " سوف أنقل لكم نصوصا عن ابن تيمية " يوضح " فيها بأن الله " متحيز " وأنه بناءا على هذا فهو يقول بأن الله جسم !!!يظهر التلاعب الذي بدا به الأستاذ فودة من أول نص . فقد كان الأمر في البداية نصوصا بأن الله جسم في صورة سؤال وجواب .
ثم تحول الأمر بعد ذلك وفي نفس السياق بأن ابن تيمية يفسر الجسم بأنه المتحيز ذو الأبعاد أو أنه المركب . وأخير ينتهي الأمر بأن الأستاذ سينقل لنا نصوصا " يوضح " فيها ابن تيمية بأن الله متحيز وأن هذا هو معنى الجسم !!!
يعني إذا أثبتنا أن ابن تيمية يقول بأن الله متحيز فقد أثبتنا نصوصا صريحة وواضحة بان ابن تيمية يقول بان الله جسم !!!
ففي البداية أوهم القارئ بأن ابن تيمية يقول بأن الله جسم صراحة وكأنه يجيب على سؤال سائل بجواب مباشر (نعم أولا )
وبعد ذلك مباشرة انتقل من القول بالتصريح بلفظ الجسم إلى القول بالتصريح بمعاني الجسم وهذا يدل على أن تصوير الأستاذ فودة الأول كان كاذبا فلم ينقل عن ابن تيمية تصريحا بأن الله جسم ، فأين ذهب عنوان المسالة التي ذكر فيها أن ابن تيمية يقول بأن الله جسم ؟!
وانتقاله إلى معنى الجسم كان بنفس الصورة التخييلية السابقة :
"هل الله متحيز وقابل لفرض الأبعاد ، فهو يقول نعم .وسائر الفرق تقول لا"
فيتأكد لدينا من خلال عرضه السابق عدم وجود نص صريح في كلام ابن تيمية يقول فيه أن الله سبحانه وتعالى جسم وهذه أول لفته نلفت لها نظر القارئ في كلام الأستاذ فودة .
فليعلم من الآن أن الأستاذ فودة سـ : (ننقل فيما يلي " نصوصا " عديدة عن ابن تيمية يوضح فيها بأن الله تعالى متحيز أي له حيز وأنه جسم بهذا المعنى ...)
أو بمعنى أوضح ليس ثمة نصوص صريحة وإنما مفهومات وتلفيقات يوضح فيها ابن تيمية بأن الله متحيز وانه جسم بهذا المعنى !!!
وإذا كانت هذه الحيل الكلامية ظاهرة في أول " نص " جاء به والذي من المفترض أن يكون هو أقوى النصوص فكيف بما بعده ما سيفعل فيها ؟!
فلننتقل إلى ما سماه نصا :
ينقل سعيد فودة عن ابن تيمية قوله :
" والمقصود أن القول بوجود موجود لا داخل العالم ولا خارجه لم يقل أحد من العقلاء إنه معلوم بالضرورة وكذلك سائر لوازم هذا القول : مثل كونه ليس بجسم ولا متحيز ونحو ذلك ؛ لم يقل أحد من العقلاء : إن هذا النفي معلوم بالضرورة ؛ بل عامة ما يدعى في ذلك أنه من العلوم النظرية...)
ثم ذكر كلاما طويلا ثم قال :
" ثم قال ابن تيمية في إكمال تعليقه السابق على كلام الرازي" (وتأمل هذه العبارة جيدا)
ثم ذكر كلام ابن تيمية حيث قال :
( مما يبين أن هذه القضية حق أن جميع الكتب المنزلة من السماء وجميع الأنبياء جاءوا بما يوافقها لا بما يخالفها وكذلك " سلف هذه الأمة " من الصحابة والتابعين وتابعيهم يوافقون مقتضاها ؛ لا يخالفونها . ولم يخالف هذه القضية الضرورية من له في الأمة لسان صدق ؛ بل أكثر أهل الكلام والفلسفة يقولون بموجبها وإنما خالفها طائفة من المتفلسفة وطائفة من المتكلمين : كالمعتزلة ومن اتبعهم..).
ثم قال تعليقا : ( فانظر رحمك الله إلى ابن تيمية كيف يصرح أن قضية "كون الله جسما" وأنه في جهة حق ، أن جميع الكتب المنزلة من السماء ، وجميع الأنبياء جاءوا بما يوافقها (
وأقول ك
وهذا كذب صريح وواضح لمن له أدنى اطلاع على كلام شيخ الإسلام رحمه الله وإن لم يقف على ما نقله سعيد فودة عنه .فإن المتواتر عن ابن تيمية رحمه الله أن لفظ الجسم لم يتكلم به السلف ولا الصحابة ولا التابعين ولم ينقل عنهم شيء من ذلك وأن اثباته ونفيه بإطلاق لا يجوز فكيف يمكن أن يقول ( أن جميع الكتب المنزلة من السماء وجميع الأنبياء جاءوا بما يوافقها لا بما يخالفها وكذلك " سلف هذه الأمة " من الصحابة والتابعين وتابعيهم يوافقون مقتضاها ؛ لا يخالفونها (
وأقول : ما يدعيه هنا لا يصدقه إلا من سلم له عقله من مريديه أو أصحاب الزوايا الدراويش ولا يقبله من له أدنى تأمل في كلام ابن تيمية، ولعمر الله إن كان الكلام على الجسم وان الله جسم فما الداعي لكاشف الأستاذ فودة بعد ذلك ؟
- والحقيقة أن الأستاذ فودة يحتال على النص احتيالا عجيبا ،حيث أن موضوع النقاش بين ابن تيمية والرازي أصلا ليس على ( أن الله جسم ) وإنما هو عن قضية ( المباينة والمحايثة) وانحصار الموجودات فيهما وذلك ردا على الرازي في ادعاءه وجود قسم ثالث لا مباين ولا محايث .
والقضية الضرورية التي ذكرت في هذا النص هي أن كل موجودين فلابد أن يكون أحدهما مباينا للأخر أو محايثا له وما تضمنه من إثبات العلو والاستواء للباري جل وعلا
ولتوضيح معنى المباين والمحايث أقول :
المباين والمحايث مبني على تقسيم الموجود إلى قائم بنفسه وقائم بغيره وهذا التقسيم يتضمن واجب الوجود سبحانه حيث أنه القائم بنفسه ضرورة...
فالقائم بغيره من الصفات والأعراض يكون بحيث يكون غيره , فإن الصفات والأعراض تقوم بالمحل الواحد . وأما القائم بنفسه فلا يكون حيث يكون آخر قائما بنفسه بل يجب أن يكون مباينا لغيره , فيكون حيث لا موجود غيره , أو حيث لا قائم بنفسه غيره.
فالقائم بنفسه هو الموجود الذي له ذات يقومه ويمنع غيره أن يكون حيث هو فيكون مباينا له متميزا عنه بذاته وهذا هو المباين .
فكل مباين قائم بنفسه وكل موجود قائم بنفسه مباين فإذا انتفت المباينة ثبت الحلول ضرورة أو ثبت انتفاء الذات ...
أما الموجود القائم بغيره كالعرض والصفة فهو المفتقر إلى ذات تقومه فلا يقوم بنفسه وإنما يقوم بالقائم بنفسه الموصوف يعني يحايثه بمعنى أن يكون حيث هو ،فهذا هو المحايث..
فاذا انقسم الموجود إلى قائم بنفسه وقائم بغيره وكان القائم بنفسه هو المباين والقائم بغيره هو المحايث علم انحصار الموجودات في المباين والمحايث ضرورة فهي إذن قضية ضرورية فطرية وهي محور الكلام ..
هذا وقد نقل الأستاذ فودة في مقدمة ما نقله عن ابن تيمية قوله :
"المقصود أن القول بوجود موجود لا داخل العالم ولا خارجه لم يقل أحد من العقلاء إنه معلوم بالضرورة "
فهذه هي القضية الأساسية يدور حولها الكلام وهي التي طرحها الرازي في أول تأسيسه وشرع في الرد عليها شيخ الإسلام وذكر أنها ولوازما غير ضرورية حيث قال :
" وكذلك سائر لوازم هذا القول : مثل كونه ليس بجسم ولا متحيز ونحو ذلك "
فكيف يقال أن الكلام على إثبات أن الله جسم وأن هذا نص في ذلك وأن القضية الضرورية المذكورة في كلام ابن تيمية هي كون الله جسم ؟؟؟
!!! سبحانك هذا بهتان عظيم
أضف إلى ذلك أن قول ابن تيمية رحمه الله :
" مما يبين أن هذه القضية حق أن جميع الكتب المنزلة من السماء وجميع الأنبياء جاءوا بما يوافقها " ليس من قول ابن تيمية في معرض رده على الرازي أصلا !
وإنما هو منقول من الفتاوى لمعالجة سقط النسخة التي اعتمد عليها الأستاذ فودة .
ولقد ظهر بالرجوع إلى سياق الكلام أن قوله "أن هذه القضية " هي قضية ( المباينة وعلو الله على خلقه ) التي يسميها الأستاذ "جهة" وليست قضية ( أن الله جسم (كما يدعي الأستاذ !
ولذا هذا المقطع من كلامه رحمه الله مسبوق بقول محقق الكتاب : (وقال )
يعني ابن تيمية ، وهذا يعني أن هنا سقط ، وأن هذا منقول عنه من موضع آخر وهو الجزء الخامس صفحة 271 من مجموع الفتاوى ، والأستاذ طبعا لم ينقل هذه الكلمة ليوهم أن السياق هو في الرد على الرازي ، ومع أن لأستاذ يعرف هذا جيدا ،فأنظر لقول الأستاذ :
) ثم قال ابن تيمية في إكمال تعليقه السابق على كلام الرازي ( !!!!
فهذا يدل على إصرارا لأستاذ فودة على الالتفاف على القارئ وإيهامه بكل حيلة أن هذا هو كلام ابن تيمية رحمه الله وأن السياق مازال في الرد على الرازي !!!
- فهذا النص الأول للأستاذ فودة قد أقامه على إيهام بسيط منه بأن الكلام الذي ذكر فيه ابن تيمية أنه قضية ضرورية وان جميع الكتب والأنبياء قد جاءوا بما يوافقه هو ( أن الله جسم ) وقد تبين من الرجوع إلى لسياق أن الكلام ليس على أن الله سبحانه جسم بل الكلام على مسالة مباينة الله سبحانه على خلقه وعلوه عليهم .
وبهذا ينتقض النص الأول لفودة أصلحه الله ويثبت بذلك إما كذبه واحتياله أو جهله وضلاله .
الموحد السلفي
2008-11-05, 14:27
النص الثاني " ما ثم موجود إلا جسم أو قائم بجسم..
ومن الطبيعي أن ما حدث من الأستاذ فودة في النص الأول يجعلنا حذرين يقظين عندما نتناول كلامه بعد ذلك حيث أن إيهام بسيط منه في توجيه الكلام كان كفيلا بأن يخرج لنا نصا صريحا بل ضروريا من ابن تيمية بأن الله جسم !
والمتأمل في هذا العنوان يجد أن الأستاذ فودة لا يريد أن يغفل القارئ عن انه ينقل له نصوصا صريحة على هيئة السؤال والجواب حيث يوحي للقارئ دائما أن إثبات هذا الأمر في منتهى البساطة : هل الله سبحانه وتعالى جسم ؟ فيجيب ابن تيمية : نعم ،،،
هكذا يريد أن يفهم القارئ ، لذا تجده دائما يستعمل كلمة " نص " ولا يقول نقل أو دليل أو كلام بل نصوص صريحة !
هذه هي النفسية الذي يريد أن يكون عليها القارئ حين يقرأ كلمة " نص" !
فإذا حققنا في ما سماه نصا لا نجده نصا ولا قريبا منه كما سبق في النص الأول .
- وطريقة الأستاذ فودة في إيراد ما يسميه نصوصا مكشوفة لمن له أدنى تأمل فهو لا يكتفي بإيراد كلام ابن تيمية كدليل إثبات أو نص صريح كما يزعم ، فهو ابتداءا يقوم بعملية انتقاء لما يظن أنه نص فيستله من سياقه ويجرده من سباقه ولحاقه وليتأمل ( وليرجع القارئ إلى النص الأول كيف بدا ) ثم يقدم له في البداية تقديما طويلا أو مناسبا يوجه فيه القارئ إلى المعنى الذي يريده ثم بعد ذلك يورد جزءا من كلام ابن تيمية ثم يتوقف بالقارئ ليذكره بهذا المعنى الذي قدم به وإن تسبب ذلك في تمزيق النقل وتقطيعه وضياع المعنى الإجمالي الذي من الممكن أن يستفاد منه ، وبعد إيراد بقية النص يختم مرة أخرى بما يؤكد ذلك المعنى ، فهذه هذه حيلته في أكثر النصوص التي ينقلها عن ابن تيمية رحمه الله !
ولعمر الله إن كانت هذه نصوصا واضحة كما يزعم الأستاذ فعلام كل هذا الحشو قبل النص وفي ثناياه وبعده ؟ !
ألا يثق الأستاذ فودة بفهم القارئ أم أن النصوص التي يزعمها ليست نصوصا صريحة ؟!
ولكي لا يطول الكلام ننتقل إلى النص الثاني من نصوص الأستاذ فودة :
فبعدما يلمع الأستاذ فودة العنوان بكلمة نص ويقوم بالمقدمة الاستباقية ينقل عن ابن تيمية قوله :
(وهؤلاء وغيرهم لا يسلمون للفلاسفة إمكان وجود ممكن لا هو جسم ولا قائم بجسم بل قد صرح أئمتهم بأن بطلان القسم الثالث معلوم بالضرورة بل قد بين أبو محمد عبدالله بن سعيد بن كلاب إمام الصفاتية كأبي العباس القلانسي وأبي الحسن الأشعري وأبي عبدالله بن مجاهد وغيرهم من انحصار الموجودات في المباين والمحايث وأن قول من أثبت موجودا غير مباين ولا محايث معلوم الفساد بالضرورة مثل ما بين أولئك انحصار الممكنات في الأجسام وأعراضها وأبلغ
وطوائف من النظار قالوا ما ثم موجود إلا جسم أو قائم بجسم إذا فسر الجسم بالمعنى الاصطلاحي لا اللغوي كما هو مستقر في فطر العامة وهذا قول كثير من الفلاسفة أو أكثرهم وكذلك أيضا الأئمة الكبار كالإمام أحمد في رده على الجهمية وعبد العزيز المكي في رده على الجهمية وعبد العزيز المكي في رده على الجهمية وغيرهما بينوا أن ما ادعاه النفاة من إثبات قسم ثالث ليس بمباين ولا محايث معلوم الفساد بصريح العقل وأن هذه من القضايا البينة التي يعلمها العقلاء بعقولهم
وإثبات لفظ الجسم ونفيه بدعة لم يتكلم به أحد من السلف والأئمة كما لم يثبتوا لفظ التحيز ولا نفوه ولا لفظ الجهة ولا نفوه ولكن أثبتوا الصفات التي جاء بها الكتاب والسنة ونفوا مماثلة المخلوقات)
وعلى ما سبقت الإشارة اليه فقد قام الأستاذ فودة بابتداء النص من بداية منتقاه ثم قام بتقطيع النص إلى ثلاث قطع حتى يذهب المفهوم الكلي المترابط الذي قد ينقدح في ذهن القارئ بمجرد قراءته للنص كاملا ...
فيبقى الكلام أسير توجيه الأستاذ فودة لكل مقطع فلا يخرج عن المسار الذي حدده له ، وهذا بالاستقراء يفعله عند كل نقل يزعم أنه واضح وصريح جدا على تجسيم ابن تيمية .!
وإذا تأملنا النص كاملا من غير تعليق الأستاذ أو تقطيعه نجد أنه الكلام في أصله يرجع إلى ما كان عليه الكلام في النص الأول حيث أن السياق واحد والموضوع واحد يدور حول مسالة واحدة وهي انحصار الموجودات في المباين والمحايث ونفي وجود موجود لا مباينا ولا محايثا ...
وهذا يتضح بالرجوع إلى سياق الكلام من بدايته حيث قال رحمه الله :
(وقال الشيخ :قالت المثبتة إنما أثبته هؤلاء المتفلسفة من موجودات ممكنة ليست أجساما ولا أعراضا قائمة بالأجسام كالعقل والنفس والهيولى والصورة التي يدعون أنها جواهر عقلية موجودة خارج الذهن ليست أجساما ولا أعرضا لأجسام فإن أئمة أهل النظر يقولون إن فسادها هذا معلوم بالضرورة كما ذكر ذلك أبو المعالي الجويني وأمثاله من أئمة النظر والكلام)
ومعنى (قال الشيخ كذا ) فالمقصود بالشيخ هنا ابن تيمية رحمه لله وهذا يعني أن المحقق للكتاب ينقل هذا الكلام من موضع آخر ليعالج به سقطا قد حصل في هذا الموضع من الكتاب ...
وقوله قالت المثبتة يقصد بهم متكلمة أهل الإثبات الذين يعارض بهم ابن تيمية قو الرازي على ما سبق بيانه في المقدمة الأولى والثانية ...
وما أثبته الفلاسفة هو وجود موجود ممكن ليس بجسم ولا قائم بالجسم ويزعمون أنها العقول والأرواح والهيولي...
وقد رد عليهم أئمة أهل النظر وقالوا بامتناعه كابي المعالي الجويني وأمثاله
ثم قال رحمه الله :
( ومن لم يهتد لهذا كالشهرستاني والرازي والآمدي ونحوهم فهم ناظروا الفلاسفة مناظرة ضعيفة ولم يثبتوا فساد أصولهم كما بين ذلك أئمة النظر الذين هم أجل منهم وسلم هؤلاء الفلاسفة مقدمات باطلة استزلوهم بها عن أشياء من الحق بخلاف أئمة أهل النظر كالقاضي أبي بكر وأبي المعالي الجويني وأبي حامد الغزالي وأبي الحسين البصري وأبي عبدالله بن الهيصم الكرامي وأبي الوفاء علي بن عقيل ومن قبل هؤلاء مثل أبي علي الجبائي وابنه أبي هاشم وأبي الحسين الأشعري والحسن بن يحيى النوبختي ومن قبل هؤلاء كأبي عبدالله محمد بن كرام وابن كلاب وجعفر بن مبشر وجعفر بن حرب وأبي إسحاق النظام وأبي الهذيل العلاف وعمرو بن بحر الجاحظ وهشام الجواليقي وهشام بن الحكم وحسين بن محمد النجار وضرار بن عمرو الكوفي وأبي عيسى محمد بن عيسى برغوث وحفص الفرد وغير هؤلاء ممن لا يحصيهم إلا الله من أئمة أهل النظر والكلام فإن مناظرة هؤلاء للمتفلسفة خير من مناظرة أولئك...)
وهذا عرض وتقييم من ابن تيمية بين هؤلاء النظار في هذه المسالة (مسالة انحصار الموجودات في المباين والمحايث )
ثم قال رحمه الله ( وهؤلاء وغيرهم لا يسلمون للفلاسفة إمكان وجود ممكن لا هو جسم ولا قائم بجسم بل قد صرح أئمتهم بأن بطلان القسم الثالث معلوم بالضرورة )
ثم قال رحمه الله : (بل قد بين أبو محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب إمام الصفاتية (وغيره ) كأبي العباس القلانسي وأبي الحسن الأشعري وأبي عبد الله بن مجاهد وغيرهم من انحصار الموجودات في المباين والمحايث)
فهذه هي أصل المسالة التي يدور حولها الكلام مسالة واحدة وموضوع واحد والذي يحاول الأستاذ فودة أن يستل منه نصوصا كثيرة ...
وهي مسالة انحصار الموجودات في المباين والمحايث وما يلزم من ذلك على مذهب النفاة
أما قول ابن تيمية:
" وطوائف من النظار " فيقصد بهم بعض من سبق ذكرهم فيما نقلناه عنه كبعض منظري الكرامية وغيرهم ....
- فمن ذكرهم ابن تيمية رحمه الله من النظار واحتج بهم في مقابلة قول الرازي بوجود موجود لا محايث ولا مباين - هم على حسب ما ذكرنا في المقدمة الثانية - منهم من ينفي الجسمية ويثبت المباينة..
- ومنهم من يثبت الجسمية ويثبت معها المباينة .
وابن تيمية يرد على الرازي والفلاسفة إدعاءهم بوجود موجود لا مباين ولا محايث بأقوال هؤلاء النظار.
وأما قول من قال : "ما ثم موجود إلا جسم أو قائم بجسم " فهو بناءا على اصطلاحهم في معنى الجسم بأنه الموجود القائم بنفسه الحامل للصفات حيث قالوا : أن الله سبحانه موصوف قطعا بهذه الصفات فهو إذن جسم ، ولكن لما كانت حقيقة ذاته سبحانه وتعالى مخالفة لحقائق ذوات المخلوقات وصفاتهم وأعراضهم فهو جسم لا كالأجسام كما أنه موجود لا كالموجودات وشيء لا كالأشياء وموصوف لا كالموصوفات وعليه فلا يكون موجود إلا جسما أو قائما بجسم ...
فهذا هو اصطلاح هؤلاء في وصفهم الله سبحانه وتعالى بأنه جسم وما بنوه على ذلك من انحصار الموجودات في الجسم والقائم بالجسم فهو على ما قرروه في هذا الاصطلاح.
- فانحصارا لموجودات بالمباين والمحايث عند من ينفي أن الله جسم هو كانحصاره بالجسم والقائم بالجسم عند من يثبت أن الله جسم فالخلاف بينهما لفظي بناءا على اصطلاحهم السابق في معنى الجسم... وهذا ما ذكرته في المقدمة الثانية .
- وهذه المسالة هي مدخل الأستاذ فودة في نسبة الأقوال إلى ابن تيمية والتلبيس على أتباعه ، فإنه يتجاهل هذا الاصطلاح تماما ويستعمل كلمة الجسم والتجسيم مطلقا ليوهم القارئ أن الكلام حول الجسم بمعناه الذي يفسره هو لا باصطلاح هؤلاء النظار ،ثم بعد ذلك ينسب هذا الكلام لابن تيمية معتبرا أهل الإثبات هم أهل الحق عنده .
- وقوله إذا فسر الجسم بالمعنى الاصطلاحي لا اللغوي فيه استبعاد قصد المعنى اللغوي عند هؤلاء النظار حيث أن المعنى اللغوي للجسم هو الجسد والجسمان والبدن وهذا لا يقولون به ، واستبعاده هنا دليل على عدم قصده ضرورة .
أما المعنى الاصطلاحي للجسم فمختلف فيه بين أهل الكلام فمن سبق ذكرهم من طوائف النظار الذين يفسرون الجسم بالموجود القائم بنفسه الحامل للصفات - وهؤلاء يجتهد الأشاعرة في التحقير منهم وعدم اعتبار قولهم قولا معتبرا في تفسير الجسم رغم أن المسألة لديهم مجرد اصطلاح كما هي عند الاشاعرة وبقية أهل الكلام لا يستندون في اصطلاحهم هذا إلى لغة العرب أو ألفاظ الشريعة -
أما الآخرون من أهل الكلام فيصطلحون على اصطلاحات آخري مختلفة :
فمنهم من يفسر الجسم بالمركب المؤلف
ومنهم من يفسره بالمتحيز الممتد في الأبعاد ولو في جهة واحدة
ومنهم من يفسره بالمركب من الجواهر المفردة .
ومنهم من يقول الجسم : هو المركب من الأعراض فقط .
ومنهم من يقول الجسم هو المركب من الهيولي والصورة كما تقوله الفلاسفة وغيرهم .
وجميعهم متفقون على أن الجسم هو المشار إليه بأنه هنا أو هناك .
- والخلاف بينهم في ذلك كبير ليس في معاني الجسم فقط بل في تفسير هذه المصطلحات التي قد يبدوا للناظر فيها أنهم يتفقون في استعمال بعضها كلفظ التركيب والتحيز وفرض الأبعاد أو حصولها إلى غير ذلك مما سبق بيانه في المبحث السابق .
وبناءا على ما سبق فمن يتعرض للفظ الجسم نفيا وإثباتا فهو بناء على ما اصطلحه فيه من معنى .
- وقول ابن تيمية أن طوائف من النظار قالوا : ما ثم موجود إلا جسم أو قائم بجسم صحيح حيث أنهم يثبتون بلفظ الجسم هذه المعاني الصحيحة الفطرية ..
- وقوله : )مما هو مستقر في فطر العامة ..) حيث أنهم أثبتوا هذه المعاني الصحيحة والمسلزمة لما في فطرهم من وجوب مباينة الله سبحانه وعلوه على خلقه وإن نوزعوا في جواز إطلاق هذا اللفظ .ودلالته ابتداءا على هذه المعاني ...
وهذا الكلام نظير قوله في موضع آخر حيث قال رحمه الله :
(ووجود موجود لا في جهة وجودية ولا جهة عدمية ممتنع عندهم في صريح العقل. ثم إن قول هؤلاء موافق لما عليه بنو آدم من الفطرة موافق لما جاء به الكتاب والسنة، وإجماع سلف الأمة وأئمتها.)
فالمسالة في أصلها هي قضية المباينة والمحايثة وامتناع وجود موجود لا في جهة وهذا يؤكده قوله في نهاية النقل :
(وكذلك أيضا الأئمة الكبار كالإمام أحمد في رده على الجهمية وعبد العزيز المكي في رده على الجهمية وغيرهما بينوا أن ما ادعاه النفاة من إثبات قسم ثالث ليس بمباين ولا محايث معلوم الفساد بصريح العقل وأن هذه من القضايا البينة التي يعلمها العقلاء بعقولهم ).
فقوله " بينوا أن ما ادعاه النفاة من إثبات قسم ثالث ليس بمباين ولا محايث معلوم الفساد.."
فيه رد على الأستاذ فودة في أن ابن تيمية ينسب للإمام أحمد القول بأن الموجود إما جسم أو قائم بالجسم فهذا كلام باطل لا أساس له بل حيلة مكشوفة أراد بها أن يرقع بها كذبه الصريح حيث نسب هذا النص إلى ابن تيمية على أنه من قوله هو كما سيأتي .
وما أشار إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن الإمام أحمد قد ذكره في موضع أخر من نفس الكتاب حيث قال : ( واحمد رحمه الله ذكر ما يعلم بضرورة العقل من انه اذا كان فيه وليس بمباين فانه لا بد أن يكون مماسا له فانه لا يعقل كون الشيء في الشيء الا مماسا له او مباينا له فانه لما كان خطابه مع الجهمية الذين يقولون انه في كل مكان ذكر انه لا بد من المماسة او المباينة على هذا التقدير وهو تقدير المحايثة فان اولئك لم يكونوا ينكرون دخوله في العالم وانما ينكرون خروجه وذكر دعوى الجهمية بنفي هذين النقيضين قال فقلنا اذا كان غير مباين اليس هو مماس قال لا قال فكيف يكون في كل شيء غير مماس يقول احمد ان هذا لا يعقل فكيف يكون ذلك وذكر ان الخصم لم يحسن الجواب عن ذلك فانه لا يمكنه ان يذكر ما يعقل كونه في كل شيء وهو مع ذلك غير مماس فلما كان هذا غير معقول لجأ الخصم الى ان قال بلا كيف قال احمد رحمه الله فخدع الجهال بهذه الكلمة موه عليهم )
ثم قال رحمه الله :
( وهذا الذي ذكره الامام احمد هو كما ذكرناه على كلام هذا المؤسس ( الرازي) ونحوه من أنهم يدعون بالعقل مالا يقبله العقل بل يرده كدعواهم وجود موجود لا داخل العالم ولا خارجه كما قال اخوانهم بوجود موجود في العالم لا مباين العالم ولا مماس له ثم ان صنف المؤسس وهذا الصنف الآخر كل منهما يقول بأن الالهيات تثبت على خلاف ما يعلمه الناس وتثبت بلا كيفية ويدعون ذلك فيما يثبتونه بالعقل والعقل نفسه لا يقبل ما يقولونه بل يرده بضرورته وفطرته فضلا عن قياسه ونظره )
فإذا تأملت هذا تبين لك وجه استدلال ابن تيمية بكلام الإمام أحمد رحمه الله وأنه في نسبة امتناع موجود يوصف بأنه لا مباين ولا مماس فكلام ابن تيمية هنا صحيح موافق لما في الموضع الأول وقد قال فيالنقل السابق : (بينوا أن ما ادعاه النفاة من إثبات قسم ثالث ليس بمباين ولا محايث معلوم الفساد..) فالكلام حول مسالة المباينة والمحايثة وليس له أي صلة بمسالة الجسم كما يفتري فودة .ولكن الأستاذ فودة يحاول أن يشغب على من لا دراية له بكلام شيخ الإسلام ويريد بذلك أن يجد لنفسه مبررا لكذبه الصريح على شيخ الإسلام رحمه الله .
أما مانسبهابن تيمية رحمه الله لعبد العزيز المكي فهو في كتابه الرد علىالجهمية وقد ذكره رحمه الله في موضع آخرمن كتاب بيان التلبيس وهو أيضا لا صلة له بمسالة الجسم كما يزعم هذا الأستاذ المحتال حيث قال رحمه الله : (وقال عبد العزيز الكناني في رده على الجهمية بعد ان بين انه على العرش وأجاب عما احتجوا به ثم قال ولكن يلزمك انت ايها الجهمي ان تقول ان الله عز و جل محدود حوته الاماكن اذ زعمت في دعواك انه لا يعقل شيء في مكان الا والمكان قد حواه كما تقول العرب فلان في البيت والماء في الجب والبيت قد حوى فلانا والجب قد حوى الماء ويلزمك اشنع من ذلك لأنك قلت افضع مما قالت به النصارى وذلك أنهم قالوا ان الله حل في عيسى وعيسى بدن انسان واحد وكفروا بذلك وقيل لهم ما أعظمتم الله تعالى اذ جعلتموه في بطن مريم وانتم تقولون انه في كل مكان وفي بطون النساء كلهن وبدن عيسى وابدان الناس كلهم ويلزمك ايضا ان تقول انه في اجواف الكلاب والخنازير لأنها أماكن وعندك انه في كل مكان تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا
فلما شنعت مقالته قال اقول ان الله في كل مكان لا كالشيء في الشيء ولا كالشيء على الشيء ولا كالشيء مع الشيء خارجا عن الشيء ولا مباينا للشيء يقال له أن اصل قولك القياس والمعقول فقد دللت بالقياس والمعقول على انك لا تعبد شيئا لأنه اذا كان شيئا ما خلا في القياس والمعقول ان يكون داخلا في الشيء او خارجا عنه فلما لم يكن في قولك شيئا استحال ان يكون كالشيء في الشيء او خارجا عن الشيء فوصفته لعمري ملتبسا لا وجود له وهو دينك وأصل مقالتك التعطيل) بيان التلبيس صـ 2/558
فالمسالة التي يدور حولها الكلام هي مسالة المباينة والمحايثة لا مسالة الجسم وان الله سبحانه وتعالى جسم وذكر طوائف النظار الذين قالوا ما ثم موجود إلا الجسم أو قائم بجسم قدر ذكر في سياق إبطال قول الرازي بوجود موجود لا مباين ولا محايث وهؤلاء النظار لهم اصطلاحهم الخاص في معنى الجسم وابن تيمية ذكرهم كما ذكر من قبلهم من النظار واحتج بأقوالهم قبل هؤلاء وهم ممن ينفي الجسمية كابي سعيد ابن كلاب والقلانسي وغيرهم من أئمة الاشاعرة ومتقدميهم .
-فإذا تبين مع كل ما سبق أن هذا النقل كالذي قبله ليس من كلام ابن تيمية في كتاب بيان التلبيس الذي يرد فيه على الرازي وإنما هو من كلامه في موضع آخر من فتاويه وبالتحديد من مجموع الفتاوى الجزء الخامس صفحة 295 وقد نقله المحقق للكتاب ليعالج السقط الحادث في الكتاب ولذا تجده يصدر الكلام بقوله : ( قال الشيخ ) التي يتجاهلها الأستاذ في كل مرة ليدل على تحقيقه الواسع ونزاهته في النقل !!!
فما يعنيه شيخ الإسلام من كون الناس مفطورة عليه هو معاني الجسم الاصطلاحي المستلزمة لعلو الله سبحانه وتعالى ومباينته لخلقه وهذا ما نقله عن طوائف النظار الذين قالوا ما ثم موجود إلا جسم أو قائم بجسم وأن الله جسم لا كالأجسام وقصدوا به الموجود القائم بنفسه البائن عن خلقه الذي ترفع إليه اليد في الدعاء إشارة إلى علوه على خلقه واستوائه على عرشه...
وكل هذه المعاني الفطرية الضرورية هو ما ذكر ابن تيمية أن فطر العامة عليها مستقرة إلا أن إطلاق لفظ الجسم لا يدل على هذ المعاني من جهة اللغة ولا من جهة الشرع ولذلك قد نبه ابن تيمية على تبديع إطلاقه واستعماله وعدم دلالته على هذه المعاني...
قال رحمه الله 6/547 من المجموع :
(.... فيقال له الكلام في وصف الله بالجسم نفيا وإثباتا بدعة لم يقل أحد من سلف الأمة وأئمتها أن الله ليس بجسم كما لم يقولوا أن الله جسم بل من أطلق أحد اللفظين استفصل عما أراد بذلك فإن في لفظ الجسم بين الناطقين به نزاعا كثيرا فإن أراد تنزيهه عن معنى يجب تنزيه عنه مثل أن ينزهه عن مماثلة المخلوقات فهذا حق. ولا ريب أن من جعل الرب جسما من جنس المخلوقات فهو من أعظم المبتدعة ضلالا دع من يقول منهم أنه لحم ودم ونحو ذلك من الضلالات المنقولة عنهم وإن أراد نفي ما ثبت بالنصوص وحقيقة العقل أيضا مما وصف الله ورسوله منه وله فهذا حق وإن سمي ذلك تجسيما أو قيل إن هذه الصفات لا تكون إلا لجسم فما ثبت بالكتاب والسنة وأجمع عليه سلف الأمة هو حق وإذا لزم من ذلك أن يكون هو الذي يعنيه بعض المتكلمين بلفظ الجسم فلازم الحق حق كيف والمثبتة تقول إن ثبوت هذا معلوم بضرورة العقل ونظره وهكذا مثبت لفظ الجسم إن أراد بإثباته ما جاءت به النصوص صوبنا معناه ومنعناه عن الألفاظ المبتدعة المجملة وإن أراد بلفظ الجسم ما يجب تنزيه الرب عنه من مماثلة المخلوقات رددنا ذلك عليه وبينا ضلاله وإفكه وأما قوله نقلنا الكلام معه إلى إبطال التجسيم فقد ذكرنا أدلة النافين والمثبتين مستوفاة في بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية وتبين لكل من له أدنى فهم أن ما ذكره هؤلاء من أدلة النفي كلها حجج داحضة وأن جانب المثبتة أقوى)
وخلاصة القول أن الأستاذ فودة يصور كذبا وتدليسا على القارئ أن القضية الأساسية التي عليها محور الكلام هي قضية " أن الله جسم " وان ابن تيمية يقول بأن هذا مستقر في فطر العامة وأن هذا ما عليه الأئمة الكبار ...
- وعند التحقيق في النص المذكور والنظر في سياقه الذي قطعه الأستاذ تقطيعا وحشاه حشوا تبين أن القضية التي عليها أصل الكلام هي قضية المباينة والمحايثة وانحصار الموجودات فيهما وعلو الله على خلقه ،وأنه ليس ثمة موجود إلا الخالق والمخلوق وان كلاهما أن يكون متميزا عن الآخر بذاته مباين له غير محايث ...
والله المستعان
*************
- ومما هو لصيق بهذا النص أن يقال بإن الأستاذ فودة قد وقع في الكذب الصريح على شيخ الإسلام رحمه الله حيث قال في صـ 30 من كتابه الكاشف (وابن تيمية يصر في كثير من كتبه على أنه لا يوجد موجود مطلقا إلا أن يكون جسما أو قائما بجسم وهذا الحكم يطلقه عاما شاملا للمخلوقات والخالق فقال في التأسيس 1/9 : ( ما ثم موجود إلا جسم أو قائم بجسم ) !!!
- ولكن الله سبحانه وتعالى أوقعه في شراك نفسه بنفسه ليوقف القارئ على سوء طويته وكذبه فأتي بهذا النص منسوبا إلى قائله على لسان ابن تيمية حيث نقل عن ابن تيمية قوله :
((وطوائف من النظار قالوا ما ثم موجود إلا جسم أو قائم بجسم )) .
فتبين كذبه الصريح في أول كتابه المشئوم فبئس شيمة العبد الكذب.
ولما حوقق في ذلك ووجه بالنص الصحيح تبجح وزعم بأن ابن تيمية له من النصوص الكثيرة ما في هذا المعنى وزيادة وأن نسبة هذا القول له لا بأس به وهو كنسبته للإمام أحمد مع الفارق !!!
ثم اخرج ملفا ملونا ومكبرا ومتراقصا يظن أنه يستر به سوءته التي كشفها بنفسه ولكن هيهات ،،فمن له أدنى عقل لا يشك أن إيراد الكلام ونسبته لابن تيمية بهذه الصورة الفاضحة ليس له وجه إلا الكذب والافتراء وما يحمله من سوء النية وخبث الطوية . ولا أدري كيف يقنع أتباعه بهذا الهراء؟!
فمهما كان لابن تيمية من عبارات تحمل هذا المعنى أو غيره فهل هذا مسوغ لك يا أستاذ فودة أن تكذب عليه صراحة وتنسب إليه ما يحكيه عن غيره ؟ !
ثم تستحل هذا الكذب بهذه الحجة الممجوجة !
علما بأن هذا الملف الملون الجميل الذي أخرجه ليستر سوءته مملوء هو الأخر بالكذب والتدليس ككتابه الكاشف ، حيث زعم أن اصطلاح المتكلمين وأهل النظر في معنى الجسم واحد وأنهم جميعا يصطلحون على أنه هو ذو الأبعاد الثلاثة الطول والعرض والارتفاع وهذا من الكذب والتلبيس على من لا يعلم حقائق هذه المسائل ويطلع على أقوال أهل المقالات .
فإن أهل الكلام ليسوا على اصطلاح واحد في معنى الجسم ويكفي في إثبات ذلك الرجوع إلى ما ذكره الأشعري في المقالات وما ذكره الإيجي في المواقف ولنا ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله في ذكر طوائف النظار من أهل الكلام الذين قالوا بإن الجسم هو الموجود القائم بنفسه الموصوف المشار إليه ، فهؤلاء قسيم من يفسر الجسم بما ذكره الأستاذ فودة من أهل الكلام وهم مع ذلك طوائف كثيرة متنازعة ...
فإذا ذكر قول هؤلاء النظار فلابد أن يستحضر أنهم مخالفون لأهل الكلام في الاصطلاح على معنى الجسم وأنهم إنما يفسرونه بمعان صحيحة فطرية وضرورية رغم اعتراض ابن تيمية عليهم في دلالة هذا اللفظ على هذه المعاني وعلى جواز إطلاق هذا اللفظ على الله سبحانه في غير ما موضع من كتبه ، ولكن في الجملة فهم طائفة من طوائف أهل الكلام اصطلحوا على معان للفظ اصطلح غيرهم على خلافها ...
فإذا تبين ذلك تبين معه تدليس الأستاذ فودة على أتباعه حيث أوهمهم أن تعريف الجسم بالمركب المتحيز ذي الأبعاد الثلاثة الطول والعرض والارتفاع هو ما يقصده طوائف النظار الذين نقل عنهم ابن تيمية بقولهم بأن ما ثم موجود إلا جسم أو قائم بجسم ،وعليه فيكون معنى الكلام أنه ليس موجود إلا المركب ذي الأبعاد الثلاثة الطول والعرض والارتفاع وما يقوم به من الأعراض والصفات !
وهذا كما سبق كذب وتدليس يضاف إلى رصيد الأستاذ فودة ..
الموحد السلفي
2008-11-05, 14:28
النص الثالث: الله جسم ظاهرا وباطنا
بدأ الأستاذ بالمقدمة الاستباقية كالعادة ليهيئ القارئ للمعنى الذي يريد أن يحمله عليه ، فبدأ بتلخيص موقف ابن رشد من الجسمية فذكر أن ابن رشد يعتقد نفي الجسمية في الباطن وفي حقيقة الأمر بالأدلة العقلية ولكنه في الظاهر قد يقول بخلاف ما في باطنه لأن العوام لا تستوعب ذلك فلا يمكن التصريح لهم به فينبغي أن لا تنفى الجسمية عند العوام لان ظاهر النصوص يوحي بالجسمية وأيضا فإن العامي لا يعرف موجودا ليس جسما لعدم وجود ذلك في الشاهد .
وما ذكره الأستاذ فودة صحيح في الجملة لكنه أغمط الرجل حقه ووصفه بأوصاف توهم بأن مثل الأستاذ فودة المتعالم له أن يقيم مثل ابن رشد العالم !!
فابن رشد الحفيد عالم فقيه من أكابر علماء المالكية في وقته وهو أيضا مجتهد في المذهب له من لكتب ما يدل على فقهه وعلمه وشهادة العلماء له بذلك معلومة ومع ذلك فقد اشتغل بالفلسفة أو ما يسمونها بالحكمة حتى عد من حذاق الفلاسفة في عصره وما يحاوله الأستاذ من الانتقاص من قدره في علم الشريعة أو الفلسفة أو اختزال موقفه من الاشاعرة خاصة وأهل الكلام عامة في موقف شخصي عدائي من الأشاعرة هو من أوهام الأستاذ فودة فقط وهذا تصويره المعروف والمعتاد لكل من ينتقض مذهب الاشاعرة حتى وصل الحال به أن يتكلم في أعلام الأمة وأئمتها وينتقص من أقدارهم ومن منازلهم لأجل أنهم يخالفون مذهبه المتهاوي ، وليخيل للقارئ أن المسالة عند ابن رشد وغيره لا تقوم على أساس علمي أو برهاني بل على موقف شخصي عدائي من الاشاعرة !
وهذا ما ترده سيرة هذا العالم (ابن رشد) وما سطره العلماء عنه من علو شانه في هذه العلوم والدراسات لا تكاد تحصى في دراسة منهجه وطريقته التي يعدها ا لباحثون مدرسة مستقلة في هذا الشأن .
ومهما كان الأمر فإن ما يهمنا هو بيان التلبيس الذي يقوم به الأستاذ فودة في تصوير أن ابن رشد يثبت الجسمية في الظاهر ولا ينفيها في الباطن وان ابن تيمية يقره على إثباتها في الظاهر ويخالفه بضرورة إثباتها أيضا في الباطن !!!
- وهذا كما سيأتي كذب صريح من الأستاذ فودة أصلحه الله وهداه
- فإن ابن رشد الحفيد يفصل بين موقفين ونظرتين مختلفتين في مسالة الجسمية :
- موقف الفلاسفة أو موقفه هو كفليسوف فإنه قد توصل بما يسميه البرهان أن الله سبحانه وتعالى ليس بجسم لقيام الدليل في الشاهد على وجود موجود ليس بجسم وهي النفس أو الروح .
-وموقف الشريعة الذي يقرره من هذا اللفظ حيث يرى أن الواجب في هذه الصفة أن يجري فيها على منهاج الشرع فلا يصرح فيها بنفي ولا إثبات ويجاب من سأل عن ذلك من الجمهور بقوله تعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ....
فنحن أمام نظرتين إذن :
نظرة فيلسوف فلسفية مدعمة بما يدعيه من البرهان بأن الله ليس بجسم .
ونظرة شرعية مدعمة بنصوص الشريعة بأن الواجب السكوت وعدم التعرض لهذا اللفظ بالنفي والإثبات .
ولا شك أن هاتين النظرتين متعارضتين ...
ولا شك أيضا أن ابن رشد والأستاذ فودة وأهل الكلام وكل من تكلم بهذه الألفاظ المحدثة قد خالف ما ذكره ابن رشد من موقف الشريعة من هذا اللفظ أو هذه الصفة ولكن ابن رشد يرى أن ثمة اتصال وتوافق بين الحكمة والشريعة فهو يحاول أن يوفق بين الموقفين من وجهة نظره أما الأشاعرة وأهل الكلام فتزعم أن هذا النفي هو الواجب في حق الله سبحانه بل هذا هو الموقف الشرعي التي دلت عليه نصوص الشريعة .
وأيا كان موقف ابن رشد من محاولة التوفيق بين النظرتين كما قرر ذلك في كتاب فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة من الاتصال وغيره فالذي يهمنا هو نظرته كفقيه وعالم شرعي يقرر بوضوح موقف الشريعة من السكوت وعدم التعرض لهذا اللفظ بنفي أو إثبات في حق الله عز وجل .
- أما ما ذكره ابن رشد من أن ظواهر النصوص تدل على الجسمية أو أنها أقرب لإثبات هذه الصفة منه إلى نفيها فهذا بحسب تفسيره للجسم على اصطلاح الفلاسفة وهذا يشترك فيه مع أهل الكلام فهم يقررون أن التمسك بظواهر هذه النصوص يلزم منه التجسيم ولذا تجدهم في تخبط تام تجاه هذه النصوص فمنهم مؤول لها ومنهم مفوض مع اتفاقهم أن المعنى المستفاد من الظاهر غير مراد لأنه يدل على التجسيم بزعمهم .
ويرى ابن رشد أن مخاطبة العامة لا يكون إلا بما دلت عليه نصوص الشريعة لأنها أقرب إلى فطرهم في إثبات الموجودات الغائبة على وفق ما يشاهدونه ولان مخاطبة العامة بما عليه الفلاسفة وغيرهم من أهل الكلام قد يكون مدعاة لتكذيب الشريعة.
- ولنا في هذا شهادة من ابن رشد بأن صفة الجسمية التي يدندن حولها الأستاذ وغيره قد شهد هذا العالم بأنه مسكوت عنها في الشريعة وهذا يعني عدم التعرض لإثباتها أو نفيها ،مما ينفي زعم الأستاذ وشيعته تفرد ابن تيمية بهذا التقرير.
- ومما نؤكده هنا أن التجسيم المقصود في كلام ابن رشد هو المعنى بإثبات اليد والوجه والقدم وغيرها من الصفات الخبرية لا بمعنى التركيب والتحيز وفرض الأبعاد فإن هذه المعاني يجعلونها لازمة لإثبات هذه الصفات والأستاذ فودة يحاول دائما عند ذكر لفظ الجسم أو التجسيم أن يحشر هذه المعاني في ثنايا كلامه كي يوهم القارئ بان الحسم المذكور في الكلام هو على هذا المعنى !
- وهذه النكتة من يفهمها جيدا فقد فهم مراد ابن تيمية من تعليقه على كلام ابن رشد كما سيأتي
- ولننقل كلام ابن تيمية من أوله حتى يقف الجميع على سياقه وما حاول الأستاذ جاهدا إخفاءه :
قال ابن رشد :
( ..فإن قيل فما تقول في صفة الجسمية هل هي من الصفات التي صرح الشرع بنفيها عن الخالق أو هي من الصفات المسكوت عنها فنقول إنه من البين من أمر الشرع أنها من الصفات المسكوت عنها وهي إلى التصريح بإثباتها في الشرع أقرب منها إلى نفيها وذلك أن الشرع قد صرح بالوجه واليدين في غير ما آية من الكتاب العزيز وهذه الآيات قد توهم أن الجسمية هي له من الصفات التي فضل فيها الخالق المخلوق كما فضله في صفة القدرة والإرادة وغير ذاك من الصفات التي هي مشتركة بين الخالق والمخلوق إلا أنها في الخالق أتم وجودا ولهذا صار كثير من أهل الإسلام إلى أن يعتقدوا في الخالق أنه جسم لا يشبه سائر الأجسام وعلى هذا الحنابلة وكثير ممن تبعهم والواجب عندي في هذه الصفة أن يجري فيها على منهاج الشرع فلا يصرح فيها بنفي ولا إثبات ويجاب من سأل عن ذلك من الجمهور بقوله تعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وينهى عن هذا السؤال
وذلك لثلاثة معان أحدها :
أن إدراك هذا المعنى ليس هو قريبا من المعروف بنفسه برتبة واحدة ولا برتبتين ولا ثلاثة وأنت تتبين ذلك من الطريق التي سلكها المتكلمون في ذلك فإنهم قالوا إن الدليل على أنه ليس بجسم أنه قد تبين أن كل جسم محدث وإذا سئلوا عن الطريق التي بها يوقف على أن كل جسم محدث سلكوا في ذلك الطريق التي ذكرناها في حدوث الأعراض وأن مالا يتعرى من الحوادث حادث وقد تبين لك من قولنا أن هذه الطريقة ليست برهانية ولو كانت برهانية لما كان في طباع الغالب من الجمهور أن يصلوا إليها
وأيضا فإن ما يصفه هؤلاء القوم من أنه سبحانهله ذات وصفات زائدة على الذات يوجبون بذلك أنه جسمأكثر مما ينفون عنه الجسميةبدليل انتفاء الحدوث عنه فهذا هو السبب الأول في أنه لم يصرح الشرع بأنه ليس بجسم .
وأما السبب الثاني :
فهو أن الجمهور يرون أن الموجود هو المتخيل والمحسوس وأن ما ليس بمتخيل ولا محسوس فهو عدم فإذا قيل لهم إن ها هنا موجودا ليس بجسم ارتفع عنهم التخيل فصار عندهم من قبيل المعدوم ولا سيما إذا قيل إنه لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوق ولا أسفل ولهذا اعتقدت الطائفة الذينأثبتوا الجسمية في الطائفة التي تنفيها عنه سبحانه أنها مثبتة واعتقدت الذين نفوها في المثبتة أنها مكثرة
وأما السبب الثالث :
فهو أنه إذا صرح بنفي الجسمية عرضت في الشرع شكوك كثيرة مما يقال في المعاد وفي غير ذلك فمنها ما يعرض من ذلك في الرؤية التي جاءت بها السنة الثابتة وذلك أن الذين صرحوا بنفيها أي بنفي الجسمية فرقتان المعتزلة والأشعرية فأما المعتزلة فدعاهم 2 هذا الاعتقاد إلى أن نفوا الرؤية وأما الأشعرية فأرادوا أن يجمعوا بين الأمرين فعسر ذلك عليهم ولجئوا في الجمع إلى أقاويل سوفسطائية سنرشد إلى الوهم الذي فيها عند الكلام في الرؤية .
ومنها :
أنه يوجب انتفاء الجهة من بادي الرأي عن الخالق سبحانه كونه ليس بجسم فترجع الشريعة متشابهة وذلك أن بعث الأنبياء ابتنى على أن الوحي نازل عليهم من السماء وعلى ذلك انبنت شريعتنا هذه أعني أن الكتاب العزيز نزل من السماء كما قال تعالى إنا أنزلناه في ليلة مباركة وابنبنى نزول الوحي من السماء على أن الله في السماء وكذلك كون الملائكة تنزل من السماء وتصعد إليها كما قال إليه يصعد الكلم الطيب وقال تعرج الملائكة والروح إليه وبالجملة جميع الأشياء التي تلزم القائلين بنفي الجهة على ما سنذكره بعد عند التكلم في الجهة
ومنها أنه إذا صرح بنفي الجسمية وجب التصريح بنفي الحركة فإذا صرح بنفي هذا عسر ما جاء في صفة الحشر من أن الباري يطلع على أهل المحشر وأنه الذي يلي حسابهم كما قال تعالى وجاء ربك والملك صفا صفا وكذلك يصعب تأويل حديث النزول المشهور وإن كان التأويل إليه أقرب منه إلى أمر الحشر مع أن ما جاء في الحشر متواتر في الشرع فيجب أن لا يصرح للجمهور بما يؤول عندهم إلى إبطال هذه الظواهر فإن تأثيرها في نفوس الجمهور إنما هو إذا حملت على ظاهرها وأما إذا أولت فإنما يؤول الأمر فيها إلى أحد أمرين إما أن يسلط التأويل على هذه وأشباه هذه من الشريعة فتتمزق الشريعة كلها وتبطل الحكمة المقصودة منها وإما أن يقال في هذه كلها إنها من المتشابهات وهذا كله إبطال للشريعة ومحو لها من النفوس من غير أن يشعر الفاعل لذلك بعظم ما جناه على الشريعة مع أنك إذا اعتبرت الدلائل التي احتج بها المتأولون لهذه الأشياء تجدها كلها غير برهانية بل الظواهر الشرعية أقنع منها أعني أن التصديق بها أكثر وأنت تتبين ذلك من قولنا في البرهان الذي بنوا عليه نفي الجسمية وكذلك في البرهان الذي بنوا عليه نفي الجهة على ما سنقوله بعد وقد يدلك على أن الشرع لم يقصد التصريح بنفي هذه الصفة للجمهور أن لمكان انتفاء هذه الصفة عن النفس أعني الجسمية لم يصرح الشرع للجمهور بما هي النفس فقال في الكتاب العزيز ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا وذلك أنه يعسر البرهان عند الجمهور على وجود موجود قائم بذاته ليس بجسم ولو كان انتفاء هذه الصفة مما يقف عليه الجمهور لاكتفى بذلك الخليل في محاجة الكافر حين قال ربي الذي يحيي بأن يقول له أنت جسم والله ليس بجسم لأن كل جسم محدث كما يقول الأشعري وكذلك كان يكتفي بذلك موسى صلى الله عليه و سلم عند محاجته لفرعون في دعواه الألوهية وكذلك كان يكتفي صلى الله عليه و سلم في أمر الدجال في إرشاد المؤمنين إلى كذب ما يدعيه في الربوبية في أنه جسم والله ليس بجسم بل قال عليه السلام إن ربكم ليس بأعور فاكتفى بالدلالة على كذبه بوجود هذه الصفة الناقصة التي ينتفي عند كل أحد وجودها ببديهة العقل في الباري سبحانه فهذه كلها كما ترى بدع حادثة في الإسلام هي السبب فيما عرض فيه من الفرق التي أنبأنا المصطفى صلى الله عليه و سلم أنها ستفترق أمته إليها
فإن قال قائل فإذا لم يصرح الشرع للجمهور لا بأنه جسم ولا بأنه غير جسم فما عسى أن يحاجوا به في جواب ما هو فإن هذا السؤال طبيعي للإنسان وليس يقدر أن ينفك عنه وكذلك ليس يقنع الجمهور أن يقال لهم في موجود وقع الاعتراف به أنه لا ما هية له لأن مالا ماهية له لا ذات له والموجود عند الجمهور إنما هو المحسوس والمعدوم عندهم غير المحسوس والنور لما كان أشرف المحسوسات وجب أن يمثل به أشرف الموجودات وهنا أيضا سبب آخر موجب أن يسمى به نور وذلك أن حال وجوده في عقول العلماء الراسخين في العلم عند النظر إليه بالعقل هي حال الأبصار عند النظر إلى الشمس بل حال عيون الخفافيش وكان هذا الوصف لائقا عند الصنفين من الناس
وأيضا فإن الله تبارك وتعالى لما كان سبب الموجودات وسبب إدراكنا لها وكان النور مع الألوان هذه صفته أعني أنه سبب وجود الألوان بالفعل وسبب رؤيتنا له فالحق ما سمى الله تبارك وتعالى نفسه نورا وإذا قيل إنه نور لم يعرض شك في الرؤية التي جاءت في المعاد فقد تبين لك في هذا القول موجودا الاعتقاد الأول الذي في هذه الشريعة في هذه الصفة وما حدث في ذلك من البدعة وإنما سكت الشرع عن هذه الصفة لأنه لا يعترف بموجود في الغائب ليس بجسم إلا من أدرك ببرهان أن في المشاهد بهذه الصفة وهي النفس ولما كان الوقوف على معرفة هذا المعنى من النفس مما لا يمكن الجمهور فيهم أن يعقلوا وجود موجود ليس بجسم فلما حجبوا عن معرفة النفس علمنا أنهم حجبوا عن معرفة هذا المعنى من الباري سبحانه وتعالى ...)ا.هـ
قلت ( أي ابن تيمية ) :
وقد تبين في هذا الكلام أنه في الباطن يرى رأي الفلاسفة في النفس أنها ليست بجسم وكذلك في الباري غير أنه يمنع أن يخاطب الجمهور بهذه لأنه ممتنع في عقولهم فضرب لهم أحسن الأمثال وأقربها كما ذكره في اسم النور وهذا قول أئمة الفلاسفة في أمثال هذا من الإيمان بالله واليوم الآخر وقد بين بالحجج الواضحة أن ما يذكره المتكلمون في النفي مخالف للشريعة وهو مصيب في هذا باطنا وظاهرا وقد بين أن ما يذكره المتكلمون في نفي الجسم على الله بحجج ضعيفة وبين فسادها وذكر أن ذلك إنما يعلم إذا علم أن النفس ليست جسما ومعلوم أن هذا الذي يشير إليه هو وأمثاله من المتفلسفة أضعف مما عابه على المتكلمين فإن المتكلمين أفسدوا حججهم هذه أعظم مما أفسدوا به حجج المتكلمين فيؤخذ من تحقيق الطائفتين بطلان حجج الفريقين على نفي الجسم مع أن دعوى الفلاسفة أن النفس ليست بجسم ولا توصف بحركة ولا سكون ولا دخول ولا خروج وأنه لا يحس إلا بالتصور لا غير يظهر بطلانه وكذلك قولهم في الملائكة وظهور بطلان قول هؤلاء أعظم من ظهور بطلان قول المتكلمين بنحو ذلك في الرب...))
علق الاستاذ فودة على قول ابن تيمية : ( وقد بين بالحجج الواضحة أن ما يذكره المتكلمون في النفي مخالف للشريعة وهو مصيب في هذا باطنا وظاهرا ) بقوله :
" أي أن ابن رشد هو المصيب في إبطال نفي الجسمية عن الله لا في الظاهر فقط كما هو مذهب ابن رشد بل في الظاهر والباطن أيضا أي أن الله عند ابن تيمية جسم باطنا وظاهرا .."
وهذا الكلام أعوج لا يستقيم لان ابن رشد يشترك مع الاشاعرة وأهل الكلام في نفي الجسمية في الباطن أما في الظاهر فهو يرى المصلحة في عدم التصريح بهذا للجمهور فكيف يصوبه مع ذلك في الباطن ؟!!
ولكن القضية أن ابن رشد يطعن في أدلة المتكلمين التي يستندون إليها في النفي ويصفها بأنها غير برهانية ومخالفة للشريعة ، وقوله وهو مصيب في هذا ظاهرا وباطلنا يعني أن بطلان قول المتكلمين بالنفي باطل مطلقا ظاهرا وباطنا يعني في حقيقة الأمر لا لان أدلتهم ليست برهانية بل لأنه مخالف للشريعة التي ذكر منهجها هو في هذه الصفة .
فقوله باطنا لا ترجع إلى اعتقاده الباطن بالنفي كما يزعم الأستاذ فودة وكيف ترجع إلى ذلك وقد قال " فيؤخذ من تحقيق الطائفتين بطلان حجج الفريقين على نفي الجسم " فكيف يصوبه في الباطن وهو على قول الاشاعرة في نفي الجسمية ثم يقرر بعدها بطلان حجج الفريقين ؟!!!
فقوله ظاهرا وباطنا لبطلان النفي ابتداءا لأنه مخالف لمنهج الشريعة في السكوت وعدم التعرض بالنفي أوالإثبات لهذا اللفظ وهو باطل أيضا لبطلان أدلة كلا الفريقين في حقيقة الأمر لا لأنها ليست برهانية كما يقول ابن رشد .
- ومن جهة أخرى فإن تصويب ابن رشد في إبطال أدلة المتكلمين في نفي الجسمية لا يعني إثباتها من الجهة المقابلة
لان موقف الشريعة الذي يتبناه ابن تيمية رحمه الله والذي قرره ابن رشد هو السكوت وعدم التعرض لهذا اللفظ بالنفي أو الإثبات في حق الله سبحانه وتعالى وهو قد صوب الإبطال للنفي لأنه مخالف للشريعة التي لا تثبت ولا تنفي هذا اللفظ فلو فرضنا أن هذا يعني إبطال للنفي فليس بالضرورة أن يكون تصحيحا للإثبات .
فلا متعلق لأستاذ فودة في كلام ابن تيمية على أي وجه ..
فليس في هذا الكلام ما يدل على أن ابن تيمية يقول بأن الله جسم وقد مل القارئ من ادعاءات الأستاذ .
من جهة اخرى :
- أن الجسمية التي ذكرها ابن رشد في قوله أن الشريعة اقرب إلى إثباتها منها غلى نفيها هي بمعنى إثبات الذات والصفات الزائدة عليها كاليد والوجه والعلم والقدرة والإرادة وغيرها ...
فقول المتكلمين أن الجسم هو المركب المتحيز ذو الأبعاد ، لم يتعرض له ابن رشد فيما نقله عنه ابن تيميه رحمه الله ومما يدل على ذلك :
1- قول ابن رشد :
" وذلكأن الشرع قد صرح بالوجه واليدين في غير ما آية من الكتاب العزيز وهذه الآيات قد توهم أن الجسمية هي له من الصفات "
فهذا الكلام هو في بيان أن الشريعة تقرب من التصريح بإثبات الجسم عن طريق إثبات هذه الصفات التي ذكرها ، وإثبات هذه الصفات لا شك أنه مما يقول به ابن تيمية وغيره من السلف ،وهو ما عناه هنا ابن رشد بالجسمية .
وتأمل قول ابن رشد عن الأشاعرة :
" وأيضا فإن ما يصفه هؤلاء القوم من أنه سبحانه له ذات وصفات زائدة على الذات يوجبون بذلك أنه جسمأكثر مما ينفون عنه الجسمية بدليل انتفاء الحدوث عنه "
وهذا كلام واضح على أن ابن رشد إنما قصد بالجسمية إثبات الصفات التي جاءت بها نصوص الشريعة في الكتاب والسنة حيث أنها عنده كما عند الفلاسفة من التركيب اللازم للجسمية ، ولما كان الاشاعرة يثبتون بعضا منها جعلهم أيضا من المثبتن للجسمية رغم اتفاقهم على نفيها مما يؤكد أن المعنى المقصود بالجسمية التي يتكلم عنها ابن رشد هو إثبات الصفات كاليد والوجه ، وهذا لا إشكال فيه ولا ينكره ابن تيمية ولا غيره من الأئمة وهذه اللوازم لا تلزمنا ولا نعني بها .
- أما إثبات الصفات زائدة عن الذات فهذا أمر يشترك فيه الاشاعرة وابن تيمية رحمه الله حيث أنهم يثبتون الصفات السبع المشهورة عنهم ولذا ألزمهم ابن رشد بأنهم أيضا مجسمة أو أقرب إلى إثبات الجسمية منهم إلى نفيها وذلك بإثباتهم تلك الصفات زائدة عن الذات ...
- و مما يجدر الإشارة إليه أن الأستاذ فودة قد عمل جاهدا أن لا يقف القارئ على قول ابن رشد السابق في الاشاعرة ووصفه لهم بأنهم مجسمة لاثباتهم الصفات السبع التي يثبتونها زائدة عن الذات حيث قال :
- (( وأيضا فإن ما يصفه هؤلاء القوم من أنه سبحانه له ذات وصفات زائدة على الذات يوجبون بذلك أنه جسم أكثر مما ينفون عنه الجسمية بدليل انتفاء الحدوث عنه )) ولان هذا الكلام يوضح بجلاء معنى التجسيم الذي يقصده ابن رشد ويضع الأشاعرة وابن تيمية رحمه الله بل والسلف جميعا في سلة واحدة لمواجهته ...
حيث أن موقف الأشاعرة من ابن تيمية والأئمة هو نفس موقف ابن رشد منهم فمستندهم جميعا أن إثبات هذه الصفات يدل على التركيب والتجسيم فيكون جواب الأشاعرة عن هذا الكلام هو نفس جواب ابن تيمية رحمه الله .
ولقد علق الأستاذ فودة على قول ابن تيمية رحمه الله :
(فيؤخذ من تحقيق الطائفتين بطلان حجج الفريقين على نفي الجسم مع أن دعوى الفلاسفة أن النفس ليست بجسم ولا توصف بحركة ولا سكون ولا دخول ولا خروج وأنه لا يحس إلا بالتصور لا غير يظهر بطلانه وكذلك قولهم في الملائكة وظهور بطلان قول هؤلاء أعظم من ظهور بطلان قول المتكلمين بنحو ذلك في الرب...)
فقال :
( إذن فابن تيمية لما ضرب كل فريق بالآخر خلص إلى نتيجة يخالف بها الفريقين فقال إن الله جسم وأن النفس جسم خلافا للمتكلمين النافين للجسمية عن الله في الأولى وخلافا للفلاسفة القائلين بأن النفس ليست بجسم في الثانية "
ثم قال ( والحاصل من كل ذلك أن الله تعالى جسم عند ابن تيمية كما ترى بعينك )
فهذا من الكذب على ابن تيمية رحمه الله !!!
فعين القارئ لم تقع قط إلا على محاولات الأستاذ الفاشلة في استلال بعض الكلمات من هنا وهناك والزعم بأنها نصوص صريحة .
والحقيقة أن الفلاسفة أيضا ينفون بأن الله جسم كما ينفي ذلك المتكلمون وإنما طعن ابن رشد في طرق أهل الكلام لإثبات ذلك النفي لان طريقتهم على حد زعمه غير برهانية فطعن في دليل الحدوث والإمكان وغيرهما مما ذكره في كتابه مناهج الأدلة .
وأيضا فإن من أئمة المتكلمين بل من أئمة الاشاعرة من يقول بان النفس ليست بجسم كما ويحكى ذلك عن الباقلاني وغيره من أهل الكلام ...
فكلا الفريقين ينفي الجسمية عن الله سبحانه ولكن تعارضهم وتخاصمهم هو في الأدلة التي يثبتون بها ذلك فبين ابن تيمية بمقابلة أدلة الفريقين التي يزعمون أنها أحكام عقلية ضرورية بطلان كل منهما وتناقضها وذلك لآن من المعلوم عند جميع العقلاء بأن الأحكام العقلية الضرورية لا تتعارض ولا تتناقض فكان مقابلة الأقوال بعضها ببعض هي الطريقة التي يتبعها ابن تيمية في نقض هذه الأقوال جميعا أو ترجيح بعضها على بعض أحيانا وهو ما يتخذه الأستاذ فودة مدخلا لتحميل ابن تيمية أقوال أحد هذه الأطراف دون أدنى تحقيق أو إنصاف .
- وقول الأستاذ فودة : فخلص إلى نتيجة يخالف بها الفريقين ...
ليس معناه كما ذكره فهذا من الافتراء والتخرص ، وإنما معناه هو ما قرره في الكثير من كتبه وهو المشهور عنه القول به وهو الانقياد لنصوص الشريعة الذي قرره ابن رشد من قبل آن يولد ابن تيمية وهو السكوت عن هذا اللفظ وعدم التعرض له بإثبات أو نفي في حق الله جل وعلا وإثبات ما جاءت به نصوص الشريعة من الأسماء الصفات مع نفي مماثلة المخلوقات إثباتا بلا تشبيه وتنزيها بلا تعطيل كما هو منهج السلف رضوان الله عليهم أجمعين ، ولعل هذا هو السبب الرئيس من نقل كلام ابن رشد والاستشهاد به من قبل شيخ الإسلام رحمه الله ، وهذا لا يخفى على الأستاذ ولكنه التلبيس على الإتباع والافتراء على أهل السنة .
الموحد السلفي
2008-11-05, 14:30
النص الرابع : وصف الله بما يقتضي أنه جسم هو مذهب جماهير أهل الإسلام .
نرى في هذا العنوان تنازلا من الأستاذ فودة عن القول بتصريح ابن تيمية بأن الله جسم إلى القول بما يقتضي أن يكون الله جسما فهل ما سبق كان كافيا أو أنه قد تنازل عن شرطه بأنه سيورد نصوصا صريحة وليست لوازم ومقتضيات !
وحيث أن القارئ لم يقنع بعد بما سبق حيث تبين له أن ما سماه الأستاذ فودة نصوصا لم تكن إلا مجرد تلاعب واحتيال في توجه الكلام وتفسيره فكيف له أن يقنع بما يقر الأستاذ فودة أنه ليس نصوصا بل مقتضى ولازم ؟
- وإذا كان ما أورده الأستاذ فيما سبق مما يسميه نصوصا واضحة وصريحة قد علم حاله مع أنه من المفترض من جهة ترتيب الأدلة أن تكون هي الأقوى دلالة فكيف بما يقر الأستاذ فيه بأنه مقتضى الكلام ولازمه ؟ !
لا شك أنه سيكون الأضعف من نوعه وسيبذل الأستاذ فودة جهدا أكثر مما سبق حتى يوقف القارئ على محل الشاهد من الكلام ! .
ولنرجع إلى الأستاذ حيث نقل عن ابن تيمية قوله :
(فيقال إن أردت بهذا الكلام أنهم وصفوه بلفظ الأجزاء والأبعاض وأطلقوا ذلك عليه من غير نفي للمعنى الباطل وقالوا إنه يتجزأ أو يتبعض وينفصل بعضه عن بعض فهذا ما يعلم أحد من الحنابلة يقوله هم مصرحون وإن أردت إطلاق لفظ البعض على صفاته في الجملة فهذا ليس مشهورا عنهم لا سيما والحنابلة أكثر اتباعا لألفاظ القرآن والحديث من الكرامية ومن الأشعرية بإثبات لفظ الجسم فهذا مأثور عن الصحابة والتابعين والحنبلية وغيرهم متنازعون في إطلاق هذا اللفظ كما سنذكره إن شاء الله وليس للحنبلية في هذا اختصاص ليس لهم قول في النفي والإثبات إلا وهو وما أبلغ منه موجود في عامة الطوائف وغيرهم إذ هم لكثرة الاعتناء بالسنة والحديث والاءتمام بمن كان بالسنة أعلم وأبعد عن الأقوال المتطرفة في النفي والإثبات وإن كان في أقوال بعضهم غلط في النفي والإثبات فهو أقرب من الغلط الموجود في الطرفين في سائر الطوائف الذين هم دونهم في العلم بالسنة والاتباع
وإن أردت أنهم وصفوه بالصفات الخبرية مثل الوجه واليد وذلك يقتضي التجزئة والتبعيض أو أنهم وصوفه بما يقتضي أن يكون جسما والجسم متبعض ومتجزئ وإن لم يقولوا هو جسم فيقال له لا اختصاص للحنابلة بذلك بل هذا مذهب جماهير أهل الإسلام بل وسائر أهل الملل وسلف الأمة وأئمتها )
وكالعادة فقد قطع الأستاذ فودة هذا النص الذي سقناه مكتملا هنا تقطيعا وحشاه حشوا ثم علق عليه فقال :
( فانظر في هذا الكلام الشنيع كيف ينسب القول بأن الله جسم إلى جماهير أهل الإسلام ، بل وسائر الملل وسلف الأمة وأئمتها ، فمن من السلف قال بهذا إلا المجسمة ،وهل المجسمة هم سلف الأمة المباركة فتعست إذن أمة سلفها وقدوتها هم أرذل الطوائف وأضيقهم عقولا وأقبحهم مذهبا )
ووالله لو سمع هذا الكلام من له أدنى تأمل واطلاع على كتب شيخ الإسلام لمجه مجا ولحكم على قائله بالكذب الصريح فورا فكيف ينسب ابن تيمية القول بأن الله جسم إلى جماهير أهل الاسلام وسائر الملل والسلف وهو في كل كتاب بل في كل موضع له يتكلم عن الجسم وأهل الكلام يذكر أن السلف لم يتكلموا بهذه الألفاظ وان منهج الشريعة هو السكوت وعدم التعرض لهذا اللفظ بنفي ولا إثبات وان وأن ...
وكلام الأستاذ فودة أكثره خطابي ودعاوى فارغة من المضمون وعند التحقيق يكون الأمر على خلاف ما ادعى
ومع أن الأستاذ قد صدر العنوان بقوله ( وصف الله بما يقتضي أنه جسم هو مذهب جماهير أهل الإسلام)
فكونه يقتضى يعني يلزم منه...، فإن كان مقصوده أن ما ذكره هو لازم قوله فهو باطل قطعا ولا يلزمه هذا أصلا ! وإن كان يدعي أن هذا هو لفظ كلامه ونصه فهو باطل أيضا وكذبا صريحا عليه رحمه الله .
أما القارئ الكريم فإنه سيقرأ قول ابن تيمية على هذا الوجه :
(وإن أردت أنهم وصفوه بالصفات الخبرية مثل الوجه واليد..... فيقال له لا اختصاص للحنابلة بذلك بل هذا مذهب جماهير أهل الإسلام بل وسائر أهل الملل وسلف الأمة وأئمتها)
فسيعلم أن ابن تيمية إنما يثبت الصفات الخبرية مثل الوجه واليد وغيرها مما أطبق السلف والأئمة على إثباتها وان هذا هو مذهب جماهير أهل الإسلام وسائر الملل ...
وسيعلم أن قوله ( وذلك يقتضي التجزئة والتبعيض..) أنه من إلإلزامات التي يلزمه بها الخصم والتي لا يسلم بها ابن تيمية حيث أنها لا تلزم القول بإثبات الصفات على ما يليق بالله جل وعلا فضلا أن نقول يلتزمها ابن تيمية أو لا يلتزمها .....
فالتلاعب واضح وجلي والقارئ الذي تصفه دائنا بأنه فطن لن يحتاج إلى كبير جهد لكشفه !!
-وتلاعب الأستاذ بالألفاظ في هذا الموضع وفي الكثير من المواضع الأخرى هو على هذه الصورة ...
ويكمن في أنه ينسب إلى القائل لازم قوله الذي يزعم أنه يلزمه وكأنه قال به وسلم له بهذا التلازم فيجعله من نفس قوله فإثبات الصفات الخبرية التي جاءت في الكتاب والسنة وإجماع السلف كاليد والوجه وغيرها يسميها الرازي أجزاءا وأعضاءا ويلزم المثبت لها من الحنابلة بأنه مجسم لان إثبات هذه الأجزاء والابعاض والأعضاء مستلزم لكون الله سبحانه جسما ، فيرد ابن تيمية أن إثبات الصفات الخبرية من اليد والوجه وغيرها مما جاء به الكتاب والسنة غير مختص بالحنابلة بل جماهير أهل الإسلام يثبتون ذلك ...
فيأتي الأستاذ فودة فيلبس الأمر ويجعل لازم إثبات الصفات هو نفس قول المثبت ثم يشنع عليه ويقول انظروا لابن تيمية إنه يثبت أن لله ابعاضا واجزاءا وأن الله جسم وينسب ذلك إلى جماهير أهل الإسلام !
فالله المستعان على محقق ينشد الإنصاف كالأستاذ فودة !
ويختم الأستاذ بقوله :
( فالحاصل أن ابن تيمية ،يعتقد أن كون الله جسما هو ما اتفق عليه سلف الأمة والصحابة وهو قول أكابر العلماء من المسلمين . فتأمل وتعجب .)
والحقيقة أننا حينما نتأمل في كلام شيخ الإسلام رحمه الله لا نعجب إلا من تحايل الأستاذ وتلاعبه المكشوف والذي يجعل القارئ بعد ذلك على حذر شديد وريبه في تصديق كلامه ..
الموحد السلفي
2008-11-05, 14:32
النص الخامس : كون الله جسما هو الأقرب للفطرة والعقول .
من الطبيعي أن القارئ قد أصيب بشيء من خيبة الأمل بعد ما مر من النصوص والتي لم ير فيها نصا صريحا لابن تيمية يقول فيه بأن الله جسم مجسم ،كما صور له الأستاذ فودة ذلك على صورة سؤال وجواب :
هل الله جسم ؟ الجواب كان من ابن تيمية : نعم
فلما لم يجد في كل ما مر نصا صريحا وقد أحس فوودة هو الآخر بخيبة أمل كبيرة لتوقعه بأن القارئ له فقد الثقة في نقوله ونصوصه ، لذا أخذ الأستاذ يشد من أزر القارئ بأنه في هذا النص الشنيع سيجد مبتغاه وسيحقق أمنيته ، فيقول مخاطبا القارئ الذي قارب على الملل :
( اعلم أيها القارئ "الفطن" أن "النصوص" السابقة وإن كانت شنيعة و"مصرحة !" بأن الله جسم مجسم إلا أن هذا النص الذي " سنتلوه" ! عليك الآن قد فاقها في الشناعة والقبح !!)
وهكذا يهيئ القارئ نفسه ربما للاستماع هذه المرة لأنه ربما فهم من قول الأستاذ فودة "سنتلوه " أنه سيتلوه على مسامعه مباشرة ، في محاولة منه في مغازلته بعد أن كاد أن يفض يده من الأستاذ ووعوده الكثيرة بأنه سيأتي بالنصوص والتي لم يجد إلى الآن شيئا منها...
ثم ينقل الأستاذ عن ابن تيمية قوله :
(الوجه السبعون أن جميع الناس من المثبتة والنفاة متفقون على أن هذه المعاني التي حكيناها عن خصمك هي التي تظهر للجمهور ويفهمونها من هذه النصوص من غير إنكار منهم لها ولا قصور في خيالهم ووهمهم عنها والنفاة المعتقدون انتفاء هذه الصفاة العينية لم يعتقدوا انتفاءها لكونها مردودة في التخيل والتوهم ولكن اعتقدوا أن العين التي تكون كذلك هو جسم واعتقدوا أن الباري ليس بجسم فنفوا ذلك
ومعلوم أن كون الباري ليس جسما ليس هو مما تعرفه الفطرة بالبديهة
ولا بمقدمات قريبة من الفطرة ولا بمقدمات بينة في الفطرة بل مقدمات فيها خفاء وطول وليست مقدمات بينة ولا متفقا على قبولها بين العقلاء بل كل طائفة من العقلاء تبين أن من المقدمات التي نفت بها خصومها ذلك ما هو فاسد معلوم الفساد بالضرورة عند التأمل وترك التقليد وطوائف كثيرون من أهل الكلام يقدحون في ذلك كله ويقولون بل قامت القواطع العقلية على نقيض هذا المطلوب وأن الموجود القائم بنفسه لا يكون إلا جسما وما لا يكون جسما لا يكون معدوما ومن المعلوم أن هذا أقرب إلى الفطرة والعقول من الأول)
وكما اعتاد القارئ ألا يرى النقل عن ابن تيمية كاملا كما ننقله هنا بل لابد من تمزيقه وتفكيكه ومحاولة إعداده للتوجيه ،وكما ذكرنا سابقا أن من علامات " وضوح " "النص" " وصراحته " وقوة دلالته إن الأستاذ فودة يطيل في مقدماته وتفسيراته وشروحا ته قبل النص وفي أثناءه وبعده ويكثر من تقطيعه وتفكيكه حرصا منه على ألا يفلت من القارئ المعنى الذي يريد أن يوصله اليه!
وهذا ما نجده في هذا النص فقد بذل الأستاذ فودة جهدا كبيرا في إيصال الفكرة للقارئ .
- وخلاصة الأمر في هذا النص وغيره من النصوص أن الأستاذ يتلاعب بحيل مكشوفه لا تخفى على فطن له اطلاع على كلام شيخ الاسلام رحمه الله ، ومن يطلع على هذا لمبحث يقف على قدر لا بأس به من هذه الحيل ....
فهنا مثلا يستعمل حيلة تبديل الكلمات بعضها بعض ويسميها بغير اسمها وكأنها مترادفات وهي في الحقيقة الزامات الخصم فينقدح في ذهن القارئ المعنى الذي يريده في كلام خصمه فمثلا :
يقول عن ابن تيمية :
"فهو يدعي في هذا الوجه أن الجهة والجسمية والتركيب في ذات الله هو ما يتبادر إلى أذهان جمهور الناس "
فهل قال هذا ابن تيمية حقا بهذه الألفاظ ؟
الجواب : لا قطعا .
فلماذا إذن يكذب عليه وينسب اليه أنه في هذا الوجه يدعي أن الجهة والجسمية والتركيب في ذات الله هو ما يتبادر على أذهان الجمهور ؟
الجواب لانه يبدل الكلمات والألفاظ التي يقولها شيخ الاسلام بكلمات الخصم والزاماته .
- فالجهة هي العلو أو الاستواء على العرش ،فإذا تكلم ابن تيمية عن صفة العلو والاستواء على العرش قال فودة ابن تيمية يثبت الجهة ويقول بالجهة
أما الجسمية فهي لازم إثبات ذلك لأنه على زعمه لا يكون في جهة إلا الجسم فإذا أثبت العلو فقد قال بالجهة وقال بالتجسيم أيضا !!!
أما التركيب فهو إثبات صفات الله سبحانه وتعالى مثل اليد والوجه والقدم وغيرها من الصفات ...
فابن تيمية رحمه الله في الحقيقة يثبت صفة العلو والاستواء وصفة اليد والوجه وغيرها مما جاءت به النصوص الشرعية ولم يثبت ما يقوله الأستاذ فودة من الجوارح والأعضاء والأجزاء ولكن الأستاذ فودة يعبر عن ألفاظ ابن تيمية بتلك المصطلحات وكأنها مترادفات وتلك من حيله المكشوفة .
فيوهم القارئ أن هذه مترادفات وأن ابن تيمية إنما يثبت هذه الصفات على الوجه التي تكون أعضاءا واجزاءا وتركيبا ،وكل هذا في الحقيقة من ادعاءات الخصم والزاماته التي لا تلزم ..
- و مصداق ذلك في الوجه التاسع والستون : حيث قال الرازي :
(فعمدة مذهب الحنابلة أنهم متى تمسكوا بآية أو خبر يوهم ظاهره شيئا من الأعضاء والجوارح صرحوا بأنا نثبت هذا المعنى لله على خلاف ما هو ثابت للخلق فأثبتوا لله وجها بخلاف وجوه الخلق ويدا بخلاف أيدي الخلق ومعلوم أن اليد والوجه بالمعنى الذي ذكروه عما لا يقبله الوهم والخيال)
فهو لا ينسب إليهم إثبات هذه الصفات على الوجه الذي أثبتوه ولكن ينسبه إليهم على ما يلزمهم هو به من الفاظ ومصطلحات لا يقر بها ابن تيمية ولا من ينقل قولهم من المثبتين لها فأين ذهب الإنصاف يا أستاذ فودة ؟!
وهذه الحيلة المكشوفة قد ملأ بها كاشفة المزعوم ونحن نكشفها هنا أيضا ليكون الكاشف مكشوفا على كاشفه!
- ويبدو أن الأستاذ فودة مقهور ومغتاظ من كثرة وجوه الرد من ابن تيمية رحمه الله على شيخه الرازي ،حتى وصل إلى السبعين فلم يستطع أن يخفي قهره وغيظه فنفث عن نفسه بقوله أن جميع هذه الوجوه باطلة ! وان هذا كله كلام فارغ ! تافه! وتكرار ساذج لا قيمة له ! وحيلة من حي ابن تيمية ليقنع أتباعه أن وجوه الرد الكثيرة تدل علمه وتبحره !!!
ونحن نقدر حالة الأستاذ فودة ونفسيته ولا نرد على هذا الكلام حيث أنا نراه مجرد تنفيث عن قهره فحسب .
- إذا علم ذلك علم ما يقوم به من افتراءات متكررة لا يمكن حصرها في مثل هذا المختصر وإنما هذا نموذج فقط ليعلم به حيلته في صياغة العبارات التي توهم بأن ابن تيمية يقول بألفاظها وما هي إلا من حيل الأستاذ في تبديل الكلم عن مواضعه .
-وقد سبق القول بأن الذين فسروا الجسم بالقائم بنفسه والموجود وما يشار إليه وقالوا إن الله جسم لا كالأجسام هم طائفة من نظار أهل الكلام وهؤلاء الخلاف معهم في مجرد إطلاق لفظ الجسم على الله وفي دلالة لفظ الجسم على هذا المعاني ، أما المعاني ذاتها التي يثبتونها فهي صحيحة لا يخالف فيها أحد لا النفاة ولا المثبتون ، وهؤلاء ليسوا مجسمة على الحقيقة وإن كانوا مبتدعة لا شك في ذلك على الأقل عند أئمة العلماء الذين صدر بهم الأستاذ كتابه في تحرير معنى التجسيم وحكم المجسمة ...
-فقد قال ابن حزم الذي يسميه الأستاذ إمام من أئمة الأمة ومن أعلام المسلمين :
(( من قال إن الله تعالى جسم لا كالأجسام فليس مشبها ولكنه ألحد في أسماء الله تعالى إذ سماه عز و جل بما لم يسم به نفسه ))
ولا أدري هل وقف الأستاذ فودة صاحب الاطلاع الواسع على كلام ابن حزم - الذي يسميه الإمام - في الاشاعرة ولعنه لهم ووصفهم بالجهل والتناقض والكفر الصريح ورده عليهم في عامة مسائلهم ؟!
أم أن فودة لم يقف حينها على هذا الموقف الشديد من ابن حزم الإمام ؟!
- أما ما يحكيه ابن تيمية عن هؤلاء بقوله : (وأن الموجود القائم بنفسه لا يكون إلا جسما وما لا يكون جسما لا يكون معدوما ومن المعلوم أن هذا أقرب إلى الفطرة والعقول من الأول))
- فهو بناءا على تفسيرهم للجسم بالموجود القائم بنفسه وهذا واضح من نص الكلام لا يحتاج لآدني تأمل وقد سبق معنى حصرهم للموجودات بناء على هذا التفسير للجسم كما سبق الكلام عن انحصار الموجودات في المباين والمحايث وأن الله سبحانه وتعالى له ذات موصوفة قائمة بنفسها متميزة عن الخلق بائنة منهم عالية عليهم ...
- وقوله أن قولهم هذا أقرب للفطرة والعقل إنما هو في مقابل قول النفاة الذين يثبتون موجودا لا مباينا ولا محايثا ولا داخل العالم ولا خارجة وينفون علو الله على خلقه فهو في مقابلة هذه الأقوال الفاسدة أقرب إلى الفطرة والعقل بلا شك .
- وهذا لا يلزم منه كونهم على الحق المبين كما يقتضيه اللفظ بل هو أقرب بالنسبة إلى غيره وإن كان هو في نفسه قد يكون باطلا أو مرجوحا من وجوه أخرى..
وكلمة ( أقرب ) للعقل والفطرة أو الشرع يستعملها ابن تيمية دائما في مقارنة الأقوال الباطلة أو المتعارضة لأنه يزن بميزان الشريعة لا بميزان الهوى كما يفعل الأستاذ المحتال ...
وهذه طريقته التي حكيناها عنه في المقدمة الأولى التي بين يدي هذا المبحث ولكن الأستاذ فودة مثله كمثل حاطب الليل يقمش ما يرديه ويدل على جهله !
- قال رحمه الله :
- (... يمكن بيان أن قول الأشعري وأصحابه أقرب إلى صحيح المعقول من قول المعتزلة كما يمكن أن يبين أن قول المعتزلة أقرب إلى صريح المعقول من قول الفلاسفة لكن هذا يفيد أن هذا القول أقرب إلى المعقول وإلى الحق لا يفيد أنه هو الحق في نفس الأمر فهذا ينتفع به من ناظر الطاعن على الأشعرية من المعتزلة والطاعن على المعتزلة من الفلاسفة فتبين له أن قول هؤلاء خير من قول أصحابك فإنه كما إن كل من كان أقرب إلى السنة فقوله أقرب إلى الأدلة الشرعية فكذلك قوله أقرب إلى الأدلة العقلية
ولا ريب أن هذا مما ينبغي سلوكه فكل قول - أو قائل - كان إلى الحق أقرب فإنه يبين رجحانه على ما كان عن الحق أبعد ألا ترى أن الله تعالى لما نصر الروم على الفرس وكان هؤلاء أهل الكتاب وهؤلاء أهل أوثان فرح المؤمنون بنصر الله لمن كان إلى الحق أقرب على من كان عنه أبعد وأيضا فيمكن القريب إلى الحق أن ينازع البعيد عنه في الأصل الذي احتج به عليه البعيد وأن يوافق القريب إلى الحق للسلف الأول الذين كانوا على الحق مطلقا ) هـ .ص 3/407 درء تعارض العقل والتقل
وهذا النقل يلخص طريقة شيخ الإسلام رحمه الله في الرد على طوائف أهل البدع وأهل الكلام والفلاسفة وجميع المخالفين لسنة النبي عليه الصلاة والسلام ونهجه على اختلاف مراتبهم ،..
وربما لا تعجب الأستاذ فودة هذه الطريقة ولكنا نحمله إياها فوق رأسه رغما عنه ليعلم بعد ذلك حين يريد أن يناطح الجبال كيف يناطحهم وليتعلم اصطلاح العلماء قبل أن يزعم أنه يرد عليهم .
- ثم لنتساءل هل القول بأن هذا القول اقرب للحق من ذاك القول معناه أنه على الحق ؟
لا نشك أن جواب العقلاء جميعا سيكون : بـ لا
ولو مثلنا بقولنا : أن هذا الحجر الأحمر أقرب إلى هذه الحفرة من ذاك الحجر الأسود ،لكان مفهوم الكلام أن كلا الحجرين قطعا ليسا في الحفرة ...
وهذا هو فهم كل من يتأمل وينصف من العقلاء !
- وإلى هذا أشار ابن تيمية رحمه الله بقوله:
(فالغرض أن إخوانه من الذين يقولون أن الله ليس فوق العرش قد قالوا هذا كله وما هو أكثر منه فلا بد أن يرد قولهم بطرقه التي يسلكها وإلا لم يكن قوله أصح من قولهم بل قولهم أقرب إلى العقل من قوله أنه لا داخل العالم ولا خارجه ولهم في الجواب عن المخالطة من الكلام ما هو مع كونه باطلا أقرب إلى العقل من كلامه...)
فهنا قد " نص" أيضا يقرر فيه ابن تيمية رحمه الله أن ليس ثمة تلازم بين بطلان القول وبين كونه أقرب إلى العقل من غيره كما حكم في هذا النص على كلام الاتحادية بالبطلان مع قوله أن كلامهم اقرب للعقل من قول من يقول أن الله لا داخل العالم ولا خارجه ...
فعلام هذا الضجيج يا أستاذ فودة !
- وهذا نص آخر لابن تيمية رحمه الله رجح فيه قولا الاشاعرة على المعتزلة والشيعة في مسالة الرؤية وفيه الإقرار- على مذهب الأستاذ- بأن الله سبحانه ليس جسما وأن هذا أقرب للعقل والشرع ، قال رحمه الله :
- (أهل الحديث والسنة المحضة متفقون على إثبات العلو والمباينة وإثبات الرؤية وحينئذ فمن أثبت أحدهما ونفى الآخر أقرب إلى الشرع والعقل ممن نفاهما جميعا فالأشعرية الذين أثبتوا الرؤية ونفوا الجهة أقرب إلى الشرع والعقل من المعتزلة والشيعة الذين نفوهما أما كونهم أقرب إلى الشرع فلأن الآيات والأحاديث والآثار المنقولة عن الصحابة في دلالتها على العلو وعلى الرؤية أعظم من أن تحصر وليس مع نفاة الرؤية والعلو ما يصلح أن يذكر من الأدلة الشرعية وإنما يزعمون أن عمدتهم العقل فنقول قول الأشعرية المتناقضين خير من قول هؤلاء وذلك أنا إذا عرضنا على العقل وجود موجود لا يشار إليه ولا يقرب منه شيء ولا يصعد إليه شيء ولا ينزل منه شيء ولا هو داخل العالم ولا خارجه ولا ترفع إليه الأيدي ونحو ذلك كانت الفطرة منكرة لذلك والعقلاء جميعهم الذين لم تتغير فطرتهم ينكرون ذلك ولا يقر بذلك إلا من لقن أقوال النفاة وحجتهم وإلا فالفطر السليمة متفقة على إنكار ذلك أعظم من إنكار خرق العادات لأن العادات يجوز انخراقها باتفاق أهل الملل وموافقة عقلاء الفلاسفة لهم على ذلك فنقول إن كان قول النفاة حقا مقبولا في العقل فإثبات وجود الرب على العرش من غير أن يكون جسما أقرب إلى العقل وأولى بالقبول وإذا ثبت أنه فوق العرش فرؤية ما هو فوق الإنسان وإن لم يكن جسما أقرب إلى العقل وأولى بالقبول من إثبات قول النفاة فتبين أن الرؤية على قول هؤلاء أقرب إلى العقل من قول النفاة وإذا قدر أن هذا خلاف المعتاد فتجويز انخراق العادة أولى من قول النفاة فإن قول النفاة ممتنع في فطر العقلاء لا يمكن جوازه وأما انخراق العادة فجائز. ) منهاج السنة 3/208
فهذا نقل واضح يذكر فيه ابن تيمية رحمه الله أن الاشاعرة المثبتين للرؤية - مع كونهم لا يثبتونها كما يثبتها ابن تيمية والسلف من قبله - أقرب للعقل والشرع ممن ينفيها بما يزيل الألغام التي يضعها الأستاذ في طريق فهم القارئ لكلام ابن تيمية رحمه الله ..
- أما قوله رحمه الله " أن كون الباري ليس جسما ليس هو مما تعرفه الفطرة بالبديهة ولا بمقدمات قريبة من الفطرة ولا بمقدمات بينة في الفطرة بل مقدمات فيها خفاء وطول "
فهو قول صحيح يقر به الرازي نفسه وغيره من علماء الاشاعرة وأهل الكلام فهل يزعم الأستاذ فودة أن العلم بأن الله ليس جسما ضروري ؟
فليصرح بذلك لو كان شجاعا ..
فقد أقر علماء الاشاعرة بأن كون الله جسما ليس معلوما بالفطرة ولا بمقدمات بينة في غيرما موضع من كتبهم وكذا كبار الفلاسفة نصوا على ذلك .
قال العز بن عبد السلام :
(فإن اعتقاد موجود ليس بمتحرك ولا ساكن ولا منفصل عن العالم ولا متصل به , ولا داخلفيه ولا خارج عنه لا يهتدي إليه أحد بأصل الخلقة في العادة , ولا يهتدي إليه أحدإلا بعد الوقوف على أدلة صعبة المدرك عسرة الفهم فلأجل هذه المشقة عفا الله عنها فيحق العامي) قواعد الاحكام 1/202
وقال الغزالي : (فإن قيل فلم لم يكشف الغطاء عن المراد بإطلاق لفظ الإله ولم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم أنه موجود ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض ولا هو داخل العالم ولا خارجه ولا متصل ولا منفصل ولا هو في مكان ولا هو في جهة بل الجهات كلها خالية عنه فهذا هو الحق عند قوم والإفصاح عنه كذلك كما فصح عنه المتكلمون ممكن ولم يكن في عبارته قصور ولا في رغبته في كشف الحق فتور ولا في معرفته نقصا نقلنا: من رأى هذا حقيقة الحق اعتذر بانه إذا ذكره لنفر الناس عن قبوله ولبادروا بالإنكار وقالوا هذا عين المحال ووقعوا في التعطيل ولا خير في المبالغة في تنزيه ينتج التعطيل في حق الكافة إلا الأقلين وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم داعياً للخلق إلى سعادة الآخرة رحمة للعالمين ، كيف ينطق بما فيه هلاك الأكثرين...وأما إثبات موجود في الاعتقاد على ما ذكرناه من المبالغة في التنزيه شديد جدا ًبل لا يقبله واحد من الألف لا سيما الأمة الأمية) الجام العوام عن علم الكلام ص56-57)
فهذه إقرارات واضحة فاضحة ليست من علماء عاديين بل من أئمة المذهب الأشعري ،
ووالله إن من يتأمل في مثل كلام الغزالي ليستحي من عقيدة إذا صرح بها للناس نفروا منها وقالوا عنها محالا ، ولاستحى من مثل قول الغزالي أن النبي أقر الناس على التجسيم ولم يبين لهم الحق في التنزيه خشية الوقوع قي التعطيل بزعمه فيكون قد ينطق بما فيه هلاك الأكثرين أو الكافة إلا الأقلين !!!
ونحن نخاطب الأستاذ فودة بما أنه ربما يكون واحدا من ألف ذكرها الغزالي هل ما زلت مقتنعا ان ما تورده للقارئ نصوصا صريحة وواضحة ؟
أما قول الفلاسفة الذين هم أصل هذه المصطلحات المبتدعة فهو متمثل في قول ابن رشد الفيلسوف حيث قال عن هذه الألفاظ :
(...أحدها أن إدراك هذا المعنى ليس هو قريبا من المعروف بنفسه برتبة واحدة ولا برتبتين ولا ثلاثة وأنت تتبين ذلك من الطريق التي سلكها المتكلمون في ذلك فإنهم قالوا إن الدليل على أنه ليس بجسم أنه قد تبين أن كل جسم محدث وإذا سئلوا عن الطريق التي بها يوقف على أن كل جسم محدث سلكوا في ذلك الطريق التي ذكرناها في حدوث الأعراض وأن مالا يتعرى من الحوادث حادث وقد تبين لك من قولنا أن هذه الطريقة ليست برهانية ولو كانت برهانية لما كان في طباع الغالب من الجمهور أن يصلوا إليها )
فهؤلاء أئمة المذهب الأشعري معهم كبار الفلاسفة يقرون بان كون الله ليس بجسم ولا في جهة ولا داخل العالم ولا خارجه من الأمور التي هي عسرة الفهم ومخالفة لطبائع العامة وفطرهم لاسيما وان هذه السلوب ليست أدلتها ضرورية ولا قريبة منها إلى آخر ما ذكر ...
فإذا كان هذا باعتراف أئمة المذهب فماذا ينقم الأستاذ من ابن تيمية بعد ذلك ؟!
وإذا كان هذا حال أصرح دليل لدى الأستاذ فودة وهو من الضعف والتهافت بهذه الصورة ، مع كثرة الحيل والتلاعب والافتراءات التي لا تحصى فليتعرف القارئ الفطن على ما يسميه الأستاذ فودة نصوصا واضحة وصريحة .
الموحد السلفي
2008-11-05, 14:33
النص السادس : مذهب المجسمة أقرب إلى القبول .
إننا عندما نتأمل في نفسية رجل مثل سعيد فودة وهو يريد أن يناطح مثل هذا الجبل الشامخ الراسي بقرنه الضعيف لا يغيب عنا أننا أمام قزم ضعيف النفس لم يؤت من العلم والحكمة ما يستضاء به ،وقد ملأ الحقد قلبه وامتلأت نفسه بالغرور وحب الظهور والتعالم والتعاظم على الآخرين من أقرانه ومريديه ، فمثل هذا لا يتورع عن شيء في سبيل تحقيق هدفه من الطعن واللمز في مثل هذا الإمام ، وغيره من أئمة الإسلام فتراه وقد تسلح من الكذب والاحتيال بما يؤهله لأن يقوم بمثل هذا الدور المشبوه ، ولذا فنحن لا نتعجب مما نراه مبثوثا بين الكلمات والأسطر سواء في العنوان أو الموضوع أو المقدمات أو التعليقات أو اختياره وانتقاءه لبداية المقطع الذي ينقله فكل هذا فيه من الكذب والاحتيال والتلبيس ما لا يكاد يحصى بحيث يعجز المرء عن حصره وذكره ...
فالرجل يكاد لا تفوته كلمة ولا سطر إلا وقد أودع فيها من الكذب والحيل ما يحرف به المعنى ويوجه فيه الكلام إلى غير وجهته .
فتأمل مثلا في هذا العنوان حين يقول :
(مذهب المجسمة أقرب إلى المقبول ) فهل قال ابن تيمية هذا ؟
والجواب قطعا لا ..لم يقل ابن تيمية أن مذهب المجسمة أقرب إلى القبول وإنما هذا توصيف منه ومن الرازي لمخالفيهم ومن الطبيعي أن لا يسمي هذا كذبا ولا احتيالا لأن هذا مجرد نفس من أنفاسه المبثوثة في هذا الكتاب ...
ثم تأمل في احتياله بعد العنوان مباشرة حيث يقدم للنقل الذي سينقله عن ابن تيمية فيقول :
) ومن كتاب الرد على أساس التقديس أيضا وفي أثناء رده على الرازي الذي ينفي كون الله تعالى جسما ومركبا من أعضاء وأدوات يقول ابن تيمية في (1/97 ) ( بل هذا " القول " الذي اتفق عليه العقلاء من أهل الإثبات والنفي )
..
فيوهم القارئ أن الكلام الذي نقله عن ابن تيمية هو حول ما ذكره قبيل النقل وهو أن الله جسم مركب وله أعضاء وأدوات وإلا فهل هذه بداية نقل يصح أن يبتدأ بها منصف ؟!!!
فيوهم القارئ أن قول ابن تيمية ( هذا القول الذي اتفق عليه العقلاء ..) هو أن الله حسم مركب من أعضاء وأدوات !!!
فنحن أمام أسلوب ماكر واحتيال وتلاعب بالكلمات لولا ه ما لما كان لمثله أن يرفع أنفه من التراب ليناطح الجبال .
فسياق الكلام ليس على أن الله جسم ولا أنه مركب والمسالة مختلفة تماما ولكنه الاحتيال الذي يتقنه فودة هذا الله !
فهو ينتقي المقاطع بدقه ويوجهها بمقدمته ويتبعها بتعليقه ويخللها بشرحه حتى يظن القارئ أن كلام ابن تيمية نص في المعنى الذي قدمه فيقول نعم قد قال ابن تيميه !!!
وحين نأتي إلى كلام ابن تيمية رحمه الله نجد أنه قد ذكر أصل المسألة التي يدور حولها الكلام والتي مازالت تدور حول مسالة انحصار الموجودات في المباين والمحايث واعتراض الرازي عليها .
قال رحمه الله ): بل هذا " القول " الذي اتفق عليه العقلاء من أهل الإثبات والنفي اتفقوا على أن الوهم والخيال لا يتصور موجودا إلا متحيزا أو قائما وهو الجسم وصفاته ثم المثبتة قالوا وهذا حق معلوم أيضا بالأدلة العقلية والشرعية بل بالضرورة وقالت النفاة إنه قد يعلم بنوع من دقيق النظر أن هذا باطل فالفريقان اتفقوا على أن الوهم والخيال يقبل قول المثبتة الذين ذكرت أنهم يصفونه بالأجزاء والأبعاض وتسميهم المجسمة فهو يقبل مذهبهم لا نقيضه في الذات(
والمتأمل في هذا النقل لا يجد ما يمكن أن يقال عنه نص على تجسيم ابن تيمية رحمه الله فالكلام واضح لا يحتاج إلى أدنى تأمل ومع ذلك يقول الاستاذ فودة معلقا :
( فانظر إليه هنا يقع في مغالطات فيستدل كما سترى بالوهم والخيال على الموجودات أي أنه يجعل الوهم حاكما ، فيقول كل ما لم يدرك عن طريق الوهم ، فليس موجودا وكل ما لم يستطع الخيال أن يتصوره فلا يمكن أن يكون موجودا . وتأمل في كلامه لترى كيف ادعى أن هذا لأمر قد دلت عليه أيضا النصوص الشرعية والأدلة العقلية وهو في ذلك مغالط )
وأقول : لقد أذهلت الأستاذ فودة سكرة البحث عن نصوص صريحة حتى غاب عنه أن ابن تيمية هنا لم ينسب هذا القول لأهل الإثبات فقط !
بل نسبه لأهل الإثبات والنفي جميعا ؟!!!
قد كرر ابن تيمية رحمه الله نسبة هذا الكلام إلى كل من النفاة والمثبتين مرتين فقال :
) بل هذا القول الذي اتفق عليه العقلاء من أهل الإثبات والنفي )
وقال : (فالفريقان اتفقوا على أن الوهم والخيال يقبل قول المثبتة )
فإذا كان متعلق الأستاذ فودة فيما ينسبه إلى ابن تيمية من نصوص أنه يحكيها على لسان أهل الإثبات أو المثبتين ويزعم أنهم أهل الحق عنده فهذا النقل لم يحكه ابن تيمية على لسانهم فقط بل حكاه عن النفاة والمثبتين جميعا فكيف كان ذلك نصا على تجسيم ابن تيمية با أستاذ فودة ؟! أم أن ألإفلاس والعجز قد وصل معك إلى حده ؟
ولقد كان على الأستاذ المحقق أن يبين للقارئ كيف اتفق الفريقان وكيف اختلفوا فيكشف ما ينبغي كشفه مما يتضح به المعنى للقارئ ولكن الأستاذ فودة يتلاعب بالألفاظ الموهمة .
فهو يطلق الأقوال المبهمة التي لا يفهم منها القارئ إلا معنى التشنيع فحسب وإن كان لا يدري في حقيقة الأمر ما المأخذ فيها وما الخطأ في هذه الأقوال .
- وحقيقة الأمر أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يتخذ في مناظرة الرازي وغيره من الجهمية النفاة طريقة المعارضة بين الأقوال المتقابلة فيقابلها ببعضها البعض حيث أنهم يزعمون أن حججهم عقلية كلامية لا تتعارض ولا تتناقض ، فيعارض حجج وأقوال النفاة بحجج وأقوال المثبتين في كل مسألة من هذه المسائل ، فيظهر بتعارضها وتناقضها بطلانها في نفسها وعدم صحة الاعتماد عليها للوصول إلى العلم بالله سبحانه وصفاته وأن الطريقة التي كان عليها سلف الأمة من إتباع الكتاب والسنة هي الطريقة الموصلة إلى العلم بالله سبحانه وتعالى فهم خير هذه الأمة وأعلمها بالله سبحانه وصفاته وأحكامه ولم يكن اعتمادهم على مثل هذه الألفاظ والمصطلحات المحدثة .
- وهو في هذه المعارضة قد يتوصل إلى إبطال القولين جميعا أو ترجيح احدهما على الآخر من جهة العقل أو الشرع بحسب قربه منهما أو بعده عنهما ، وليس بلازم عند العقلاء صحة القول الراجح أو القريب " مطلقا " في حقيقة الأمر لأنها مقارنة ومقابلة لا تقرير وتحرير وقد سبق النقل عنه في هذا.
- فابن تيمية رحمه الله يعارض ويرجح ويبطل دون التزام لأي من هذه الأقوال ولكن فقط ليبين بطلان هذه الطرق المبتدعة أو عدم صحة الاعتماد عليها وأن الطريقة الشرعية هي الطريقة الموصلة إلى العلم بالله سبحانه وتعالى وهي طريقة الأنبياء والصحابة والأئمة المتبوعين .
- فلا تصح نسبة هذه الأقوال له مطلقا سواء كانت صحيحة أو باطلة أو راجحة أو مرجوحة لأنه في الحقيقة يحكيها على لسان غيره وهي وإن اتفقت في النتائج أحيانا مع العقل أو الشرع أو كانت قريبه منهما فليست في تقريرها على منهج الكتاب والسنة الذي يتبعه الأئمة وابن تيمية بل على منه أهل الكلام المحدث فلا تلزمه ...
- بل لو كانت من كلامه هو نفسه وجاءت في سياق المناظرة والمحاورة فلا يصح أيضا الجزم بنسبتها إليه لأنها ليست في إيرادها على سبيل التقرير والتحرير بل في مقام المعارضة والمناظرة مع ما فيها من وجوه الرد والإلزام والتنزل والمحققون من أهل العلم والإنصاف يقررون هذا ويعتمدونه ولكن الأستاذ فودة الذي يزعم التدقيق والتحقيق والاطلاع الواسع لا يأبه بذلك ويضرب به عرض الحائط أملا في الحصول على ما يدعيه نصا صريحا وإمعانا في التلبيس والكذب على البسطاء ..
- فكيف إذا قرره رحمه الله ذلك بنصه وقوله وقد نقلته في مقدمات هذا البحث وأذكر به هنا حيث قال :
( ونحن نورد من كلامهم (أي المثبتين ) ما يتبين به أن جانبهم أقوى من جانب النفاة وليس لنا غرض في تقرير ما جمعوه من النفي والإثبات في هذا المقام بل نبين أنهم في ذلك أحسن حالا من نفاة انه على العرش فيما جمعوه من النفي والإثبات وقد أجاب هؤلاء عما ألزمهم النفاة من التجسيم الذي هو التركيب والانقسام ....) بيان تلبيس الجهمية ج: 2 ص: 63
فهل بعد هذا الكلام الواضح من شيخ الإسلام رحمه الله تصح نسبة هذه الأقوال إليه ويتبجح بأنها نصوص صريحة وواضحة ؟!!!
- هذا وإن أصل المسالة التي يدور حولها الكلام هو انحصار الموجودات في المباين والمحايث وادعاء الرازي بأن ثمة قسم ثالث موجود (لا داخل العالم ولا خارجه ) ورد المثبتين عليه بامتناع وجود هذا القسم ...
وهذا في الحقيقة موضع واحد ومسالة واحدة استل منها الأستاذ فودة الكثير من النصوص...
فالرازي يزعم أن القول بمنع هذا الموجود هو من حكم الوهم والخيال ولم يقم على ذلك دليلا إلا ادعاءه بأن هذا الموجود موجود .
- فإذا كان الحكم بوجود موجود لا داخل العالم ولا خارجه حكما عقليا كليا فما الذي يجعل القول بامتناعه من حكم الوهم والخيال ؟ لماذا لا يكون العكس هو الصحيح ؟.
فيكون القول بانحصار الموجودات بالمباين والمحايث هو الأصل الكلي الصحيح ، ويكون ادعائك قسم ثالث موجود لا داخل العلم ولا خارجه هو من حكم الوهم والخيال ؟لا سيما وأنت لم تقم دليلا على دعواك .هذا هو مسار الحوار وفكرته الأساسية .
وحيث أن الأستاذ فودة لم يتعرض في شرحه الطويل لأصل الموضوع ولم يبين كيف اتفق هؤلاء وكيف اختلفوا فنعرض أيضا عن تفصيل القول فيه أيضا ونكتفي فقط بكشف حيله وألاعيبه فيما يدعيه نصوصا واضحة وصريحة .
يقول الأستاذ فودة :
"ألا يعلم ابن تيمية أن الوهم ما هو إلا ملتقى الحواس أي ملتقى الصور الحسية وفي الوهم يحصل تركيب الصور الشخصية التي تصله عن طريق الحواس الخمس فكيف يقول بعد ذلك ان ما لا يدرك بالوهم فلا يمكن أن يكون موجودا أليس هذا هو عين مذهب الزنادقة الذين قالوا : بما أننا لا نستطيع أن ندرك الله بالحواس فلا يمكن أن يكون الله موجودا ""
- وأقول إن الأستاذ المتحاذق لا يعلم اصطلاح قومه في لفظ الوهم والخيال أو أنه يريد أن يوهم القارئ بأن الوهم والخيال المذكور هو ما يتعارف عليه لدى العامة من الأوهام والخيالات والكوابيس المزعجة !
فمن يسمع كلمة الوهم والخيال يظن أنها على معناها الدارج في كلام الناس كما يقال رجل ذو أوهام وخيالات يعني رجل مجنون أو واهم مخطئ وليس المعنى هو ذا في اصطلاح
القوم الذي يخاطبهم به ابن تيمية ...
، فإن الوهم في اصطلاح القوم قوة في النفس تدرك في المحسوسات معان ليست بمحسوسة كادراك معنى العداوة والصداقة كما تدرك معاني العلوم المنقولة بالخبر وليست هي ملتقى الصور الحسية كما يزعم الأستاذ المتحاذق بل ملتقى الصور هو الخيال أو قوة التخييل .
فالوهم والخيال عند القوم مرحلة تتوسط بين المحسوس والمعقول ...
وهي إما أن تتطابق المحسوس فيكون حكمها مطابقا صحيحا وحقا أو لا تطابقه فيكون حكمها توهما وتخيلا باطلا .
فقوله أن الوهم والخيال " يثبت كذا أو كذا " فهو لا " يثبت " بذاته كما يوهم كلام الأستاذ المتحاذق ولكنه يثبت تبعا لما يتلقاه من الحواس والإخبار ...
فإن طابق حكمه حكمهما فحينها يقال إن الوهم والخيال " يثبت " أو له تعلق وعندئذ لا يسمى وهما ولا خيالا بل يسمى علما وحقا وفقها ...
أما إن لم يطابق حكمه حكمهما فهو حكم باطل وظن فاسد ويسمى عندئذ وهما وخيالا ...
فالتحقيق أن لفظ الوهم والخيال له اصطلاح وله استعمال ولكن يغلب الاستعمال على الاصطلاح لذا لا يفهم الكثير من الناس إلا المعنى الدارج الذي أراد الأستاذ فودة أن يصل إلى القارئ حينما يقول إن ابن تيمية يتوهم ربه ويتخيله ولكن الأمر مجرد تشنيع رخيص وأسلوب ماكر يتبعه هذا الأستاذ المحتال .
–فهذه المصطلحات في استعمالها كلفظ الاعتقاد ليس بالضرورة أن يكون صحيحا وإن كان جازما ، فقد يطابق الحق في نفسه فيكون علما واعتقادا صحيحا وقد يخالفه فيكون جهلا واعتقادا باطلا ...
فإذا قيل الوهم والخيال يثبت كذا فإنما يقصد به الوهم والخيال الحق المطابق للحقيقة لا الخيال والوهم الغير مطابق والذي هو بالمعنى الدارج الذي سبقت الإشارة اليه .
- إذا علم ذلك فإن معنى القول أنهم اتفقوا على أن الوهم والخيال لا يتصور موجودا إلا متحيزا أو قائم بالمتحيز هو مبني على ما ثبت من الأخبار من أنه موجود وأن له نفس و ذات وقائم بنفسه ...
- فلما ثبت ذلك عندهم لم يتصوروا على أساسه وجود موجود إلا أن يكون مباينا أو محايثا حيث أن القائم بنفسه لا يكون إلا مباينا لغيره لا يكون حيث يكون قائما بنفسه أخر بخلاف القائم بغيره ...
- فإذا انحصر الوجود في القائم بنفسه والقائم بغيره فقد انحصر في المباين والمحايث وليس هذا من حكم الوهم والخيال المستقل بذاته- إن صح وصفه أنه كذلك - بل من حكم الوهم والخيال المطابق والتابع لما تلقاه من الحس والشرع بأن الله سبحانه موجود وثابت وله نفس وذات وقائم بنفسه ...
ثم قال :
(وأيضا فإن أصل المسالة هي ، هل يمكن أن ندرك الله بحواسنا ونتوهمه بوهمنا فابن تيمية يقول نعم يمكن ذلك، ويستدل على ذلك بنفس الوهم والتخيل وهو مصادرة على المطلوب كما ترى )
فنقول له : أما الإحساس به سبحانه فنعم ..
فإن الإحساس هو موجب العلم الصحيح وأصله الإبصار كما قال تعالى : ( وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا ) وقال سبحانه على لسان يعقوب : ( يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ) وقال تعالى : ( فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله ) وقال النبي صلى الله عليه و سلم ( كما تنتج البهيمة بهمية جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ) ولقد ثبت أن المؤمنين يرون ربهم سبحانه وتعالى يوم القيامة بأبصارهم فهذا مقصودنا بأن الله سبحانه يحس فهو سبحانه يمكن رؤيته وسماع كلامه .
فإذا كان الوهم والخيال تابعا للحس فهو يتعلق به سبحانه وتعالى لتعلق البصر والسمع به ، هذه في الآخرة .
أما في الدنيا فهو متعلق بما يتلقاه عن طريق الخبر الصادق وهذا التعلق تعلق إثبات ما جاء في هذه الأخبار وهو إثبات وجود للذات والصفات فتوهمها هو إدراك معانيها التي أخبر بها الكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة من الإثبات مع نفي مماثلة المخلوقات إثباتا بلا تشبيه وتنزيها بلا تعطيل ، فإن طابق هذا كان حقا وعلما اعتقادا صحيحا وإن خالفه فليس الكلام على الوهم والخيال الباطل فهذا لا تعلق له بشيء من الحقائق أصلا فاستنكار الأستاذ فودة لا وجه له لأنه مجرد تشنيع رخيص يستغل فيه جهل القارئ بمصطلح الوهم والخيال عند قومه .
أما قوله : ( هذه العبارة ترجيح من ابن تيمية لمذهب المجسمة بصراحة تامة ، لان قوله المثبتة لا يريد بهم إلا المجسمة ، فإنهم هم الذين يصفون الله تعالى بالأجزاء والابعاض وهم الذين سماهم الرازي بالمجسمة . فابن تيمية يقول بان مذهبهم هو الأقوى هنا..)
فهذا تدليس عجيب من الأستاذ فودة لان مسائل المجسمة على حد زعم الأستاذ فودة كثيرة وليست منحصرة في أن الله جسم وأنه مركب فمحاولة حشر هذا المعنى في كل مسألة حيلة مكشوفة من الأستاذ والمسالة مرتكز الحوار ذكرت في نفس النص المنقول وهي مختلفة عن مسألة أن الله جسم وأنه مركب والعجيب أن ابن تيمية يقول عن هذه المسالة محل الحوار (فالفريقان اتفقوا ( يعني لمثبتة والنفاة
فهل اتفقوا على أن الله جسم مركب من الأعضاء والأدوات ؟!!!
أم أن الأستاذ لا يفهم الموضوع أصلا ؟!
أما قول ابن تيمية أقرب أو مقبول من جهة العقل فهو بالنسبة إلى القول المقابل له ليس مطلقا وقد سبق بيانه والتدليل على معناه في النص السابق .
الموحد السلفي
2008-11-05, 14:36
النص السابع :
ليست جميع الأجسام محدثة ،لأن الله جسم قديم . وهذا الموافق للشريعة والفطرة.
إن طريقة اقتناص العبارات واجتزاءها عن سياقها وفصلها عن سباقها ولحاقها هي حيلة الأستاذ فودة في التي يتبعها دائما لتيغيب القارئ عن أصل الموضوع ومجرياته فلا يقف إلا على عبارات محددة منتقاة يجد فيها نفسه تحت توجيه الأستاذ فودة الذي يحيط كلامه بهذه العبارات إحاطة السوار بالمعصم فيوهم أن الكلام الذي أمامه هو كلام ابن تيمية وأنه كلام واضح وصريح!
ولعل نظرة سريعة على النقولات التي ينقلها عن ابن تيمية على أنها نصوص وكيفية إيرادها وبدايتها التي ينقل منها تؤكد ذلك المعنى .
- ولكي يتصور القارئ كيفي يتقن الأستاذ فودة هذه الحيلة فله أن يتأمل في أمرين :
- الأول : أن جميع ما يزعمه من النصوص السابقة وما سيأتي هو عبارة عن أقوال لطائفة من أهل الكلام من الكرامية وغيرهم جاء بها ابن تيمية رحمه الله ليعارض بها أقوال النفاة كالرازي وغيره وهذه الطريقة يتبعها ابن تيمية في مناظرته لأهل البدع جميعا وكل ذلك قد سبق تقريره ونقل كلامه في ذلك أكثر من مرة .
الثاني : أن قول هؤلاء النظار مبني على أنهم اصطلحوا على معنى للجسم هو الموجود القائم بنفسه فإن الله سبحانه وتعالى بناء على هذا الاصطلاح جسم وكل حججهم مبنية على هذا التفسير سواء في قولهم بانحصار الموجودات بالجسم وما يقوم به أو قولهم ببطلان دليل الحدوث لاستلزامه حدوث الرب سبحانه أو القول بالجهة والعلو والمباينة أو غير ذلك مما يعارض به ابن تيمية أقوال هؤلاء النفاة ليبن بطلانها أو رجوحها عليها لا أحقيتها مطلقا كما سبق تقريره .
- لذا فالأستاذ في كتابه كله لا يريد أن يسلط الضوء على هذه الحقيقة فيريد أن يغيب القارئ عنها تماما ليحلو له استغلال لفظ الجسم إذا ذكر في الكلام وفي العبارات التي يستلها من هنا وهناك يجتزئها من السياق ويوهم أنها من كلام ابن تيمية .
- فإذا غيب القارئ عن الأمر الأول كان الكلام لابن تيمية صراحة .
- وإذا غيب عن اصطلاح هؤلاء في معنى الجسم كان الكلام عن لفظ الجسم عموما أو على اصطلاح الأستاذ وما يتضمنه من المعنى اللغوي .
فما يقوم به الأستاذ فودة من حيل هو لتغييب القارئ عن هذين الأمرين فإذا علم ذلك فليكن القارئ على بصيرة من هذه الحيل التي ملأ بها كتابه فهي قائمة على هذين المعنيين .
أما ما يزعمه الأستاذ فودة نصا بقوله (النص السابع : ليست جميع الأجسام محدثة ،لأن الله جسم قديم . وهذا الموافق للشريعة والفطرة.)
فهو ما زال يحلم بنص صريح وواضح على تجسيم ابن تيمية فربما لا يدري أن القارئ الفطن قد تفطن إلى ألاعيبه وحيله فلم يعد تنطلي عليه .
- ولأن هذا النصوص المزعومة - السابع والثامن والتاسع - قد أجتزئت من سياق واحد وموضوع واحد فأرى قبل أن أتعرض لهذه النصوص أن أنقل أصل المناظرة التي ذكرها ابن تيمية رحمه الله ليتصور القارئ والباحث كيف أن هذه النصوص التي يزعمها مجرد ادعاءات مبنية على ما سبق تقريره من حيل لا أكثر.
- علما بأن هذا النص هو في المجلد الأول من بيان التلبيس من صفحة 103 إلى صفحة 122 .
وحيث انه طويل نوعا ما فقد رأيت أن أنقل من كل وجه ما يمكن معه تصور المعنى الكلي له ولمن يريده كاملا فله أن يراجع محله الذي أشرت اليه .
ففي بداية الفصل نقل ابن تيمية قول الرازي بلفظه حيث قال :
( قال الرازي : فنقول حاصل هذا الكلام أن المشبهة زعمت أن مباينة الباري تعالى عن العالم لا يعقل حصولها إلا بالجهة وأنتجوا منه كون الإله في جهة وزعمت الدهرية أن تقدم الباري على العالم لا يعقل حصوله إلا بالزمان وأنتجوا منه قدم المدة وإذا ثبت هذا فنقول حكم الخيال إما أن يكون مقبولا في حق الله تعالى أو غير مقبول فإن كان مقبولا فالمشبهة يلزم عليهم مذهب الدهرية وهو أن يكون الباري متقدما على العالم بمدة غير متناهية ويلزمهم القول بكون الزمان أزليا والمشبهة لا يقولون بذلك والدهرية يلزم عليهم مذهب المشبهة وهو مباينة الباري عن العالم بالجهة والمكان فيلزمهم القول بكون الباري مكانيا وهم لا يقولون به فصار هذا التناقض وارد على الفريقين
وأما إن قلنا إن حكم الوهم والخيال غير مقبول البتة في ذات الله تعالى وفي صفاته فحينئذ نقول قول المشبهة إن كل موجودين فلا بد وأن يكون أحدهما حالا في الآخر أو مباينا عنه بالجهة قول خيالي باطل وقول الدهري إن تقدم الباري على العالم لا بد وأن يكون بالمدة والزمان قول خيالي باطل وذلك هو قول أصحابنا أهل التوحيد والتنزيه الذين عزلوا حكم الوهم والخيال في ذات الله تعالى وصفاته وذلك هو المنهج القويم والصراط المستقيم )
-
وخلاصته :أن القول بأن كل موجودين إما أن يكونا متحايثين متداخلين أو متباينين منفصلين نظير قول الدهري بأن الباري متقدما على العالم بمدة من الزمان ،وأنه لما كان تصحيح قول الدهري يلزم منه القول بقدم الزمان كذلك يلزم المثبت للعلو والمباينة القول بقدم الجهة والمكان ، واستدل بهذه اللوازم على بطلان القولين جميعا وحكم بأن القول بأن هذه أمور ضرورية فطرية بأنه من حكم الوهم والخيال الذي يحكم في المحسوس لا في الأمور الغائبة ...
فرد عليه ابن تيمية من أحد عشر وجها تسلسل فيها من وجه إلى وجه حتى توصل إلى أن كلام الرازي المذكور في هذه المعارضة حجه لمخالفه لا عليه في مناقشة علمية دقيقة حيث قال :
) قلت والكلام على هذا من وجوه :
- أحدها أن تسمية هؤلاء أهل التشبيه مما ينازعونه ...(
- وحيث انه لا تعلق لهذا الوجه بما نحن فيه حيث علق فيه على وصف الرازي للمخاف له بالمشبهة فنكتفي بالإشارة إليه ونحيل عليه في موضعه لمن يريد مراجعته .
-) الوجه الثاني أن هذه الحجة يحتج بها طوائف من متكلميهم من الكرامية وغيرهم وإلا فجمهورهم لا يحتاجون إلى قياس شمولي في هذا الباب بل عندهم أن علو الله على العرش معلوم بالفطرة الضرورية وقد تواطأت عليه الآثار النبوية واتفق عليه خير البرية ويقولون نفي ذلك تعطيل للصانع معلوم بالضرورة العقلية فلو فرض أن هذا القياس عارضه ما أبطله لم يبطل ما علموه بالفطرة الضرورية من أن الله فوق خلقه وأنه يمتنع كونه لا داخل العالم ولا خارجه ولا يلزم من كون العبد مضطرا إلى العلم بحكم الشيء المعين أن يجعل نقيض ذلك قضية عامة كلية فإن العلم بالمعين الموجود يلزمه نفي النقيض وذلك شيء غير العلم بنفي المطلق الكلي وطوائف من أهل الفطرة الصحيحة والأثبات للشريعة يعلمون أن الله تعالى فوق العالم ولا يخطر بقلوبهم تقدير وجود موجود لا داخل العالم ولا خارجه حتى ينفوه (
وخلاصته : أن القول بأن كل موجودين يكون أحدهما مباينا للأخر أو محايثا له قياس شمولي يستدل به على علو الله سبحانه وتعالى على خلقه ومباينته لهم ، وهو قول بعض الكرامية لا جميعهم ، أما جمهورهم فإنه يحتج بالفطرة الضرورية القاضية بعلو الله على خلقه وأن هذا أيضا مما تواطأت عليه الآثار النبوية واتفق عليه خير البرية وعلى فرض أن هذا القياس الشمولي بأن الموجودين إما أن يكون أحدهما مباينا أو محايثا للأخر قد عارضه ما يبطله فإن هذا العارض لا يبطل ما علموه بالفطرة الضرورية بأن الله فوق خلقه وأنه يمتنع كونه لا داخل العالم ولا خارجه ...
ثم قال
- (الوجه الثالث : أن هذه الحجة المذكورة ليست نظير ما ذكره من حجة الدهرية وذلك أن هؤلاء قالوا الخالق والمخلوق موجودان فكل موجودين فإما أن يكون أحدهما حالا في الآخر أو بائنا عنه وكذلك إذا قيل إما أن يكون أحدهما داخلا في الآخر أو خارجا منه وكذلك إذا قيل إما أن يكون أحدهما متصلا بالآخر مقارنا له أو منفصلا عنه بائنا منه ثم قالوا وليس هو فيه فوجب أن يكون خارجا منه وهذا مقصودهم فنظيره أن يقال الباري والعالم موجودان وكل موجودين فإما أن يكون وجودهما معا وهما متقارنان وإما أن يكون أحدهما قبل الآخر وليس مع العالم مقارنا له فوجب أن يكون متقدما عليه وهذا حق فهذا تمام الموازنة والمعادلة بين الحجتين ..)
فبين رحمه الله أن قول الرازي أن هذا القول نظير قول الدهرية خطأ وساقه على وجهه الصحيح ثم قال :
) فالأولى دلت أن الباري تعالى خارج عن العالم ليس فيه وهذه دلت على أن الباري سابق للعالم لم يقارنه العالم...)
ثم قال :
- الوجه الرابع أن هذه المعارضة قد أخذها الرازي ممن احتج بها قبله كأبي المعالي وذويه فإنهم ذكروها في مسألة حدوث العالم وذكروها في مسألة الجهة لما أورد عليهم كل واحدة من الطائفتين ما عارضهم به من القضيتين الفطريتين فظنوا أنهم بهذا الإلزام يخلصون من معارضة الطائفتين ويجعلون ذلك دليلا على أنها من حكم الوهم ومع هذا لم يخلصوا بذلك من معارضة الطائفتين بل ادعوا ما يخالف العقل الصريح وكان ذلك مما سلط عليهم الفلاسفة الدهرية رأوا احتجاجهم بهذه الحجة الضعيفة وكان ذلك مما سلط عليهم المسلمون المثبتون وهذا كما ذكره الإمام أحمد في مناظرة جهم للسمنية...)
ثم قال رحمه الله :
) ثم غاية ذلك أنه جواب إلزامي لا علمي وهو لا ينفع لا للناظر ولا للمناظر وذلك أن المثبت إذا قال لهم كل موجودين فإما أن يكون أحدهما حالا في الآخر أو بائنا عنه كان من المعروف بنفسه أن هذا حكم الفطرة الإنسانية الموجودة لبني آدم وهذه الفطرة الضرورية لا تندفع بمعارضة ولا جدل فإذا قالوا هذا من حكم الوهم الباطل وبمنزلة قول الدهرية من الفلاسفة وغيرهم كل موجودين فإما أن كون أحدهما متقدما على الآخر أو مقارنا قيل له هب أن الأمر كذلك فهذا الذي مثلت به هو حق أيضا تقبله الفطرة وتحكم به فإذا قال هذا من حجة الدهرية القائلين بقدم العالم فإذا صححناه لزمنا القول بقدم العالم وهو باطل وما استلزم الباطل فهو باطل قيل له هذه القضية معلومة بينة بنفسها فطرية ضرورية وأما كونها مستلزمة للقبول بقدم العالم فهذا ليس بين ولا معلوم بل أنت تقوله وقد يكون هذا من ضعف جوابك عن دعوى التلازم فلما عجزت عن الجواب سلمت التلازم .(
بمعنى أن جوابك أيها الرازي بأن القول بأن الله فوق العالم هو نظير قول الدهري بأن الله متقدم على العالم هو جواب إلزامي ليس فيه تعرض لحجة الخصم أصلا وهذا لا ينفعك ولا يدفع حجة خصمك ، حيث أنها أمور ضرورية معلومة بالفطرة فلا تندفع بمعارضة ولا جدل فإذا قيل هذا مثل قول الدهرية بأن الله متقدم عن العالم أو مقارنا له قيل هذا الذي مثلت به هو حق أيضا تقبله الفطرة وتحكم به فإن قيل أنه يلزم منه القول بقدم العالم إذا صححناه قيل له :هذه القضية أي تقدم الله على العالم معلومة بالفطرية الضرورية وكونها مستلزمه للقول بقدم العالم ليس بينا ولا معلوما بل هو في الحقيقة ليس بلازم وإنما التزمته أنت لضعف حججك في الرد على هؤلاء .
- ) الوجه الخامس : أن يقول هب أنا نفرض تلازمهما فالعلم بهذه القضية التي ألزمتموني نفيها لأنفي معها الأولى التي إثباتها أبين في العقول من كون العالم الذي هو عندكم جميع الأجسام وصفاتها محدث ليس شيء منها بقديم فالاحتجاج على بطلان هذه المقدمة ببطلان هذا اللازم الذي هو أخفى منها عكس الواجب بل إن صح هذا التلازم كان بعض قول الفلاسفة أصح من قولكم يا معشر المناظرين لهم والله تعالى لم يأمرنا أن ندفع الأقوال الباطلة من أقوال الكفار وغيرها بالأقوال الباطلة (
بمعنى أنكم تعارضون القول بان الله فوق العالم وأنه مباين له بأنه نظير قول الدهري بأن الله متقدم عن العالم والذي يجب نفيه لأنه يلزم منه قدم شيء من العالم وهذا يعارض قولكم بأن العالم حادث لا شيء منه قديم ...
فإذا وازنا بين الأدلة وجدنا أن قولنا بأن الله مباينا للعالم وأنه سبحانه متقدم عليه معلوم بالضرورة الفطرية وقولكم بحدوث جميع الأجسام مبني على أمور نظرية متنازع فيها فكيف يقدم هذا على هذا .
- ( الوجه السادس: إن كل واحدة من الطائفتين تقول لهم إذا عارضهم بمذهب الآخرين ما يبطل هذه المعارضة..
وهنا يتكلم رحمه الله بلسان كل من المثبت والدهري الفيلسوف :
) فيقول المثبت للعلو من المسلمين وسائر أهل الملل والفلاسفة الصابئين والمشركين وغيرهم أنا أعلم بفطرتي أن الموجود إما أن يكون محايثا لغيره أو مباينا له وقولك إن هذا مثل قول الفيلسوف الدهري الموجودان إما أن يكون أحدهما مع الآخر أو قبله هو أيضا معلوم لي وقولك إن هذا يستلزم تقدم العالم أنا لا أجزم بهذه الملازمة نفيا ولا إثباتا ( ...
ثم قال :
) وقد يقول أيضا أنا لا أنظر في هذه المعارضة وسواء جزمت بثبوت الملازمة أو انتفائها أو لم أجزم بشيء فأقول لا يخلو إما أن يكون ما ذكرته مستلزما للقول بقدم جسم من الأجسام أو لا يكون فإن لم يكن مستلزما بطلت المعارضة وإن كان مستلزما لقدم جسم من الأجسام فليس علمي بحدوث الأجسام الذي تسميه حدوث العالم أبين عندي من العلم بهذه القضية إذ هذه المقدمة ضرورية فطرية وتلك تحتاج إلى مقدمات طويلة خفية وفيها نزاع كثير (
والكلام واضح لا يحتاج إلى تعليق .
ثم قال توضيحا :
( فإذا كان العلم بأن الله تعالى فوق العالم أبين في الفطرة والشرعة من كون الأجسام كلها محدثة لم يجب علي أن أترك ذلك المعلوم البين في الفطرة خوفا أن يلزمني إنكار هذا الذي ليس هو مثله في ذلك وهذا الجواب بين ظاهر .)
ثم قال :
( الوجه السابع :
وهو أن الفيلسوف يقول وعلمي بأن الموجودين إما أن يكون أحدهما مع الآخر أو قبله علم بديهي فطري وأما قولك إن هذا مثل قول المجسم الموجودان إما أن يكون أحدهما محايثا للآخر أو بائنا عنه أقول لا يخلو إما أن تكون هذه المماثلة حقا أو باطلا فإن كانت باطلا لم يرد علي وإن كانت حقا وجب علي التزام المماثلة ..)
وخلاصة ما في الوجهين السابع والسادس أن المعلوم بالضرورة مقدم على المعلوم بالأدلة الخفية ، وأن علو الله على خلقه وتقدمه على العالم معلوم بالضرورة الفطرية ..
أما ما يلزم عن ذلك من اللوازم التي تعارض هذا المعلوم فهي أمور خفية لا ترقى أن تعارض هذا الضروري فضلا أن تتقدم عليه ،
وغاية ما يدعى في إثباتهما أن تعارض دليلا معينا على حدوث العالم وقدم الرب سبحانه .
( ولا ريب أن قدم العالم أو صحة هذه الحجة أخفى وأبعد عن المعلوم من كون واجب الوجود تعالى فوق العالم فإن الإقرار بهذا ثابت في الفطرة وقد تواتر عن الأنبياء والرسل القول به فإذا كان على أحد التقديرين أخالف المعلوم بفطرتي من العلوم الضرورية فأنفي كل واحد من القضيتين وأخالف الأنبياء والمرسلين وعلى الآخر إنما أخالف الحجج الدالة على قدم العالم وأبطل هذه الحجة المعينة كانت مخالفة هذه أولى في عقل كل عاقل وهذا لكلام في غاية الإنصاف والبيان )
فخلاصة القول بأن ما نقول به مبني على مقدمات ضرورية فطرية وما يلزم عنها من خفي اللوازم إن صح فلا يمكن أن نقدمه على المعلوم بالضرورة لا سيما وهذا الضروري قد وافق لما عليه الأنبياء والمرسلين .
( فعلم أن ما ذكروه من المعارضة لم يندفع به واحدة من الطائفتين لا في المناظرة ولا في نظر الإنسان بينه وبين ربه تعالى ولكن أوهموا هؤلاء بهؤلاء وهؤلاء بهؤلاء والتزموا مخالفة الفطرة الضرورية العقلية التي اتفق عليها العقلاء في كل من الإيهامين مع ما في ذلك من مخالفة الكتب والرسل ببعض ما قالوه في كل واحدة من المسألتين مسألة حدوث الأجسام ومسألة علو الله تعالى على خلقه هذا كله إذا لم يكن في الفلاسفة من يقول بالجهة ولا في المسلمين من يقول بقدم بعض الأجسام )
وهذا لكلام تقرير لما سبق ونتيجة له ، فلما أبطل قول الرازي وبين عدم صحة هذه المعارضة عند كلا الطائفتين قرر ذلك في هذه الفقرة .
ثم قال رحمه الله :
- والمثبت للجهة يقول ما يقال في
- الوجه الثامن :
وهو أن يقول غاية ما ألزمتني به من حجة الدهرية أن يقال بقدم بعض الأجسام إذ القول بقدم الأجسام جميعها لم يقل به عاقل والقول بخلق السموات والأرض لم تدل هذه الحجة على نفيه وإنما دلت إن دلت على قدم ما هو جسم أو مستلزم لجسم وهذا مما يمكنني التزامه ..)
وهنا نرجع إلى التذكير بأن هؤلاء النظار من المثبتين الذين ينقل عنهم ابن تيمية رحمه الله قد اصطلحوا بان الجسم هو الموجود القائم بنفسه ورتبوا على ذلك أن الله سبحانه وتعالى جسم حيث انه موجود قائم بنفسه موصوف بالصفات وهذا لا ينبغي أن يغيب عن ذهن القارئ مهما شغب الأستاذ فودة وشوش .
ومما ينتج عن القول بأن الله جسم على مذهب هؤلاء هو القول بعدم حدوث جميع الأجسام إذ كيف يقال بحدوث جميعها والله سبحانه جسم ؟!
فنقضوا أدلة الحدوث التي يقول بها المتكلمون إذ التسليم لها يعني حدوث الرب سبحانه وتعالى وهم لا يقولون بذلك .
هذا هو مذهب هؤلاء النظار من الكرامية وغيرهم والذين يحكي عنهم ابن تيمية كلامهم ويصفهم بالمثبتين أو أهل الإثبات .
فيقولون: إذا دل قول الدهري على قدم بعض الأجسام دون تعيين أمكننا التزام ذلك لان هذا الجسم القديم هو الله بالضرورة وهذا معنى كلام ابن تيمية :
(فإنه من المعلوم أن طوائف كثيرة من المسلمين وسائر أهل الملل لا يقولون بحدوث كل جسم إذ الجسم عندهم هو القائم بنفسه أو الموجود أو الموصوف فالقول بحدوث ذلك يستلزم القول بحدوث كل موجود وموصوف وقائم بنفسه وذلك يستلزم بأن الله تعالى محدث)
وهذا هو ما سبقت الإشارة إليه من مذهب المثبتين لا يقولون بحدوث كل جسم إذ الجسم عندهم هو القائم بنفسه أو الموجود أو الموصوف فالقول بحدوث ذلك يستلزم القول بحدوث كل موجود وموصوف وقائم بنفسه وذلك يستلزم بأن الله تعالى محدث وهو يقولون بان الله سبحانه جسم ولكنه قديم .
ثم قال رحمه الله :
(فتقول لهم مثبتة الجهة إذا كان تصحيح هاتين المقدمتين الفطريتين يستلزم مع كون الباري تعالى فوق العالم مباينا له أن يكون من الأجسام ما هو قديم أمكنني التزام ذلك على قول طوائف من أهل الكلام بل على قول كثير منهم ولم أكن في ذلك موافقا للدهرية الذين يقولون إن الأفلاك قديمة أزلية حتى يقال هذا مخالف للكتاب والسنة)يعني إذا كان تسليمي بهذه المقدمات الضرورية أن الله سبحانه فوق العالم بائنا منه ويلزم بعد ذلك أن أقول بقدم جسم ما من غير تعيين فإنه يمكنني أن التزم ذلك على أن يكون هذا الجسم القديم هو الله سبحانه لا الأفلاك التي يقول الفلاسفة بقدمها .
ثم قال رحمه الله :
(وأما كون الباري جسما أو ليس بجسم حتى يقال الأجسام كلها محدثة فمن المعلوم أن الكتاب والسنة والإجماع لم تنطق بأن الأجسام كلها محدثة وأن الله ليس بجسم ولا قال ذلك إمام من أئمة المسلمين فليس في تركي لهذا القول خروج عن الفطرة ولا عن الشريعة بخلاف قولي بأن الله تعالى ليس فوق العالم وأنه موجود لا داخل العالم ولا خارجه فإن فيه من مخالفة الفطرة والشرعة ما هو بين لكل أحد وهو قول لم يقله إمام من أئمة المسلمين بل قالوا نقيضه فكيف التزم خلاف المعقول الفطري وخلاف الكتاب والسنة والإجماع القديم خوفا أن أقول قولا لم أخالف فيه كتابا ولا سنة ولا إجماعا ولا معقولا فطريا)
(بل يقول ( أي مثبتو الجهة ) في:
- الوجه التاسع هذه المعارضة تؤكد مذهبي وتقوية وتكون حجة ثانية لي على صحة قولي فإن احتججت علي بأن الله تعالى مباين للعالم بأن الموجودين إما أن يكون أحدهما مباينا للآخر أو محايثا له فقلتم هذا معارض بقول الفيلسوف إن الموجودين إما أن يكون أحدهما متقدما على العالم أو مقارنا له وذلك يستلزم القول بقدم الزمان المستلزم للقول بقدم بعض الأجسام فأقول إذا كانت هذه الحجة التي عارضتموني بها مستلزمة لكون بعض الأجسام قديمة من غير أن تعين جسما أمكن أن يكون ذلك الذي يعنونه بأنه الجسم القديم هو الله سبحانه وتعالى كما يقوله المثبتون وأن ذلك هو ملازم لقولنا إنه موصوف وقائم بنفسه ..)
يعني أنه إذا كان قولي بعلو الله على خلقه ومباينته للعالم مستلزما للقول بقدم بعض الأجسام دون تعين بناءا على قول الفليسوف فهذا الإلزام هو حجة لي تقوي دليلي لان الجسم القديم حينئذ هو الله سبحانه وتعالى وهذا كله مذهب من يثبت بأن الله جسم ويقولون أنه القائم بنفسه .
( فتكون هذه الحجة التي عارضتم بها دليلا على أن الله تعالى جسم بالمعنى الذي ذكرتموه الذي تقول إنه ملازم لكونه موصوفا وقائما بنفسه وإن نازعتم في الملازمة )
فإذا ثبت أن الله جسم وأنتم تقولون بأن الأجسام هي التي يصح أن تتباين وتتحايث كان هذا دليل ثان على صحة القول بعلو الله على خلقه ومباينته لهم حيث أنه سبحانه جسم كما سبق .
ثم قال :
(فإنكم لا تنازعون في أن الجسم أو ما يقوم به إما مباينا لغيره أو محايثا له وإذا كان موجب الحجة التي ألزمتموني إياها يلزمني أن أقول هو جسم وذلك يستلزم أن يكون مباينا للعالم كان هذا الذي ألزمتموني به حجة ثانية على أنه مباين للعالم فأردتم معارضة كل حجة بالأخرى ليكون ما قلتموه من تناقض الحجتين نافيا لكونه مباينا للعالم ولكون كل جسم محدثا فتبين أن الحجتين متعاونتان متصادقتان وأن كل واحدة منهما تدل على أنه تعالى مباين للعالم )
يعني أنكم تقولون أن المباينة والمحايثة إنما تكون بين الأجسام وما يقوم بها من أعراض وحيث أن الله سبحانه ليس بجسم فلا يوصف بأنه مباين أو محايث فهو لا داخل العلم ولا خارجة ...
فإذا كان موجب الحجة التي ألزمتموني بها يلزم منها قدم شيء من الأجسام من غير تعيين فأنا التزم ذلك وأقول إن هذا الجسم الذي يلزم من القول بالعلو والمباينة بأنه قديم هو الله سبحانه ...
وإذا التزمت بأنه الجسم القديم فيصح حينئذ على مذهبكم أن يوصف بالمباينة فكان دليلكم الذي عارضتموني به دليلا على أن الله سبحانه جسم حتى بالمعنى الذي تذكرونه لان مقدماته ضرورية وهو الذي نقول عنه أنه ملازم لكونه موصوفا وقائما بنفسه .ودليل على أنه سبحانه بائن من خلقه فهو حجة لي لا علي .
ثم قال رحمه الله
- ( ويقول في الوجه العاشر إذا كانت إحدى هاتين المقدمتين الضرورتين تستلزم أنه مباين للعالم والأخرى تستلزم أنه جسم فقد ثبت بموجب هاتين المقدمتين صحة قول القائلين بالجهة وقول القائلين بأنه جسم وكونه جسما يستلزم القول بالجهة كما توافقون عليه وقول القائلين بالجهة يستلزم أيضا القول بالجسم كما تقولون أنتم وأكثر العقلاء خلاف ما يقوله قدماء أصحابكم إن نفي الجسم مستلزم لنفي الجهة والعلو على العرش وأن ثبوت العلو على العرش يستلزم ثبوت الجسم فإذا تكون كل واحدة من هاتين المقدمتين الفطريتين دليل على كل واحد من هذين المطلوبين وكل من المطلوبين دليلا على الآخر فصار على كل واحد من هذين المطلوبين أربع حجج وهي مبنية على مقدمات فطرية فقد بين هذا أن ما ذكرتموه معارضة للنفاة لتبطلوا به حجتهم هو من أعظم الحجج على صحة قولهم )
- وهذا تقرير لما سبق من أن هذا الدليل موافق لي وليس فيه ما ينقض ما أقول به من المباينة والعلو لله سبحانه وتعالى .
وكذلك أيضا قول الفيلسوف في
( الوجه الحادي عشر وهو أن يقول هذا الذي عارضتموني به في مسألة الزمان أكثر ما يوجب علي أن أقول بالجهة والقول بالجهة هو قول أئمة الفلاسفة كما ذكرناه فيما مضى عن القاضي أبي الوليد ابن رشد الفيلسوف الذي هو من أتبع الناس لأقوال آرسطو وذويه وأنه قال القول في الجهة وأما هذه الصفة فلم يزل أهل الشريعة من أول الأمر يثبتونها لله سبحانه وتعالى حتى نفتها المعتزلة ثم تبعهم على نفيها متأخرو الأشعرية كأبي المعالي ومن اقتدى بقوله..)
الموحد السلفي
2008-11-05, 14:37
فهذه هي الوجوه الأحد عشر التي ذكرها ابن تيمية رحمه الله ردا منه على الرازي إذا تصورت وفهمت على ما هي عليه عرف مدى التلاعب والاحتيال الذي يقوم به الأستاذ فودة لاستلال فقرة من هنا أو هناك دون الالتزام بمنهج النقد العلمي والأمانة العلمية .
وخلاصتها تتمثل فيما يأتي :
- الوجه الأول : تعرض فيه إلى وصف الرازي لمخالفه بالمشبه .
- الوجهة الثاني: ذكر أن جمهور الكرامية وغيرهم لا يحتج بالقياس الشمولي القاضي بأن كل موجودين إما أن يكون أحدهما مباينا للأخر أو محايثا له وإنما يحتجون على هذا بالفطرة الضرورة .
- الوجه الثالث : نفي أن تكون حجة المثبت للعلو نظير قول الدهري على حسب ما ذكر الرازي وذكر أن العلم بكلا القضيتين ( علو الله على خلقه وتقدمه علهم ) ضروري فطري .
- الوجه الرابع : ذكر أن هذه المعارضة عبارة عن جواب إلزامي لا علمي وأن العلم بهما ضروري لا يندفع بمعارضة ولا بجدل .
- الوجه الخامس : يسلم المثبت جدلا للرازي بصحة التلازم بين تقدم الله على العالم - الذي هو قول الدهري - وبين قدم بعض الأجسام ثم يقرر أن العلم بتقدم الله على العالم أبين في العقول والفطر من القول بحدوث جميع الأجسام ويقول أن الاحتجاج على بطلان هذا العلم الضروري ببطلان لازمه الخفي عكس الواجب.
- الوجه السادس: يحكي على لسان المثبت : بان القول بتصحيح المقدمتين الضروريتين يلزم عنه القول بقدم بعض الأجسام هذا التلازم لا اجزم به ولا التفت إليه مع إثبات ما أثبته بالعلم الضروري الفطري بعلو الله على خلقه مدعما ذلك بدلالة الكتاب والسنة .
- الوجه السابع : حكاية قول الفيلسوف مثل قول المثبت الذي سبقه .
- الوجه الثامن : حكاية قول المثبت بأن غاية ما يلزمني من القول بهاتين المقدمتين الضرورتين ( علو الله على خلقه وتقدمه علهم ) هو القول بلازم قول الدهري وهو قدم ما هو جسم أو مستلزما لجسم وهذا يمكنني التزامه ويكون هذا الجسم القديم هو الله حيث أني أقول بان الجسم هو الموصوف القائم بنفسه . وعليه فالقول بحدوث جميع الأجسام يستلزم حدوث الرب سبحانه .
- الوجه التاسع: حكاية قول المثبت بأن هذه المعارضة التي ذكرها الرازي تقوي القول بالمباينة وتدعمه حيث أنها قد نتج عنها القول بقدم بعض الأجسام من غير تعيين وهذا ما التزمته ويكون هذا الجسم القديم هو الله فنتج عن القول بهاتين المقدمتين الضروريتين إثبات أن الله جسم وهذا دليل جديد على قولنا بأنه جسم وأيضا إثبات المباينة له بالاتفاق حيث أنكم تقولون أنها من خصائص الأجسام وقد ثبت أنه جسم .
- الوجه العاشر : بيان أن ما نتج عن القول بهاتين المقدمتين الضروريتين من أن الله مباين للعالم في الأولى وانه جسم في الثانية على ما سبق فقد ثبت صحة قول القائلين بالجهة وصحة قول القائلين بأنه جسم باعترافكم بأن هذا لازم لهذه المقدمات الضرورية .
- الوجه الحادي عشر : حكاية قول الفيلسوف : بأن هذا الذي عارضتموني به في مسألة الزمان أكثر ما يوجب علي أن أقول بالجهة والقول بالجهة هو قول أئمة الفلاسفة كما ذكرناه فيما مضى عن القاضي أبي الوليد ابن رشد الفيلسوف .
فهذه أحد عشر وجها كما هو واضح ليس فيها للأستاذ حيلة إلا أن يكذب تارة على ابن تيمية بأن هذا الكلام هو كلامه لا يحكيه عن غيره .
وتارة بالكذب على هؤلاء المتكلمين وطوائف النظار بالتعمية على معنى الجسم الذي ذكروه وفسروه به .
علما بان هذه الوجوه كلها مفترضة مبني بعضها على عدم التسليم وبعضها على التنزل والتسليم كما هو واضح وكلها من وجوه المناظرة والمجادلة التي لا يصح أن يستل منها قولا لأحد الطرفين وينسب إليه على أنه من تقريره .
هذه خلاصة ما سبق .
ولنأت بعد ذلك إلى كلام الأستاذ فودة وكيف انتقى من هذه الوجوه ما يسميه نصوصا صريحة على أن ابن تيمية يقول بأن الله جسم :
بدا نقل الأستاذ فودة من جزء محدد قد انتقاه بعناية وذلك من الوجه السابع حيث نقل :
( فعلم أن ما ذكروه من المعارضة لم يندفع به واحدة من الطائفتين لا في المناظرة ولا في
نظر الإنسان بينه وبين ربه تعالى ولكن أوهموا هؤلاء بهؤلاء وهؤلاء بهؤلاء والتزموا مخالفة الفطرة الضرورية العقلية التي اتفق عليها العقلاء في كل من الإيهامين مع ما في ذلك من مخالفة الكتب والرسل ببعض ما قالوه في كل واحدة من المسألتين مسألة حدوث الأجسام ومسألة علو الله تعالى على خلقه)
ثم قال الأستاذ معلقا :
(فابن تيمية كما ترى يدعي أن من قال بحدوث كل الأجسام ، وينفي أن يكون هناك جسم قديم بعينه ، فهو مخالف للرسل ، وكذلك من نفى كون الله في جهة العلو ، فقد خالف الرسل أيضا )
وليتأمل القارئ احتيال الأستاذ فودة في اجتزاء هذا النص وكيف بدا هذا النقل !
وهل يستطيع القارئ أن يفهم منه شيئا حتى يقول له الأستاذ " كما ترى " ؟
فما متعلق قول ابن تيمية : " فعلم أن ما ذكروه من المعارضة ..." ؟ أين ما ذكروه وما هذا الذي ذكروه ؟لا أحد يدري !
ولماذا لا يبدأ الأستاذ فودة النقل بكلام يمكن معه القارئ أن يتصور أصل الموضوع ؟ !
- هذه هي الطريقة الخبيثة التي أشرنا إليها والتي يستعملها الأستاذ فودة لاستلال الكلمات وفصلها عن سياقها على وجه لا يمكن معه تصور الموضوع أساس الحوار .
ولعل نقلنا للموضوع باختصار قد وضع تصورا مجملا له ليقف القارئ المنصف على عظيم جناية هذا الرجل على نفسه لا أقول على شيخ الإسلام فإن مثله لا تنال من منزلته وقدره هذه الأكاذيب والحيل المكشوفة .
- أما قول الأستاذ : (فابن تيمية كما ترى يدعي أن من قال بحدوث كل الأجسام ...مخالف للرسل..)
فهو كذب على ابن تيمية رحمه الله لان هذا الكلام أولا يحكيه على لسان غيره من أهل الإثبات الذين يقررون بأن الله جسم وبناءا عليه فلا يقولون بحدوث جميع الأجسام حيث أن هذا يستلزم أن الله حادث على مذهبهم .
- وثانيا فإن هؤلاء خالفوا الفطرة الضرورية التي اتفق عليها العقلاء لما قالوا بأن موجودا له ذات قائم بنفسه لا يكون بائنا من الخلق منفصلا عنهم كما لا يكون داخلا فيهم محايثا لهم فنفوا عنه حكم النقيضين .
أما مخالفة الرسل فهي ممن ينفي علو الله على خلقه فهذا ما نطقت به الكتب وجاءت به جميع الرسل وممن يلتزم بنفي صفات الله سبحانه وتعالى الذاتية والفعلية بحجة أن إثباتها دليل الحدوث فدليل الحدوث فيه ما يتضمن مخالفة الرسل والكتب من نفي الصفات ...
ومحاولة التلبيس وتوجيه الكلام إلى من يقول بحدوث الأجسام حميعها بأنه مخالف للرسل محاولة مكشوفة لا تنطلي على القارئ بعد كل ما سبق .
ثم نقل فودة جزء آخر من كلام ابن تيمية الذي فتته فقال :
(هذا كله إذا لم يكن في الفلاسفة من يقول بالجهة ولا في المسلمين من يقول بقدم بعض الأجسام)
ثم علق فقال :
( ابن تيمية يريد أن كلام النفاة في المسألتين السابقتين يكون مجمعا عليه وصحيحا إذا لم يكن هنا من يقول من الفلاسفة يقول بأن الله في جهة وأيضا إذ لم يكن هناك أحد من المسلمين من يقول بقدم بعض الأجسام ومفهوم هذا القول :
أن بعض الفلاسفة قال بكون الله في جهة
وإن بعض المسلمين قال بقدم بعض الأجسام .
وقد فهم محقق الكتاب مراد ابن تيمية من من الفلاسفة قال بالجهة فعلق في الهامش بقوله "وتقدم النقل عن ابن رشد في القول بها "
والحقيقة أن ابن رشد عندما قال بالجهة لم يقصد الجهة بالمعنى الذي قال به ابن تيمية فهو إذن اثبت شيئا سماه جهة ، وهذا المعنى هو غيرا لمعنى الذي أثبته ابن تيمية وسماه جهة فهل يجوز بعد ذلك أن يستدل ابن تيمية بكلام ابن رشد مع أنه لا يريد نفس المعنى الذي أراده من الجهة ؟!
الغريب أن ابن تيمية قد اعتاد على هذا الأسلوب السوفسطائي من الاستدلال وهو باطل بلا ريب .
ثم قال وليس مقصودنا الكلام على الجهة ولكن موضوعنا هو الجسم . )
وأنا أقول إن تعليقه هذا لا يليق إلا بأتباعه ومريديه لا يليق بطالب حق يرجو الله واليوم الآخر
فقوله : ( ابن تيمية يريد أن كلام النفاة في المسألتين السابقتين... )
أقول له :
أنت تقول السابقتين فهل ذكرتهما فيما نقلت ؟
هل وضحت للقارئ هاتين المسالتين ؟
أنت تريد أن يغيب القارئ عن أصل الموضوع لتسلط الضوء فقط على عبارات منتزعة من سياقها ليحلو لك بعد ذلك أن تنسبها لابن تيمية .
وقوله : ( أن بعض الفلاسفة قال بكون الله في جهة )
أقول : ما الإشكال في ذلك فقد نقل ابن تيمية رحمه الله عن بن رشد الفيلسوف القول بالجهة صراحة بل قال ابن رشد باللفظ : " وأما هذه الصفة فلم يزل أهل الشريعة من أول الأمر يثبتونها لله سبحانه حتى نفتها المعتزلة ثم تبعها على نفيها متأخرو الأشعرية كأبي المعالي ومن اقتدى بقوله وظواهر الشرع كلها تقتضي إثبات الجهة مثل قوله تعالى الرحمن على العرش استوى "
بل قال : " وجميع الحكماء قد اتفقوا على أن الله والملائكة في السماء كما اتفقت جميع الشرائع على ذلك والشبهة التي قادت نفاة الجهة إلى نفيها هي أنهم اعتقدوا أن إثبات الجهة يوجب إثبات المكان وإثبات المكان يوجب إثبات الجسمية ونحن نقول إن هذا كله غير لازم "
فهذه شهادة أحد أحذق فلاسفة العالم في وقته يحكي قول جميع الحكماء وجميع الشرائع فماذا في قول ابن تيمية رحمه الله بأن من الفلاسفة من يقول بالجهة ؟!!!
- أما قوله : (والحقيقة أن ابن رشد عندما قال بالجهة لم يقصد الجهة بالمعنى الذي قال به ابن تيمية فهو إذن اثبت شيئا سماه جهة) فهذا كذب صريح من الأستاذ فودة !!!
ولقد سبق النقل عن ابن رشد بما يبطل هذا الادعاء .
وقوله لم يقصد الجهة بالمعنى الذي قال به ابن تيمية مجرد ادعاء ربما يقبله أتباعه ومريدوه ولكن في ميزان النقد العلمي لا وزن له بل هو من قبيل الكذب ما لم يذكر هذا المعنى الذي ادعاه ، وكيف سيذكره وقد نقلنا عن ابن رشد نص كلامه بأنه يثبت هذا المعنى الذي يقول به ابن تيمية رحمه الله بل ويرد على شبه النفاة الذين ينفون علو الله على خلقه .
أم أن الأستاذ يظن أن الناس ليس لها عقول ؟!
وتأمل كيف يسخر من القارئ بقوله : (فهو إذن ) التي تدل على إثبات النتيجة بعد إيراد مقدماتها القطعية والتي يقال بعدها ( إذن ) فهو يصور للقارئ أنه وبمجرد ادعاءه كأنما اثبت ذلك بالدلائل الواضحة وهو في الحقيقة لم يقدم إلا مجرد ادعاء ...
ولا أدري كيف يقبل هذا التلاعب العقلاء من أتباعه ومريديه ؟!
- أما قوله : ( وإن بعض المسلمين قال بقدم بعض الأجسام . )
فهذا ما حكاه ابن تيمية غير مرة عن طوائف النظار من الكرامية وغيرهم ممن يقول بأن الله جسم لا كالأجسام حيث أنه موجود قائم بنفسه وعليه فلا يقولون بحدوث جميع الأجسام لان الله سبحانه وتعالى ليس بحادث .
فهل في فهم هذا بعد تصوره على وجهه إشكال ؟!!!
ثم يأتي بعد ذلك ويزعم : ( أن ابن تيمية قد اعتاد على الأسلوب السوفسطائي من الاستدلال وهو باطل بلا ريب . ) !!!
الم يسمع الأستاذ عن مثل يقول : رمتني بدائها وانسلت ؟!
ثم نقل عن ابن تيمية ما أورده في الوجه الثامن : (فكيف والمثبت للجهة يقول ما يقال في الوجه الثامن وهو أن يقول غاية ما ألزمتني به من حجة الدهرية أن يقال بقدم بعض الأجسام إذ القول بقدم الأجسام جميعها لم يقل به عاقل والقول بخلق السموات والأرض لم تدل هذه الحجة على نفيه وإنما دلت إن دلت على قدم ما هو جسم أو مستلزم لجسم وهذا مما يمكنني التزامه فإنه من المعلوم أن طوائف كثيرة من المسلمين وسائر أهل الملل لا يقولون بحدوث كل جسم إذ الجسم عندهم هو القائم بنفسه أو الموجود أو الموصوف فالقول بحدوث ذلك يستلزم القول بحدوث كل موجود وموصوف وقائم بنفسه وذلك يستلزم بأن الله تعالى محدث )
ثم علق بقوله : ( إذن ابن تيمية قد يلتزم القول بقد بعض الأجسام )
ثم يقرر بعد ذلك ( إذن فالله هو الجسم القديم عند ابن تيمية )
ثم قال :
( وتأمل في عبارته الأخيرة فهي تحتوي على مغالطة وهي أنه نسب إلى كثير من المسلمين تسمية ما هو موجود بأنه جسم والصحيح أن هؤلاء لم يقولوا بذلك إلا لأنهم يقولون إن الأجسام هي الموجودات الوحيدة فلذا قالوا بأن كل موجود فهو جسم ..) وأقول كفاك تلاعبا وكذبا يا رجل .
- وقد سبق بيان أن ابن تيمية رحمه الله إنما يقرر هذا الكلام على لسان غيره من أهل الإثبات تارة والفلاسفة أخرى وقد صدر كل وجه من الوجوه الأحد عشر بمن يحكيه على لسانه .
- وحتى لو سلمنا جدلا بأن هذا الكلام تصح نسبته إليه فلا يمكن أن يجزم بذلك لانه أورده في مقام المناظرة التي قد يكون فيها من التسليم والتنزل للخصم ما هو معلوم ومما هو يختلف عما يورده في مقام التقرير والتحرير فكيف إذا كان ما حرره وما قرره خلاف ما يقوله هنا إذا فرضنا انه من قوله .
- وإذا سلمنا جدلا مرة أخرى بأن هذا الكلام تصح نسبته إليه وأنه في مقام التحرير فالجسم الذي ذكر في هذا الكلام إنما هو على معنى صحيح متفق عليه من أنه القائم بنفسه الموصوف وهذا اصطلاح لا مشاحة فيه ولابد من اعتباره عند نسبته إليه ..
فظهر أنه لا مستمسك للأستاذ فودة على كلا أي وجه .
- هذا وقد سبق أيضا النقل عن ابن تيمية التصريح انه لا يلتزم كلام أي من الفريقين وهو موجود في نفس الكتاب الذي يزعم الأستاذ فودة أنه يرد عليه .
- ومع أن الأستاذ فودة حريص كل الحرص على أن لا يتعرض لمن يقول بأن الجسم هو القائم بنفسه لأنه بذلك ستكشف حيلته في التعريض للقارئ بلفظ الجسم ولكنه اضطر للتعرض إليه في هذا النقل ربما لان الكلام هنا متداخل فلم يستطع أن يفصله عن بعضه .
فلما أيقن الأستاذ أن حيلته هذه ربما ستكشف علق بقوله :
( وتأمل في عبارته الأخيرة فهي تحتوي على مغالطة وهي أنه نسب إلى كثير من المسلمين تسمية ما هو موجود بأنه جسم ...)
وأي مغالطة وهذا القول محكي في جميع كتبكم التي تكلمت في الفرق والمقالات ونصوا عليه تنصيصا أن من طوائف أهل الكلام من فسر الجسم بالقائم بنفسه الموجود الثابت الحامل للصفات وهذا معلوم لا يخفى على أحد .
وقولك : (والصحيح أن هؤلاء لم يقولوا بذلك إلا لأنهم يقولون إن الأجسام هي الموجودات الوحيدة ) باطل وقلب للحقائق لأن الترتيب الصحيح على العكس مما ذكرت ،حيث أنهم لما فسروا الجسم بالموجود القائم بنفسه وقالوا إن الله سبحانه موجود قائم بنفسه فهو إذن جسم ، ثم إنهم حصروا الموجودات بأنها إما جسم أو قائم بجسم بناءا على ذلك وحتى لو سلمنا ادعاءك فلا فرق يذكر ، المهم أن من الناس من اصطلح بأن الجسم هو القائم بنفسه وأنهم قالوا بان الله سبحانه جسم بناءا على ذلك ..
ومهما كان كلامهم هذا صحيحا أو باطلا فالواجب اعتماد هذا الاصطلاح عند نسبة هذا اللفظ إليهم لا كما يفعل الأستاذ فودة في كل نص يورده مما يحكيه ابن تيمية على لسان هؤلاء فيقول إن ابن تيمية يقول بأن الله جسم !!!
والسؤال على فرض أنه قد قاله : على أي معنى ذكره ؟!
الجواب الطبيعي : أنه ذكره على ما اصطلح عليه من معنى بغض النظر عن صحة هذا الاصطلاح أو بطلانه فنحن في مقام الكشف لا الرد !!!
ثم إن هؤلاء النظار قد رتبوا على القول بان الله جسم عدم حدوث جميع الأجسام لان هذا يستلزم بأن الله حادث فعارضوا أدلة الحدوث وأبطلوها .
وهذا كله يفسر ما أراد الأستاذ إخفاءه من أن كلام هؤلاء النظار من المتكلمين هو في الحقيقة مبني على اصطلاحهم وأنهم في حقيقة أمرهم لم يعارضوا إلا أقول النفاة بحدوث جميع الأجسام حيث أنها تستلزم حدوث الباري سبحانه وتعالى على مذهبهم .
- فليس في الحقيقة ثمة نص او نصوص لابن تيمية يقول فيها بأن الله جسم ولكن الأستاذ فودة يحتال ويلبس على السذج من أتباعه الذين لا يقرؤون ولا يراجعون ويكتفون بالإحالة العمياء على كاشفه المزيف .
والله المستعان .
الموحد السلفي
2008-11-05, 14:38
النص الثامن :
البراهين تدل على أن الله هو الجسم القديم الوحيد ، وان سائر الأجسام سواه محدثة
ثم نقل عن ابن تيمية رحمه الله قوله :
(الوجه التاسع هذه المعارضة تؤكد مذهبي وتقوية وتكون حجة ثانية لي على صحة قولي فإن احتججت علي بأن الله تعالى مباين للعالم بأن الموجودين إما أن يكون أحدهما مباينا للآخر أو محايثا له فقلتم هذا معارض بقول الفيلسوف إن الموجودين إما أن يكون أحدهما متقدما على العالم أو مقارنا له وذلك يستلزم القول بقدم الزمان المستلزم للقول بقدم بعض الأجسام فأقول إذا كانت هذه الحجة التي عارضتموني بها مستلزمة لكون بعض الأجسام قديمة من غير أن تعين جسما أمكن أن يكون ذلك الذي يعنونه بأنه الجسم القديم هو الله سبحانه وتعالى كما يقوله المثبتون وأن ذلك هو ملازم لقولنا إنه موصوف وقائم بنفسه ونحو ذلك فتكون هذه الحجة التي عارضتم بها دليلا على أن الله تعالى جسم بالمعنى الذي ذكرتموه الذي تقول إنه ملازم لكونه موصوفا وقائما بنفسه وإن نازعتم في الملازمة)
فأقول : الأستاذ فودة قد لبس نظارة التجسم فصار لا يرى إلا هذه الكلمة مهما كان موضعها وأيا كان سياقها فهو لا يبالي وجه إيرادها ولا طريقة استعمالها فهو يتتبعها حيث كانت ..
ولقد ذكرت فيما سبق انه يجب استصحاب موقف ابن تيمية رحمه الله من لفظ الجسم وتحقيقه له وللقائلين به وتقسيمهم وقد نقلت في ذلك ما يكفي العاقل المنصف ...
فابن تيمية رحمه الله ما زال في سياق الرد على الرازي وما نقله الأستاذ أحد الوجوه الأحد عشر التي سبق ذكرها ونقلها في النص السابع ...
وهو رحمه الله يرد على الرازي ويفتعل خصومة بين المثبت والفيلسوف الدهري وبين الرازي الذي أراد هو أيضا من قبل أن يفتعل خصومة بينهما ليبطل قولهما..
وقول الأستاذ : (وهذا تصريح آخر بشع وقبيح بأن الله تعالى هو جسم قديم . فتأمل وتعجب.ومراده بالمثبتين في سائر كتبه هم المجسمة من الكرامية والحنابلة )
أقول : قوله عن كلام ابن تيمية هذا تصريح شنيع هو ما يحلم به الأستاذ ولكنه بعيد المنال
وإذا رجع القارئ إلى الموضوع في كتاب ابن تيمية والذي نقلته هنا لأيقن أنه لا يليق بأي منصف أن يستل من خلال هذا المعترك كلمات يحكيها ابن تيمية على لسان غيره وربما كانت على سبيل الإلزام أو التسليم لدفع معارضة الخصم كما هو واضح في كلام شيخ الإسلام رحمه الله
- ومع ما سبق التنبيه إليه مرارا من أن لفظ الجسم الذي يذكر في هذا النص المزعوم هو على اصطلاح طوائف من المثبتين الذين يقولون بان الجسم هو الموجود القائم بنفسه والذي ذكره ابن تيمية في نفس الوجه والوجه الذي سبقه حيث قال : (فإنه من المعلوم أن طوائف كثيرة من المسلمين وسائر أهل الملل لا يقولون بحدوث كل جسم إذ الجسم عندهم هو القائم بنفسه أو الموجود أو الموصوف) وقال في هذا الوجه (كما يقوله المثبتون وأن ذلك هو ملازم لقولنا إنه موصوف وقائم بنفسه)
فتأمل كيف يتلاعب الأستاذ فودة ويحتال ليوهم القارئ أن لفظ الجسم المذكور هو ما يقرره الاشاعرة والفلاسفة حيث قال ملبسا :
"إذن فابن تيمية يعرف بالضبط ما الذي يريد إثباته ، وهو معنى الجسمية المعروف والذي ذكرناه لك في أوائل هذا الفصل من كون الشيء قابلا للانقسام ولو بالوهم . او على الأقل يجوز فرض الأبعاد الثلاثة فيه ومن أثبت ذلك فهو مجسم قطعا" !!!
فقد ظهر ألان أن الأستاذ فودة يحتال على القارئ بما مزيد عليه .
- فقوله : هذا تصريح آخر شنيع لا محل له على الإطلاق، كيف والعبارة التي نقلها ليس فيها أي معنى لهذا التصريح بل توحي بعكس مراده وهذا يظهر من صيغة الألفاظ حيث قال
- : ( إذا كانت هذه الحجة ... مستلزمة لكون ... أمكن أن يكون ذلك .. على قول المثبتين )
- فهل هذه الصيغة صيغة تصريح يا عقلاء أم هو التدليس والتلبيس والاستغفال ؟
فهذه العبارة فيها قلب للدليل على الخصم وإلزامه بنقيض مراده الذي ينفيه ويفر منه ، ولذا قال رحمه الله بعد ها :
(فتكون هذه الحجة التي عارضتم بها دليلا على أن الله تعالى جسم بالمعنى الذي ذكرتموه الذي تقول إنه ملازم لكونه موصوفا وقائما بنفسه وإن نازعتم في الملازمة)
فهذا من ابن تيمية على سبيل الإلزام للرازي وإلا فالرازي لا يسلم بأي من النتائج التي ذكرها شيخ الإسلام ولكنه يلزمه بها حيث أن مقدماتها ضرورية فطرية .
- وقول الأستاذ أن المثبتين الذين يذكرهم ابن تيمية هم المجسمة من الكرامية والحنابلة مردود عليه بالتفصيل الذي ذكرناه في مقدمة البحث والذي نص فيه ابن تيمية على مراده بالمثبتين فليس نحتاج بعده إلى تقول عليه وتخمين لمراده ...
- وأذكر هنا نصا من هذه النصوص التي تبعد بشيخ الإسلام رحمه الله عن هؤلاء حيث قال رحمه الله :
(قلت والكلام على هذا مع العلم بأن المقصود ذكر القول والفصل والحكم العادل فيما يذكره النفاة من الحجج والجواب عما ذكره من جهة منازعه ليس المقصود استيفاء حجج المثبتة بل إذ تبين أن هذا الذي هو الإمام المطلق في المتأخرين من هؤلاء النفاة المتكلمين والفلاسفة وعرف فرط معاداته لهؤلاء المثبتة الذين ذكرهم وذكر حججهم مع ما هم عليه من ضعف الحجج وقلة المعرفة بالسنن ومذاهب السلف ومع ما فيهم من الانحراف ثم تبين ظهور حججهم العقلية التي ذكرها دع السمعية على ما استوفاه من حجج النفاة العقلية والسمعية مع استعانته بكل من هو من النفاة حتى المشركين الصابئين مثل أرسطو وأبي معشر وشعيتهما من الفلاسفة والمنجمين والمعتزلة وغيرهم..) ( بيان تلبيس الجهمية 2/330 )
فهل بعد هذا الكلام الواضح والصريح في تقويم حال المثبتين الذين يعارض بحججهم أقوال الرازي وحججه ووصفه لهم بالانحراف وقلة المعرفة بالسنن ومذاهب السلف وضعف حجتهم ، فهل بعد الوقوف على ذلك يمكن لمنصف أن يقول إن ابن تيمية لا يخرج عن أقوالهم وأنهم هم أهل الحق عنده كما يزعم الأستاذ فودة ؟!
الموحد السلفي
2008-11-05, 14:38
النص التاسع : الله جسم وفي جهة
ثم نقل عن ابن تيمية رحمه الله قوله في نفس الموضع المشار اليه سابقا :
(الوجه العاشر إذا كانت إحدى هاتين المقدمتين الضرورتين تستلزم أنه مباين للعالم والأخرى تستلزم أنه جسم فقد ثبت بموجب هاتين المقدمتين صحة قول القائلين بالجهة وقول القائلين بأنه جسم وكونه جسما يستلزم القول بالجهة كما توافقون عليه وقول القائلين بالجهة يستلزم أيضا القول بالجسم كما تقولون أنتم)
ثم علق :
( وهذا نص صريح وواضح في إثبات أن الله تعالى جسم وأنه تعالى في جهة)
هكذا يدعي الأستاذ فودة وما أكثر دعاويه !
وهذا النقل هو أحد الوجوه في الرد على الرازي وقد سبقت الإشارة إلى معناه في سياق باقي الوجوه وما يقال فيه هو ما قد قيل في سابقيه :
ويقال أيضا :
ليس في النص ما يدل على التصريح بأن الله جسم
لان الكلام قد جاء على سبيل الإلزام للخصم وهذا واضح في قوله :
(إذا كانت إحدى هاتين المقدمتين الضرورتين تستلزم أنه مباين للعالم والأخرى تستلزم أنه جسم فقد ثبت بموجب هاتين المقدمتين صحة قول القائلين بالجهة وقول القائلين بأنه جسم)
وذلك لأنه يحتج على الرازي بضرورية المقدمات ويقول إن كانت هذه المقدمات الضرورية تستلزم أن الله مباين في جهة من العالم وأنه تعالى جسم فيكون لازم الضروري ضروري ولازم الحق حق لأنه مبني على مقدمات ضرورية ، وهو يعلم بأن الرازي لا يسلم له بأن مقدماته ضرورية ، بل يصفها بأنها من حكم الوهم والخيال ولكنها المناظرة والمجادلة التي تفرض مثل هذه الالزامات، ولا يصح في مثل هذا الحوار أن يستل تصريح لأحد المتحاورين ، هذا إن كان ثمة تصريح أصلا !
فقول الأستاذ فودة هذا تصريح واضح ليس واضحا بل هو مجرد تقول وتدليس ..
الموحد السلفي
2008-11-05, 14:39
النص العاشر :
لم يذم أحد من السلف بأنه مجسم ولا ذم المجسمة ، وليس في كتاب الله ولا سنة رسوله ولا قول أحد من سلف الأمة وأئمتها أنه ليس بجسم وان صفاته أجساما وأعراضا .
ثم نقل عن ابن تيمية رحمه الله قوله :
(الوجه السابع والسبعون أن لفظ الجسم والعرض والمتحيز ونحو ذلك ألفاظ اصطلاحية وقد قدمنا غير مرة أن السلف والأئمة لم يتكلموا في ذلك حق الله لا بنفي ولا بإثبات بل بدعوا أهل الكلام بذلك وذموهم غاية الذم والمتكلمون بذلك من النفاة أشهر ولم يذم أحد من السلف أحدا بأنه مجسم ولا ذم المجسمة)
وقوله : (ثم المتكلمون من أهل الإثبات لما ناظروا المعتزلة تنازعوا في الألفاظ الاصطلاحية فقال قوم العلم والقدرة ونحوهما لا تكون إلا عرضا وصفة حيث كان فعلم الله وقدرته عرض وقالوا أيضا إن اليد والوجه لا تكون إلا جسما فيد الله ووجهه كذلك والموصوف بهذه الصفاة لا يكون إلا جسما فالله تعالى جسم لا كالأجسام قالوا وهذا مما لا يمكن النزاع فيه إذا فهم المعنى المراد بذلك لكن أي محذور في ذلك وليس في كتاب الله ولا سنة رسوله ولا قول أحد من سلف الأمة وأئمتها أنه ليس بجسم وأن صفاته ليست أجساما وأعراضا فنفي المعاني الثابتة بالشرع والعقل بنفي ألفاظ لم ينف معناها شرع ولا عقل جهل وضلال )
وعلق الأستاذ فودة بقوله : (تأمل هذا الأسلوب المراوغ ، فهو يدعي أن هذه الألفاظ لم ينفها السلف ولم يثبتوها بل لم يتكلموا فيها نفيا وإثباتا)
ونقول للأستاذ كلام ابن تيمية صحيح فهل أثبت أنت خلافه ؟!
فإن لم تثبت خلافه فأنت الدعي المراوغ لا هو .
وقولك :( ومع ذلك فقد أثبتنا نحن أن ابن تيمية بثبت الجسمية والتحيز ومعنى العرضية على الله وكما سيمر بك في هذا الكتاب )
أقول
- أنت في الحقيقة لم تثبت شيئا بل ادعيت دعاوى عريضة بينا بطلانها وما فيها من تحايل وتدليس وتلاعب بالألفاظ ..
وقول الأستاذ فودة عن المجسمة :
(ولهذا لم يلتفت إليهم السلف ولم يعبئوا بهم ولم يشغلوا أنفسهم بالرد عليهم لظهور فساد أرائهم وبطلان قولهم ... أما اشتغال السلف والعلماء المتقدمين بالرد على الجهمية فلأن آراء هؤلاء هي التي تستحق الرد لأنها فيها قرب كبير من الحقيقة والأصول الصحيحة ! فلذلك نبه السلف على بطلانها )
أقول هذا أولا تسليم منك بصحة كلام ابن تيمية رحمه الله بأن السلف لم يتعرضوا لهذه الألفاظ بنفي ولا إثبات ولم يرد عنهم ذم للمجسمة كما ذكر شيخ الإسلام حيث قال :
" لم يلتفت إليهم السلف ولم يعبئوا بهم ولم يشغلوا أنفسهم بالرد عليهم لظهور فساد أرائهم وبطلان قولهم " فقد أنطقه الله بالحق رغم انفه لعله يفيق من غفلته ..
وثانيا : ليتأمل القارئ هذه الفضيحة العظيمة التي سجلها لأستاذ فودة بقوله عن أقوال الجهمية المعطلة :
( لأنها فيها قرب كبير من الحقيقة والأصول الصحيحة !)
فرغم الإجماع المنعقد على كفرهم وضلالهم وتصريح كبار الاشاعرة بتكفيرهم وتضليلهم إلا أن الأستاذ يقرر هنا بان هذا المذهب المردي قريب من الحقيقة والأصول الصحيحة !
بالطبع الحقيقة التي هو عليها لا الحقيقة التي عليها السلف الذين منهم الإمام عبد الله ابن المبارك حيث قال :( إنا لنحكي كلام اليهود والنصارى ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية )
والذين أطبقوا على ضلالهم وكفرهم ثم يأتي الأستاذ فودة بعد هذه القرون الطويلة ليجعلهم أقرب إلى الحق والأصول الصحيحة !!!
فهنيئا للأستاذ فودة وأتباعه المحققين المنتفخين بقربهم من الجهمية وبعدهم عن أعداءهم من السلف !!!
وهذه والله لفضيحة عظيمة يسجلها الأستاذ على نفسه في آخر هذا المبحث كرامة لهذا الإمام الجليل رحمه الله ولعل هذه الفضيحة هي ثمرة هذا العمل الخبيث نسال الله العافية ...
ثم يقول الأستاذ : (هذا النص وإن ساقه على لسان من سماهم بالمثبتة ، إلا أننا نعرف تماما أن مراده بالمثبتة أهل الحق عنده .. )
أقول أولا هذا اعتراف من الأستاذ فودة بأن ابن تيمية إنما يسوق هذه الكلام على لسان غيره ممن سماهم بالمثبتة ... وهذا تصديق قولنا فيما سبق والله الحمد .
وثانيا : قوله " إلا أننا نعرف تماما أن مراده بالمثبتة أهل الحق عنده " هو التخرص بعينه. - وإن هذا الكلام من الأستاذ فودة ليدل القارئ على ما ذكرناه من حقيقة أن الأستاذ فودة رغم كل هذه الحيل لم يظفر بنص صريح يقرر فيه ابن تيمية أن الله جسم ،وإلا لما كان الأستاذ في حاجة لمثل هذه الطرق الملتوية والمشحونة بالتخرص والادعاء .
- والأستاذ لا شك يشعر بالريبة من هذه النقولات التي يسميها " نصوصا صريحة " لذا فإنه لا ينسى أن ينبه على ما يتوقعه من ريبة من القارئ بأن ابن تيمية لم يقل هذا ، وإنما ساقه حجة للمثبتين على النفاة دون التزامه ، لا سيما وقد نص على ذلك فيما نقلناه عنه ،وهذا يحدث -على الأقل- احتمال عدم صحة نسبة هذه الأقوال إليه ..
ولكن الأستاذ دائما يتقدم بين يدي القارئ بأن المثبتين هم المجسمة من الكرامية والحنابلة وتارة بأنهم أهل الحق عند ابن تيمية وتارة بأنهم أهل الحديث والأثر ورغم كل ذلك فنقول للأستاذ فودة وللقارئ أن هذا لا يعني أن ابن تيمية يقول بهذا ضرورة فهي طريقة استنتاجيه في نهاية الأمر مبناها على التخرص والتخمين لا القطع عند جميع العقلاء .
لان القول بأن هذا قول المثبتين .. والمقصود بالمثبتين هم كذا وكذا... وبما أن ابن تيمية لا يخرج عن قول المثبتين وقد ساق هذا القول على سبيل الاحتجاج ولم يعلق عليه... فيعتبر هذا قول له ... - فعلى فرض صحة هذا - فهو عند جميع العقلاء من قبيل الإلزام والاحتمال،يحتاج إلى دليل آخر يرجح ما ذهب إليه الأستاذ...
- وهذه الطريقة على فرض صحتها فهي لا تعني على أي حال ما يدعيه الأستاذ فودة دائما من صراحة النصوص ووضوحها .
فإذا كانت هذا طبيعة كل دليل أتى به الأستاذ فكيف يدعي بعد ذلك صراحة الأدلة ووضوحها وقطعيتها ؟ !
وكيف هذا وقد نص ابن تيمية رحمه الله على مراده بما يقطع الطريق على كل متخرص كما سبق تفصيل ذلك في مقدمة هذا البحث ومع ذلك يأتي الأستاذ ويقول :
(بهذه النصوص الواضحة الجلية ، تستطيع أن تتيقن بأن الرجل غارق في التجسيم الصريح ، ولا يستطيع أحد من أصحابه ولا أتباعه دفع هذه الصفة عنه بأساليبهم الماكرة وأقوالهم الفارغة)
أقول : الحمد لله فأنت إلى الآن لم تستطع أن تبرز للقارئ نصا صريحا يقرر فيه ابن تيمية رحمه الله بأن الله جسم ، وكل ما سبق يؤكد للقارئ مدى تلاعب الأستاذ فودة وتحايله عليه ولله الأمر من قبل ومن بعد ..
والله الموفق
يتبع نقض مبحث التركيب إن شاء الله
vBulletin® v3.8.10 Release Candidate 2, Copyright ©2000-2025, TranZ by Almuhajir