الفارس العربي
2008-10-31, 18:24
اليتيمــــــــــــــــة
غيـــــــــوم
سلوى طفلة لم تنه عامها الأول بعد جميلة جمال البراءة والطبيعة ..
أسلمت أمها الحسناء روحها إلى الله في ريعان شبابها ..وتركتها لأبيها في هاته الحياة ...لا يفتأ الأب أن يتزوج بعد ذلك ، فينجب من الزوجة الثانية أولادا ..
تنمو الطفلة وتكبر بينهم على حنان منكسر ...مفقودة أمها ..مفقود حنانها ..معادلة صعبة ..لا تبرح الطفلة أن تحس بهذا النقص ..
جدها لأمها فاطمة ..رحمها الله ..يحس بهذا الفقد كما أحسه من قبل عندما فقد ابنته ، فيطلب من أبيها أن تتربع سلوى وتترعرع في بيته العريق ..فيرفض أهل الوالد ..يشتكي الجد فيشتد الأب ، يتحول الرفض وتعصب الطرفين إلى منازعات ترفع القضية على إثرها إلى المحكمة ، ..وتنطلق الحسابات والقوانين والجلسات والمرافعات ..
ثم بطريقة ما وغير شرعية ..وبتواطؤ المقربين من الوالد مع كبار المحامين ، الذي يرجح الكفة إلى الوالد ..فيربح هذا الأخير الطفلة البريئة ...لكن تستمر المعركة ..
العاصفة
لكن هل فرض على الجد أن يسكت عن تلك المشكلة إلى الأبد ..؟؟
عاد إلى داره منكسرا مذلولا ..لقد عاد وصدره يؤلمه ضيقا وحنقا ..وحزنا ..وبرغم ما يحمله من الآلام إلا أن في صدره من العزم على شيء آخر ..
صحيح إن الفقراء والبؤساء يحتملون قدرا كبيرا مكن الشقاء والجوع والعري ..وأنواعا من الحقرة ..لكن سيأتي اليوم الذي ينفجرون فيه أشلاء حارقة لا ترحم ..
ثم بعد ذلك هم لا يعمرون كثيرا ..يرحلون مثخنين بالجراح ..وأعباء الدنيا على رؤوسهم ..
ثم هل بقي لهاته الطفلة من مكان عند أبيها ؟؟
أما يكفيهم رفضها لهم حتى يرغمونها بالقوة على الحياة بين أفراد لا..ولن تستطيع محبتهم..أو حتى ألفتهم ..
هل من شيء يضحي به الآباء والأجداد والأهلون من أجل مستقبل تلك الطفلة المجهول ؟؟
لقد انقطعت عن الدراسة أياما عديدة ..تبكي فيها وتتعب أياما أخرى ..
ــ لا...لا يمكن أن نبقى مكتوفي الأيدي (يردد الجد )..
ثم هو يتحرك أخيرا ..لقد قرر تجديد القضية ..مهما كلفه الأمر ..كيف لا وجيوب الكتاب والمحامين تلهف لهفا لا يعرف شفقة ولا رحمة لمثل هؤلاء ..من يبكي لهؤلاء غير أنفسهم ..؟؟
( البوسطة) ..طالما قصدها الجد ليخرج ما تبقى له فيها من أوراق قليلة ..شاب رأسه ولم يشب الزمان ..في جمعها من مهنة حقيرة ، لكنها شريفة ( تؤكل خبزا )..
كان إسكافيا . يصلح الأحذية ، ثم هو لا يملك محلا لعمله مثله كمثل كل فقراء ومحرومي البلدة ..وغربائهم ..بعضهم فوالين في الشوارع ..وفي الأسواق ..والبعض يجوبون المقاهي والمداشر بأحقاق من الشمة المحكوكة ..
هناك إنهم ينتظرون فتات ما ترميه لهم الحياة ..ومن يبكي لهؤلاء غير أنفسهم ..تبا لهذه الحياة ..
ـــ تبا للأهل ،،تبا لهاته العشرة ..(يردد الجد) ..كيف لا يقفون لمساندي في هذه المواقف ؟؟؟؟
هذه المواقف الحرجة وفي مواقف أخرى مثلها هي المنعرجات الحاسمة التي تفرق الأحباب ..وربما قد تجمع أعداء .
ـــ القانووووون؟؟؟ ماهذا القانون الذي يساوي بين الإنسان والسلعة ؟؟(يصرخ الجد )
المشكلة ليست مشكلة إرث أو مال أو ثروة يتنازع عنها الأهل والأقارب ..المسألة ليست هذه ..إنما هي مسألة إنسان وشعور ورأي..يجب أن يتخذ موقفه بعين الاعتبار
ـــ يا بنيتي ..هل تريدين البقاء في دار جدك ..أم الرحيل إلى أبيك ؟؟
ــ أبدا ...لو خيروني بين الموت وبين أن أعود إلى أبي لاخترت الموت ..تصرخ الفتاة ..
شيء من عزة النفس وكبريائها يأخذ حتى الصغار؟؟
ـــ لماذا ؟؟؟؟
ـــ يحتقرونني ..يضربونني ..يحملونني ما لا طاقة لي به ..
وأشياء كهذه لا تخرج عن قاموس الظلم والاستغلال والاستبداد ..
ــــ أبي دوما في سفره ..يعيش في مقر عمله بالجنوب الجزائري ..
لا يكترث لأولاده..من أم على قيد الحياة ..فكيف بطفلة رحلت أمها منذ زمن بعيد ، وتركتها للأيام ..وللقدر يعبث بها كما تعبث رياح الخريف بأوراق الشجر اليابسة ..والتي انفصلت عن شجرتها ...وما أقسى ما يخبئه لها القدر..
الصاعقــــــــة
كانت الطفلة عذبة ..صباها في رقة حركاتها ..وخشونة صوتها ..اقتلعوها من حنين الأرض وهي ما زالت لم تتعلم المرح عليها ، وانتزعوها من على عتبة باب المدرسة ...صرخت ...وبكت تستنجد جدها ...وكأنها تومئ له بأن فك قيودي ..وضمني إلى صدرك الدافئ ، وهو جامد جمود الحجر ، عيناه جمدتا نحو المشهد . ترسلان شررا
..وشفقة ..شامخا وجهه شموخ الصامد المنتصر المنكسر..قلبه يعصر الدم الحار ..ونظراته تبعث الحزن والأسى ..والحسرة ..وكأنها تقول : ما هكذا يفعل بالبراءة..
الطفلة تحبه ..تحب النوم على فراشه الزكي ..تتدثر بسرواله العريض ..والذي تنبعث منه رائحة الأرض والأبوة ..تأكل بملعقته الألمنيوم ..
غريب هذا الصدر الذي يجذبها ...عفن بارد ..تحب أن تتخلص منه ويأبى ذلك ..يردد في خشونة وثقة :
ــ سوف تأتين معي سترحلين معي ...
كانت الطفلة تدرك مراده ..من أول وهلة لمحته فيها من على عتبة الباب ..ترفضه ..وترفض ما يقول ..تصرخ وتمد يدها الرقيقة إلى جدها ..تحرك أصابعها ..تبكي بكاء مريرا ..
حينها طفرت من مقلتي جدها دمعتان باردتان ..كانتا آخر ما وجد من عزاء لنفسه ولها ..وطأطأ رأسه ..مذلولا تحت جبروت الموقف..
وراح يتيه في أنين مدفون وحزين..
وأطفال المدرسة تنطلق ..وتتدفق من الباب كأنها النمل ..أو هي تفر من تعب الدرس وعنجهية المعلمين قسوتهم ..
انطلق أزيز المحرك ..واصعدت الطفلة رغم أنفها ..وهي تحاول التحرر..والدموع تبلل محفظتها ..وضغط الدركي يزيدها ألما على ألم ..ورد باب السيارة الخضراء ..وانطلقت تمخر عباب التلاميذ والبراءة ..
انتهى
من إبداع سليمان حشاني سنة ثالثة ثانوي آداب فرغ من تأليفها يوم 22/10/1990
اليوم من سنة 2008
الطفلة سلوى ..مرأة متزوجة من خيرة الرجال ولها طفلان ولد وبنت .
الجد..رغم الكسور التي تعرض لها أخيرا على مستوى الحوض ..إلا أنه ما زال يجلس أمام داره لا تفارق يده سبحة لؤلؤية..كخ ياولد.. كخ ياولد ..وهو يلاعب ابن حفيدته
الجد له ولد ..يعمل في المحكمة ..مشهور بحسن السيرة أمام رفقائه .
دوار أنت يا زمن !!!
غيـــــــــوم
سلوى طفلة لم تنه عامها الأول بعد جميلة جمال البراءة والطبيعة ..
أسلمت أمها الحسناء روحها إلى الله في ريعان شبابها ..وتركتها لأبيها في هاته الحياة ...لا يفتأ الأب أن يتزوج بعد ذلك ، فينجب من الزوجة الثانية أولادا ..
تنمو الطفلة وتكبر بينهم على حنان منكسر ...مفقودة أمها ..مفقود حنانها ..معادلة صعبة ..لا تبرح الطفلة أن تحس بهذا النقص ..
جدها لأمها فاطمة ..رحمها الله ..يحس بهذا الفقد كما أحسه من قبل عندما فقد ابنته ، فيطلب من أبيها أن تتربع سلوى وتترعرع في بيته العريق ..فيرفض أهل الوالد ..يشتكي الجد فيشتد الأب ، يتحول الرفض وتعصب الطرفين إلى منازعات ترفع القضية على إثرها إلى المحكمة ، ..وتنطلق الحسابات والقوانين والجلسات والمرافعات ..
ثم بطريقة ما وغير شرعية ..وبتواطؤ المقربين من الوالد مع كبار المحامين ، الذي يرجح الكفة إلى الوالد ..فيربح هذا الأخير الطفلة البريئة ...لكن تستمر المعركة ..
العاصفة
لكن هل فرض على الجد أن يسكت عن تلك المشكلة إلى الأبد ..؟؟
عاد إلى داره منكسرا مذلولا ..لقد عاد وصدره يؤلمه ضيقا وحنقا ..وحزنا ..وبرغم ما يحمله من الآلام إلا أن في صدره من العزم على شيء آخر ..
صحيح إن الفقراء والبؤساء يحتملون قدرا كبيرا مكن الشقاء والجوع والعري ..وأنواعا من الحقرة ..لكن سيأتي اليوم الذي ينفجرون فيه أشلاء حارقة لا ترحم ..
ثم بعد ذلك هم لا يعمرون كثيرا ..يرحلون مثخنين بالجراح ..وأعباء الدنيا على رؤوسهم ..
ثم هل بقي لهاته الطفلة من مكان عند أبيها ؟؟
أما يكفيهم رفضها لهم حتى يرغمونها بالقوة على الحياة بين أفراد لا..ولن تستطيع محبتهم..أو حتى ألفتهم ..
هل من شيء يضحي به الآباء والأجداد والأهلون من أجل مستقبل تلك الطفلة المجهول ؟؟
لقد انقطعت عن الدراسة أياما عديدة ..تبكي فيها وتتعب أياما أخرى ..
ــ لا...لا يمكن أن نبقى مكتوفي الأيدي (يردد الجد )..
ثم هو يتحرك أخيرا ..لقد قرر تجديد القضية ..مهما كلفه الأمر ..كيف لا وجيوب الكتاب والمحامين تلهف لهفا لا يعرف شفقة ولا رحمة لمثل هؤلاء ..من يبكي لهؤلاء غير أنفسهم ..؟؟
( البوسطة) ..طالما قصدها الجد ليخرج ما تبقى له فيها من أوراق قليلة ..شاب رأسه ولم يشب الزمان ..في جمعها من مهنة حقيرة ، لكنها شريفة ( تؤكل خبزا )..
كان إسكافيا . يصلح الأحذية ، ثم هو لا يملك محلا لعمله مثله كمثل كل فقراء ومحرومي البلدة ..وغربائهم ..بعضهم فوالين في الشوارع ..وفي الأسواق ..والبعض يجوبون المقاهي والمداشر بأحقاق من الشمة المحكوكة ..
هناك إنهم ينتظرون فتات ما ترميه لهم الحياة ..ومن يبكي لهؤلاء غير أنفسهم ..تبا لهذه الحياة ..
ـــ تبا للأهل ،،تبا لهاته العشرة ..(يردد الجد) ..كيف لا يقفون لمساندي في هذه المواقف ؟؟؟؟
هذه المواقف الحرجة وفي مواقف أخرى مثلها هي المنعرجات الحاسمة التي تفرق الأحباب ..وربما قد تجمع أعداء .
ـــ القانووووون؟؟؟ ماهذا القانون الذي يساوي بين الإنسان والسلعة ؟؟(يصرخ الجد )
المشكلة ليست مشكلة إرث أو مال أو ثروة يتنازع عنها الأهل والأقارب ..المسألة ليست هذه ..إنما هي مسألة إنسان وشعور ورأي..يجب أن يتخذ موقفه بعين الاعتبار
ـــ يا بنيتي ..هل تريدين البقاء في دار جدك ..أم الرحيل إلى أبيك ؟؟
ــ أبدا ...لو خيروني بين الموت وبين أن أعود إلى أبي لاخترت الموت ..تصرخ الفتاة ..
شيء من عزة النفس وكبريائها يأخذ حتى الصغار؟؟
ـــ لماذا ؟؟؟؟
ـــ يحتقرونني ..يضربونني ..يحملونني ما لا طاقة لي به ..
وأشياء كهذه لا تخرج عن قاموس الظلم والاستغلال والاستبداد ..
ــــ أبي دوما في سفره ..يعيش في مقر عمله بالجنوب الجزائري ..
لا يكترث لأولاده..من أم على قيد الحياة ..فكيف بطفلة رحلت أمها منذ زمن بعيد ، وتركتها للأيام ..وللقدر يعبث بها كما تعبث رياح الخريف بأوراق الشجر اليابسة ..والتي انفصلت عن شجرتها ...وما أقسى ما يخبئه لها القدر..
الصاعقــــــــة
كانت الطفلة عذبة ..صباها في رقة حركاتها ..وخشونة صوتها ..اقتلعوها من حنين الأرض وهي ما زالت لم تتعلم المرح عليها ، وانتزعوها من على عتبة باب المدرسة ...صرخت ...وبكت تستنجد جدها ...وكأنها تومئ له بأن فك قيودي ..وضمني إلى صدرك الدافئ ، وهو جامد جمود الحجر ، عيناه جمدتا نحو المشهد . ترسلان شررا
..وشفقة ..شامخا وجهه شموخ الصامد المنتصر المنكسر..قلبه يعصر الدم الحار ..ونظراته تبعث الحزن والأسى ..والحسرة ..وكأنها تقول : ما هكذا يفعل بالبراءة..
الطفلة تحبه ..تحب النوم على فراشه الزكي ..تتدثر بسرواله العريض ..والذي تنبعث منه رائحة الأرض والأبوة ..تأكل بملعقته الألمنيوم ..
غريب هذا الصدر الذي يجذبها ...عفن بارد ..تحب أن تتخلص منه ويأبى ذلك ..يردد في خشونة وثقة :
ــ سوف تأتين معي سترحلين معي ...
كانت الطفلة تدرك مراده ..من أول وهلة لمحته فيها من على عتبة الباب ..ترفضه ..وترفض ما يقول ..تصرخ وتمد يدها الرقيقة إلى جدها ..تحرك أصابعها ..تبكي بكاء مريرا ..
حينها طفرت من مقلتي جدها دمعتان باردتان ..كانتا آخر ما وجد من عزاء لنفسه ولها ..وطأطأ رأسه ..مذلولا تحت جبروت الموقف..
وراح يتيه في أنين مدفون وحزين..
وأطفال المدرسة تنطلق ..وتتدفق من الباب كأنها النمل ..أو هي تفر من تعب الدرس وعنجهية المعلمين قسوتهم ..
انطلق أزيز المحرك ..واصعدت الطفلة رغم أنفها ..وهي تحاول التحرر..والدموع تبلل محفظتها ..وضغط الدركي يزيدها ألما على ألم ..ورد باب السيارة الخضراء ..وانطلقت تمخر عباب التلاميذ والبراءة ..
انتهى
من إبداع سليمان حشاني سنة ثالثة ثانوي آداب فرغ من تأليفها يوم 22/10/1990
اليوم من سنة 2008
الطفلة سلوى ..مرأة متزوجة من خيرة الرجال ولها طفلان ولد وبنت .
الجد..رغم الكسور التي تعرض لها أخيرا على مستوى الحوض ..إلا أنه ما زال يجلس أمام داره لا تفارق يده سبحة لؤلؤية..كخ ياولد.. كخ ياولد ..وهو يلاعب ابن حفيدته
الجد له ولد ..يعمل في المحكمة ..مشهور بحسن السيرة أمام رفقائه .
دوار أنت يا زمن !!!