تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الزهد ..حقيقته..فضائله...


قدوري رشيدة
2008-10-31, 14:26
الزهد هو عبارة عن انصراف الرغبة عن الشيء إلى ما هو خير منه ، و هو ترك راحة الدنيا طلباً لراحة الآخرة و أن يخلو قلبك مما خلت منه يداك ، و يعين العبد على ذلك علمه أن الدنيا ظل زائل ، و خيال زائر فهي كما قال تعالى: ( كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يكون حطاماً ) " سورة الحديد : 20 " و سماها الله " متاع الغرور " و نهى عن الاغترار بها ، و أخبرنا عن سوء عاقبة المغترين ، و حذرنا مثل مصارعهم و ذم من رضي بها و اطمأن إليها ، و لعلمه أن وراءها داراً أعظم منها قدراً و أجل خطراً ، و هي دار البقاء ، يضاف إلى ذلك معرفته و إيمانه الحق بأن زهده في الدنيا لا يمنعه شيئاً كتب له منها ، و أن حرصه عليها لا يجلب له ما لم يقض له منها ، فمتى تيقن ذلك ترك الرغبة فيما لا ينفع في الدار الآخرة ، فأما ما ينفع في الدار الآخرة فالزهد فيه ليس من الدين بل صاحبه داخل في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (المائدة:87) .

حقيقة الزهد:

و ليس المقصود بالزهد في الدنيا رفضها فقد كان سليمان و داود – عليهما السلام – من أزهد أهل زمانهما ، و لهما من المال و الملك و النساء ما لهما ، و كان نبينا صلى الله عليه و سلم من أزهد البشر على الإطلاق ، و له تسع نسوة ، و كان على بن أبي طالب و عبد الرحمن بن عوف و الزبير و عثمان – رضي الله عنهم - من الزهاد مع ما كان لهم من الأموال ، و غيرهم كثير ، و قد سئل الإمام أحمد : أيكون الإنسان ذا مال و هو زاهد ، قال : نعم ، إن كان لا يفرح بزيادته ولا يحزن بنقصانه ، و قال الحسن : ليس الزهد بإضاعة المال ولا بتحريم الحلال ، و لكن أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يد نفسك ، و أن تكون حالك في المصيبة ، و حالك إذا لم تصب بها سواء ، و أن يكون مادحك و ذامك في الحق سواء .هذه هي حقيقة الزهد، وعلى هذا فقد يكون العبد أغنى الناس لكنه من أزهدهم ؛ لأنه لم يتعلق قلبه بالدنيا،وقد يكون آخر أفقر الناس وليس له في الزهد نصيب ؛لأن قلبه يتقطع على الدنيا.

من أقسام الزهد:

و الزهد في الحرام فرض عين ، أما الزهد في الشبهات ، فإن قويت الشبهة التحق بالواجب ، وإن ضعفت كان مستحباً ، و هناك زهد في فضول الكلام و النظر و السؤال و اللقاء و غيره ، وزهد في الناس ، و زهد في النفس حيث تهون عليه نفسه في الله ، و الزهد الجامع لذلك كله ، هو الزهد فيما سوى ما عند الله ، و في كل ما يشغلك عن الله ، و أفضل الزهد إخفاء الزهد، وأصعبه الزهد في الحظوظ .

من فضائل الزهد:
لقد مدح الله تعالى الزهد في الدنيا و ذم الرغبة فيها في غير موضع فقال تعالى: ( و فرحوا بالحياة الدنيا و ما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع ) " سورة الرعد : 26 " وقال عز وجل: (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (يونس:24)

و قال: ( لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم و الله لا يحب كل مختال فخور ) " سورة الحديد : 23 " . و قال تعالى حاكياً عن مؤمن آل فرعون أنه قال: ( يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع و إن الآخرة هي دار القرار ) " سورة غافر : 39 ". و عن ابن مسعود – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروها ؛ فإنها تزهد في الدنيا و تذكر الآخرة " . و عن سهل بن سعد الساعدي – رضي الله عنه قال : أتى النبي صلى الله عليه و سلم رجل فقال : يا رسول الله دلني على عمل ، إذا أنا عملته ، أحبني الله ، و أحبني الناس فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "ازهد في الدنيا يحبك الله ، و ازهد فيما في أيدي الناس يحبوك ". و عن سهل بن سعد – رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء " .

الأنبياء أزهد الناس:

الأنبياء و المرسلون هم قدوة البشر في الزهد في الدنيا و الرغبة في الآخرة : ( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ) و من طالع حياة سيد الأولين و الآخرين علم كيف كان صلى الله عليه و سلم يرقع ثوبه ، و يخصف نعله ، و يحلب شاته ، و ما شبع من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قبض ، و كان لربما ظل اليوم يتلوى لا يجد من الدقل ( رديء التمر ) ما يملأ بطنه ، و في غزوة الأحزاب ربط الحجر على بطنه من شدة الجوع ، و يمر على أهله الهلال ثم الهلال ثم الهلال لا يوقد في بيتهم النار ، طعامهم الأسودان : التمر و الماء ، و كان يقول : " اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فاغفر للأنصار و المهاجرة ". و عن عائشة – رضي الله عنها قالت : " إنما كان فراش رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي ينام عليه أدماً حشوه ليف " ، و أخرجت رضي الله عنها كساءً ملبداً و إزاراً غليظاً فقالت : " قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم في هذين ".

الصالحون على درب الأنبياء ساروا:

و لما كان صلى الله عليه و سلم هو الأسوة و القدوة ، فقد سار على دربه الأفاضل ، فعن على – رضي الله عنه أنه قال : طوبى للزاهدين في الدنيا و الراغبين في الآخرة أولئك قوم اتخذوا الأرض بساطاً ، و ترابها فراشاً ، و ماءها طيباً ، و الكتاب شعاراً ، و الدعاء دثاراً ، و رفضوا الدنيا رفضاً . و كتب أبو الدرداء إلى بعض إخوانه ، أما بعد : فإني أوصيك بتقوى الله ، و الزهد في الدنيا ، و الرغبة فيما عند الله ، فإنك إذا فعلت ذلك أحبك الله لرغبتك فيما عنده ، و أحبك الناس لتركك لهم دنياهم، و السلام.

و عن عروة بن الزبير أن أم المؤمنين عائشة جاءها يوماً من عند معاوية ثمانون ألفاً ، فما أمسى عندها درهم ، قالت لها جاريتها : فهلا اشتريت لنا منه لحماً بدرهم ؟ قالت : لو ذكرتني لفعلت .

و قال ابن مسعود – رضي الله عنه - : الدنيا دار من لا دار له ، و مال من لا مال له ، و لها يجمع من لا علم له . و لما قدم عمر – رضي الله عنه – الشام تلقاه الجنود و عليه إزار و خفان و عمامة ، و هو آخذ برأس راحلته يخوض الماء ، فقالوا : يا أمير المؤمنين ، يلقاك الجنود و بطارقة الشام و أنت على حالتك هذه ، فقال : " إنا قوم أعزنا الله بالإسلام ، فلن نلتمس العز بغيره ".

و دخل رجل على أبي ذر – رضي الله عنه – فجعل يقلب بصره في بيته ، فقال يا أبا ذر : ما أرى في بيتك متاعاً ، ولا أثاثاً ، فقال : إن لنا بيتاً نوجه إليه صالح متاعنا و قال : إن صاحب المنزل لا يدعنا فيه .

وكان عمرو بن العاص – رضي الله عنه- يخطب بمصر و يقول : ما أبعد هديكم من هدي نبيكم صلى الله عليه و سلم ، أما هو فكان أزهد الناس في الدنيا و أما أنتم فأرغب الناس فيها . و قال على – رضي الله عنه – تزوجت فاطمة ومالي و لها فراش إلا جلد كبش ، كنا ننام عليه بالليل ، و نعلف عليه الناضح ( البعير ) بالنهار ومالي خادم غيرها ، و لقد كانت تعجن ، و إن قصتها لتضرب حرف الجفنة من الجهد الذي بها . و لما حضرت الوفاة معاذ بن جبل – رضي الله عنه – قال: اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا و طول البقاء فيها لكرى الأنهار ، ولا لغرس الأشجار ، و لكن لظمأ الهواجر ، و مكابدة الساعات ، و مزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر . و قد ذكر الإمام أحمد أن أفضل التابعين علماً سعيد بن المسيب ، أما أفضلهم على جهة العموم و الجملة فأويس القرني ، و كان أويس يقول : توسدوا الموت إذا نمتم و اجعلوه نصب أعينكم إذا قمتم ، و قال مالك بن دينار : يعمد أحدهم فيتزوج ديباجة الحي ( فاتنة الحي ) ، فتقول : أريد مرطاً ( أكسية من صوف ) فتمرط دينه ( أى تذهب به ) . و كان كثير من السلف يعرض لهم بالمال الحلال ، فيقولون : لا نأخذه ، نخاف أن يفسد علينا ديننا ، و كان حماد بن سلمة إذا فتح حانوته و كسب حبتين قام ، و كان سعيد بن المسيب يتجر في الزيت ، و خلف أربعمائة دينار ، و قال : إنما تركتها لأصون بها عرضي وديني . و قال سفيان الثورى : الزهد في الدنيا قصر الأمل ، ليس بأكل الغليظ ولا بلبس العباءة . و قال الشافعي في ذم الدنيا و التمسك بها:


و ما هى إلا جيفة مستحيلة ***عليها كلاب همهن اجتذابها

فإن تجتنبها كنت سلما لأهلها ***وان تجتذبها نازعتك كلابها


وكان أبو سليمان الداراني يقول : كل ما شغلك عن الله ، من أهل ومال وولد فهو مشؤوم .

طويت الدنيا عمن هم أفضل منا:

ويكفي أن في الزهد التأسي برسول الله صلي اله عليه وسلم وصحابته الكرام ، كما أن فيه تمام التوكل على الله ، وهو يغرس في القلب القناعة،إنه راحة في الدنيا وسعادة في الآخرة . و الزاهد يحبه الله ويحبه الناس فإن امتلكت فاشكر، وأخرج الدنيا من قلبك ، وان افتقرت فاصبر فقد طويت عمن هم أفضل منك ، فقد كان نبيك صلي الله عليه وسلم نيام على الحصير حتى يؤثر في جنبه ، ومات وفي رف أم المؤمنين عائشة حفنة من الشعير تأكل منها ، وكنت إذا دخلت بيوت رسول الله صلي الله عليه وسلم نلت السقف ، وخطب عمر بن الخطاب وهو خليفة المؤمنين وعليه إزار به اثنتا عشرة رقعة .

لقد طويت الدنيا عنهم ولم يكن ذلك لهوانهم على الله ، بل لهوان الدنيا عليه سبحانه .، فهي لا تزن عنده جناح بعوضه ، وركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها . فلا تأس ولا تجزع على ما فاتك منها ، ولا تفرح بما أتاك؛ فالمؤمن لا يجزع من ذلها ولا يتنافس في عزها له شأن و للناس شان ، وكن عبداً لله في عسرك و يسرك و منشطك ومكرهك ، وسواء أقبلت عليك الدنيا أو أدبرت فإقبالها إحجام ، وإدبارها إقدام ، والأصل أن تلقاك بكل ما تكره فإذا لاقتك بما تحب فهو استثناء.
اسلام ويب

علي النموشي
2008-10-31, 19:50
صدقت أختي رشيدة
الدنيا جيفة وطلابها كلاب .

قدوري رشيدة
2008-10-31, 19:55
صدقت أختي رشيدة
الدنيا جيفة وطلابها كلاب .


بوركت أخي"علي"

بل صدق الامام الشافعي رحمه الله

احترماتي

ليتيم الشافعي
2008-10-31, 20:25
بوركت أخي"علي"

بل صدق الامام الشافعي رحمه الله

احترماتي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بارك الله فيك أختنا رشيدة على هذا النقل

عندي سؤال: هل تصدقين كلام الشافعى رحمه الله كله أم لا؟

وجزاكم الله خيرا.

عامر1988
2008-10-31, 20:36
بارك الله فيك على المواضيع المتميزة

قدوري رشيدة
2008-10-31, 21:15
بارك الله فيك على المواضيع المتميزة


وفيك بركة أخي المحترم"عامر"

مزيدا من المواضيع المفيدة

تحياتي

قدوري رشيدة
2008-11-01, 13:28
من أجمل الابيات في الزهد للامام علي كرم الله وجهه:


لاتـأسـفـن عــلــى الـدنـيــا ومـافـيـهـا


فـالـمـوت لاشـــك يفـنـيـنـا ويفـنـيـهـا


ومــن يـكـن هـمــه الـدنـيـا ليجمـعـهـا


فـسـوف يـومـا عـلـى رغـــم يخلـيـهـا


لاتشـبـع النـفـس مــن دنـيـا تجمـعـهـا


وبلـغـة مــن قـــوام الـعـيـش تكفـيـهـا


أعمـل لـدار البـقـاء رضــوان خازنـهـا


الــجــار احــمــد والـرحـمــن بـانـيـهـا


أرض لـهـا ذهــب والـمـسـك طينـتـهـا


والـزعـفـران حـشـيـش نـابــت فـيـهـا


أنـهــار لـبــن مـحــض ومـــن عـســل


والخمـر يجـرى رحيقـا فـي مجاريـهـا


والطير تجرى علـى الأغصـان عاكفـة

تـسـبــح الله جــهــرا فــــي مغـانـيـهـا


مـن يشتـرى قـبـة فــي الـعـدن عالـيـة


فــي ظــل طـوبـى رفـيـعـات مبانـيـهـا


دلالــهــا الـمـصـطـفـى والله بـائـعـهــا


وجبـرائـيـل يـنــادى فــــي نـواحـيـهـا


من يشترى الدار في الفردوس يعمرها


بركـعـة فـــي ظـــلام الـلـيـل يخفـيـهـا


أو ســـد جـوعــة مسـكـيـن بشـبـعـتـه


فــي يــوم مسغـبـة عــم الـغــلا فـيـهـا


النفـس تطمـع فـي الدنيـا وقـد علـمـت


أن السـلامـة منـهـا تـــرك مـــا فـيـهـا


والله لــو قنـعـت نفـسـي بـمـا رزقـــت


مـــن المـعـيـشـة إلا كــــان يكيـفـيـهـا


والله والله أيـــــمــــــان مــــــكــــــررة


.ثـلاثــة عـــن يـمـيــن بــعــد ثـانـيـهـا


لــو أن فـــي صـخــرة صـمــا ملـمـلـة

فــي البـحـر راسـيـة مـلـس نواحـيـهـا


رزقـــا لـبـعـد بـراهــا الله لا انـفـلـقـت


حـتـى تـــؤدى إلـيــه كـــل مـــا فـيـهـا


أو كـان فـوق طبـاق السـبـع مسلكـهـا


لـسـهـل الله فـــي الـمـرقـى مـراقـيـهـا


حتـى ينـال الـذي فـي اللـوح خــط لــه


فــــان أتــتــه وإلا ســـــوف يـأتـيـهــا


أمـوالـنـا لـــذوى الـمـيـراث نجمـعـهـا


ودارنــــا لــخــراب الــيــوم نـبـنـيـهـا


لا دار للـمـرء بـعـد الـمــوت يسكـنـهـا


.إلا الـتـي كــان قـبـل الـمــوت يبنـيـهـا


فـيـهــا نـعـيــم مـقـيــم دائــمــا أبــــدا


بــــلا انـقـطــاع ولا مـــــن يـدانـيـهــا


الأذن والعـيـن لــم تسـمـع ولــم تـــره


.ولـم يـدر فـي قلـوب الخلـق مـا فيـهـا


فيـهـا لـهـا مــن كـرامـات إذا حصـلـت


ويـالـهــا مـــــن نــفـــوس تـحـويـهــا


وهـــذه الـــدار لا تــغــررك زهـرتـهــا


فـعـن قـريـب تــرى معـجـبـك ذاويـهــا


فـأربــا بنـفـسـك لا يـخـدعـك لامـعـهـا


مـن الـزخـرف واحــذر مــن دواهيـهـا


خـداعـة لــم تــدم يـومــا عـلــى أحـــد

.ولا اسـتـقـرت عـلــى حـــال ليـالـيـهـا


فأنظـر وفكـر فكـم غــرت ذوى طـيـش


.وكـم أصابـت بسـهـم الـمـوت أهليـهـا

قدوري رشيدة
2008-11-01, 14:11
قال ابن القيم : (( فى القلب شعث لا يلمه إلا الإقبال على الله ، وفيه وحشه لا يزيلها إلا الأنس بالله ، وفيه حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفة الله ، وصدق معاملته ، وفيه قلق لا يسكنه إلا الاجتماع عليه والعزاء إليه )) .

قال ابن القيم : (( القرآن مملوء من التزهيد فى الدنيا ، والإخبار بخستها ، وانقطاعها ، والترغيب فى الآخرة والإخبار بشرفها ودوامها )) .

قال ابن تيمه : (( الزهد ترك ما لا ينفع فى الآخرة ، والورع ترك ما تخاف ضرره فى الآخرة )) .

قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله (( إن الدنيا ليست بدار قراركم ، كتب الله عليها الفناء ، وكتب على أهلها الظعن ، فأحسنوا ما بحضرتكم من النقلة ، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى )) .

يقول ابن تيميه : (( بحسب توحيد العبد لربه وإخلاصه دينه لله ، يستحق كرامه الله بالشفاعة وغيرها )) .

يقول ابن رجب (( اجتهدوا اليوم فى تحقيق التوحيد ، فإنه لا يوصل إلى الله سواه ، واحرصوا على القيام بحقوقه ، فإنه لا ينجى من عذاب الله إلا إياه )) .

قال أبو بكر الصديق رضى الله عنه : (( إن العبد إذا دخله العجب بشىء من زينه الدنيا مقته الله تعالى حتى يفارق تلك الزينة )) .

قال ابن مسعود :" ما ندمت على شىء ندمى على يوم غربت شمسه ، نقص فيه أجلى ، ولم يزد فيه عملى

فضح الموت الدنيا فلم يترك لذى عقل عقلا ً ".

يقول ابن تيمية : (( فإن المخلص ذاق حلاوة عبوديته لله ما يمنعه من عبوديته لغيره ، إذ ليس عند القلب أحلى ولا أنعم من حلاوة الإيمان بالله رب العالمين )) .

قدوري رشيدة
2008-11-04, 18:34
سائل يسأل عن معنى كل من الزهد والورع، وهل هما شيء واحد أو بينهما فرق؟ وإذا كان بينهما فرق، فما الفرق بينهما؟


الزهد أبلغ من الورع، وأشرف منه، والورع داخل في ضمن الزهد، فكل زاهد ورع، وليس كل ورع زاهدًا، وإن كانا يشتركان في ترك المحرمات عمومًا والمكروهات والمشتبهات، وفعل الطاعات في الواجبات والمستحبات وأشياء أخرى، لكن الزهد أبلغ من الورع وأرقى منه.

ومن أجود ما قيل في الفرق بين الزهد والورع ما ذكره ابن القيم رحمه الله في (مدارج السالكين) بقوله: سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول:
- الزهد: ترك ما لا ينفع في الآخرة.
- والورع: ترك ما تخاف ضرره في الآخرة.
وهذه العبارة من أحسن ما قيل في الزهد والورع وأجمعها.

▪ فأما الورع فقد تكلم عنه القوم، وكُلٌّ تكلم فيه بحسب ذوقه وعلمه.

- فقال أبو سليمان الداراني: الورع أول الزهد كما أن القناعة أول الرضاء.
- وقال سفيان الثوري: ما رأيت أسهل من الورع، ما حاك في نفسك فاتركه.
- وقال الحسن: مثقال ذرة من الورع خير من ألف مثقال من الصوم والصلاة.

▪ وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم الورع كله بكلمة واحدة فقال: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" (1)، فهذا يعم الترك لما لا يعني من الكلام، والنظر، والاستماع، والبطش، والمشي، والفكر، وسائر الحركات الظاهرة، والباطنة. فهذه الكلمة كافية شافية في الورع.

▪ وأما الزهد: فقال سفيان الثوري: الزهد في الدنيا ليس بأكل الغليظ ولا لبس العباء. وقال: إنما الزهد في قوله تعالى: {لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا ءَاتَاكُمْ وَالله لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} (2)، فالزاهد لا يفرح من الدنيا بموجود، ولا يأسف منها على مفقود.

وليس المراد رفضها بالكلية، فقد كان سليمان وداود عليهما السلام من أزهد أهل زمانهما، ولهما من المال والملك والنساء ما لهما، وكان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من أزهد البشر على الإطلاق وله تسع نسوة، وكان عبد الرحمن ابن عوف والزبير وعثمان رضي الله عنهم من الزهاد مع ما كان لهم من الأموال، وكان الحسن بن علي رضي الله عنه من الزهاد، مع أنه كان من أكثر الناس محبة للنساء ونكاحًا لهن وأغناهم، وكان عبد الله بن المبارك من الأئمة الزهاد مع مال كثير، وكذلك الليث بن سعد من أئمة الزهاد، وكان له رأس مال يقول: لولا هذا لتمندل بنا هؤلاء.

ومن أحسن ما قيل في الزهد كلام الحسن: ليس الزهد في الدنيا بتحريم الحلال، ولا إضاعة المال، ولكن أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يدك، وأن تكون في ثواب المصيبة -إذا أصبت بها- أرغب منك فيها لو لم تصبك. فهذا من أجمع الكلام في الزهد وأحسنه.

وقال الإمام أحمد بن حنبل: الزهد في الدنيا قصر الأمل. وعنه رواية أخرى: أنه عدم فرحه بإقبالها، ولا حزنه على إدبارها؛ فإنه سئل عن الرجل يكون معه ألف دينار، هل يكون زاهدًا؟ قال: نعم، شريطة أن لا يفرح إذا زادت، ولا يحزن إذا نقصت.

وقال الإمام أحمد أيضا: الزهد على ثلاثة أنواع:
- فالأول: ترك الحرام، وهو زهد العوام.
- والثاني: ترك الفضول من الحلال، وهو زهد الخواص.
- والثالث: ترك ما يشغل عن الله، وهو زهد العارفين.

فهذا الكلام من الإمام أحمد يأتي على جميع ما تقدم ذكره من كلام المشايخ، مع زيادة تفصيله، وتبيين درجاته، وهو من أجمع الكلام، وهو يدل على أنه رضي الله عنه من هذا العلم بالمحل الأعلى، وقد شهد الشافعي رحمه الله بإمامته في ثمانية أشياء أحدها الزهد.

والذي أجمع عليه العارفون: أن الزهد سفر القلب من وطن الدنيا، وأخذه في منازل الآخرة، وعلى هذا صنف المتقدمون كتب الزهد، كالزهد لعبد الله بن المبارك، وللإمام أحمد، ولوكيع، ولهناد بن السري، ولغيرهم. انتهى من (مدارج السالكين) ملخصًا.

الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العقيل-طريق الاسلام-

AKIS
2008-11-04, 21:58
بارك الله فيك
وهناك سلسلة رائعة من الدروس الصوتية للشيخ خالد بن عثمان السبت تحدث فيها عن أعمال القلوب كالخشوع والإخلاص وهذا هو الرابط : http://www.islamway.com/?iw_s=Scholar&iw_a=series&series_id=1168

قدوري رشيدة
2008-11-05, 16:56
بارك الله فيك
وهناك سلسلة رائعة من الدروس الصوتية للشيخ خالد بن عثمان السبت تحدث فيها عن أعمال القلوب كالخشوع والإخلاص وهذا هو الرابط : http://www.islamway.com/?iw_s=scholar&iw_a=series&series_id=1168

وفيك بركة أخي

وشكرا على اضافة الرابط