مشاهدة النسخة كاملة : ثلاثة أسئلة جوابها صدمة ...لمن احب فقط
ورود الشتاء
2011-08-30, 20:19
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لمن لا يسمع الأغاني الغزلية والموسيقى.. فهنيئاً له وأرجو أن يرسلها الى غيره ولمن يسمع فهذه رسالة........ والله لولا إنني أحببتك في الله لما أهمني ولما أرسلت لك هذه الرسالة... أولاً أريد أن
أسالكم بصدق .. ثلاثة أسئلة
السؤال الأول: لو كنت جالساً تنظف أذنك بمنظف الآذان وفجأة سقط أخوك من الركض على أذنك دون قصد منه فدخل هذا العود في أذنك ثواني أترى كيف شدة ألمها؟؟ كيف تتحمل وتصبر؟؟ وهل تنام الليل من وجعها؟؟ فما بالك بحديد مذاب من النار يدخل أذنيك ومدة طويلة حماك الله ورعاك..؟؟
...........
السؤال الثاني: إذا دخلت الجنة بإذن الله بعد رحمته تعالى ونجاتك
تدخل الجنة وترى أهلها يتمتعون بالموسيقى فتتمنى أن تسمعها ولكن لن يسمعها في الجنة من كان يسمعها في الدنيا >>انفجعت يوم قريتها انتبهي انتي ويااها صراحه لازم نعيد حساباتنا
مثله مثل شارب الخمر في الدنيا حينما ينحرم من لذة الشرب في الجنة؟؟
أتستبدل بالذي هو أبقى وألذ؟؟ بالفاني؟؟
حينها تتمنى أنك لم تسمع موسيقى في الدنيا لتسمعها في الجنة.... فهل ينفع الندم؟؟
............ ...
السؤال الثالث: هل أنت مرتاح بأن تتسمع على الأغاني؟؟ أتحداك إذا كان قلبك مرتاح
أو مطمئن لهذا....
....أتدري لماذا تحديت؟؟؟ لأنك مسلم
...
والمسلم قلبه دليله لا يرتاح لذنب.. بل كله هموم وأحزان ونكد حماك الله************ *****
قد تقول لطرد الملل
سأقول لك أن الراحة والسعادة والفرج والخير يأتي مع الصبر... ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه عاجلاً أم آجلاً
وقد تقول كيف أتخلص منها
.
أولاً عليك بالدعاء فقد كان رسول الله يدعو الله الهداية ويستعيذ بالله من الفسق والعصيان
ثانياً لن ينفع الدعاء بلا عمل لابد أن تعمل... والعمل هو أن تجاهد نفسك على تركها وتحاول أن تستبدل بسماع القرآن...
ثالثاً تذكر ألم أذنك. في النار... وتذكر حسرتك في الجنة إذا أدخلك الله برحمته... حينما يسمعون الموسيقى ((وما جميع أنواع الموسيقى في الدنيا إلا أقل من الذرة في الجنة)
حينها تتحسر وتندم تريد أن تسمع ولو لثواني ولكن هل تنفع الحسرة؟؟
رابعاً تذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم
{ليكونن من أمتي قوم يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف} أخرجه البخاري وفي لفظ: {ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير ))
لا شك أنها في البداية صعبة جداً وتحن وتشتاق ولكن جاهد نفسك وتذكر هذه الآية (ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى)
إذا لابد أن ننهي أنفسنا الأمّارة بالسوء عن هواها
وبالتدريج تأكد بأنّ الله عزّ وجل ييسّرها لك لأنّه يعلم صدق توبتك وهكذا تستطيع التخلّص من الأغاني بل وتكرهها كرهاً بليغاً واحرص دائماً على تذكر الموت حتى لا يموت القلب تذكر الحسرات في الآخرة بسبب الأغاني أو تركها
فما هي إلا دنيا ذاهبة زائلة إلى آخرة قادمة دائمة
شعلال جمال الدين
2011-08-30, 20:39
ما حكم الإسلام في الغناء والموسيقى ؟ سؤال يتردد على ألسنة كثيرين في مجالات مختلفة و أحيان شتى .
سؤال اختلاف جمهور المسلمين اليوم في الإجابة عليه ، و اختلاف سلوكهم تبعاً لاختلاف أجوبتهم ، فمنهم من يفتح أذنية لكل نوع من أنواع الغناء ، و لكل لون من ألوان الموسيقي مدعياً أن ذلك حلال طيب من طيبات الحياة أباح الله لعباده .
و منهم من يغلق الراديو أو يغلق أذنية عند سماع أية أغنية قائلاً : إن الغناء مزمار الشيطان ، و لهو الحديث و يصد عن ذكر الله و عن الصلاة و خاصة إذا كان المغني امرأة ، فالمرأة – عندهم – صوتها عورة بغير الغناء ، فكيف بالغناء ؟ و يستدلون لذلك بآيات و أحاديث و أقوال .
و من هؤلاء من يرفض أي نوع من أنواع الموسيقى ، حتى المصاحبة لمقدمات نشرات الأخبار .
ووقف فرين ثالث متردداً بين الفريقين ؛ ينحاز إلى هؤلاء تارة ، وإلى أولئك طوراً ، ينتظر القول الفصل والجواب الشافي من علماء الإسلام في هذا الموضوع الخطير ، الذي يتعلق بعواطف الناس و حياتهم اليومية ، و خصوصاً بعد أن دخلت الإذاعة – المسموعة والمرئية – على الناس بيوتهم ، بجدها و هزلها ، و جذبت إليها أسماعهم بأغانيها و موسيقاها طوعاً و كرهاً .
و الغناء بآلة – أي مع الموسيقى – و بغير آلة : مسألة ثار فيها الجدل والكلام بين علماء الإسلام منذ العصور الأولى ، فاتفقوا في مواضع واختلفوا في أخرى .
اتفقوا على تحريم كل غناء يشتمل على فحش أو فسق أو تحريض على معصية ، إذ الغناء ليس إلا كلاماً فحسنه حسن ، و قبيحه قبيح و كل قول يشتمل على حرام ، فما بالك إذ اجتمع له الوزن والنغم والتأثير ؟
و اتفقوا على إباحة ما خلا من ذلك من الغناء الفطري الخالي من الآلات و الإثارة ، و ذلك في مواطن السرور المروعة ، كالعرس ، وقدوم الغائب ، و أيام الأعياد . . .
ونحوها ، بشرط ألا يكون المغني امرأة في حضرة أجانب منها .
و قد وردت في ذلك نصوص صريحة – سنذكرها فيما بعد . و اختلفوا فيما عدا ذلك اختلافاً بيناً : فمنهم من أجاز كل غناء بآلة و بغير آلة ، ومنهم من منعه منعاً باتاً بآلة و بغير آلة ، و عده حراماً ، بل ريما ارتقي به إلى درجة « الكبيرة » .
و لأهمية الموضوع نرى لزاماً علينا أن نفصل فيه بعض التفصيل ، و نلقي عليه أضواء كاشفة لجوانبه المختلفة ، حتى يتبين المسلم الحلال فيه من الحرام ، متبعاً للدليل الناصع ، لا مقلداً قول قائل ، و بذلك يكون على بينة من أمره ، و بصيرة من دينه .
..
الأصل في الأشياء الإباحة قرر علماء الإسلام أن الأصل في الأشياء الإباحة لقوله تعالى : ( هوَ الَذِي خَلَقَ لَكم مَا فِي الُأَرُضِ جَمِيعَاَ ) (البقرة (29) ) ، و لا تحريم إلا بنص صحيح صريح من كتاب الله تعالى ، أو سنة رسوله ( صلي الله عليه و آله و سلم ) ، أو إجماع ثابت متيقن ، فإذا لم يرد نص ولا إجماع . أو ورد نص صريح غير صحيح ، أو صحيح غير صحيح ، بتحريم شيء من الأشياء ، لم يؤثر ذلك في حله ، و بقي في دائرة العفو الواسعة ، قال تعالى : ( وَقَدُ فَصَلَ لَكم مَا حَرَمَ عَلَيُكمُ إِلَا مَا اضُطرِرُتمُ إِلَيُهِ ) (الأنعام (119)) . و قال رسول الله ( صلي الله عليه و آل و سلم ) : « ما أحل الله في كتابه فهو حلال ، و ما حرم فهو حرام ، و ما سكت عنه فهو عفو ، فاقبلوا من الله عافيته ، فإن الله لم يكن لينسى شيئاً » ، و تلا : ( وَ مَا كَانَ رَبكَ نَسِيَاَ (رواه الحاكم عن أبي الدر داء و صححه ، و أخرجه البزّار – و الآية من سورة مريم(64) ) .
و قال : « إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها ، وحد حدوداً فلا تعتدوها ، و سكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها » (أخرجه الدارقطني عن أبي ثعلبة الخشني ، و حسنه الحافظ أبو بكر ا لسمعا ني في أماليه ، والنووي في الأربعين .).
و إذ كانت هذه هي القاعدة ، فما هي النصوص و الأدلة التي استند إليها القائلون بتحريم الغناء ، و ما موقف المجيزين منها ؟
..
أدلة المحرمين للغناء و مناقشتها ( أ ) استدل المحرمون بما روي عن ابن مسعود و ابن عباس و بعض التابعين : أنهم حرموا الغناء محتجين بقول الله تعالى : ( وَ مِنَ النَاسِ مَن يَشُتَرِي لَهُوِ الحَدِيثِ لِيضِلَّ عَن سَبِيلِ الَلهِ بِغَيُرِ عِلُمِ وَ يَتَّخِذَهَا هزوًا أولَيكَ لَهمُ عَذَاب مهِين) لقمان (6) ) ؛ و فسروا لهو الحديث بالغناء .
قال ابن حزم : « ولا حجة في هذا لوجوه :
أحدها : أنه لا حجة لأحد دون رسول الله ( صلي الله عليه و آل و سلم ) .
و الثاني : أنه قر خالف غير هم من الصاحبة و التابعين .
والثالث : أن نص الآية يبطل احتجاجهم بها ؛ لأن فيها : ( وَ مِنَ النَاسِ مَن يَشُتَرِي لَهُوَ الُحَدِيثِ لِيضِلَّ عَن سَبِيلَ اللَهِ بِغَيُرِ عِلُمِ وَ يَتَّخِذَهَا هزوًا ) ، و هذه صفة من فعلها كان كافراً بلا خلاف ، إذا اتخذ سبيل الله هزواً .
قال : « و لو أن امرءاً اشترى مصحفاً ليضل به عن سبيل الله ، و يتخذه هزواً ، لكان كافراً ! فهذا هو الذي ذم الله تعالى ، و ما ذم قط – عز و جل – من اشترى لهو الحديث ليتلهى به ويروح نفسه ، لا ليضل عن سبيل الله تعالى . فبطل تعلقهم بفول هؤلاء ، و كذلك من اشتغل عامداً عن الصلاة بقراءة القرآن ،أو بقراءة السنن ، أو بحديث يتحدث به ، أو بغناء ، أو بغير ذلك ، فهو فساق عاص لله تعالى ، و من لم يضيع شيئاً من الفرائض اشتغالاً بما ذكرنا فهو محسن » (المحلى لابن حزم : 9/60 ) .
(ب) و استلوا بقوله تعالى في مدح المؤمنين : ( وَ إِذَا سَمِعواُ اللّغُوَ أَعُرَضواُ عَنُه ) القصص(55) ، و الغناء من اللغو فوجب الإعراض عنه .
و يجاب بأن الظاهر من الآية أن اللغو : سفه القول من السب والشتم و نحو ذلك ، و بقية الآية تنطق بذلك . قال تعالى : ( وَ إِذَا سَمِعوُاُ اللَغُوَ أَعُرَضواُ عَنُه وَقَالواُ لَنا أَعُمَالنَا وَلَكمُ أَعُمَالَكمُ سَلَم عَلَيُكمُ لَا نَبُتَغِي الُجَاهِلِيُنَ )القصص (55) ، فهي شبيهة بقوله تعالى في وصف عباد الرحمن : ( وَ إِذَا خَاطَبَهم الُجَاهِلونَ قَالواُ سَلَمَا) الفرقان (63)
.
و لو سلمنا أن اللغو في الآية يشمل الغناء لوجدنا الآية تستحب الإعراض عن سماعه تمدحه ،و ليس فيها ما يوجب ذلك.
و كلمة «اللغو » ككلمة « الباطل » تعني ما لا فائدة فيه ، و سماع ما لا فائدة فيه ليس محرماً ما لم يضيع حقاً ، أو يشغل عن واجب .
روي عن ابن جريج : أنه كان يرخص في السماع فقيل له : أيؤتى به يوم القيمة في جملة حسناتك أو سيئاتك ؟ فقال : لا في الحسنات و لا في السيئات ؛ لأنه شبيه باللغو ، قال تعالى : (لا يؤَخِذ كم اللَه بِالَلغُو ِفِي أَيُمَانَكمُ )(البقرة : 225 ، المائدة : 89 .) .
قال الإمام الغزالي : « إذا كان ذكر اسم الله تعالى على الشيء على طريق القسم من غير عقد عليه و لا تصميم ، و المخالفة فيه – مع أنه لا فائدة فيه – لا يؤاخذ به ، فكيف يؤاخذ بالشعر و الرقص » ؟ ! (- إحياء علوم الدين ، كتاب « السماع » ص 1147 – طبعة دار الشعب بمصر).
على أننا نقول : ليس كل غناءٍ لغواً ؛ إنه يأخذ حكمه و فق نية صاحبه ، فالنية الصالحة تحيل اللهو قربة ، و المزح طاعة ، و النية الخبيثة تحبط العمل الذي ظاهره العبادة . باطنه الرياء : « إن الله لا ينظر إلى صوركم و أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم و أعمالكم » (رواه مسلم من حديث أبي هريرة ، كتاب « البر و الصلة و الآداب » ، باب : تحريم ظلم المسلم) .
و ننقل هنا كلمة جيدة قالها ابن حزم في « المحلى » ردا على الذين يمنعون الغناء قال : « احتجوا فقالوا : من الحق الغناء أم من غير الحق ؟ و لا سبيل إلى قسم ثالث ، و قد قال الله تعالى : ( فَمَا ذَا بَعُدَ الُحَقِ إلا الضَلال ) يونس( 32) ، فجوابنا – و بالله التوفيق - : أن رسول الله ( صلي الله عليه و آل و سلم ) قال : « إنما الأعمال بالنيات و إنما لكل امرىء ما نوى » (متفق عليه من حديث عمر بن الخطاب ، و هو أول حديث في صحيح البخاري . )
فمن نوى باستماع الغناء ، و من نوى به ترويح نفسه ، ليقوى بذلك على طاعة الله عز وجل ، و ينشط نفسه بذلك على البر فهو مطيع محسن ، و فعله هذا من الحق ، ومن لم ينو طالعة و لا معصية فهو لغو معفو عنه ، كخروج الإنسان إلى بستانه ، و قعوده على باب داره متفرجاً و صبغه ثوبه لا زورديّاً أو أخضر أو غير ذلك ، و مد ساقه و قبضها ، و سائر أفعاله » (المحلى : 9/60) .
( ج ) و استدلوا بحديث : « كل لهو يلهو به المؤمن فهو باطل إلا ثلاثة : ملاعبة الرجل أهله ، و تأديبه فرسه ، و رميه عن قوسه » (رواه أصحاب السنن الأربعة ، و فيه اضطراب . قاله الحافظ العراقي في تخريج أحاديث « الإحياء » .) .
و الغناء خارج عن هذه الثلاثة .
و أجاب المجوزون بضعف الحديث ، ولو صح لما كان فيه حجة ، فإن قوله : « فهو باطل » لا يدل على التحريم ، بل يدل على عدم الفائدة . فقد ورد عن أبي الدر داء قوله : « إني لأستجم نفسي بالشيء من الباطل ليكون أقوى لها على الحق » . على أن الحصر في الثلاثة غير مراد ، فإن التلهي بالنظر إلى الحبشة و هم يرقصون في المسجد النبوي خارج عن تلك الأمور الثلاثة ، و قد ثبت في الصحيح ، و لا شك أن التفرج في البساتين و سماع أصوات الطيور ، و أنواع المداعبات مما يلهو به الرحل ، لا يحرم عليه شيء منها ،و إن جاز و صفه بأنه باطل .
( د ) و استدلوا بالحديث الذي رواه البخاري – معلقاً – عن أبي مالك أو أبي عامر الأشعري – شك من الراوي – عن النبي علنه الصلاة و السلام قال : « ليكو نن قوم من أمتي يستحلون الحر (الحر : بكسر الحاء و تخفيف الراء - : أي الفرج ، و المعنى : يستحلون الزنى . و رواية البخاري : الخزّ.)
والحرير والخمر والمعازف». والمعازف: الملاهي ، أو آلات العزف.
و الحديث و إن كان في صحيح البخاري : إلا أنه من « المعلقات » لا من « المسندات المتصلة » و لذلك رده ابن حزم لانقطاع سنده و مع التعليق فقد قالوا : إن سنده و متنه لم يسلما من الاضطراب .
و قد اجتهد الحافظ ابن حجر لوصل الحديث ، ووصله بالفعل من تسع طرق ، و لكنها جميعاً تدور على راوٍ تكلم فيه عدد من الأئمة النقاد ، ألا و هو : هشام ابن عمار (النظر : تغليق التعليق – للحافظ ابن حجر : 5/17 –22 ، تحقيق سعيد القزقي – طبع المكتب الإسلامي و دار عمار . ) . و هو – و إن كان خطيب دمشق و مقرئها و محدثها وعالمها ، ووثقه ابن معين و العجلي – فقد قال عنه أبو داود : حدث بأربعمائة حديث لا أصل لها .
و قال أبو حاتم : صدوق و قد تغير ، فكان كل ما دفع إليه قرأه ، و كل ما لقنه تلقّن . و كذلك قال ابن سيار .
و قال الإمام أحمد : طياش خفيف .
و قال النسائي : لا بأس به ( و هذا ليس بتوثيق مطلق ) .
و رغم دفاع الحافظ الذهبي عنه قال : صدوق مكثر له ما ينكر (- انظر ترجمته في ميزان الاعتدال ( 4/302 ) ترجمة ( 9234 ) ، و في « تهذيب التهذيب » ( 51/11 – 54 ) . ) .
وأنكروا عليه أنه لم يكن يحدّث إلا بأجر !
و مثل هذا لا يقبل حديثه في مواطن النزاع ، و خصوصاً في أمر عمت به البلوى .
و رغم ما في ثبوته من الكلام ،فقي دلالة كلام آخر؛ فكلمة «المعازف » لم يتفق على معناها بالتحديد : ما هو ؟ فقد قيل : الملاهي ،وهذه مجملة ، وقيل : آلات العزف .
ولو سلّمنا بأن معناها : آلات الطرب المعروفة بآلات الموسيقى . فلفظ الحديث المعلّق في البخاري غير صحيح في إفادة حرمة « المعازف » لأن عبارة « يستحلون » - كما ذكر ابن العربي – لها معنيان : أحدهما : يعتقدون أن ذلك حلال ، والثاني : أن تكون مجازاً عن الاسترسال في استعمال تلك الأمور ؛ إذ لو كان المقصود بالاستحلال : المعني الحقيقي ، لكان كفراً ، فإن استحلال الحرام المقطوع به – مثل الخمر والزنى المعبر عنه ب « الحر » كفر بالإجمال .
و لو سلمنا بدلالتها على الحرمة ، فهل يستفاد منها تحريم المجموع المذكور من الحر و الحرير و الخمر و المعازف ، أو كل فرد منها على حدة ؟ و الأول هو الراجح . فإن الحديث في الواقع ينعى على أخلاق طائفة من الناس : انغمسوا في الترف و الليالي الحمراء ، و شرب الخمور . فهم بين خمر نساء ، و لهو و غناء ، و خزّ و حرير . و لذا روي ابن ماجه هذا الحديث عن أبي مالك الأشعري بالفظ : « ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها ، يعزف على رؤوسهم بالمعازف و المعنيات ، يخسف الله بهم الأرض و يجعل منهم القردة و الخنازير » ، و كذلك رواه ابن حبان في صحيحه ، و البخاري في تاريخه .
و كل من روي الحديث من طريق غير هشام ابن عمار ، جعل الوعيد على شرب الخمر ، و ما المعازف إلا مكملة و تابعة .
( هـ ) و استدلوا بحديث عائشة : « إن الله تعالى حرم القينة ( أي الجارية 9 و بيعها و ثمنها و تعليمها » .
و الجواب عن ذلك :
أولاً : أن الحديث ضعيف ، و كل ما جاء في تحريم بيع القيان ضعيف (انظر : تضعيف ابن حزم لهذه الأحاديث و تعليقه عليها في « المحلى » : 9/56 – 59 .) .
ثانياً : قال الغزالي : « المراد بالقينة الجارية التي تغني للدجال في مجلس الشرب ، و غناء الأجنبية للفسّاق و من يخاف عليهم الفتنة حرام ، و هم لا يقصدون بالفتنة إلا ما محذور . فأما غناء الجارية لمالكها ، فلا يفهم تحريمه من هذا الحديث . بل لغير مالكها سماعها عند عدم الفتنة ، بدليل ما روي في الصحيحين من غناء الجاريتين في بيت عائشة رضي الله تعالى عنها (الإحياء ص 1148 .)
ثالثاً : كان هؤلاء القيان المغنيات يكون عنصراً هاماً من نظام الرقيق ، الذي جاء الإسلام بتصفيته تدريجياً ، فلم يكن يتفق و هذه الحكومة : إقرار بقاء هذه الطبقة في المجتمع الإسلامي ، فإذا جاء حديث بالنعي على امتلاك « القينة » ، و بيعها ، و المنع منه ، فذلك لهدم ركن من بناء « نظام الرق » العتيد .
( و ) و استدلوا بما روي نافع : أن ابن عمر سمع صوت زمارة راع أصبعيه في أذنية ،و عدل راحلته عن الطريق ، و هو يقول : يا نافع أستمع ؟ فأقول : نعم ، فيمضي ، حتى قلت : لا . فرفع يده و عدل راحلته إلى الطريق ، و قال : « رأيت رسول الله ( صلى الله عليه و آل و سلم ) يسمع زمارة راع فصنع مثل هذا » .
و الحديث قال عنه أبو داود : حديث منكر .
و لو صح لكان حجة على المحرمين لا لهم ، فلو كان سماع المزمار حراماً ما أباح النبي ( صلي الله عليه و آل و سلم ) لا بن عمر سماعه ، و لو كان عند ابن عمر حراماً ما أباح لنافع سماعه ، و لأمر عليه السلام بمنع و تغيير هذا المنكر ، فإقرار النبي ( صلي الله عليه و آل و سلم ) لا بن الحلال .
و إنما تجنب – عليه السلام – سماعه كتجنبه أكثر المباح من أمور الدنيا ، كتجنبه الأكل متكئاً ، و أن يبيت عنده دينار أو درهم . . . إلخ .
( ز ) واستدلوا أيضاً بما روي : « إن الغناء ينبت النفاق في القلب » ولم يثبت هذا حديثاً عن نبي ( صلى الله عليه وآل و سلم ) و إنما ثبت قولاً لبعض الصحابة أو التابعين ، فهو رأي لغير معصوم خالفه فيه غيره . فمن الناس من قال – وبخاصة الصوفية - : إن الغناء يرقق القلب ، ويبعث الحزن والندم علي المعصية ، و يهيج الشوق إلى الله تعالى ، و لهذا اتخذوه وسيلة لتجديد نفوسهم ، و تنشيط عزائمهم ، و إثارة أشوقهم . قالوا : و هذا أمر لا يعرف إلا بالذوق و التجربة و الممارسة ، و من ذاق عرف ، و ليس الخبر كالعيان !
على أن الإمام الغزالي جعل حكم هذه الكلمة بالنسبة للمغني لا للسامع ، إذ كان غرض المغني أن يعرض نفسه على غيره ، و يروج صوته عليه ، و لا يزال ينافق ويتودد إلى الناس ليرغبوا في غنائه . و مع هذا قال الغزالي : « و ذلك لا يوجب تحريماً ، فإن لبس الثياب الجميلة ، و ركوب الخيل المهملجة ، و سائر أنواع الزينة ، و لا يطلق القول بتحريم ذلك كله ، فليس السبب في ظهور النفاق في القلب : المعاصي ، بل إن المباحات ، التي هي مواقع نظر الخلق ، أكثر تأثيراً » (الإحياء : كتاب « السماع » ص 1151 .) .
( ح ) و استدلوا على تحريم غناء المرأة خاصة ، بما شاع عند بعض الناس من أن صوت المرأة عورة ، و قد كان النساء يسألن رسول الله ( صلي الله عليه و آل و سلم ) في ملاٍ من أصحابه ، و كان الصحابة يذهبون إلى أمهات المؤمنين و يستفتونهن و يفتينهم ويحدثنهم ،و لم يقل أحد : إن هذا من عائشة أو غيرها كشف لعورة يجب أن تستر . مع أن نساء النبي عليهن من التغليظ ما ليس على غير هن.
وقال تعالى : ( وًقلُنَ قَوُلاَ مَّعُروفَاَ) الأحزاب (32 ) .
فإن قالوا : هذا في الحديث العادي لا في الغناء ، قلنا : روي في الصحيحين أن النبي ( صلى الله عليه و آل و سلم ) سمع غناء الجاريتين و لم ينكر عليهما ، و قال لأبي بكر : « دعهما » ، و قد سمع ابن جعفر و غيره من الصحابة و التابعين الجواري يغنين .
( ط ) و استدلوا بحديث الترمذي عن علًّى مرفوعاً : « إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة ، حلّ تها البلاء . . . » ، وذكر منها : « واتخذت القينات و المعازف » ، و الحديث متفق على ضعفه ،فلا حجة فيه .
و الخلاصة
أن النصوص التي استدل بها القائلون بالتحريم إما صحيح غير صريح ، أو صريح غير صحيح . و لم يسلم حديث واحد مرفوع إلى رسول الله ( صلي الله عليه وآل وسلم ) يصلح دليلاً للتحريم ، و كل أحاديثهم ضعفها جماعة من الظاهرية و المالكية و الحنابلة و الشافعية .
قال القاضي أبو بكر بن العربي في كتاب « الأحكام » : لم يصح في التحريم شيء .
و كذا قال الغزالي و ابن النحوي في العمدة .
و قال ابن طاهر في كتابه في « السماع » : لم يصح منها حرف واحد .
و قال ابن حزم : « و لا يصح في هذا الباب شيء ، و كل ما فيه فموضوع . و والله لو أسند جمعية ، أو واحد منه فأكثر ، من طريق الثقات إلى رسول الله ( صلي الله عليه و آل و سلم ) ، لما ترددنا في الأخذ به » (انظر « المحلى » : 9/59 .) .
..
أدلة المجيزين للغناء تلك هي أدلة المحرمين ، قد سقطت واحداً بعد الآخر ، و لم يقف دليل منها على قدميه . و إذا انتفت أدلة التحريم بقي حكم الغناء على أصل الإباحة بلا شك ، و لو لم يكن معنا نص أو دليل واحد على ذلك غير سوط أدلة التحريم . فكيف و معنا نصوص الإسلام الصحيحة الصريحة ، وروحه السمحة ، و قواعده العامة ، و مبادئه الكلية ؟
وهاك بيانها :
أولاً: من حيث النصوص استدلوا بعدد من الأحاديث الصحيحة ، منها : حديث غناء الجاريتين في ليت النبي ( صلي الله عله و آل و سلم ) عند عائشة ، وانتهار أبي بكر لهما ، و قوله : مزمور الشيطاني في ليت النبي ( صلي الله عليه و آل وسلم ) ، و هذا يدل على أنهما لم تكونا صغيرتين كما زعم بعضهم ، فلو صح ذلك لم تستحقا غضب أبي بكر إلى هذا الحد .
و المعول عليه هنا هو رد النبي ( صلي الله عليه و آل و سلم ) على أبي بكر ربضي الله عنه و تعليله : أنه يريد أن يعلم اليهود أن في ديننا فسحة ، و إنه بعث بحنيفية سمحة . و هو يدل على وجوب رعاية تحسين صورة الإسلام لدى الآخرين ، و إظهار جانب اليسر و السماحة فيه .
و قد روي البخاري و أحمر عن عائشة ذات قرابة لها من الأنصار ، فجاء رسول الله ( صلى الله عليه و آل و سلم ) فقال : « أهديتم الفتاة » ؟ قالوا : نعم . قال : « أرسلتم معها من يغني » ؟ قالت : لا . فقال رسول الله ( صلى الله عليه و آل و سلم ) « إن الأنصار قوم فيهم غزل ، فلو بعثتم معها من يقول : أتيناكم أتيناكم . . فحيانا و حياكم » ؟
و هذا الحديث يدل على رعاية أعراف الأقوام المختلفة ، و اتجاههم المزجي ، ولا يحكم المرء مزاجه هو في حياة كل الناس .
و روي النسائي و الحاكم و صححه عن عامر بن سعد قال : دخلت على قرظة بن كعب و أبي مسعود الأنصاري في عرس ، و إذا جوار يغنين . فقلت : أي صاحبي رسول الله أهل بدر يفعل هذا عندكم ؟ ! فقالا :اجلس إن شئت فاستمع معنا ، وإن شئت فاذهب ، فإنه قد رخص لنا اللّهو عند العرس .
و روي ابن حزم بسنده عن ابن سيرين : أن رجلاً قدم المدينة بجوارٍ فأتى عبد الله بن جعفر فعرضهن عليه ،فأمر جارية منهن فغنّت ، و ابن عمر يسمع ، فاشتراها ابن جعفر بعد مساومة ، ثم جاء الرجل إلى ابن عمر فقال : ني أبا عبد الرحمن ؛ غبنت بسبعمائة درهم ! فأتى ابن عمر إلى عبد الله بي جعفر فقال له : إنه غبن بسبعمائة درهم ،فإما أن تعطيها إياه ، و إما أن ترد عليه بيعه ، فقال : بل نعطيه إياها . قال ابن حزم : « فهذا ابن عمر قد سمع الغناء و سعي في بيع المغنية ، و هذا إسناد صحيح ، لا تلك الملفقات الموضوعية » (انظر المحلى : 9/63 ) .
و استدلوا بقوله تعالى : ( وَ إِذَا رَأَوُاُ تَجِارَةً أَوُ لَهُوًا انفَضّواُ إِلَيُهَا وَتَرَكوكَ قَآئمَاَ قلُ مَا عِنُدَ الّلَه خَيُر مِّنَ اللَهُوِ وَمِنُ التِجَارَة وَ الّلَه خَير الرَازِقِين)الجمعة( 11 ).
فقرن اللهو بالتجارة – و هي حلال بيقين - ، و لم يذمهما إلا من حيث شغل الصحابة بهما – بمناسبة قدوم القافلة و ضرب الدفوف فرحاً بها – عن خطبة النبي ( صلي الله عليه و آل و سلم ) ، و تركه قاماً .
و استدلوا بما جاء عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم : أنهم باشروا السماع بالفعل أو أقروه . وهم القوم يقتدي بهم فيهتدي .
و استدلوا بما نقله غير واحد من الإجماع على إباحة السماع ، كما سنذكره بعد .
..
ثانيا:ً من حيث روح الإسلام و قواعده ( أ ) لا شيء في الغناء إلا أنه من طيبات الدنيا التي تستلذها الأنفس، و تستطيبها العقول، و تستحسنها الفطر، و تشتهيها الأسماع، فهو لذة المعدة . و المنظر الجميل لذة العين، و الرائحة الذكية لذة الشم . . إلخ، فهل الطيبات - أي المستلذات - حرام في الإسلام حلال ؟
من المعروف أن الله تعالى كان قد حرم على بني إسرائيل بعض طيبات الدنيا عقوبة لهم على سوء ما صنعوا ، كما قال تعالى : ( فَبِظلُمِ مِنَ الَذِينَ هَادواُ حَرَّمُنَا عَلَيُهِمُ طَيِبَاتٍ أحِلَّتُ لَهمُ وَ بِصَدِهِمُ عَن سَبِيل اللَه كَثِيرَاَ ( 160 ) وَ أَخُذِهِم الّرِبَواُ وَ قَدُ نهواُ عَنُه وَأَكُلِهِمُ أَمُوَالَ النَاسِ بِالُبَاطِلِ ) النساء(60-61) ، فلما بعث الله محمداً ( صلي الله عليه و آل و سلم ) جعل عنوان رسالة في كتب الأولين أنه : ( يَأُمرهم بِالُمَعُروفِ وَيَنُهَهمُ عَنِ الُمنكَرَ وَ يحِلّ لَهم الُطَيِبَاتِ وَ يحَرِم عَلَيُهِم الُخَبَثَ وَيَضَع عَنُهمُ إِصُرَهمُ وَالأغُلالَ الَتِي كَانَتُ عَلَيُهِمُ ) الأعراف (157)
.
فلم يبق في الإسلام شيء طيب – أي تستطيبه الأنفس و العقول السليمة – إلا أحله الله ، رحمة بهذه الأمة لعموم رسالتها و خلودها . قال تعالى : ( يَسُئَلونَكَ مَاذَآ أحِلَّ لَهمُ قلُ أحِلَ لَكم الطَيِبَات )المائدة (4) .
و لم يبح الله لواحد من الناس أن يحرم على نفسه أو على غيره شيئاً من الطيبات مما رزق الله ، مهما يكن صلاح نيته أو ابتغاء وجه الله فيه ، فإن التحليل و التحريم من حق الله وحده . و ليس من شأن عباده ، قال تعالى : ( قلُ أَرَءَ يُتمُ مَّآ أَنزَلَ اللَه لَكم مِن رِزُقِ فَجَعَلُتمُ مِنُه حَرَمَا وَحَلَالَاَ قلُ ءَآلّلَه أَذُنَ لَكمُ أَمُ عَلَى الّلَه تَفُترونَ) يونس (59 ) ، و جعل سبحانه تحريم ما أحله من الطيبات كإحلال ما حرم من المنكرات ، كلا هما يجلب سخط الله و عذابه ، ويردي صاحبه في هاوية الخسران المبين ،و الضلال البعيد ، قال جل شأنه ينعي على من فعل ذلك من أهل الجاهلية : ( قَدُ خَسِرَ الَذِيُنَ قَتِلواُ أَولَادَهمُ سَفَهَا بِغَيُرِ عِلُمِ وَ حَرَمواُ مَا رَزَقُهمُ الّلَه افُتِرَآءً عَلَى الله قَدُ ضَلّواُ وَمَا كَانواُ مهُتَدِيُنَ) الأنعام ( 140 ) .
( ب ) و لو تأملنا لوجدنا حب الغناء و الطرب للصوت الحسن يكاد يكون غريزة إنسانية و فطرة بشرية ، حتى إننا لنشاهد الصبي الرضيع في مهده يسكته الصوت الطيب عن بكائه ، و تنصرف نفسه عما يبكيه إلى الإصغاء إليه . و لذا تعودت الأمهات و المرضعات و المربيات الغناء للأطفال منذ زمن قديم . بل نقول : إن الطيور و البهائم تتأثر بحسن الصوت و النغمات الموزونة حتى قال الغزالي في « الإحياء » : « من لم يحركه السماع فهو ناقص مائل عن الاعتدال ، بعيد عن الروحانية / زائد في غلظ الطبع و كثافته على الجمال و الطيور و جميع البهائم ، إذ الجمل – مع بلادة طبعه – يتأثر بالحداء تأثر يستخف معه الأحمال الثقيلة و يستقصر – لقوة نشاطه في سماعه – المسافات الطويلة ، و ينبعث فيه من النشاط ما يسكره و يولهه . فترى الإبل إذا سمعت الحادي تمد أعناقها ، و تصغي إليه ناصبة آذانها ، و تسرع في سيرها ، حتى تتزعزع عليها أحمالها و محاملها » .
و إذ كان حب الغناء غريزة و فطرة فهل جاء الدين لمحاربة الغرائز و الفطر و التنكيل بها ؟ كلا ، إنما جاء لتهذيبها و السمو بها ، و توجيهها التوجيه القويم . قال الإمام ابن تيمية رحمه الله : إن الأنبياء قد بعثوا بتكميل الفطرة و تقريرها لا بتبديلها و تغييرها .
و مصداق ذلك أن رسول الله ( صلي الله عليه و آل و سلم ) قدم المدينة و لهم يومان يلعبون فيهما ، فقال : « ما هذان اليمان » ؟ قالوا : كنا نلعب فيهما في الجاهلية . فقال عليه السلام : « إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما : يوم الأضحى و يوم الفطر » (رواه أحمد و أبو داد و النسائي . ) .
و قالت عائشة : « لقد رأيت النبي يسترني بردائه ،و أنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد ، حتى أكون أنا التي أسأمه - أي اللعب -فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو » .
و إذ كان الغناء لهواً و لعباً فليس اللهو و العب حراماً ، فالإنسان لا صبر له على الجد المطلق و الصرامة الدائمة .
قال النبي ( صلي الله عليه و آل و سلم ) لحنظلة – حين ظن نفسه قد نافق لمداعبته زوجه وولده ،و تغير حاله في بيته عن حاله مع رسول الله ( صلي الله عليه و آل و سلم ) : « يا حنظلة ؛ ساعة و ساعة » ( رواه مسلم ) .
و قال علي بن أبي طالب : روحوا القلوب ساعة بعد ساعة ،فإن القلوب إذا أكرهت عميت .
و قال كرم الله وجهه : إن القلوب تمل كما تمل الأبدان ، فابتغوا لها طرائف الحكمة .
و قال أبو الدرداء : إني لأستجم نفسي بالشي ء من اللهو ليكون أقوى لها على الحق .
و قد أجاب الإمام الغزالي عمن قال :إن الغناء لهو ولعب بهوه :هو كذلك ، و لكن الدنيا كلها لهو و لعب . . و جميع المداعبة مع النساء لهو ، إلا الحراثة التي هي سبب وجود الولد ،كذلك المزح الذي لا فحش فيه حلال ، نقل ذلك عن رسول الله ( صلى الله عليه و آل و سلم ) و عن الصحابة .
و أي لهو يزيد على لهو الحبشة و الزنوج في بعبهم ، فقد ثبت بالنص إباحته . على أني أقول : اللهو مروح القلب ، و مخفف عنه أعباء الفكر ، و القلوب إذا أكرهت عميت ، و ترويحها إعانة لها على الجد ، فالمواظب على التفقه مثلاً ينبغي أن يتعطل يوم الجمعة ؛ لأن عطلة يوم تساعد على النشاط في سائر الأيام ، و المواظب على نوافل الصلوات في سائر الأوقات ينبغي أن يتعطل في بعض الأوقات ،فالعطلة معونة على العمل ، و اللهو معين على الجد ،ولا يصبر على الجد المحض ، و الحق المر ،إلا نفوس الأنبياء عليهم السلام .
فاللهو دواء القلب من داء الإعياء و الملال ،فينبغي أن يكون مباحاً ، و لكن لا ينبغي أن يستكثر منه ،كما لا يستكثر من الدواء ، فإذن اللهو على هذه النية يصير قربة،هذا في حق من لا يحرك السماع من قلبه صفة محمودة يطلب تحريكها ،بل ليس له إلا اللذة و الاستراحة المحضة ، فينبغي أن يستحب له ذلك ،ليتوصل به إلى المقصود الذي ذكرناه . نعم هذا يدل على نقصان عن ذروة الكمال هو الذي لا يحتاج أن يروح نفسه بغير الحق ، و لكن حسنات الأبرار سيئات المقربين ،و من أحاط بعلم علاج القلوب ، ووجوه التلطف بها ، و سياقتها إلى الحق ،علم قطعاً أن ترويحها بأمثال هذه الأمور دواء نافع لا غنى عنه » (الإحياء ص 1152 ، 1153 .) . . انتهي كلام الغزالي ، و هو كلام نفيس يعبر عن روح الإسلام الحق .
..
القائلون بإجازة الغناء تلك هي الأدلة المبيحة للغناء من نصوص الإسلام و قواعده ، فيها الكفاية كل الكفاية و لو لم يقل بموجبها قائل ، و لم يذهب إلى ذلك فقيه ، فكيف و قد قال بموجبها الكثيرون من صحابة و تابعين و أتباع و فقهاء ؟
و حسبنا أن أهل المدينة - على ورعهم – و الظاهرية – على حرفيتهم و تمسكهم بظواهر النصوص – و الصوفية – على تشددهم و أخذهم بالعزائم دون الرخص – روي عنهم إباحة الغناء .
قال الإمام الشوكاني في « نيل الأوطار » : « ذهب أهل المدينة و من وافقهم من علماء الظاهر ، و جماعة الصوفية ، إلى الترخيص في الغناء ، و لو مع العود و البراع .
و حكى الأستاذ أبو منصور البغدادي الشافعي في مؤلفه في السماع : أن عبد الله بن جعفر كان لا يرى بالغناء بأساً ، ويصوغ الألحان لجواريه ، ويسمعها منهن على أوتاره . و كان ذلك في زمن أمير المؤمنين على رضي الله عنه .
و حكى الأستاذ المذكور مثل ذلك أيضاً عن القاضي شريح ،وسعيد بن المسيب ، وعطاء بن أبي رباح ، و الزهري ، و الشعبي . و قال إمام الحرمين في النهاية ، و ابن أبي الدنيا : نقل الأثبات من المؤرخين : أن عبد الله بن الزبير كان له جوار عوادات ، و أن ابن عمر دخل عليه و إلى جنبه عود ، فقال : ما هذا يا صاحب رسول الله ؟ ! فناوله إياه ، فتأمله ابن عمر فقال : هذا ميزان شامي ؟ قال لبن الزبير : يوزن به العقول !
و روي الحافظ أبو محمد بن حزم في رسالة في السماع بسنده إلى ابن سيرين قال : « إن رجلاً قدم المدينة بجوار فنزل على ابن عمر ، و فيهن جارية تضرب . فجاء رجل فساومه ، فلم يهو فيهن شيئاً ، قال : انطلق إلى رجل هو أمثل لك بيعاً من هذا . قال : من هو ؟ قال : عبد الله بن جعفر . . فعرضهن عليه ، فأمر جارية منهن ، فقال لها : خذي العود ،فأخذته ، فغنت ، فبايعه ثم جاء إلى ابن عمر . . . إلى آخر القصة .
و روي صاحب «العقد» العلامة الأديب أبو عمر الأندلسي : أن عبد الله بن عمر دخل على ابن جعفر فوجد عنده جارية في حجرها عود ، ثم قال لا بن عمر : هل ترى بذلك بأساً ؟ قال : لا بأس بهذا .
و حكى الماوردي عن معاوية و عمرو بن العاص : أنهما سمعا العود عند ابن جعفر .
و روي أبو الفرج الأصبهاني : أن حسان بن ثابت سمع من عزة الميلاء الغناء بالمزهر بشعر من شعره .
و ذكر أبو العباس المبرد نحو ذلك . و المزهر عند أهل اللغة ) العود .
و ذكر الأدفوي : أن عمر بن عبد العزيز كان يسمع جواريه قبل الخلافة . و نقل ابن السمعاني الترخيص عن طاوس ، و نقله ابن قتيبة و صاحب « الإمتاع » عن قاضي المدينة سعد بن إبراهيم ابن عبد الرحمن الزهري من التابعين . و نقله أبو يعلى الخليلي في « الإرشاد » عن عبد العزيز بن سلمة الماجشون مفتي المدينة .
و حكى الروياني عن القفال : أن مذهب مالك بن أنس أباحة الغناء بالمعازف ، و حكى الأستاذ أبو منصور الفوراني عن مالك جواز العود ، و ذكر أبو طالب المكي في « قوت القلوب » عن شعبة : أنه سمع طنبوراً في بيت المنهال بن عمرو المحدث المشهور .
و حكى أبو الفضل بن طاهر في مؤلفة في « السماع » : أنه لا خلاف بين أهل المدينة في إباحة العود .
قال ابن النحوي في « العمدة » : و قال ابن طاهر : هو إجماع أهل المدينة . قال ابن طاهر : و إليه ذهبت الظاهرية قاطبة . قال الأدفوي : لم يختلف النقلة في نسبتة الضرب إلي إبراهيم بن سعد المتقدم الذكر ، وهو ممن أخرج له الجماعة كلهم ( يعني بالجماعة : أصحاب الكتب الستة ، من الصحيحين و السنن ) .
و حكي الماوردي إباحة العود عن بعض الشافعية ، وحكاه أبو الفضل بن طاهر عن ابن اسحاق الشيرازي ، وحكاه الأسنوي في «المهمات » عن الروياني و الماوردي ، ورواه ابن النحوي عن الأستاذ أبي منصور ، وحكاه ابن الملقن في «العمدة » عن ابن طاهر ، وحكاه الأدفوي عن الشيخ عز الذين بن عبد السلام ، وحكاه صاحب «الإمتاع » عن أبي بكر بن العربي ، و جزم بالإباحة الأدفوي .
هؤلاء جميعاً قالوا بتحليل السماع ، مع آلة من الآلات المعروفة - أي آلات الموسيقي .
و أما مجرد الغناء من غير آلة ، فقال الأدفوي في « الإمتاع »: إن الغزالي في بعض تآليفه الفقهية نقل الاتفاق على حله ، و نقل ابن طاهر إجماع الصحابة و التابعين عليه ، و نقل التاج الفزاري و ابن قتيبة إجماع أهل المدينة عليه ، و قال المارودي : م يزل أهل الحجاز يرخصون فيه في أفضل أيام السنة المأمور فيها بالعبادة و الذكر .
قال ابن النحوي في « العمدة » : و قد روي الغناء و سماعه عن جماعة من الصحابة و التابعين ، فمن الصاحبة عمر – كما رواه ابن عبد البر و غيره ، و عثمان – كما نقله الماوردي و صاحب البيان و الرافعي ، و عبد الرحمن بن عوف – كما رواه ابن أبي شيبة ، و أبو عبيدة بن الجراح – كما أخرجه ابن قتيبة ، و أبو مسعود الأنصاري – كما أخرجه البيهقي ،و بلال ، و عبد الله بن الأرقم ، و أسامة بن زيد – كما أخرجه البيهقي أيضاً ،و حمزة - كما في الصحيح ، و ابن عمر – كما أخرجه ابن طاهر ، و البراء بن مالك – كما أخرجه أبو نعيم ، و عبد الله بن جعفر – كما رواه ابن عبد البر ، و عبد الله بن الزبير – كما نقل أبو طالب المكي ،و حسان – كما رواه أبو الفرج الأصبهاني ، و عبد الله بن عمرو – كما رواه الزبير بن بكار . و قرظة بن كعب – كما رواه ابن قتيبة ، و خوات بن جبير ، و رباح بن المعترف – كما أخرجه صاحب الأغاني و المغيرة بن شعبة - كما حكاه الماوردي ،عائشة و الربيع – كما في صحيح البخاري و غيره .
و أما التابعون فسعير بن المسيب ، و سالم بن عبد الله بن عمر ، و ابن حسان ،و خارجة بن زيد ، و شريح القاضي ، و سعيد بن جبير ، و عامر الشعبي ، و عبد الله ابن أبي عتيق ، و عطاء بن أبي رباح ، و محمد بن شهاب الزهري ، و عمر بن عبد العزيز ، و سعد بن إبراهيم الزهري .
و أما تابعوهم ، فخلق لا يحصون ، منهم : الأئمة الأربعة ، و ابن عيينة ، و جمهور الشافعية » . انتهي كلام ابن النحوي . هذا كله ذكره الشوكاني في « نيل الأوطار » (نيل الأوطار : 8/264 – 266 – طبع دار الجيل –بيروت . ) .
..
قيود و شروط لابد من مراعاتها و لا ننسى أن نضيف إلى هذا الحكم : قيوداً لا بد من مراعاتها في سماع الغناء :
1-نؤكد : ما أشرنا إليه أنه ليس كل غناء مباحاً ، فلا بد أن يكون موضوعة متفقاً مع أدب الإسلام و تعاليمه .
فلا يجوز التغني بقول أبي نواس :
دع عنك لومي ، فإن اللوم إغراء
و داوني بالتي كانت هي الداء !
ولا بقول شوقي :
رمضان ولي هاتها يا ساقي
مشتاقة تسعى إلى مشتاق
و أخطرها منها : قول إيليا أبي ماضي في قصيدته « الطلاسم » :
جئت لا أعلم من أين ، و لكنى أتيت !
و لقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت !
كيف جئت ؟ كيف أبصرت طريقي ؟ لست أدري !
لأنها تشكيك في أصول الأيمان : المبدأ ، و المعاد ،و النبوة . و مثلها : ما عبر عنه بالعامية في أغنية « من غير ليه » و ليست أكثر من ترجمة من شك أبي ماضي إلى العامية ، ليصبح تأثيرا أوسع دائرة .
و مثل ذلك الأغنية التي تقول : « الدنيا سيجارة و كاس » . فكل هذه مخالفة لتعاليم الإسلام الذي يجعل الخمر رجساً من عمل الشيطان ، ويلعن شارب « الكأس » و عاصرها و بائعها وحملها و كل من أعان فيها بعمل . و التدخين أيضاً آفة ليس وراءها إلا ضرر الجسم و النفس و المال .
و الأغاني التي تمدح الظلمة و الطغاة و الفسقة من الحكام الذين ابتليت بهم أمتنا ، مخالفة لتعاليم الإسلام ، الذي يلعن الظالمين ، و كل من يعينهم ، بل من يسكت عليهم ، فكيف بمن يمجدهم ؟!
و الأغنية التي تمجد صاحب العيون الجريئة – أو صاحبة العيون الجريئة – أغنية تخالف أدب الإسلام الذي ينادي كتابه : ( قل لِلُمؤمِنينَ يَقُضواُ مِنُ أَبُصَارِهِمُ . . . . ) النور(30) ، ( وَقل لِلُمؤُمِنَاتِ يَغُضضُنَ مِنُ أَبُصَارِهِنَ )النور(31)، و يقول ( صلي الله عليه و آل و سلم ) : « يا علي ؛ لا تتبع النظرة النظرة ، فإن لك الأولى وليست لك الآخرة » .
2 – ثم إن طريقة الأداء لها أهميتها ، فقد يكون الموضوع لا بأس به و لا غبار عليه ، و لكن طريقة المغني أو المغنية في أدائه بالتكسر في القول ، و تعمر الإثارة ، و القصد إلى إيقاظ الغرائز الهاجعة ، و إغراء القلوب المرضية – ينقل الأغنية من دائرة الإباحة إلى دائرة الحرمة أو الشبهة أو الكراهة من مثل ما يذاع على الناس و يطلبه المستمعون و المستمعات من الأغاني التي تلح على جانب واحد ، هو جانب الغريزة الجنسية و ما يتصل بها من الحب والغرام ، و إشعالها بكل أساليب الإثارة و التهيج ، و خصوصاً لدى الشباب و الشابات .
إن القرآن يخاطب نساء النبي ( صلي الله عليه و آل و سلم ) فيقول : ( فَلا تَخُضَعُنَ بِالُقَوُلِ فَيَطُمَعَ الَذِي فِي قَلُبِهِ مَرَض ) الأحزاب(32) . فكيف إذا كان مع الخصوص في القول الوزن و النغم و التطريب و التأثير .
3- و من ناحية ثالثة يجب ألا يقترن الغناء بشيء محرم ، كشرب الخمر أو التبرج أو الاختلاط الماجن بين الرجال و النساء ، بلا قيود ولا حدود، و هذا هو المألوف في مجالس الغناءو الطرب من قديم . و هي الصورة الماثلة في الأذهان عندما يذكر الغناء ، و بخاصة غناء الجواري و النساء .
و هذا ما يدل عليه الحديث الذي رواه ابن ماجه و غيره : « ليشربن ناس من أمتي الخمر ، يسمونها بغير اسمها يعزف على رؤوسهم بالمعازف و المغنيات ، يخسف الله بهم الأرض و يجعل منهم القردة و الخنازير » .
و أود أن أنبه هنا على قضية مهمة ، و هي : أن الاستماع إلى الغناء في الأزمنة الماضية كان يقتضي حضور مجلس الغناء ، و مخالطة المغنيين و المغنيات و حواشيهم ، و قلما كانت تسلم هذه المجالس من أشياء ينكرها الشرع ، ويكرها الدين .
أما اليوم فيستطيع المرء أن يستمع إلى الأغاني و هو بعيد عن أهلها و مجالسها ، و هذا لا ريب عنصر مخفف في القضية ، ويميل بها إلى جانب الإذن و التيسير .
4- الغناء – ككل المباحات – يجب أن يقيد بعدم الإسراف فيه ، و بخاصة الغناء العاطفة ليست حباً فقط ، و الحب لا يختص بالمرأة وحدها ، و المرأة ليست جسداً و شهوة لا غير ، لهذا يجب أن نقلل من هذا السيل الغامر من الأغاني العاطفية الغرامية ، و أن يكون لدينا من أغانينا و برامجنا و حياتنا كلها توزيع عادل ، و موازنة مقسطة بين الدين و الدنيا ، و في الدنيا بين حق الفرد و حقوق المجتمع ، و في الفرد بين عقله و عاطفته ، و في مجال العاطفة بين العواطف الإنسانية كلها من حب و كره و غيره و حماسة و أبوة و أمومة و بنوة و أخوة و صداقة . . . الخ ، فلكل عاطفة حقها .
أما الغلو و الإسراف و المبالغة في إبراز عاطفة خاصة ، فذلك على حساب العواطف الأخرى ، و على حساب عقل الفرد و روحه و إرادته ، و على حساب المجتمع و خصائصه و مقوماته ، و على حساب الدين و مثله و توجيهاته .
إن الدين حرم الغلو و الإسراف في كل شيء حتى في العبادة ، فما بالك بالإسراف في اللهو ، و شغل الوقت به و لو كان مباحاً ؟!
إن هذا دليل على فراغ العقل و القلب من الواجبات الكبيرة ، و الأهداف العظيمة و دليل على إهدار حقوق كثيرة كان يجب أن تأخذ حظها من وقت الإنسان المحدود و عمره القصير ، و ما أصدق و أعمق ما قال ابن المقفع : « ما رأيت إسرافاً إلا و بجانبه حق مضيع » ، و في الحديث : « لا يكون العاقل ظاعناً إلا لثلاث : مرمة لمعاش ، أو تزود لمعاد ،أو لذة في غير محرم » ، فلنقسم أوقاتنا بين هذه الثلاثة بالقسط ، و لنعلم أن الله سائل كل إنسان عن عمره :فيم أفناه ، و عن شبابه : فيم أبلاه ؟
5- و بعد هذا الإيضاح تبقى هناك أشياء يكن كل مستمع فيها فقيه نقسه و مفتيها ، فإذا كان الغناء أو نوع خاص منه يستثير غريزة ، و يغريه بالفتنة ، و يسبح به في شطحات الخيال ، و يطغى فيه الجانب الحيواني على الجانب الروحاني ، فعليه أن يتجنبه حينئذ ، و يسد الباب الذي تهب منه رياح الفتنة على قلبه و دينه و خلقه ، فيستريح و يريح .
..
الغناء و الطرب في واقع المسلمين و من نظر في أحوال المسلمين ، و تأمل في واقعهم المعيش ، لم يجد خصومة بين المسلم المتدين و بين الاستمتاع بطيب السماع .
إن أذن المسلم العادي موصولة ب « طيبات السماع » تلتذ بها ، و تتغذى عليها كل يوم .
من خلال القرآن الكريم الذي تسمعه مرتلاً و مجوداً و مزيناً بأحسن الأصوات ، من أحسن القراء .
و من خلال الأذان ، الذي تطرب لسماعه كل يوم خمس مرات بالصوت الجميل . و هو ميراث من عهد النبوة ، فقد قال النبي ( صلي الله عليه و آل و سلم ) للصحابي الذي كشف له عن ألفاظ الأذن في رؤيا صادقة : « علمه بلا لاً ، فإنه أندى منك صوتاً » .
و من خلال الابتهالات الدينة ، التي تنشد بأعذب الألحان ، و أرق الأصوات ، فتطرب لها الأفئدة ، و تهتز لها المشاعر :
و من خلال المدائح النبوية التي توارثها المسلمون منذ سمعوا ذلك النشيد الحلو من بنات الأنصار ، ترحبياً بمقدم الرسول الكريم عليه الصلاة و السلام :
طبع البدر علينا
من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا
ما دعا الله داع
و أذكر أني منذ نحو عشرين سنة سمعت هذا النشيد من تلميذات مدرسة إسلامية في إندونيسيا ،يغنينه بلحن جماعي مؤثر رقيق ، و كنا و فداً من دولة قطر . فرقت له قلوبنا ، و سالت أدمعنا على خدودنا من فرط الرقة و التأثر .
و في الأعصر الماضية المسلمون أن ينشئوا ألواناً من « طيبات السماع » يروحون بها أنفسهم ، و يجملون بها حياتهم ، و خصوصاً في القرى و الريف . و قد أدركنا ذلك في عهد الصبا و مطالع الشباب . و كلها ألوان فطرية نابعة من البيئة ، معبرة عن قيمها ، و لا غبار عليها .
من ذلك : فن المواويل : يتغنّى بها الناس في أنفسهم ، أو يجتمعون على سماعها ، ممن كان حسن الصوت منهم ، و أكثرهم يتحدث عن الحب و الهيام و الوصل و الهجران ، و بعضها يتحدث عن الدنيا و متاعها ، و يشكو من ظلم الناس و الأيام . . . الخ .
و أكثرهم كان يتغنى بها بغير آلة ، و بعضهم مع « الأرغول » ، و من هؤلاء الفنانين الفطريين : من كان يؤلف « الموال » و يلحنه و يغنيه في وقت واحد .
و منها : القصص المنظومة ، التي تتغنى ببطولات بعض الأبطال الشعبيين ، أبطال الكفاح ، أو أبطال الصبر ، يسمعها الناس ، فيطربون بها ، ويرددونها ،و يكادون يحفظونها عن ظهر قلب ، مثل قصة « أدهم الشرقاوي » ، و شفيقة و متولي » ، و « أيوب المصري » ، و « سعد اليتيم » ، و غيرها .
و منها : الملاحم الشعبية للأبطال المعروفين ، مثل « أبي زيد الهلالي » ، و التي كان يجتمع لها الناس ، ليسمعوا القصة ، و يستمعوا معها إلى أشعار أبطالها على نغمات « الربابة » من « الشاعر الشعبي » الذي تخصص في هذا اللون ، و كانت هذه الملاحم لها عشاقها و تقوم مقام « المسلسلات » في هذا العصر .
و منها : أغاني الأعياد و الأفراح و المناسبات السارة ، مثل : العرس ، وولادة المولود ، و ختان الصبي ، وقدوم الغائب ، و شفاء المريض ، و عود الحاج . . . و نحوها .
و قد ابتكر الناس أغاني و أهازيج لحنوها ، وغنوها بأنفسهم في أحوال و مناسبات مختلفة ، مثل جني الثمار أو القطن و غيرها .
و مثل : أهازيج العمال و الفعلة ، الذين يعملون في البناء و حمل الأثقال و نحوها ، مثل : « هيلا ، هيلا . . صل على النبي » . . و هذا له أصل شرعي من عمل الصحابة ، و هم يبنون المسجد النبوي و يحملون أحجاره على مناكبهم . و هم ينشدون :
اللهم إن العيش عيش الآخرة
فاغفر للأنصار و المهاجرة
حتى الأمهات ، حين يهدهدن أطفالهن ، و يهيئنهم للنوم ، يستخدمن الغناء ، و لهن كلمات مشهورة ، مثل : « يا رب ينام ، يا رب ينام . . . » .
و لا زلت أذكر « المسحراتية » في شهر رمضان المبارك ، و هم يوقظون الناس بعد منتصف الليل بمنظومات يلذ سماعها منغمة مع دقات طبولهم .
و من جميل ما يذكر هنا : ما اخترعه الباعة في الأسواق ، و الباعة المتجولون : من النداء على سلعهم بعبارات منظومة موزونة ، يتنافسون في التغني بها ، مثل بائع العرقسوس ، و باعة الفواكه و الخضروات ، و غيرهم .
و هكذا نجد هذا الفن – فن الغناء – يتخلل الحياة كلها ، دينية و دنيوية ، و يتجاوب الناس معه بتلقائية و فطرية ، و لا يجدون في تعاليم دينهم ما يعوقهم عن ذك . و لم ير علماؤهم في هذه الألوان الشعبية ما يجب أن ينكر . بل أكثر من ذلك تجدها جميعاً ممزوجة بالدين و معاني الإيمان و القيم الروحية و المثل الأخلاقية ، امتزاج الجسم بالروح : من التوحيد ، و ذكر الله ، و الدعاء ، و الصلاة على النبي ( صلي الله عليه و آل و سلم ) . . . و ما شابهها (لا أجد من الألحان و الأغاني الشعبية ما ينكره الدين ، إلا ما كانت تصنعه النائحة المستأجرة مما يهيج الأحزان ، و يثير الجزع ، و يحرم المصاب من الصبر على البلاء ، و الرضا بالقضاء .
.
و هذا الذي لاحظته في مصر ، و جدت مثله في بلاد الشام ، و في بلاد المغرب ، و غيرها من بلاد العرب .
..
لم شدد المتأخرون في أمر الغناء ؟ يلاحظ أن المتأخرين من أهل الفقه أكثر تشديداً في منع الغناء - و خصوصاً مع الآلات – من الفقهاء المتقدمين . و ذلك لأسباب :
الأخذ بالأحوط لا الأيسر
1-إن المتقدمين كانوا أكثر أخذاً بالأيسر ، و المتأخرين أكثر أخذاً بالأحوط ، و الأحوط يعني : الأثقل و الأشد . و من تتبع الخط البياني للفقه و الفتوى منذ عهد الصحابة فمن بعدهم يجد ذلك واضحاً ، و الأمثلة عليه لا تحصر .
الاغترار بالأحاديث الضعيفة و الموضوعة :
2- إن كثيراً ك الفقهاء المتأخرين أرهبهم سيل الأحاديث الضعيفة و الموضوعة ، التي امتلأت بها الكتب ، و لم يكونوا من أهل تمحيص الروايات ، و تحقيق الأسانيد ، فراجت لديهم هذه الأحاديث ، و لا سيما مع شيوع القول بأن تعدد الطرق الضعيفة يقوي بعضها بعضاً .
ضغط الواقع الغنائي
2-ضغط الواقع الغنائي بما يلا بسه من انحراف و تجاوز ، كان له أثره في ترجيح المنع و التحريم . و هذا الواقع له صورتان أثرت كل واحدة منهما على جماعة من الفقهاء .
منقوووووووووووووووووووووول للإفادة
ورود الشتاء
2011-08-30, 20:43
بوركت اخى الكريم صح عيدك
nadjah.09
2011-08-30, 21:02
http://1.bp.blogspot.com/_RmUmrmFm-1E/SOaOMZlT62I/AAAAAAAAAWE/mq7OlVZnwW0/s400/%D8%A8%D8%A7%D8%B1%D9%83+%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87+ %D9%81%D9%8A%D9%83.gif
آمال دافئة
2011-08-30, 22:09
جزااااااااااااااااااااااااااك الله خيرا
بارك الله فيكم وجزاكم الله خيرا وجعلها في ميزان حسناتكم
عيد سعيد وكل عام وأنتم بألف خير
ورود الشتاء
2011-08-31, 09:22
عيدكم سعيد
ما نقله الأخ شعلان فيه كثير من النظر، فليتَه لم ينقله.
الكلام المنقول غير محرر، فإن كلمة (الغناء) عند الأوائل لها مدلولان:
1- إنشاد الشعر بالصوت الحسن.
2- إنشادٌ مع آلات طرب.
فالأول، قد نُقِل عن بعض السلف إنكاره، وأنكروا التطريب به.
والثاني اتفق العلماء على تحريمه، ومن حكى فيه خلافا فهو متبع لهواه، فقد حكى الاتفاق على تحريمه الأئمة من المذاهب الأربعة، ونقلوه على اختلاف بلدانهم، وتباين أزمنتهم.
جاء في محاضرة الشيخ الدكتور عبد العزيز الطريفي ما نصه:
(ولا أعلم قرناً من القرون خلا من عالمٍ ينقل إجماع العلماء على تحريم الغناء والمعازف.
ولذلك قد نقله زكريا بن يحي الساجي في كتابه "اختلاف العلماء" في القرن الثالث إذ جل حياته فيه.ونقله الآجري رحمه الله في القرن الرابع. ونقله أبو الطيب الطبري وابن عبد البر في القرن الخامس. ونقله ابن قدامة وأبو القاسم الدولعي الشامي الشافعي في القرن السادس.
ونقله ابن الصلاح والقرطبي والعز بن عبد السلام في القرن السابع. ونقله شيخ الإسلام ابن تيمية والسبكي وابن رجب وابن القيم وابن مفلح وغيرهم في القرن الثامن. ونقله العراقي والبزازي الحنفي في القرن التاسع. ونقله ابن حجر الهيتمي في القرن العاشر. ونقله الآلوسي وأحمد الطحطاوي في القرن الثالث عشر. ونقله الغماري في القرن الرابع عشر.
ولا يزال العلماء على شتى مذاهبهم؛ من المالكية والحنفية والشافعية والحنابلة مطبقين على تحريم الغناء والمعازف.
ولذلك فمن نظر إلى من حكى الإجماع وجد اختلاف بلدانهم، وتباين مذاهبهم.
فمن المالكية: ابن عبد البر في " التمهيد "، والقرطبي في " تفسيره "، وابن القطان الفاسي في كتابه " الإقناع في مسائل الإجماع ".
ومن الشافعية: جماعة وخلق كثير كابن الصلاح، والعز بن عبد السلام، وابن حجر الهيتمي، والعراقي، والطرطوسي وغيرهم.
ومن الحنابلة": ابن قدامة، وابن رجب، وابن تيمية، وابن القيم، وابن مفلح، وغيرهم.
ومن الحنفية: الفقيه الحنفي محمد البزازي في "المناقب"، وزين الدين الكرماني، وشيخ الحنفية أحمد الطحطاوي في مصر في "حاشيته على مراقي الفلاح".
وكذلك أئمة المذاهب بأنفسهم: قد نصوا على التحريم، وحكى الإجماع من أهل المذاهب على اختلاف بلدانهم.
* فابن عبد البر والقرطبي في الأندلس.
* وابن القطان الفاسي والغماري في المغرب .
* وابن قدامة وابن الحنبلي وابن تيمية والعز بن عبد السلام وابن رجب وابن القيم في الشام .
* وابن حجر الهيثمي والطحطاوي الحنفي في مصر .
* والعراقي والآلوسي في العراق.
* وفي بلاد الترك والبلغار: الفقيه الحنفي محمد البزازي الكردي، في "الفتاوى البزازية" . وغيرهم خلق كثير على اختلاف بلدانهم .
ومن حكى خلافاً في هذه المسألة فقد غلب عليه هواه.
يقول ابن حجر الهيتمي: في كتابه " كف الرعاع " : ( ومن حكى خلافاً في الغناء فإنه قد وهِمَ وغَلِط ، وغلب عليه هواه حتى أصمّه وأعماه ) .) اهـــ
احساس2009
2011-08-31, 10:11
بارك الله فيكم وجزاكم الله خيرا وجعلها في ميزان حسناتكم
عيد سعيد وكل عام وأنتم بألف خير
youcef00
2011-08-31, 10:23
بارك الله فيك
شعلال جمال الدين
2011-08-31, 18:56
ما نقله الأخ شعلان فيه كثير من النظر، فليتَه لم ينقله.
الكلام المنقول غير محرر، فإن كلمة (الغناء) عند الأوائل لها مدلولان:
1- إنشاد الشعر بالصوت الحسن.
2- إنشادٌ مع آلات طرب.
فالأول، قد نُقِل عن بعض السلف إنكاره، وأنكروا التطريب به.
والثاني اتفق العلماء على تحريمه، ومن حكى فيه خلافا فهو متبع لهواه، فقد حكى الاتفاق على تحريمه الأئمة من المذاهب الأربعة، ونقلوه على اختلاف بلدانهم، وتباين أزمنتهم.
جاء في محاضرة الشيخ الدكتور عبد العزيز الطريفي ما نصه:
(ولا أعلم قرناً من القرون خلا من عالمٍ ينقل إجماع العلماء على تحريم الغناء والمعازف.
ولذلك قد نقله زكريا بن يحي الساجي في كتابه "اختلاف العلماء" في القرن الثالث إذ جل حياته فيه.ونقله الآجري رحمه الله في القرن الرابع. ونقله أبو الطيب الطبري وابن عبد البر في القرن الخامس. ونقله ابن قدامة وأبو القاسم الدولعي الشامي الشافعي في القرن السادس.
ونقله ابن الصلاح والقرطبي والعز بن عبد السلام في القرن السابع. ونقله شيخ الإسلام ابن تيمية والسبكي وابن رجب وابن القيم وابن مفلح وغيرهم في القرن الثامن. ونقله العراقي والبزازي الحنفي في القرن التاسع. ونقله ابن حجر الهيتمي في القرن العاشر. ونقله الآلوسي وأحمد الطحطاوي في القرن الثالث عشر. ونقله الغماري في القرن الرابع عشر.
ولا يزال العلماء على شتى مذاهبهم؛ من المالكية والحنفية والشافعية والحنابلة مطبقين على تحريم الغناء والمعازف.
ولذلك فمن نظر إلى من حكى الإجماع وجد اختلاف بلدانهم، وتباين مذاهبهم.
فمن المالكية: ابن عبد البر في " التمهيد "، والقرطبي في " تفسيره "، وابن القطان الفاسي في كتابه " الإقناع في مسائل الإجماع ".
ومن الشافعية: جماعة وخلق كثير كابن الصلاح، والعز بن عبد السلام، وابن حجر الهيتمي، والعراقي، والطرطوسي وغيرهم.
ومن الحنابلة": ابن قدامة، وابن رجب، وابن تيمية، وابن القيم، وابن مفلح، وغيرهم.
ومن الحنفية: الفقيه الحنفي محمد البزازي في "المناقب"، وزين الدين الكرماني، وشيخ الحنفية أحمد الطحطاوي في مصر في "حاشيته على مراقي الفلاح".
وكذلك أئمة المذاهب بأنفسهم: قد نصوا على التحريم، وحكى الإجماع من أهل المذاهب على اختلاف بلدانهم.
* فابن عبد البر والقرطبي في الأندلس.
* وابن القطان الفاسي والغماري في المغرب .
* وابن قدامة وابن الحنبلي وابن تيمية والعز بن عبد السلام وابن رجب وابن القيم في الشام .
* وابن حجر الهيثمي والطحطاوي الحنفي في مصر .
* والعراقي والآلوسي في العراق.
* وفي بلاد الترك والبلغار: الفقيه الحنفي محمد البزازي الكردي، في "الفتاوى البزازية" . وغيرهم خلق كثير على اختلاف بلدانهم .
ومن حكى خلافاً في هذه المسألة فقد غلب عليه هواه.
يقول ابن حجر الهيتمي: في كتابه " كف الرعاع " : ( ومن حكى خلافاً في الغناء فإنه قد وهِمَ وغَلِط ، وغلب عليه هواه حتى أصمّه وأعماه ) .) اهـــ
حكم الغناء مسألة خلافية بين علماء الاسلام سلفا و آنا و عندما نقول خلافية هذا يعني ان هناك من يقول بالجواز و هناك من يقول بالحرمة و لكل أدلته ، اما ما تفضلت به أخي الكريم شكر الله سعيك و جزاك خير الجزاء فالبحث المنقول قيد كل رأي يتحديد مصدره حتى لا يخرج من دائرة النقاش العلمي و إليك بحث آخر حول " ادلة جواز الغناء في السنة و أقوال الصحابة " للإثراء و نسأل الله ان يرزقنا السداد و اتباع الحق في كل الأحوال
أولا: أدلتهم من سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-:
1-عن عائشة قالت إن أبا بكر دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى تدففان وتضربان وفي رواية تغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بعاث والنبي صلى الله عليه وسلم متغش بثوبه فانتهرهما أبو بكر فكشف النبي صلى الله عليه وسلم عن وجهه فقال دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد وفي رواية يا أبا بكر إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا. متفق عليه.
وجه الدلالة من الحديث بطرقه ورواياته:
أن هناك غناء مصحوبا بضرب الدف قد وقع من الجاريتين وفي بيت النبوة وأن عائشة سمعته وكذلك النبي –صلى الله عليه وسلم- وقد أنكر على أبي بكر انتهاره للجاريتين.
وقال بعض المانعين: إن الجاريتين كانتا صغيرتين ولا يوجد في النص ما يدل على ذلك بل إن غضب أبي بكر وانتهاره لهما وقوله ما قال وتخريقه الدفين في بعض الروايات كل هذا يدل على أنهما لم تكونا صغيرتين فلو صح ذلك لم تستحقا كل هذا الغضب والإنكار من أبي بكر إلى هذا الحد الذي ذكرته الروايات.
وقال بعض المانعين: جاء في بعض الروايات في وصف الجاريتين بقوله "وليستا بمغنيتين".
وهذا في الواقع لا يدل على أكثر من أنهما غير محترفتين أي ليستا من القيان اللائي يتكسبن بالغناء ولكنهما غنتا وضربتا بالدف فقد وقع منهما الغناء والضرب بالدف وليس كل مغن محترف.
وقال بعض المانعين: الحديث يدل على إباحة الغناء بمناسبة العيد فبقى ما عدا العيد على المنع.
الرد من وجهين:
أولهما:أن العيد لا يباح فيه ما كان محرما إنما يتوسع فيه في بعض المباحات كالتزين وأكل الطيبات ونحوها.
ثانيهما: أن العيد يستحب فيه إدخال السرور على النفس وعلى الناس فيشعر الناس فيه بالبهجة والفرح ويقاس على العيد كل مناسبة سارة ولو كانت مجرد اجتماع الأصدقاء على طعام أو نحوه.
2-روى البخاري عن الربيع بنت معوذ قالت: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل علي صبيحة بني بي فجلس على فراشي كمجلسك مني فجعلت جويريات يضربن بدف لهن ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر إلى أن قالت إحداهن وفينا نبي يعلم ما في الغد فقال دعي هذه وقولي الذي كنت تقولين.
وفي رواية ابن ماجة عن الحسن المدني قال كنا بالمدينة يوم عاشوراء والجواري يضربن بالدف ويتغنين فدخلنا على الربيع بنت معوذ فذكرنا ذلك لها فقالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة عرسي وعندي جاريتان يتغنيان وتندبان آبائي الذين قتلوا يوم بدر وتقولان فيما تقولان وفينا نبي يعلم ما في غد فقال أما هذا فلا تقولوه ما يعلم ما في غد إلا الله.
وصحح الألباني هذه الرواية الأخيرة في سنن ابن ماجة برقم 1897 والتي أضافت ضربهم الدفوف في يوم عاشوراء.
3-روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها سوفت امرأة إلى رجل من الأنصار فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا عائشة ما كان معهم من لهو ؟ فإن الأنصار يعجبهم اللهو.
وعن عائشة قالت كانت عندي جارية من الأنصار زوجتها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عائشة ألا تغنين ؟ فإن هذا الحي من الأنصار يحبون الغناء . رواه ابن حبان في صحيحه
وعن ابن عباس قال أنكحت عائشة ذات قرابة لها من الأنصار فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أهديتم الفتاة قالوا نعم قال أرسلتم معها من يغني قالت لا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الأنصار قوم فيهم غزل فلو بعثتم معها من يقول ( أتيناكم أتيناكم فحيانا وحياكم) رواه ابن ماجة
حسنه الألباني في غاية المرام برقم 398 وفي تحريم آلات الطرب ص 133 وفي الإرواء برقم 1995 .
4-عن بريدة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه فلما انصرف جاءت جارية سوداء فقالت يا رسول الله إني نذرت إن ردك الله سالما أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى . فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم :"إن كنت نذرت فاضربي وإلا فلا". فجعلت تضرب فدخل أبو بكر وهي تضرب ثم دخل علي وهي تضرب ثم دخل عثمان وهي تضرب ثم دخل عمر فألقت الدف تحت أستها ثم قعدت عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الشيطان ليخاف منك يا عمر إني كنت جالسا وهي تضرب فدخل أبو بكر وهي تضرب ثم دخل علي وهي تضرب ثم دخل عثمان وهي تضرب فلما دخلت أنت يا عمر ألقت الدف .رواه أحمد والترمذي وصححه.
وصححه الألباني في الصحيحة برقم 2261 وغيرها.
يقول الشيخ القرضاوي: والقائلون بالتحريم يخصون مثل ذلك من عموم الأدلة على المنع.
أما المجوزون فيستدلون به على مطلق الجواز لما سلف وقد دلت الأدلة على أنه لا نذر في معصية الله فالإذن منه –ص- لهذه المرأة بالضرب يدل على أن ما فعلته ليس بمعصية في ذلك الموطن.
5-عن عامر بن سعد قال دخلت على قرظة بن كعب وأبي مسعود الأنصاري في عرس وإذا جوار يغنين فقلت أي صاحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بدر يفعل هذا عندكم ؟ فقالا اجلس إن شئت فاسمع معنا وإن شئت فاذهب فإنه قد رخص لنا في اللهو عند العرس . رواه النسائي.
وصححه الألباني في المشكاة برقم 3159 وحسنه في سنن النسائي برقم 3383
وقد توقف بعضهم عند كلمة "رخص لنا" في الحديث ليأخذ منها أن الأصل هو المنع وأن الرخصة جاءت على خلاف الأصل وهي مخصوصة بالعرس فتقتصر عليه.
ونسى هؤلاء أن مثل هذا التعبير يأتي فيما يراد به التيسير ولازمه في أمر كان يتوقع فيه التشديد والمنع.
فهو من باب قوله تعالى: "فلا جناح عليه أن يطوف بهما" مع أن الطواف فرض أو ركن.
6- روى النسائي عن السائب بن يزيد أن امرأة جاءت إلى رسول الله-صلى الله عليه وسلم- فقال: يا عائشة أتعرفين هذه؟ قالت لا يا نبي الله . فقال هذه قينة بني فلان تحبين أن تغنيك قالت نعم قال فأعطاها طبقا فغنتها فقال النبي صلى الله عليه وسلم قد نفخ الشيطان في منخريها.
قال الأدفوي: وسنده صحيح وكذا قال الشوكاني والكتاني.
وصححه الألباني في الصحيحة برقم 3281
يقول الشيخ القرضاوي:دل هذا على إباحة الغناء من القينة لأنه-ص- لا يأذن في حرام.
كما يدل على وجود القينات المغنيات في العصر النبوي ولم ينكر وجودهن.
ودل على إباحة الغناء في غير العيد وفي غير العرس على خلاف ما يقوله دعاة التحريم.
7-وأخرج النسائي وغيره عن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال: "فصل ما بين الحلال والحرام الدف والصوت في النكاح".
وحسنه الترمذي وقال الحاكم: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي ورجح الألباني أنه حسن فقط انظر الإرواء برقم
1994
ثانيا أقوال الصحابة وأفعالهم -رضوان الله عليهم-:
1-عبد الله بن جعفر:
قال ابن عبد البر في الاستيعاب (2/276) :كان عبد الله لا يرى بسماع الغناء بأسا.
وقال الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (3/456) ترجمة 93:
"كان –أي عبد الله- وافر الحشمة كثير التنعم وممن يستمع الغناء".
وقال العلامة الأدفوي في كتابه الإمتاع:
"وأما عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فسماع الغناء عنه مشهور مستفيض نقله عنه الفقهاء والحفاظ وأهل التاريخ الأثبات… "
2-عبد الله بن الزبير وبلال بن رباح :
قال أبو نعيم في أماليه :
حدثنا محمد بن علي ثنا محمد بن الحسن بن قتيبه ثنا ابن أبي السري ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن هشام بن عروة عن وهب بن كيسان قال سمعت عبدالله بن الزبير يترنم بالغناء وقال ما سمعت رجلا من المهاجرين إلا وهو يترنم .
ورواه البيهقي وابن دقيق العيد بسنديهما عنه.
وروى نحوه الفاكهي في "أخبار مكة" (3/27) بسند صحيح بلفظ :
« وأي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أسمعه يتغنى بالنصب » ؟!
وعن وهب بن كيسان قال : قال عبد الله بن الزبير - وكان متكئا - : " تغنى بلال "
قال : فقال له رجل : " تغنى ؟ " فاستوى جالسا ثم قال :
وأي رجل من المهاجرين لم أسمعه يتغنى النصب ؟
قال الألباني في تحريم آلات الطرب :
رواه عبد الرزاق ( 19741 ) مختصرا والبيهقي ( 10 / 230 ) والسياق له وإسناده صحيح على شرط الشيخين .
وقال الجديع في كتابه :
(أثر صحيح أخرجه البيهقي (10/225)، و عبد الرازق في "المصنف"(11/5-6) ، و الفاكهي (3/27 رقم:1735) بإسناد صحيح).
3-حمزة بن عبد المطلب:
ثبت في صحيح مسلم (4/658) أنه كان عنده قينة تغنيه.
4-عمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن عوف :
روى البيهقي في سننه (5/68) أن الحارث بن عبد الله بن عياش أخبر أن عبد الله بن عباس أخبره أنه بينا هو يسير مع عمر رضي الله عنه في طريق مكة في خلافته و معه المهاجرون و الأنصار ، فترنم عمر رضي الله عنه ببيت ، فقال له رجل من أهل العراق ليس معه عراقي غيره : غيرك فليقلها يا أمير المؤمنين ، فاستحيا عمر رضي الله عنه من ذلك و ضرب راحلته حتى انقطعت من الموكب .
والشاهد: لعل استحياء عمر –رضي الله عنه- بسبب لفظ قاله في ترنمه وإلا لقال له العراقي: غيرك فليفعلها.
وقد رواها الحافظ ابن طاهر بسنده وقال فيها: وإسناد هذه الحكاية كالأخذ باليد أي في الصحة.
قال الجديع : (أثر صحيح أخرجه البيهقي (5/69) بإسناد صحيح)
وروى كذلك (10/224) عن الزهري قال : قال السائب بن يزيد :
بينا نحن مع عبد الرحمن بن عوف في طريق الحج و نحن نؤم مكة ، اعتزل عبد الرحمن رضي الله عنه الطريق ، ثم قال لرباح بن المغترف : غننا يا أبا حسان ، وكان يحسن النصب ، فبينا رباح يغنيهم أدركهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته ، فقال : ما هذا ، فقال عبد الرحمن : ما بأس بهذا نلهو ونقصر عنا ، فقال عمر رضي الله عنه : فإن كنت آخذا فعليك بشعر ضرار بن الخطاب .
جود إسناده الألباني في تحريم آلات الطرب ص 129.
وقال الجديع : (أثر صحيح أخرجه البيهقي (10/224) و ابن عساكر في "تاريخه" (24/400) بإسناد صحيح).
وروى عبدُالرحمن بن حاطب بن أبي بلْتعة، قال:
خرجْنا مع عُمر بن الخطاب في الحج الأكبر، حتى إذا كُنا بالروحاء ، كلم القومُ رباح بن المغترف، وكان حسن الصوت بغناء العرب ، فقالُوا: أسمعنا يا رباحُ، وقصر عنا المسير، قال: إني أفرقُ من عُمر، فكلم القومُ عُمر، فقالُوا: إنا كلمنا رباحا يُسمعُنا وبُقصرُ عنا المسير، فأبى إلا أن تأذن لهُ، فقال: يا رباحُ، أسمعْهُم، وقصر عنهُم المسير، فإذا أسحرْت (بلغت وقت السحر) فارْفع. قال: وحدا لهُم من شعر ضرار بن الخطاب، فرفع عقيرته يتغنى وهُم مُحرمُون.
قال الجديع : (أثر حسن أخرجه الخطابي في "غريب الحديث"(1/658))
قال القاضي المعافى بن زكريا في كتابه (الجليس الصالح) :
حدثنا محمد بن الحسين بن دريد ، قال أخبرنا أبو حاتم، عن أبي عبيدة، عن يونس، قال: جاء عبد الرحمن بن عوف إلى باب عمر بن الخطاب فسمعه وهو يتمثل في بيته:
وكيف مقامي بالمدينة بعدما … قضى وطرا منها جميل بن معمر
قال القاضي أبو الفرج: ويروي كيف ثوائي بالمدينة، ثم قال: يا يرفأ! من بالباب؟ قال: عبد الرحمن بن عوف، قال: أدخله، فلما دخل قال: أسمعت؟ قال: نعم قال: إنا إذا خلونا في منازلنا قلنا ما يقول الناس. قال القاضي أبو الفرج: هذا جميل بن معمر الجمحي من مسلمة الفتح، قتل على عهد عمر، وليس بجميل بن عبد الله بن معمر العذري الشاعر.
قلت : ومحمد بن الحسين بن دريد هذا وقع في كتاب المتفق والمفترق للخطيب البغدادي باسم : محمد بن الحسن بن دينار وقد روى الخطيب الأثر من الطريق السابق والله اعلم.
قال ابن الأثير في أسد الغابة :
وروى محمد بن يزيد هذا الخبر، فقلبه، فجعل المتغني: عمر، والداخل عبد الرحمن، والزبير أعلم بهذا الشأن.
أخرجه أبو عمر وأبو موسى، وزاد أبو موسى في نسبه، فقال: جميل بن معمر بن الحارث بن معمر بن حبيب، والأول أصح.
وعن أسلم مولى عُمر بن الخطاب، قال: سمع عُمرُ رجُلا يتغنى بفلاة من الأرض (وفى رواية: وهُو يحدو بغناء الركبان)، فقال: الغناءُ من زاد الراكب.
قال الجديع : (أثر حسن أخرجه البيهقي (10/68) بإسناد حسن)
5-سعد بن أبي وقاص:
روى ابن قتيبة بسنده إلى سليمان بن يسار أنه سمع سعد بن أبي وقاص يتغنى بين مكة والمدينة فقال سليمان: سبحان الله أتفعل هذا وأنت محرم؟ فقال سعد: يا ابن أخي وهل تسمعني أقول هجرا؟
الرخصة في السماع لابن قتيبة ونقله عنه في الإمتاع ص 96 والتراتيب الإدارية للكتاني (2/134) وإيضاح الدلالات ص 13
6-أبو مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري وزيد بن ثابت وقرظة بن كعب الأنصاري:
روى البيهقي بسنده عن الزهري أنه سمع أبو مسعود وهو على راحلته وهو أمير الجيش رافعا عقيرته يتغنى النصب.
السنن الكبرى للبيهقي (10/225) .
وروى الحاكم (1/201) والنسائي (6/135) : أنه كان مع زيد بن ثابت وقرظة بن كعب الأنصاري في عرس لهم وجوار يتغنين فلما سئلوا؟ أجابوا:أنه قد رخص لهم في الغناء في العرس.
(الروايتان جزء من حديث صحيح أخرجه النسائي و الطبراني و الحاكم و غيرهم)
7-بلال بن أبي رباح:
روى البيهقي (10/225) وعبد الرزاق (11/5) بسنديهما إلى عبد الله بن الزبير قال :تغنى بلال وكان متكئا فقال له رجل:تغني؟فاستوى جالسا ثم قال: وأي رجل من المهاجرين لم أسمعه يتغنى النصب؟!
وصححه الألباني في تحريم آلات الطرب ص 128
8-عبد الله بن الأرقم:
روى البيهقي بسنده إلى الزهري قال:أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن أباه أخبره أنه سمع عبد الله بن الأرقم رافعا عقيرته يتغنى.
قال عبد الله بن عتبة:ولا والله ما رأيت رجلا قط ممن رأيت وأدركت أراه قال:كان أخشى لله من عبد الله بن الأرقم.
قال الجديع : (أثر صحيح أخرجه البيهقي (10/225) بإسناد صحيح)
9-عامر بن الأكوع وسلمة بن الأكوع:
روى الشيخان وغيرهما حدثنا عبد الله بن مسلمة : حدثنا حاتم بن إسماعيل ، عن يزيد بن أبي عبيد ، عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال :
خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر ، فسرنا ليلا ، فقال رجل من القوم لعامر : يا عامر ألا تسمعنا من هنيهاتك؟ وكان عامر رجلا شاعرا حداء ، فنزل يحدو بالقوم يقول :
اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا
فاغفر فداء لك ما اتقينا وثبت الأقدام إن لاقينا
وألقين سكينة علينا إنا إذا صيح بنا أبينا
وبالصياح عولوا علينا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من هذا السائق ) . قالوا : عامر بن الأكوع ، قال : ( يرحمه الله ) . قال رجل من القوم : وجبت يا نبي الله ، لولا أمتعتنا به….الحديث.
10-عبد الله بن عمر:
روى ابن قتيبة بسنده أنه كان يدعو عبد الله بن أسلم وخالد بن أسلم فيغنيان له. (الإمتاع ص 10)
وذكر ابن حزم بسنده إلى ابن سيرين إن رجلا قدم المدينة بجوار فنزل على عبد الله بن عمر وفيهن جارية تضرب فجاء رجل فساومه فلم يهو منهن شيئا قال : انطلق إلى رجل هو أمثل لك بيعا من هذا قال : من هو ؟ قال : عبد الله بن جعفر فعرضهن عليه فأمر جارية منهن فقال : " خذي العود " فأخذته فغنت فبايعه ثم جاء إلى ابن عمر . . . إلى آخر القصة .
على اختلاف في اسم الآلة التي عسوفت بها وصحح إسناده ابن حزم وغلب على ظن الشيخ الألباني أنه صحيح كما قال في رسالته في تحريم آلات الطرب ص 103
11-البراء بن مالك:
روى أبو نعيم والحاكم بسنديهما إلى أنس بن مالك قال: كان البراء بن مالك رجلا حسن الصوت فكان يرجز لرسول الله –صلى الله عليه وسلم-.
صححه الحاكم ووافقه الذهبي.
12-أنجشة:
روى البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه و سلم كان له حاد جيد الحداء ، و كان حادي الرجال ، و كان أنجشة يحدو بأزواج النبي صلى الله عليه و سلم ، فلما حدا أعنقت الأبل ، فقال النبي صلى الله عليه و سلم : ويحك يا أنجشة رويدا سوقك بالقوارير .
13-حسان بن ثابت:
جاء في السير للذهبي عن الأصْمعيُ، وغيْرُهُ: عن ابْن أبي الزناد، عنْ أبيْه، عنْ خارجة بن زيْدٍ، قال:
كان الغناءُ يكُوْنُ في العُريْسات، ولا يحْضُرُهُ شيْء من السفه كاليوْم، كان في بني نُبيْطٍ مدْعاة، كان فيْها حسانُ بن ثابتٍ، وابْنُهُ - وقدْ عمي - وجاريتان تُنْشدان:
انْظُرْ خليْلي بباب جلق هلْ * تُؤْنسُ دُوْن البلْقاء منْ أحد
أجْمال شعْثاء إذْ ظعن من الـ * ـمحْبس بيْن الكُثْبان والسند
فجعل حسانُ يبْكي، وهذا شعْرُهُ، وابْنُهُ يقُوْلُ للجارية: زيْديْ.
وفيْه:
يحْملْن حُوْر العُيُوْن ترْفُلُ في الر * يْط حسان الوُجُوْه كالبرد
منْ دُوْن بُصْرى وخلْفها جبلُ الثلْـ * ـج عليْه السحابُ كالقدد
والبُدْنُ إذْ قُربتْ لمنْحرها * حلْفة بر اليميْن مُجْتهد
ما حُلْتُ عنْ عهْد ما علمْت ولا * أحْببْتُ حُبي إياك منْ أحد
أهْوى حديْث النُدْمان في وضح الفجْـ * ـر وصوْت المُسامر الغرد
فطرب حسانُ، وبكى. (2/521)
وجاء في رسالة الشوكاني (إبطال دعوى الإجماع ص2) عن صالح بن حسان الأنصاري قال: كانت عزة الميلاء مولاة لنا وكانت عفيفة جميلة وكان عبد الله بن جعفر وابن أبي عتيق وعمر بن أبي ربيعة يغشونها في منزلها فتغنيهم وكان حسان معجبا بعزة الميلاء وكان يقدمها على سائر قيان المدينة.
وجاء في الكامل للمبرد وذكره الزبيدي في شرح الإحياء وقال:ذكر ذلك أيضا صاحب التذكرة الحمدونية وابن المرزبان (7/569) عن خارجة بن زيد قال: دعينا إلى مأدبة فحضرنا وحضر حسان بن ثابت وكان قد ذهب بصره ومعه ابنه عبد الرحمن فجلسنا جميعا على مأدبة فلما فرغ الطعام أتونا بجاريتين مغنيتين إحداهما: ربعة والأخرى عزة الميلاء فجلست وأخذت بمزهريهما وضربتا ضربا عجيبا وغنتا بشعر حسان:
فلا زال قصر بين بصرى وجلق عليه من الوسمى جود ووابل.
فأسمع حسان يقول: قد أراني هناك سميعا بصيرا وعيناه تدمعان فإذا سكتتا سكنت عينه وإذا غنتا بكى! وكنت أرى عبد الرحمن ابنه إذا سكنتا يشير إليهما أن غنيا!
14-معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص:
روى ابن قتيبة بسنده: أن معاوية سمع عند ابنه يزيد الغناء على العود فطرب لذلك.
15-أسامة بن زيد:
روى البيهقي (10/224) وكذلك عبد الرزاق (11/5) بسنده عن الزهري عن عمر بن عبد العزيز عن عبد الله بن الحارث بن نوفل قال: رأيت أسامة بن زيد جالسا في المجلس رافعا إحدى رجليه على الأخرى رافعا عقيرته قال: حسبته قال:يتغنى النصب.
وصححه الألباني في "تحريم آلات الطرب" ص 128 وقال:إسناده صحيح على شرط الشيخين.
وفي رواية أخرى عند البيهقي: أنه رأى أسامة بن زيد في مسجد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- مضجعا رافعا إحدى رجليه على الأخرى يتغنى النصب.
قال الجديع : (أثر صحيح أخرجه البيهقي (10/225) و ابن عبد البر في "التمهيد" (22/197) و إسناده صحيح)
قال مسلم بن الحجاج: والحديث كما قال القوم غير معمر. ذيل بهذا القول البيهقي على الحديث .
وانظر كذلك التراتيب (2/134).
16-عمران بن حصين:
روى البخاري في الأدب المفرد عن مطرف بن عبد الله قال:صحبت عمران من الكوفة إلى البصرة فقل منزل بنزلة إلا أنشدنا فيه الشعر وقال إن في معاريض الكلام لمندوحة عن الكذب.
صححه الألباني في صحيح الأدب المفرد برقمي 857 و885
ثالثا: أقوال التابعين وأفعالهم -رضوان الله عليهم-:
1-سعيد بن المسيب:
روى ابن عبد البر: أنه سمع الغناء واستلذ به وضرب برجله وقال: هذا والله ما يلذ سماعه.
نقله عنه الشوكاني في النيل (8/106) والأدفوي ص 106 وأورد القصة كذلك ابن الجوزي في تلبيس إبليس ص 251 وابن السمعاني في الذيل والطبراني.
وروى ابن سعد في الطبقات (5/134) والذهبي في السير (4/241) أن سعيد بن المسيب كان يرخص لبنته في الكبر –يعني في الطبل الكبير- المدور المجلد من وجهين.
2-القاضي شريح:
نقل القاضي أبو منصور البغدادي في مؤلفه السماع قال: كان يصوغ الألحان ويسمعها من القيان.
وقال الغزالي في الإحياء (2/249) والشوكاني في النيل (8/106):
كان يسمع الغناء ويعزف الألحان وكان يصوغ الألحان ويميز بين البسيط والمديد والخفيف.
3-الشعبي:
نقل القاضي أبو منصور البغدادي قال: كان يقسم الأصوات إلى الثقيل الأول وإلى الثقيل الثاني وما بعدهما من المراتب.
نقله عنه أبو منصور النابلسي في إيضاح الدلالات ص 17 والشوكاني في النيل (8/106).
وذكر الحافظ ابن طاهر في كتابه (صفوة التصوف) بسنده أن الشعبي مر بجارية تغني:
فتن الشعبي لما….
فلما رأت الشعبي سكتت.
فقال الشعبي قولي:رفع الطرف إليها.
وساقه ابن السمعاني بأسانيده.
4-عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق المعروف بابن أبي عتيق:
روى الأستاذ أبو منصور البغدادي (نقله عنه النابلسي في إيضاح الدلالات ص 17) بسنده أنه:
رغم كونه فقيها ناسكا كان يعلم القيان الغناء وسماعه كثير مشهور لا يختلف فيه أهل الأخبار بالأسانيد الجياد وكان كثير البسط والخلاعة مع فقه وزهد ونسك وعبادة.
يقول الشيخ القرضاوي:لا يقصد بالخلاعة ما هو شائع اليوم من الميل إلى الفسق والفجور وإنما يقصد بها التبسط في اللهو والتوسع في رفاهية العيش.
وقال الزبير بن بكار في الموفقيات:
حدثتنا طيبة مولاة فاطمة بنت عمر بن مصعب بن الزبير عن أم سليمان بنت نافع أن ابن أبي عتيق دخل على جارية بالمدينة فسمعها تغني لابن سريج:
ذكر القلب ذكره أم زيد والمطايا بالشهب شهب الركاب
وبنعمان طاف منها خيال يا لقومي من طيفها المنتاب
عللته وقربته بوعد ذاك منها إلى مشيب الغراب
بت في نعمه وبات وسادي بين كف حديثة بخضاب
فسألها ابن عتيق أن تعيده فأبت فخرج من عندها وركب نجيبا فقد مكة وأخذ ابن سريج وأدخله حماما وهيأه ثم جاء به إليها وقال:هذا يغني أحب أن تسمعني منه وتسمعيه قالت:نعم فأمر بالغناء فغنى أبياتا ذكرها الزبير فسألته أن يعيدها فقال له ابن أبي عتيق:خذ نعليك. أتعرفين ابن سريج؟……
ونقل مذهبه في هذا الشوكاني في النيل (8/106).
5-عطاء بن أبي رباح:
روى البيهقي عن ابن جريج أنه سأل عطاء عن الغناء بالشعر؟ فقال: لا أرى به بأسا ما لم يكن فحشا.
السنن الكبرى (10/225) والفتح (/539)
ونقل ابن قتيبة عن عطاء :أنه ختن ولده وعنده الأبجر يغني.
نقله عنه الشوكاني في النيل (8/106) وصاحب إيضاح الدلالات ص 18
وقد روى هذا الفاكهي في أخبار مكة (3/23) مع زيادة في القصة.
وقال الغزالي: وكان لعطاء جاريتان يلحنان فكان إخوته يستمعون إليهما.
الإحياء (2/248) وذكره ابن الجوزي في تلبيس إبليس ص 234.
وقال الأستاذ أبو منصور: إنه كان يقسم الأصوات إلى الثقيل الأول وإلى الثقيل الثاني وما بعدهما من المراتب.
وروى ابن قتيبة بسنده إلى إبراهيم المخزومي قال:أرسلني أبي إلى عطاء بن أبي رباح أسأله عن مسألة فأتيته فوجدته في دار العقبى وعليه ملحفة معصفرة فقالوا له:يا أبا محمد لو أذنت لنا أرسلنا إلى العريض وابن سريج فقال:افعلوا ما شئتم…فيعثوا إليهما فحضرا وغنيا وعطاء يسمعهما حتى إذا مالت الشمس قام إلى منزله.
6-عمر بن عبد العزيز:
روى ابن قتيبة أنه كان قبل الخلافة يسمع من جواريه خاصة ولا يظهر منه إلا الجميل وربما صفق بيديه وتمرغ على فراشه طربا وضرب برجليه.
انظر النيل (8/106) وإيضاح الدلالات ص 18
وقد أثبت أمثال الذهبي في السير (5/370) وتاريخ الإسلام (5/19) والمزي في تهذيب الكمال (3/1551) وابن حجر في تهذيب التهذيب (11/311) أنه إبان إمرته على المدينة كان يجالس ويأنس بيعقوب بن دينار الماجشون المشهور بتعليم الغناء واتخاذ القيان.
7-يعقوب بن دينار بن أبي سلمة "أبو يوسف الماجشون":
روى الذهبي في السير(5/370) وتاريخ الإسلام (5/19) والمزي في تهذيب الكمال (3/1551) وابن خلكان في وفيات الأعيان (6/276) وابن حجر في تهذيب التهذيب (11/388) عن مصعب بن عبد الله قال: كان يعلم الغناء ويتخذ القيان ظاهرا أمره في ذلك مع صدقه في الرواية.
وقال مصعب الزبيري: إنما سمي الماجشون لكونه كان يعلم الغناء ويتخذ القيان وكان يجالس عروة بن الزبير وعمر بن عبد العزيز في إمرته للمدينة.
وأورد ابن خلكان بعض أسماء المعازف التي كان يستعملها ومنها الكبر والبربط.
8-وقد نقل الشوكاني في النيل (8/105-106) عن عدد آخر من التابعين مثل سالم بن عمر وعبد الرحمن بن حسان وخارجة بن زيد وسعيد بن جبير ومحمد بن شهاب الزهري وإبراهيم بن سعد الزهري وطاوس بن كيسان.
وعن ابن السمعاني: أنه –أي طاوس- رخص في الغناء.
9-عكرمة مولى عبد الله بن عباس:
ذكر الذهبي في السير (5/27) قال: قال يزيد بن هارون قدم عكرمة البصرة فأتاه أيوب وسليمان التيمي ويونس فبينا هو يحدثهم إذ سمع صوت غناء فقال: امسكوا ثم قال: قاتله الله لقد أجاد.
فأما سليمان ويونس فما عادا إليه وعاد إليه أيوب فأحسن أيوب.
10-سالم بن عبد الله بن عمر:
ذكر الحافظ ابن طاهر بسنده أن سالم سمع الغناء من أشعب وساقه ابن السمعاني بأسانيده في أوائل الذيل.
11-سعيد بن جبير:
ذكر ابن طاهر بسنده عن امرأة عمرو بن الأصم قالت: مررنا ونحن جوار بسعيد بن جبير ومعنا جارية تغني ومعها دف وهي تقول:
لئن فتنتني فهي بالأمس أفتنت سعيدا فأضحى قد قلى كل مسلم
وألقى مفاتيح القراءة واشترى وصال الغواني بالكتاب المنمنم.
فقال سعيد:تكذبين تكذبين!!
ورواه الفاكهي في تاريخ مكة وابن السمعاني في الذيل.
12-سعد بن إبراهيم:
حكاه عنه ابن حزم وابن قدامة الحنبلي وغيرهم
رابعا: أقوال تابعي التابعين ومن بعدهم وأفعالهم -رحم الله الجميع-:
*قال الشوكاني في النيل (8/105):
فيما نقله عن ابن النحوي: فهم قوم لا يحصون.
*وذكر منهم الشيخ عبد الغني النابلسي في إيضاح الدلالات عن ابن قتيبة ص 18 في الرخصة:
عبد الملك بن جريج وهو من العلماء الحفاظ والفقهاء العباد المجمع على عدالته وجلالته وكان يسمع الغناء ويعرف الألحان ويميز بين البسيط والمديد والخفيف وكان يسمع الغناء فتسيل دموعه على لحيته ثم يقول: إن من الغناء لما يذكر بالجنة.
ونقل ذلك عن الإمام الغزالي في الإحياء (2/249) وذكر ذلك أيضا الأستاذ أبو منصور.
قال صاحب التذكرة الحمدونية:قال داود المكي: كنا في حلقة ابن جريج وهو يحدثنا وعنده جماعة منهم عبد الله بن المبارك وجماعة من العراقيين إذ مر به مغن فقال له: أحب أن تسمعني فقال له:إني مستعجل فألح عليه فغناه فقال له: أحسنت أحسنت ثلاث مرات ثم التفت إلينا فقال:لعلكم أنكرتم فقالوا: إنا ننكره في العراق فقال:ما تقولون في الرجز يعني الحداء؟ قالوا: لا بأس به. قال: وأي فرق بينه وبين الغناء!
*أما محمد بن علي بن أبي طالب فقال ابن قتيبة: أنه سئل عن الغناء فقال: ما أحب أن أمضي إليه ولو دخل علي ما خرجت منه ولو كان في موضع لي فيه حاجة ما امتنعت من الدخول.
*أما محمد بن سيرين فقد روى ابن أبي شيبة عن ابن عون قال: كان في آل محمد (يعني ابن سيرين) ملاك (أي زواج) فلما أن فرغوا ورجع محمد إلى منزله قال لهن (أي للنساء): أين طعامكن؟ قال ابن عون:يعني الدف.
*وأما عبيد الله بن الحسن: فكان من مذهبه إباحة الغناء اتفقت النقلة على ذلك ونصب الفقهاء الخلاف عنه فيه وممن حكاه عنه الساجي في كتابه في الخلاف وابن المنذر في الإشراف والقاضي أبو الطيب وغيرهم.
*إسحاق بن إبراهيم الموصلي:
ترجم له الذهبي في السير (11/118-121)فقال:
الإمامُ، العلامةُ، الحافظُ، ذُو الفُنُوْن، أبُو مُحمدٍ إسْحاقُ بنُ إبْراهيْم بن ميْمُوْنٍ التميْميُ، الموْصليُ، الأخْباريُ، صاحبُ المُوْسيقى، والشعْر الرائق، والتصانيْف الأدبية، مع الفقْه، واللُغة، وأيام الناس، والبصر بالحديْث، وعُلُو المرْتبة.
وبعد أن ذكر شيوخه وتلاميذه وبعض وقائع حياته وثناء العلماء عليه قال:
عنْ إسْحاق: أنهُ كان يكرهُ أنْ يُنسب إلى الغناء، ويقُوْلُ: لأنْ أُضرب على رأْسي بالمقارع، أحبُ إلي منْ أنْ يُقال عني: مُغني.
وقال المأْمُوْنُ: لوْلا شُهْرةُ إسْحاق بالغناء، لوليْتُهُ القضاء.
وفي ترجمته في تاريخ بغداد (6/338-345):
حدثني أبو سعيد مسعود بن ناصر السجزي حدثنا علي بن أحمد بن إبراهيم السرخاباذى حدثنا أحمد بن فارس بن حبيب حدثني محمد بن عبد الله الدوري بمدينة السلام حدثني علي بن الحسين بن الهيثم حدثنا الحسين بن علي المرداسى قال حدثنا حماد بن إسحاق بن إبراهيم الموصلي قال قال لي أبي قلت ليحيى بن خالد أريد ان تكلم لي سفيان بن عيينة ليحدثنى أحاديث فقال نعم إذ جاءنا فأذكرنى قال فجاءه سفيان بن عيينة فلما جلس أومأت الى يحيى فقال له يا أبا محمد إسحاق بن إبراهيم من أهل العلم والأدب وهو مكره على ما تعلمه منه فقال سفيان ما تريد بهذا الكلام فقال تحدثه بأحاديث قال فتكره ذلك فقال يحيى أقسمت عليك إلا ما فعلت قال نعم فليبكر الى قال فقلت ليحيى افرض لي عليه شيئا فقال له يا أبا محمد افرض له شيئا قال نعم قد جعلت له خمسة أحاديث قال زده قال قد جعلتها سبعة قال هل لك ان تجعلها عشرة قال نعم قال إسحاق فبكرت اليه واستأذنت ودخلت فجلست بين يديه واخرج كتابه فأملى علي عشرة أحاديث فلما فرغ قلت له يا أبا محمد ان المحدث يسهو ويغفل والمحدث أيضا كذلك فان رأيت أن اقرأ عليك ما سمعته منك قال اقرأ فديتك فقرأت عليه وقلت له أيضا ان القارىء ربما اغفل طرفه الحرف والمقروء عليه ربما ذهب عنه الحرف فانا في حل ان أروى جميع ما سمعته منك قال نعم فديتك أنت والله فوق ان تستشفع أو يشفع لك فتعال كل يوم فلوددت ان سائر أصحاب الحديث كانوا مثلك
وقال: حدثنا حسن بن علي المقنعى عن محمد بن موسى الكاتب قال أخبرني يوسف بن يحيى بن علي المنجم عن أبيه عن جده عن إسحاق قال بقيت دهرا من دهرى اغلس في كل يوم الى هشيم أو غيره من المحدثين فاسمع منه ثم اصير الى الكسائي أو الفراء أبو بن غزالة فاقرا عليه جزءا من القرآن ثم آتى الى منصور زلزل فيضاربنى طريقين أو ثلاثة ثم آتى عاتكة بنت شهدة فآخذ منه صوتا أو صوتين ثم آتى الأصمعي وأبا عبيدة فأناشدهما وأحدثهما وأستفيد منهما ثم اصير الى أبي فاعلمه ما صنعت ومن لقيت وما أخذت وأتغدى معه فإذا كان العشى رحلت الى أمير المومنين الرشيد.
وانظر كامل ترجمته في تاريخ بغداد.
*إبراهيم بن سعد بن إبراهيم الزهري (شيخ الشافعي وقد روى له الجماعة):
روى الخطيب البغدادي في تاريخه (6/84) أنه سئل عن الغناء فأفتي بتحليله وأتاه بعض أصحاب الحديث ليسمع منه أحاديث الزهري فسمعه يتغنى فقال لقد كنت حريصا على أن أسمع منك فأما الآن فلا سمعت منك حديثا أبدا فقال إذا لا أفقد إلا شخصك علي وعلى أن حدثت ببغداد ما أقمت حديثا حتى أغني قبله وشاعت هذه عنه ببغداد فبلغت الرشيد فدعا به فسأله عن حديث المخزومية التي قطعها النبي صلى الله عليه وسلم في سرقة الحلى فدعا بعود فقال الرشيد أعود المجمر قال لا ولكن عود الطرب فتبسم ففهمها إبراهيم بن سعد فقال لعله بلغك يا أمير المؤمنين حديث السفيه الذي آذاني بالأمس وألجأني إلى أن حلفت قال نعم ودعا له الرشيد بعود فغناه
يا أم طلحة إن البين فد أفدا قل الثواء لئن كان الرحيل غدا
فقال الرشيد من كان من فقهائكم يكره السماع قال من ربطه الله قال فهل بلغك عن مالك بن أنس في هذا شيء قال لا والله إلا أن أبي أخبرني أنهم اجتمعوا في مدعاة كانت في بني يربوع وهم يومئذ جلة ومالك أقلهم من فقهه وقدره ومعهم دفوف ومعازف وعيدان يغنون ويلعبون ومع مالك دف مربع وهو يغنيهم
سليمى أجمعت بينا
فأين لقاؤها أينا
وقد قالت لأتراب
لها زهر تلاقينا
تعالين فقد طاب
لنا العيش تعالينا
فضحك الرشيد ووصله بمال عظيم.
*المنهال بن عمرو الأسدي مولاهم الكوفي:
وهو ثقة من رجال الحديث المعروفين وكان حسن الصوت وكان له لحن يقال له: وزن سبعة.
وكان يأذن لبناته بضرب الطنبور.
قال شعبة بن الحجاج: أتيت منزل المنهال فسمعت منه صوت الطنبور فرجعت ولم أسأله.
قال ابن أبي حازم بعد ذكر هذه الحكاية: فإن هذا ليس بجرح إلا إن تجاوز إلى حد التحريم ولم يصح ذلك عنه وجرحه بهذا تعسف ظاهر.
ذكر ذلك كله ابن عدي في الكامل (6/233) والذهبي في الميزان (4/193) وابن حجر في تهذيب التهذيب (10/319).وقال الألباني في تحريم آلات الطرب: وإسناده إلى شعبة صحيح.
وقال الذهبي: وهو لا يوجب غمز الشيخ وقال مثله الحافظ ابن حجر.
*سفيان بن عيينة:
ذكر ذلك عنه الشيخ الماوردي في "الحاوي" (2/548).
وكذلك نقل عنه الحافظ الزبير بن بكار –وهو تلميذه- في الموفقيات (نقله عنه الحافظ النابلسي في إيضاح الدلالات ص 22) في قصة قدوم ابن جامع مكة بمال كثير فقال سفيان لأصحابه: علام يعطي ابن جامع هذه الأموال؟ قالوا :على الغناء .
قال:ما يقول؟ قالوا: يقول:
أطوف بالبيت مع من يطوف وأرفع من مئزري للعمل
وأسجد بالليل حتى الصباح وأتلوا من المحكم المنزل
قال: أحسن وأصلح ثم ماذا؟ قالوا: يقول:
عسى فارج الهم عن يوسف يسخر لي ربة المحمل
قال:أفسد الخبيث ما أصلح لا سخرها الله له.
وساقه المبرد في الكامل إلا أنه قال: حلالا حلالا.
*الحافظ إياس بن معاوية:
روى ذلك عنه الفاكهي في أخبار مكة (3/24) بإسناد حسن: حدثنا محمد بن إدريس بن عمر قال: ثنا الحميدي قال: ثنا سفيان عن هشام بن حجير عن إياس بن معاوية قال: إنه ذكر الغناء فقال: هو بمنزلة الريح يدخل من هذه ويخرج من هذه.
قال سفيان: يذهب إلى أنه لا بأس به.
* وقد ذكر الحافظ ابن دقيق العيد في كتابه "اقتناص السوانح" نبذة من ذلك وساق بأسانيده عن الصحابة رضوان الله عليهم ممن قدمنا ذكره ثم قال:
بعد ذكرنا هذه الجملة من الحجة لما بلغني من إنكار جاهل بمعرفة الآثار وما درج عليه المهاجرون والأنصار..
إلى قوله سئل محمد بن كعب القرظي: ما حد الخزلان؟ فقال:أن يقبح الرجل ما كان مستحسنا ويستحسن ما كان قبيحا (انظر إيضاح الدلالات ص22).
*وقال الشوكاني في رسالته في السماع ص 18:
إن السماع بآلة وغيرها من مواطن الخلاف بين أهل العلم ومن المسائل التي ينبغي التشديد في النكير على فاعلها.
وهذا الغرض هو الذي حملنا على جمع هذه الرسالة لأن في الناس من يزعم لقلة عرفانه بعلوم الاستدلال وتعطل جوابه عن الدراية بالأقوال: إن تحريم الغناء بآلة وغيرها من القطعيات المجمع على تحريمها.
وقد علمت أن هذه الفرية ما فيها مرية وجهالة لا محالة وقصر باع بغير نزاع.
فهذا هو الأمر الباعث على جمع هذه المباحث:
لما لا يخفى على عارف أن رمي من ذكرنا من الصحابة والتابعين وتابعيهم وجماعة من أئمة المسلمين بارتكاب محرم قطعا من أشنع الشنع وأبدع البدع وأوحش الجهالات وأفحش الضلالات فقصدنا الذب عن أعراضهم الشريفة والدفع عن هذا الجناب للعقول السخيفة..أ.هـ
*ويقول ابن كنانة في شرح الخرشي على خليل (3/304): تجوز الزمارة والبوق التي لا تلهي كل اللهو.
ويقول الونشريسي في المعيار (11/108): لما سئل عن الضرب بالطار المزنج والأكف؟ هل ذلك مما يجوز سماعه أو هو مكروه أو محرم.
فأجاب:الطار المزنج والضرب بالأكف لا يقال في ذلك إنه حرام بمجرده إلا أن يقترن به محرم فيحرم بسبب ما صحبه لكن ضرب الأكف من باب اللهو يفتقر ذلك في العرس الذي أباح الشرع فيه بعض اللهو وأما في غير ذلك فهو لعب ولهو ولا يتعاطى ذلك مهتم بدينه أ.هـ
*مسعود الكاساني الحنفي:
جاء في بدائع الصنائع (9/4030) أنه قال في شهادة المغني:
و إن كان يفعل ذلك مع نفسه لدفع الوحشة لا تسقط عدالته لأن ذلك مما لا بأس به ، لأن السماع مما يرقق القلوب ، لكن لا يحل الفسق به .
و أما الذي يضرب شيئا من الملاهي فإنه ينظر إن لم يكن مستشنعا كالقصب و الدف و نحوه لا بأس به و لا تسقط عدالته ، و إن كان مستشنعا كالعود و نحوه سقطت عدالته ، لأنه لا يحل بوجه من الوجوه .
*الإمام أبو حنيفة:
نقل ابن قتيبة في الرخصة: عن الإمام أبي حنيفة أنه كان له رجل وكان في كل ليلة يغني وكان يستمع إليه وذات مرة فقد صوته فسأل عنه؟ فقيل: إنه وجد بالليل فسجن فلبس أبو حنيفة عمامته وتوجه إلى الأمير ابن عيسى فشفع فيه فأخرج من سجنه. أ.هـ باختصار. وذكرها ابن عبد ربه في العقد الفريد وكذلك أوردها بزيادات كثيرة الحافظ أبو محمد عبد الواحد بن علي التميمي المراكشي صاحب كتاب (المعجب في أخبار أهل المغرب)
يقول الشيخ عبد الغني النابلسي في إيضاح الدلالات ص 20 بتصرف:
تضمنت الحكاية أنه كان يستمع ومع ذلك لم ينكر عليه وما ذلك إلا لأن الغناء مباح وإلا فمقام المفتي والمرشد لا يقر على الخطأ ويشفع لأهله وما ورد عن أبي حنيفة بخلافه يحمل على الغناء المقترن بشئ من الفحش أو المنكر جمعا بين القول والفعل. وذكر هذه الفائدة الكمال الأدفوي في الإمتاع.
حكى صاحب التذكرة الحمدونية أنه سئل هو وسفيان الثوري عن الغناء فقالا: ليس من الكبائر ولا من أسوأ الصغائر.
*الإمام مالك بن أنس:
قال القرطبي في تفسيره (14/55): حكى عنه –أي عن مالك- زكريا الساجي أنه كان لا يرى بالغناء بأسا.
قال الونشريسي في المعيار (11/80): قال معن بن عيسى: أتى ابن سرجون الشاعر إلى مالك وقال له :قلت شعرا وأردت أن تراه وتسمعه فقال مالك: لا –وظن أنه هجاه- فقال: لتسمعنه فقال:هات فأنشده:
سلوا مالك المفتي عن اللهو والغنا وحب الحسان المعجبات العواتك
فيفتيكم أني مصيب وإنما أسلي هموم النفس عني بذلك
فهل محب يكتم الحب والنوى أثام وهل في صحة المتهالك
قال:فضحك مالك وكان قليل الضحك.
وقال مالك: إن اللهو الخفيف مثل الدف والكبر فإني أراه خفيفا. قاله ابن القاسم والخرشي على مختصر خليل (3/304) وانظر التمهيد لابن عبد البر (10/180).
ونقل الشوكاني عن القفال أن مالكا أباح الغناء والمعازف.
وحكى الإباحة عنه أبو القاسم القشيري والأستاذ أبو منصور وغيرهما.
ويقول الزبيدي في الإتحاف (7/575) بعد أن ذكر أنه سأل فضلاء المالكية عن نص عن مالك في الحرمة فأخبروه أنه لا يوجد فقال ما ملخصه:
وبالجملة:فإذا لم يكن له نص في المسألة فما استنبطوه غير متجه إذ هو محتمل وما نقل عنه بالإسناد أنه سئل عنه فقال: إنما يفعله عندنا الفساق محتمل وأنه لا يجوز: محمول على غناء يقترن به منكر ونحوه جمعا بين النقول التي قدمناها التي هي صريحة وأيضا فقوله: إنما يفعله عندنا الفساق محتمل أن الذين نعهدهم أو نعرفهم يسمعونه عندنا وصفهم كذا فلا يدل على التحريم كما إذا قلت: ما قولك في المتفرجين في البحر؟ فتقول: إنما يفعله عندنا أهل اللعب والفساد فلا دلالة على تحريم فرجة البحر.
*الإمام الشافعي:
يقول في الأم (6/209): إذا كان يرضى بالغناء لنفسه كان مستخفا وإن لم يكن محرما بين التحريم.
وقال الإمام الغزالي في الإحياء: ليس تحريم الغناء من مذهبه أصلا.
وقال يونس بن عبد الأعلى: سألت الشافعي رحمه الله عن إباحة أهل المدينة للسماع؟ فقال:لا أعلم أحدا من علماء الحجاز كره السماع إلا ما كان منه في الأوصاف فأما الحداء وذكر الأطلال والمرابع وتحسين الصوت بألحان الشعر فمباح. ذكره الزبيدي في شرح الإحياء (2/284).
*الإمام أحمد:
يقول ابن الجوزي في تلبيس إبليس ص 221 :
وقد روينا أن أحمد سمع قوالا عند ابنه صالح فلم ينكر عليه . فقال له صالح : يا أبت أليس كنت تنكر هذا ؟ فقال : إنما قيل لي أنهم يستعملون المنكر فكرهته ، فأما هذا فإني لا أكرهه .
قال المصنف رحمه الله : قلت ، وقد ذكر أصحابنا عن أبي بكر الخلال وصاحبه عبد العزيز إباحة الغناء .
وقال بن عقيل في كتابه المسمى بالفصول: صحت الرواية عن أحمد أنه سمع الغناء عن ابنه صالح وذكر ذلك شارح المقفى.
*ترجم البخاري في صحيحه باب سنة العيدين لأهل الإسلام حيث جعل الغناء يوم العيد من سنن الإسلام كما فعل ذلك وقاله رسول الله –ص-.
وترجم الإمام مسلم باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه في أيام العيد.
وعددا في صحيحيهما من تلك السنن: غناء الجاريتين في بيت رسول الله –ص-عند عائشة.
,وترجم الحافظ النسائي في سننه "باب الرخصة في الاستماع إلى الغناء وضرب الدف يوم العيد" وترجم في النكاح ب"اللهو والغناء عند العرس".
,وترجم ابن ماجة "باب إعلان النكاح"وذكر الضرب الدف ثم ترجم "باب الغناء والدف".
,ترجم البيهقي في السنن الكبرى باب ما لا ينهى عنه من اللعب وباب لا بأس باستماع الحداء ونشيد الأعراب كثر أو قل.
,ترجم الحاكم في مستدركه بعنوان :"رخصة الغناء في العرس" رواه عنه ابن الجوزي قال: وقد أنبأنا زاهر بن طاهر قال أنبأنا أبو عثمان الصابوني وأبو بكر البيهقي قالا أنبأنا الحاكم أبو عبد الله النيسابوري قال : أكثر ما التقيت أنا وفارس بن عيسى الصوفي في دار أبي بكر الابريسمي للسماع من هزارة رحمها الله فإنها كانت من مستورات القوالات .
وعزاه ابن الجوزي لكتاب "تاريخ نيسابور".
والله اعلم
بارك الله فيكي على الموضوع
نقل مليء بالشبه، ومسألة الغناء المقرون بآلات الطرب محرم باتفاق العلماء، ومن حكى فيه الخلاف فهو متبع لهواه.
وقد سبق أن الغناء عند المتقدمين له معنييان، فكل من حُكِي عنه جواز الغناء، فإنما يُريد به إنشاد الشعر بالصوت الحسن، لا اشتمال ذلك على آلات الطرب.
فحكاية الخلاف في الغناء المشتمل على آلات طرب: تضليلٌ.
وعلى كل، فالحجة في الإجماع لا في النزاع، فليس ثَمَّ حجة في اختلاف العلماء!!
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ، يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ، وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ)، فقوله: (يستحلون) يعني: أن حكمَه في الشرع: التحريم، وسيأتي أقوام من شرار الأمة يصيرونه حراما!!! وهذا هو الواقع.
ورود الشتاء
2011-09-01, 12:46
شكرا لكم جزاكم الله خيرا
منير طيبوزة
2011-09-01, 13:51
بارك الله فيك
شعلال جمال الدين
2011-09-01, 22:57
نقل مليء بالشبه، ومسألة الغناء المقرون بآلات الطرب محرم باتفاق العلماء، ومن حكى فيه الخلاف فهو متبع لهواه.
وقد سبق أن الغناء عند المتقدمين له معنييان، فكل من حُكِي عنه جواز الغناء، فإنما يُريد به إنشاد الشعر بالصوت الحسن، لا اشتمال ذلك على آلات الطرب.
فحكاية الخلاف في الغناء المشتمل على آلات طرب: تضليلٌ.
وعلى كل، فالحجة في الإجماع لا في النزاع، فليس ثَمَّ حجة في اختلاف العلماء!!
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ، يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ، وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ)، فقوله: (يستحلون) يعني: أن حكمَه في الشرع: التحريم، وسيأتي أقوام من شرار الأمة يصيرونه حراما!!! وهذا هو الواقع.
أختي الفاضلة - زادك الله علما و نفع الله بك - أمامك بحثان مذيلان بمصادر كل قول من أقول بعض الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين و أقوال علماء عبر قرون شتى و من هذه الأقوال ما يجيز الغناء بآله أو بغيرها و تصفحي - فضلا لا أمرا - و بعدها إن كان من هذه الأقوال مكذوبا أو منقوصا أو محرفا فبيني لنا هذا و لك منا جزيل الشكر و هذا ما نراه يليق بطالب العلم الذي ضالته معرفة الحق دون تعصب لرأي أما ارسال كلمات دون تمعنها كقول اجماعا في مسألة خلافية أو قول مليء بالشبهة أو غير محقق فهذا أمر محذر منه قال تعالى " ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ( 36 ) " الإسراء
و ان كانت فعلا فيه شبهة فبينيها و إن كان غير محقق فحققيه إن كنت أهلا لذلك أو ائتي تحقيق من هو أهل للتحقيق
أما تلونك لكلمة يستحلون فكذلك في الذي سبق تبيين و توضيح لهذا - -هداني الله و إياك للحق و جمعنا عليه -
ورود الشتاء
2011-09-02, 11:01
شكرا لكم جزاكم الله خيرا و تقبل صبامكم و صح عيدكم
vBulletin® v3.8.10 Release Candidate 2, Copyright ©2000-2025, TranZ by Almuhajir