تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : المبادئ العشرة في ترشيد الصحوة الإسلامية ....


قدوري رشيدة
2008-10-28, 18:56
المبادئ العشرة في ترشيد الصحوة الإسلامية ....


الدكتور القرضاوي

كرَّس فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي حياته الفكرية والعملية بأسرها تقريبا لهدف منهجي وفكري كبير وواضح، يصب في ترشيد الصحوة الإسلامية المعاصرة وتوجيهها الوجهة الصحيحة، ودارت معظم كتاباته حول هذا المدار.

ونراه في كتابه "الصحوة الإسلامية من المراهقة إلى الرشد" ينطلق من مسلَّمات كثيرة لا يختلف عليها أحد:

أولها: أن الصحوة الإسلامية حقيقة لا وهم.

وثانيها: أنها تتعرض من حين لآخر إلى حدوث خلل ما، سواء من داخلها بما هو اجتهاد بشري، أو من خارجها بما يسلط عليها من تنكيل، كثيرا ما يدفعها إلى ارتكاب الطيش والحمق.

وثالثها: أن الصحوة في هذه الأوقات السوداء من حياة الأمة خاصة تعتبر نجمًا سيارًا في دجى ليل طويل بهيم، ليس من مصلحتنا تركه للسحب تغشاه فتتلفه، كما أن من واجبنا إزاءه بذل النصح.

وقد حاول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه هذا وضع معالم لمنهج الترشيد والإصلاح لمسيرة هذه الصحوة المباركة، وهذا المنهج مؤلَّف عنده من مبادئ عشرة وهي:

1- من الشكل والمظهر إلى الحقيقة والجوهر

2- من الكلام والجدل إلى العطاء والعمل

3- من العاطفية والغوغائية إلى العقلانية والعلمية

4- من الفروع والذيول إلى الرءوس والأصول

5- من التعسير والتنفير إلى التبشير والتيسير

6- من الجمود والتقليد إلى الاجتهاد والتجديد

7 - من التعصب والانغلاق إلى التسامح والانطلاق

8- من الغلو والانحلال إلى الوسطية والاعتدال

9- من العنف والنقمة إلى الرفق والرحمة

10- من الاختلاف والتشاحن إلى الائتلاف والتضامن

1- من الشكل والمظهر إلى الحقيقة والجوهر
وذلك على معنى أن الإسلام عقيدة جوهرها التوحيد، وعبادة جوهرها الإخلاص، ومعاملة جوهرها الصدق، وخلق جوهره الرحمة، وتشريع جوهره العدل، وعمل جوهره الإتقان، وأدب جوهره الذوق، وعلاقة جوهرها الأخوة، وحضارة جوهرها التوازن.

إذ من المعلوم منطقًا أن لكل شيء جوهرًا وعرضًا يتكاملان تكامل الروح والبدن في الإنسان، فلا يقوم أحدهما دون الآخر، غير أن ذلك التكامل يُضحِّي عند التعارض بالعَرَض لا بالجوهر، إذ لذلك يرخص الشهيد بدنه لتبقى روحه، ففي حال السلم تكامل، وفي حال الحرب تقدم أولوية الجوهر على المظهر.

والأمثلة لذلك كثيرة في الإسلام، فالمصلي الذي لا يغنم من صلاته غير القيام والقعود لا حظ له، والصائم كذلك، وعلى ذلك قس كل عمل ينحاز بوعي أو بدون وعي إلى الشكل والمظهر مهملاً الحقيقة والجوهر، ففي الحديث المتفق عليه مثلاً: "أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا (وليس مجرد منافق) وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم ...".

وللغزالي الأول - عليه رحمة الله - كلمة من نور يقول فيها: "رب ذرة من عمل القلوب تذهب بجبال من عمل الجوارح"، وبذلك وبغيره تقرر عند الناس قاطبة أن عمل القلب مقدم ومؤسس وحاكم على عمل الجارحة في الاتجاهين الإيجابي والسلبي.

أما ابن القيم عليه رحمة الله فيقول: "إن سلامة القلب من خمس، وهي: الشرك المنافي للتوحيد، والبدعة المنافية للسنة، والشهوة المنافية للعفة، والغفلة المنافية للذكر، والهوى المنافي للإخلاص". فالقاعدة المحكمة دومًا أن الشكل والحقيقة متكاملان أبدًا، فإذا ما بدا التعارض لداع ما فإن الأولوية للحقيقة على الشكل، حتى ترجع الأصل إلى معدنه.


2- من الكلام والجدل إلى العطاء والعمل

من مظاهر الكلام والجدل: التغني بالماضي دون عمل، أو ازدراء الماضي كله، أو الكلام في أخطاء الناس دون حسناتهم، أو الجدل العقيم من مثل محاولة رفع الخلاف في الفقه. فالدين إنما توحدت جذوره لتختلف أغصانه فتثمر. أو الزعم بأن الأوائل لم يختلفوا، أو محاولة إلغاء المذاهب والمدارس والاجتهادات. ومن مثل الخوض في الأغاليط ومعضلات الأمور على طريقة الثرثرة الفارغة أو مخالفة الفعل للقول.

والأجدر تبني فقه العمل، ونبذ الانتظار، فطالما انتظرت الشعوب قوادًا ملهَمين سلموها قيادها بسلاسة، فسجنوها وكبلوها، وطالما انتظر اليهود قدوم المسيح ليخلصهم حتى ظهرت الحركة الصهيونية، فكانت هي المسيح المخلص وأكلتنا قطرًا قطرًا.

فالكلام الفارغ دون عمل، والجدل العقيم دون نشاط حي لا يورث سوى النرجسية القاتلة أو ادعاء العصمة الفارغة، واتهام الآخرين كلهم بالمروق والزندقة والهرطقة، ولا يورث سوى الانتظارية التي هي منافية لسنة الحركة والتغير والتطور والمضاء والتدافع، أما الكلام الإيجابي والجدل بالتي هي أحسن فهو عمل وعطاء.


3- من العاطفية والغوغائية إلى العقلانية والعلمية

ومن مظاهر العاطفية الغوغائية: تمجيد الذات، والإسراف في الحب والبغض، والاستغراق في الأحلام، واستعجال قطف الثمرة، والاعتماد على حسن النية دون حسن الصواب، والعجلة، والارتجال، والتواكل دون عقل الناقة، وإغفال السنن في الكون والمجتمع، واعتماد المبالغة والتهريج والسطحية.

ومن خطوات البحث عن الصواب تمحيص ما يُلقَى إلى الإنسان، كما فعل إبراهيم عليه السلام لما جن عليه الليل، وقال محمد صلى الله عليه وسلم: "نحن أحق بالشك من إبراهيم" - فيما أخرج البخاري - فهو شك يقود إلى اليقين كما قال الغزالي الأول عليه رحمة الله.

ومن تلك الخطوات أيضا الموازنة بين ما عندك وما عند غيرك، وسؤال أهل الخبرة عما جهلت، فقد تعلم ابن آدم من غراب، وتعلم سليمان عليه السلام من هدهد.

فطلب البرهان يكون من خلال الدليل العقلي في العقليات، والدليل التاريخي في النقليات والمرويات، والدليل التجريبي في الحسيات.

والمنهج الإسلامي نصًّا وعملاً إنما قام على العلمية والعقلية، حتى في أخطر الأمور وأدقها كالألوهية والتوحيد.


4- من الفروع والذيول إلى الرءوس والأصولمعلوم أن الإسلام ليس متساويًا في تكاليفه وعقوباته، شأنه في ذلك شأن كل أمر مُحكم منظم، لذلك فهو مرتب حسب موازين وأولويات، وكبائر وصغائر، وعزائم ورخص، وواجبات ومندوبات، ومختلف فيه ومتفق عليه، وفروض عين وأخرى كفاية، وهذا فوري وآخر على التراخي، وقطعيات وظنيات، وأعلى وأدنى، ومحكم ومتشابه، ومتن وسند، ورواية ودراية، وهذا لذاته وذاك لغيره، وضروري وحاجي وتحسيني، وكلي وجزئي، وعام وخاص، ومطلق ومقيد، وأصل وفرع، وجذر وثمر، وجذع وغصن، ووالد ومولود، وفرض وتعصيب، ومقدم ومؤخر، ومصغر ومكبر، إلى آخر ما لا يحصى...

فهو هيكل جميل البناء، رائع التشييد، محكم الهندسة، لا يتمتع به الزائر ولا المقيم حتى يتعرف إلى كلياته وتفاصيله، كتاجر ماهر لا يعرض كل سلعه في كل مكان قبل دراسة السوق وحال العرض والطلب، أو كسائح لبيب لا يضيع أوقاته الثمينة في كل ما يعرض له.

والقاعدة المحكمة هنا هي أن معرفة الأصول في كل شيء إطلاقًا أولى من معرفة التفاصيل؛ لأن هذه متضمنة في تلك بالضرورة، أي محكومة بقانونها. فمتى قال لك الباري: لا تقل لوالديك "أف" مثلاً، فيجب عليك معرفة شيء آخر قبل ذلك، وهو أنه أمرك - قبل أن ينهاك - بالإحسان إليهما، كما يجب عليك معرفة شيء آخر، وهو أن "أف" هي مثال ليس إلا، أي جزئية صغيرة عليك ببحث تراكيبها حتى تصل إلى أصلها الأول، فإن قادك تفكيرك إلى أن الممقوت هو قولك "أف" وما عداها مما هو فوقها معفو عنه، فأنت ساقط المزاج لا تصلح للدنيا فضلاً عن الدين، ومشكلتك مع نفسك وليست مع الدين.


5- من التعسير والتنفير إلى التبشير والتيسير

من أوضح علامات المنهج الوسطي: التيسير في الفتوى والتبشير في الدعوة؛ لأنه الأصل في دعوة الإسلام، والأمثلة الدالة على ذلك كثيرة من القرآن والسنة والسيرة، وسيرة الخلفاء الراشدين والدعاة والمصلحين الموفقين من أيام السلف الأول إلى أيامنا هذه.

ولو تصفح المسلم الدين كله بكلياته وتفاصيله من العقيدة إلى آخر شعبة فقهية فيه، لوجد أن روح البناء هو اليسر، فالتوحيد مثلاً الذي هو جوهر العقيدة، أمره يسير على الناس، فأن تعتقد بإله واحد أحد فرد صمد أيسر لعقلك وقلبك ولحياتك بأسرها من أن تعتقد في آلهة مثنى أو ثلاث أو أكثر، وهو كذلك أيسر من أن تعتقد أن الوجود خُلِق صدفة أو خلق نفسه بنفسه أو ما إلى ذلك، وعلى ذلك قس سائر معطيات الدين والإسلام والحياة والوجود. فاليسر سنة وسبب وقدر، وليس أمرًا مقصورًا على الدين وتكاليفه.

ومن مظاهر التيسير في الفهم أن الدين في أصله مُعلَّل كله، أي معقول، سوى ما ورد من تفاصيل كعدد الركعات، فعلته الاتباع والتسليم والخضوع.

ومن مظاهر التيسير في العمل أن كل عزيمة سببت حرجًا أو عنتًا فالرخصة أجرها أجر العزيمة، كعمل المريض والمسافر والحائض والنفساء والمُكره وفاقد الطهورين.

ومن تلك المظاهر أيضًا تقديم الأيسر على الأحوط، وفق قاعدة "التيسير في الفروع والتشديد في الأصول"، وانتفاء التحريم بغير دليل لبراءة الذمة، والتيسير فيما تعم به البلوى كحلق اللحية وطول الثوب وما إلى ذلك، والأخذ بالضرورات فيما حرم لذاته، وبالحاجة فيما حرم سدًّا للذريعة، وأن حقوق الله مبنية على المسامحة، أما حقوق العباد فعلى المشاحة.

ومن مظاهر التبشير تغليب الأمل والرحمة والعفو والتبشير بمستقبل الإسلام من القرآن والسنة والتاريخ والواقع والسنن، ومن مظاهر التنفير الغلظة والفظاظة وسوء الهيئة.. إلخ.

فتغليب اليسر على العسر في الفقه والفتوى حيال الناس خاصة لا حيال النفس إذا تاقت لغير ذلك، مظنة جلب الناس إلى الالتزام يومًا بعد يوم، وتلك حقيقة نفسية واجتماعية وليست مقصورة على فقه الدعوة، وكذلك تغليب البِشر على النفور مظنة طمأنة القلوب الخائفة والأفئدة الحائرة، فالتاجر المملوء قذارة المكثر من الصياح العارض لسلعته مكدسة كأنها في مزبلة والرافع لأسعارها درجات على ما يجد الناس عند جيرانه، لن يقربه غير الأحمق مثله مهما كانت سلعته عالية الجودة، فالإنسان من أبعاده الرئيسة الذوق بعد العقل والروح والبدن والعاطفة.


6- من الجمود والتقليد إلى الاجتهاد والتجديد

من النصائح التي يقدمها الشيخ القرضاوي هنا إلى بعض الحركات الإسلامية الوسطية التي يقدرها: تقديم الولاء للإسلام على الولاء للجماعة، وتقديم العمل للدعوة على العمل للتنظيم، والترحيب بالأفكار الجديدة، والتفاهم مع الآخر، وإن يكن مخالفا، وتجديد الوسائل حسب المرحلة، والاهتمام بالتحديات العالمية، وعدم الاستهلاك في العمل السياسي، وإنتاج مناهج تعمق الثقافة الشرعية والواقعية.

فهذا سيدنا إبراهيم شيخ الأنبياء - عليهم السلام جميعًا - يجتهد من طور إلى آخر، حتى أظفره الله باليقين، وهذا موسى عليه السلام لا يتردد في عرض طلبه على ربه في أن يراه ليتجدد إيمانه ويتعمق، وهذا الإمام الشافعي يجدد مذهبه من العراق إلى مصر لتبدل الظروف، وهذه الشمس تطلع علينا كل يوم جديدة، وهذه دماؤنا تتجدد في أوعيتها وأوردتها دومًا، وهذا الكون الفسيح يمخر بنا عباب فضاء بسرعة رهيبة لا يتصورها العقل الإنساني، ومع كل ثانية يغمر مساحات كونية جديدة لا نعلمها، وهذا النبي الأكرم - عليه الصلاة والسلام - يأمرنا بتجديد الدين على رأس كل مائة سنة، وهذا وهذا وهذا.

فالقديم عندنا ليس سوى أصولنا العقدية الكبرى وأصول عباداتنا وأخلاقنا، وما ثبت من نحو ذلك وهو قليل كمًّا كثير نوعًا، وما سواه محل تجديد دومًا، والتجديد ليس هدمًا للأصول، ولكنه تجديد لحسن عرضها على أناس اليوم وأهل الغد، وتشييد لما يحفظها، فلا نبطل الاجتهاد والتجديد باسم عدم تعريض الدين للاندثار، ولا ندعهما كلأً مباحًا ومرتعًا خصبًا لكل أحمق.

وكلما كان الاجتهاد والتجديد جماعيًّا مؤسسيًّا كانت النتائج أجود وأبعد عن التيه.


7- من التعصب والانغلاق إلى التسامح والانطلاق

معلوم أن الغرب هو الذي سمَّى الحروب الصليبية "صليبية" أما نحن فسميناها حروب الفرنجة، وفي ذلك دلالة على أن المعيار الديني الضيق هو الذي قاد الغرب إلى نسبة الخلاف إلى الصليب. كما أن من مظاهر التعصب الغربي - وفينا له سماعون كثر - الاعتداء على الثقافة الإسلامية وتأويلها بغير علم، والادعاء بأن الأسرة يمكن أن تتكون من جنس واحد بدل جنسين، وأمور أخرى كثيرة كر بها علينا الإعلام المعادي باسم الحرية، وهي استعباد شيطاني مَريد.

وكثير منا ينسى أو يتناسى أو يستحي أن يبرز معالم ثقافتنا السباقة في الاعتراف بالاختلاف ووضعه على أساس أنه سنة كونية وقانون خلقي، وليس أمرًا دينيًّا فحسب، على أن في ديننا أسس عقدية للتسامح منها:

- الاختلاف البشري إرادة إلهية "وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ".

- الحساب في الآخرة وليس في الدنيا "فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ".

- كرامة الإنسان وحرية إرادته وعلوية آدميته كائنًا ما كان دينه أو لونه.

- أولوية العدل لكل الناس "وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى".


8- من الغلو والانحلال إلى الوسطية والاعتدال

من المعلوم أن من أهم مظاهر الغلو:

- عدم الاعتراف بالآخر

- إلزام جمهور الناس بالعزائم والتشديد

- التشديد في غير محله

- الغلظة والخشونة

- سوء الظن بالناس

- السقوط في هاوية التكفير

والتجديد والوسطية والاعتدال في الحقيقة لا يكون إلا سلفيًّا، والسلفية لا تكون إلا مجددة.

وذلك يتطلب إحياء ضروب من الفقه من مثل:

- فقه الواقع

- فقه المقاصد

- فقه السنن والأسباب في الكون والخلق والاجتماع

- فقه الخلاف

- فقه الأولويات

- فقه الموازنات

- فقه المآلات، إلخ...

وبذلك يلج الإنسان التيار الوسطي المعتدل، ومن أبرز شمائله:

- تبني التيسير والتبشير

- الجمع بين السلفية والتجديد

- المصالحة بين السلفية والصوفية، أو تصويف السلفية وتسليف الصوفية

وكان خير من عقد هذه المصالحة ابن تيمية وتلميذه ابن القيم - عليهما رحمة الله تعالى - فالسلفية الحقيقية بفضيلة التمسك بالنص ونبذ البدعة، والصوفية بفضيلة حياة القلب وفرحة الروح، يتعانقان وتنشأ الوسطية. كما أن من سنة التكامل والاختلاف وجود المتكلمين والصوفية والسلفية والظاهرية والفقهاء والمحدِّثين والمقاصديين.. إلخ، ومن هؤلاء جميعًا ظالم لنفسه ومقتصد وسابق بالخيرات بإذن الله تعالى.

- الاعتدال بين الظاهرية والمؤوِّلة.

- الموازنة بين الثوابت والمتغيرات، فالثوابت هي العقائد والعبادات والقيم الأخلاقية، وأمهات الرذائل، والقطعيات في المعاملات الأسرية والاجتماعية والمالية... وهي تشكل الوحدة الفكرية والسلوكية للأمة.

- مراعاة الواقع إذ قال ابن القيم: "الفقيه الحق من يزاوج بين الواجب والواقع، فلا يعيش فيما يجب أن يكون، مغفلاً ما هو كائن".

ولتغيير الواقع ثوابت، منها:

- رعاية الضرورات.

- ارتكاب أخف الضررين، ومن أمثلة ذلك عدم قتله - عليه الصلاة والسلام - للمنافقين وهو يعلمهم واحدًا واحدًا، وعدم هدم الكعبة لإعادة بنائها على أسس إبراهيم.

- مراعاة التدرج.

- الدعوة إلى التسامح والتعايش مع الآخرين.

- تبني الشورى والحرية للشعوب على أساس أن الأحزاب مذاهب في السياسة، والمذاهب أحزاب في الفقه.

- إنصاف المرأة فهي شقيقة الرجل.

- إحياء الاجتهاد، إذ قال سفيان الثوري رحمه الله تعالى: "إنما الفقه رخصة من فقيه، أما التشدد فيحسنه كل أحد". وقاعدة المنار الذهبية: "نتعاون فيما اتفقنا فيه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه". وقال بعضهم بعده: "ونتحاور فيما اختلفنا فيه".


9- من العنف والنقمة إلى الرفق والرحمة

أصل منهج الدعوة هو الرفق، فالدعوة بالحكمة معناها إقناع العقول بالبرهان. وبالموعظة الحسنة معناها طمأنة القلوب. والمجادلة بالتي هي أحسن معناها حوار المخالفين.

وارجع إلى أساليب الأنبياء في القرآن كإبراهيم وموسى وغيرهما، عليهم السلام جميعًا. ومن ذلك أن عائشة لما قالت لليهود الذين قالوا لها وله عليه الصلاة والسلام: السام عليك، قالت: "بل عليكم السام واللعنة" فنهاها عليه الصلاة والسلام، وقال لها: "بل قولي: وعليكم، فإن الموت حق علينا وعليهم جميعًا".

ومن مظاهر الرحمة: الرفق بالحيوان، فهذه امرأة تدخل النار في هرة، وهذه بغيٌّ تدخل الجنة في كلب، وهذه عجوز يأمرها عليه الصلاة والسلام بأخذ متاعها من فوق بعير لعنته على أن تتركه، وقال: "إننا لا يصحبنا ملعون"، ونهى عن الوسم بالنار، وعن الوسم في الوجه، وقال لرجل يحد شفرته أمام أضحيته: "أتريد أن تميتها مرتين؟"، ونهى أن يُذبَح الحيوان لغير حاجة، وأن يُذبَح أمام أخيه، وشكا له جمل صاحبَه بأنه يحمل عليه ويُجيعه، وتوعد من فجع طيرًا في فراخه. والأمثلة لا تحصى.

ورحمة الإسلام في الحرب أوكد؛ لأن من شأن الناس أن يُثاروا في الحرب، فنهى عن قتل النساء والصبيان والشيوخ، والعابدين في محلات عبادتهم، وعن سائر غير المقاتلين أو من هم في حكم ذلك.

ويرى الدكتور القرضاوي أن الخلل في فقه الجهاد ينبع من:

- اعتماد المتشابهات بدل المحكمات.

- اعتماد الجزئيات بدل الكليات.

- اعتماد الظواهر بدل المقاصد.

- الخلط بين مستويات الجهاد. وليس القتال سوى فرع صغير عنه.

- اعتماد أحاديث ضعيفة متنًا وسندًا كـ "بُعثت بالسيف".

- شروط التغيير بالقوة عادة لا تراعَى، كوجود المنكر الحقيقي لا الوهمي، وغير المختلف فيه، وظهوره للعيان، وهل هو مقدور عليه، وهل يورث فتنة أشد أم لا.. إلخ.

إن الإسلام لا يقاتل لمجرد الكفر، بل يقاتل الظلم ولو صدر من مسلم. ولا يقاتل من أجل إكراه الناس على دين معين، ولو كان الإسلام وهو الحق المطلق، إنما يقاتل لطرد الفتنة التي هي أشد من القتل؛ إذ هي شلل للإرادة والعقل والفعل والاختيار والحرية.

والعلاقة بغير المسلمين أصلها البر والإحسان والقسط، وأهل الكتاب أولى بالبر والقسط، والنصارى أشد أولوية بذلك.

كما أنه لا يجب الخروج على الحكام مطلقًا دون قيد، بل يجب تقدير الصبر ووجوبه ما لم نر كفرًا بواحًا لنا فيه من الله برهان، ومَن يرى ذلك ومن يقدره؟ أو ما أقيمت الصلاة من طرفهم، على اختلاف أو تعدد في الروايات.


10- من الاختلاف والتشاحن إلى الائتلاف والتضامن

من أكبر الأدواء التي تنخر جسمنا الإسلامي داء الاختلاف والتشاحن المؤدي إلى ذهاب الريح وانفصام العقدة، وفي ذلك يقول المصطفى عليه الصلاة والسلام فيما يرويه البخاري عن ابن مسعود: "لا تختلفوا؛ فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا".

والقرآن حرص حرصًا شديدًا على الوحدة، وجعلها بعد التوحيد مباشرة، فيوسف عليه السلام - مثلاً - أهال التراب على ما حدث من إخوانه توحيدًا لجسم الأسرة، فلم يشر إلى فعلهم معه في حديثه إليهم، وإنما ركَّز على أن الله أخرجه من السجن، ولم يقل من الجُب. وكذلك فعل القرآن مع مسطح الذي تورط في حديث الإفك، وكان من قبل محل إنفاق وإحسان من أبي بكر رضي الله عنه، فلما بلغه ذلك هم بالانقطاع عنه، فجاءه قوله تعالى: "وَلاَ يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ...".

على أنه ليس المطلوب توحيد الأمة بأسرها على كلمة واحدة في كل صغيرة وكبيرة؛ فإن ذلك مغاير للسنن والفطرة، وإنما مطلوب التوحد حول الثوابت الكبرى والمصالح العليا التي أكد عليها الوحي وقدمها وقدسها وكبرها، ورتب عليها حدودًا وكفارات وقصاصًا وتبعات في الدنيا والآخرة، من مثل العقيدة والدين وقطعياته، وكرامة الإنسان وحريته وعزته، وعمارة الدنيا وقطع دابر كل فساد فيها، وما إلى ذلك مما هو معلوم في مظانه.

فالتوحد هو توحد تنوع وتكامل، وليس توحد الأصم الأعمى الذي لا يسمح بحرية التفكير أو سنة الاختلاف، والاختلاف الممقوت هو اختلاف التضاد والتهارش، فلا وحدة دون اختلاف، ولا اختلاف دون وحدة.

ومن ركائز فقه الاختلاف:

- اعتبار أن الاختلاف في فروع الفقه ضرورة، وكذلك هو رحمة وتوسعة على الأمة.

- اعتباره ثروة في التشريع والاجتهاد؛ لأن رفع الخلاف والحمل على رأي واحد غير ممكن وغير مُجْد.

- احتمال الصواب في الرأي المخالف، وإمكان تعدد الصواب في المسائل الجزئية.

- المجتهد المخطئ - ما دام من أهل الاجتهاد - معذور ومأجور، ولا إنكار في المسائل الاجتهادية.

- إنصاف المخالف، وذكر محاسنه، والعدل معه، ونقده بالحق.

- التعاون في المتفق عليه، وهو الأكثر نوعًا وكيفًا لا كمًّا، والتسامح أو الحوار في المختلف فيه.

- الأدب مع الكبراء والعلماء، واجتناب التكفير والتفسيق والتبديع والمراء والجدال السيئ واللدد.


الخلاصة
وفي النهاية نخلص من الكتاب إلى أن الصحوة حقيقة معنوية ومادية، ظاهرة وملموسة، وأن أكبر المطبات التي عادة ما تقع فيها فصائل الصحوة في كل زمان ومكان هي مطبات إهمال فقه الموازنات والأولويات؛ إذ سرعان ما يوظَّف الخلاف للهدم لا للبناء، وتُمحَى مساحات التلاقي، وإهمال معطيات الواقع في كل أو بعض وجوهه، واعتماد الاستعجال والتعسير والتنفير بحسن نية، واستسهال التقليد والمحاكاة عجزًا أو جهلاً، وإهمال المنهج القرآني، والتمسك برغم ذلك ببعض أدلة ذلك المنهج وتحكيم العاطفة الدينية الجياشة.

وأن الترشيد فريضة وضرورة، وليس معنى الترشيد "التلقين"، ولكن معناه إرساء قنوات الحوار مع الصحوة، أما الإهمال فموقف السلبيين أو المتحاملين. على أنه ليس هناك من يعالج الصحوة اليوم بالإهمال، فهي إمَّا مُرشَّدة بالحوار من قبل أصدقائها، وإما محارَبة ولو بخفاء وحيلة وذكاء ودهاء من قبل أعدائها.

لذلك فإن مستقبل الأمة مرهون بمستقبل صحوتها المعاصرة، والصحوة مرهونة بمدى الرشد الفكري داخلها في التعامل مع التراث الإنساني عامة والإسلامي خاصة، والصلح السياسي خارجها في التعامل مع الواقع المتحرك من حولها، وحسن التخطيط العملي بين تياراتها، وتكاملها في مختلف أطيافها، وحسن التعاطي مع كل الناس من حلفاء وأصدقاء وأعداء ومتحاملين، لضمان حد أدنى من التخصص العملي، وإنجاز المشروع الحضاري لاستئناف الحياة الإسلامية بأسرها على مراحل وخطوات، وبين فصائل وأوطان.

إذن، فالترشيد للصحوة عبر الحوار واجب لا يتم واجب الاهتمام بمستقبل الأمة إلا به.




**رئيس القسم الشرعي بموقع إسلام أون لاين. نت

قدوري رشيدة
2008-10-28, 19:30
المقــدمــــة
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى... (أمّا بعد )..
فقد كنت قدمت دراسة سابقة استغرقت مقالين في مجلة الأمة الغرّاء (عددي رمضان وشوال سنة 1401هـ ) تحت عنوان (صحوة الشباب الإسلامي ظاهرة صحية يجب ترشيدها لا مقاومتها )، وكان من فضل الله علي أن نوهت بإيجابيات هذه الصحوة المباركة، ونبهت على سلبياتها، مما أخذه عليها المراقبون والغيورون من الدعاة والمفكرين الإسلاميين، وبيّنت ما يجب أن يتبع مع هؤلاء الشباب، من الحوار العلمي، والتعاطف الأبوي، حتى تكون ثمرة هذه الصحوة للإسلام لا عليه.



ومما أحمد الله عليه أن وجدت هذه الدراسة صدىً واسعاً في العالم الإسلامي، حتى إن بعض المخلصين ترجمها إلى لغات أخرى، كما أن شباب الجامعات الإسلامية أنفسهم، وضعوها موضع الدراسة والاهتمام، على ما فيها من نقد لهم، أو لفئة منهم.

ومما ينبغي الإشادة به:



أن الجماعة الإسلامية بجامعة القاهرة حين أقامت معسكرها الإسلامي التاسع في إجازة الصيف المنصرم (1981م )، تبنت هذه الدراسة ، وطبعتها ووزعتها على المشتركين في المخيم، وعلى غيرهم من الشباب المهتم بأمر الإسلام، وهذا يدل على وعي محمود من هذا الشباب، ومناصرة لخط الاعتدال.


وقد حدث في بعض البلاد الإسلامية أحداث أدّت إلى الاصطدام بهذا الشباب، وانتهت إلى نتائج دموية، لا نخوض فيها، لأنها ذات طابع خاص ليس من منهج الأمة أن تنفخ في ناره، أو تسبح في تياره، فقد التزمت أن تعمل للبناء لا للهدم، وللجمع لا للتفريق، وأن تكون لأمة الإسلام جمعاء، لا لفريق دون فريق.



إنما الذي يهمنا هنا ما أثارته هذه الأحداث من جدل طويل، وحوار ساخن، حول ما سموه التطرف الديني شارك فيه من يحسنون ومن لا يحسنون، ممن لهم بالدين نسب، ومن ليس لهم بالدين صلة إلا صلة الجهل والغباء، أو الخصومة والعداء، أو السخرية والاستهزاء!



ومنذ أشهر طلبت إليّ مجلة العربي أن أسهم في الكتابة عن قضية التطرف الديني وكان المطلوب مني أن أكتب عن حقيقة التطرف وعلاماته.


ولما ظهر المقال في عدد المجلة الخاص ـ يناير 1982م - لا مني بعض الأصدقاء، لأني خضت مع الخائضين في هذا الأمر الذي تُستغل فيه كلمة الحق لتأييد الباطل، وإن لم يعترضوا على مضمون ما كتبت. وقد تشكك هؤلاء الأصدقاء وشككوا في البواعث والأهداف من وراء هذه الحملة التي شنت على التطرف الديني في الآونة الأخيرة، وتساءلوا:


هل المقصود منها مقاومة الغلو والتطرف في الدين حقًا، ورد الغلاة إلى منهج الاعتدال أم لها هدف آخر، مثل ضرب التحرك الإسلامي قبل أن يبلغ أشده ويهيمن على القاعدة الشعبية، ويصبح له دور سياسي بارز؟!


وهم يرون أن الاحتمال الثاني هو الراجح، بدليل أن السلطات لم تلق بالاً للشباب المتدين إلا بعد أن وقف في دور المعارضة للخط الذي تنتهجه الحكومة في كثير من القضايا الكبرى التي يرى فيها خروجاً عن أحكام الإسلام.


ومما يؤكد ذلك عندهم أن بعض الاتجاهات الدينية المتطرفة حقيقة لا دعوى، رحبت بها بعض السلطات وأجهزة الأمن في بعض البلاد، كأنما رأت أن تضرب بها حركات إسلامية أخرى، ثم تضربها هي بعد ذلك، حين ينتهي دورها.

ويقول هؤلاء الإخوة:


هل صحيح أن اصطدام السلطات بالجماعات الإسلامية، كان نتيجة لظهور التطرف الديني فيها؟!

ويجيبون:

لا.. فالسلطة في بلادنا الإسلامية تعتبر الحركة الإسلامية خصمها الأول، وعدوها اللدود، وقد تتحالف أو تتقارب مع اليمين أو اليسار، ولكنها لا تتحالف مع الحركة الإسلامية بحال، قد تهادنها مرحلياً، أو تحاول الصعود على أكتافها، أو ضرب خصومها العقائديين أو السياسيين بها، لتضربها بعد ذلك بهم، وتورطها في معركة لا ناقة لها فيها ولا جمل، ثم سرعان ما تقلب لها ظهر المجن، وتجد الآخرين أقرب إليها منها في الغاية والوسيلة، وصدق الله إذ يقول:


((وإنّ الظالمِين بعْضهم أوْلياءُ بعضٍ والله وليُّ المُتّقين )) [الجاثية:19 ].

ويعزز هؤلاء رأيهم بأن الجماعات الإسلامية في مصر كان يغلب عليها التطرف في سنوات نشأتها الأولى، ثم أخذت تنحو نحو الاعتدال والوسطية في سنواتها الأخيرة، بفضل كثير من المفكرين والدعاة المعتدلين، الذين كان لهم تأثيرهم في تفكير هؤلاء الشبيبة وسلوكهم، حتى أصبح الاعتدال هو السمة البارزة لأغلبهم، فكيف نفسر السكوت عنهم عند غلبة التطرف، وضربهم عندما اتجهوا إلى الاعتدال؟!



وهذه الاعتبارات التي ذكرها الإخوة لم تخف عليَّ، وهي التي جعلتني أبدأ مقالتي لمجلة العربي [تركت المجلة من مقالتي بعض فقرات لها دلالتها وأهميتها في نظري، وإن لم تغير من جوهر الموضوع الذي كتبت ]، بهذه السطور:



برغم اقتناعي بنبل الهدف الذي دفع مجلة العربي لفتح باب الحوار حول ما سمي التطرف الديني وبرغم إيماني بأهمية الموضوع وخطورته في واقعنا المعاصر، لا أخفي على القارئ أنني ترددت أول الأمر في الكتابة فيه، في هذا الوقت خاصة، خشية أن يساء تفسيرها، أو تستغل في غير ما أريد، وما أرادت المجلة نفسها.


وشيء آخر، هو أن التطرف الديني اليوم في قفص الاتهام، والألسنة والأقلام تصوب سهامها إليه من كل جانب، ولا أحب لنفسي أن أكون مع الطرف القوي ضد الطرف الضعيف. والسلطة دائماً هي الطرف القوي، وخصمها المتهم من الأفراد والجماعات هو الضعيف، وحسبه من الضعف أنه لا يملك الدفاع عن نفسه، وكيف يدافع عن نفسه من لا يملك صفحة ولا عموداً في جريدة، ولا موجة في محطة إذاعة ، ولا قناة في تلفاز، حتى منبر المسجد لا يستطيع أن يعتليه دفاعاً عن نفسه!


وزاد من ترددي في البداية، أن العاملين للإسلام منذ عقود من السنين تصب عليهم التهم صباً من قبل خصومهم، فطالما وصفوا بـ الرجعية ودمغوا بـ التعصب ورموا بـ الإرهاب بل اتهموا بـ العمالة مع أن أي مراقب أو دارس يرى ويلمس: أن الشرق والغرب، واليمين واليسار، يعاديهم ويتربص بهم.



ولكني بعد تأمل وتفكر، وجدت القضية تهم العالم الإسلامي كله، ولا تخص بلداً بعينه، ورأيت السكوت ليس حلاً ، ووجدت رفض الدعوة الموجهة إليَّ، لا يسعه ديني، وهو يشبه الفرار من المعركة، لذا فضلت الكتابة، متوكلاً على الله وإنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى .



أضف إلى ذلك، أن أقلاماً كثيرة: جاهلة أو حاقدة أو مأجورة، خاضت في الموضوع بغير علم ولا هدى، ولا كتاب منير، فكان على أقلام أهل العلم بالإسلام، أن تبين ولا تكتم، فتأتي البيت من بابه، وتضع الحق في نصابه.



ومما قوى عزمي على الكتابة في الموضوع، أن اهتمامي به ليس ابن اليوم، ولا وليد الأمس، فقد عنيت به من زمن بعيد، ونشرت منذ سنوات، في مجلة المسلم المعاصر عن ظاهرة الغلو في التكفير الذي صدر في رسالة مستقلة فيما بعد، كما نشرت في مجلة الأمة القطرية منذ أشهر دراستي (التي أشرت إليها آنفاً ) عن صحوة الشباب الإسلامي .



فضلاً عن أحاديث طويلة مع كثير من هذا الشباب، خلال السنوات الماضية في مخيماتهم وحلقاتهم، تدور كلها حول محور أساسي، هو الدعوة إلى الاعتدال، والحذر من التطرف ...



غير أن ما كتبته في العربي كان محكوماً بالنقطة التي طلبت مني، وبالمساحة التي تُعطى لمقالة مهما طالت.

لهذا كان لا بد أن أعود إلى الموضوع ظاهرة التطرف الديني لاستكمال دراستها من جوانبها المتعددة: حقيقتها وأسبابها وعلاجها، دراسة علمية موضوعية، من منطلق إسلامي أصيل، لا يخرجه الغضب عن الحق، ولا يدخله الرضى في باطل.



ولا يمنعني من ذلك دخول أصحاب الأهواء في الساحة، ولا استغلال المستغلين لما يكتب أو يقال، فإن الحق أحق أن يقال، وأحق أن يتبع، وفي الحديث: يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين .

فهذه مسؤولية أهل العلم: أن يبينوا ولا يكتموا، حتى لا يلعنهم الله ولا يلعنهم اللاعنون.. وبقيت مسؤولية غيرهم من الأطراف الأخرى ذات الصلة بالقضية، فالواقع أن المسؤولين عنها متعددون.


وليس من العدل ولا من الأمانة، أن نُحمِّل الشباب وحدهم مسؤولية ما تورطوا فيه، أو تورط فيه بعضهم من غلو في الفكر، أو تطرف في السلوك.


فمما لا ريب فيه أن كثيرين يحملون معهم ـ بل قبلهم ـ المسؤولية، وإن حاولوا أن يتبرأوا منها. يحملها معهم الآباء المربون، والعلماء والموجهون، والقادة الحاكمون، الذين ينتمون إلى الإسلام بالاسم والعنوان، وإن لم يعطوه حقه من الانقياد والإذعان، فعاش الإسلام بهم غريباً في دياره، وعاش دعاة الإسلام في أوطانهم غرباء.


العجيب أننا ننكر على الشباب التطرف، ولا ننكر على أنفسنا التسيُّب، ننكر على الشباب الإفراط، ولا ننكر على أنفسنا التفريط..

إننا نطالب الشباب بالاعتدال والحكمة، والعدول عن التطرف والتشدد، ولا نطالب الشيوخ والكبار أن يطهروا أنفسهم من النفاق، وألسنتهم من الكذب، وحياتهم من الغش، وأعمالهم من التناقض.



إننا نطالب الشباب بكل شيء، أداء لواجباتهم، ورعاية لحقوق غيرهم، ولكننا في الوقت نفسه لا نطالب أنفسنا بشيء، كأنما لنا كل الحقوق، وعلى الشباب كل الواجبات ، مع أننا نقرر في مناسبات كثيرة: أن كل حق يقابله واجب.



يجب أن نكون شجعانا ونعترف بأن كثيراً من تصرفاتنا هي التي دفعت هذا الشباب دفعاً إلى ما نسميه التطرف ، فنحن ندعي الإسلام ولا نعمل به، ونقرأ القرآن ولا نطبق أحكامه، ونزعم حب الرسول صلى الله عليه وسلم ولا نتبع سنته، ونسجل في دساتيرنا أن دين الدولة هو الإسلام، ولكننا لا نعطيه حقه في الحكم والتشريع والتوجيه.

لقد ضاق الشباب ذرعاً بنفاقنا وتناقضنا، فمضى وحده في الطريق إلى الإسلام دون عون منا، فقد وجد الآباء له مثبطين، والعلماء عنه مشغولين، والحكام له مناوئين، والموجهين به ساخرين.



ولذا كان علينا أن نبدأ بإصلاح أنفسنا ومجتمعاتنا وفق ما أمر الله، قبل أن نطالب شبابنا بالهدوء، والتزام الحكمة والسكينة والاعتدال. ولا أنسى هنا أن أشير إلى نقطة يركز عليها بعض المسؤولين، وبعض الكاتبين، وهي: واجب المؤسسات الدينية الرسمية ودورها في علاج ظاهرة الغلو، وترشيد الصحوة الشبابية الإسلامية، ويكاد بعضهم يحملها مسؤولية ما حدث ويحدث من تطرفات أو انحرافات.



والحق أقول: إن المؤسسات الدينية الرسمية على أهميتها وعراقتها وسعة قواعدها، لم تعد قادرة على القيام بهذه المهمة المنشودة منها، ما لم ترفع السلطات السياسية أيديها عنها، وعن اتخاذها أداة لتأييد خطواتها، ولساناً للثناء على مواقفها، وعن تقريب رجالها وإبعادهم، تبعاً لموافقتهم على هذا النوع من السلوك أو رفضه.



إن المؤسسات الدينية الكبرى في عالمنا الإسلامي تستطيع أن تسهم بدور إيجابي في توعية الشباب، وتثقيفهم ثقافة نقية من الشوائب والفضول، إذا ترك أمرها لأهلها، ولم يدرها رجال السياسة في فلكهم، تشرق معهم حيث يشرقون ، وتغرب حيث يغربون، وإلاّ فرغت من خيرة أبنائها، وصفوة علمائها، وبهذا تبقى هيكلاً ضخماً بلا روح ولا حياة.



ومما لا ريب فيه أن لا قيمة لأي كلام يقال ما لم يثق الشباب بقائله، فإذا فقدت الثقة، فهو ليس إلا صيحة في واد، ونفخة في رماد.

والواقع اليوم أن جلّ الشباب قد فقد الثقة بهذه المؤسسات، ومن وضع على رأسها من الرجال، لأسباب وملابسات جعلتهم يعتقدون أنها لم تعد تعبر عن كلمة الشرع خالصة مصفاة، بل عن وجهة نظر الحكومة القائمة، فإذا تغيرت غيرت.

وليت هذه المؤسسات تعكف على إصلاح نفسها من الداخل، وترفض الانغماس في دوامة السياسة المحلية المتقلبة، وتجعل أكبر همها تخريج الأجيال من العلماء الفاقهين لدينهم، البصيرين بعصرهم، من ((الذين يُبلِّغون رِسالاتِ الله ويخشونه ولا يخْشون أحداً إلاّ الله )) [الأحزاب:39 ].



إن هذا النوع البصير من علماء الدين، الذين يجمعون بين البصيرة والتقوى، هو الذي تحتاج إليه مجتمعاتنا اليوم، وهو القادر على أن يقوم بمهمته في ترشيد الصحوة الإسلامية.



وأمر آخر هو: أن الذي يعيش مجرد متفرج على الصحوة الإسلامية، أو مجرد ناقد لها، وهو بعيد عنها، وعن معاناتها، والإحساس بآلامها وآمالها، لا يستطيع أن يقوم بدور إيجابي سليم في تسديدها وترشيدها، وقديماً قال الشاعر:

لا يعرف الشوق إلاّ من يكابده *** ولا الصبابة إلاّ من يعانيها



فمن لم يعش للإسلام ودعوته، ولم يهتم لقضايا أمته، ولم تشغله همومها ومآسيها، في الشرق والغرب، والشمال والجنوب، وعاش حياته لنفسه ومصالحه الشخصية والأسرية، فليس أهلاً لأن يقول لمن يعيشون للإسلام وبه: أخطأتم فصوِّبوا خطأكم. ولو قال ذلك لم يجد من يسمع له.



نصيحتي لكل من يتصدى لنصح الشباب أن ينزل من برجه العاجي، أو يخرج من صومعته الفكرية ليعايشهم، ويعرف ما يحيون فيه من آمال كبيرة، وعواطف حارة، وعزائم صادقة، وبواعث خيرة، وأعمال صالحة، ليعرف ما لهم من إيجابيات بجوار ما لهم من سلبيات، حتى إذا نصح... نصح على بصيرة، وإذا حكم لهم أو عليهم، حكم علي بينة.

عصمنا الله من الغلو والتفريط، وهدانا صراطه المستقيم...



د. يوسف القرضاوي

علي النموشي
2008-10-28, 20:24
ربنا يوفقك الى ما فيه الخير .

قدوري رشيدة
2008-10-28, 20:35
ربنا يوفقك الى ما فيه الخير .


قال تعالى:"كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون"

اللهم آمين

قدوري رشيدة
2008-10-28, 20:41
أين ما قدمته الصحوة ؟؟؟

ومن الناس من يتجاهل كل ما ذكرناه، ويقول: أين ما قدمته الصحوة الإسلامية، من إنجازات، في مختلف جوانب الحياة؟ وما لنا لم نرها حلت مشكلاتنا، وعالجت أدواءنا وهمومنا؟

وهذا السؤال خطأ من عدة أوجه:

الأول: أن الصحوة إنما هي بداية حركة وانطلاق، وباكورة انبعاث ونهوض، فالإنسان حينما يصحو ويفيق يبدأ في العمل، ويشرع في السعي إلى ما يريد.

فليس من المنطلق أن يطلب من الصحوة أكثر مما يطلب من المستيقظ في أول النهار، أو من الشاب حينما يصعد أول درجات السلم الوظيفي.

الثاني: أن الصحوة ليست شيئا منفصلا عنا، مهمتنا أن نقف متفرجين عليه، ونطالبه بأن يحقق لنا الآمال، ويقرب لنا البعيد، ولم نفعل نحن شيئا! إنما الصحوة منا وبنا ولنا، ولا قيام لها إلا أن نكون معها، بل نكون لها.

الثالث: أن الصحوة لا تستطيع أن تنجز ما نريده منها، وما تريده هي من نفسها، إذا وضعت في قفص الاتهام، ووضعت ـ كما نرى اليوم في كثير من الأقطار ـ العراقيل في طريقها، وقذف أبناؤها بالحجارة والحصى من يمين وشمال، واتهمت بما هي منه براء، أو عوقبت بذنب غيرها، أو ضخم الخطأ يقع من بعض الأفراد المنتسبين إليها، لقد رأينا في بعض الأقطار السماح لكل التيارات ـ حتى الوافدة الملحدة ـ أن تعبر عن نفسها عبر صحف وقنوات ومؤسسات سياسية، إلا التيار الإسلامي، فهو ـ وحده ـ المصادر حقه، المكمم فوه، المحظور تحركه.

الرابع: أن الصحوة حركة عقل وقلب وإرادة، وقد بدأت هذه الحركة في الظهور والنمو والصعود، وإني واثق بإذن الله أنها سيكون لها ما بعدها، وفق السنن الكونية والاجتماعية، وأنها جديرة أن تتعلم من التجارب، وتستفيد من دروس الزمن وأخطاء الآخرين، لتصلح من مسارها وتنتقل من المراهقة إلى الرشد.

وصدق الشاعر الذي قال:

إن الهلال إذا رأيت نموه ***أيقنت أن سيصير بدرا كاملا!


ومن الكتاب المعاصرين من ينكر أن تكون هناك "صحوة إسلامية" لأن الإسلام لم ينم ولم يغب عن الوعي، حتى يصحو، فالإسلام كان ولم يزل بخير!

وآخر من قرأت لهم مثل هذا التحليل د. محمد الرميحي ـ رئيس تحرير مجلة العربي ـ.

وهؤلاء يشكرون على اعتبارهم الإسلام خيرا، وأنه كان ولم يزل قويا قائما.

ولكن من تجاهل التاريخ والواقع أن نجحد أن المسلمين في العصور المملوكية والعثمانية الأخيرة، كانوا قد جمدوا وتخلفوا، وباتت حياتهم كالماء الآسن، لا اجتهاد في الفقه، ولا إبداع في الأدب، ولا ابتكار في العلم، ولا اختراع في الصناعة، حتى غدا شعارهم: ما ترك الأول للآخر شيئا، وليس في الإمكان أبدع مما كان!!

كما لا يستطيع دارس منصف أن يجحد ما صنعه الاستعمار ـ منذ دخل ديارنا وتمكن منا ـ في العقول والأنفس وشتى شئون الحياة.

إن الغزو الثقافي والأخلاقي والاجتماعي أثر في حياتنا تأثيرا عميقا، حتى مزق شخصيتنا من الداخل، وجعلنا ـ إلا من رحم ربك ـ نعيش غرباء عن أنفسنا، غرباء ونحن في أوطاننا، ومع أهلينا وذوينا. إنها غربة النفس والفكر والروح، وليست كالغربة التي ذكرها المتنبي قديما: غربة الوجه واليد واللسان!

ومن المعاصرين من ينكر أن ثمة صحوة، لأنه لا يرى في كل ما جاءت به الصحوة إلا الجلابيب القصيرة، واللحى الطويلة، والخشونة في الدعوة، والجلافة في السلوك.

وهذا لعمري ظلم، أن تصور الصحوة بهذه الصورة، فهذه الصحوة قد نفع الله بها كثيرا من أبناء الجيل، فاهتدوا بعد ضلال الفكر، واستقاموا بعد انحراف السلوك، واستيقظوا بعد غفلة القلب، واهتموا بقضايا أمتهم الكبرى بعد أن كان اهتمامهم بتوافه الأمور.

عرفوا القرآن تلاوة وفهما، وعرفوا الحديث لفظا ودرسا، وعرفوا السيرة النبوية هديا ونورا، وعرفوا الشريعة مرجعا ومنهاجا، وتحرروا من التبعية الفكرية والنفسية للغرب والشرق، ولم يعد اعتزازهم إلا بالإسلام، ولا همهم إلا تحكيم شريعته، وتوحيد أمته، وتحرير أرضه، ترى منهم الصائمين والقائمين والركع السجود.

أين من هؤلاء آخرون يعيشون غافلين، لا يعرفون لهم هدفا ولا رسالة، أمواتا غير أحياء؟!

وآخرون لا هدف لهم إلا هم بطونهم، وشهوات فروجهم، أضاعوا الصلوات، واتبعوا الشهوات، وباعوا أنفسهم بثمن بخس، نشوة سكر، أو غيبة خدر، أو فورة جنس، أو سهرة مجون؟!

إن من الظلم للحقائق أن نغفل كل ما يقوم به جيل الصحوة من علم وعمل، وبذل وعطاء، ولا نذكر إلا جلابيب الرجال، ونقب النساء!

على أن هذه ـ لو أنصفنا ـ إنما هي رمز للتحدي الحضاري، ودليل على التميز الثقافي، وعنوان على تماسك الشخصية في مقابل أولئك الذين أذابوا أنفسهم في حضارة الغرب.

ودعوني أقل بصراحة: إن لدى كثير من العصريين منا ما يشبه (الحساسية المرضية) ضد بعض الأشكال والأزياء التي يتخذها طائفة من أبناء الصحوة على اعتبار أنها آداب أو سنن أو حتى واجبات.

ومثل هذه الأشياء في المجتمعات الغربية تمر دون ضجيج ولا إنكار، فكثير من شبابهم يطلقون لحاهم، وكثيرون يطيلون شعورهم، وآخرون يحلقون بعض اللحية من أسفل، ويعفونها على الجانبين، ولا يثير هذا عليهم عجاجا، ولا لجاجا. على حين نجد إعفاء اللحية، وتقصير الثوب، عندنا يثير من القيل والقال، ما يجعل منه باستمرار موضوعا دائم الاشتعال.

ومثل ذلك يقال في أزياء النساء، فما الذي يقلق إخواننا العصريين أن تلتزم الفتاة المسلمة بالحجاب، أو حتى بلبس النقاب؟!

لماذا لا يدخلون هذا في باب (الحرية الشخصية) كما يصنعون ذلك مع التي تلبس القصير الفاضح، ولا يمسها أحد ببنت شفة؟!

يوسف القرضاوي

عامر1988
2008-10-29, 10:38
بارك الله فيك أختنا

وإلى الأمام مع الإبداع والتميز

ليتيم الشافعي
2008-10-29, 16:20
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
منهج أهل السنة والجماعة في الرد على أهل البدع مبني على الكتاب والسنة، وهو المنهج المقنع المفحم؛ حيث يوردون شبه المبتدعة وينقضونها، ويستدلون بالكتاب والسنة على وجوب التمسك بالسنن والنهي عن البدع والمحدثات‏.‏
وقد ألفوا المؤلفات الكثيرة في ذلك، وردوا في كتب العقائد على الشيعة والخوارج والجهمية والمعتزلة والأشاعرة في مقالاتهم المبتدعة في أصول الإيمان والعقيدة، وألفوا كتبا خاصة في ذلك؛ كما ألف الإمام أحمد كتاب ‏"‏الرد على الجهمية‏"‏، وألف غيره من الأئمة في ذلك؛ كعثمان بن سعيد الدارمي، وكما في كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم والشيخ محمد بن عبد الوهاب وغيرهم من الرد على تلك الفرق وعلى القبورية والصوفية‏.‏
وأما الكتب الخاصة في الرد على أهل البدع؛ فهي كثيرة، منها على سبيل المثال من الكتب القديمة‏:‏
1‏.‏ كتاب ‏"‏الاعتصام‏"‏للإمام الشاطبي‏.‏
2‏.‏ كتاب ‏"‏اقتضاء الصراط المستقيم‏"‏لشيخ الإسلام ابن تيمية؛ فقد استغرق الرد على المبتدعة جزءا كبيرا منه‏.‏
3‏.‏ كتاب ‏"‏إنكار الحوادث والبدع‏"‏لابن وضاح‏.‏
4‏.‏ كتاب ‏"‏الحوادث والبدع‏"‏للطرطوشي‏.‏
5‏.‏ كتاب ‏"‏الباعث على إنكار البدع والحوادث‏"‏لأبي شامة‏.‏
ومن الكتب العصرية‏:‏
1‏.‏ كتاب ‏"‏الإبداع في مضار الابتداع‏"‏للشيخ علي محفوظ‏.‏
2‏.‏ كتاب ‏"‏السنن والمبتدعات المتعلقة بالأذكار والصلوات‏"‏للشيخ محمد بن أحمد الشقيري الحوامدي‏.‏
3‏.‏ رسالة ‏"‏التحذير من البدع‏"‏للشيخ عبد العزيز بن باز‏.‏
ولا يزال علماء المسلمين -والحمد لله- ينكرون البدع، ويردون على المبتدعة، من خلال الصحف والمجلات والإذاعات وخطب الجمع والندوات والمحاضرات، مما له كبير الأثر في توعية المسلمين، والقضاء على البدع، وقمع المبتدعين‏.‏

قدوري رشيدة
2008-10-31, 21:06
دعوة الإسلام إلى الوسطية وتحذيره من التطرف

والإسلام منهج وسط في كل شيء: في التصور والاعتقاد، والتعبد والتنسك، والأخلاق والسلوك، والمعاملة والتشريع.

وهذا المنهج هو الذي سماه الله الصراط المستقيم وهو منهج متميز عن طرق أصحاب الديانات والفلسفات الأخرى من المغضوب عليهم ومن الضالين الذين لا تخلو مناهجهم من غلو أو تفريط.



و الوسطية إحدى الخصائص العامة للإسلام، وهي إحدى المعالم الأساسية التي ميز الله بها أمته عن غيرها ((كذلِك جعلناكم أمّةً وسطاً لِتكونوا شُهداء على الناس )) [البقرة:143 ]، فهي أمة العدل والاعتدال، التي تشهد في الدنيا والآخرة على كل انحراف يميناً أو شمالاً عن خط الوسط المستقيم.



النصوص الشرعية تعبر عن التطرف بـ الغلو

والنصوص الإسلامية تدعو إلى الاعتدال، وتحذر من التطرف، الذي يعبر عنه في لسان الشرع بعدة ألفاظ منها: الغلو والتنطع و التشديد .

والواقع أن الذي ينظر في هذه النصوص يتبين بوضوح أن الإسلام ينفر أشد النفور من هذا الغلو، ويحذر منه أشد التحذير.

وحسبنا أن نقرأ هذه الأحاديث الكريمة، لنعلم إلى أي حد ينهى الإسلام عن الغلو، ويخوف من مغبته.



1- روى الإمام أحمد في مسنده والنسائي وابن ماجه في سننهما، والحاكم في مستدركه عن ابن عبّاس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إيّاكم والغلو في الدين، فإنما هلك من قبلكم بالغلو في الدين قال شاكر: إسناده صحيح، ونقل المناوي في الفيض: 3/126 عن ابن تيمية قوله: هذا إسناد صحيح على شرط مسلم .



والمراد بمن قبلنا: أهل الأديان السابقة، وخاصة أهل الكتاب، وعلى الأخص: النصارى، وقد خاطبهم القرآن بقوله: ((قل يا أهْل الكتابِ لا تغْلوا في دينكم غيْر الحقِّ ولا تتَّبِعوا أهواء قومٍ قدْ ضلُّوا مِنْ قبل وأضّلُّوا كثيراً وضلُّوا عن سواءٍ السّبيل )) [المائدة:77 ]، فنهانا أن نغلو كما غلوا، والسعيد من اتعظ بغيره.



وسبب ورود الحديث ينبهنا إلى أمر مهم، وهو أن الغلو قد يبدأ بشيء صغير، ثم تتسع دائرته، ويتطاير شرره، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم حين وصل المزدلفة في حجة الوداع قال: لابن عباس: هلمّ القط لي ـ أي حصيات ليرمي بها في منى ـ قال: فلقطت له حصيات من حصى الخذف - يعني حصى صغاراً مما يخذف به - فلما وضعهن في يده، قال: نعم بأمثال هؤلاء، وإيّاكم والغلو في الدين... الحديث يعني: لا ينبغي أن يتنطعوا فيقولوا: الرمي بكبار الحصى أبلغ من الصغار، فيدخل عليهم الغلو شيئاً فشيئاً، فلهذا حذرهم.



وقال الإمام ابن تيمية: قوله إيَّاكم والغلو في الدين عام في جميع أنواع الغلو في الاعتقادات والأعمال، والغلو: مجاوزة الحد... والنصارى أكثر غلوًا في الاعتقاد والعمل من سائر الطوائف، وإياهم نهى الله عن الغلو في القرآن، بقوله تعالى: ((لا تغْلوا في دينِكُم ْ)) [النساء:171 ].



2 - وروى مسلم في صحيحه عن ابن مسعود قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هلك المتنطعون قالها ثلاثاً. (رواه مسلم، ونسبه السيوطي إلى أحمد وأبي داود أيضا ً).

قال الإمام النووي: أي المتعمقون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم.

ونلاحظ أن هذا الحديث والذي قبله جعلا عاقبة الغلو والتنطع هي الهلاك، وهو يشمل هلاك الدين والدنيا، وأي خسارة أشد من الهلاك، وكفى بهذا زجراً.



3 - وروى أبو يعلى في مسنده عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: لا تشددوا على أنفسكم، فيشدّد عليكم، فإن قوماً شددوا على أنفسهم، فشُدد عليهم، فتلك بقاياهم في الصوامع والديارات: رهْبانِيّةً ابتدعُوها ما كتَبْناها عليهِمْ .[ذكره ابن كثير تفسير سورة الحديد ].

ومن أجل ذلك قاوم النبي صلى الله عليه وسلم كل اتجاه ينزع إلى الغلو في التدين، وأنكر على من بالغ من أصحابه في التعبد والتقشف، مبالغة تخرجه عن حد الاعتدال الذي جاء به الإسلام، ووازن به بين الروحية والمادية، ووفق بفضله بين الدين والدنيا، وبين حظ النفس من الحياة وحق الرب في العبادة، التي خلق لها الإنسان.



فقد شرع الإسلام من العبادات ما يزكي نفس الفرد، ويرقى به روحياً ومادياً، وما ينهض بالجماعة كلها، ويقيمها على أساس من الأخوة والتكافل، دون أن يعطل مهمة الإنسان في عمارة الأرض، فالصلاة والزكاة والصيام والحج، عبادات فردية واجتماعية في نفس الوقت، فهي لا تعزل المسلم عن الحياة ولا عن المجتمع، بل تزيده ارتباطاً به، شعورياً وعملياً، ومن هنا لم يشرع الإسلام الرهبانية التي تفرض على الإنسان العزلة عن الحياة وطيباتها، والعمل لتنميتها وترقيتها، بل يعتبر الأرض كلها محراباً كبيراً للمؤمن، ويعتبر العمل فيها عبادة وجهاداً، إذا صحت فيه النية، والتزمت حدود الله تعالى.



ولا يقر ما دعت إليه الديانات والفلسفات الأخرى من إهمال الحياة المادية لأجل الحياة الروحية، ومن حرمان البدن وتعذيبه حتى تصفو الروح وترقى، ومن إهدار شأن الدنيا من أجل الآخرة، فقد جاء بالتوازن في هذا كله ((ربَّنا آتِنا في الدُّنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً )) [البقرة:201 ]. اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي [رواه مسلم في صحيحه ] إنّ لبدنك عليك حقًّا [متفق عليهٍ ].



لقد أنكر القرآن، بل شدد النكير، على أصحاب هذه النزعة في تحريم الطيبات والزينة التي أخرج الله لعباده، فقال تعالى في القرآن المكي: ((يا بني آدم خُذوا زينتكم عِند كلِّ مسجدٍ وكُلوا واشربوا ولا تُسرفوا إنّه لا يُحبُّ المُسرفين. قُل مَنْ حرّم زينة اللهِ التي أخرج لِعبادهِ والطّيِّبات من الرِّزْق ِ)) [الأعراف:31 ].



وفي القرآن المدني يخاطب الجماعة المؤمنة بقوله: (( يا أيُّها الذين آمنوا لا تُحرِّموا طيِّباتِ ما أحلّ الله لكم ولا تعتدوا إنّ الله لا يُحبُّ المعتدين وكلوا ممَّا رزقكم الله حلالاً طيِّباً واتّقوا الله الذي أنتم به مؤمنون )) [المائدة:87،88 ].



وهاتان الآيتان الكريمتان تبينان للجماعة المؤمنة حقيقة منهج الإسلام في التمتع بالطيبات، ومقاومة الغلو الذي وجد في بعض الأديان، فقد روي في سبب النزول أن رهطاً من الصحابة قالوا: نقطع مذاكيرنا، ونترك شهوات الدنيا، ونسيح في الأرض كالرهبان! وروى أن رجالاً أرادوا أن يتبتلوا أو يخصوا أنفسهم ويلبسوا المسوح (ملابس الرهبان ) فنزلت..

وجاء عن ابن عبّاس: أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: يا رسول الله إنّي إذا أكلت من هذا اللحم انتشرت للنساء، وإني حرمت عليّ اللحم. فنزلت: ((يا أيُّها الذين آمنوا لا تُحرِّموا )) [ذكر هذه الروايات ابن كثير في تفسيره ].



وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: أن ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر، فكأنهم تقالُّوها (أي عدّوها قليلة ) فقال بعضهم: لا آكل اللحم.. وقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا أنام على فراش، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: ما بال أقوام يقول أحدهم كذا وكذا، لكني أصوم وأفطر، وأنام وأقوم، وآكل اللحم، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سُنتي فليس مِني .



وسنته ـ عليه الصلاة والسلام ـ تعني منهجه في فهم الدين وتطبيقه، وكيف يعامل ربه عز وجل، ويعامل نفسه وأهله والناس من حوله - معطياً كل ذي حقٍ حقَّه، في توازن واعتدال.



والإسلام منهج وسط في كل شيء: في التصور والاعتقاد، والتعبد والتنسك، والأخلاق والسلوك، والمعاملة والتشريع.

وهذا المنهج هو الذي سماه الله الصراط المستقيم وهو منهج متميز عن طرق أصحاب الديانات والفلسفات الأخرى من المغضوب عليهم ومن الضالين الذين لا تخلو مناهجهم من غلو أو تفريط.



و الوسطية إحدى الخصائص العامة للإسلام، وهي إحدى المعالم الأساسية التي ميز الله بها أمته عن غيرها ((كذلِك جعلناكم أمّةً وسطاً لِتكونوا شُهداء على الناس )) [البقرة:143 ]، فهي أمة العدل والاعتدال، التي تشهد في الدنيا والآخرة على كل انحراف يميناً أو شمالاً عن خط الوسط المستقيم.



النصوص الشرعية تعبر عن التطرف بـ الغلو

والنصوص الإسلامية تدعو إلى الاعتدال، وتحذر من التطرف، الذي يعبر عنه في لسان الشرع بعدة ألفاظ منها: الغلو والتنطع و التشديد .

والواقع أن الذي ينظر في هذه النصوص يتبين بوضوح أن الإسلام ينفر أشد النفور من هذا الغلو، ويحذر منه أشد التحذير.

وحسبنا أن نقرأ هذه الأحاديث الكريمة، لنعلم إلى أي حد ينهى الإسلام عن الغلو، ويخوف من مغبته.



1- روى الإمام أحمد في مسنده والنسائي وابن ماجه في سننهما، والحاكم في مستدركه عن ابن عبّاس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إيّاكم والغلو في الدين، فإنما هلك من قبلكم بالغلو في الدين قال شاكر: إسناده صحيح، ونقل المناوي في الفيض: 3/126 عن ابن تيمية قوله: هذا إسناد صحيح على شرط مسلم .



والمراد بمن قبلنا: أهل الأديان السابقة، وخاصة أهل الكتاب، وعلى الأخص: النصارى، وقد خاطبهم القرآن بقوله: ((قل يا أهْل الكتابِ لا تغْلوا في دينكم غيْر الحقِّ ولا تتَّبِعوا أهواء قومٍ قدْ ضلُّوا مِنْ قبل وأضّلُّوا كثيراً وضلُّوا عن سواءٍ السّبيل )) [المائدة:77 ]، فنهانا أن نغلو كما غلوا، والسعيد من اتعظ بغيره.



وسبب ورود الحديث ينبهنا إلى أمر مهم، وهو أن الغلو قد يبدأ بشيء صغير، ثم تتسع دائرته، ويتطاير شرره، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم حين وصل المزدلفة في حجة الوداع قال: لابن عباس: هلمّ القط لي ـ أي حصيات ليرمي بها في منى ـ قال: فلقطت له حصيات من حصى الخذف - يعني حصى صغاراً مما يخذف به - فلما وضعهن في يده، قال: نعم بأمثال هؤلاء، وإيّاكم والغلو في الدين... الحديث يعني: لا ينبغي أن يتنطعوا فيقولوا: الرمي بكبار الحصى أبلغ من الصغار، فيدخل عليهم الغلو شيئاً فشيئاً، فلهذا حذرهم.



وقال الإمام ابن تيمية: قوله إيَّاكم والغلو في الدين عام في جميع أنواع الغلو في الاعتقادات والأعمال، والغلو: مجاوزة الحد... والنصارى أكثر غلوًا في الاعتقاد والعمل من سائر الطوائف، وإياهم نهى الله عن الغلو في القرآن، بقوله تعالى: ((لا تغْلوا في دينِكُم ْ)) [النساء:171 ].



2 - وروى مسلم في صحيحه عن ابن مسعود قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هلك المتنطعون قالها ثلاثاً. (رواه مسلم، ونسبه السيوطي إلى أحمد وأبي داود أيضا ً).

قال الإمام النووي: أي المتعمقون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم.

ونلاحظ أن هذا الحديث والذي قبله جعلا عاقبة الغلو والتنطع هي الهلاك، وهو يشمل هلاك الدين والدنيا، وأي خسارة أشد من الهلاك، وكفى بهذا زجراً.



3 - وروى أبو يعلى في مسنده عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: لا تشددوا على أنفسكم، فيشدّد عليكم، فإن قوماً شددوا على أنفسهم، فشُدد عليهم، فتلك بقاياهم في الصوامع والديارات: رهْبانِيّةً ابتدعُوها ما كتَبْناها عليهِمْ .[ذكره ابن كثير تفسير سورة الحديد ].

ومن أجل ذلك قاوم النبي صلى الله عليه وسلم كل اتجاه ينزع إلى الغلو في التدين، وأنكر على من بالغ من أصحابه في التعبد والتقشف، مبالغة تخرجه عن حد الاعتدال الذي جاء به الإسلام، ووازن به بين الروحية والمادية، ووفق بفضله بين الدين والدنيا، وبين حظ النفس من الحياة وحق الرب في العبادة، التي خلق لها الإنسان.



فقد شرع الإسلام من العبادات ما يزكي نفس الفرد، ويرقى به روحياً ومادياً، وما ينهض بالجماعة كلها، ويقيمها على أساس من الأخوة والتكافل، دون أن يعطل مهمة الإنسان في عمارة الأرض، فالصلاة والزكاة والصيام والحج، عبادات فردية واجتماعية في نفس الوقت، فهي لا تعزل المسلم عن الحياة ولا عن المجتمع، بل تزيده ارتباطاً به، شعورياً وعملياً، ومن هنا لم يشرع الإسلام الرهبانية التي تفرض على الإنسان العزلة عن الحياة وطيباتها، والعمل لتنميتها وترقيتها، بل يعتبر الأرض كلها محراباً كبيراً للمؤمن، ويعتبر العمل فيها عبادة وجهاداً، إذا صحت فيه النية، والتزمت حدود الله تعالى.



ولا يقر ما دعت إليه الديانات والفلسفات الأخرى من إهمال الحياة المادية لأجل الحياة الروحية، ومن حرمان البدن وتعذيبه حتى تصفو الروح وترقى، ومن إهدار شأن الدنيا من أجل الآخرة، فقد جاء بالتوازن في هذا كله ((ربَّنا آتِنا في الدُّنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً )) [البقرة:201 ]. اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي [رواه مسلم في صحيحه ] إنّ لبدنك عليك حقًّا [متفق عليهٍ ].



لقد أنكر القرآن، بل شدد النكير، على أصحاب هذه النزعة في تحريم الطيبات والزينة التي أخرج الله لعباده، فقال تعالى في القرآن المكي: ((يا بني آدم خُذوا زينتكم عِند كلِّ مسجدٍ وكُلوا واشربوا ولا تُسرفوا إنّه لا يُحبُّ المُسرفين. قُل مَنْ حرّم زينة اللهِ التي أخرج لِعبادهِ والطّيِّبات من الرِّزْق ِ)) [الأعراف:31 ].



وفي القرآن المدني يخاطب الجماعة المؤمنة بقوله: (( يا أيُّها الذين آمنوا لا تُحرِّموا طيِّباتِ ما أحلّ الله لكم ولا تعتدوا إنّ الله لا يُحبُّ المعتدين وكلوا ممَّا رزقكم الله حلالاً طيِّباً واتّقوا الله الذي أنتم به مؤمنون )) [المائدة:87،88 ].



وهاتان الآيتان الكريمتان تبينان للجماعة المؤمنة حقيقة منهج الإسلام في التمتع بالطيبات، ومقاومة الغلو الذي وجد في بعض الأديان، فقد روي في سبب النزول أن رهطاً من الصحابة قالوا: نقطع مذاكيرنا، ونترك شهوات الدنيا، ونسيح في الأرض كالرهبان! وروى أن رجالاً أرادوا أن يتبتلوا أو يخصوا أنفسهم ويلبسوا المسوح (ملابس الرهبان ) فنزلت..

وجاء عن ابن عبّاس: أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: يا رسول الله إنّي إذا أكلت من هذا اللحم انتشرت للنساء، وإني حرمت عليّ اللحم. فنزلت: ((يا أيُّها الذين آمنوا لا تُحرِّموا )) [ذكر هذه الروايات ابن كثير في تفسيره ].



وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: أن ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر، فكأنهم تقالُّوها (أي عدّوها قليلة ) فقال بعضهم: لا آكل اللحم.. وقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا أنام على فراش، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: ما بال أقوام يقول أحدهم كذا وكذا، لكني أصوم وأفطر، وأنام وأقوم، وآكل اللحم، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سُنتي فليس مِني .



وسنته ـ عليه الصلاة والسلام ـ تعني منهجه في فهم الدين وتطبيقه، وكيف يعامل ربه عز وجل، ويعامل نفسه وأهله والناس من حوله - معطياً كل ذي حقٍ حقَّه، في توازن واعتدال.

قدوري رشيدة
2008-11-01, 14:04
الصحوة وتطبيق الشريعة الإسلامية

إن مما يميز الصحوة الإسلامية المعاصرة تعالي صيحاتها للمطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية، فلم تعد همسا في المجالس، أو حديثا عارضا في الأندية والحلقات، بل دويا هائلا، تردده الجماهير، وتتجاوب به الآفاق في جهات الدنيا الأربع.
ولم يعد بإمكان أحد أن يتجاهل هذا المطلب الشعبي، الذي يكاد يحوز الإجماع لو استفتى الشعب عليه.

ومن حق الشعوب الإسلامية أن تطالب بالرجوع إلى شريعة ربها، وأحكام دينها، لتحل محل القوانين الوضعية

الدخيلة، التي فرضت عليها بقرارات فوقية منذ دخول الاستعمار الغربي إلى ديار المسلمين.

ولكن تيار الوسطية الإسلامية له هنا جملة ملاحظات أساسية يجب أن ينبه عليها:

1. أن ما تريده الصحوة الإسلامية أكبر من مجرد تعديل مواد القوانين الوضعية بمواد إسلامية، فالقانون وحده، لا يبني المجتمعات، ولا يحيي موات الأمم ولا ينفخ الروح في الشعوب الهامدة، إنما تصنع ذلك العقائد والقيم والأخلاق.

ولهذا ينكر الإسلاميون الواعون حصر الدعوة إلى الإسلام في الجانب القانوني، وحصر الجانب القانوني في تنفيذ الحدود والعقوبات، وكأن الإسلام كله لخص في قطع يد السارق، وجلد الزاني والقاذف والسكير! وأن هذا وإن كان من الإسلام، فليس هو كل الإسلام، ولا أهم ما في الإسلام ولا أول ما يطلب في الإسلام، ولو قرأنا المصحف وتدبرنا آياته، لم نجد العقوبات تبلغ منها عشرا.

إن الإسلام عقيدة سليمة، وعبادة خالصة، وخلق قويم، وعمل صالح وعمارة للأرض، ورحمة للخلق، ودعوة إلى الخير، وتواص بالحق، وتواص بالصبر، وجهاد في سبيل الله.

كما أنه تشريع وقانون ينظم العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية فلا يجوز أن يطغى الجانب التشريعي على غيره من جوانب التربية والتوجيه التي تشمل سائر مجالات الحياة.

ولهذا ينادي تيار الوسطية الإسلامية بالدعوة إلى الإسلام كل الإسلام لا بمجرد تطبيق الشريعة بالمعنى الضيق الذي فهمه الكثيرون.

أجل، إننا نريدها حياة إسلامية متكاملة، حياة توجهها عقيدة الإسلام وتسودها مفاهيم الإسلام، وتحركها قيم الإسلام، وتقودها أخلاق الإسلام، وتضبطها تقاليد الإسلام، وأخيرا تحكمها بتشريعات الإسلام.

2. إن الشريعة لا يمكن أن تطبق تطبيقا حقيقيا إلا إذا قام على تطبيقها أناس يؤمنون بقدسيتها، ويتعبدون لله بتنفيذها، وهذا يجعلهم يحرصون على فهمها فهما دقيقا، وعلى فقه أحكامها ومقاصدها فقها عميقا، ويتفانون في تذليل العقبات أمامها، كما يحرصون على أن يكونوا صورة طيبة لمبادئها، وأسوة حسنة لغير المقتنعين بها، يراهم الآخرون في إيمانهم، وأخلاقهم وسلوكهم، فيحبون الشريعة لما يرون من أثرها في حياتهم.

وهكذا كان الصحابة والمسلمون الأوائل ـ رضي الله عنهم ـ أحب الناس الإسلام بحبهم، ودخلوا فيه أفواجا، متأثرين بأخلاقهم وإخلاصهم، فقد كان كل منهم قرآنا حيا يسعى بين الناس على قدمين.

إن عيب كثير من التجارب المعاصرة لتطبيق الشريعة الإسلامية، التي كانت موضع المؤاخذة والتنديد من الناقدين والمراقبين: أنها نفذت بأيدي غير أهلها، أعني غير دعاتها ورعاتها، أي على أيدي أناس كانوا من قبل في صف المناوئين لها، أو على الأقل، من الغافلين عنها، غير المتحمسين لها.

إن الرسالات الكبيرة تحتاج إلى حراس أقوياء من رجالها وأنصارها يكونون هم المسئولين الأوائل عن وضع قيمها وتعاليمها النظرية موضع التنفيذ. وبغير هذا يكون التطبيق أمرا صوريا لا يغير الحياة من جذورها، ولا ينفذ بالإصلاح إلى أعماقها.

3. إن تطبيق الشريعة ليس عمل الحكام وحدهم، وإن كانوا هم أول من يطالب بها، باعتبار ما في أيديهم من سلطات تمكنهم من عمل الكثير من الأشياء التي لا يقدر عليها غيرهم، وقد كان بعض السلف يقولون: لو كانت لنا دعوة مستجابة لدعوناها للسلطان. فإن الله يصلح بصلاحه خلقا كثيرا.

وهذا كان في عصر لم يكن زمام التعليم والإعلام، والتثقيف والتوجيه والترفيه بيد السلطان كما هو اليوم.

ومعهذا نقول: إن على الشعب مسئولية تطبيق الشريعة في كثير من الأمور التي لا تحتاج إلى سلطان الدولة وتدخل الحكام.

إن كثيرا من أحكام الحلال والحرام، والأحكام التي تضبط علاقة الفرد بالفرد والفرد بالأسرة، والفرد بالمجتمع، قد أهملها المسلمون أو خالفوا فيها عن أمر الله، وتعدوا حدود الله، ولن يصلح حالهم إلا إذا وقفوا فيها عند حدود الله تعالى، والتزموا بأمره ونهيه بوازع من أنفسهم، وشعورهم برقابة ربهم عليهم.

ويجب على الدعاة والمفكرين والمربين أن يبذلوا جهودهم لتقوم الشعوب بواجبها في تطبيق ما يخصها من شرع الله، ولا يكون كل همها مطالبة الحكام بتطبيق الشريعة وكأنهم بمجرد أن يرفعوا أصواتهم بهذه المطالبة قد أدوا كل ما عليهم!

4. إن التدرج سنة من سنن الله في خلقه، وشرعه. فقد خلق الإنسان أطوارا، علقة، فمضغة، فعظاما .. الخ، وخلق الدنيا في ستة أيام، الله أعلم بكل يوم منها كم هو؟

كما أنه فرض الفرائض وحرم المحرمات، وفق سنة التدرج مراعاة لضعف البشر ورحمة بهم.

والشريعة قد اكتملت بلا شك. ولكن تطبيقها في عصرنا يحتاج إلى تهيئة وإعداد لتحويل المجتمع إلى الالتزام الإسلامي الصحيح، بعد عصر الاغتراب والتغريب.

وقد تم بعض هذا في بعض البلاد، وبقي بعض، وهو يحتاج إلى بذل الجهود، لإزالة العوائق، ومنع الهزات، وإيجاد البدائل، وتربية المنفذين الذين يجمعون بين القوة والأمانة، واجتماعهما في الناس قليل، طالما شكا منه الأقدمون حتى قال عمر: اللهم إني أشكو إليك عجز الثقة، وجلد الفاجر!

ولهذا لا مانع من التدرج في التطبيق، رعاية لحال الناس، كما فعل عمر بن عبد العزيز حين قال لابنه المتحمس الذي عاب عليه بطئ التنفيذ: يا بني إن الله ذم الخمر في آيتين، ثم حرمها في الثالثة، وإني أخشى أن أحمل على الناس الحق جملة، فيدعوه جملة! يعني أنه يريد أن يسقيهم الحق جرعة جرعة.

كل ما نؤكده هنا ألا يكون هذا مجرد تكأة لتأجيل العمل بالشريعة، وتمويت الموضوع بمرور الزمن، باسم التدرج والتهيئة.

ولهذا نطالب بوضع الخطة للإعداد والتغيير، تعليميا وإعلاميا، وثقافيا واجتماعيا. بادئين بما لا يحتاج إلى تدرج ولا تهيئة، وإنما يحتاج إلى صدق التوجه، وصحة العزيمة، وإذا صدق العزم وضح السبيل.

lepoete_sa
2008-11-01, 14:27
بسم الله الرحمن الرحيم
جزاكم الله كل خير
في النفس أشياء كثيرة ربما اود ان اعبر عنها
ولولا كلمة سبقت مني ان لا اكتب في اي موضوع الا ما كان له صلة بالشعر والادب لقلت الكثير
ومع ذلك وانا اتابع الموضوع
تذكرت حديثا للشيخ الاستاذ عبد الله النفيسي تعليقا على موضوع مشابه في حصة بلا حدود مع احمد منصور
ولكن لا بد من مقدمة
احمد منصور اخواني متعصب كان يكتب في مجلة المجتمع الكويتية قبل ان يلتحق بالجزيرة
والاستاذ عبد الله النفيسي اخواني سابق انفصل عنهم وهو كويتي
وله كتابات متميزة .. ويعتبر الرجل الذي سخر الببنتاغون خلية كاملة من اجل ترجمة مقالاته ودراستها وخاصة ما يتعلق بوضع العالم الاسلامي والعربي .. والدكتور القرضاوي واحد من رؤوس الاخوان
وكل ما ورد في المقال المذكور بالمنتدى من اراء الاخوان وافكارهم
والاخوان ليسوا اكثر من فكرة
وهذه الفكرة يقول عنها
احد مفكريهم وهو الاستاذ عبد الله النفيسي
ان الاخوان كفكرة وكتنظيم انتهو وطواهم النسيان لسببين
اثنين
التنازلات الشرعية التي احدثوها مقابل فتاة الموائد المتساقط ويقصد به ما يلقى اليهم من مناصب ...
انشغالهم بالكراسي بدلا عن التوجيه الشرعي والتقويم السلوكي والاخلاقي والعقدي
فلا فرق بين الاخوان واي حزب علماني جاهلي اخر لا من حيث التوجه ولا من حيث الفكرة
بل ربما يكون بعض االعلمانيين انفع للبلاد من الاخوان

**

هذا مجرد راي

كتبته على عجل
والمعذرة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ علي بن احمد / من الجلفة

حمزة البوسعادي
2008-11-01, 15:05
أرجو المزيد من الوعي فهذا ما ينقص الأمة الإسلامية.

قدوري رشيدة
2008-11-01, 18:29
بسم الله الرحمن الرحيم
جزاكم الله كل خير
في النفس أشياء كثيرة ربما اود ان اعبر عنها
ولولا كلمة سبقت مني ان لا اكتب في اي موضوع الا ما كان له صلة بالشعر والادب لقلت الكثير
ومع ذلك وانا اتابع الموضوع
تذكرت حديثا للشيخ الاستاذ عبد الله النفيسي تعليقا على موضوع مشابه في حصة بلا حدود مع احمد منصور
ولكن لا بد من مقدمة
احمد منصور اخواني متعصب كان يكتب في مجلة المجتمع الكويتية قبل ان يلتحق بالجزيرة
والاستاذ عبد الله النفيسي اخواني سابق انفصل عنهم وهو كويتي
وله كتابات متميزة .. ويعتبر الرجل الذي سخر الببنتاغون خلية كاملة من اجل ترجمة مقالاته ودراستها وخاصة ما يتعلق بوضع العالم الاسلامي والعربي .. والدكتور القرضاوي واحد من رؤوس الاخوان
وكل ما ورد في المقال المذكور بالمنتدى من اراء الاخوان وافكارهم
والاخوان ليسوا اكثر من فكرة
وهذه الفكرة يقول عنها
احد مفكريهم وهو الاستاذ عبد الله النفيسي
ان الاخوان كفكرة وكتنظيم انتهو وطواهم النسيان لسببين
اثنين
التنازلات الشرعية التي احدثوها مقابل فتاة الموائد المتساقط ويقصد به ما يلقى اليهم من مناصب ...
انشغالهم بالكراسي بدلا عن التوجيه الشرعي والتقويم السلوكي والاخلاقي والعقدي
فلا فرق بين الاخوان واي حزب علماني جاهلي اخر لا من حيث التوجه ولا من حيث الفكرة
بل ربما يكون بعض االعلمانيين انفع للبلاد من الاخوان

**

هذا مجرد راي

كتبته على عجل
والمعذرة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ علي بن احمد / من الجلفة

سعدت بحضورك وشكرا على المتبابعة
تحياتي أخي علي بن أحمد

قدوري رشيدة
2008-11-01, 18:38
أرجو المزيد من الوعي فهذا ما ينقص الأمة الإسلامية.

صدقت أخي

تحياتي

عامر1988
2008-11-01, 19:57
بارك الله فيك أختنا رشيدة على وعيك وماتبعتك للموضوع

وأشكر الأخ lepoete_sa على إبداء رأيه في الموضوع وأقول له أترجاك أن تقرأهذا الكتاب:

تحميل (http://www.daawa-info.net/books/ikhwan_mosl.zip)

قدوري رشيدة
2008-11-02, 11:05
بارك الله فيك أختنا رشيدة على وعيك وماتبعتك للموضوع

وأشكر الأخ lepoete_sa على إبداء رأيه في الموضوع وأقول له أترجاك أن تقرأهذا الكتاب:

تحميل (http://www.daawa-info.net/books/ikhwan_mosl.zip)



بوركت أخي "عامر"

وجاري التحميل ...

اعرف انها دعوة للوسطية و نبذ للتعصب

lepoete_sa
2008-11-10, 12:42
بسم الله الرحمن الرحيم

لقد قرأنا ما احلتمونا عليه
الاخوان المسلمون كبرى الحركات الاسلامية
للاستاذ توفيق الوادعي
واحترم راي اخوتي في هذا الموضوع
ومع ذلك ما نقلته هو لواحد من كبار المفكرين الاسلاميين على الساحة ولا احس ان ثمةمثقف لا يعرف من يكون الاستاذ عبد الله النفيسي ولكن لعل الكثيريين لا يعرفون توفيق الوادعي
وربما اكون واحدا من ذلك الكثير وليس عيباا انتقول لا اعلم ولكنالعيب انتقول بلا علم

والعيب الاكبر ان نرى الالوان بلون واحد قاتم

واسال الله العظيم ربالعرش الكريم ان يغفر لنا

والسلام عليكم ورحمة الله