المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الصبـر على الطاعـة


SERAIDI B
2008-10-27, 11:01
مفاهيم (http://arabic.bayynat.org.lb/mafahim/INDEX.HTM) > الصبـر على الطاعـة

تقدّم الكلام عن صفات رسول الله(ص) الأخلاقية والروحانية، وعن أسلوبه في الدعوة إلى الله كما ذكرها القرآن الكريم، وقد حدّثنا القرآن الكريم أيضاً عن الضغوط التي كان المشركون يمارسونها ضد النبي(ص) بالترغيب والترهيب، فنحن نقرأ في سورة "الكافرون" التي تسمى سورة الجحد: {قل يا أيها الكافرون}.
وقصة هذه السورة حسب ما نقلته السيرة النبوية في أسباب النـزول، أنه لما أعيا المشركين ما ثبت به رسول الله(ص) من صمودٍ في الدعوة، وعرفوا أنه لن يتنازل عن رسالته وعن دعوته، جاءه المشركون بعد أن رفض العرض الذي عرضوه على عمه أبي طالب أن يبلغه إياه في عملية الإغراء، عندما قالوا له ماذا يريد ابن أخيك، إن كان يريد ملكاً ملّكناه علينا، وإن كان يريد مالاً فهذه أموالنا بين يديه، وإن كان يريد زوجة زوّجناه، فجاء أبو طالب الذي كان يكتم إيمانه كمؤمن آل فرعون، ليبقى دوره دور الوسيط بين قريش وبين النبي(ص) ليحمي النبي بذلك، جاء إلى النبي(ص)، وكانت كلمة النبي(ص) في ما روته كتُب السيرة: "يا عم، لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر، ما تركته أو أموت دونه"، فقد رفض كلّ أساليب الإغراء، لأنّ الرسول(ص) لم يكن طالب سلطان ولا طالب مال ولا طالب شهوة، وإنما هو صاحب رسالة، ولا بدّ من أن يؤدّي هذه الرسالة كاملة غير منقوصة مهما ضغط الضاغطون ومهما هدّد المهدّدون.
وحاول المشركون أن يجربوا أسلوباً آخر، باعتبار أن الصلح سيد الأحكام، فجاؤوا إلى النبي(ص) وقالوا له، فلنتفق على حل وسطي، وهو أن نعبد إلهك سنة وتعبد آلهتنا سنة، أنت الآن تعبد الله الواحد، ونحن مستعدون أن نعبد معك سنة. وخصوصاً أنهم لا يخسرون شيئاً، لأنّ المشركين في مكة كانوا لا يجحدون الله، وإنما كانوا يؤمنون به ويعتبرون الأصنام هي وسيلة للقرب من الله، لأنهم يرون أن هذه الأصنام كلها أسرار خفية غيبيّة، فعبدوها لأنّها تتوسّط بينهم وبين الله تعالى، فتقرّبهم إلى الله حتى يرضى.
فهم عندما يعبدون الله مع النبي(ص)، فإنهم لا يخسرون بذلك شيئاً من عقيدتهم، ولذلك كانوا يبدأون كتابة وثائقهم بعبارة "باسمك اللهم"، وهذا هو قولهم: {ما نعبدهم إلا ليقرّبونا إلى الله زلفى} [الزمر:3]. ولكنّ النبي(ص) لا يمكن أن يعبد آلهتهم سنة، لأنه شرك، والنبي جاء بدعوة التوحيد كما جاء الأنبياء كلهم بدعوة التوحيد، فأنزل الله تعالى سورة، بحيث تكون هي التي تحسم الموضوع، ولا تجعل هناك مجالاً لأي تسوية بهذه الطريقة، وهي قوله تعالى: {قل يا أيها الكافرون* لا أعبد ما تعبدون* ولا أنتم عابدون ما أعبد}، أنتم غير مستعدين أن تعبدوا الله، بل أنتم تمثلون ذلك لأنكم تريدون التسوية لتأخذوا مني الشرعية لآلهتكم {ولا أنتم عابدون ما أعبد}. ثم أكد المسألة حتى لا يقولوا دعونا نجرّب أو نتفاوض من جديد، {ولا أنا عابدٌ ما عبدتم* ولا أنتم عابدون ما أعبد* لكم دينكم ولي دين}. لأن هناك خطين؛ خط التوحيد وخط الشرك، فدينكم دين الشرك، وديني دين التوحيد، ولا يمكن أن يجتمع الشرك مع التوحيد.
ثم كانوا يحاولون ممارسة كثيرٍ من الضغوط بشكل خفي، بالإغراءات وبالضغوط، فخاطب الله سبحانه وتعالى نبيّه بقوله تعالى: {واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك} [المائدة:49]، انتبه، لأن هؤلاء القوم عندهم أساليب متنوعة، تحاول أن تجعلك تبتعد عما أنزله الله إليك حتى تحرّف كلام الله لتستجيب لهم، فالله تعالى أنزل عليه: {وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك} [الإسراء:73]، أي أنّهم يحاولون بأساليبهم الخادعة المراوغة المتنوّعة أن يحرفوا بك عن الخط المستقيم، وهو خط الأمانة في ما أنزله الله إليك من آيات ومن مفاهيم ومن شرائع وما إلى ذلك، {لتفتري علينا غيره}، يعني حتى تأتي بكلام من كلامهم وبحديث من حديثهم، وإذا مشيت معهم واستجبت لهم {وإذاً لاتخذوك خليلاً}، أي يتخذونك صديقاً ويتقربون إليك وينفتحون عليك بكل الوسائل، {ولولا أن ثبّتناك} فقد كانت الأساليب التي حاول المشركون أن يستعملوها مع النبي ليضغطوا عليه وليقدم التنازلات، بحيث لو سلِّطت على أي شخص لاهتزّ ولقدّم التنازلات، ولكنّ الله تعالى زوّد نبيّه بالعصمة وأكرمه بها، بحيث إنه عندما يواجه أي حالة من حالات الخطأ أو الخطيئة أو الانحراف، فإن ما أودعه الله في عقله وفي قلبه وفي شخصيته يعصمه من ذلك كله، وإلا لو بقي على بشريته لأمكن أن يخضع لهؤلاء {ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً} [الإسراء:74]، لكنت تنجذب لهم، لأنّ أساليبهم أساليب ضاغطة من الدرجة التي يهتزُّ فيها الإنسان ولا يستطيع أن يثبت أمامهم.
وإذا فرضنا أنه حدث ومشيت معهم: {إذاً لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات}، فالذي يربط الله بالعباد هو التوحيد والطاعة والإخلاص لله، لذلك لو أنك سرت كما يريدون، فإنك ستذوق الضغط من الله سبحانه وتعالى والعذاب في الحياة وفي الممات {إذاً لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيراً} [الإسراء:75]، لأن الله تعالى إذا أراد أن يعاقب شخصاً فمَن ذا الذي ينصره منه، وهذا الكلام على الرغم من أنّه موجَّه إلى النبي(ص)، إلا أنه على طريقة القرآن الكريم: "إيّاك أعني واسمعي يا جارة"، فالله تعالى يخاطب الأمّة بما يخاطب به النبي(ص)، يخاطب كل واحد منا، وخصوصاً الشباب أو الناس الذين عندهم مشاكل في حياتهم، سواء كانت مشاكل مادية أو عاطفية أو اجتماعية أو سياسية.
يمكن أن يخضع صاحب المشكلة للضغوط التي تأتي ترهيباً أو ترغيباً بعنوان حلّ المشكلة أو المساعدة المادية، ونحن نعرف أن كثيراً من الناس يسقطون أمام ذلك، فالإنسان عندما تواجهه مشكلة ولا يعرف كيفية الخروج منها، ثم يأتي إليه مَن يقول له نحن نخرجك من هذا المأزق، ولكن بشرط أن تمشي معي في اتّجاه معيّن أو أن تنتمي إلى انتماءٍ معين، وغيرها من الأمور التي يسيطر من خلالها عليه.
هذه أمور موجودة عندنا، وكثيراً من الناس ضلوا بسبب ذلك، فالله تعالى يريد أن يقول لكل واحد منا إن هناك الكثير من الناس ممن يملكون المال وممن يملكون السياسة والفرص الكثيرة للجاه وما إلى ذلك، قد يحاولون أن يبتعدوا بكم عن الخط المستقيم، أن يفتنوكم عن دينكم، عن إسلامكم، عن صدقكم، عن استقامتكم، حتى تنجذبوا إليهم لتحصلوا على ما عندهم، وفي هذه الحال يقول الله لكم إنّكم إذا فعلتم ذلك فإنهم سيتخذونكم أصدقاء في هذا المجال. لذا عليكم أن تأخذوا بأسباب الثبات، صحيح أن الله سبحانه وتعالى ثبّت النبي(ص) بالعصمة، ولكنّه ثبـّتنا أيضاً بالقرآن وبالوحي، وثبتنا بالتذكير بالآخرة وبعذاب الله إذا انحرفنا، وبثواب الله إذا استقمنا، فالجأوا إلى ما ثبتكم الله به، والله يقول: {ليثبت الذين آمنوا} [النحل:102]، الله تعالى يثبّت الإنسان بما أعطاه من عقل يميز بين الحسن والقبيح، بين الضارّ والنافع.
وهكذا يثبتنا الله بما عرّفنا من آياته في القرآن الكريم التي تدلنا على عظمة الله تعالى في مواقع عظمته، وفي مواقع خلقه ومواقع نعمته، والله تعالى يقول إنّكم إذا بقيتم في الغفلة واستسلمتم لهؤلاء الناس، عند ذلك سوف تركنون إليهم وتسقطون أمام التجربة، وعند ذلك سوف تذوقون عذاب الله ضعف الحياة في الدنيا وفي الآخرة، ولا ينصركم أحد من الله سبحانه وتعالى.
لذلك علينا أن نأخذ من ثبات النبي(ص) ومن صبره وصموده الدروس والعبر عندما يأتي الآخرون لإغرائنا بالمال أو بالشهوات أو بالجاه، ونحن نعرف الكثير من الناس الذين أصبحوا جواسيس للمستكبرين على أهلهم وعلى بلدهم وعلى وطنهم، لأن المستكبرين استغلّوا حاجاتهم المالية وغيرها.
ولذلك على الإنسان أن يستعين بالله تعالى في الثبات على الخط المستقيم في ما أراه الله تعالى، وعليه دائماً أن يدعو الله ويقول: أعنّي على نفسي بما تعين به الصالحين على أنفسهم إنك أنت أرحم الراحمين. والحمد لله ربِّ العالمين.
موعظة ليلة الجمعة ، بيروت: 2- 9 - 2004م.

منقوللللللللللللللللللللللللللل

قدوري رشيدة
2008-11-06, 19:57
في ميزان حسناتك بحول الله