المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : معا لمراجعة مجستار ا الدستوري والأدارة العامة


hadia369
2011-08-23, 15:02
سلام الله عليكم
بعد مراجعة القرار الوزاري المنشور لمجستار جامعات الشرق وحذف مشاريع اخري لحظت ان مختلف الجامعات كان من نصبها مجستار القانون الدستوري والقانون الأداري اي قانون الأدارة العامة ارتأيت فتح المجال للمناقضة والأفادة من طرف الجميع

aissa2008
2011-08-23, 15:33
السلام عليكم

ان شاء الله انا معاك في الفكرة لكن يجب تحديد المقياس الذي نبدا به وانا افضل القانون الدستوري اولا

وذلك من خلال التطرق الى عناصر وطرح اشكاليات حول الموضوع ؟؟

في انتظار ردك

اخوك علي الجزائري

hadia369
2011-08-23, 15:59
السلام عليكم

ان شاء الله انا معاك في الفكرة لكن يجب تحديد المقياس الذي نبدا به وانا افضل القانون الدستوري اولا

وذلك من خلال التطرق الى عناصر وطرح اشكاليات حول الموضوع ؟؟

في انتظار ردك

اخوك علي الجزائري

شكرا علئ المبادرة وانا مع اقتراحك المهم هو ان تعم الفائدة علي الجميع ونبدأمراجعة القانون الدستوري اولا

MINA24000
2011-08-23, 22:51
salam netmana takblou indimami . hal antom tetkelmou 3la doustouri biskra? min fadlikom ida momkin al milaf w maw3id tasjil:sdf:

"راجية الجنة"
2011-08-23, 23:44
السلام عليكم

لما نقول تنظيم اداري نقول قانون اداري فقط وممكن يدخل فيها دستوري راني معاكم في الصفحة

وعليكم السلام

hadia369
2011-08-24, 00:23
salam netmana takblou indimami . Hal antom tetkelmou 3la doustouri biskra? Min fadlikom ida momkin al milaf w maw3id tasjil:sdf:

اتمني ان تكوني ضمن المراحعة معنا شيء يشرفنا كما اني سأشرك في مجستار قانون الدستوري بجامعة خنشلة وان امكن جامعة بسكرة وقانون الأدارة العامة في جامعة ام البواقي اين درست

amel kamel
2011-08-24, 00:24
صح فطوركم الرجاء افادتي باهم المراجع التي يمكن الاستفادة منها فيما يخص ماجستير القانون الاداري و شكرا جزيلا مسبقا

hadia369
2011-08-24, 00:27
السلام عليكم

لما نقول تنظيم اداري نقول قانون اداري فقط وممكن يدخل فيها دستوري راني معاكم في الصفحة

وعليكم السلام

مرؤحبا بك معنا راجية الجنة وان شاء الله يكون النجاح من نصيبك
اسسيات التنظيم الأداري هي جزء من مقرر القانون الأداري كما شرحت من قبل عن محور القانون الأداري وما يحوي مثلا عندما يقال بصيغة اخري قضاء اداري معنها منازعات ادارية وما تحويه موضوع المنازعات

amel kamel
2011-08-24, 00:28
و كذا القانون الدستوري

hadia369
2011-08-24, 00:30
صح فطوركم الرجاء افادتي باهم المراجع التي يمكن الاستفادة منها فيما يخص ماجستير القانون الاداري و شكرا جزيلا مسبقا

قانـون الإداري للدكتور: "عمار عوابدي ".
الهيئات الاستشارية في الإدارة الجزائرية للدكتور: " أحمد بوضياف ".
6. مسؤولية الإدارة من أعمال موظفيها للدكتور: " عمار عوابدي ".
.


10. القانون الإداري والتنظيم الإداري للدكتور: " ناصر لباد ".
11. التنظيم الإداري للدكتور: " عمار بوضياف ".

MINA24000
2011-08-24, 00:55
okhti ana machoftech kayen dostori fi khanchla kayen ghir 3ouloum jinaia nn?l

"راجية الجنة"
2011-08-24, 11:29
مرؤحبا بك معنا راجية الجنة وان شاء الله يكون النجاح من نصيبك

اميييييييييييييين يارب
اسسيات التنظيم الأداري هي جزء من مقرر القانون الأداري كما شرحت من قبل عن محور القانون الأداري وما يحوي مثلا عندما يقال بصيغة اخري قضاء اداري معنها منازعات ادارية وما تحويه موضوع المنازعات

نعم اختي راني فهمتك وكلن نراجع دستوري مناجلالحطية فقط وكوني راح نعقب حتى مسابقة توظيف :)

hadia369
2011-08-26, 18:29
صور الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة في ظل التعديل الدستوري الجزائري لسنة 1996

hadia369
2011-08-26, 18:48
http://www.4shared.com/get/Xdvk_F49/c-____2009__.html

"راجية الجنة"
2011-08-26, 21:48
http://www.4shared.com/get/xdvk_f49/c-____2009__.html

هذاالملف فيه الاجابة عن السؤا ام المطلوب حله ؟؟؟

hadia369
2011-08-27, 00:22
سلام الله عليكي
المطلوب الخطة منهجية له

hadia369
2011-08-27, 00:36
مبدأ سمو الدستور

علو القواعد الدستورية على غيرها من القواعد القانونية المطبقة في الدولة، وهذا يعني أن أي قانون تصدره الدولة يجب إلا يكون مخالفا للدستور، ولا فرق في كون الدستور مكتوباً أو عرفياً.
ويراد بسمو الدستور أيضاً إن النظام القانوني للدولة بأكمله يكون محكوماً بالقواعد الدستورية، إن آية سلطة من سلطات الدولة لا يمكن أن تمارس إلا السلطة التي خولها إياها الدستور وبالحدود التي رسمها. ويعتبر مبدأ السمو من المبادئ المسلم بها في فقه القانون الدستوري حتى في حالة عدم النص عليه في صلب الوثيقة الدستورية.
تجد فكرة سمو الدستور، في الواقع أساسها في كتابات مفكري نظرية العقد الاجتماعي في القرنين السابع عشر والثامن عشر الأوربي (إلا إنها لم تتبلور كمبدأ في عالم الواقع والقانوني) إلا بعد انتصار الثورتين الأمريكية والفرنسية.
وقد أعلن المبدأ لأول مرة في الدستور الأمريكي لعام 1787، حيث نصت المادة (6) منه على أن: (يكون هذا الدستور وقوانين الولايات المتحدة التي تصدر بموجبه، وجميع المعاهدات المبرمة أو التي ستبرم بموجب سلطة الولايات المتحدة، القانون الأعلى للبلاد، ويلزم بذلك القضاة في كل ولاية بغض النظر عما يناقض هذا في دستور أو قوانين أية ولاية).
وبعد الثورة الفرنسية ساد مبدأ سمو الدستور في الفقه الدستوري الأوربي ومن الدساتير الأوربية التي نصت علية سراحة الدستور التشيكوسلوفاكي لعام 1920، وكذلك الدستور الإيطالي عام 1947، إذ نصت هذه الدساتير على أنها تتمتع بقوة تكون ملزمة لجميع السلطات العامة في الدولة.
غير أن مبدأ سمو الدستور لم يقتصر فقط على دساتير الديمقراطيات الغربية، بل أمتد وشمل دساتير الدول الاشتراكية أيضاً ومنها دستور الاتحاد السوفيتي لعام 1977، إذ نصت المادة (173) منه على أن (لدستور التحاد السوفيتي قوة القانون الأعلى – وجميع القوانين وسائر مقررات هيئات الدولة تصدر على أساس دستور الاتحاد السوفيتي ووفقاً له). وقد نصت الفقرة (3) من المادة (88) من دستور ألمانيا الديمقراطي الصادر في نيسان عام 1968، على أنه (لا يجوز للتعاليم القانونية أن تتعارض مع الدستور. ويقرر مجلس الشعب صحة دستورية التعليم القانونية في حالة الشك فيها).
هذا وقد تبنت دساتير دول العالم الثالث مبدأ سمو الدستور ونصت عليه بعض دساتيرها، من ذلك دستور جمهورية الصومال (الصادر في عام 1960، حيث أوجبت المادة (98) منه ضرورة مطابقة القوانين لأحكام الدستور وألزمت جميع الهيئات الحاكمة وجميع الأشخاص التابعين للدولة بالحفاظ على الدستور. وكذلك نصت المادة (3) من دستور السودان الانتقالي لعام 1985، على إن (تسود أحكام هذا الدستور على جميع لقوانينه ويلغى من أحكام هذه القوانين ما يتعارض مع أحكام هذا الدستور بالقدر الذي يزيل ذلك التعارض).

وسمو الدستور قد يكون سموا موضوعياً (مادياً) وقد يكون سموا شكلياً:

1- السمو الموضوعي أو المادي للدستور:

القواعد الدستورية تبين وتنظم من ناحية طريقة ممارسة السلطة في الدولة، وهي من ناحية أخرى تبين وتحدد الفلسفة والأساس الأيديولوجي الذي يقوم عليه النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي للدولة، ومن هذا المنطلق يجب أن يكون نشاط الحكام وهيئات الدولة المختلفة محكوماً بذلك الأساس في كل ما يصدر منه من قوانين وأنشطة مختلفة، لأن خروج الحكام وهيئات الدولة عن الأساس النظري للقواعد الدستورية يعتبر هدفاً لسند وجود تلك الهيئات وللأساس القانوني لاختصاصها وبالتالي يعتبر مساساً بجوهر الدستور وانتهاكا لسموه الموضوعي أو المادي.
والملاحظ إن السمو الموضوعي للدستور لا يقتصر على الدستور الجامد، بل يظهر كذلك في الدستور المرن. ذلك لأن المشرع العادي وان كان يملك حق تعديل نصوص الدستور المرن بنفس إجراءات تعديل القانون العادي، إلا أنه ملزم دائماً باحترام الأساس النظري الذي يقوم عليه الدستور.
ويترتب على مبدأ السمو المادي للدستور عدة نتائج مهمة، منها: أن القواعد الدستورية ملزمة لجميع هيئات الدولة وأن أي نشاط يكون مخالفاً لهذه القواعد لا يتمتع بأي أثر قانوني لأنه يمس مبدأ المشروعية الذي يعني وجوب احترام القوانين العادية الصادرة عن السلطة التشريعية والالتزام بها وضرورة مطابقة تلك القوانين للنصوص الدستورية. وبما أن الدستور هو مصدر جميع السلطات العامة في الدولة، فهذا يعني أن هذه السلطات (رئيس دولة، مجالس تشريعية إلخ…) لا تمارس حقاً شخصياً تتصرف به كما تشاء، وانما تمارس وظيفة تحددها النصوص الدستورية وتبين شروطها ومداها، وينتج عن ذلك ان هذه السلطات لا تستطيع تفويض غيرها في ممارسة اختصاصها إلا في حالة إباحة الدستور للتفويض بنص خاص وذلك عملاً بالمبدأ الذي يقول: (الاختصاصات المفوضة لا تقبل التفويض). هذا وان مبدأ سمو الدستور لا ينتج أثره القانوني ما لم تنظم وسائل تكفل احترامه، أي بتنظيم الرقابة على دستورية القوانين. ولا يمكن تنظيم هذه الرقابة ما لم يتحقق للدستور السمو الشكلي بجانب السمو الموضوعي.

2- السمو الشكلي للدستور:

يتحقق السمو الشكلي للدستور إذا كانت الإجراءات المتبعة في تعديله تختلف عن إجراءات تعديل القانون العادي، وهذه الإجراءات تكون أشد صعوبة واكثر تعقيداً من تلك المتبعة في تعديل القانون العادي. وعلى هذا الأساس لا يتحقق السمو الشكلي إلا بالنسبة للدساتير الجامدة فقط، لأن إجراءات تعديلها، كما ستمر بنا تختلف عن إجراءات تعديل القانون العادي. فصفة الجمود أذن هي التي تسبغ على الدستور سموا شكلياً على القوانين العادية إضافة إلى السمو الموضوعي.
والسمو الشكلي يشمل جميع القواعد التي تتضمنها الوثيقة الدستورية سواء كانت قواعد دستورية موضوعية أو قواعد شكلية، ولا يمتد هذا السمو إلى القواعد القانونية العادية وان كانت هذه القواعد ذات طبيعة دستورية. (فالعبرة أذن في السمو بشكل القاعدة لا بمضمونها).
وتبعاً لذلك لا يتحقق السمو الشكلي للدساتير المرنة، بالرغم من تمتعها بالسمو الموضوعي، ولذلك بالنظر لعدم وجود فرق بين القواعد الدستورية المرنة والقانون العادي من الناحية الشكلية، لأن إجراءات تعديل الدستور المرن والقانون العادي واحدة
نخلص مما تقدم إلى أن الدساتير الجامدة وحدها تتمتع بالسمو الموضوعي والشكلي معاً أما الدساتير المرنة فلا تتمتع إلا بالسمو الموضوعي فقط دون السمو الشكلي.
الاستثناء الذي يرد على مبدأ الدستور:</strong>
تعتبر نظرية الضرورة استثناء أو قيداً يرد على مبدأ سمو الدستور والنتائج المترتبة عليه. وتستمد هذه النظرية مدلولها من القاعدة الرومانية القديمة التي تقول: (إن سلامة الشعب فوق القانون).
وخلاصة النظرية هي أن القواعد الدستورية وجدت لتنظيم ممارسة السلطة في الدولة وهذا التنظيم يرتكز على مبادئ معينة تهدف بالدرجة الأساس إلى تقييد سلطة الحكام وإيجاد نوع من الفصل والتوازن بين هيئات الدولة المختلفة وذلك من أجل تأمين وحماية مبدأ سيادة القانون وحقوق الإنسان وحرياته الأساسية. غير أن هذه المبادئ قد شرعت للظروف الطبيعية، أما إذا استجدت ظروف استثنائية قاهرة من شأنها المساس بكيان الدولة أو بالسلامة العامة للمجتمع كحالة الحرب والأزمات الحادة من سياسية واقتصادية أو حالة التمرد أو العصيان لابد من مواجهتها باتخاذ تدابير استثنائية.
فحالة الظرورة، أذن تجيز للدولة أو لإحدى هيئاتها، وغالباً ما تكون الهيئة التنفيذية (رئيس الدولة أو الحكومة)، أن تعلق كل أو بعض نصوص الدستور، أو تجيز للسلطة التنفيذية ممارسة عملية تشريع القوانين وإصدار المراسيم خلال مدة من الزمن، ويجب إلا تستمر هذه المدة إلا لمواجهة الظروف التي أدت إليها ويجب العودة إلى الحالة الطبيعية حال زوال تلك الظروف ذلك لأن الضرورة تقدر بقدرها.
وتجد نظرية الضرورة أساسها في كتابات بعض الفقهاء الألمان منهم (هيكل) (واهرنك) (وجيلبينك). فقد برر هيكل خروج الدولة على القانون في أحوال الضرورة بقوله: (أن الدولة هي التي أوجدت القانون، وهي تخضع له لتحقيق مصالحها، وعلى ذلك فلا خضوع عليها إذا كان تحقيق صالحها هو في عدم الخضوع. إن القانون وسيلة لغاية وهي لحماية الجماعة فأذا لم ترد القواعد القانونية إلى هذه الغاية فلا يجب الخضوع للقانون، وعلى الدولة أن تضحي به في سبيل الجماعة).
أما الفقيه (جيلينك) فقد برر نظرية الضرورة بقوله: (من الأمور الطبيعية أن تواجه الدولة والحكم حالات تفرض اتخاذ تدابير فورية، يجب في الأحوال العادية أن تصدر عن طريق التشريع. فإذا أنكر الدستور على الحكومة أن تحل محل السلطة التشريعية، فأنه أنما يعمل بذلك على إيجاد حالة يجب تجنبها، غير أن الحكومة تجد نفسها مضطرة، تحت ضغط الحوادث إلى مواجهة الضرورة على مسؤولياتها، بكل الوسائل المتاحة لها. وعلى المشرع فيما بعد أن يرتب الأمور بحيث يسبغ على التدابير المتخذة صفة الشرعية التي تزيل انتهاك القانون الشكلي).
ويترتب على اعتبار نظرية الضرورة نظرية قانونية، وفقا للاتجاه الفقهي الألماني أنها تعد حقاً للدولة وينتج عن ذلك أن الأعمال والإجراءات التي تتخذها الدولة في أحوال الضرورة هي إجراءات مشروعة وتبعاً لذلك لا تترتب مسؤولية موظفي الدولة في اتخاذ هذه الأعمال والإجراءات، ولا يحق للأفراد المطالبة بالتعويض عما قد يلحقهم من ضرر من جراء ذلك.
أما الاتجاه السائد في الفقه الفرنسي فهو عدم الاعتراف بحق الضرورة المسلم به في الفقه الألماني. فإذا اضطرت الدولة إلى اتخاذ إجراءات مخالفة للقانون أو الدستور لدفع ضرر أو لمعالجة ظرف طارئ، فلا يرجع ذلك إلى حق قانوني لها وعلى هذا الأساس لا تعتبر حالة الضرورة نظرية قانونية ولكنها عبارة عن نظرية سياسية ولا يترتب عليها، كما هو الحال في الفقه الألماني، حقوق الدولة أو لموظفيها.

منقول ...

hadia369
2011-08-27, 00:38
سلطة رئيس الدولة
في تعطيل الدستور وفقاً للاتجاهات الدستورية المعاصرة

المقدمة :

ـ موضوع البحث :
يتضمن النظام السياسي Political system الذي يقرره الدستور ، إلى جانب تنظيم السلطة ، تنظيماً للحرية ، يتقرر من خلاله مجموعة الحقوق والحريات العامة للأفراد ، تمثل الحد الأدنى المعترف به منها ، في النظم الديمقراطية .
والواقع إن الدستور ، وأن تضمن تنظيماً لقضيتي السلطة والحرية ‘إلاّ أن قيمته العملية ، تتوقف على سلوك السلطات العامة في الدولة ، والتي تتولى تطبيق نصوصه . حيث يقع عليها واجب تطبيق النصوص الدستورية ، تطبيقاً سليماً ، عندما تباشر اختصاصاتها ، بأن يتم ذلك على النحو المبين في الدستور .
ويؤكد المشرع الدستوري على مبدأ سيادة الدستور ، و ينيط برئيس الدولة Head of State وظيفة ضمان تطبيق القواعد الدستورية(1).
ومع ذلك فقد توجد حالات تستدعي التصريح لرئيس الدولة، بمزاولة سلطة تعطيل أو إيقاف تطبيق بعض النصوص الواردة في الوثيقة الدستورية ، وذلك لمواجهة ظرف غير عادي ، يهدد كلتي المصلحتين العامة والخاصة ، ويؤدي إلى تقويض النظام الدستوري نفسه .
فالمشرِّع الدستوري ، قد يُضَمِّن نصوص الدستور ، السند الذي يخوِّل رئيس الدولة –صراحةً أو ضمناً – صلاحية تعطيل بعض نصوص الدستور الأخرى .
بيد إن امتلاك رئيس الدولة لسلطة التعطيل ، قد لا يجد سنده في أحكام الدستور ، وإنما يبرز كظاهرة في الواقع السياسي .

ـ مشكلة البحث :
تعد إشكالية تعطيل الدستور من قبل رئيس الدولة ، أحدى المظاهر المشتركة بين عدد من الأنظمة الدستوريةsystems constitutional والتي عملت على تقوية مركز رئيس الدولة في مواجهة السلطات العامة الأخرى ، بما يؤثر على التوازن المفترض بين السلطات .
ويشير واقع الأنظمة الدستورية ، إلى إن نصوص الدستور ، تتعرض إلى تعطيل أحكامها ، في حالتين : الأولى ؛ تجد سندها في التنظيم الدستوري ذاته ، والثانية ؛ تجد سندها في الواقع السياسي والمتمثل في عدم تطبيق أحكام الدستور ، أو تطبيقها بشكل مغاير لمحتواها .

ـ خطة البحث :
تقتضي طبيعة البحث في سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور وفقاً للاتجاهات الدستورية المعاصرة ، معالجته على النحو الأتي :
-مقدمة
-الفصل الأول : مضمون سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور.
-الفصل الثاني : موقف الدساتير من سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور.
-الفصل الثالث : القيود التي ترد على سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور.
-خاتمة : تتضمن أبرز النتائج والتوصيات .
الفصل الأول :
مضمون سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور
يثير البحث في مضمون تعطيل الدستور ، جدلاً فقهياً على جانب من الأهمية ، بشأن تحديد معنى ومحتوى التعطيل ، وتبيان مسوغاته .
وعلى ذلك ، نتناول بالدراسة هذه الموضوعات ، وذلك في مبحثين :
المبحث الأول : معنى تعطيل الدستور.
المبحث الثاني : مسوغات تعطيل الدستور.
المبحث الأول :
معنى تعطيل الدستور
تميزت آراء الفقه بالانقسام إلى اتجاهين بشأن تحديد معنى ( التعطيل ) . فذهب البعض إلى وجوب الرجوع إلى المعيار اللغوي ، بينما ذهب البعض الآخر إلى وجوب الرجوع إلى المعيار الموضوعي .
ولتبيان ذلك ، سوف نقسم هذا المبحث إلى مطلبين نحدد في أولهما المقصود بالتعطيل تبعاً للمعيار اللغوي ، ونحدد في الآخر المقصود بالتعطيل تبعاً للمعيار الموضوعي .
المطلب الأول :
تعطيل الدستور وفقاً للمعيار اللغوي
إن تحديد معنى تعطيل الدستور ، من الناحية اللغوية ، يستلزم بداية ً تبيان المعنى اللغوي لكلمة (التعطيل).
وتشير معاجم اللغة العربية إلى أن ( التعطيل )، هو المصدر من ( عَطَلَ ) و( عَطَّلَ ) الشيء ، أي تركه ضياعاً .
وقد يستعمل ( العَطَلُ ) في الخلو من الشيء ، وإن كان أصله في الحَلي ؛ يقال: ( عطَلَت ) المرأة و( تَعَطَّلَت ) إذا لم يكن عليها حلي ، ولم تلبس الزينة وخلا جيدها من القلائد(2).
ويقال أيضاً : ( تَعَطَّلَ ) الرجل ، إذا بقي لا عمل له .
و رجل ( عُطُلٌ ) : لا سلاح له ، وجمعه أعطالٌ . وكذلك الرعية ، إذا لم يكن لها والٍ يسوسها ، فهم مُعَطلَّون . وقد عُطِّلوا ، أي أُهمِلوا .
و(المعُطَّل ) : المَواتُ من الأرض ، وإذا ترك الثغر بلا حامٍ يحميه ، فقد عُطِّل .
والغلاة والمزارع ، إذا لم تُعمر ولم تُحرَث ، فقد عُطِّلت . و ( التَّعطِيلُ ) : التفريغ(3).
فيقال : ( عَطَّلَ ) الدار : أي أخلاها . وكل ما تُرِكَ ضياعاً ، معُطَّلٌ و مُعطَل .
و ( تعطيل الحدود ) : أن لا تقام على من وَجَبَت عليه .

ـ أصل كلمة ( التعطيل ) في القرآن الكريم :
وردت كلمة ( عُطِّلت ) في القرآن الكريم، في سورة التكوير،الآية (4) ،قال تعالى : ’’ وإذا العِشارُ عُطِّلَت ‘‘ .و العشار: جمع عشراء، وهي الناقة التي أتت عليها عشرة أشهر . وتعطيل العشار ، يعني : تركها مهملة ، لا راعي لها ، ولا حافظ يحفظها(4).
كما وردت كلمة ( مٌعَطَلة ) في سورة الحج ، الآية (44) ، قال تعالى : ’’ ... وبئر معُطَّلة و قصر مشيد ‘‘ . ويراد بالبئر المعُطَّلة : البئر التي تركها واردوها ، فلا يستقى منها ، و لا ينتفع بمائها .
وقيل : بئر معُطَّلة ، لبيود أو هلاك أهلها(5).

ـ كلمة ( التعطيل ) في مجال القانون العام :
وردت كلمة ( التعطيل ) في مجال القانون العام ، وبخاصة في مجال الشؤون الدستورية ، بمعنى محدد ، مفاده : وقف العمل بنصوص الدستور .
ويتحقق تعطيل الدستور في صورتين :
-يترك الدستور ولا يأخذ مجاله في التطبيق ، أي يهمل ويتجاوز عنه .
-تطبيق النصوص الدستورية بشكل مغاير ومختلف عما ورد في الوثيقة الدستورية .

ـ المصطلحات الواردة في الدساتير الأجنبية والعربية :
استخدمت بعض النصوص الدستورية مصطلحات مختلفة للدلالة على معنى التعطيل الدستوري .
ومن خلال الإطلاع على العديد من هذه النصوص ، نجد أن هنالك ثلاثة أنماط دستورية :
النمط الأول : ويتمثل في الدساتير التي استخدمت مصطلح ( تعليق الدستور Suspension ) ، ومن أمثلة ذلك : الدستور التركي لعام 1982 ، والدستور السوداني لعام 1998 .
ألنمط الثاني : ويتمثل في الدساتير التي استخدمت مصطلح ( وقف أو إيقاف العمل بالدستور ) ، ومن أمثلة ذلك : الدستور اليوغسلافي لعام 1963 ، والدستور الجزائري لعام 1989 ، ومشروع الدستور العراقي لعام 1990 .
ألنمط الثالث : ويتمثل في الدساتير التي استخدمت مصطلح ( تعطيل الدستور ) ، ومن أمثلة ذلك : الدستور البلجيكي لعام 1831 ، والدستور الألماني لعام 1919 ، والدستور المصري لعام 1923 ، والدستور الهندي لعام 1949 ، والدستور الكويتي لعام 1962 ، والدستور الأفغاني لعام 1964 ، والدستور القطري لعام 1972 ، والدستور الإماراتي لعام 1973 ، والدستور البحريني لعام 1973 ، والدستور العماني لعام 1996 .
وجدير بالذكر ، أن تعدد المصطلحات ، لا يعني وجود اختلاف وتباين في المعنى ، بل إن تلك المصطلحات حملت معنى واحد ، يفيد :إيقاف تطبيق الأحكام الدستورية .
المطلب الثاني :
تعطيل الدستور وفقاً للمعيار الموضوعي
يأخذ غالبية الفقه الدستوري ، في تبيان معنى تعطيل الدستور بمعيار موضوعي ، فيحددون مفهومه بالنظر إلى مضمونه أو موضوعه .
ومن خلال استقراء الاتجاهات الفقهية ، نلاحظ أن أغلب تلك الاتجاهات ، قد اقتصرت على تحديد مفهوم التعطيل في حالة الظروف غير العادية التي تمر بها الدولة .
وتتفق آراء الفقهاء ، على أن مفهوم تعطيل الدستور يتحدد في : ’’ إيقاف العمل ببعض النصوص الدستورية ولمدة مؤقتة ‘‘(6).
ويرى البعض إن تعطيل الدستور يراد به ’’ صلاحية رئيس الدولة في إيقاف العمل ببعض مواد الدستور من أجل مواجهة الأزمة الطارئة‘‘(7).
كما ذهب البعض إلى أن تعطيل الدستور ، يقصد به : ’’ إمكانية تدخل رئيس الدولة في المجال الدستوري أثناء تطبيق المواد المنظمة لحالة الضرورة ، والتي تبيح له أن يوقف العمل بعض أحكام الدستور خلال فترة الأزمة التي تتعرض لها الدولة ‘‘(8).
إلاّ إن هنالك اتجاهاً فقهياً أخذ منحى آخر في تحديد مفهوم فكرة تعطيل الدستور ، حيث اقتصر على تبيان أشكال التعطيل ونطاقه ، دون تحديد مفهوم التعطيل بشكل مباشر .
وتبعاً لذلك ، يرى جانب من الفقه أن التعطيل يتحقق في جميع الحالات التي يكون فيها ، الدستور عقبة قانونية سياسية أمام تحقيق الأغراض التي يقصد إليها الحكام . وإذا كان هذا التعطيل ( رسمياً ) فثمة تعطيل ( واقعي ) أي تعطيل لا يستند إلى الدستور نفسه ، وإنما إلى إرادة المسئولين عن تطبيقه(9) .
ويؤكد ذات المعنى جانب آخر من الفقه ، إذ يرون ، أن تعطيل الدستور ، كلاً أو جزءاً يستند على قرار صادر عن السلطة ، لسبب أو لآخر ، وفي هذه الحالة ، نكون أمام تعطيل رسمي للدستور . وقد لا يصدر القابضون على السلطة أي قرار بتعطيل كل أو بعض أحكام الدستور ، ولكنهم لا يقومون بتنفيذ أحكامه ، لفترة قد تطول وقد تقصر ، وفي هذه الحالة ، نكون أمام تعطيل فعلي لأحكام الدستور(10).
و يتضح مما تقدم ، إن أشكال تعطيل الدستور ، تتمثل في التعطيل الرسمي ، و التعطيل غير الرسمي ( التعطيل الفعلي) .
ويتحقق التعطيل الرسمي للدستور ، عندما يعلن القابضون على السلطة عن وقف العمل بنصوص الدستور كلاً أو جزءاً ، لمعالجة أزمة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية ، أو في حالة الحرب أو عصيان مسلح، أو وجود خطر يهدد استقلال الدولة وسلامة أراضيها ومؤسساتها الدستورية(11).
أما التعطيل غير الرسمي ( التعطيل الفعلي ) ، فالملاحظ أن القابضون على السلطة لا يعلنون بشكل رسمي ، عن وقف العمل بنصوص الدستور ، وإنما تتجه إرادتهم نحو إهمال تطبيق نصوص الدستور بشكل جزئي أو كلي ، أو تطبيق نصوص الدستور بشكل يتعارض مع محتواها(12).
ويمكن ملاحظة التعطيل غير الرسمي ، من خلال دراسة الواقع الدستوري للدولة ومقارنته بالواقع السياسي(13). فإن تبين أن هنالك تمايز أو اختلاف بين مضمون النصوص الدستورية ، و واقع ممارسة السلطة في مجال معين ، حينئذٍ ، يتحقق التعطيل الفعلي للدستور .
وفي ضوء ما تقدم ، فإننا نرى ضرورة إعادة النظر في ما طرح من هذه التعريفات ، ومحاولة وضع تعريف علمي ومنهجي دقيق يوضح معنى تعطيل الدستور .
ومن خلال تحليل فكرة تعطيل الدستور ، نعرف التعطيل بأنه :
إيقاف تطبيق النصوص الدستورية الواردة في وثيقة الدستور ، أو الانحراف في تطبيقها ، بشكل كلي أو جزئي ، و لمدة زمنية معينة ، أياً كانت الظروف التي تحياها الدولة ، عادية ، أم غير عادية .
وانطلاقاً من هذا التعريف ، وفي ضوئه ، نرى أن معنى تعطيل الدستور يتكون من العناصر التالية :
أ‌- تعليق تطبيق الأحكام المدونة في الوثيقة الدستورية النافذة في الدولة ، ويشمل التعليق بعض أو جميع الأحكام الدستورية .
ب‌- إهمال تطبيق المبادئ الواردة في النصوص الدستورية .
فالملاحظ أن بعض النصوص الدستورية التي تعالج حقوق الإنسان لا تجد مجالاً في التطبيق العملي .
ج-الانحراف في تطبيق القواعد الدستورية المدونة ، بأن يتم تطبيقها بشكل يتعارض مع مضمونها الصحيح ، ويخل بالمبادئ الأساسية التي احتوتها ، أو يخالف روح الدستور . فالهيئة التي أنشأها الدستور والمنوط بها حماية القواعد الدستورية ، تستخدم سلطتها وتسعى إلى هدم المبادئ الدستورية الأساسية ، التي قصدتها السلطة التأسيسية الأصلية .
فرئيس الدولة ، مثلاً ، قد يستخدم صلاحياته ويضغط باتجاه خلق واقع سياسي ، يغير مبادئ الدستور تغييراً جذرياً ، إذ يقوم بمخالفة روح الدستور، كأن يعطل النصوص الدستورية القائمة على أساس احترام مبدأ الفصل بين السلطات ، ويخلق من الممارسة الواقعية ، قواعد دستورية لها سمة دكتاتورية ، تستند إلى تركيز السلطة في يده. ويترتب على ذلك ، ظهور قواعد دستورية جديدة غير مدونة ، ناتجة عن الممارسة العملية لشؤون الحكم .
ومن هنا ، فإن الانحراف الدستوري سينشئ واقعاً سياسياً يتعارض مع الواقع الدستوري . وبعبارة أدق، سوف تبرز نوعين من القواعد الدستورية ( قواعد مدونة و قواعد غير مدونة ) تعالجان مسألة معينة متعلقة بالنظام الدستوري في الدولة . غير إن هذه المعالجة ، متعارضة متناقضة . أي أن هنالك تباين واختلاف في محتوى ومضمون القاعدة المدونة عن القاعدة غير المدونة .

المبحث الثاني :
مسوِّغات تعطيل الدستور
تستند سلطة رئيس الدولة في تعطيل أحكام القواعد الدستورية ، إلى مسوغات عديدة ، يمكن ردها إلى قسمين : مسوغات سياسية و مسوغات عملية . وسنخصص لكل منها مطلباً مستقلاً لبحثها .
المطلب الأول :
المسوغات السياسية
لئن كانت الأوضاع التي تحيط القابضين على السلطة في المجتمع ، تختلف على الدوام ، فإن هذا الاختلاف لا يعني تعذر تحديد مظاهر عامة لممارسة السلطة ، ففي خضم ذلك التباين توجد دائماً حقيقة مشتركة ثابتة ، تتجسد في أن ثمة نتيجة أساسية تترتب على ممارسة السلطة ، وتتمثل في ولادة قواعد دستورية تعبر عن إرادة ومصالح القابضين على السلطة ، وتحدد الاتجاهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يؤمنون بها .
وهذه القواعد الدستورية تمثل شكل من أشكال التمييز بين الحكام والمحكومين ، وبالتالي ، تكرس لأحدى صور القبض على السلطة(14).
على أننا يجب أن نلاحظ أن العوامل التي تفسر لنا لجوء الحكام إلى إيقاف العمل بالقواعد الدستورية ، يمكن استخلاصها من واقعة : أن الحكام هم الذين يمارسون السلطة وفق قواعد من وضعهم ( وتتمثل في القواعد الدستورية المكتوبة ) ، أو قواعد ناتجة من طريقة ممارستهم للسلطة ( وتتمثل في القواعد الدستورية العرفية ) ، أي إن ممارسة الحكام للسلطة تحددها القواعد الدستورية المكتوبة أو العرفية .
وعلى ذلك ، فإن الأساس الأول ، في استمرارية تطبيق القواعد الدستورية ، يتمثل في تجسيد هذه القواعد لمصالح القابضين على السلطة ، وتعبيرها عن هيمنتهم على دست السلطة .
ولكن في أية حالة من الحالات ، لو أن القواعد الدستورية لا تعبر عن المصالح الخاصة التي يمثلها متقلدي السلطة ، فإن إرادتهم ستتجه نحو وقف تطبيق قواعد الدستور وتعطيلها ، وتكريس واقع سياسي يكفل حماية هذه المصالح .
وهكذا فإن القبض على السلطة وهي في حالة التركيز ، يعكس خطوطه العريضة في طبيعة المصالح التي يغلبها الواقع السياسي على الواقع الدستوري (15).
وفي ضوء ما تقدم ، فإن المبرر لتعطيل القواعد الدستورية و وقف العمل بأحكامها ، يجد سنده في الأوضاع الخاصة بالقابضين على السلطة ، ورغبتهم في تركيز السلطة بأيديهم ، من أجل تحقيق المصالح والأغراض التي يبغون الوصول إليها ، وقطع الطريق أمام المؤسسات الدستورية الممثلة للشعب ، لتحقيق رغبات الشعب وأمانيه وآماله من خلال الدستور والوسائل الديمقراطية التي يتضمنها .
حيث يعمل القابضون على السلطة ، على اتخاذ قرار يقضي بتعطيل نصوص الدستور بشكل كلي أو جزئي، مستندين في ذلك على أسباب ومبررات سياسية .
وهذا الشكل من التعطيل لا يجد له سنداً في الوثيقة الدستورية يبرر مشروعيته ، وإنما يجد سنده وأساسه في القوة التي يعتمد عليها من جهة ، وإمكانية استمرار القابضين على السلطة الذين اتخذوه من جهة أخرى .
وصفوة القول ، إن الأساس الذي يستند عليه هذا التعطيل يكون ذا طبيعة سياسية صرفة ، فليس هناك نص دستوري يجيزه وينظمه ويجد مشروعيته فيه ، وهو بهذه المثابة يخرج عن نطاق المشروعية ، حيث يكون في حقيقته حالة واقعية وسياسية .
المطلب الثاني :
المسوغات العملية
تكون الضرورة وحتمية استمرار الدولة وسلامتها وحماية إقليمها وشعبها ، هي المبرر لتعطيل الدستور وإيقاف العمل به لمدة تحددها الضرورة ذاتها .
إذ إن حياة الدولة لا تسير على وتيرة واحدة ، بل تتخللها بين الحين والآخر صور مختلفة من الظروف الاستثنائية تهدد كيانها و وجودها تهديداً خطيراً .
حيث تطرأ على حياة الدولة ظروف غير عادية متعددة الأشكال مختلفة المصادر ، فقد يكون سبب هذه الظروف ، الأحوال الدولية ، مثل حدوث حرب عالمية أو محلية ، كما قد يكون سبب تلك الظروف الاستثنائية ، الأحوال الداخلية ، مثل حدوث أزمة من الأزمات الاقتصادية أو انتشار وباء أو فتنة(16).
وليست هذه الظروف الاستثنائية بالوضع المعتاد في حياة الدولة ، وليست لها صفة الدوام،بل هي محتملة الوقوع ،مؤقتة البقاء.على أنه مهما اختلفت هذه الظروف من حيث مصدرها أو شكلها،فإنها تتحد في الأثر والنتيجة ،إذ تمثل خطراً على كيان الدولة وبقائها(17).
وتدعونا هذه الظروف الاستثنائية أن نقف أمام اعتبارين :
- الاعتبار الأول : يترتب على وقوع الظروف الاستثنائية ، توافر حالة الضرورة ، التي تتيح لرئيس الدولة أن يتخذ الإجراءات والتدابير الاستثنائية اللازمة لمواجهة تلك الظروف .
- الاعتبار الثاني :إن إقرار الوثائق الدستورية للضمانات اللازمة لحماية حقوق الإنسان ، تغدو غير مجدية ، إذا أجيز لرئيس الدولة ، اللجوء إلى التدابير الاستثنائية والتي من شأنها أن تؤدي إلى وقف العمل وتعطيل بعض النصوص الدستورية .
ومن ثم كان من الواجب تحقيق التوازن بين الاعتبارين السابقين وعلى النحو الآتي(18):
(أ)-لا يجوز وقف العمل بالنصوص الدستورية الخاصة بالحقوق والحريات ، إلاّ في الحدود الضرورية التي تسمح لمؤسسات الدولة بمواجهة الأخطار القائمة فعلاً(19).
أي أن يكون تعطيل الدستور بالقدر اللازم لمواجهة تلك الظروف . وبتعبير آخر ، أن يتحقق التناسب بين إجراء تعطيل الدستور ، مع طبيعة الظرف الاستثنائي .
(ب)-يجب أن تخضع ممارسة رئيس الدولة لصلاحيته الاستثنائية في وقف العمل بنصوص الدستور،لرقابة السلطتين التشريعية والقضائية،على أن يكفل لهذه الرقابة فعاليتها واستمراريتها.
الفصل الثاني :
موقف الدساتير من سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور
إن معرفة الموقف التشريعي من سلطة رئيس الدولة في إيقاف العمل بأحكام الدستور، تقتضي دراسة وتحليل بعض نصوص الوثائق الدستورية العربية والأجنبية ، لمعرفة موقفها من مسألة تعطيل الدستور .
والتساؤل الذي يرد في هذا المجال ، يتمحور في مدى جواز تعطيل أحكام الدستور في الأنظمة الدستورية ؟
تعددت وتباينت الاتجاهات التي تبنتها الدساتير المقارنة ، من مسألة تعطيل الدستور ، وبرزت ثلاثة أنماط من الدساتير ، وعلى النحو التالي :
النمط الأول: ويتمثل في الدساتير التي حظرت تعطيل الدستور
النمط الثاني : ويتمثل في الدساتير التي أجازت صراحةً تعطيل الدستور
النمط الثالث : ويتمثل في الدساتير التي أجازت ضمناً تعطيل الدستور
وسنعرض لهذه الأنماط الدستورية في مباحث ثلاثة ، وفقاً لما يأتي :
المبحث الأول : حظر تعطيل الدستور
المبحث الثاني : الإجازة الصريحة لتعطيل الدستور
المبحث الثالث : الإجازة الضمنية لتعطيل الدستور
المبحث الأول :
حظر تعطيل الدستور
اتجهت بعض الدساتير ، إلى النص بشكل صريح على حظر وقف العمل بالأحكام الواردة فيها .
ونجد تطبيقاً لهذا الاتجاه في الدستور البلجيكي الصادر عام 1831 ، فقد تبنى هذا الدستور ( نظام المنع) ومقتضاه : حظر تعطيل أي نص من النصوص الدستورية لأي سبب كان ، وفي مختلف الحالات . حيث قضت المادة (130) منه ، بما يأتي : ’’ لا يمكن تعطيل الدستور كلاًّ أو جزءاً ‘‘(20).
ومن خلال استقراء محتوى هذا النص ، يتبين لنا ، الآتي :
أ-أكد المشرع الدستوري على تحريم المساس بنصوص الدستور وبشكل خاص ، حظر تعطيل الأحكام الدستورية بشكل جزئي أو بشكل كلي .
ب-إن الحظر الدستوري يتحقق في جميع الظروف التي تحياها الدولة في الظروف العادية و كذلك الظروف غير العادية .
ج-يعكس النص الدستوري ، اعتقاد واضعوا الدستور ، إن النصوص الواردة في وثيقة الدستور تمثل جوهر نظام الحكم السياسي ، وأبرزها القواعد المنظمة للمؤسسات الدستورية ، وكذلك القواعد المنظمة لعلاقة الدولة بالفرد ، لذلك أعلنوا عن عدم جواز المساس بالدستور أي منعوا تعطيله .
والتساؤل الذي يثار في هذا الشأن هو : حينما ينص الدستور على حظر إيقاف العمل بمواده بشكل كلي أو جزئي ، فهل يقيِّد هذا المنع ، السلطات العامة ، وبشكل خاص ، سلطة رئيس الدولة ؟
لاشك أن احترام السلطات العامة ( وبخاصة رئيس الدولة ) لنصوص الدستور ومراعاة الأحكام الواردة فيها ، من شأنه أن يضمن تطبيق القواعد الدستورية(21).
ومن ثم ، فإن المنع أو الحظر ( الذي يحرم المساس بأحكام الدستور و وقف العمل بها ) يفرض على السلطات العامة ، ومنها رئيس الدولة . وبالتالي يقيدها وهي تمارس نشاطها الدستوري . ويستند هذا الرأي على طبيعة سلطة التعطيل ذاتها .
فالاتجاه الدستوري الذي ينادي بمنع تعطيل مواد الدستور ، ينطلق من المسلمة التالية : وجود نوعين من السلطة المؤسسة : السلطة المؤسِسة الأصلية والسلطة المؤسَسة ( السلطة المنشأة) (21).
وإذا كان الأمر كذلك ، فمن المنطقي التسليم حينذاك بالحظر الذي يرد في الدستور ويمنع السلطة المنشأة ( والمتمثلة بسلطة رئيس الدولة ) من تعطيل أحكام الدستور .
وآية ذلك ، أن السلطة المنشأة ، هي سلطة خلقها الدستور وحدد نشاطها . ومن ثم ، لا يجوز لهذه السلطة أن تعطل إرادة السلطة المؤسِسة الأصلية ، وتوقف تطبيق الأحكام الدستورية التي تعبر عن المبادئ والأفكار التي صاغتها صياغة قانونية ، وأصدرتها في شكل نصوص دستورية .
المبحث الثاني :
الإجازة الصريحة لتعطيل الدستور
أقرت بعض الدساتير ، بشكل صريح ، إمكانية وقف أو تعليق بعض النصوص الدستورية ، في حالة الظروف الاستثنائية .
وتجسد هذا النهج في بعض الدساتير الأجنبية التي نصت على منح رئيس الدولة إجازة صريحة لوقف تطبيق بعض المواد الدستورية ،ومن أمثلة ذلك : الدستور اليوغسلافي الصادر عام 1963 ، حيث نص في المادة (117) منه ، على أنه : ’’ يجوز لرئيس الجمهورية في أحوال الحرب ، أن يوقف بصورة استثنائية نصوص الدستور الخاصة ببعض حقوق وحريات المواطنين ، ومنظمات الإدارة الذاتية ، أو تشكيل سلطات الأجهزة السياسية التنفيذية والإدارية ، كلما اقتضت مصلحة الدفاع القومي ذلك ‘‘ .
ونظم الدستور التركي الصادر عام 1982 والمعدل عام 2002 ، الاختصاصات التي يمارسها رئيس الدولة ، ومنحت المادة (104/ثانياً/ب) من الدستور ، رئيس الدولة سلطة إعلان الأحكام العرفية ، وحالة الطوارئ State of Emergency.
ويتمتع رئيس الدولة وفقاً لأحكام الدستور بصلاحية تعليق النصوص الدستورية المتعلقة بالحقوق والحريات ، حيث جاءت المادة (15) من الدستور تحمل عنوان ( تعليق ممارسة الحقوق والحريات الأساسية)، وقررت الفقرة الأولى من ذات المادة ، أنه:’’في أوقات الحرب أو التعبئة Mobilization ، أو الأحكام العرفية ، أو حالة الطوارئ ، يمكن تعليق ممارسة الحقوق والحريات الأساسية ، جزئياً أو كلياً ، وتتخذ الإجراءات التي تقتضيها حالة الضرورة ، والتي تنتقص من الضمانات المنصوص عليها في الدستور، شريطة عدم انتهاك الالتزامات المقررة بموجب القانون الدولي‘‘.
وكذاك أجازت بعض الدساتير العربية ، تعطيل النصوص الدستورية ، في حالة الظروف الاستثنائية . ومن أمثلة ذلك الدستور المصري لعام 1923 ، إذ نصت المادة (45) منه ، على اختصاص رئيس الدولة ( الملك) بإعلان الأحكام العرفية ، وأوجبت أن يعرض إعلان الأحكام العرفية فوراً على البرلمان ليقرر استمراريتها أو إلغائها . كما نصت المادة (46) من ذات الدستور على تمتع رئيس الدولة ( الملك) بصلاحية إعلان الحرب وعقد الصلح .
وبمقتضى نصوص الدستور ، فإن رئيس الدولة يمتلك سلطة تعطيل نصوص الدستور . حيث أوضحت المادة (155) من الدستور نفسه ، أنه : ’’ لا يجوز لأية حال ، تعطيل حكم من أحكام الدستور ، إلاّ أن يكون ذلك وقتياً وفي زمن الحرب ، أو أثناء قيام الأحكام العرفية وعلى الوجه المبين في القانون ، وعلى أية حال لا يجوز تعطيل انعقاد البرلمان متى توافرت في انعقاده الشروط المقررة في هذا الدستور‘‘(22). وجدير بالذكر أن مضمون هذا النص ، ورد في المادة (144) من الدستور المصري الصادر عام 1930.
ومن السمات المشتركة بين دساتير دول الخليج العربي ، أنها أجازت تعطيل النصوص الدستورية في حالة الأحكام العرفية .
ومن أمثلة ذلك دستور الكويت الصادر عام 1962 ، حيث تضمنت المادة (69) منه صلاحية رئيس الدولة ( الأمير ) إعلان الحكم العرفي بمرسوم يصدر في أحوال الضرورة التي يحددها القانون وبالإجراءات المنصوص عليها فيه . ويتمتع رئيس الدولة بسلطات استثنائية في حالة الأحكام العرفية ، إذ نصت المادة (181 ) من الدستور ،على إنه : ’’ لا يجوز تعطيل أي حكم من أحكام هذا الدستور ، إلاّ أثناء قيام الأحكام العرفية في الحدود التي يبينها القانون ... ‘‘(23).
ونجد ذات الاتجاه ، في دستور قطر الصادر عام 1972 والمعدل عام 1998 ، عندما خوَّلت المادة (69) منه رئيس الدولة ( الأمير ) اختصاص إعلان الأحكام العرفية ، بمرسوم وذلك في الأحوال الاستثنائية التي يحددها القانون ، وله عند ذلك اتخاذ كل الإجراءات السريعة اللازمة لمواجهة أي خطر يهدد سلامة الدولة ، وتتضمن تلك الإجراءات تعطيل نصوص الدستور ، حيث قررت المادة (149 ) من الدستور ،على إنه : ’’ لا يجوز تعطيل أي حكم من أحكام هذا الدستور ، إلاّ أثناء فترة سريان الأحكام العرفية وفي الحدود التي يبينها القانون ... ‘‘(24).
وتضمن دستور الإمارات العربية المتحدة الصادر عام 1973 ، المادة (146) التي خولت رئيس الإتحاد، إعلان الأحكام العرفية ، بمرسوم يصدر بناءاً على مبادرة منه ، وموافقة مجلس وزراء الإتحاد ومصادقة المجلس الأعلى ، وذلك في أحوال الضرورة التي يحددها القانون .
ولرئيس الإتحاد أن يتخذ الإجراءات التي تقتضيها حالة الأحكام العرفية ، بما في ذلك تعطيل نصوص الدستور . وقد نصت المادة (145 ) من الدستور ،على إنه : ’’ لا يجوز بأي حال تعطيل أي حكم من أحكام هذا الدستور ، إلاّ أثناء قيام الأحكام العرفية في الحدود التي يبينها القانون المنظم لتلك الأحكام ...‘‘(25).
وأشار دستور البحرين الصادر عام 1973 والمعدل عام 2002 ، في المادة (36) منه إلى تمتع رئيس الدولة ( الملك ) بصلاحية إعلان حالة السلامة الوطنية أو الأحكام العرفية .
ويجوز لرئيس الدولة إيقاف العمل بأحكام الدستور في حالة الأحكام العرفية . استنادا للمادة (123 ) من الدستور ، والتي قضت بأنه : ’’ لا يجوز تعطيل أي حكم من أحكام هذا الدستور ، إلاّ أثناء إعلان الأحكام العرفية في الحدود التي يبينها القانون ... ‘‘(26).
وأناط دستور عمان الصادر عام 1996(27) في المادة (42) منه ، برئيس الدولة ( السلطان ) ، صلاحية إعلان حالة الطوارئ والتعبئة العامة والحرب ، واتخاذ الإجراءات السريعة لمواجهة أي خطر يهدد سلامة الدولة .
ومن هذه الصياغة ، يتضح أن المشرع الدستوري ، أجاز لرئيس الدولة اتخاذ ما يراه من تدابير وإجراءات ، وتشمل إجراء إيقاف تطبيق أي نص من نصوص الدستور . حيث جاءت المادة (73) من الدستور ، لتقرر أنه : ’’ لا يجوز تعطيل أي حكم من أحكام هذا النظام ، إلاّ أثناء قيام الأحكام العرفية وفي الحدود التي يبينها القانون ... ‘‘(28).
ويستفاد من النصوص الدستورية سالفة الذكر ، والتي تضمنتها دساتير دول الخليج العربي ، أنها احتوت على قواعد ومبادئ مشتركة تمثلت بالآتي :
أ-تمتع رئيس الدولة بوضع خاص بين سائر المؤسسات الدستورية . وامتلاكه لصلاحيات استثنائية .
ب-إن المشرع الدستوري وضع قاعدة عامة ، تقضي بعدم جواز إيقاف العمل بأي حكم من الأحكام الواردة في وثيقة الدستور وذلك في حالة الظروف العادية التي تحياها الدولة .
ج-أورد المشرع الدستوري استثناءاً على القاعدة العامة ، حيث أجاز تعطيل أي حكم من الأحكام الواردة في الدستور في حالة الأحكام العرفية بوصفها أحد أشكال الظروف الاستثنائية .
و نلاحظ أن الاستثناء الذي نص عليه المشرع الدستوري لا ينصرف إلى جميع الأشكال التي تتجلى بها الظروف الاستثنائية . وإنما يتحدد مضمون النص الدستوري في حالة واحدة من الحالات غير العادية وهي حالة الأحكام العرفية(29).
ويحقق أسلوب هذه الدساتير المواءمة بين ما يوجبه الالتزام بضمان التطبيق السليم للنصوص الدستورية ، وبين ما تقتضيه ضرورات تحقيق الصالح العام بجوانبه المختلفة .
وعلى نفس المنوال سار الدستور الجزائري الصادر عام 1989 والمعدل عام 1996 ، حيث نص في المادة (96) منه على أن : ’’ يوقف العمل بالدستور ، مدة حالة الحرب ويتولى رئيس الجمهورية جميع السلطات ..‘‘ (30).
و تأثر مشروع دستور العراق لعام 1990 ، بالاتجاه السائد في بعض الدساتير المعاصرة ، والذي يجيز لرئيس الدولة وقف العمل بأحكام الدستور .
وعمل مشروع دستور العراق ، على تقوية مركز رئيس الدولة وتوسعة وتدعيم وتضخيم صلاحياته ، وترجيح كفته على كفة المؤسسات الأخرى . وتطبيقاً لذلك ، فقد نصت المادة (99/الفقرة 2 ) منه على أنه : ’’ خلال فترة إعلان حالة الطوارئ ، وفي حدود المنطقة المشمولة بها ، يجوز بمرسوم يصدره رئيس الجمهورية ، إيقاف العمل مؤقتاً ، بأحكام المواد : 43 ، 47 ، 52 ، 53 ، 54 ، 56 ، 57 ، 67 ، من الدستور ‘‘ .
و يتضح من هذا النص ، أن مشروع الدستور ، قد منح رئيس الجمهورية صلاحية واسعة ، تمكنه من المساس بأحكام الدستور ، من خلال إصدار قرار يعطل أحكامه ويوقف العمل بالمواد التي تتعلق بجوانب متعددة من ممارسة الحقوق والحريات العامة(30).
ولعل ظاهرة تقوية مركز رئيس الدولة ، متجسدة في أغلب دساتير دول العام الثالث . ونجد هذه الظاهرة متحققة أيضاً في الدستور السوداني لعام 1998 ، والذي منح رئيس الجمهورية صلاحية واسعة، ومنها تعطيل الأحكام الدستورية . حيث نصت المادة (132) منه على أن : ’’ لرئيس الجمهورية أثناء حالة الطوارئ أن يتخذ بموجب قانون أو أمر استثنائي أيّاً من التدابير الآتية : (أ) أن يعلق بعضاً أو كلاًّ من الأحكام المنصوص عليها في فصل الحريات والحرمات والحقوق الدستورية ، ولا يجوز في ذلك المساس بالحرية من الاسترقاق أو التعذيب ، أو الحق في عدم التمييز فقط بسبب العنصر أو الجنس أو الملة الدينية ، أو بحرية العقيدة ، أو بالحق في التقاضي ، أو حرمة البراءة وحق الدفاع ‘‘ .
ومن خلال استقراء هذا النص ، نلاحظ الآتي :
أ-أجاز المشرع الدستوري لرئيس الجمهورية في حالة الطوارئ أن يعطل بشكل جزئي أو كلي ، المبادئ المتعلقة بالحقوق والحريات .
ب-استثنى المشرع الدستوري من صلاحية التعطيل بعض النصوص الدستورية . وبتعبير أكثر دقة ، إن المشرع الدستوري حظر تعطيل بعض النصوص الدستورية والمتعلقة بالموضوعات التي حددها صراحةً وعلى سبيل الحصر .
المبحث الثالث :
الإجازة الضمنية لتعطيل الدستور
تواترت الوثائق الدستورية لعدد من الدول على عدم الإقرار صراحة بصلاحية تعطيل أحكام الدستور في حالة الظروف الاستثنائية .
فعلى الرغم من أن نصوص هذه الوثائق الدستورية قد منحت رئيس الدولة صلاحية اتخاذ تدابير استثنائية ، إلاّ أننا نجد تلك النصوص قد تمت صياغتها في عبارات عامة ، لا تتضمن شيئاً من مدى ونطاق سلطة الرئيس في المجال الدستوري .
وتبعاً لذلك ، فقد اجتهد الفقه الدستوري لتفسير النصوص الواردة في هذه الدساتير ، وانتهى إلى نتيجة مفادها : أن النصوص الدستورية تجيز وبشكل ضمني ، وقف العمل بالأحكام الواردة فيها .
وتجسد هذا الإتجاه في عدد من الدساتير ،و من أبرزها : الدستور الفرنسي لعام 1958 ، والدستور المصري لعام 1971 .
حيث تنص المادة ( 16 ) من الدستور الفرنسي لعام 1958(31)،على ما يأتي : ’’ عندما تكون مؤسسات الجمهورية أو استقلال الأمة أو سلامة أراضيها أو تنفيذ التزاماتها الدولية مهددة ، بخطر جسيم وحال ، ويكون العمل المنتظم للسلطات الدستورية العامة متعطلاً ، يتخذ رئيس الجمهورية الإجراءات التي تقتضيها هذه الظروف ، بعد مشاورة رسمية مع الوزير الأول و رؤساء مجلسي البرلمان والمجلس الدستوري(32). ويقوم رئيس الجمهورية بإبلاغ هذه الإجراءات إلى الشعب برسالة . ويجب أن تكون هذه الإجراءات مستوحاة من الرغبة في تمكين السلطات العامة الدستورية من أداء مهامها في أقرب وقت . ويستشار المجلس الدستوري بشأن هذه الإجراءات . وينعقد البرلمان بقوة القانون ولا يجوز حل الجمعية الوطنية أثناء ممارسة السلطات الاستثنائية ‘‘(33).
وجاءت المادة ( 74 ) من الدستور المصري لعام 1971 ، لتقرر إن : ’’ لرئيس الجمهورية إذا قام خطر يهدد الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها الدستوري ، أن يتخذ الإجراءات السريعة لمواجهة هذا الخطر ، ويوجه بياناً إلى الشعب ، ويجري الاستفتاء ، على ما اتخذه من إجراءات خلال ستين يوماً من اتخاذها ‘‘(34).
ومن خلال تحليل المواد الدستورية ( المادة 16 فرنسي –والمادة 74 مصري ) يتبين لنا أن تطبيق تلك المواد يمنح رئيس الجمهورية ’’ سواء في فرنسا أم في مصر ، صلاحية اتخاذ الإجراءات التي حددها الدستور الفرنسي بأنها ( تقتضيها هذه الظروف /أي لازمة ) ، بينما حددها الدستور المصري بأنها ( سريعة) ‘‘(35).
والصيغة في الحالتين ، بالغة الاتساع ، لأن اصطلاح " الإجراءات " لا يقف عند إصدار قرارات جمهورية يكون لها قوة القانون issue decrees having force of law، بل يشمل أي إجراء في صورة قرار فردي أو قرار تنظيمي(36). وعلى هذا فإنه يكون لرئيس الجمهورية حرية اختيار الإجراء أو التدبير الذي يراه لازماً لمعالجة الحالة الطارئة .
ورغم أن المادتين ( 16 و74 ) من دستوري فرنسا ومصر لم تقرا صراحةً سلطة وقف بعض نصوص الدستور ، إلاّ أنهما اكتفتا بمنح رئيس الجمهورية سلطات واسعة جداً في فترة الأزمات الخاصة .
والتساؤل الذي يطرح نفسه على بساط البحث : هل تتضمن سلطات الأزمات الخاصة ، صلاحية تعطيل أحكام الدستور ؟
يرى أغلب الفقه أن النظام الاستثنائي الذي تقيمه المادة (16) من الدستور الفرنسي ، و المادة ( 74 ) من الدستور المصري يعني ضمناً بأنه يخول رئيس الجمهورية ، صلاحية إيقاف و تعطيل بعض النصوص الدستورية لفترة مؤقتة(37).
ويستند الفقه في تسويغ إقراره بتمتع رئيس الجمهورية بصلاحية إيقاف العمل ببعض الأحكام الواردة في المواد الدستورية ، إلى أن المواد (16) و(74) تفترض مشروعية كل إجراء ضروري يتخذه رئيس الجمهورية للقضاء على الأزمة التي تتعرض لها الدولة ، حتى ولو اقتضى هذا الإجراء المساس بالدستور(38).
على إن وقف الدستور أو بعض أحكامه ، يجب ألاّ يتحقق تلقائياً بمجرد اللجوء إلى تلك السلطات الاستثنائية . وإنما ينبغي أن يصدر قرار صريح بوقف أحكام الدستور المحددة على سبيل الحصر . كما إن الوقف يجب أن يكون ذا صلة بموقف الأزمة وطبيعة الخطر ، وأن يهدف إلى إعادة مؤسسات الدولة إلى مهامها العادية ، كذلك فإن سلطة وقف بعض أحكام الدستور يجب أن تكون مقيدة Restriction ، وربما كان أهم قيد يتمثل بقاعدة التناسب بين ما تقتضيه الضرورة من خروج على أحكام الدستور والمدى الذي يكفي للتغلب على الأزمة .
الفصل الثالث:
القيود التي ترد على سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور
يقتضي منطق الدراسة القانونية المجرد أن نوضح حدود سلطة رئيس الدولة في مجال وقف العمل بالنصوص الدستورية .
والتساؤل الذي يرد في هذا الشأن ، يدور حول ما إذا كانت سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور ، سلطة مطلقة ، أم مقيدة ؟
وبعبارة أخرى ، هل يمتلك رئيس الدولة سلطة واسعة ومطلقة تسمح له بتعطيل نصوص الدستور ؟ أم أن هنالك قيود تحد من هذه السلطة ، بحيث تسمح لرئيس الدولة بتعطيل بعض نصوص الدستور ، وتمنعه- في ذات الوقت- من تعطيل نصوص دستورية أخرى ؟ .
وللإجابة على هذا التساؤل ، فإن الأمر يقتضينا أن نبرز –بادئ ذي بدء- موقف الدساتير حيال مدى سلطة رئيس الدولة في إيقاف تطبيق نصوص الدستور .
و يمكن القول إن الاتجاهات الدستورية قد اختلفت في أشكال القيود التي تفرضها لتحديد سلطة التعطيل . وقد تبنت الدساتير حيال هذا الأمر منهجين ، الأول : يتمثل في التقييد المباشر ، والثاني : يتمثل في التقييد غير المباشر.
ولذلك فإننا سنحاول توضيح أشكال القيود التي تفرض على سلطة التعطيل ، وذلك في مبحثين :
المبحث الأول : التقييد المباشر لسلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور
المبحث الثاني :التقييد غير المباشر لسلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور
المبحث الأول :
التقييد المباشر لسلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور
يحدد المشرع الدستوري صراحة حدود سلطة رئيس الدولة في وقف العمل بأحكام الدستور ، من خلال ما يضعه من قواعد دستورية تحدد بذاتها مضمون هذه القيود .
وفي هذه الحالة تكون نصوص الدستور هي المصدر المباشر الذي يتولد عنه قيود تحد من سلطة التعطيل.
وسنعرض للقواعد الدستورية التي أوردت قيوداً مباشرة على سلطة التعطيل ، وذلك في مطلبين مستقلين: نحدد في أولهما للمبادئ التي تحكم تقييد سلطة تعطيل الدستور ، ونحدد في الآخر موقف بعض الدساتير العربية من المبادئ المقيدة لسلطة تعطيل الدستور .
المطلب الأول :
المبادئ التي تحكم تقييد سلطة تعطيل الدستور
تضمنت بعض الدساتير أحكاماً تحدد سلطة رئيس الدولة في تعطيل نصوص الدستور ، استناداً إلى (نظام الترخيص ) بدلاً من ( نظام المنع أو التحريم ) .
ويترتب على ذلك ، نتيجة أساسية ، مفادها : أن ذكر النصوص الدستورية التي يرخص الدستور ويجيز لرئيس الدولة تعطيلها ، يكون من أثره ، منع أو حظر تعطيل النصوص الأخرى .
فلئن كان من الجائز أن ينص الدستور على الأحكام التي يجوز تعطيلها في الظروف غير العادية ، فإن هذه الأحكام يجب أن تحدد بنص في الدستور . كما يجب أن ينص الدستور على الأحكام التي لا يجوز تعطيلها بأي حال من الأحوال(39).
وتأسس هذا الاتجاه في الدستور الألماني الصادر عام 1919 ، حيث منحت المادة ( 48/الفقرة 2 ) رئيس الدولة حق تركيز كل السلطات في حالة التهديد ضد الأمن أو النظام العام ، إذ قررت أنه:’’ .. في هذه الحالة ، للرئيس ، وبصفة مؤقتة ، أن يعطل الحقوق الأساسية المحددة بالمواد 114 -115-118-123-153، كلياً أو جزئياً ‘‘(40) .
وأخذ المشرع الدستوري في تركيا ، بذات النهج .فقد أشار الدستور التركي الصادر عام 1982 والمعدل عام 2002 في المادة (15) منه ، إلى صلاحية تعليق ممارسة الحقوق والحريات الأساسية بشكل جزئي أو كلي ، وذلك في الظروف غير العادية المتمثلة في حالات : الحرب ، أو الأحكام العرفية ، أو حالة الطوارئ .
والملاحظ ، أنه كان للمشرعين الدستوريين الدور الرئيسي الهام في إبراز المبادئ والضوابط التي تحكم سلطة رئيس الدولة في وقف العمل بالنصوص الدستورية المتعلقة بحقوق الأفراد . وكان سبيلهم إلى ذلك ، محاولتهم إرساء نوع من الموائمة والتوازن بين متطلبات الحفاظ على الصالح العام المشترك ، وضرورات حماية الحقوق وضمان ممارستها .
ومما يجدر ذكره في هذا الصدد ، إن المبادئ التي أوردتها الدساتير -سالفة الذكر-يمكن اعتبارها مبادئ عامة تتطلبها مشكلة الصراع بين السلطة والحرية ، وذلك لما تحتويه من منطق ومراعاة للحقوق والحريات من خلال الصالح المشترك .
ويمكن إجمال المبادئ التي تحكم سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور على النحو الآتي :
-المبدأ الأول :حظر تعطيل أي حكم من أحكام الدستور السياسي والدستور الاجتماعي في الظروف العادية التي تحياها الدولة .
-المبدأ الثاني :جواز إيقاف تطبيق بعض نصوص الدستور الاجتماعي ( أي النصوص المتعلقة بالحقوق والحريات ) وبصفة مؤقتة في الظروف غير العادية التي تطرأ على حياة الدولة .
-المبدأ الثالث : التناسب بين مقتضيات الصالح العام مع متطلبات الصالح الخاص .
حيث إن الصالح العام قد يقتضي تحجيم الإطار الذي يتحرك فيه الأفراد لممارسة حقوقهم ، وتحقيق مصالحهم الخاصة ، بوضع بعض الحدود عليها أو حتى إيقاف العمل بها .
و لا يحول ذلك دون تحقق التناسب بين الأمرين ، لأن النظام العام والصالح العام يعودان في النهاية بالفائدة والنفع على الجميع وعلى الأفراد ، أي على الكل والجزء ، وبهذا يتحقق التناسب .
المطلب الثاني :
موقف الدساتير العربية من المبادئ المقيدة لسلطة تعطيل الدستور
تبنت بعض الدساتير العربية ذات النهج الذي يقرر أحكاماً ومبادئ خاصة تحدد قيوداً موضوعية ترد على سلطة رئيس الدولة في إيقاف تطبيق النصوص الدستورية .
وتمثل ذلك في بعض الوثائق الدستورية، ومن أبرزها : مشروع دستور جمهورية العراق لعام 1990 ، وكذلك الدستور السوداني لعام 1998 .
ـ مشروع دستور العراق لعام 1990 :
منحت المادة (99/2) رئيس الجمهورية في حالة الطوارئ ، صلاحية إيقاف العمل - بشكل مؤقت –بأحكام بعض المواد، والتي تتضمن معالجة الحقوق والحريات(41).
والملاحظ أن مشروع الدستور قد تضمن الآتي :
أولاً- سمح بتعطيل بعض النصوص الدستورية في الظروف غير العادية والتي قصرها على حالة الطوارئ.
ثانياً- حدد النصوص الدستورية التي يجوز تعطيلها ، وهي : المواد : 43 ، 47 ، 48 ، 52 ، 53 ، 54 ، 56 ، 57 ، 67 .
ثالثاً-والناظر إلى المواد التي سمح المشرع الدستوري بتعطيلها ، يجدها تتعلق بحقوق الإنسان ،وتشمل الحقوق الشخصية ، والحقوق الفكرية والحقوق الاجتماعية ،وعلى النحو الآتي :
أ-الحقوق والحريات المتعلقة بشخصية الإنسان(42)، وتجسدت في: الحق في الأمن الفردي ، والحق في حرمة المسكن ، والحق في سرية المراسلات ، والحق في السفر والعودة .
ب- الحقوق والحريات المتعلقة بفكر الإنسان(43)، وتجسدت في:الحق في حرية الفكر والرأي والتعبير ، والحق في حرية الصحافة والطباعة والنشر ، والحق في حرية التجمع والتظاهر ، والحق في حرية تأسيس الأحزاب السياسية والانضمام إليها ، والحق في تأسيس الجمعيات والانضمام إليها .
ـ الدستور السوداني لعام 1998 :
أسس الدستور السوداني اتجاهاً دستورياً حديثاً ، حيث رسم حدود سلطة رئيس الدولة في تعليق أحكام الدستور. واتجه المشرع الدستوري في المادة (132) نحو الإقرار بتمتع رئيس الدولة بصلاحية تعليق كل أو بعض القواعد الدستورية المنظمة للحقوق والحريات ، وحظر في الوقت ذاته ، تعليق بعض القواعد الدستورية ذات الصلة بالموضوعات الآتية :
-الحرية والحق في الحياة ،والحرية والحق في المساواة ،وحرية العقيدة والعبادة ،والحق في التقاضي ،وحق افتراض البراءة،وحق الدفاع .
ويمكننا أن نبرز المبادئ أو ( الضوابط )التي رسم معالمها وحدود تطبيقها الدستور السوداني ، وعلى النحو التالي :
-المبدأ الأول : سلطة رئيس الدولة في تعليق الدستور لا تؤدي إلى الإيقاف المطلق للنصوص الدستورية المتعلقة بالحقوق والحريات .
-المبدأ الثاني :التناسب العكسي بين سلطة رئيس الدولة في تعليق أحكام الدستور ، وقيمة الحق أو الحرية .
-المبدأ الثالث : التزام رئيس الدولة في عدم الدخول في المجال الدستوري للحقوق والحريات الأساسية، الذي حظرت السلطة التأسيسية الأصلية المساس به وتعليق أحكامه .
ويؤخذ على هذا الاتجاه ، أن تحديد المواد التي يجوز إيقاف العمل بها هو أمر محل نظر .ذلك ، لأن هنالك صلة وترابط وثيق بين جميع النصوص الواردة في وثيقة الدستور . ومن ثم ، فإن تعطيل نص دستوري معين ، أجاز المشرع الدستوري تعطيله ، ينعكس أثره على نصوص دستورية أخرى ، غير مسموح بتعطيلها .
ونؤسس رأينا هذا على فكرة ( وحدة البناء الفكري والفلسفي لوثيقة الدستور ) ، وبالتالي فإن إيقاف العمل ببعض نصوص الدستور ، من شأنه أن يؤثر على نصوص الدستور الأخرى .
المبحث الثاني :
التقييد غير المباشر لسلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور
يصعب البحث حول ما إذا كانت هناك قيود ترد على سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور ، دون أن ترد صراحة في الوثيقة الدستورية ، إلاّ أن هنالك اتجاهات فقهية حاولت أن تستخلص تلك القيود على نحو غير مباشر من النصوص الدستورية التي عالجت حقوق الإنسان والسلطات الاستثنائية ، وفي هذه الحالة تكون المبادئ الدستورية هي المصدر لهذا التحديد المستخلص من ثنايا قواعد الدستور .
على إن الفقه اتجه إبتداءاً إلى الاعتماد في تحديد القيود التي تحد من سلطة رئيس الدولة،على إرادة المشرع الدستوري،من خلال ما يضعه من قواعد في صيغة النص الدستوري. وعلى هذا المنوال ، نص الدستور السويسري لعام 1874 ، وكذلك الدستور السويسري لعام 1999 في المادة (185) منه ، على إن : ’’ يمكن للمجلس الاتحادي استناداً على هذه المادة أن يصدر أوامر ويتخذ قرارات لمواجهة قلاقل حدثت أو تحدث مهددة للنظام العام أو للأمن الداخلي أو الخارجي ، وتكون هذه الأوامر ذات صلاحية زمنية محددة ‘‘ .
والملاحظ إن الدستور السويسري قد منح المجلس التنفيذي الاتحادي والذي يترأسه رئيس الدولة الاتحادية ، صلاحية استثنائية ، تتمثل باتخاذ قرارات ، قد تؤدي إلى إيقاف العمل بنصوص الدستور . ولكن ما مدى سلطة التعطيل وفقاً للدستور السويسري ؟
لم يتضمن الدستور تحديداً مباشراً لنطاق السلطات الاستثنائية . ولذلك اتجه جانب من الفقه السويسري إلى تحديد سلطة رئيس الدولة في تعطيل نصوص الدستور ، من خلال التمييز بين نوعين من النصوص الدستورية من حيث قيمتها الموضوعية ( أي مضمونها و محتواها ) ، حيث صنفها إلى :
- نصوص دستورية جوهرية وأساسية : وهي النصوص التي توضح المبادئ الأساسية في إقامة النظام السياسي ، فهي لذلك ذات معنى ومضمون سياسي ، وفلسفي ، ويستلزم المساس بها ، حدوث تغيير كامل وشامل .
ويرى أصحاب هذا الاتجاه ، حظر تعطيل النصوص الدستورية الجوهرية والأساسية .
- نصوص دستورية غير جوهرية ( أي ثانوية ) : وهي النصوص التي يتمثل دورها في وضع النصوص الجوهرية ، موضع التنفيذ ، وذلك بإنشائها للهيئات وتبيان قواعد عملها ، وإن مسألة تغييرها والمساس بها تشكل إصلاح بسيط ، إذا كشفت الظروف عن أفضلية ذلك الإصلاح لغرض تنفيذ المبادئ الأساسية(44).
وفي ضوء ذلك ، يرى أصحاب هذا الاتجاه ، جواز تعطيل النصوص الدستورية الثانوية .
ويؤخذ على هذا الاتجاه ، أنه لم يضع معيار منضبط للتمييز بين النصوص الدستورية ، كما إن إقامة التدرج بين النصوص الدستورية في الدستور ذاته ، قد يفسح المجال للخلاف ، والذي قد يؤدي إلى تجاوز السلطة .
كما حاول جانب من الفقه الفرنسي ، تحديد سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور ، من خلال الرجوع إلى المبادئ العامة في نظرية الضرورة . وتطبيقاً لذلك ، نجد أن الفقيه الفرنسي ( بيردو BURDEAU ) يرى أن مجرد اللجوء إلى المادة (16) من الدستور الفرنسي لعام 1958 وتطبيقها بمثابة تعطيل مؤقت للنصوص الدستورية(45).
إلاّ أن البعض الآخر في الفقه الفرنسي ، قد انتقد هذا الاتجاه والذي يعتبر إن تطبيق المادة (16) بمثابة تعطيل النصوص الدستورية الأخرى . ويشير أنصار هذا الرأي إلى إن هنالك نصوص دستورية تخرج عن نطاق التعطيل ، وذلك لضمان عدم توقف ضمانات تطبيق المادة (16) كاجتماع البرلمان بقوة القانون ، أو إمكانية اتهام الرئيس بالخيانة العظمى بمقتضى المادة (68) من الدستور الفرنسي(46).
هذا وقد تباينت آراء الفقه المصري بشأن حدود سلطة رئيس الدولة في إيقاف العمل بنصوص الدستور تطبيقاً للمادة (74) من الدستور المصري لعام 1971 .
فقد أقر ( د. طعيمة الجرف ) بامتلاك رئيس الجمهورية سلطة تقديرية مطلقة في تحديد الخطر ونوع الإجراءات التي يتخذها ، والتي قد تصل إلى حد الترخيص له بتعطيل العمل ببعض أو بكل أحكام الدستور(47).
أما (د. محمد كامل ليلة ) فيرى أن العمل بالمادة (74) وتطبيقها ، من شأنه أن يعطل بعض نصوص الدستور الأخرى لحسابها .إذ أن الإجراءات التي تتخذ في ظلها تقع على خلاف المادة (44) من الدستور التي تقرر حرمة المساكن وعدم جواز دخولها أو تفتيشها إلاّ بأمر قضائي مسبب ، وعلى خلاف المادة (48) من الدستور والخاصة بحظر الرقابة على الصحف وإنذارها أو تعطيلها أو إلغائها بالطريق الإداري(48).
أما ( د. يحيى الجمل ) فيرى أن النظام القانوني الاستثنائي الذي تقيمه هذه النصوص ، يعني ضمناً بأنه تعطيل للنصوص الدستورية الأخرى . ولكن ذلك الإطلاق ، يتقيد بقيد يقرره الفقه الإسلامي . وهو القيد المستفاد من قاعدة ( التناسب بين ما تقتضيه الضرورة من خروج على أحكام الدستور ، والمدى الذي يكفي لمواجهة الأزمة ) وكذلك من قاعدة ( الضرورة تقدر بقدرها ) (49).

الخاتمـة :
أولاً-النتائج :
يمكن إجمال أبرز النتائج التي توصلنا إليها ، بما يأتي :
1-إن بحث مفهوم تعطيل الدستور ، قد أوضح لنا أن مدلول التعطيل يجب أن لا يكون مقتصراً على المعنى الضيق للتعطيل ، والمتمثل بالتعطيل الرسمي للدستور . بل إن للتعطيل مفهوم واقعي . لذلك يتجه الفكر القانوني إلى التوسع في مدلول التعطيل كي يشمل التعطيل الفعلي لنصوص الدستور .
2-برز تعطيل أو إيقاف العمل بنصوص الدستور ، كحالة واقعية ، تمس سيادة وسمو الدستور . وهي مرحلة ، أسبق من مرحلة التنظيم الدستوري .
3-حرص المشرع الدستوري ، على تقنين ظاهرة تعطيل الأحكام الدستورية وتنظيمها في حالة الظروف الاستثنائية .
4-إن تخويل المشرع الدستوري سلطة التعطيل ، لرئيس الدولة ، يشير إلى الفكرة القانونية التي اعتنقها واضع الدستور ، حيث أن تمتع رئيس الدولة بهذه السلطة ، يمثل أحد تطبيقات ظاهرة تقوية مركز رئيس الدولة وترجيح كفته على السلطات العامة الأخرى .
5-إن اللجوء إلى تعطيل الدستور ، قد يؤدي إلى قيام نوع من ( الديكتاتورية ) تحت ستار النصوص الدستورية ، فالسلطة تغري بالمزيد من السلطة ، واستمرار السلطة غير المقيدة ، قد تتفق جزئياً مع منطق تركيز السلطة ، وقد يجعل الممارسون لتلك السلطة يسترسلون مع هذا التيار ، وفي ذلك خطورة على النظام الديمقراطي نفسه .
6-إن التنظيم الدستوري للتعطيل قد يخلق جواً سياسياً ملائماً لتقوية فكرة السلطة الشخصية ، وذلك لأن رئيس الدولة هو الجهاز الذي يختص بسلطة التعطيل .
والتنظيم المسبق لحالة التعطيل يعطي سنداً لرئيس الدولة للخروج على المشروعية مما يجعله أمراً مقبولاً في الحياة السياسية ، وهو الأمر الذي يزيد من مخاطر تقوية وتركيز السلطة الشخصية .
7-تقيم سلطة تعطيل الدستور ، نقطة توازن جديدة ، بين امتيازات السلطة العامة ، من ناحية ، وحماية الحقوق والحريات من ناحية أخرى ، وتتحد في الأثر والنتيجة ، إذ تؤدي إلى إيقاف تطبيق النصوص الدستورية المقررة والضامنة للحقوق والحريات .
ثانياً-التوصيات :
وفي نهاية بحثنا نخلص إلى بعض التوصيات ، التي نود أن تنال اهتمام المشرع في العراق، عند تعديل الدستور المستفتى عليه عام 2005 ، بهدف تحقيق وتوكيد مبدأ سمو الدستور ، وضمان تطبيق المباديء التي احتوتها وثيقة الدستور . ويمكن إيجاز ذلك ، بإضافة نص إلى وثيقة الدستور ، يقرر المباديء التالية :
1-حظر تعطيل أحكام الدستور جزئياً أو كلياً في ظل الظروف العادية .
2-جعل الإجراءات التي تقتضيها حالة الأحكام العرفية ومن ضمنها إجراء تعطيل بعض أحكام الدستور من اختصاص رئيس الجمهورية بعد مشاورة رسمية مع رئيس الوزراء و رئيس مجلس النواب، ورئيس المحكمة الاتحادية العليا .
3-حظر تعطيل النصوص الدستورية المتعلقة بالحقوق الأساسية للإنسان ، بأي حال من الأحوال.
4- لمجلس النواب بأغلبية ثلثي أعضائه ، مساءلة رئيس الجمهورية ، في حالة تعطيل الدستور كله أو بعضه ، دون إتباع القواعد والإجراءات التي حددها الدستور ،

الهوامش:
1ـ تبنى هذا الاتجاه :الدستور الفرنسي الصادر عام 1958 ( المادة 5 ) ، والدستور المصري الصادر عام 1971 ( المادة 73 ) .
2ـ أنظر :- محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي ، مختار الصحاح ، دار الرسالة ، الكويت ، 1982، ص440.
-العلامة ابن منظور ، لسان العرب، الجزء 16 ، بيروت ، 1956 ، ص453 .
3ـ أنظر :- محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي ، المصدر نفسه ، ص440 .
-العلامة ابن منظور ، المصدر السابق ، ص454 .
4ـ أنظر :-الأمام جلال الدين الحلي ، الأمام جلال الدين السيوطي ، تفسير الجلالين ، ط2 ، دار الجليل ، بيروت ، 1995 ، ص586 .
-الأمام ابن الفداء إسماعيل بن كثير القرشي ، تفسير ابن كثير ، الجزء 4 ، دار المفيد ، بيروت ، لبنان ، 1983 ، ص476 .
-العلامة السيد محمد حسين الطبطبائي ، مختصر تفسير الميزان ، إعداد كمال مصطفى شاكر ، ط1 ، دار مدين ، 2005 ، ص649 .
5ـ أنظر في ذلك :-الأمام جلال الدين الحلي ، الأمام جلال الدين السيوطي ، المصدر نفسه ، ص337 .
-الأمام ابن الفداء إسماعيل بن كثير القرشي ، تفسير ابن كثير ، الجزء 3 ، دار المفيد ، بيروت ، لبنان ، 1983 ، ص228 .
-العلامة السيد محمد حسين الطبطبائي ، المصدر نفسه ، ص398-399 .
6ـ برز هذا الاتجاه في الفقه الفرنسي :
-Maurice Duverger ; Droit Constitutionnel ,4 ed , Paris , 1971 , p.535.
-Georges Vedel ; Droit Constitutionnel, These Paris ,1960 , p.434.
-Pual Leory ; L'organsation Constitutionne et Ise Crises , L.G.D.J. Paris , 1966,P.218.
-وتبنى ذات الاتجاه جانب من الفقه المصري :
-د.سليمان محمد الطماوي ، النظم السياسية والقانون الدستوري –دراسة مقارنة ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1988 ، ص .
-د. ماجد راغب الحلو ، القانون الدستوري ، دار المطبوعات الجامعية ، الأسكندرية ، 1997 ، ص257 .
-د. يحيى الجمل ، نظرية الضرورة في القانون الدستوري وبعض تطبيقاتها المعاصرة ، دار النهضة العربية ، 1988 ، ص 152 .
-د.مصطفى أبو زيد فهمي ، الدستور المصري ورقابة دستورية القوانين ، منشأة المعارف ، الأسكندرية، 1985 ، ص418 .
7ـ أنظر : -Pual Leory ;op.cit,p.218.
-Georges Vedel ; op.cit,p.434.
8ـ د.إبراهيم عبد العزيز شيحا ، القانون الدستوري تحليل النظام الدستوري المصري في ضوء المبادئ الدستورية العامة ، الدار الجامعية ، بيروت ، 1983 ، ص715 .
-د. عبد الغني بسيوني عبد الله ، سلطة ومسؤولية رئيس الدولة في النظام البرلماني ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1991 ، ص172 .
-د. محمد شريف إسماعيل عبد المجيد ، سلطات الضبط الإداري في الظروف الاستثنائية ، القاهرة ، 1979، ص400 .
-د. مدحت أحمد علي ، نظرية الظروف الاستثنائية ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، 1978 ، ص74 .
-د.أحمد سلامة بدر ، الاختصاص التشريعي لرئيس الدولة في النظام البرلماني –دراسة مقارنة ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2003 ، ص483-484 .
9ـ أنظر : د.صالح جواد الكاظم ، د.علي غالب العاني ، الأنظمة السياسية ، دار الحكمة ، بغداد ، 1991 ، ص 192 .
10ـ أنظر :-د.نوري لطيف ، د.علي غالب العاني ، القانون الدستوري ، بغداد ، 1981 ، ص190.
-د.إحسان المفرجي، د.كطران زغير نعمة ، د. رعد الجدة ، النظرية العامة في القانون الدستوري و النظام الدستوري في العراق ، دار الحكمة ، بغداد ، 1990 ، ص262 .
-د.حميد الساعدي ، مبادئ القانون الدستوري وتطور النظام السياسي في العراق ، مطابع دار الحكمة، الموصل ، 1990 ، ص137 .
11ـ أنظر : د.نوري لطيف ، د.علي غالب العاني ، المصدر السابق ، ص190 .
12ـ أنظر : د.حميد الساعدي ، المصدر السابق ، ص137 .
13ـ أنظر : د.إحسان المفرجي، وآخرون ، المصدر السابق ، ص262-263 .
14ـ تعبر القواعد الدستورية عن أفكار ومصالح معينة سائدة في المجتمع ، وهذه المصالح قد تمثل اتجاهاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً , وحينئذٍ نكون إزاء نظام لتركيز السلطة تكون فيه صورة القبض على السلطة محدودة ضمن الاتجاه الاقتصادي والاجتماعي والسياسي . وقد تمثل المصالح السائدة عدة اتجاهات سياسية واقتصادية واجتماعية ، فتعبر القواعد الدستورية عن تلك الاتجاهات ، وحينئذٍ نكون إزاء نظام لتوزيع السلطة ، تكون فيه صورة القبض على السلطة موزعة بين عدة أطراف ، يمثل كل منها مجموعة من المصالح السائدة اجتماعياً . أنظر في ذلك :
-د.سمير خيري توفيق ، مبدأ سيادة القانون ، دار الحرية للطباعة ، بغداد ، 1978، ص27 .
15ـ لمزيد من التفصيل ، أنظر :
-د.زهير المظفر ، القانون الدستوري والمؤسسات السياسية ، الجزء الأول ، النظرية العامة للقانون الدستوري ، مركز البحوث والدراسات الإدارية ، تونس ، 1992 ، ص242 وما بعدها .
-د. سعيد السيد علي ، حقيقة الفصل بين السلطات في النظام السياسي والدستوري للولايات المتحدة الأمريكية ، القاهرة ، 1999 ،ص16 .
-د.سعيد بو الشعير ، القانون الدستوري والنظم السياسية المقارنة ، الجزء الثاني –النظم السياسية ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر ، 1999 ، ص189 .
16ـ أنظر:د.عبد المنعم محفوظ، علاقة الفرد بالسلطة ،المجلد 3 ، ط1 ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1989 ، ص1091 .
17ـ لقد جرت عدة دراسات في أروقة الأمم المتحدة لحالة الظروف الاستثنائية وتأثيرها على حقوق الإنسان ، ومن أبرز هذه الدراسات ، التقرير الذي قدمته السيدة ( كويسيتاكوس ) في الجلسة (35) للجنة الفرعية عام 1982 ، والذي أشارت فيه إلى الآثار الواقعية على القواعد القانونية ، وعلى احترام حقوق الإنسان .وأكدت أن ضمانات حقوق الأفراد في الظروف الاستثنائية والمقررة في المواثيق والدساتير تخرق باستمرار . كما لاحظت أن حالات الطوارئ تميل إلى أن تكون مستترة ومستمرة أو حتى ثابتة .
-United Nations .Action In The Field of Human Rights , United Nations , New York ,1983,p.150.
18ـ أنظر : د. نعيم عطية ، النظرية العامة للحريات الفردية ، الدار القومية للطباعة والنشر ، القاهرة ، 1965 ، ص201-202 .
19ـ من تقسيمات الحريات الفردية ، تقسيمها إلى حريات تعطلها الأحكام العرفية ، وحريات لا تعطلها الأحكام العرفية . وقد ظهر هذا التقسيم على الأخص في مشروع الدستور الفرنسي لعام 1946 . أنظر :د.علي ماهر ، تمهيد لصياغة باب الحريات والحقوق والواجبات العامة ، القاهرة ، 1953 ، ص52 .
20ـ–Joseph Delpech et Julien La Ferrire : Les Constitution Modernes .Paris,1928,p.367.
21ـ لمزيد من التفصيل، أنظر :د. فتحي عبد النبي الوحيدي ، ضمانات نفاذ القواعد الدستورية ، رسالة دكتوراه ، كلية الحقوق ، جامعة القاهرة ، 1982 ، ص67 وما بعدها . وقد صنف الضمانات التي تكفل نفاذ وتطبيق القواعد الدستورية إلى : ضمانات قانونية وضمانات شعبية .
22ـ أنظر في ذلك : -د.إسماعيل الغزال ، الدساتير والمؤسسات السياسية ، مؤسسة عز الدين للطباعة والنشر ، بيروت ، 1996 ، 35 .و-د. محمد المجذوب ، القانون الدستوري والنظام السياسي في لبنان وأهم النظم الدستورية والسياسية في العام ، منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت ، 2002 ، ص50 .و-د. أدمون رباط ، الوسيط في القانون الدستوري العام ، الجزء الثاني ، النظرية القانونية في الدولة وحكمها ، دار العلم للملايين، بيروت ، 1971 ، ص590-591 .
23ـ د. السيد صبري ، النظم الدستورية في البلاد العربية ، 1956 ، ص250-251 . وأنظر كذلك :و-د. إبراهيم عبد العزيز شبحا ، المصدر السابق ، ص431 .
24ـ أنظر : د. محمود حلمي ، دستور الكويت والدساتير العربية المعاصرة ، الطبعة الأولى ، دار السلاسل ، الكويت ، 1988 ، ص136 .
25ـ د. صلاح الدين فوزي ، واقع السلطة التنفيذية في دساتير العالم – مركزية السلطة المركزية ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2003 ، ص207 .
26ـ د.عبد الفتاح مراد ، الدساتير العربية والمستويات الدولية ، الإسكندرية ، 2003 ، ص660 .
27ـ أنظر :-د. علي غالب العاني ، د. نوري لطيف ، مصدر سابق ، ص191 .
-د.عبد الفتاح مراد ، نفس المصدر السابق ، ص385 .
28ـ الذي حمل اسم : النظام الأساسي لسلطنة عمان .
29ـ د.عبد الفتاح مراد ، نفس المصدر ، ص633 .
30ـ يرى جانب من الفقه ، أن الأحكام العرفية ، تتخذ أحد شكلين : الأحكام العرفية العسكرية وهو النظام الذي تحكم به المناطق التي تحتلها القوات الأجنبية . والشكل الآخر هو الأحكام العرفية السياسية ، وهو النظام الذي يسمح للسلطة التنفيذية بسلطات واسعة جداً مقارنة مع سلطاتها في الظروف العادية .
أنظر : د. عبد الله إسماعيل البستاني ، مساهمة في إعداد الدستور الدائم وقانون الانتخاب ، بغداد ، 1961 ، ص 1963 .
ويميز المشرع الفرنسي بين الأحكام العرفية وحالة الطوارئ .فهما عبارة عن نظام قانوني استثنائي . وتعلن الأحكام العرفية بمناسبة وقوع حرب أو عند التهديد بالحرب ، أما حالة الطوارئ ، فتعلن لمواجهة إضطرابات داخلية تؤدي إلى اختلال النظام العام . و يتضح من ذلك أن حالة الطوارئ لا تبلغ في شدتها تلك التي تستلزم إعلان ألأحكام العرفية . فالقيود التي تفرض على الحقوق والحريات بعد إعلان الأحكام العرفية أبعد مدى وأخطر أثراً من القيود التي تترتب على إعلان حالة الطوارئ .
-أنظر :د.عصام البرزنجي ، د.مهدي السلامي ، د.علي محمد بدير ، مبادئ القانون الإداري ، بغداد ، 1991 ، ص227 .
31ـ لمزيد من التفاصيل ، أنظر :-د.سعيد بو الشعير ، النظام السياسي الجزائري ، الطبعة الثانية ، دار الهدى ، عين مليلة ، الجزائر ، 1996 ، ص277 .
32ـ أنظر : -د.رعد الجدة ، دراسات في الشؤون الدستورية العراقية ، مطبعة الخيرات ، بغداد ، 2001 ، ص184 .
-د. رعد الجدة ، التشريعات الدستورية في العراق ، بيت الحكمة ، بغداد ، 1998 ، ص145 .
33ـ تستقي المادة ( 16 ) من الدستور الفرنسي الحالي مصادرها الفكرية من مصدرين أساسيين : يتمثل المصدر الأول في المادة (92) من دستور اللسنة الثامنة والمادة (14) من دستور عام 1814 ، أما المصدر الثاني فينبع من المادة (48) من دستور الألماني لعام 1919 .
-Jean Gicquel : Droit Constitutionnel et , Institutions Politiques , loeed .Montchrestien ,Paris,1989,p.670 .
34ـ ويرى الفقيه الفرنسي ( ريفيرو ) إن إجراء هذه المشاورات ضروري ، إلاّ أن رئيس الجمهورية لا يلتزم بالأخذ بنتيجتها .
وأطلق الفقيه الفرنسي ( أندريه هوريو ) على اللجوء على المادة (16) تعبير عن ( ممارسة الدكتاتورية المؤقتة في فترة الأزمة ) .
- أندريه هوريو ، القانون الدستوري والمؤسسات السياسية ، ترجمة : أ.علي مقلد ، شفيق حداد ، عبد الحسن سعد ، الأهلية للتوزيع والنشر ، بيروت ، 1974 ، ص 402 .
35ـ يرى جانب من الفقه الفرنسي أن رئيس الجمهورية يستطيع ممارسة الدكتاتورية بمقتضى الدستور بما تضمنته المادة (16) من سلطات استثنائية أطلق عليها ( الدكتاتورية الدستورية ).
-Marcel PRELOT : Institutionan Politiques et Droit Constitutionnel , Y'eme ,Paris,1969,p.675 .
-Maurice Duverger : Constitutions et Decumentes Politique ,P.U.F., Collection The'mis, 6e'me edition , Paris , 1971 , p.231.
-Andre Hauriou , Droit Constitutionnel Institutions Politiques , ,Paris,1975,p.143 .
وجدير بالذكر إن المادة ( 16 ) من الدستور الفرنسي لعام 1958 كانت مصدراً ملهماً للمشرع الدستوري في العديد من دساتير الدول الإفريقية ، وبخاصة الدول الناطقة بالفرنسية . حيث تضمنت دساتير هذه الدول مواداً تعتبر نظيرة للمادة (16) لكونها مستلهمة منها على نحو مباشر . ومن أمثلة ذلك : المادة (23) من دستور جمهورية بوروندي لعام 1974 ، المادة (32) من دستور مالي لعام 1974 ، والمادة (18) من دستور الجابون لعام 1975 ، والمادة (47) من دستور السنغال لعام 1976 ، والمادة (30 ) من دستور جمهورية فولتا العليا لعام 1977 ، والمادة (24) من دستور جمهورية الكاميرون لعام 1978 .
-أنظر : وجدي ثابت غبريال ، السلطات الاستثنائية لرئيس الجمهورية ، منشاة المعارف ، الإسكندرية ، 1988 ، ص15-16 .
36ـ هذه المادة مقتبسة من المادة ( 16 ) من الدستور الفرنسي الصادر في :14 أكتوبر 1958 ، ولم يكن لها نظير في الدساتير المصرية المتعددة ، قبل دستور سنة 1971 .
-د.سليمان محمد الطماوي ، المصدر السابق ، ص476 .
37ـ ولمزيد من التفصيل حول أوجه الاختلاف بين النص الفرنسي ( المادة 16 ) والنص المصري ( المادة 74) ، فيما يتعلق بالشروط الموضوعية والشكلية لممارسة سلطات رئيس الجمهورية ، أنظر :-د.يحيى الجمل ، نظرية الضرورة في القانون الدستوري وبعض تطبيقاتها المعاصرة ، دار النهضة العربية ، 1988 ، ص204 .و-د. احمد مدحت علي ، نظرية الظروف الاستثنائية ، القاهرة ، 1978 ، ص74 .و-د.سامي جمال الدين ، لوائح الضرورة وضمانة الرقابة القضائية ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، 1982 ، ص116 وما بعدها .و-د.أحمد فتحي سرور ، الحماية الدستورية للحقوق والحريات ، الطبعة الثانية ، دار الشروق ، القاهرة ، 2000 ، ص809 .و-د.إبراهيم عبد العزيز شيحا، د. محمد رفعت عبد الوهاب ، النظم السياسية والقانون الدستوري ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1988 ، ص792-793 .و-د.محسن خليل ، النظام الدستوري المصري ، الجزء الثاني ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، 1988 ، ص754-755 .
-Maurice Duverger : op.cit,p.535.
-Georges Vedel ; op.cit,p.434.
38ـ أنظر : د. سليمان محمد الطماوي ، المصدر السابق ، ص 477 .
39ـ انظر :-Maurice Duverger : Droit Constitutionne. op.cit,p.535.
-Georges Vedel ; op.cit,p.434.
-M.Voisset : Larticale 16 dela Constitution du 4 october , 1958 , these L.G.D.J.1969,P.68.
--Pual Leory ;op.cit,p.218.
وأنظر كذلك :-د.مصطفى أبو زيد فهمي ، المصدر السابق ، ص418 .و-د. يحيى الجمل ، المصدر السابق ، ص206 .و-د. عمر حلمي فهمي ، الوظيفة التشريعية لرئيس الدولة في النظامين الرئاسي والبرلماني –دراسة مقارنة ، ط1، دار الفكر العربي ، القاهرة ، 1980 ، ص406 .و- د. سليمان محمد الطماوي ، المصدر السابق ، ص 477 .و-د. ماجد راضي الحلو ، المصدر السابق ، ص 261 .و-د. عبد الغني بسيوني عبد الله ، المصدر السابق ، ص172 . و-د.حسين عثمان محمد عثمان ، القانون الدستوري ، دار المطبوعات الجامعية ، الإسكندرية ، 2002 ، ص398 .
40ـ يرى البعض أن سلطة وقف الدستور أو بعض نصوصه لا تعدو مجرد اجتهاد فقهي يستند إلى فكرة تركيز السلطات . أنظر :
-د. وجدي ثابت غبريال ، القانون الدستوري والنظام الدستوري المصري طبقاً لدستور 1971 ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1990 ، ص103 .
41ـ أنظر : الأستاذ حسين جميل . حقوق الإنسان والقانون الجنائي . معهد البحوث والدراسات القانونية والشرعية ، دار النشر بالجامعات المصرية ، 1972 ، ص22 .
42ـ –Genevieve Camus :L'etak du Necessite En Democratie, thess,L.G.d.J . Paris ,1965.p.296 .
43ـ أنظر : -د. رعد الجدة ، دراسات في الشؤون الدستورية العراقية ، المصدر السابق ، ص184.و-د. رعد الجدة ، التشريعات الدستورية في العراق ، المصدر السابق ، ص145 .
44ـ نصت المادة الثالثة والأربعون على إنه : ’’ أولاً – لا يجوز حجز الإنسان أو توقيفه ، أو حبسه ، أو سجنه ، إلاّ بقرار صادر من جهة قضائية ، أو جهة مختصة ، طبقاً للقانون . ثانياً-تتكفل الدولة بتعويض عادل للفرد عن الضرر الذي يصيبه جراء مخالفة أحكام الفقرة (أولاً) من هذه المادة . ثالثاً – يملك الشخص الذي يحجز أو يوقف ، حق الاتصال بأسرته ومحاميه ‘‘ .
و نصت المادة السابعة والأربعون على إنه : ’’ للمساكن حرمة ، ولا يجوز دخولها ، أو تفتيشها ، إلاّ في الحدود والإجراءات التي يقررها القانون ‘‘ . وأوضحت المادة الثامنة والأربعون أن : ’’ سرية المراسلات البريدية والبرقية والهاتفية مكفولة . ولا يجوز انتهاكها ، إلاّ لضرورات العدالة والأمن ، في الحدود والإجراءات التي يقررها القانون ‘‘ . وأقرت المادة السابعة والستون ، في الفقرة الأولى ، حق المواطن في السفر إلى خارج البلاد ، أو العودة إليها ، مضمون . و لا يجوز تقييد تنقله وإقامته إلاّ في الحالات التي يحددها القانون . ونصت الفقرة الثانية ، على إنه : ’’ لا يجوز إبعاد أي مواطن عن البلاد، أو منعه من العودة إليها ‘‘.
45ـ نصت المادة الثالثة والخمسون على إنه : ’’ حرية الفكر والرأي والتعبير عنه ، وتلقيه بالوسائل الإعلامية والثقافية ، مضمونة ، وينظم القانون ممارسة هذه الحريات ‘‘ . كما أشارت المادة الرابعة والخمسون إلى إن : ’’ حرية الصحافة والطباعة والنشر مضمونة ، وينظم القانون ممارسة هذه الحرية ، ولا تفرض الرقابة على الصحف والمصنفات إلاّ بموجب أحكام القانون ‘‘ .وأوضحت المادة الثانية والخمسون أن : ’’ التجمع والتظاهر السلميان مكفولان في حدود مقتضيات حماية الأمن ، أو النظام العام ، أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم ، وينظم القانون هذه الممارسة ‘‘ .و نصت المادة السادسة والخمسون على إنه : ’’تأسيس الأحزاب السياسية وحرية الانضمام إليها ، مكفولان للمواطنين وينظمها القانون بما لا يتعارض وأحكام الدستور والنظام العام والوحدة الوطنية ‘‘ .
وأبانت المادة السابعة والخمسون إن : ’’ تأسيس الجمعيات وحرية الانضمام إليها مكفولان بموجب القانون بما لا يتعارض وأحكام الدستور والنظام العام والوحدة الوطنية ‘‘ .
46ـ - Genevieve Camus : op.cit,p.300-301 .
47ـ–Georges Burdeau : Droit Constitutionnel . 21 Edition , L.D.S. Paris , 1988 , p.622.
48ـ –M.Voissetp.cit.p.79 .
49ـ - د. طعيمة الجرف ، مبدأ المشروعية وضوابط خضوع الدولة للقانون ، مكتبة القاهرة ، 1976 ، ص173 .
50 ـ أورد هذا الرأي : -د. وجدي ثابت غبريال ، المصدر السابق ، ص224-225 .
51ـ د. يحيى الجمل ، المصدر السابق ، ص153 .

hadia369
2011-08-27, 00:44
سلطة رئيس الدولة
في تعطيل الدستور وفقاً للاتجاهات الدستورية المعاصرة

المقدمة :

ـ موضوع البحث :
يتضمن النظام السياسي Political system الذي يقرره الدستور ، إلى جانب تنظيم السلطة ، تنظيماً للحرية ، يتقرر من خلاله مجموعة الحقوق والحريات العامة للأفراد ، تمثل الحد الأدنى المعترف به منها ، في النظم الديمقراطية .
والواقع إن الدستور ، وأن تضمن تنظيماً لقضيتي السلطة والحرية ‘إلاّ أن قيمته العملية ، تتوقف على سلوك السلطات العامة في الدولة ، والتي تتولى تطبيق نصوصه . حيث يقع عليها واجب تطبيق النصوص الدستورية ، تطبيقاً سليماً ، عندما تباشر اختصاصاتها ، بأن يتم ذلك على النحو المبين في الدستور .
ويؤكد المشرع الدستوري على مبدأ سيادة الدستور ، و ينيط برئيس الدولة Head of State وظيفة ضمان تطبيق القواعد الدستورية(1).
ومع ذلك فقد توجد حالات تستدعي التصريح لرئيس الدولة، بمزاولة سلطة تعطيل أو إيقاف تطبيق بعض النصوص الواردة في الوثيقة الدستورية ، وذلك لمواجهة ظرف غير عادي ، يهدد كلتي المصلحتين العامة والخاصة ، ويؤدي إلى تقويض النظام الدستوري نفسه .
فالمشرِّع الدستوري ، قد يُضَمِّن نصوص الدستور ، السند الذي يخوِّل رئيس الدولة –صراحةً أو ضمناً – صلاحية تعطيل بعض نصوص الدستور الأخرى .
بيد إن امتلاك رئيس الدولة لسلطة التعطيل ، قد لا يجد سنده في أحكام الدستور ، وإنما يبرز كظاهرة في الواقع السياسي .

ـ مشكلة البحث :
تعد إشكالية تعطيل الدستور من قبل رئيس الدولة ، أحدى المظاهر المشتركة بين عدد من الأنظمة الدستوريةsystems constitutional والتي عملت على تقوية مركز رئيس الدولة في مواجهة السلطات العامة الأخرى ، بما يؤثر على التوازن المفترض بين السلطات .
ويشير واقع الأنظمة الدستورية ، إلى إن نصوص الدستور ، تتعرض إلى تعطيل أحكامها ، في حالتين : الأولى ؛ تجد سندها في التنظيم الدستوري ذاته ، والثانية ؛ تجد سندها في الواقع السياسي والمتمثل في عدم تطبيق أحكام الدستور ، أو تطبيقها بشكل مغاير لمحتواها .

ـ خطة البحث :
تقتضي طبيعة البحث في سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور وفقاً للاتجاهات الدستورية المعاصرة ، معالجته على النحو الأتي :
-مقدمة
-الفصل الأول : مضمون سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور.
-الفصل الثاني : موقف الدساتير من سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور.
-الفصل الثالث : القيود التي ترد على سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور.
-خاتمة : تتضمن أبرز النتائج والتوصيات .
الفصل الأول :
مضمون سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور
يثير البحث في مضمون تعطيل الدستور ، جدلاً فقهياً على جانب من الأهمية ، بشأن تحديد معنى ومحتوى التعطيل ، وتبيان مسوغاته .
وعلى ذلك ، نتناول بالدراسة هذه الموضوعات ، وذلك في مبحثين :
المبحث الأول : معنى تعطيل الدستور.
المبحث الثاني : مسوغات تعطيل الدستور.
المبحث الأول :
معنى تعطيل الدستور
تميزت آراء الفقه بالانقسام إلى اتجاهين بشأن تحديد معنى ( التعطيل ) . فذهب البعض إلى وجوب الرجوع إلى المعيار اللغوي ، بينما ذهب البعض الآخر إلى وجوب الرجوع إلى المعيار الموضوعي .
ولتبيان ذلك ، سوف نقسم هذا المبحث إلى مطلبين نحدد في أولهما المقصود بالتعطيل تبعاً للمعيار اللغوي ، ونحدد في الآخر المقصود بالتعطيل تبعاً للمعيار الموضوعي .
المطلب الأول :
تعطيل الدستور وفقاً للمعيار اللغوي
إن تحديد معنى تعطيل الدستور ، من الناحية اللغوية ، يستلزم بداية ً تبيان المعنى اللغوي لكلمة (التعطيل).
وتشير معاجم اللغة العربية إلى أن ( التعطيل )، هو المصدر من ( عَطَلَ ) و( عَطَّلَ ) الشيء ، أي تركه ضياعاً .
وقد يستعمل ( العَطَلُ ) في الخلو من الشيء ، وإن كان أصله في الحَلي ؛ يقال: ( عطَلَت ) المرأة و( تَعَطَّلَت ) إذا لم يكن عليها حلي ، ولم تلبس الزينة وخلا جيدها من القلائد(2).
ويقال أيضاً : ( تَعَطَّلَ ) الرجل ، إذا بقي لا عمل له .
و رجل ( عُطُلٌ ) : لا سلاح له ، وجمعه أعطالٌ . وكذلك الرعية ، إذا لم يكن لها والٍ يسوسها ، فهم مُعَطلَّون . وقد عُطِّلوا ، أي أُهمِلوا .
و(المعُطَّل ) : المَواتُ من الأرض ، وإذا ترك الثغر بلا حامٍ يحميه ، فقد عُطِّل .
والغلاة والمزارع ، إذا لم تُعمر ولم تُحرَث ، فقد عُطِّلت . و ( التَّعطِيلُ ) : التفريغ(3).
فيقال : ( عَطَّلَ ) الدار : أي أخلاها . وكل ما تُرِكَ ضياعاً ، معُطَّلٌ و مُعطَل .
و ( تعطيل الحدود ) : أن لا تقام على من وَجَبَت عليه .

ـ أصل كلمة ( التعطيل ) في القرآن الكريم :
وردت كلمة ( عُطِّلت ) في القرآن الكريم، في سورة التكوير،الآية (4) ،قال تعالى : ’’ وإذا العِشارُ عُطِّلَت ‘‘ .و العشار: جمع عشراء، وهي الناقة التي أتت عليها عشرة أشهر . وتعطيل العشار ، يعني : تركها مهملة ، لا راعي لها ، ولا حافظ يحفظها(4).
كما وردت كلمة ( مٌعَطَلة ) في سورة الحج ، الآية (44) ، قال تعالى : ’’ ... وبئر معُطَّلة و قصر مشيد ‘‘ . ويراد بالبئر المعُطَّلة : البئر التي تركها واردوها ، فلا يستقى منها ، و لا ينتفع بمائها .
وقيل : بئر معُطَّلة ، لبيود أو هلاك أهلها(5).

ـ كلمة ( التعطيل ) في مجال القانون العام :
وردت كلمة ( التعطيل ) في مجال القانون العام ، وبخاصة في مجال الشؤون الدستورية ، بمعنى محدد ، مفاده : وقف العمل بنصوص الدستور .
ويتحقق تعطيل الدستور في صورتين :
-يترك الدستور ولا يأخذ مجاله في التطبيق ، أي يهمل ويتجاوز عنه .
-تطبيق النصوص الدستورية بشكل مغاير ومختلف عما ورد في الوثيقة الدستورية .

ـ المصطلحات الواردة في الدساتير الأجنبية والعربية :
استخدمت بعض النصوص الدستورية مصطلحات مختلفة للدلالة على معنى التعطيل الدستوري .
ومن خلال الإطلاع على العديد من هذه النصوص ، نجد أن هنالك ثلاثة أنماط دستورية :
النمط الأول : ويتمثل في الدساتير التي استخدمت مصطلح ( تعليق الدستور Suspension ) ، ومن أمثلة ذلك : الدستور التركي لعام 1982 ، والدستور السوداني لعام 1998 .
ألنمط الثاني : ويتمثل في الدساتير التي استخدمت مصطلح ( وقف أو إيقاف العمل بالدستور ) ، ومن أمثلة ذلك : الدستور اليوغسلافي لعام 1963 ، والدستور الجزائري لعام 1989 ، ومشروع الدستور العراقي لعام 1990 .
ألنمط الثالث : ويتمثل في الدساتير التي استخدمت مصطلح ( تعطيل الدستور ) ، ومن أمثلة ذلك : الدستور البلجيكي لعام 1831 ، والدستور الألماني لعام 1919 ، والدستور المصري لعام 1923 ، والدستور الهندي لعام 1949 ، والدستور الكويتي لعام 1962 ، والدستور الأفغاني لعام 1964 ، والدستور القطري لعام 1972 ، والدستور الإماراتي لعام 1973 ، والدستور البحريني لعام 1973 ، والدستور العماني لعام 1996 .
وجدير بالذكر ، أن تعدد المصطلحات ، لا يعني وجود اختلاف وتباين في المعنى ، بل إن تلك المصطلحات حملت معنى واحد ، يفيد :إيقاف تطبيق الأحكام الدستورية .
المطلب الثاني :
تعطيل الدستور وفقاً للمعيار الموضوعي
يأخذ غالبية الفقه الدستوري ، في تبيان معنى تعطيل الدستور بمعيار موضوعي ، فيحددون مفهومه بالنظر إلى مضمونه أو موضوعه .
ومن خلال استقراء الاتجاهات الفقهية ، نلاحظ أن أغلب تلك الاتجاهات ، قد اقتصرت على تحديد مفهوم التعطيل في حالة الظروف غير العادية التي تمر بها الدولة .
وتتفق آراء الفقهاء ، على أن مفهوم تعطيل الدستور يتحدد في : ’’ إيقاف العمل ببعض النصوص الدستورية ولمدة مؤقتة ‘‘(6).
ويرى البعض إن تعطيل الدستور يراد به ’’ صلاحية رئيس الدولة في إيقاف العمل ببعض مواد الدستور من أجل مواجهة الأزمة الطارئة‘‘(7).
كما ذهب البعض إلى أن تعطيل الدستور ، يقصد به : ’’ إمكانية تدخل رئيس الدولة في المجال الدستوري أثناء تطبيق المواد المنظمة لحالة الضرورة ، والتي تبيح له أن يوقف العمل بعض أحكام الدستور خلال فترة الأزمة التي تتعرض لها الدولة ‘‘(8).
إلاّ إن هنالك اتجاهاً فقهياً أخذ منحى آخر في تحديد مفهوم فكرة تعطيل الدستور ، حيث اقتصر على تبيان أشكال التعطيل ونطاقه ، دون تحديد مفهوم التعطيل بشكل مباشر .
وتبعاً لذلك ، يرى جانب من الفقه أن التعطيل يتحقق في جميع الحالات التي يكون فيها ، الدستور عقبة قانونية سياسية أمام تحقيق الأغراض التي يقصد إليها الحكام . وإذا كان هذا التعطيل ( رسمياً ) فثمة تعطيل ( واقعي ) أي تعطيل لا يستند إلى الدستور نفسه ، وإنما إلى إرادة المسئولين عن تطبيقه(9) .
ويؤكد ذات المعنى جانب آخر من الفقه ، إذ يرون ، أن تعطيل الدستور ، كلاً أو جزءاً يستند على قرار صادر عن السلطة ، لسبب أو لآخر ، وفي هذه الحالة ، نكون أمام تعطيل رسمي للدستور . وقد لا يصدر القابضون على السلطة أي قرار بتعطيل كل أو بعض أحكام الدستور ، ولكنهم لا يقومون بتنفيذ أحكامه ، لفترة قد تطول وقد تقصر ، وفي هذه الحالة ، نكون أمام تعطيل فعلي لأحكام الدستور(10).
و يتضح مما تقدم ، إن أشكال تعطيل الدستور ، تتمثل في التعطيل الرسمي ، و التعطيل غير الرسمي ( التعطيل الفعلي) .
ويتحقق التعطيل الرسمي للدستور ، عندما يعلن القابضون على السلطة عن وقف العمل بنصوص الدستور كلاً أو جزءاً ، لمعالجة أزمة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية ، أو في حالة الحرب أو عصيان مسلح، أو وجود خطر يهدد استقلال الدولة وسلامة أراضيها ومؤسساتها الدستورية(11).
أما التعطيل غير الرسمي ( التعطيل الفعلي ) ، فالملاحظ أن القابضون على السلطة لا يعلنون بشكل رسمي ، عن وقف العمل بنصوص الدستور ، وإنما تتجه إرادتهم نحو إهمال تطبيق نصوص الدستور بشكل جزئي أو كلي ، أو تطبيق نصوص الدستور بشكل يتعارض مع محتواها(12).
ويمكن ملاحظة التعطيل غير الرسمي ، من خلال دراسة الواقع الدستوري للدولة ومقارنته بالواقع السياسي(13). فإن تبين أن هنالك تمايز أو اختلاف بين مضمون النصوص الدستورية ، و واقع ممارسة السلطة في مجال معين ، حينئذٍ ، يتحقق التعطيل الفعلي للدستور .
وفي ضوء ما تقدم ، فإننا نرى ضرورة إعادة النظر في ما طرح من هذه التعريفات ، ومحاولة وضع تعريف علمي ومنهجي دقيق يوضح معنى تعطيل الدستور .
ومن خلال تحليل فكرة تعطيل الدستور ، نعرف التعطيل بأنه :
إيقاف تطبيق النصوص الدستورية الواردة في وثيقة الدستور ، أو الانحراف في تطبيقها ، بشكل كلي أو جزئي ، و لمدة زمنية معينة ، أياً كانت الظروف التي تحياها الدولة ، عادية ، أم غير عادية .
وانطلاقاً من هذا التعريف ، وفي ضوئه ، نرى أن معنى تعطيل الدستور يتكون من العناصر التالية :
أ‌- تعليق تطبيق الأحكام المدونة في الوثيقة الدستورية النافذة في الدولة ، ويشمل التعليق بعض أو جميع الأحكام الدستورية .
ب‌- إهمال تطبيق المبادئ الواردة في النصوص الدستورية .
فالملاحظ أن بعض النصوص الدستورية التي تعالج حقوق الإنسان لا تجد مجالاً في التطبيق العملي .
ج-الانحراف في تطبيق القواعد الدستورية المدونة ، بأن يتم تطبيقها بشكل يتعارض مع مضمونها الصحيح ، ويخل بالمبادئ الأساسية التي احتوتها ، أو يخالف روح الدستور . فالهيئة التي أنشأها الدستور والمنوط بها حماية القواعد الدستورية ، تستخدم سلطتها وتسعى إلى هدم المبادئ الدستورية الأساسية ، التي قصدتها السلطة التأسيسية الأصلية .
فرئيس الدولة ، مثلاً ، قد يستخدم صلاحياته ويضغط باتجاه خلق واقع سياسي ، يغير مبادئ الدستور تغييراً جذرياً ، إذ يقوم بمخالفة روح الدستور، كأن يعطل النصوص الدستورية القائمة على أساس احترام مبدأ الفصل بين السلطات ، ويخلق من الممارسة الواقعية ، قواعد دستورية لها سمة دكتاتورية ، تستند إلى تركيز السلطة في يده. ويترتب على ذلك ، ظهور قواعد دستورية جديدة غير مدونة ، ناتجة عن الممارسة العملية لشؤون الحكم .
ومن هنا ، فإن الانحراف الدستوري سينشئ واقعاً سياسياً يتعارض مع الواقع الدستوري . وبعبارة أدق، سوف تبرز نوعين من القواعد الدستورية ( قواعد مدونة و قواعد غير مدونة ) تعالجان مسألة معينة متعلقة بالنظام الدستوري في الدولة . غير إن هذه المعالجة ، متعارضة متناقضة . أي أن هنالك تباين واختلاف في محتوى ومضمون القاعدة المدونة عن القاعدة غير المدونة .

المبحث الثاني :
مسوِّغات تعطيل الدستور
تستند سلطة رئيس الدولة في تعطيل أحكام القواعد الدستورية ، إلى مسوغات عديدة ، يمكن ردها إلى قسمين : مسوغات سياسية و مسوغات عملية . وسنخصص لكل منها مطلباً مستقلاً لبحثها .
المطلب الأول :
المسوغات السياسية
لئن كانت الأوضاع التي تحيط القابضين على السلطة في المجتمع ، تختلف على الدوام ، فإن هذا الاختلاف لا يعني تعذر تحديد مظاهر عامة لممارسة السلطة ، ففي خضم ذلك التباين توجد دائماً حقيقة مشتركة ثابتة ، تتجسد في أن ثمة نتيجة أساسية تترتب على ممارسة السلطة ، وتتمثل في ولادة قواعد دستورية تعبر عن إرادة ومصالح القابضين على السلطة ، وتحدد الاتجاهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يؤمنون بها .
وهذه القواعد الدستورية تمثل شكل من أشكال التمييز بين الحكام والمحكومين ، وبالتالي ، تكرس لأحدى صور القبض على السلطة(14).
على أننا يجب أن نلاحظ أن العوامل التي تفسر لنا لجوء الحكام إلى إيقاف العمل بالقواعد الدستورية ، يمكن استخلاصها من واقعة : أن الحكام هم الذين يمارسون السلطة وفق قواعد من وضعهم ( وتتمثل في القواعد الدستورية المكتوبة ) ، أو قواعد ناتجة من طريقة ممارستهم للسلطة ( وتتمثل في القواعد الدستورية العرفية ) ، أي إن ممارسة الحكام للسلطة تحددها القواعد الدستورية المكتوبة أو العرفية .
وعلى ذلك ، فإن الأساس الأول ، في استمرارية تطبيق القواعد الدستورية ، يتمثل في تجسيد هذه القواعد لمصالح القابضين على السلطة ، وتعبيرها عن هيمنتهم على دست السلطة .
ولكن في أية حالة من الحالات ، لو أن القواعد الدستورية لا تعبر عن المصالح الخاصة التي يمثلها متقلدي السلطة ، فإن إرادتهم ستتجه نحو وقف تطبيق قواعد الدستور وتعطيلها ، وتكريس واقع سياسي يكفل حماية هذه المصالح .
وهكذا فإن القبض على السلطة وهي في حالة التركيز ، يعكس خطوطه العريضة في طبيعة المصالح التي يغلبها الواقع السياسي على الواقع الدستوري (15).
وفي ضوء ما تقدم ، فإن المبرر لتعطيل القواعد الدستورية و وقف العمل بأحكامها ، يجد سنده في الأوضاع الخاصة بالقابضين على السلطة ، ورغبتهم في تركيز السلطة بأيديهم ، من أجل تحقيق المصالح والأغراض التي يبغون الوصول إليها ، وقطع الطريق أمام المؤسسات الدستورية الممثلة للشعب ، لتحقيق رغبات الشعب وأمانيه وآماله من خلال الدستور والوسائل الديمقراطية التي يتضمنها .
حيث يعمل القابضون على السلطة ، على اتخاذ قرار يقضي بتعطيل نصوص الدستور بشكل كلي أو جزئي، مستندين في ذلك على أسباب ومبررات سياسية .
وهذا الشكل من التعطيل لا يجد له سنداً في الوثيقة الدستورية يبرر مشروعيته ، وإنما يجد سنده وأساسه في القوة التي يعتمد عليها من جهة ، وإمكانية استمرار القابضين على السلطة الذين اتخذوه من جهة أخرى .
وصفوة القول ، إن الأساس الذي يستند عليه هذا التعطيل يكون ذا طبيعة سياسية صرفة ، فليس هناك نص دستوري يجيزه وينظمه ويجد مشروعيته فيه ، وهو بهذه المثابة يخرج عن نطاق المشروعية ، حيث يكون في حقيقته حالة واقعية وسياسية .
المطلب الثاني :
المسوغات العملية
تكون الضرورة وحتمية استمرار الدولة وسلامتها وحماية إقليمها وشعبها ، هي المبرر لتعطيل الدستور وإيقاف العمل به لمدة تحددها الضرورة ذاتها .
إذ إن حياة الدولة لا تسير على وتيرة واحدة ، بل تتخللها بين الحين والآخر صور مختلفة من الظروف الاستثنائية تهدد كيانها و وجودها تهديداً خطيراً .
حيث تطرأ على حياة الدولة ظروف غير عادية متعددة الأشكال مختلفة المصادر ، فقد يكون سبب هذه الظروف ، الأحوال الدولية ، مثل حدوث حرب عالمية أو محلية ، كما قد يكون سبب تلك الظروف الاستثنائية ، الأحوال الداخلية ، مثل حدوث أزمة من الأزمات الاقتصادية أو انتشار وباء أو فتنة(16).
وليست هذه الظروف الاستثنائية بالوضع المعتاد في حياة الدولة ، وليست لها صفة الدوام،بل هي محتملة الوقوع ،مؤقتة البقاء.على أنه مهما اختلفت هذه الظروف من حيث مصدرها أو شكلها،فإنها تتحد في الأثر والنتيجة ،إذ تمثل خطراً على كيان الدولة وبقائها(17).
وتدعونا هذه الظروف الاستثنائية أن نقف أمام اعتبارين :
- الاعتبار الأول : يترتب على وقوع الظروف الاستثنائية ، توافر حالة الضرورة ، التي تتيح لرئيس الدولة أن يتخذ الإجراءات والتدابير الاستثنائية اللازمة لمواجهة تلك الظروف .
- الاعتبار الثاني :إن إقرار الوثائق الدستورية للضمانات اللازمة لحماية حقوق الإنسان ، تغدو غير مجدية ، إذا أجيز لرئيس الدولة ، اللجوء إلى التدابير الاستثنائية والتي من شأنها أن تؤدي إلى وقف العمل وتعطيل بعض النصوص الدستورية .
ومن ثم كان من الواجب تحقيق التوازن بين الاعتبارين السابقين وعلى النحو الآتي(18):
(أ)-لا يجوز وقف العمل بالنصوص الدستورية الخاصة بالحقوق والحريات ، إلاّ في الحدود الضرورية التي تسمح لمؤسسات الدولة بمواجهة الأخطار القائمة فعلاً(19).
أي أن يكون تعطيل الدستور بالقدر اللازم لمواجهة تلك الظروف . وبتعبير آخر ، أن يتحقق التناسب بين إجراء تعطيل الدستور ، مع طبيعة الظرف الاستثنائي .
(ب)-يجب أن تخضع ممارسة رئيس الدولة لصلاحيته الاستثنائية في وقف العمل بنصوص الدستور،لرقابة السلطتين التشريعية والقضائية،على أن يكفل لهذه الرقابة فعاليتها واستمراريتها.
الفصل الثاني :
موقف الدساتير من سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور
إن معرفة الموقف التشريعي من سلطة رئيس الدولة في إيقاف العمل بأحكام الدستور، تقتضي دراسة وتحليل بعض نصوص الوثائق الدستورية العربية والأجنبية ، لمعرفة موقفها من مسألة تعطيل الدستور .
والتساؤل الذي يرد في هذا المجال ، يتمحور في مدى جواز تعطيل أحكام الدستور في الأنظمة الدستورية ؟
تعددت وتباينت الاتجاهات التي تبنتها الدساتير المقارنة ، من مسألة تعطيل الدستور ، وبرزت ثلاثة أنماط من الدساتير ، وعلى النحو التالي :
النمط الأول: ويتمثل في الدساتير التي حظرت تعطيل الدستور
النمط الثاني : ويتمثل في الدساتير التي أجازت صراحةً تعطيل الدستور
النمط الثالث : ويتمثل في الدساتير التي أجازت ضمناً تعطيل الدستور
وسنعرض لهذه الأنماط الدستورية في مباحث ثلاثة ، وفقاً لما يأتي :
المبحث الأول : حظر تعطيل الدستور
المبحث الثاني : الإجازة الصريحة لتعطيل الدستور
المبحث الثالث : الإجازة الضمنية لتعطيل الدستور
المبحث الأول :
حظر تعطيل الدستور
اتجهت بعض الدساتير ، إلى النص بشكل صريح على حظر وقف العمل بالأحكام الواردة فيها .
ونجد تطبيقاً لهذا الاتجاه في الدستور البلجيكي الصادر عام 1831 ، فقد تبنى هذا الدستور ( نظام المنع) ومقتضاه : حظر تعطيل أي نص من النصوص الدستورية لأي سبب كان ، وفي مختلف الحالات . حيث قضت المادة (130) منه ، بما يأتي : ’’ لا يمكن تعطيل الدستور كلاًّ أو جزءاً ‘‘(20).
ومن خلال استقراء محتوى هذا النص ، يتبين لنا ، الآتي :
أ-أكد المشرع الدستوري على تحريم المساس بنصوص الدستور وبشكل خاص ، حظر تعطيل الأحكام الدستورية بشكل جزئي أو بشكل كلي .
ب-إن الحظر الدستوري يتحقق في جميع الظروف التي تحياها الدولة في الظروف العادية و كذلك الظروف غير العادية .
ج-يعكس النص الدستوري ، اعتقاد واضعوا الدستور ، إن النصوص الواردة في وثيقة الدستور تمثل جوهر نظام الحكم السياسي ، وأبرزها القواعد المنظمة للمؤسسات الدستورية ، وكذلك القواعد المنظمة لعلاقة الدولة بالفرد ، لذلك أعلنوا عن عدم جواز المساس بالدستور أي منعوا تعطيله .
والتساؤل الذي يثار في هذا الشأن هو : حينما ينص الدستور على حظر إيقاف العمل بمواده بشكل كلي أو جزئي ، فهل يقيِّد هذا المنع ، السلطات العامة ، وبشكل خاص ، سلطة رئيس الدولة ؟
لاشك أن احترام السلطات العامة ( وبخاصة رئيس الدولة ) لنصوص الدستور ومراعاة الأحكام الواردة فيها ، من شأنه أن يضمن تطبيق القواعد الدستورية(21).
ومن ثم ، فإن المنع أو الحظر ( الذي يحرم المساس بأحكام الدستور و وقف العمل بها ) يفرض على السلطات العامة ، ومنها رئيس الدولة . وبالتالي يقيدها وهي تمارس نشاطها الدستوري . ويستند هذا الرأي على طبيعة سلطة التعطيل ذاتها .
فالاتجاه الدستوري الذي ينادي بمنع تعطيل مواد الدستور ، ينطلق من المسلمة التالية : وجود نوعين من السلطة المؤسسة : السلطة المؤسِسة الأصلية والسلطة المؤسَسة ( السلطة المنشأة) (21).
وإذا كان الأمر كذلك ، فمن المنطقي التسليم حينذاك بالحظر الذي يرد في الدستور ويمنع السلطة المنشأة ( والمتمثلة بسلطة رئيس الدولة ) من تعطيل أحكام الدستور .
وآية ذلك ، أن السلطة المنشأة ، هي سلطة خلقها الدستور وحدد نشاطها . ومن ثم ، لا يجوز لهذه السلطة أن تعطل إرادة السلطة المؤسِسة الأصلية ، وتوقف تطبيق الأحكام الدستورية التي تعبر عن المبادئ والأفكار التي صاغتها صياغة قانونية ، وأصدرتها في شكل نصوص دستورية .
المبحث الثاني :
الإجازة الصريحة لتعطيل الدستور
أقرت بعض الدساتير ، بشكل صريح ، إمكانية وقف أو تعليق بعض النصوص الدستورية ، في حالة الظروف الاستثنائية .
وتجسد هذا النهج في بعض الدساتير الأجنبية التي نصت على منح رئيس الدولة إجازة صريحة لوقف تطبيق بعض المواد الدستورية ،ومن أمثلة ذلك : الدستور اليوغسلافي الصادر عام 1963 ، حيث نص في المادة (117) منه ، على أنه : ’’ يجوز لرئيس الجمهورية في أحوال الحرب ، أن يوقف بصورة استثنائية نصوص الدستور الخاصة ببعض حقوق وحريات المواطنين ، ومنظمات الإدارة الذاتية ، أو تشكيل سلطات الأجهزة السياسية التنفيذية والإدارية ، كلما اقتضت مصلحة الدفاع القومي ذلك ‘‘ .
ونظم الدستور التركي الصادر عام 1982 والمعدل عام 2002 ، الاختصاصات التي يمارسها رئيس الدولة ، ومنحت المادة (104/ثانياً/ب) من الدستور ، رئيس الدولة سلطة إعلان الأحكام العرفية ، وحالة الطوارئ State of Emergency.
ويتمتع رئيس الدولة وفقاً لأحكام الدستور بصلاحية تعليق النصوص الدستورية المتعلقة بالحقوق والحريات ، حيث جاءت المادة (15) من الدستور تحمل عنوان ( تعليق ممارسة الحقوق والحريات الأساسية)، وقررت الفقرة الأولى من ذات المادة ، أنه:’’في أوقات الحرب أو التعبئة Mobilization ، أو الأحكام العرفية ، أو حالة الطوارئ ، يمكن تعليق ممارسة الحقوق والحريات الأساسية ، جزئياً أو كلياً ، وتتخذ الإجراءات التي تقتضيها حالة الضرورة ، والتي تنتقص من الضمانات المنصوص عليها في الدستور، شريطة عدم انتهاك الالتزامات المقررة بموجب القانون الدولي‘‘.
وكذاك أجازت بعض الدساتير العربية ، تعطيل النصوص الدستورية ، في حالة الظروف الاستثنائية . ومن أمثلة ذلك الدستور المصري لعام 1923 ، إذ نصت المادة (45) منه ، على اختصاص رئيس الدولة ( الملك) بإعلان الأحكام العرفية ، وأوجبت أن يعرض إعلان الأحكام العرفية فوراً على البرلمان ليقرر استمراريتها أو إلغائها . كما نصت المادة (46) من ذات الدستور على تمتع رئيس الدولة ( الملك) بصلاحية إعلان الحرب وعقد الصلح .
وبمقتضى نصوص الدستور ، فإن رئيس الدولة يمتلك سلطة تعطيل نصوص الدستور . حيث أوضحت المادة (155) من الدستور نفسه ، أنه : ’’ لا يجوز لأية حال ، تعطيل حكم من أحكام الدستور ، إلاّ أن يكون ذلك وقتياً وفي زمن الحرب ، أو أثناء قيام الأحكام العرفية وعلى الوجه المبين في القانون ، وعلى أية حال لا يجوز تعطيل انعقاد البرلمان متى توافرت في انعقاده الشروط المقررة في هذا الدستور‘‘(22). وجدير بالذكر أن مضمون هذا النص ، ورد في المادة (144) من الدستور المصري الصادر عام 1930.
ومن السمات المشتركة بين دساتير دول الخليج العربي ، أنها أجازت تعطيل النصوص الدستورية في حالة الأحكام العرفية .
ومن أمثلة ذلك دستور الكويت الصادر عام 1962 ، حيث تضمنت المادة (69) منه صلاحية رئيس الدولة ( الأمير ) إعلان الحكم العرفي بمرسوم يصدر في أحوال الضرورة التي يحددها القانون وبالإجراءات المنصوص عليها فيه . ويتمتع رئيس الدولة بسلطات استثنائية في حالة الأحكام العرفية ، إذ نصت المادة (181 ) من الدستور ،على إنه : ’’ لا يجوز تعطيل أي حكم من أحكام هذا الدستور ، إلاّ أثناء قيام الأحكام العرفية في الحدود التي يبينها القانون ... ‘‘(23).
ونجد ذات الاتجاه ، في دستور قطر الصادر عام 1972 والمعدل عام 1998 ، عندما خوَّلت المادة (69) منه رئيس الدولة ( الأمير ) اختصاص إعلان الأحكام العرفية ، بمرسوم وذلك في الأحوال الاستثنائية التي يحددها القانون ، وله عند ذلك اتخاذ كل الإجراءات السريعة اللازمة لمواجهة أي خطر يهدد سلامة الدولة ، وتتضمن تلك الإجراءات تعطيل نصوص الدستور ، حيث قررت المادة (149 ) من الدستور ،على إنه : ’’ لا يجوز تعطيل أي حكم من أحكام هذا الدستور ، إلاّ أثناء فترة سريان الأحكام العرفية وفي الحدود التي يبينها القانون ... ‘‘(24).
وتضمن دستور الإمارات العربية المتحدة الصادر عام 1973 ، المادة (146) التي خولت رئيس الإتحاد، إعلان الأحكام العرفية ، بمرسوم يصدر بناءاً على مبادرة منه ، وموافقة مجلس وزراء الإتحاد ومصادقة المجلس الأعلى ، وذلك في أحوال الضرورة التي يحددها القانون .
ولرئيس الإتحاد أن يتخذ الإجراءات التي تقتضيها حالة الأحكام العرفية ، بما في ذلك تعطيل نصوص الدستور . وقد نصت المادة (145 ) من الدستور ،على إنه : ’’ لا يجوز بأي حال تعطيل أي حكم من أحكام هذا الدستور ، إلاّ أثناء قيام الأحكام العرفية في الحدود التي يبينها القانون المنظم لتلك الأحكام ...‘‘(25).
وأشار دستور البحرين الصادر عام 1973 والمعدل عام 2002 ، في المادة (36) منه إلى تمتع رئيس الدولة ( الملك ) بصلاحية إعلان حالة السلامة الوطنية أو الأحكام العرفية .
ويجوز لرئيس الدولة إيقاف العمل بأحكام الدستور في حالة الأحكام العرفية . استنادا للمادة (123 ) من الدستور ، والتي قضت بأنه : ’’ لا يجوز تعطيل أي حكم من أحكام هذا الدستور ، إلاّ أثناء إعلان الأحكام العرفية في الحدود التي يبينها القانون ... ‘‘(26).
وأناط دستور عمان الصادر عام 1996(27) في المادة (42) منه ، برئيس الدولة ( السلطان ) ، صلاحية إعلان حالة الطوارئ والتعبئة العامة والحرب ، واتخاذ الإجراءات السريعة لمواجهة أي خطر يهدد سلامة الدولة .
ومن هذه الصياغة ، يتضح أن المشرع الدستوري ، أجاز لرئيس الدولة اتخاذ ما يراه من تدابير وإجراءات ، وتشمل إجراء إيقاف تطبيق أي نص من نصوص الدستور . حيث جاءت المادة (73) من الدستور ، لتقرر أنه : ’’ لا يجوز تعطيل أي حكم من أحكام هذا النظام ، إلاّ أثناء قيام الأحكام العرفية وفي الحدود التي يبينها القانون ... ‘‘(28).
ويستفاد من النصوص الدستورية سالفة الذكر ، والتي تضمنتها دساتير دول الخليج العربي ، أنها احتوت على قواعد ومبادئ مشتركة تمثلت بالآتي :
أ-تمتع رئيس الدولة بوضع خاص بين سائر المؤسسات الدستورية . وامتلاكه لصلاحيات استثنائية .
ب-إن المشرع الدستوري وضع قاعدة عامة ، تقضي بعدم جواز إيقاف العمل بأي حكم من الأحكام الواردة في وثيقة الدستور وذلك في حالة الظروف العادية التي تحياها الدولة .
ج-أورد المشرع الدستوري استثناءاً على القاعدة العامة ، حيث أجاز تعطيل أي حكم من الأحكام الواردة في الدستور في حالة الأحكام العرفية بوصفها أحد أشكال الظروف الاستثنائية .
و نلاحظ أن الاستثناء الذي نص عليه المشرع الدستوري لا ينصرف إلى جميع الأشكال التي تتجلى بها الظروف الاستثنائية . وإنما يتحدد مضمون النص الدستوري في حالة واحدة من الحالات غير العادية وهي حالة الأحكام العرفية(29).
ويحقق أسلوب هذه الدساتير المواءمة بين ما يوجبه الالتزام بضمان التطبيق السليم للنصوص الدستورية ، وبين ما تقتضيه ضرورات تحقيق الصالح العام بجوانبه المختلفة .
وعلى نفس المنوال سار الدستور الجزائري الصادر عام 1989 والمعدل عام 1996 ، حيث نص في المادة (96) منه على أن : ’’ يوقف العمل بالدستور ، مدة حالة الحرب ويتولى رئيس الجمهورية جميع السلطات ..‘‘ (30).
و تأثر مشروع دستور العراق لعام 1990 ، بالاتجاه السائد في بعض الدساتير المعاصرة ، والذي يجيز لرئيس الدولة وقف العمل بأحكام الدستور .
وعمل مشروع دستور العراق ، على تقوية مركز رئيس الدولة وتوسعة وتدعيم وتضخيم صلاحياته ، وترجيح كفته على كفة المؤسسات الأخرى . وتطبيقاً لذلك ، فقد نصت المادة (99/الفقرة 2 ) منه على أنه : ’’ خلال فترة إعلان حالة الطوارئ ، وفي حدود المنطقة المشمولة بها ، يجوز بمرسوم يصدره رئيس الجمهورية ، إيقاف العمل مؤقتاً ، بأحكام المواد : 43 ، 47 ، 52 ، 53 ، 54 ، 56 ، 57 ، 67 ، من الدستور ‘‘ .
و يتضح من هذا النص ، أن مشروع الدستور ، قد منح رئيس الجمهورية صلاحية واسعة ، تمكنه من المساس بأحكام الدستور ، من خلال إصدار قرار يعطل أحكامه ويوقف العمل بالمواد التي تتعلق بجوانب متعددة من ممارسة الحقوق والحريات العامة(30).
ولعل ظاهرة تقوية مركز رئيس الدولة ، متجسدة في أغلب دساتير دول العام الثالث . ونجد هذه الظاهرة متحققة أيضاً في الدستور السوداني لعام 1998 ، والذي منح رئيس الجمهورية صلاحية واسعة، ومنها تعطيل الأحكام الدستورية . حيث نصت المادة (132) منه على أن : ’’ لرئيس الجمهورية أثناء حالة الطوارئ أن يتخذ بموجب قانون أو أمر استثنائي أيّاً من التدابير الآتية : (أ) أن يعلق بعضاً أو كلاًّ من الأحكام المنصوص عليها في فصل الحريات والحرمات والحقوق الدستورية ، ولا يجوز في ذلك المساس بالحرية من الاسترقاق أو التعذيب ، أو الحق في عدم التمييز فقط بسبب العنصر أو الجنس أو الملة الدينية ، أو بحرية العقيدة ، أو بالحق في التقاضي ، أو حرمة البراءة وحق الدفاع ‘‘ .
ومن خلال استقراء هذا النص ، نلاحظ الآتي :
أ-أجاز المشرع الدستوري لرئيس الجمهورية في حالة الطوارئ أن يعطل بشكل جزئي أو كلي ، المبادئ المتعلقة بالحقوق والحريات .
ب-استثنى المشرع الدستوري من صلاحية التعطيل بعض النصوص الدستورية . وبتعبير أكثر دقة ، إن المشرع الدستوري حظر تعطيل بعض النصوص الدستورية والمتعلقة بالموضوعات التي حددها صراحةً وعلى سبيل الحصر .
المبحث الثالث :
الإجازة الضمنية لتعطيل الدستور
تواترت الوثائق الدستورية لعدد من الدول على عدم الإقرار صراحة بصلاحية تعطيل أحكام الدستور في حالة الظروف الاستثنائية .
فعلى الرغم من أن نصوص هذه الوثائق الدستورية قد منحت رئيس الدولة صلاحية اتخاذ تدابير استثنائية ، إلاّ أننا نجد تلك النصوص قد تمت صياغتها في عبارات عامة ، لا تتضمن شيئاً من مدى ونطاق سلطة الرئيس في المجال الدستوري .
وتبعاً لذلك ، فقد اجتهد الفقه الدستوري لتفسير النصوص الواردة في هذه الدساتير ، وانتهى إلى نتيجة مفادها : أن النصوص الدستورية تجيز وبشكل ضمني ، وقف العمل بالأحكام الواردة فيها .
وتجسد هذا الإتجاه في عدد من الدساتير ،و من أبرزها : الدستور الفرنسي لعام 1958 ، والدستور المصري لعام 1971 .
حيث تنص المادة ( 16 ) من الدستور الفرنسي لعام 1958(31)،على ما يأتي : ’’ عندما تكون مؤسسات الجمهورية أو استقلال الأمة أو سلامة أراضيها أو تنفيذ التزاماتها الدولية مهددة ، بخطر جسيم وحال ، ويكون العمل المنتظم للسلطات الدستورية العامة متعطلاً ، يتخذ رئيس الجمهورية الإجراءات التي تقتضيها هذه الظروف ، بعد مشاورة رسمية مع الوزير الأول و رؤساء مجلسي البرلمان والمجلس الدستوري(32). ويقوم رئيس الجمهورية بإبلاغ هذه الإجراءات إلى الشعب برسالة . ويجب أن تكون هذه الإجراءات مستوحاة من الرغبة في تمكين السلطات العامة الدستورية من أداء مهامها في أقرب وقت . ويستشار المجلس الدستوري بشأن هذه الإجراءات . وينعقد البرلمان بقوة القانون ولا يجوز حل الجمعية الوطنية أثناء ممارسة السلطات الاستثنائية ‘‘(33).
وجاءت المادة ( 74 ) من الدستور المصري لعام 1971 ، لتقرر إن : ’’ لرئيس الجمهورية إذا قام خطر يهدد الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها الدستوري ، أن يتخذ الإجراءات السريعة لمواجهة هذا الخطر ، ويوجه بياناً إلى الشعب ، ويجري الاستفتاء ، على ما اتخذه من إجراءات خلال ستين يوماً من اتخاذها ‘‘(34).
ومن خلال تحليل المواد الدستورية ( المادة 16 فرنسي –والمادة 74 مصري ) يتبين لنا أن تطبيق تلك المواد يمنح رئيس الجمهورية ’’ سواء في فرنسا أم في مصر ، صلاحية اتخاذ الإجراءات التي حددها الدستور الفرنسي بأنها ( تقتضيها هذه الظروف /أي لازمة ) ، بينما حددها الدستور المصري بأنها ( سريعة) ‘‘(35).
والصيغة في الحالتين ، بالغة الاتساع ، لأن اصطلاح " الإجراءات " لا يقف عند إصدار قرارات جمهورية يكون لها قوة القانون issue decrees having force of law، بل يشمل أي إجراء في صورة قرار فردي أو قرار تنظيمي(36). وعلى هذا فإنه يكون لرئيس الجمهورية حرية اختيار الإجراء أو التدبير الذي يراه لازماً لمعالجة الحالة الطارئة .
ورغم أن المادتين ( 16 و74 ) من دستوري فرنسا ومصر لم تقرا صراحةً سلطة وقف بعض نصوص الدستور ، إلاّ أنهما اكتفتا بمنح رئيس الجمهورية سلطات واسعة جداً في فترة الأزمات الخاصة .
والتساؤل الذي يطرح نفسه على بساط البحث : هل تتضمن سلطات الأزمات الخاصة ، صلاحية تعطيل أحكام الدستور ؟
يرى أغلب الفقه أن النظام الاستثنائي الذي تقيمه المادة (16) من الدستور الفرنسي ، و المادة ( 74 ) من الدستور المصري يعني ضمناً بأنه يخول رئيس الجمهورية ، صلاحية إيقاف و تعطيل بعض النصوص الدستورية لفترة مؤقتة(37).
ويستند الفقه في تسويغ إقراره بتمتع رئيس الجمهورية بصلاحية إيقاف العمل ببعض الأحكام الواردة في المواد الدستورية ، إلى أن المواد (16) و(74) تفترض مشروعية كل إجراء ضروري يتخذه رئيس الجمهورية للقضاء على الأزمة التي تتعرض لها الدولة ، حتى ولو اقتضى هذا الإجراء المساس بالدستور(38).
على إن وقف الدستور أو بعض أحكامه ، يجب ألاّ يتحقق تلقائياً بمجرد اللجوء إلى تلك السلطات الاستثنائية . وإنما ينبغي أن يصدر قرار صريح بوقف أحكام الدستور المحددة على سبيل الحصر . كما إن الوقف يجب أن يكون ذا صلة بموقف الأزمة وطبيعة الخطر ، وأن يهدف إلى إعادة مؤسسات الدولة إلى مهامها العادية ، كذلك فإن سلطة وقف بعض أحكام الدستور يجب أن تكون مقيدة Restriction ، وربما كان أهم قيد يتمثل بقاعدة التناسب بين ما تقتضيه الضرورة من خروج على أحكام الدستور والمدى الذي يكفي للتغلب على الأزمة .
الفصل الثالث:
القيود التي ترد على سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور
يقتضي منطق الدراسة القانونية المجرد أن نوضح حدود سلطة رئيس الدولة في مجال وقف العمل بالنصوص الدستورية .
والتساؤل الذي يرد في هذا الشأن ، يدور حول ما إذا كانت سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور ، سلطة مطلقة ، أم مقيدة ؟
وبعبارة أخرى ، هل يمتلك رئيس الدولة سلطة واسعة ومطلقة تسمح له بتعطيل نصوص الدستور ؟ أم أن هنالك قيود تحد من هذه السلطة ، بحيث تسمح لرئيس الدولة بتعطيل بعض نصوص الدستور ، وتمنعه- في ذات الوقت- من تعطيل نصوص دستورية أخرى ؟ .
وللإجابة على هذا التساؤل ، فإن الأمر يقتضينا أن نبرز –بادئ ذي بدء- موقف الدساتير حيال مدى سلطة رئيس الدولة في إيقاف تطبيق نصوص الدستور .
و يمكن القول إن الاتجاهات الدستورية قد اختلفت في أشكال القيود التي تفرضها لتحديد سلطة التعطيل . وقد تبنت الدساتير حيال هذا الأمر منهجين ، الأول : يتمثل في التقييد المباشر ، والثاني : يتمثل في التقييد غير المباشر.
ولذلك فإننا سنحاول توضيح أشكال القيود التي تفرض على سلطة التعطيل ، وذلك في مبحثين :
المبحث الأول : التقييد المباشر لسلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور
المبحث الثاني :التقييد غير المباشر لسلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور
المبحث الأول :
التقييد المباشر لسلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور
يحدد المشرع الدستوري صراحة حدود سلطة رئيس الدولة في وقف العمل بأحكام الدستور ، من خلال ما يضعه من قواعد دستورية تحدد بذاتها مضمون هذه القيود .
وفي هذه الحالة تكون نصوص الدستور هي المصدر المباشر الذي يتولد عنه قيود تحد من سلطة التعطيل.
وسنعرض للقواعد الدستورية التي أوردت قيوداً مباشرة على سلطة التعطيل ، وذلك في مطلبين مستقلين: نحدد في أولهما للمبادئ التي تحكم تقييد سلطة تعطيل الدستور ، ونحدد في الآخر موقف بعض الدساتير العربية من المبادئ المقيدة لسلطة تعطيل الدستور .
المطلب الأول :
المبادئ التي تحكم تقييد سلطة تعطيل الدستور
تضمنت بعض الدساتير أحكاماً تحدد سلطة رئيس الدولة في تعطيل نصوص الدستور ، استناداً إلى (نظام الترخيص ) بدلاً من ( نظام المنع أو التحريم ) .
ويترتب على ذلك ، نتيجة أساسية ، مفادها : أن ذكر النصوص الدستورية التي يرخص الدستور ويجيز لرئيس الدولة تعطيلها ، يكون من أثره ، منع أو حظر تعطيل النصوص الأخرى .
فلئن كان من الجائز أن ينص الدستور على الأحكام التي يجوز تعطيلها في الظروف غير العادية ، فإن هذه الأحكام يجب أن تحدد بنص في الدستور . كما يجب أن ينص الدستور على الأحكام التي لا يجوز تعطيلها بأي حال من الأحوال(39).
وتأسس هذا الاتجاه في الدستور الألماني الصادر عام 1919 ، حيث منحت المادة ( 48/الفقرة 2 ) رئيس الدولة حق تركيز كل السلطات في حالة التهديد ضد الأمن أو النظام العام ، إذ قررت أنه:’’ .. في هذه الحالة ، للرئيس ، وبصفة مؤقتة ، أن يعطل الحقوق الأساسية المحددة بالمواد 114 -115-118-123-153، كلياً أو جزئياً ‘‘(40) .
وأخذ المشرع الدستوري في تركيا ، بذات النهج .فقد أشار الدستور التركي الصادر عام 1982 والمعدل عام 2002 في المادة (15) منه ، إلى صلاحية تعليق ممارسة الحقوق والحريات الأساسية بشكل جزئي أو كلي ، وذلك في الظروف غير العادية المتمثلة في حالات : الحرب ، أو الأحكام العرفية ، أو حالة الطوارئ .
والملاحظ ، أنه كان للمشرعين الدستوريين الدور الرئيسي الهام في إبراز المبادئ والضوابط التي تحكم سلطة رئيس الدولة في وقف العمل بالنصوص الدستورية المتعلقة بحقوق الأفراد . وكان سبيلهم إلى ذلك ، محاولتهم إرساء نوع من الموائمة والتوازن بين متطلبات الحفاظ على الصالح العام المشترك ، وضرورات حماية الحقوق وضمان ممارستها .
ومما يجدر ذكره في هذا الصدد ، إن المبادئ التي أوردتها الدساتير -سالفة الذكر-يمكن اعتبارها مبادئ عامة تتطلبها مشكلة الصراع بين السلطة والحرية ، وذلك لما تحتويه من منطق ومراعاة للحقوق والحريات من خلال الصالح المشترك .
ويمكن إجمال المبادئ التي تحكم سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور على النحو الآتي :
-المبدأ الأول :حظر تعطيل أي حكم من أحكام الدستور السياسي والدستور الاجتماعي في الظروف العادية التي تحياها الدولة .
-المبدأ الثاني :جواز إيقاف تطبيق بعض نصوص الدستور الاجتماعي ( أي النصوص المتعلقة بالحقوق والحريات ) وبصفة مؤقتة في الظروف غير العادية التي تطرأ على حياة الدولة .
-المبدأ الثالث : التناسب بين مقتضيات الصالح العام مع متطلبات الصالح الخاص .
حيث إن الصالح العام قد يقتضي تحجيم الإطار الذي يتحرك فيه الأفراد لممارسة حقوقهم ، وتحقيق مصالحهم الخاصة ، بوضع بعض الحدود عليها أو حتى إيقاف العمل بها .
و لا يحول ذلك دون تحقق التناسب بين الأمرين ، لأن النظام العام والصالح العام يعودان في النهاية بالفائدة والنفع على الجميع وعلى الأفراد ، أي على الكل والجزء ، وبهذا يتحقق التناسب .
المطلب الثاني :
موقف الدساتير العربية من المبادئ المقيدة لسلطة تعطيل الدستور
تبنت بعض الدساتير العربية ذات النهج الذي يقرر أحكاماً ومبادئ خاصة تحدد قيوداً موضوعية ترد على سلطة رئيس الدولة في إيقاف تطبيق النصوص الدستورية .
وتمثل ذلك في بعض الوثائق الدستورية، ومن أبرزها : مشروع دستور جمهورية العراق لعام 1990 ، وكذلك الدستور السوداني لعام 1998 .
ـ مشروع دستور العراق لعام 1990 :
منحت المادة (99/2) رئيس الجمهورية في حالة الطوارئ ، صلاحية إيقاف العمل - بشكل مؤقت –بأحكام بعض المواد، والتي تتضمن معالجة الحقوق والحريات(41).
والملاحظ أن مشروع الدستور قد تضمن الآتي :
أولاً- سمح بتعطيل بعض النصوص الدستورية في الظروف غير العادية والتي قصرها على حالة الطوارئ.
ثانياً- حدد النصوص الدستورية التي يجوز تعطيلها ، وهي : المواد : 43 ، 47 ، 48 ، 52 ، 53 ، 54 ، 56 ، 57 ، 67 .
ثالثاً-والناظر إلى المواد التي سمح المشرع الدستوري بتعطيلها ، يجدها تتعلق بحقوق الإنسان ،وتشمل الحقوق الشخصية ، والحقوق الفكرية والحقوق الاجتماعية ،وعلى النحو الآتي :
أ-الحقوق والحريات المتعلقة بشخصية الإنسان(42)، وتجسدت في: الحق في الأمن الفردي ، والحق في حرمة المسكن ، والحق في سرية المراسلات ، والحق في السفر والعودة .
ب- الحقوق والحريات المتعلقة بفكر الإنسان(43)، وتجسدت في:الحق في حرية الفكر والرأي والتعبير ، والحق في حرية الصحافة والطباعة والنشر ، والحق في حرية التجمع والتظاهر ، والحق في حرية تأسيس الأحزاب السياسية والانضمام إليها ، والحق في تأسيس الجمعيات والانضمام إليها .
ـ الدستور السوداني لعام 1998 :
أسس الدستور السوداني اتجاهاً دستورياً حديثاً ، حيث رسم حدود سلطة رئيس الدولة في تعليق أحكام الدستور. واتجه المشرع الدستوري في المادة (132) نحو الإقرار بتمتع رئيس الدولة بصلاحية تعليق كل أو بعض القواعد الدستورية المنظمة للحقوق والحريات ، وحظر في الوقت ذاته ، تعليق بعض القواعد الدستورية ذات الصلة بالموضوعات الآتية :
-الحرية والحق في الحياة ،والحرية والحق في المساواة ،وحرية العقيدة والعبادة ،والحق في التقاضي ،وحق افتراض البراءة،وحق الدفاع .
ويمكننا أن نبرز المبادئ أو ( الضوابط )التي رسم معالمها وحدود تطبيقها الدستور السوداني ، وعلى النحو التالي :
-المبدأ الأول : سلطة رئيس الدولة في تعليق الدستور لا تؤدي إلى الإيقاف المطلق للنصوص الدستورية المتعلقة بالحقوق والحريات .
-المبدأ الثاني :التناسب العكسي بين سلطة رئيس الدولة في تعليق أحكام الدستور ، وقيمة الحق أو الحرية .
-المبدأ الثالث : التزام رئيس الدولة في عدم الدخول في المجال الدستوري للحقوق والحريات الأساسية، الذي حظرت السلطة التأسيسية الأصلية المساس به وتعليق أحكامه .
ويؤخذ على هذا الاتجاه ، أن تحديد المواد التي يجوز إيقاف العمل بها هو أمر محل نظر .ذلك ، لأن هنالك صلة وترابط وثيق بين جميع النصوص الواردة في وثيقة الدستور . ومن ثم ، فإن تعطيل نص دستوري معين ، أجاز المشرع الدستوري تعطيله ، ينعكس أثره على نصوص دستورية أخرى ، غير مسموح بتعطيلها .
ونؤسس رأينا هذا على فكرة ( وحدة البناء الفكري والفلسفي لوثيقة الدستور ) ، وبالتالي فإن إيقاف العمل ببعض نصوص الدستور ، من شأنه أن يؤثر على نصوص الدستور الأخرى .
المبحث الثاني :
التقييد غير المباشر لسلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور
يصعب البحث حول ما إذا كانت هناك قيود ترد على سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور ، دون أن ترد صراحة في الوثيقة الدستورية ، إلاّ أن هنالك اتجاهات فقهية حاولت أن تستخلص تلك القيود على نحو غير مباشر من النصوص الدستورية التي عالجت حقوق الإنسان والسلطات الاستثنائية ، وفي هذه الحالة تكون المبادئ الدستورية هي المصدر لهذا التحديد المستخلص من ثنايا قواعد الدستور .
على إن الفقه اتجه إبتداءاً إلى الاعتماد في تحديد القيود التي تحد من سلطة رئيس الدولة،على إرادة المشرع الدستوري،من خلال ما يضعه من قواعد في صيغة النص الدستوري. وعلى هذا المنوال ، نص الدستور السويسري لعام 1874 ، وكذلك الدستور السويسري لعام 1999 في المادة (185) منه ، على إن : ’’ يمكن للمجلس الاتحادي استناداً على هذه المادة أن يصدر أوامر ويتخذ قرارات لمواجهة قلاقل حدثت أو تحدث مهددة للنظام العام أو للأمن الداخلي أو الخارجي ، وتكون هذه الأوامر ذات صلاحية زمنية محددة ‘‘ .
والملاحظ إن الدستور السويسري قد منح المجلس التنفيذي الاتحادي والذي يترأسه رئيس الدولة الاتحادية ، صلاحية استثنائية ، تتمثل باتخاذ قرارات ، قد تؤدي إلى إيقاف العمل بنصوص الدستور . ولكن ما مدى سلطة التعطيل وفقاً للدستور السويسري ؟
لم يتضمن الدستور تحديداً مباشراً لنطاق السلطات الاستثنائية . ولذلك اتجه جانب من الفقه السويسري إلى تحديد سلطة رئيس الدولة في تعطيل نصوص الدستور ، من خلال التمييز بين نوعين من النصوص الدستورية من حيث قيمتها الموضوعية ( أي مضمونها و محتواها ) ، حيث صنفها إلى :
- نصوص دستورية جوهرية وأساسية : وهي النصوص التي توضح المبادئ الأساسية في إقامة النظام السياسي ، فهي لذلك ذات معنى ومضمون سياسي ، وفلسفي ، ويستلزم المساس بها ، حدوث تغيير كامل وشامل .
ويرى أصحاب هذا الاتجاه ، حظر تعطيل النصوص الدستورية الجوهرية والأساسية .
- نصوص دستورية غير جوهرية ( أي ثانوية ) : وهي النصوص التي يتمثل دورها في وضع النصوص الجوهرية ، موضع التنفيذ ، وذلك بإنشائها للهيئات وتبيان قواعد عملها ، وإن مسألة تغييرها والمساس بها تشكل إصلاح بسيط ، إذا كشفت الظروف عن أفضلية ذلك الإصلاح لغرض تنفيذ المبادئ الأساسية(44).
وفي ضوء ذلك ، يرى أصحاب هذا الاتجاه ، جواز تعطيل النصوص الدستورية الثانوية .
ويؤخذ على هذا الاتجاه ، أنه لم يضع معيار منضبط للتمييز بين النصوص الدستورية ، كما إن إقامة التدرج بين النصوص الدستورية في الدستور ذاته ، قد يفسح المجال للخلاف ، والذي قد يؤدي إلى تجاوز السلطة .
كما حاول جانب من الفقه الفرنسي ، تحديد سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور ، من خلال الرجوع إلى المبادئ العامة في نظرية الضرورة . وتطبيقاً لذلك ، نجد أن الفقيه الفرنسي ( بيردو BURDEAU ) يرى أن مجرد اللجوء إلى المادة (16) من الدستور الفرنسي لعام 1958 وتطبيقها بمثابة تعطيل مؤقت للنصوص الدستورية(45).
إلاّ أن البعض الآخر في الفقه الفرنسي ، قد انتقد هذا الاتجاه والذي يعتبر إن تطبيق المادة (16) بمثابة تعطيل النصوص الدستورية الأخرى . ويشير أنصار هذا الرأي إلى إن هنالك نصوص دستورية تخرج عن نطاق التعطيل ، وذلك لضمان عدم توقف ضمانات تطبيق المادة (16) كاجتماع البرلمان بقوة القانون ، أو إمكانية اتهام الرئيس بالخيانة العظمى بمقتضى المادة (68) من الدستور الفرنسي(46).
هذا وقد تباينت آراء الفقه المصري بشأن حدود سلطة رئيس الدولة في إيقاف العمل بنصوص الدستور تطبيقاً للمادة (74) من الدستور المصري لعام 1971 .
فقد أقر ( د. طعيمة الجرف ) بامتلاك رئيس الجمهورية سلطة تقديرية مطلقة في تحديد الخطر ونوع الإجراءات التي يتخذها ، والتي قد تصل إلى حد الترخيص له بتعطيل العمل ببعض أو بكل أحكام الدستور(47).
أما (د. محمد كامل ليلة ) فيرى أن العمل بالمادة (74) وتطبيقها ، من شأنه أن يعطل بعض نصوص الدستور الأخرى لحسابها .إذ أن الإجراءات التي تتخذ في ظلها تقع على خلاف المادة (44) من الدستور التي تقرر حرمة المساكن وعدم جواز دخولها أو تفتيشها إلاّ بأمر قضائي مسبب ، وعلى خلاف المادة (48) من الدستور والخاصة بحظر الرقابة على الصحف وإنذارها أو تعطيلها أو إلغائها بالطريق الإداري(48).
أما ( د. يحيى الجمل ) فيرى أن النظام القانوني الاستثنائي الذي تقيمه هذه النصوص ، يعني ضمناً بأنه تعطيل للنصوص الدستورية الأخرى . ولكن ذلك الإطلاق ، يتقيد بقيد يقرره الفقه الإسلامي . وهو القيد المستفاد من قاعدة ( التناسب بين ما تقتضيه الضرورة من خروج على أحكام الدستور ، والمدى الذي يكفي لمواجهة الأزمة ) وكذلك من قاعدة ( الضرورة تقدر بقدرها ) (49).

الخاتمـة :
أولاً-النتائج :
يمكن إجمال أبرز النتائج التي توصلنا إليها ، بما يأتي :
1-إن بحث مفهوم تعطيل الدستور ، قد أوضح لنا أن مدلول التعطيل يجب أن لا يكون مقتصراً على المعنى الضيق للتعطيل ، والمتمثل بالتعطيل الرسمي للدستور . بل إن للتعطيل مفهوم واقعي . لذلك يتجه الفكر القانوني إلى التوسع في مدلول التعطيل كي يشمل التعطيل الفعلي لنصوص الدستور .
2-برز تعطيل أو إيقاف العمل بنصوص الدستور ، كحالة واقعية ، تمس سيادة وسمو الدستور . وهي مرحلة ، أسبق من مرحلة التنظيم الدستوري .
3-حرص المشرع الدستوري ، على تقنين ظاهرة تعطيل الأحكام الدستورية وتنظيمها في حالة الظروف الاستثنائية .
4-إن تخويل المشرع الدستوري سلطة التعطيل ، لرئيس الدولة ، يشير إلى الفكرة القانونية التي اعتنقها واضع الدستور ، حيث أن تمتع رئيس الدولة بهذه السلطة ، يمثل أحد تطبيقات ظاهرة تقوية مركز رئيس الدولة وترجيح كفته على السلطات العامة الأخرى .
5-إن اللجوء إلى تعطيل الدستور ، قد يؤدي إلى قيام نوع من ( الديكتاتورية ) تحت ستار النصوص الدستورية ، فالسلطة تغري بالمزيد من السلطة ، واستمرار السلطة غير المقيدة ، قد تتفق جزئياً مع منطق تركيز السلطة ، وقد يجعل الممارسون لتلك السلطة يسترسلون مع هذا التيار ، وفي ذلك خطورة على النظام الديمقراطي نفسه .
6-إن التنظيم الدستوري للتعطيل قد يخلق جواً سياسياً ملائماً لتقوية فكرة السلطة الشخصية ، وذلك لأن رئيس الدولة هو الجهاز الذي يختص بسلطة التعطيل .
والتنظيم المسبق لحالة التعطيل يعطي سنداً لرئيس الدولة للخروج على المشروعية مما يجعله أمراً مقبولاً في الحياة السياسية ، وهو الأمر الذي يزيد من مخاطر تقوية وتركيز السلطة الشخصية .
7-تقيم سلطة تعطيل الدستور ، نقطة توازن جديدة ، بين امتيازات السلطة العامة ، من ناحية ، وحماية الحقوق والحريات من ناحية أخرى ، وتتحد في الأثر والنتيجة ، إذ تؤدي إلى إيقاف تطبيق النصوص الدستورية المقررة والضامنة للحقوق والحريات .
ثانياً-التوصيات :
وفي نهاية بحثنا نخلص إلى بعض التوصيات ، التي نود أن تنال اهتمام المشرع في العراق، عند تعديل الدستور المستفتى عليه عام 2005 ، بهدف تحقيق وتوكيد مبدأ سمو الدستور ، وضمان تطبيق المباديء التي احتوتها وثيقة الدستور . ويمكن إيجاز ذلك ، بإضافة نص إلى وثيقة الدستور ، يقرر المباديء التالية :
1-حظر تعطيل أحكام الدستور جزئياً أو كلياً في ظل الظروف العادية .
2-جعل الإجراءات التي تقتضيها حالة الأحكام العرفية ومن ضمنها إجراء تعطيل بعض أحكام الدستور من اختصاص رئيس الجمهورية بعد مشاورة رسمية مع رئيس الوزراء و رئيس مجلس النواب، ورئيس المحكمة الاتحادية العليا .
3-حظر تعطيل النصوص الدستورية المتعلقة بالحقوق الأساسية للإنسان ، بأي حال من الأحوال.
4- لمجلس النواب بأغلبية ثلثي أعضائه ، مساءلة رئيس الجمهورية ، في حالة تعطيل الدستور كله أو بعضه ، دون إتباع القواعد والإجراءات التي حددها الدستور ،

الهوامش:
1ـ تبنى هذا الاتجاه :الدستور الفرنسي الصادر عام 1958 ( المادة 5 ) ، والدستور المصري الصادر عام 1971 ( المادة 73 ) .
2ـ أنظر :- محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي ، مختار الصحاح ، دار الرسالة ، الكويت ، 1982، ص440.
-العلامة ابن منظور ، لسان العرب، الجزء 16 ، بيروت ، 1956 ، ص453 .
3ـ أنظر :- محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي ، المصدر نفسه ، ص440 .
-العلامة ابن منظور ، المصدر السابق ، ص454 .
4ـ أنظر :-الأمام جلال الدين الحلي ، الأمام جلال الدين السيوطي ، تفسير الجلالين ، ط2 ، دار الجليل ، بيروت ، 1995 ، ص586 .
-الأمام ابن الفداء إسماعيل بن كثير القرشي ، تفسير ابن كثير ، الجزء 4 ، دار المفيد ، بيروت ، لبنان ، 1983 ، ص476 .
-العلامة السيد محمد حسين الطبطبائي ، مختصر تفسير الميزان ، إعداد كمال مصطفى شاكر ، ط1 ، دار مدين ، 2005 ، ص649 .
5ـ أنظر في ذلك :-الأمام جلال الدين الحلي ، الأمام جلال الدين السيوطي ، المصدر نفسه ، ص337 .
-الأمام ابن الفداء إسماعيل بن كثير القرشي ، تفسير ابن كثير ، الجزء 3 ، دار المفيد ، بيروت ، لبنان ، 1983 ، ص228 .
-العلامة السيد محمد حسين الطبطبائي ، المصدر نفسه ، ص398-399 .
6ـ برز هذا الاتجاه في الفقه الفرنسي :
-Maurice Duverger ; Droit Constitutionnel ,4 ed , Paris , 1971 , p.535.
-Georges Vedel ; Droit Constitutionnel, These Paris ,1960 , p.434.
-Pual Leory ; L'organsation Constitutionne et Ise Crises , L.G.D.J. Paris , 1966,P.218.
-وتبنى ذات الاتجاه جانب من الفقه المصري :
-د.سليمان محمد الطماوي ، النظم السياسية والقانون الدستوري –دراسة مقارنة ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1988 ، ص .
-د. ماجد راغب الحلو ، القانون الدستوري ، دار المطبوعات الجامعية ، الأسكندرية ، 1997 ، ص257 .
-د. يحيى الجمل ، نظرية الضرورة في القانون الدستوري وبعض تطبيقاتها المعاصرة ، دار النهضة العربية ، 1988 ، ص 152 .
-د.مصطفى أبو زيد فهمي ، الدستور المصري ورقابة دستورية القوانين ، منشأة المعارف ، الأسكندرية، 1985 ، ص418 .
7ـ أنظر : -Pual Leory ;op.cit,p.218.
-Georges Vedel ; op.cit,p.434.
8ـ د.إبراهيم عبد العزيز شيحا ، القانون الدستوري تحليل النظام الدستوري المصري في ضوء المبادئ الدستورية العامة ، الدار الجامعية ، بيروت ، 1983 ، ص715 .
-د. عبد الغني بسيوني عبد الله ، سلطة ومسؤولية رئيس الدولة في النظام البرلماني ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1991 ، ص172 .
-د. محمد شريف إسماعيل عبد المجيد ، سلطات الضبط الإداري في الظروف الاستثنائية ، القاهرة ، 1979، ص400 .
-د. مدحت أحمد علي ، نظرية الظروف الاستثنائية ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، 1978 ، ص74 .
-د.أحمد سلامة بدر ، الاختصاص التشريعي لرئيس الدولة في النظام البرلماني –دراسة مقارنة ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2003 ، ص483-484 .
9ـ أنظر : د.صالح جواد الكاظم ، د.علي غالب العاني ، الأنظمة السياسية ، دار الحكمة ، بغداد ، 1991 ، ص 192 .
10ـ أنظر :-د.نوري لطيف ، د.علي غالب العاني ، القانون الدستوري ، بغداد ، 1981 ، ص190.
-د.إحسان المفرجي، د.كطران زغير نعمة ، د. رعد الجدة ، النظرية العامة في القانون الدستوري و النظام الدستوري في العراق ، دار الحكمة ، بغداد ، 1990 ، ص262 .
-د.حميد الساعدي ، مبادئ القانون الدستوري وتطور النظام السياسي في العراق ، مطابع دار الحكمة، الموصل ، 1990 ، ص137 .
11ـ أنظر : د.نوري لطيف ، د.علي غالب العاني ، المصدر السابق ، ص190 .
12ـ أنظر : د.حميد الساعدي ، المصدر السابق ، ص137 .
13ـ أنظر : د.إحسان المفرجي، وآخرون ، المصدر السابق ، ص262-263 .
14ـ تعبر القواعد الدستورية عن أفكار ومصالح معينة سائدة في المجتمع ، وهذه المصالح قد تمثل اتجاهاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً , وحينئذٍ نكون إزاء نظام لتركيز السلطة تكون فيه صورة القبض على السلطة محدودة ضمن الاتجاه الاقتصادي والاجتماعي والسياسي . وقد تمثل المصالح السائدة عدة اتجاهات سياسية واقتصادية واجتماعية ، فتعبر القواعد الدستورية عن تلك الاتجاهات ، وحينئذٍ نكون إزاء نظام لتوزيع السلطة ، تكون فيه صورة القبض على السلطة موزعة بين عدة أطراف ، يمثل كل منها مجموعة من المصالح السائدة اجتماعياً . أنظر في ذلك :
-د.سمير خيري توفيق ، مبدأ سيادة القانون ، دار الحرية للطباعة ، بغداد ، 1978، ص27 .
15ـ لمزيد من التفصيل ، أنظر :
-د.زهير المظفر ، القانون الدستوري والمؤسسات السياسية ، الجزء الأول ، النظرية العامة للقانون الدستوري ، مركز البحوث والدراسات الإدارية ، تونس ، 1992 ، ص242 وما بعدها .
-د. سعيد السيد علي ، حقيقة الفصل بين السلطات في النظام السياسي والدستوري للولايات المتحدة الأمريكية ، القاهرة ، 1999 ،ص16 .
-د.سعيد بو الشعير ، القانون الدستوري والنظم السياسية المقارنة ، الجزء الثاني –النظم السياسية ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر ، 1999 ، ص189 .
16ـ أنظر:د.عبد المنعم محفوظ، علاقة الفرد بالسلطة ،المجلد 3 ، ط1 ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1989 ، ص1091 .
17ـ لقد جرت عدة دراسات في أروقة الأمم المتحدة لحالة الظروف الاستثنائية وتأثيرها على حقوق الإنسان ، ومن أبرز هذه الدراسات ، التقرير الذي قدمته السيدة ( كويسيتاكوس ) في الجلسة (35) للجنة الفرعية عام 1982 ، والذي أشارت فيه إلى الآثار الواقعية على القواعد القانونية ، وعلى احترام حقوق الإنسان .وأكدت أن ضمانات حقوق الأفراد في الظروف الاستثنائية والمقررة في المواثيق والدساتير تخرق باستمرار . كما لاحظت أن حالات الطوارئ تميل إلى أن تكون مستترة ومستمرة أو حتى ثابتة .
-United Nations .Action In The Field of Human Rights , United Nations , New York ,1983,p.150.
18ـ أنظر : د. نعيم عطية ، النظرية العامة للحريات الفردية ، الدار القومية للطباعة والنشر ، القاهرة ، 1965 ، ص201-202 .
19ـ من تقسيمات الحريات الفردية ، تقسيمها إلى حريات تعطلها الأحكام العرفية ، وحريات لا تعطلها الأحكام العرفية . وقد ظهر هذا التقسيم على الأخص في مشروع الدستور الفرنسي لعام 1946 . أنظر :د.علي ماهر ، تمهيد لصياغة باب الحريات والحقوق والواجبات العامة ، القاهرة ، 1953 ، ص52 .
20ـ–Joseph Delpech et Julien La Ferrire : Les Constitution Modernes .Paris,1928,p.367.
21ـ لمزيد من التفصيل، أنظر :د. فتحي عبد النبي الوحيدي ، ضمانات نفاذ القواعد الدستورية ، رسالة دكتوراه ، كلية الحقوق ، جامعة القاهرة ، 1982 ، ص67 وما بعدها . وقد صنف الضمانات التي تكفل نفاذ وتطبيق القواعد الدستورية إلى : ضمانات قانونية وضمانات شعبية .
22ـ أنظر في ذلك : -د.إسماعيل الغزال ، الدساتير والمؤسسات السياسية ، مؤسسة عز الدين للطباعة والنشر ، بيروت ، 1996 ، 35 .و-د. محمد المجذوب ، القانون الدستوري والنظام السياسي في لبنان وأهم النظم الدستورية والسياسية في العام ، منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت ، 2002 ، ص50 .و-د. أدمون رباط ، الوسيط في القانون الدستوري العام ، الجزء الثاني ، النظرية القانونية في الدولة وحكمها ، دار العلم للملايين، بيروت ، 1971 ، ص590-591 .
23ـ د. السيد صبري ، النظم الدستورية في البلاد العربية ، 1956 ، ص250-251 . وأنظر كذلك :و-د. إبراهيم عبد العزيز شبحا ، المصدر السابق ، ص431 .
24ـ أنظر : د. محمود حلمي ، دستور الكويت والدساتير العربية المعاصرة ، الطبعة الأولى ، دار السلاسل ، الكويت ، 1988 ، ص136 .
25ـ د. صلاح الدين فوزي ، واقع السلطة التنفيذية في دساتير العالم – مركزية السلطة المركزية ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2003 ، ص207 .
26ـ د.عبد الفتاح مراد ، الدساتير العربية والمستويات الدولية ، الإسكندرية ، 2003 ، ص660 .
27ـ أنظر :-د. علي غالب العاني ، د. نوري لطيف ، مصدر سابق ، ص191 .
-د.عبد الفتاح مراد ، نفس المصدر السابق ، ص385 .
28ـ الذي حمل اسم : النظام الأساسي لسلطنة عمان .
29ـ د.عبد الفتاح مراد ، نفس المصدر ، ص633 .
30ـ يرى جانب من الفقه ، أن الأحكام العرفية ، تتخذ أحد شكلين : الأحكام العرفية العسكرية وهو النظام الذي تحكم به المناطق التي تحتلها القوات الأجنبية . والشكل الآخر هو الأحكام العرفية السياسية ، وهو النظام الذي يسمح للسلطة التنفيذية بسلطات واسعة جداً مقارنة مع سلطاتها في الظروف العادية .
أنظر : د. عبد الله إسماعيل البستاني ، مساهمة في إعداد الدستور الدائم وقانون الانتخاب ، بغداد ، 1961 ، ص 1963 .
ويميز المشرع الفرنسي بين الأحكام العرفية وحالة الطوارئ .فهما عبارة عن نظام قانوني استثنائي . وتعلن الأحكام العرفية بمناسبة وقوع حرب أو عند التهديد بالحرب ، أما حالة الطوارئ ، فتعلن لمواجهة إضطرابات داخلية تؤدي إلى اختلال النظام العام . و يتضح من ذلك أن حالة الطوارئ لا تبلغ في شدتها تلك التي تستلزم إعلان ألأحكام العرفية . فالقيود التي تفرض على الحقوق والحريات بعد إعلان الأحكام العرفية أبعد مدى وأخطر أثراً من القيود التي تترتب على إعلان حالة الطوارئ .
-أنظر :د.عصام البرزنجي ، د.مهدي السلامي ، د.علي محمد بدير ، مبادئ القانون الإداري ، بغداد ، 1991 ، ص227 .
31ـ لمزيد من التفاصيل ، أنظر :-د.سعيد بو الشعير ، النظام السياسي الجزائري ، الطبعة الثانية ، دار الهدى ، عين مليلة ، الجزائر ، 1996 ، ص277 .
32ـ أنظر : -د.رعد الجدة ، دراسات في الشؤون الدستورية العراقية ، مطبعة الخيرات ، بغداد ، 2001 ، ص184 .
-د. رعد الجدة ، التشريعات الدستورية في العراق ، بيت الحكمة ، بغداد ، 1998 ، ص145 .
33ـ تستقي المادة ( 16 ) من الدستور الفرنسي الحالي مصادرها الفكرية من مصدرين أساسيين : يتمثل المصدر الأول في المادة (92) من دستور اللسنة الثامنة والمادة (14) من دستور عام 1814 ، أما المصدر الثاني فينبع من المادة (48) من دستور الألماني لعام 1919 .
-Jean Gicquel : Droit Constitutionnel et , Institutions Politiques , loeed .Montchrestien ,Paris,1989,p.670 .
34ـ ويرى الفقيه الفرنسي ( ريفيرو ) إن إجراء هذه المشاورات ضروري ، إلاّ أن رئيس الجمهورية لا يلتزم بالأخذ بنتيجتها .
وأطلق الفقيه الفرنسي ( أندريه هوريو ) على اللجوء على المادة (16) تعبير عن ( ممارسة الدكتاتورية المؤقتة في فترة الأزمة ) .
- أندريه هوريو ، القانون الدستوري والمؤسسات السياسية ، ترجمة : أ.علي مقلد ، شفيق حداد ، عبد الحسن سعد ، الأهلية للتوزيع والنشر ، بيروت ، 1974 ، ص 402 .
35ـ يرى جانب من الفقه الفرنسي أن رئيس الجمهورية يستطيع ممارسة الدكتاتورية بمقتضى الدستور بما تضمنته المادة (16) من سلطات استثنائية أطلق عليها ( الدكتاتورية الدستورية ).
-Marcel PRELOT : Institutionan Politiques et Droit Constitutionnel , Y'eme ,Paris,1969,p.675 .
-Maurice Duverger : Constitutions et Decumentes Politique ,P.U.F., Collection The'mis, 6e'me edition , Paris , 1971 , p.231.
-Andre Hauriou , Droit Constitutionnel Institutions Politiques , ,Paris,1975,p.143 .
وجدير بالذكر إن المادة ( 16 ) من الدستور الفرنسي لعام 1958 كانت مصدراً ملهماً للمشرع الدستوري في العديد من دساتير الدول الإفريقية ، وبخاصة الدول الناطقة بالفرنسية . حيث تضمنت دساتير هذه الدول مواداً تعتبر نظيرة للمادة (16) لكونها مستلهمة منها على نحو مباشر . ومن أمثلة ذلك : المادة (23) من دستور جمهورية بوروندي لعام 1974 ، المادة (32) من دستور مالي لعام 1974 ، والمادة (18) من دستور الجابون لعام 1975 ، والمادة (47) من دستور السنغال لعام 1976 ، والمادة (30 ) من دستور جمهورية فولتا العليا لعام 1977 ، والمادة (24) من دستور جمهورية الكاميرون لعام 1978 .
-أنظر : وجدي ثابت غبريال ، السلطات الاستثنائية لرئيس الجمهورية ، منشاة المعارف ، الإسكندرية ، 1988 ، ص15-16 .
36ـ هذه المادة مقتبسة من المادة ( 16 ) من الدستور الفرنسي الصادر في :14 أكتوبر 1958 ، ولم يكن لها نظير في الدساتير المصرية المتعددة ، قبل دستور سنة 1971 .
-د.سليمان محمد الطماوي ، المصدر السابق ، ص476 .
37ـ ولمزيد من التفصيل حول أوجه الاختلاف بين النص الفرنسي ( المادة 16 ) والنص المصري ( المادة 74) ، فيما يتعلق بالشروط الموضوعية والشكلية لممارسة سلطات رئيس الجمهورية ، أنظر :-د.يحيى الجمل ، نظرية الضرورة في القانون الدستوري وبعض تطبيقاتها المعاصرة ، دار النهضة العربية ، 1988 ، ص204 .و-د. احمد مدحت علي ، نظرية الظروف الاستثنائية ، القاهرة ، 1978 ، ص74 .و-د.سامي جمال الدين ، لوائح الضرورة وضمانة الرقابة القضائية ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، 1982 ، ص116 وما بعدها .و-د.أحمد فتحي سرور ، الحماية الدستورية للحقوق والحريات ، الطبعة الثانية ، دار الشروق ، القاهرة ، 2000 ، ص809 .و-د.إبراهيم عبد العزيز شيحا، د. محمد رفعت عبد الوهاب ، النظم السياسية والقانون الدستوري ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1988 ، ص792-793 .و-د.محسن خليل ، النظام الدستوري المصري ، الجزء الثاني ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، 1988 ، ص754-755 .
-Maurice Duverger : op.cit,p.535.
-Georges Vedel ; op.cit,p.434.
38ـ أنظر : د. سليمان محمد الطماوي ، المصدر السابق ، ص 477 .
39ـ انظر :-Maurice Duverger : Droit Constitutionne. op.cit,p.535.
-Georges Vedel ; op.cit,p.434.
-M.Voisset : Larticale 16 dela Constitution du 4 october , 1958 , these L.G.D.J.1969,P.68.
--Pual Leory ;op.cit,p.218.
وأنظر كذلك :-د.مصطفى أبو زيد فهمي ، المصدر السابق ، ص418 .و-د. يحيى الجمل ، المصدر السابق ، ص206 .و-د. عمر حلمي فهمي ، الوظيفة التشريعية لرئيس الدولة في النظامين الرئاسي والبرلماني –دراسة مقارنة ، ط1، دار الفكر العربي ، القاهرة ، 1980 ، ص406 .و- د. سليمان محمد الطماوي ، المصدر السابق ، ص 477 .و-د. ماجد راضي الحلو ، المصدر السابق ، ص 261 .و-د. عبد الغني بسيوني عبد الله ، المصدر السابق ، ص172 . و-د.حسين عثمان محمد عثمان ، القانون الدستوري ، دار المطبوعات الجامعية ، الإسكندرية ، 2002 ، ص398 .
40ـ يرى البعض أن سلطة وقف الدستور أو بعض نصوصه لا تعدو مجرد اجتهاد فقهي يستند إلى فكرة تركيز السلطات . أنظر :
-د. وجدي ثابت غبريال ، القانون الدستوري والنظام الدستوري المصري طبقاً لدستور 1971 ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1990 ، ص103 .
41ـ أنظر : الأستاذ حسين جميل . حقوق الإنسان والقانون الجنائي . معهد البحوث والدراسات القانونية والشرعية ، دار النشر بالجامعات المصرية ، 1972 ، ص22 .
42ـ –Genevieve Camus :L'etak du Necessite En Democratie, thess,L.G.d.J . Paris ,1965.p.296 .
43ـ أنظر : -د. رعد الجدة ، دراسات في الشؤون الدستورية العراقية ، المصدر السابق ، ص184.و-د. رعد الجدة ، التشريعات الدستورية في العراق ، المصدر السابق ، ص145 .
44ـ نصت المادة الثالثة والأربعون على إنه : ’’ أولاً – لا يجوز حجز الإنسان أو توقيفه ، أو حبسه ، أو سجنه ، إلاّ بقرار صادر من جهة قضائية ، أو جهة مختصة ، طبقاً للقانون . ثانياً-تتكفل الدولة بتعويض عادل للفرد عن الضرر الذي يصيبه جراء مخالفة أحكام الفقرة (أولاً) من هذه المادة . ثالثاً – يملك الشخص الذي يحجز أو يوقف ، حق الاتصال بأسرته ومحاميه ‘‘ .
و نصت المادة السابعة والأربعون على إنه : ’’ للمساكن حرمة ، ولا يجوز دخولها ، أو تفتيشها ، إلاّ في الحدود والإجراءات التي يقررها القانون ‘‘ . وأوضحت المادة الثامنة والأربعون أن : ’’ سرية المراسلات البريدية والبرقية والهاتفية مكفولة . ولا يجوز انتهاكها ، إلاّ لضرورات العدالة والأمن ، في الحدود والإجراءات التي يقررها القانون ‘‘ . وأقرت المادة السابعة والستون ، في الفقرة الأولى ، حق المواطن في السفر إلى خارج البلاد ، أو العودة إليها ، مضمون . و لا يجوز تقييد تنقله وإقامته إلاّ في الحالات التي يحددها القانون . ونصت الفقرة الثانية ، على إنه : ’’ لا يجوز إبعاد أي مواطن عن البلاد، أو منعه من العودة إليها ‘‘.
45ـ نصت المادة الثالثة والخمسون على إنه : ’’ حرية الفكر والرأي والتعبير عنه ، وتلقيه بالوسائل الإعلامية والثقافية ، مضمونة ، وينظم القانون ممارسة هذه الحريات ‘‘ . كما أشارت المادة الرابعة والخمسون إلى إن : ’’ حرية الصحافة والطباعة والنشر مضمونة ، وينظم القانون ممارسة هذه الحرية ، ولا تفرض الرقابة على الصحف والمصنفات إلاّ بموجب أحكام القانون ‘‘ .وأوضحت المادة الثانية والخمسون أن : ’’ التجمع والتظاهر السلميان مكفولان في حدود مقتضيات حماية الأمن ، أو النظام العام ، أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم ، وينظم القانون هذه الممارسة ‘‘ .و نصت المادة السادسة والخمسون على إنه : ’’تأسيس الأحزاب السياسية وحرية الانضمام إليها ، مكفولان للمواطنين وينظمها القانون بما لا يتعارض وأحكام الدستور والنظام العام والوحدة الوطنية ‘‘ .
وأبانت المادة السابعة والخمسون إن : ’’ تأسيس الجمعيات وحرية الانضمام إليها مكفولان بموجب القانون بما لا يتعارض وأحكام الدستور والنظام العام والوحدة الوطنية ‘‘ .
46ـ - Genevieve Camus : op.cit,p.300-301 .
47ـ–Georges Burdeau : Droit Constitutionnel . 21 Edition , L.D.S. Paris , 1988 , p.622.
48ـ –M.Voissetp.cit.p.79 .
49ـ - د. طعيمة الجرف ، مبدأ المشروعية وضوابط خضوع الدولة للقانون ، مكتبة القاهرة ، 1976 ، ص173 .
50 ـ أورد هذا الرأي : -د. وجدي ثابت غبريال ، المصدر السابق ، ص224-225 .
51ـ د. يحيى الجمل ، المصدر السابق ، ص153 .

hadia369
2011-08-27, 00:45
لنظام البرلمــــاني

مفهوم النظام البرلماني :تعريف النظام البرلماني : إن النظام البرلماني نشأ في انجلترا بعد تطور طويل و هو من صور النظام النيابي ثم انتقل الى العديد من الدول و خاصة منها المستعمرات القديمة الانجليزية , و إذا قلنا النظام البرلماني فهذا لا يعني أن كل نظام يوجد فيه برلماني هو كذلك فالنظام الرئاسي و الشبه الرئاسي فيها برلمان و يكون أحيانا أقوى من السلطة التنفيذية لهذا فالمعيار المميز لهذا النظام عن غيره هو سلطة تنفيذية مقسمة إلى قسمين إحداهما الوزارة أو الحكومة التي يحق لها حل البرلمان الذي يستطيع بدوره سحب الثقة منها و ثانيها رئيس دولة ليس مسؤولا سياسيا .
التطور التاريخي للنظام البرلماني :
أولا: المرحلة الأولى : الديانة المسيحية لعبت دورا كبيرا في ترصيد الممالك و المقاطعات المنتشرة في انجلترا تحت لواء مملكة واحدة المتحدة .تحت لواء الجمعية العمة تضم حكام المقاطعات و الملك و قيادة الجيوش ظهور جمعية الحكماء تضم الملك و رؤساء المقاطعات دورها منح الأراضي و قرض الضرائب و إعلان الحرب و السلم .ظهور هيئة كبيرة في عهد الدق نورمانديا سميت بالمجلس الكبير القرن الثاني عشر و ساء فيها الحكم المطلق للنور منديين .في عهد الملك هنري الثاني تم توسيع المجلس الكبير .في عهد الملك جان سنتير ابن هنري 2 و هو العهد الذي تنازل فيه عن بعض صلاحياته للمجلس الكبير و الذي أصبح يعبر عن دور البرلمان .ثانيا : انقسام البرلمان إلى مجلسين : التمييز بين الأعضاء المنتخبين و غير المنتخبين تجلى في العهد هنري الثالث أن جان سنتير حيث تم انتخاب فارين عن كل مقاطعة لحضور البرلمان و أصبح البرلمان يضم المنتخبون و الأشراف الأساقفة الذين انقسموا إلى له كتلتين مجلس المنتخبون و يسمى بمجلس العموم و مجلس الأشراف و خصوصا أطلق عليه اسم اللوردات .
ثالثا : و في هذه الفترة تم سيطرة النواب المنتخبون و استحواذ أعلى السلطة التشريعية و تمت سيطرة مجلس العموم على جميع الوسائل المالية و ينفرد بها هذا الأخير و لتأتي بعد ذلك مرحلة ادوارد الثالث الذي يعد عصره الانطلاقة الفعلية في عملية التشريع البرلماني و حدث التساوي بين مجلس العموم و مجلس اللوردات و أصبح يحق لها على التساوي حق التشريع و إجمالا لهذا التقديم يمكن القول أن النظام البرلماني مر بثلاث مراحل رئيسية :
1/ الملكية المقيدة : مثلت هذه المرحلة في : سيطرة الملك و الطبقة الارستقراطية على السلطة و مصدر القوانين هو التفويض الإلهي على شكل مواثيق
2/ الازدواجية البرلمانية : إدخال فكرة الليبرالية ضمن النصوص القانونية و كذلك السيادة الشعبية و حل مكان الإله الإرادة الشعبية منها الدساتير حلت محل الميثاق و المجلس هما الذين يعزلا الوزراء .
3/ الديمقراطية البرلمانية : ظهور الأحزاب السياسية و تأثير الشعبية مدعما لمبدأ الاقتراع العام .و سيادة الطابع العرفي لدساتير هذه الأنظمة و حصر السلطة التنفيذية في يد الحكومة .

معايير و مميزات النظام البرلماني :
أولا : المعيار التقليدي : - التوازن بين السلطة التشريعية و التنفيذية ( التأثير المتبادل بينهما من خلال المراقبة المتبادلة بينهما ).التوازن من خلال أن أعضائها هيئات تكمل احدهما الأخرى .التعاون مشاركة الحكومة في التشريع من خلال اقتراح مشاريع القوانين .
النقد : تعميمه لكل مراحل التي بها انجلترا .
ثانيا : المعيار الحديث : و هو مسؤولية الحكومة أمام البرلمان انطلاقا من فكرة الاتهام الجنائي.
ثالثا: المعيار الحديث : أن كل الأنظمة التي اعتنقت النظام البرلماني ينبغي عليها أن تنص على مبدأ المسؤولية السياسية أي مسؤولية الحكومة بمفهومها الضيق امام البرلمان و كان ظهورها نتيجة الاتهام الجنائي حيث كان عضو النيابة يتابع جنائيا حيث كان يتهم أمام المجلس العموم و المحاكمة تتم امام مجلس اللوردات .
المسؤولية السياسية تمارس بواسطة سلطتين :
1/ لائحة اللوم او ملتمس الرقابة : و يكون من طرف مجلس النواب ضد الحكومة وشرط توافر الأغلبية والأغلبية المطلقة قادرة عل وكندا واستراليا
مسالة الثقة : تكون بمبادرة من الحكومة بواسطة رئيسها الذي يضع مسالة الثقة على مكتب المجلس وتتم أما تأكيد الثقة وإعطاءها ثقة كبيرة وإما إن تسحب منها الثقة وبذلك يتعين على الحكومة بجميع أعضائها الاستقالة .هل المعايير القانونية كافية لتمييز الأنظمة البرلمانية : ان المعيارين السالفين كافيين من الناحية القانونية لتمييز الانظمة البرلمانية عن غيرها ولكن قد يؤثر التعددية الحزبية على هذين المعيارين .
الانظمة البرلمانية التي تاخذ بثنائية الحزب: المثل عليها انجلترا و زلندا و كندا و استراليا و المقصود هنا هو ثنائية الحزبين الحقيقي حيث يستطيع احدهما ان يحصل على الاغلبية داخل البرلمان يطبق طريقة الانتخاب المقيدة على أعضائه في الحياة الهامة مثل التصويت على سحب الثقة و يترتب على ذلك نتائج :
النتيجة الاولى : تشكيل حكومة متنافسة من بين اعضاء الحزب صاحب الاغليبة الذي يخضع كل اعضائه و يتحملون مسؤولية تطبيق برنامجه .
النتيجة الثانية : هي ان الوزارة في حالة الاغليبة تنال ثقة البرلمان الا اذا حدث انشقاق داخل الحزب الواحد صاحب الاغلبية وهو نادر الحدوث .
النتيجة الثالثة : سيطرةاتلحكومة على السلطة و انتفاء فكرة الفصل بين السلطاات وز ان مشاريع القوانين الت يتصدر بالتالي تكون باقتراح من الحكومة او من اعضاء البرلمان المنتمين لحزب الاغلبية بعد مصادقة الحكومة عليها .
النتيجة الرابعة : تتمثل في انتخاب المواطنين للبرلمان يعني مشاركته بطريقة غير مباشرة في اختيار اعضاء الحكومة و رئيسها و اذا ما تفحصنا الانتخاب نجد ان الحملة الانتخابية تكون شبيهة بالانتخابات الرئاسية مما يجعلها حملة لصالح النواب .

الانظمة التي تأخذ بتعدد الاحزاب : في هذه الانظمة لا يوجد حزب يتمتع باللاغلبية المطلقة الا اذا كنا في نظام الحزب المسيكر فالحكومة هنا ملزمة بالاعتماد على ائتلاف حزبي للحصول على الاغلبية و التي تعد صعيفة قابلة للانقسام في أي وقت , مما يؤدي الى تقرير نفس الحكم على الحكومة فتبدو لذلك تجنبا للانقسام ضرورة المصالحة و التوفيق الوعود للشعب دون الوفاء بها و التهرب برمي مسؤولية ذلك على غيرها فضلا عن معارضة تطبيق برامج غيرها كاملة مما يعرقل رئيس الحكومة عن اداء مهامه كاملة و الاهتمام بالتوفيق بين الاحزاب الائتلافية مع حزبه فيغدو تحت رحمة البرلمان . و من هنا يمكن القول بان المخواطنين لا يختارون رؤساء الحكومات مثلما هو الحال في الثنائية الحزبية و انما يتم ذلك بواسطة رؤساء الاحزاب .الانظمة البرلمانية ذات الحزب المسيطر ستنطبق هذه التسمية على الانظمة ذات الاحزاب المتعددية و الت يمن بينها الاحزاب المسيطرة مثل الاحزاب الاشتراكية في بلاد الشمال و الديمقراطية المسيحية في ايطاليا و الحقيقة انهى وجود حزب مسيطر في الانظمة البرلمانية باستثناء حزب المؤتمر في الفهند و هو مما سمح له بالبقاء في السلطة لمدة طويلة غير انه كان مع ذلك يجب معارضة قوية تراقبه الى جانب تطبيق الانتخاباات الحرة مما يسمح للمواطنين من مراقبة الحزب و قد استمرت سيطرت حزب السيدة : غاندي بعد الانقسام الذي حدث عام : 1971 و تشكيلها لحزب
المؤتمر الجديد و فوزهخ في الانتخاباات في نفس السنة لكنه فقد الاسلطة في بداية الثمانينات الا انه استرجعها بعد ذلك مباشرة ثم فقدها سنة : 1989 الامر الذي ادى الى زوال فكرة الحزب المسيطر و لو لمرحلة في هذا البلد .

تطور النظام السياسي البرلماني :عرف النظام السياسي البريطاني اثناء تطوره مراحل ثلاث اساسية هي :
1/ الملكية المقيدة: بدأ التنظيم السياسي يبدو واضحا في المملكة البريطانية اثناء توليى قيوم الاول الفاتح السلطة في بريطانيا بعد ان فتحها سنة :1066و قتل الملك هارولد في هاستينغ فقد كان بين الحين و الاتخر يستدعي نبللااء البلد لاستشارتهم في قضايا و طلب المساعدة منهم خارج الايطار الضريبي كما منح للقادة العسكريين امتيازات سمحت له بنيل ثقتهم و تميزت المرحلة الأولى هاته من الحكم بمحاربة الملكية للنظام الاقطاعي .- و تمكن الاشراف و النبلاء خلالها من افتكاك الميثاق الاعظم من الملك جان سانتير 1215 , و بموجب ذلك بدأت تظهر البوادر البرلمانية حيث تشكل مجلس بجوار الملك من النبلاء و الأشراف و الإقطاعيين سمي بالمجلس الكبيرغير ان بوادر انقسامه بدأت تظهر اثناء حكم الملك هنري الثالث الذي اصبح يستدعي فارسين و نائبين من البورجوازية في المدينة بمجلسه ثم بعد تولي ادوارد الاول الحكم استقر الرأي على الضريبة لا تفرض الا بموافقة الممثلين المنتخبين من الفرسان و البورجوازيين الى جانب الاساقفة و الاشراف .
2/الثنائية البرلمانية : نتيجة للازمة الحادة التي تسببت فيها اسرة استوارت لابعادها البرلمان عن ممارسة السلطة و تم الاطاحة بهذا النظام سنة: 1688 و عينت مارية و زوجها قيوم سنة : 1689 ملكين على بريطانيا بعد الاعتراف بقانون الحقوق الذي اقر سلطة التشريع للمجلس و عدم شرعية فرض الضرائب دون موافقة البرلمان الذي يعد تكملة لملتمس الحقوق في سنة : 1628 , المقر للحقوق الفردية الى جانب عريضة بيم و هامبدام لسنة : 1641 المنظمة لقواعد البرلمان و بمجيء عائلة هانوفر رجحت الكافة لصالح البرلمان و ذلك لسبب عاملين اساسين : * ان الملكين يجهلان اللغة الانجليزية ولا يهتمان بالسياسة .* استمرار تهديد عائلة استوارت للاستلاء على السلطة وكراهيته للبرلمان مما دفع بهذا الاخير الى التالف مع عائلة هانوفر من جهة واتحاد النواب العموم ممثلي الويغ ومحافظتهم على الاغلبية للوقوف ضد تهديدات آل ستويرات .وكفالة لهذا التضامن كان الملك يلجا لتعيين الاشخاص المسيرين للشؤون العمومية الى رؤساء الاغلبية في مجلس العموم للقيام بذلك ومنحهم سلطة المبادرة وبذلك تاكدت قاعدة ان رئيس الحزب الحائز على الاغلبية في مجلس العموم يتولى رئاسة الوزراء تحت اسم الوزير الأول ,ومن ثمة أصبحت الوزارة مسئولة امام مجلس العموم وتحت رقابته . وحلت المسؤولية السياسية محل المسؤولية الجنائية
3-البرلمانية الديمقراطية :لقد كان فشل جورج الثالث في استعادة السلطة وهزيمة بريطانيا في امريكا اثر كثير على تطور النظام البرلماني , فقد ظهر قانون اصلاح الإنتخابات سنة 1832وتلته قوانين تتعلق بتوزيع المقاعد في البرلمان وتوسع حق الاإنتخاب وأخير أقر مبدأ الاقتراع العام 1928 وأصبح مجلس العموم مصدر السلطة ففقد مجلس اللوردات سلطته وتأكد ذالك بقانوني 1911, 1949 الذان بموجبهما سحبت منهم السلطة ولم يعد الملك يؤثر فعليا على السياسة الدخلية الهيئات الدستورية : ليقوم النظام السياسي البريطاني على هيئات مركزية هي البرلمان كسلطة تشريعية والملك والوزارة
1-يتكون البرلمان الأنجليزي من مجلسين هما مجلس اللوردات ومجلس العموم أولا :مجلس اللوردات :يعتبر من مؤسسات البريطانية القديمة :*تشكيله :إن مجلس اللوردات يجد أصله في المجلس الأكبر وبضبط في طبقة أشرف النبلاء ورجال الدين من هذا المجلس وهم يرتبون أمير ,كونت, البرون ,شوفالي .ويتم اختيار اللوردات مبدئيا عن طريق الوراثة ,أما حاليا فإن الملك والوزارة هم الذين يعينون اللوردات *اختصاصاته:كان مجلس اللوردات يتمتع بسلطات واختصاصات يساوي لمجلس العموم في المجالين التشريعي والمالي ويتولى محاكمة الوزراء المتهمين من مجلس العموم وذلك راجع إلى قدمه
ثانيا :إن مجلس العموم هو المؤسسة التي حققت حكم الشعب في بريطانيا ضد الملك بفرض الصراعات الطويلة التي كان أعضاء المجلس يخوضونها ضد الملك من أجل إسترجاع السلطة .*التشكيل وسائل العمل : يتشكل مجلس العموم من نواب من الشعب ينتخبون بواسطة الإقتراع العام بالأغلبية البسيطة في دورة واحدة لمدة 5 سنوات ويتكون المجلس من المجموعات السياسية للمجلس مجموعتين سياسيتين كبيرتين للأغلبية والمعارضة تنظم حولهما الحيلة السياسية .إن هاتين المجموعتين تشكلان حلقة وصل بين الإرادة الشعبية والعمل الحكومي ولكل مجموعة قائد ونائب اللجان :يشكل مجلس العموم ذاته خلافا لنظام الأمريكي لجانا دائمة غير متخصصة تتولى مناقشة بعض المواضيع وهذا كبحا لهيمنة رئيس المجلس الذي كان تابعا للملك.
*سلطات مجلس العموم وإختصاصاته :
1*السلطة التشريعية :وهو سن القوانين المنظمة للمصالح الخاصة والقوانين العمومية التي لها أبعاد واسعة وعامة .
2*السلطة المالية :هي التي مكنت مجلس العموم منة الإستلاء على السلطة التشريعية .
3*السلطة الرقابية :هي الوسيلة التي تمكن البرلمان من الإطاحة بالحكومة سواءاعن طريق الاسئلة أوعن طريق التصويت بالثقة .
*السلطة التنفيذية :أولا:الملك :إن الملك في برطانيا يتولى العرش عن طريق الوراثة دون إهتمام بجنس الوارث ذكرا أو أنثى .
1/إختصاصات الملك : يختص بالموافقة على القوانين وهو إختصاص نظري كما يختص بتعين زعيم الحزب وهو تعين شكلي أيظا .
2/الوزارة :إن نظام الوزارة في النظام البرلماني تجد مصدرها في مجلس الملك الخاص .
1*الكابينيت أوالحكومة لعل ما تتميز به الوزارة في بريطانيا لأنها هي المسؤولة أمام البرلمان
2*الوزير الأول :يحتل الوزير اللأول مكانا بارزا لأنه هو المسؤل عن سياسة الوزارة ورئيس السلطة التنفيذية فضلاعن كونه زعيم الأغلبية البرلمانية وأيظا هو زعيم الحزب المختار من قبل الشعب حيث بإنتفائه تنتفي الحكومة .:تكييف النظام البرلماني إن النظام البرلماني هو النظام الذي تكون فيه الحكومة مسؤولة أمام البرلمان كما يحق لها حل البرلمان ومن هنا أصبح البرلمان حلقة إتصال بين حكومة تحدد وتنفذ سياسة معينة كما أن النظام البرلماني لاتستطيع الوزارة فيه إلغاء الحقوق المقررة أوتعديلها كما أنه لا يحق لها الغاء مبدأ المعارضة .

منقول ...

hadia369
2011-08-27, 00:47
الديمقراطيــــــة

تطور مفهوم الديمقراطية :لقد اختلف الناس في تفسيراتهم للديمقراطية فتضاربت تصوراتهم حولها إلى حد أن صار كل فريق منهم يؤمن بنوع معين من تلك التفسيرات وكل فئة تدعوا إلى تطور خاص من تلك التصورات التي فتوها للديمقراطية إن الديمقراطية في أصل لفظها كلمة يونانية مركبة من كلمتين ديموس وتعني الشعب وكروتوس وتعني السلطة أي " سلطة الشعب " أو " حكم الشعب "
المفهوم التقليدي للديمقراطية :كانت خاصة بطبقة النبلاء فقط دون باقي الناس وبالتالي انشغل القياصرة بالحكم واستبدوا به لكن الوضع تطور وتطورت معه الديمقراطية بفعل عوامل هي : :- ظهور المسيحية –الثورة الصناعية –الصراع المذهبي في أوربا بين الملوك والبابات –ظهور الثورتين الفر نكوا أمريكية وظهور نظرية سيادة الشعب .مفهوم الديمقراطية في الفكر اللبرالي :هي ديمقراطية سياسية وفقط لا توجد لها الأبعاد الأخرى خاصة الاقتصادية منها أي قيامها على مبادئ أساسية تتمثل في سيادة الأمة .الانتخابات البرلمانية .استقلالية القضاء .الحريات العامة .وضع دساتير مكتوبة .الفصل بين السلطات والمساواة أمام القانون .وهي مبادئ تسمح للمواطنين من التمتع بنوع من الاستقلالية وامتلاك وسائل للتأثير على الحكومة . يقول "مار سال بريلو " << أن جوهر الديمقراطية ليس مذهبا معينا ولكن مجموعة إجراءات بفضلـها تتمكن أغلبية السكان من التعبير عن إرادتها وتحديد الاختيارات الاجتماعية >>

مفهوم الديمقراطية في الفكر الاشتراكي :يرى الفكر الماركسي أن الوسائل التي تحقق الديمقراطية الحقيقية هي ذات طبيعة قانونية وهي ليست نظام سياسي أي هي تحرر الإنسان اقتصاديا باعتماد الملكية للجميع ثم الوصول إلى المشاركة السياسية ثم لابد للدولة أن تتدخل في جميع النشاطات والميادين حتى تقضي على التناقضات ولابد من ابتاع اللامركزية لتمكين الشعب من المشاركة في تسيير الدولة .
المفهوم الحديث للديمقراطية:المضمون الاقتصادي و الاجتماعي :أي تحري الإنسان من القيود الاقتصادية من أجل توزيع أفضل للدخل الوطني وذلك من خلال مبادرة الدولة بفتح الأسواق و زيادة برامج وفتح المؤسسات ومراكز الضمان الاجتماعي و المنح المختلفة لتوفير التعليم و الصحة والسكن المضمون السياسي و الدستوري :المشاركة الفعلية و المباشرة و المستمرة للمواطنين لتحديد سياسة البلاد و التي يطبقها الحكام الذين يعينون و يختارهم المواطن وبذلك تكون وضعية الحكام تحت الرقابة الشعبية الدائمة ضمان الحرية الفردية والجماعية فالحرية العامة وسيلة وميكانيزم يسمح للمواطنين بمراقبة السلطة الحاكمة و التعبير عن رفضهم لسياستها عند الحاجة و بعزلهم إن استدعى الأمر ذلك رفض الهيمنة الاديولوجية باحتكار الفكر و الحقيقة فالديمقراطية تقبل لتعدد الاديولوجيات و المذاهب إلا أن المفكرين الاقتصاديون الكلاسيكيون يرون أن هذا الأساس مقبول نظريا فقط وأن الديمقراطية اللبرالية هي بحد ذاتها إيديولوجيا ذات مضمون سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي وهي ترفض كل ديمقراطية أخرى تختلف عنها كما أن الدول الغربية تعمل على فرض اديولوجيتها على باقي الشعوب بحجج وأسباب مختلفة منها على سبيل المثال حقوق الإنسان ومكافحة الأصولية تعدد المؤسسات الممارسة للسلطة وذلك من خلال مبدأ الفصل بين السلطات العمل برأي الأغلبية مع إحرام الأقلية كمعارضة لأنها عنصر ضروري للديمقراطية وليست جسما غريبا وجب القضاء عليه بل أن المعارضة تحقق التوازن وتسمح بمراقبة الأغلبية و للحلول مكانها عن أمكن ذلك التعددية السياسية عن طريقها يصبح من الممكن تعدد الاختيارات و البدائل و الحلول لمختلف المشاكل حيث يمكن إقامة حوار فعلي بين المواطنين من خلالها وعموما فإن إخضاع الديمقراطية وتفسير المصطلح وفقا للأهواء الذاتية وما يترتب عن ذلك من مساوئ عبر الزمان و المكان رغم إنجاز بعض الأهداف النبيلة ولذا كل ذلك شعور لدى المستضعفين يوحي بأن الديمقراطية ما وجدت إلا لخدمة أغراض معينة و بالتالي هي أحد بكثير عن تعريفها اللفظي وهذه الوضعية أنتجت ردود على المستويين الفردي و الجماعي في البلدان النامية خاصة وفي هذا الإطار تسجل انتقادات مكثفة للممارسات الديمقراطية وخاصة في نطاق بعض الشعوب الإسلامية التي تحاول التخلص من الهيمنة الثقافية الغربية و الخروج من قبضة الحضارة الغربية و بهذا السياق يمكن تمييز بعض الدول لأن تتضمن وثائقها المنظمة للدولة ولو إشارة إلى الديمقراطية كأداة لتنظيم الحكم ( إيران )
صور الديمقراطية المباشرة : وتعني حكم الشعب السياسي نفسه بنفسه وبدون أية وساطة حيث يرى جون جاك روسو أنها التطبيق المثالي و الحقيقي للسيادة وهو نموذج قديم أستعمل في اليونان حيث كان السكان في أثينا ينقسمون إلى ثلاث طبقات النبلاء و العبيد و تجار أجانب وكانت الديمقراطية تمارس من طرف النبلاء فقط علما بأن النساء لا يشاركن في الحياة السياسية وإلى جانب أثينا كانت الديمقراطية المباشرة تطبق في بعض المقاطعات السويسرية الصغيرة حيث يجتمع المواطنين مرة في السنة لانتخاب كبار الموظفين و القضاة وللمصادقة على بعض المشاريع القوانين المحلية و التي إعدادها من طرف الجهاز التنفيذي كل هذا جعل الديمقراطية المباشرة مجل دراسة من طرف الباحثين من حيث استحالة تطبيقها وهذا للأسباب التالية اتساع رقعة الدولة الحديثة وكثرة عدد سكانها وبالتالي استحالة اجتماع كافة أعضاء الشعب سياسي ومناقشة مسائل الدولة * تعقد القضايا الاقتصادية * عدم جدية المناقشات بسبب كثرة عدد الأفراد تطلب درجة النضج والدراية العميقة بتسيير الشؤون العامة
الديمقراطية غير المباشرة :وهي النظام النيابي وهنا يقوم الشعب بانتخاب من يمثله في مباشرة شؤون السلطة والحكم نيابة عنه وباسمه ، فهو لا يتولى ممارسة مظاهر السيادة وإنما يوكل من المهام إلى أشخاص ينتخبهم لهذا الغرض ويشكلون برلمانا يمارس سلطات فعلية .

الديمقراطية الشبه المباشرة وغير مباشرة: فهي تقوم على انتخاب مجلس نيابي يمارس السيادة النيابية عن الشعب لكن الشعب يحتفظ بحقه في التدخل لممارسة السلطة بنفسه في حالات معينة وبالطرق التالية:الاقتراح الشعبـي : يعني ذلك أن عددا معينا من المواطنين يستطيعون المبادرة باقتراح تعديل دستوري أو اقتراح قانوني ما عبر البرلمان سواء في شكل رغبة غير مصاغة حول موضوع معين أو في شكل مشروع قانوني منجز من كافة الجوانب هذا الإجراء معمول به في سويسرا على المستوى الفيدرالي في ميدان التعديل الدستوري وفي مجال التشريع الاعتراض الشعبي : وهو أن يمارس الشعب حقه في الاعتراض عن قانون معين خلال مدة معينة من صدوره عن البرلمان وتكون المبادرة بالاعتراض صادرة عن عدد معين من الأفراد فيوقف تنفيذ القانون ويطرح الأمر على الاستفتاء الشعبي فإذا وافق الشعب على الاعتراض ألغي القانون المعترض عليه
الاستفتـــــاء : وهو الأخذ برأي الشعب بخصوص المسائل الدستورية أو التشريعية أو غيره يسمى بالسلطة التشريعية في الدولة كما أن رئيس الجمهورية المنتخب والذي يشكل السلطة التنفيذية هو أيضا نائبا عن الشعب وبهذه الكيفية فإن النظام المحلي يتميز بالخصائص التالية :تركيز الوظيفة التشريعية والوظيفة التنفيذية في يد البرلمان المنتخب يقوم البرلمان بتعيين أعضاء الهيئة التنفيذية التي تمارس الوظيفة التنفيذية تحت إشرافه ومراقبته ويعين من بينها رئيس الحكومة أو رئيس الجمهورية
تنظيم السلطة في النظم الديمقراطية الديمقراطية المباشرة لم يعد معمولا بها حاليا ، أما الديمقراطية شبه المباشرة فقد بينت الممارسات العملية أنها نادرة جدا حيث لا يذكر بهذا الخصوص غلا تجربة سويسرا وهي تجربة محدودة جدا ، لذا يبقى تنظيم السلطة في الأنظمة الديمقراطية حاليا هو النظام النيابي (غير المباشرة ) وحسب طبيعة العلاقة التي تقوم بين السلطتين التشريعية والتنفيذية نجد أن التنظيم الدستوري للسلطة بأخذ الصور التالية
النظام ألمجلسي ويتميز هذا النظام بتركيز كامل السلطة ومظاهر السيادة في يد البرلمان المنتخب فهو الذي يتولى الوظيفة التشريعية ويسند ممارسة الوظيفة التنفيذية إلى هيئة خاصة منبثقة عنه تمارسها تحت إشرافه ورقابته ويعين من بينها رئيس الحكومة أو رئيس الجمهورية ، وتكون مسؤولة أمامه عن جميع تصرفاتها بحيث يستطيع عزلها أو عزل بعض أعضائها في أي وقت كما يستطيع إلغاء قراراتها ولا تستطيع الحكومة حل البرلمان ولا حتى التهديد بالاستقالة بطرح الثقة . وعلميا فقد عرف هذا النظام في ظل دستور فرنسا سنة 1792 وكذا دستوري سنة 1848 وسنة 1871 وكذا النمسا في دستور 1920 وتركيب في دستور 1924 والواقع أن النظام لمجلسي كثيرا ما يطبق في أنظمة السلطة فغالبا ما يؤدي إما إلى دكتاتورية السلطة التشريعية مثلما حدث في فرنسا حلال الجمهورية الرابعة

منقول ...

hadia369
2011-08-27, 00:48
لنظام السياسي الجزائري

- تنظيم السلطات في المرحلة الإنتقالية :
المقصود بنقل السلطات من السلطة الفرنسية إلى السلطة الجزائرية و قد مرت بمرحلتين:

* الاولى من 19/03/1962 إلى 20/09/1962:

بعد إبرام إتفاقية إيفيان و توقيف القتال في 19 مارس 1962 أنشأت هيئات مؤقتة للإشراف على إستفتاء تقرير المصير و نقل السلطة إلى الجزائريين من أهمها :
• المحافظ السامي : و هو يمثل الدولة الفرنسية في الجزائر و مهمته تسهيل نقل السلطة.
• الهيئة التنفيذية المؤقتة : و هي تتكون من رئيس و 10 نواب حددت مهمتها بالإشراف عن الشؤون العامة إلى أن يتم تنصيب السلطات الجزائرية و بعد إعلان نتائج تقرير المصير في 03 جويلية 1962 أصبحت كل السلطات بيدها و قد كان مقررا أن تنتهي من الإشراف على إنتخاب المجلس الوطني التأسيسي قبل 12 أوت 1962 لكن الحوادث التي عرفتها البلاد آنذاك أخرت عملها إلى 20 سبتمبر 1962 حيث انتخب الشعب الجزائري المجلس الوطني التأسيسي و بذلك إنتقلت إليه كل السلطات سواء من الهيئة التنفيذية المؤقتة أو من مؤسسات الثورة

* الثانية من 20 سبتمبر 1962 إلى 10 سبتمبر 1963 : المجلس الوطني التأسيسي
إنتخب هذا المجلس في 20 سبتمبر 1962 و كان يتكون من 196 نائب و قد حددت مهامه كالآتي :

1- تعيين حكومة : في جلسته المنعقدة في 26 سبتمبر 1962 أعلن عن تأسيس حكومة للجمعورية الجزائرية فعين السيد أحمد بن بلة رئيسا لها و كلفه بتشكيلها و تقديم برنامجه أمامه.
2- التشريع باسم الشعب الجزائري: تطبيقا لإستفتاء 20 سبتمبر 1962 أسندت مهمة التشريع مؤقتا للمجلس الوطني التأسيسي.
3- إعداد مشروع الدستور : قام المجلس بمحاولات لإعداد مشروع الدستور لكن تبين للمكتب السياسي لحزب جبهة التحرير الوطني و لرئيس الحكومة أن النقاش الدائر في المجلس لا يعبر عن مبادئ الثورة و مضمون برنامج ميثاق طرابلس الهادفة إلى إرساء ديمقراطية شعبية، حينها كلفت لجنة لإعداد مشروع الدستور و أقره المجلس الوطني التأسيسي في 28 أوت 1963، ثم قدم للإستفتاء الشعبي في 08/09/1963 و صدر في الجريدة الرسمية في 10/09/1963، و بذلك أعلن أول دستور في تاريخ الدولة الجزائرية الحديثة.

6-ج- النظام السياسي الجزائري في ظل دستور 1963 :

يقوم النظام السياسي في ظل دستور 1963 على أساس النظام الجمهوري في ظل الديمقراطية الشعبية تمارس فيع السلطة من طرف الشعب التي تتكون طليعته من المثقفين الثوريين، الفلاحين و العمال، و يعتمد الإشتراكية أسلوبا لتنمية البلاد و ترقية الشعب و أداة ذلك هو الحزب الواحد المتمثل في حزب جبهة التحرير الوطني كحزب طلائعي يهتم بتحديد سياسة الأمة و يوجه و يراقب مؤسسات الدولة.
كما أن الدستور أقر حقوق و حريات الأفراد من منظور التوجه الإشتراكي.
و تحت عنوان ممارسة السيادة ذكر الدستور الهيئات الآتية :
المجلس الوطني – السلطة التنفيذية – العدالة
• المجلس الوطني: و هو منتخب لمدة 5 سنوات يشرع و يراقب الحكومة
• السلطة التنفيذية: و يتولاها رئيس الجمهورية الذي ينتخب بالإقتراع العام و هو يجمع بين منصبي رئيس الجمهورية و الحكومة ، و هو مسؤول أمام المجلس الوطني الذي يمكنه أن يسحب الثقة منه.

6-د- تنظيم السلطة بين 1965 1976

في 19 جوان 1965 قام مجموعة من الضباط على رأسهم هواري بومدين بإنقلاب سموه إنتفاضة ذكروا أسبابه في بيان 19 جوان 1965، و في 7 جويلية 1965 صدر أمر حدد كيفية ممارسة السلطة و ذلك كالآتي :
• مجلس الثورة : و هو يتكون من 26 عضو و قد جمعت بيده كل الصلاحيات فهو مصدر السلطة المطلقة (تشريعية و تنفيذية) ريثما ينتخب دستورا للإنقلاب فهو يشرع و يعين الحكومة.
• الحكومة : و هي أداة تنفيذ بيد مجلس الثورة و يرأسها رئيس جلس الثورة.
• إضافة إلى ذلك أنشأت هيئات إستشارية كالمجلس الإقتصادي و الإجتماعي.

6-هـ- النظام السياسي الجزائري في دستور 1976 :

في 19 جوان 1975 أعلن الرئيس هواري بومدين عن نيته في العودة إلى الشرعية الدستورية، و قد تم بتاريخ 5 جويلية 1976 إصدار الميثاق الوطني بعد إجراء إستفتاء شعبي و هو يعتبر المصدر الأسمى لسياسة الأمة و قوانين الدولة، و بعدها حضّر مشروع دستور عرض على الإستفتاء الشعبي في 19/11/1976، و دخل حيّز التنفيذ من هذا التاريخ.

تنظيم السلطات في ظل دستور 1976 :

قسم دستور 1976 وظائف السيادة إلى ما يلي :
• الوظيفة السياسية: و يمارسها حزب جبهة التحرير الوطني (المؤتمر، اللجنة المركزية، المكتب السياسي).
• الوظيفة التنفيذية: و يتولاها رئيس الجمهورية بمفرده و هو يمارس بالإضافة إلى المهام التنفيذية مهام تشريعية عن طريق الأوامر.
• الوظيفة التشريعية: و يتولاها المجلس الشعبي الوطني بالإضافة إلى الوظيفة الرقابية و القضائية و التأسيسية.

6-و- النظام السياسي الجزائري في ظل دستور 1989 المعدل في 1996 :

ظهرت بوادر التراجع عن النظام الإشتراكي في بداية الثمانينات و إتضحت أكثر مع مراجعة الميثاق الوطني سنة 1986 و دخلت حيز النفاذ بعد حوادث 5 أكتوبر 1988، حيث بدأ بإجراء استفتاء شعبي في 3 نوفمبر 1989 حول تعديل دستور 1976 بإنشاء منصب رئيس الحكومة و مع تسارع الأحداث و رغبة في دفع عجلة الإصلاحات السياسية إلى أقصاها شكلت لجنة تقنية لإعداد مشروع دستور جديد عرض للإستفتاء الشعبي في 23/02/1989 و هكذا ألغى دستور 1976.

ميزات دستور 1989 و المعدل في 1996

سياسيا كرّس التوجه الليبرالي و التخلي عن النظام الإشتراكي و قد أقر مجموعة من المبادئ أهمها :
- تقرير مبدأ الملكية الخاصة و حرية المبادرة الفردية.
- الأخذ بالتعددية الحزبية و التراجع عن نظام الحزب الواحد المادة 40 في دستور 89 و المادة 42 في دستور 96.
- الأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات.
- إقرار حقوق و حريات الأفراد طبقا للمفهوم الليبرالي.
- إضافة إلى تأكيد المبادئ المتعلقة بهوية الشعب الجزائري المتمثلة في الإسلام، العروبة و الأمازيغية.
و قد اصطدمت أول تجربة تعددية حزبية في ظل دستور 1989 بصعوبات متعددة ترتب عنها توقيف المسار الإنتخابي بتاريخ جانفي 1992، و تقديم رئيس الجمهورية إستقالته و قد تزامنت هذه الإستقالة مع حل المجلس الشعبي الوطني، مما خلق فراغا دستوريا عولج بإنشاء المجلس الأعلى للدولة تعويضا لمنصب رئيس الجمهورية ثم تم تعيين المجلس الشعبي الوطني.
و شكلت لجنة تقنية لإدخال تعديلات جذرية على دستور 1989 ثم عرض على الإستفتاء الشعبي الذي وافق على الدستور الجزائري في 28 نوفمبر 1996.

- تنظيم السلطات السياسية في ظل دستور 1996
أقر الدستور مبدأ الفصل بين السلطات و سنقتصر في دراستنا على السلطتين التشريعية و التنفيذية و العلاقة بينهما:
• السلطة التنفيذية : حصر الدستور السلطة التنفيذية في رئيس الجمهورية و الحكومة
رئيس الجمهورية : كيفية و شروط إنتخابه
- يشترط في رئيس الجمهورية أن يكون جزائريا بالجنسية الأصلية، مسلما، بالغا 40 سنة، متمتعا بحقوقه المدنية و السياسية، و أن يكون قد شارك في الثورة التحريرية إذا كان مولودا قبل 1942 أما إذا كان مولودا بعد هذا التاريخ يجب أن يقدم شهادة تثبت عدم تورط أبائه في أعمال مناهضة للثورة التحريرية.
- تتمثل إجراءات الترشح لمنصب رئيس الجمهورية في تقديم طلب للمجلس الدستوري يتضمن مجموعة من المعلومات عن المرشح مدعما إما بتوقيع 600 عضو منتخب في المجالس البلدية و الولائية و البرلمان يكونون موزعين على 25 ولاية على الأقل، و إما بتوقيع 75 ألف مواطن على الأقل من الناخبين المسجلين في القوائم يكونون موزعين عبر 25 ولاية على الأقل على أن لا يقل عدد التوقيعات 1500 توقيع في كل ولاية.
- و يجب أن يفوز بالأغلبية المطلقة لأصوات الناخبين و إلا تجرى دورة ثانية بين المرشحين الحاصلين على الأغلبية في الدور الأول.
- و في حالة حدوث مانع يمنع الرئيس من القيام بمهامه يجتمع المجلس الدستوري وجوبا و بعد التثبت من المانع يقترح بالإجماع على البرلمان التصريح بثبوت المانع ثم يعلن البرلمان المجتمع بغرفتيه معا ثبوت المانع لرئيس الجمهورية بأغلب 3/2 ثلثي أعضائه و حينئذ يتولى رئاسة الدولة رئيس مجلس الأمة لمدة أقصاها 45 يوما فإن إستمر المانع بعد 45 يوما يعلن شغور منصب الرئاسة بالإستقالة وجوبا.
- و في حالة إستقالة رئيس الجمهورية أو وفاته يجتمع المجلس الدستوري وجوبا و يثبت الشغور النهائي لرئاسة الجمهورية و يتولى رئيس مجلس الأمة مهام رئيس الدولة لمدة أقصاها 60 يوما تنظم خلالها إنتخابات رئاسية.
- و في حالة إقتران إستقالة رئاسة الجمهورية أو وفاته بشغور رئاسة مجلس الأمة لأي سبب كان يتولى رئيس المجلس الدستوري لمدة 60 يوما تجرى خلالها الإنتخابات الرئاسية.
- المدة الرئاسية محددة بخمس 5 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة.
إختصاصات رئيس الجمهورية :
1- في الظروف العادية :
يتولى رئيس الجمهورية السلطات الآتية :
- هو القائد الأعلى للقوات المسلحة و المسؤول الأول عن الدفاع الوطني.
- هو الذي يقرر السياسة الخارجية للأمة.
- يرأس مجلس الوزراء .
- يوقع المراسيم الرئاسية.
- له حق إصدار العفو و تخفيض العقوبات.
- يمكنه إجراء إستفتاء شعبي حول قضية ذات أهمية وطنية.
- يبرم المعاهدات و يوقع عليها.
- يسلم أوسمت الدولة و شهاداتها الشرفية.
- يوظف في الوظائف و المهام الآتية :
- الوظائف المنصوص عليها في الدستور .
- الوظائف المدنية و العسكرية في الدولة
- التعيينات التي تتم في مجلس الوزراء
- يعيّن رئيس مجلس الدولة
- الأمين العام للحكومة
- محافظ بنك الجزائر
- مسؤولي الأمن، القضاة ، الولاة.
- يعيّن ثلث (3/1)أعضاء مجلس الأمة
- يعيث ثلاث (3) أعضاء في المجلس الدستوري من بينهم رئيس المجلس
- لرئيس الجمهورية أن يشرع بأوامر في حالة شغور المجلس الشعبي الوطني أو بين دورتي البرلمان و تعرض هذه الأوامر على البرلمان في أوّل دورة له ليوافق عليها البرلمان.
- يمارس رئيس الجمهورية السلطة التنظيمية في المسائل غير المخصصة للقانون.
- يصدر القوانين خلال 30 يوما من تاريخ تسلمه إياه.
- يمكن لرئيس الجمهورية طلب إجراء مداولة ثانية في قانون أحيل عليه خلال 30 يوما و في هذه الحالة لا يتم إقرار القانون إلا بالأغلبية (3/2) ثلثي أعضاء المجلس الشعبي الوطني.
- يمكن لرئيس الجمهورية أن يقرر حل المجلس الشعبي الوطني أو إجراء إنتخابات تشريعية مسبقة بعد إستشارة رئيس المجلس الشعبي الوطني و رئيس الحكومة.

2- في الظروف غير العادية :
في حالة الضرورة الملحة يعلن الرئيس حالة الطوارئ أو الحصار لمدة معينة بعد إجتماع المجلس الأعلى للأمن، استشارة رئيسي غرفتي البرلمان و رئيس الحكومة و رئيس المجلس الدستوري، و تتخذ كل التدابير اللازمة لاستتباب الأمن.
في حالة الخطر المهدد للبلاد و الذي يوشك أن يصيب مؤسساتها الدستورية و إستقلالها أو سلامة ترابها يعلن الرئيس الحالة الإستثنائية بعد إتخاذ إجراءات معيّنة ( المادة 93 من الدستور).
في حالة وقوع عدوان على البلاد يعلن رئيس الجمهورية حالة الحرب بعد إتخاذ إجراءات معيّنة و يوقف العمل بالدستور طيلة مدة الحرب (المادة 95).

الحكومة
يتم تعيين رئيس الحكومة بموجب مرسوم رئاسي طبقا للفقرة 5 من المادة 77 من الدستور التي تنص: "يعيّن رئيس الحكومة و ينهي مهامه".
رغم أن الدستور لم يتطرق إلى الأساس المعتمد في تعيين رئيس الحكومة إلاّ أنه مادام يستوجب على الحكومة أن تنال ثقة المجلس الشعبي الوطني فإن الرئيس ملزم في حالة وجود أغلبية برلمانية أن يعيّن زعيم هذه الأغلبية رئيسا للحكومة أو زعيم الإئتلاف الحزبي، و في حالة عدم وجود أغلبية فإن الرئيس حر في تعيين رئيس الحكومة لكن بشرط أن تنال الحكومة ثقة المجلس الشعبي الوطني.
و بالنسبة للوزراء فإن تعيينهم يتم بموجب مرسوم رئاسي بناءا على إقتراح من رئيس الحكومة و يتم عزلهم بنفس الطريقة.
* إنهاء مهام رئيس الحكومة :
تنتهي مهامه بالطرق التالية :
1- الإستقالة :
و هي نوعان وجوبية أي بحكم القانون و تكون في الحالات الآتية :
- حالة رفض المجلس الشعبي الوطني برنامج الحكومة .
- حالة سحب الثقة من الحكومة من قبل المجلس الشعبي الوطني عند التصويت على ملتمس الرقابة.
- أو عند رفض المجلس الشعبي الوطني طلب رئيس الحكومة تجديد الثقة.
- حالة ترشحه للإنتخابات الرئاسية .
إرادية : أي بمحض إرادة رئيس الحكومة

2- الإقالة :
يملك رئيس الجمهورية سلطة إقالة رئيس الحكومة و لا يوجد أي شرط لممارسة هذه السلطة من قبل رئيس الجمهورية.
_______

منقول ...

hadia369
2011-08-27, 00:49
مقدمــــــــــة

تقوم الأنظمة السياسية الغربية الحرة في تنظيمها على مبدأ الفصل بين السلطات أساس السياسة اليبرالية، لذلك تضمنته الدساتير التي تعتنق هذا النظام باعتباره وسيلة لمعارضة السلطة المطلقة للملوك، و كأسلوب لنقل النظام الليبرالي إلى القانون الوضعي، و الدليل على ذلك ما تضمنه إعلان حقوق الإنسان و المواطن الصادر في 26 أوت 1789 ، و الذي وضع كديباجة لدستور 3 سبتمبر 1791 ، في المادة 16 على أن كل مجتمع لا توجد فيه ضمانات للحقوق ولا يوجد فصل بين السلطات ليس له دستور، و هذا يعني ارتباط وجود الدستور باعتماد الفصل بين السلطات، لان وجود الدستور معناه تقييد السلطة السياسية، وأن الفصل بين السلطات هو وسيلة لتحقيق ذلك.
والحقيقة أن مبدأ الفصل بين السلطات نجد منبعه في الفكر القديم و هو طريقة فنية دستورية للتوفيق بين الملكية التقليدية و الديمقراطية التمثيلية.
و منه يمكننا طرح الإشكال التالي ما هي ماهية هذا المبدأ ؟ و كيف تم تطوره عبر العصور و أيضا كيف تم تطبيقه في الدول؟.

خطة البحث
المقدمة
المبحث الأول : مفهوم مبدأ الفصل بين السلطات و نشأته
المطلب الثاني : نشأته
الفرع الأول: عند أرسطو و جون لوك
الفرع الثاني : عند مونتسكيو

المبحث الثاني : تطبيقات المبدأ و تطوره
المطلب الأول : تطبيقاته في الدساتير الحديثة
المطلب الثاني : تطور تطبيقاته و تعميمه عبر دساتير دول العالم

قائمة المراجع
الخاتمة


المبحث الأول : مفهوم مبدأ الفصل بين السلطات و نشأته
المطلب الأول : مفهوم مبدأ الفصل بين السلطات
إن هذا المبدأ يجد أصله في الفلسفة الإغريقية، أخذ مظهرا سياسيا أولا، و أنه ظهر على لسان أفلاطون و أرسطو و تلقفه لوك و مونتسكيو و روسو، و انتقل إلى الميدان التطبيقي على أثر الثورتين الأمريكية و الفرنسية.
و هذا الفصل يتم بين السلطات العليا في أي دولة و هذه الأخيرة تتمثل في السلطة التشريعية و السلطة التنفيذية و السلطة القضائية :أي سلطة صنع القانون و سلطة تنفيذه و سلطة البت في الخلافات التي تنشأ عن مخالفة أحكامه أثناء القيام بتلك الوظائف.

المطلب الثاني : نشأته
أ) عند أرسطو و جون لوك:
ارتبط مبدأ الفصل بين السلطات باسم الفقيه الفرنسي مونتسكيو الذي كان له الفضل في إبرازه كمبدأ أساسي لتنظيم العلاقة بين السلطات العامة في الدولة،و منع الاستبداد بالسلطة.
وإذا كان فضل مونتسكيو في ذلك لا ينكر، إلا أن جذور المبدأ ترجع إلى زمن بعيد قبل القرن الثامن عشر بقرون عديدة، فقد كان لأعلام الفكر السياسي الإغريقي كأفلاطون وأرسطو، دور هام في وضع الأساس الذي قام عليه مبدأ الفصل بين السلطات، إذا أوضح أفلاطون أن وظائف الدولة يجب أن تتوزع على هيئات مختلفة مع إقامة التوازن بينها لكي لا تتفرد إحداهما بالحكم، وما قد يؤدي إله ذلك من و وقوع الإضطربات و الثورات لتمرد على هذا الاستبداد.
- أما أرسطو فقسم وظائف الدولة إلى ثلاث، وظيفة المداولة و الأمر و العدالة، على أن تتولى كل وظيفة منها مستقلة عن الهيئات الأخرى، مع قيام التعاون بينهما جميعا لتحقيق الصالح العام، بحيث لا تتركز الوظائف في يد هيئة واحدة.
- و كان جون لوك أول من أبرز أهمية مبدأ الفصل بين السلطات في العصر الحديث في مؤلفه "الحكومة المدنية" الذي صدر سنة 1690 بعد الثورة الجليلة ل 1688 في إنجلترا التي أدت إلى إعلان وثيقة الحقوق سنة 1689 .
و قسم جون لوك سلطات الدولة إلى ثلاث:
السلطة التشريعية، و السلطة التنفيذية، و السلطة الاتحادية، و أكد على ضرورة الفصل بين السلطتين التشريعية و التنفيذية، بحيث تتولى كل منها هيئة مستقلة عن الأخرى.
و برر لوك هذا الفصل على أساس طبيعة عمل السلطة التنفيذية بحيث يتطلب وجودها بصفة دائمة، في حين أن الحاجة ليست دائمة إلى وجود السلطة التشريعية من ناحية.
كما أن الجمع بينهما في هيئة واحدة سيؤدي حتما إلى الاستبداد و التحكم من ناحية أخرى.
والذي يمكن ملاحظته على أفكار لوك هو أنه لم يعر أهمية للقضاء ولم يتحدث عن استقلاله والسبب في ذلك هو أن القضاة حتى الثورة كانوا يعينون و يعزلون من الملك أما بعد الثورة فكانوا يعينون بواسطة البرلمان لكنهم لم يحصلوا على استقلال في وظائفهم.

و ما يؤخذ على أفكاره هو أنه لم يقدم لنا إلا صورة لما كان سائدا في انجلترا و أنه أيضا لم يقدم لنا سوى تمييزا بين الوظائف.

ب) عند مونتسكيو:
إن مبدأ الفصل بين السلطات لم يأخذ الأهمية الكبيرة التي نالها إلا بعد أن نشر مونتسكيو
مؤلفه الشهير "روح القوانين" سنة 1748.
لمعالجة المبدأ ينطلق مونتسكيو من الفكرة التي تقضي بتقسيم وظائف الدولة إلى ثلاث: تشريعية، تنفيذية و قضائية. لكن الفكرة الأساسية التي عالجها في كتابه هي أن قد يسيء استعمال السلطة التي يتمتع به أو حتى لا يساء استعمالها يجب بمقتضى الأمور إقامة توازن بين السلطات من غير أن يكون باستطاعة إحداها شل أعمال الأخرى عندما تمارس عملا له علاقة بأعمال أخرى.
و قد أحسن مونتسكيو بأهمية هذا التعاون، فقال داعيا إلى تنظيم الإجراءات الضرورية لإقامته بين السلطات التي يتوجب عليها إقامة التعاون يتم عن طريق منح كل عضو سلطة faculté d empêcher و سلطة الردع faculté de statuer الحكم
أي وسائل العمل التي من شأنها أن تمنع تنفيذ القرارات الخاطئة الصادرة عن السلطة الأخرى للوصول إلى إقامة التوازن و التعاون بين السلطات.
ومن هنا يمكننا القول أن نظرية مونتسكيو تضمنت النقاط التالية:
أ- قسم السلطات العامة في الدولة إلى ثلاث، التشريعية، التنفيذية و القضائية و بين المهام الأساسية التي تضطلع بها كل سلطة.
ب- أكد على توزيع السلطات و فصلها بهذه الصورة أمر ضروري لأنها لو تجمعت في يد هيئة واحدة لأدى إلى الاستبداد.
ج- لم يتوقف مونتسكيو عند حد الفصل فقط و إنما استلزم قيام كل سلطة بمراقبة السلطات الأخرى لوقفها عند الحدود المقررة لها إذا اقتضى الأمر حتى لا تتجاوزها إلى الاعتداء على السلطات الأخرى.

المبحث الثاني : تطبيقات المبدأ و تطوره
المطلب الأول : تطبيقاته في الدساتير الحديثة
إن مبدأ الفصل بين السلطات مطبق في جميع دول و دساتير العالم الحديثة فمثلا طبقته انجلترا في دستورها العرفي، و كذلك فرنسا طبقته ابتدءا من الثورة الفرنسية سنة 1789 حيث كان الغرض من الاعتماد عليه هو كفالة الحقوق و الحريات من اعتداء الدولة.
كما أن الدستور اعتمد الفصل المطلق بين المؤسسات الدولة، لكنه منح الملك حق الفيتو الذي بموجبه يستطيع تجميد القوانين و القرارات الصادرة عن الجمعية الوطنية مدة سنتين، مما تسبب في حدوث أزمات حادة بين الملك و الجمعية، فضلا عن حقه في تعيين الوزراء من غير النواب تطبيقا لمبدأ الفصل بين السلطات .
ونتيجة محاولات الملك الرجوع إلى حظيرة الحكم الملكي المطلق، قامت ثورة 10 أوت 1792 ، و بها أنهت الملكية المقيدة التي يرأسها الملك لويس 16 و قيام الجمهورية الأولى.
وكذا طبقته الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1789 حيث استقلت السلطة القضائية بممارسة وظيفتها، و يتم اختيار القضاة عادة عن طريق الانتخاب، كما يتمتع أعضاء السلطة القضائية بحصانات معينة، و بنظام قانوني للمحاكم له ضمانات خاصة.
و من ناحية أخرى، تستقل السلطة التشريعية عن السلطة التنفيذية إذ لا يملك رئيس الدولة باعتباره رئيسا للسلطة التنفيذية حق دعوة البرلمان للانعقاد العادي أو فض دورته أو حله.
و يباشر البرلمان وظيفته التشريعية باستقلال تام، بحيث لا تستطيع السلطة التنفيذية اقتراح القوانين، أو التدخل في اعدد ميزانية الدولة.كما أنه يستقل من الناحية العضوية عن الحكومة. و أخيرا تستقل السلطة التنفيذية في مباشرتها لوظيفتها، إذ يقوم رئيس الجمهورية بتعيين الوزراء و إعفائهم من مناصبهم دون تدخل من البرلمان. كما لا يجوز محاسبة الوزراء عن أعمالهم أمام البرلمان عن طريق توجيه الأسئلة و الاستجوابات، أو سحب الثقة كما هو الشأن في النظام البرلماني، لأنهم مسئولون أمام رئيس جمهورية فقط.

المطلب الثاني : تطور تطبيقاته و تعميمه عبر دساتير دول العالم
فإذا كان مفهوم المبدأ كما بيناه أعلاه، إلا أن المبدأ عرف تفسيرات متعارضة، أدت إلى إيجاد طريقتين:
- الفصل المطلق، فنكون بصدد نظام رئاسي.
- الفصل المرن، فنكون حينئذ في ظل نظام أو حكومة برلمانية أي نظام التعاون .Collaboration
فالغرض من الفصل المطلق هو ضمان استقلال البرلمان عن الحكومة، فالدولة مقسمة بين ثلاث سلطات و يحكم المبدأ ثلاث عناصر هي: المساواة و الاستقلال و التخصص.
1) فالمساواة القصد منها أن لا تنفرد أية سلطة بسيادة الدولة و إنما تتقاسمها.
2) أما الاستقلال فيكون على مستوى الهيئات و الوظائف بحيث لا يحق لعضو في السلطة أن يكون في آن واحد نائبا في البرلمان و وزيرا، كذلك فإن الهيئات مستقلة عن بعضها فلا وجود لتعاون بينهم أو لا يحق للبرلمان سحب الثقة من الحكومة كما لا يحق للحكومة حل البرلمان.
3) في حين أن التخصص يعني أن كل هيئة تمارس وظيفة محددة فكل منها تقوم بوظيفتها لكنها لا تنجزها كاملة لأن ذلك يؤدي إلى تدخل في اختصاصات غيرها.
أما صاحب الفصل المرن، فيعتبرون سلطات الدولة موزعة بين ثلاث، ولكل منها وظيفة متميزة، إلا أن هذا لا ينفي إمكانية التعاون بين الهيئات و الوظائف، فالوزراء يمكن أن يختاروا من البرلمان و أحيانا كلهم مثل بريطانيا، كما يمكن أن تشارك السلطة التنفيذية في ممارسة السلطة التشريعية كالمبادرة بتقديم مشاريع قوانين و حل البرلمان الذي يحق له بدوره سحب الثقة من الحكومة.

الخاتمة :
لقد تعرضنا في بحثنا هذا الذي هو مبدأ الفصل بين السلطات التشريعية و التنفيذية و القضائية التي تعتبر مبدأ عام في أي دولة حديثة، و استخلصنا من خلاله عدة أشياء ومن بينها مزايا هذا المبدأ التي تتمثل في:
أ- صيانة الحرية و منع الاستبداد.
ب-المساهمة في تحقيق الدولة القانونية .
ج-جني فوائد تقسيم وظائف الدولة.
و ينتج عن هذا التقسيم إتقان كل سلطة لعملها، و قيامها به على خير وجه، كما يحقق في النهاية حسن سير العمل في كل المجالات الرئيسية في الدولة، التشريعية و التنفيذية و القضائية. و أيضا يمكننا القول بأن كل النظم تتفق على تقرير استقلال السلطة القضائية ضمانا لحيادها و نزاهتها و رعاية لحقوق المتقاضيين أمامها.
بيد أن قاعدة الفصل التام بين السلطات لم تؤخذ على إطلاقها في دساتير الدول التي أخذت بالنظام الرئيسي، إذ تخفف من حدة هذا الفصل بتقرير بعض الاستثناءات مثل منح رئيس الجمهورية حق الاعتراض التوفيقي على مشروعات التي يقرها البرلمان، في المقابل موافقة البرلمان على تعيين كبار القضاة و الموظفين في الدولة، وعلى نفاذ المعاهدات التي تبرم مع الدول الأخرى.

قائمة المراجع :
- سعيد بو الشعير القانون الدستوري و النظم السياسية المقارنة، الجزء الثاني، ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر
- مولود ديدان مباحث في القانون الدستوري و النظم السياسية ، الطبعة الأولى دار النجاح للكتاب الجزائر إصدار 2005

منقول ...

hadia369
2011-08-27, 00:50
إنهاء الدساتير

خطة العرض:

مقدمــــــــــــة.
المبحث الأول: ماهية التعديل.
المطلب الأول: تعريف التعديل.
المطلب الثاني: القيود التي ترد على التعديل.
المطلب الثالث: مراحل تعديل الدستور.
المبحث الثاني : إنهاء و إلغاء الدستور.
المطلب الأول: الطرق القانونية.
المطلب الثاني: الطرق غير القانونية.
المطلب الثالث: أثار الإنهاء أو الإلغاء.
الخاتمـــــــــــة.

المبحث الأول: ماهية التعديل
المطلب الأول : تعريف التعديل.

التعديل هو تغيير جزئي لأحكام الدستور سواء بإلغاء البعض منها أو بإضافة أحكام جديدة أو بتغيير مضمون البعض منها وعليه فان التعديل يقتضي الإبقاء علـى نفس الدستور و أسـس وضع دستور جديد مثل دستـور 1989 الجزائر بناءا علي ذلك يتبين أن التعديل يختلف عن الوضع الذي يعنـي إنشاء دستور جديد كـما يختلف عن الإلغاء أو الإنهاء الكلي الذي يعـدم الدستور بصفة عامة .

أولا : أهمية التعديل وموقف الدساتير منه:
التعديل إجراء يفرض نفسه في بعض الأحيان لان الدستور وان كان قانون ساميا فهذا لا يعني انه خالد ثابت لا يتغير بل إن المستجدات وتغيـر وتطور الظروف المحيطة بالمجتمع تقتضي تعديل الدستور من اجل تكييفه و ملائمته مع ذلك المستجدات و الظروف تعديل الدساتير.
- حتى تكون الدساتير فعالة فلابد لها مـن ان تساير التطور وان تتغير بتغيـر الظروف ,ولا يتأتى هذا إلا بتضمينها نصوصا تسمح بمراجعتها من حين لأخر لأن الجمود المطلق قد يؤدي إلى محاولة تغييرها بالعنف ,ويعتقد البعض بان السبب الأعظم في القيام الثورات يعود إلى أنه بينما تتطور الأمم تظل الدساتير ثابتة .
والتعديل يأتي كمرحلة وسط بين الإنشاء (الوضع) ,والإنهاء وهو لا يقتصر على التعديل أحكام موجودة (مثل المادة 05 من تعديل 3 نوفمبر 1988) بل قـد يمتد إلـى إلغاء بعض الأحكام (مثل المواد :115,114,113من دستور 1976) أو إضافة أحكام أخرى (مثل المواد 144/2 و117/1من تعديل 3 نوفمبر 1988,وتعديل دستور 1996) رغم أنه أحيانا قد تصعب التفرقة بين التعديل والإنهاء .
وتصادفنا ثلاثة أنواع من الدساتير:

أ/ دساتير ترفض التعديل كليا:
وفي هذا يعود إلى أن الثورة الفرنسية قد عكست رأيا مؤداه أن الحقائق التي أسستها الثورة هي حقائق خالدة عالمية,وعليه فان الدساتير التي تترجم هذه الحقائق هي دساتير صالحة لكل زمان ومكان ,وهي غير قابلة للمساس أو التبديل , ولذلك فهي ليست في حاجة إلى المراجعة .

ب/ دساتير تشير إلى طريقة تعديلها:
وفي هذه الحالة يجب الالتزام بهذه الطريقة , وأية طريقة أخرى تعتبر غير قانونية
(المقصودة هنا هي الدساتير الجامدة وليست المرنة ).
ومن هذه الدساتير دستور الجزائر لسنة 1963( المواد: 73, 72, 71), ودستور سنــة 1976 المواد193, 192, 191 ), ودستور 1989(المواد :167,166,165,164,163,),والدستور الأخير لسنة (178,177,176,175,174)
وقد خضع دستور 1976الى ثلاثة تعديلات :
- الأول كان في:07 جويلية 1979.
- الثاني كان بتاريخ :12جانفي 1980.
- أما التعديل الثالث وهو أخطرها على الإطلاق فقد كان في :3نوفمبر 1988, وقد قضي بإعادة تنظيم العلاقة بين التشريعية والتنفيذية , وكذلك أنشأ مركز رئيس الحكومة .
أمـا دستور 1996 فقد خضع لتعديـل واحـد بحيث أدرجت فيه الأمزيغية كلغـة وطنية
ويلاحظ بأن دساتير أخرى تنص على ضرورة تعديلها بشكل آلـي فـي فترات متباعدة منهـا دستور"البرتغال "لسنة 1933الذي ينص على تعديله كل 10سنوات والدستور "البولوني " الذي يشترط تعديله بعد مرور 20سنة ...الخ.و على كل حال فان عملية التعديل قد تختص بها الهيئة التشريعية العادية, أو هيئة خاصة, أو الشعب عن طريق الاستفتاء.

ج/ دساتير لا تشير إلى طريقة تعديلها:
ويعتقد البعض أن الحق في تعديلها يعود إلى الجهة التي وضعتها ,أمـا البعض الآخر فيعتقد بأن هـذا الحق يعود إلـى الشعب باعتباره صاحب السيادة ولا يمكن فرض قيود علـى هـذا الحـق وتفسيره أن هناك إرادة جماعية تعبر عن الدستور وهي أعلى من الإرادة التي تعتبر عن القانون
ثانيا : شروطه:
يشترط أن يتم التعديل وفق إجراءات خاصة و محددة مسبقا في الدستور نفسه ، و هذا من أجل المحافظة على سموه وعلو منزلته و على جموده ، حتى لا يعدل الحكام حسب مشيئتهم و رغباتهم ، و يكون هذا التعديل وفقا لطرق و أساليب معينه تختلف باختلاف الأنظمة السياسية و كذا درجة الجمود التي يراد إعطاؤها للدستور.

المطلب الثاني: القيود التي ترد على التعديل .

القيود التي ترد علي التعديل أن القيام بالتعديل لا يعطي الحرية المطلقة للسلطة المكلفة به لتعديله حسب مشيئتها بل هـي مقيدة حسب السلطة التأسيسية الأصلية بجملة من القيود و تكون قد وردة من قبل في الدستور المراد تعديله قيـود تسمح بضمان عدم التلاعب بالدستور من قبل السلطة الحاكمة و التي تختلف من دستور إلى أخر حسب ظروف ومعطيات كل بلد و علي العموم تعديل الدستور عرف عـدة قيود عبـر التاريخ والتي يمكن حصرها في ما يلي :
1- منع التعديل بصفة مطلقة و هي نظرية قديمة نادى بها بعض الفلاسفة و رجال الثورة الفرنسية و هذا تقديس للدستور باعتباره نصا قانونيا كاملا لا يشوبه نقـص او عيب و أن الدستور يتضمن مبادئ لا يمكن تعديلها.
هذه النظرية غير واقعية لذلك لم يؤيدها التاريخ و هـي تؤدي إلى ثورة حقيقية علي الدستور أو حذفه و تجاوزه من حيث الممارسة لأنه لا يمكن تجميد حركة المجتمع و تطوره أحق إلي ذلك أن اغلب الفقهاء الفرنسيين يقرون بحق الأمة في تغيير الدستور كلما تحققت أسباب تغييره باعتبارها صاحبة السيادة .
2 - منع إلغاء دستور من خلال تعديله كما حدث في دستور 1976 الذي اعتبر مجرد تعديل دستور لكنه في الحقيقة كان إلغاءا فدستور 1989 كان مختلفا كليا فـي دستـور 1976 و بالتالي فانه إلغاء و ليس تعديل للدستور .
3 - اشتراط قراءة ثانية للدستور أمام البرلمان لمشروع التعديل مع المصادقة علي المشروع من قبل النواب البرلمان بنسبة لثلثي أو ثلاثة أرباع أعضائـه، و يجب الفصل بين القرائتين مدة زمنية معينة فمثلا دستور 1963 مدة ثلاثة أشهر بين القرائتين .
4 - منع تعديل الدستور بعد وضعه لفترة زمنية معينة من اجل تدعيم استقراره و تكريس العمل به ويكون هذا المنع لمدة تتراوح بين 5 إلى 10 سنوات أو أي مدة يحددها الدستور.
5 - منع التعديل إلى بعد تحقق شرط معين من الدستور الأردني الذي اشترط بلوغ ولي العهد سن الرشد حتى يتم التفكير في التعديل.
6 - من التعديل في الظروف الطارئة مثل الحرب أو عدوان خارجي او مساس بالتراب بسلامة التراب الوطني (حسب المادة 194 من دستور الجزائر لسنة 1976 التي نصت
انه لا يمكن لأي تعديل أن يمس بالصفة الجمهورية للحكم بدين الدولة و بالاختبـــار الاشتراكي بالحريات الاشتراكية بالحريات الأساسية للإنسان و المواطن بمبدأ التصويت عن طريق الاقتراع العام المباشر السري و بسلامة التراب الوطني).

المطلب الثالث: مراحل تعديل الدساتير:

تمر إجراءات تعديل الدساتير بعدة مراحل أهمها :

أ – مرحلة الاقتراح:
قد يتقرر هذا الحق للهيئة التنفيذية وحدها و بالأحرى لرئيس الدولة بقصـد تكريس هيمنتها على غيرها من الهيئات، و يظهر هذا جليا في الدستور الجزائري لسنة 1976م المادة 191، و في المادة 192من دستور 1989 ، أو يعطي للسلطة التشريعية و حدها لنفس السبب مثلما هو الشأن في دستور الولايات المتحدة الأمريكية ( المادة:5).
وكذلك قد يعطي هذا الحق إلى كل من السلطتين التنفيذية و التشريعية بهدف إقامـة نوع من التوازن بينهما ، مثل دستور الجزائر لسنة 1963 ( المادة:71)، و دستـــور الجزائر لسنة 1996 ( الم م: 174، 177) ، و دستور فرنسا لسنة 1958، و قد يعطي للشعب فضلا عن البرلمان مثلما هو مطبق في دساتير بعض الولايات المتحدة الأمريكية ، و دستور إيطاليا لسنة 1946 ( المادة:61) ، ودستور سويسرا ( المادة 121/7).

ب – مرحلة قبول مبدأ التعديل:
حتى يمكن وضع مبادرة التعديل موضع التنفيذ فلا بد من قبول مبدأ التعديل ، وعادة مـا توكل صلاحية الفصل في مدى ضرورة التعديل إلى البرلمان الذي يجب أن يصوت على قبول مبدأ التعديل دون التطرق إلى موضوع التعديل.
وهذا ما هو موجود في فرنسا في ظل دستور1958 ، إذ أنه بعـد اقتراح التعديل يبقـى للبرلمان أن يقرر إذا ما كان هذا الاقتراح يجب ان يقبل أم لا ، وفي حالة الرفض يجهض مشروع التعديل ، أما فـي سويسرا فإذا رفـض البرلمـان اقتراح التعديـل فلا يجهض المشروع بل يقوم البرلمان بوضع مشروع تعديل مضاد ثم يحل الاثنان على الاستفتاء.

ج – مرحلة الإعداد:
قـد تقوم بالإعداد هيئة منتخبة لهذا الغرض ( الأرجنتين في دستور 1883) أو يقوم به البرلمان وفقا لشروط خاصة كاجتماع مجلسي البرلمان في هيئة مؤتمر و حضور نسبة خاصة في التصويت ، وقد يعهد به الى التنفيذية وحدها ( مثل الجزائر).
وفي بعض الدول قد يتم حل البرلمان و إجراء انتخابات جديدة لتشكيل برلمان جديد هذا الغرض ( رومانيا ) وقد يقوم به الشعب مثلما هو في ( سويسرا ).

د – مرحلة الإقرار ( النهائية ):
إن إقرار التعديل عادة ما يكون من اختصاص البرلمان مثلما هو الحال في الجزائر و فقا لدستور 1976 الذي يشترط أن يتم الإقرار بأغلبية 2/3 ( المادة:192) أو بأغلبية ¾ إذا تعلق مشروع التعديل بالأحكام الخاصة بالتعديل ( المادة:193 ) و كذلك قد يتم الاقرار عن طريق الاستفتاء الدستوري بالنسبة للمسائل ذات الأهمية الوطنية كما حدث بالنسبة لإقرار تعديل 3 نوفمبر 1988.
أما فـي ظل دستور 1963 فإن الإقرار النهائي يتم عن طريق الاستفتاء الدستوري ( المادة: 63)، وفي فرنسا يجب أن يعرض مشروع التعديل على الاستفتاء بعد الموافقـة عليه مـن قبل مجلسي البرلمان، ويمكن الاستغناء عنه إذا قرر رئيس الجمهورية عرض المشروع على المجلسين المنعقدين في صورة مؤتمر شريطة الموافقة عليه بأغلبية 3/5 الأعضاء المصوتين ، هذا إذا كان اقتراح التعديل مصدره الحكومة ، أما إذا كان مصدره البرلمان فلا غنى عن الاستفتاء الدستوري.
أما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية فإن التعديل الدستور لا يتـم إقراره إلا إذا وافقت عليه المجالس التشريعية ل ¾ الولايات المختلفة، أو عندما توافق عليه مؤتمرات عقدت في ¾ الولايات المختلفة.
*-/ إجراءات تعديل الدستور الجزائري الحالي ( دستور 1996):
لقد عالجت المواد174-178 من الباب الرابع من الدستور الجزائري الحالي إجراءات و مراحل تعديل الدستور وهي كالتالي:

أ – مرحلة الاقتراح:
إن المبادرة بالتعديل الدستوري تعود إلى كل من رئيس الجمهورية و كذلك إلى ¾ أعضاء غرفتي البرلمان مجتمعتين معا ( الم م: 174، 177).

ب – مرحلة التصويت:
تتم بعرض التعديل على كل من المجلس الشعبي الوطني و مجلس الأمة، اللذان يصوتان عليه حسب الشروط نفسها التي تطبق على النص التشريعي ( المادة:174 ).

ج – مرحلة الإقرار النهائي:
ويتم هذا عن طريق عرض التعديل على الاستفتاء الشعبي خلال الخمسين سنة (50) يوما الموالية لإقراره ، ولكن إذا رفضه الشعب فيصبح مشروع القانـون الـذي يتضمن مشروع التعديل الدستوري لاغيا، ولا يمكـن عرضه من جديد على الشعب خلال الفترة التشريعية،
( المادة 174،175)، لكن يمكـن الاستغناء عـن الاستفتاء الشعبي إذا ارتأى المجلس الدستـوري أن مشروع أي تعديـل دستوري لا يمس البتة بالمبادئ المنصوص عليها في المادة 176 من الدستور، وفي هذه الحالة يمكن لرئيس الجمهورية أن يصـدر القانون المتضمن للتعديل الدستوري دون عرضه على الشعب متى أحرز على ثلاثة أرباع (3/4) أصوات غرفتي البرلمان.

د – مرحلة الإصدار:
و هـي آخـر مرحلة بحيث يقوم بها رئيس الجمهورية سواء فـي حالة التعديل الذي صادق عليـه الشعب، أو فـي حالـة الموافقة علـى التعديل المقترح مـن قبل البرلمان ( الم م :174/2 – 177/2.).
و الإصدار بشكل عام لا يعد مرحلة تشريعية، لأن الإصدار هـو إجراء يقرر بموجبه رئيس السلطة التنفيذية و جود قانون تمت الموافقة عليه من قبل الشعب بنقله إلى المرحلة التنفيذية.

المبحث الثاني: إنهاء و إلغاء الدستور.

المقصود بإلغاء الدستور أو نهايته أو بانقضائه وضع حـد لسريانـه بالنسبة للمستقبل و إخراجه من حيز النفاذ، ولهذا تقسم و أساليب انقضاء الدستور إلى نوعين الأسلوب القانوني و الأسلوب الغير قانوني و بالإضافة إلى الآثار الناجمة عن إتباعهما.

المطلب الأول: الطرق القانونية ( العادية):

يكون الإلغاء شرعيا حين يتم طبقا لتقنيات الدستور نفسه و الإجراءات التي يحددها في نصوصه ، بالنسبة للدول اللبرالية قليلا ما تنص دساتيرها على مسألة إلغائها لأنها تعتبـر من النصوص القانونية الثابتة التي قد تعدل و لكن لا تلغى بصفة نهائية لأنها مبادئ عامة و راسخة و صالحة لمختلف الظروف.
و مع ذلك توجد بعض الدساتير التـي تسير إلـى إمكانية الإلغاء الجزئي أو الشامل مثل الدستور الفرنسي لسنة 1875 م.
أما بالنسبة للدول التي اعتمدت أو لازالت تعتمد النظام الاشتراكي فهي ترى أن الدستور عبارة عن نص قانوني يعبر عن مرحلة تاريخية معينة، و لذا فإن الدستور يتغير كلمــا تعاقبت تلك المراحل مثل الصين الشعبية التي عرفت عدة دساتير مثل دستور: 1954، 1975، 1978، 1980، 198.....الخ، وعادة يتم الإلغاء عن طريق الاستفتاء أو عن طريق الجمعية التأسيسية أو بواسطتهما معـا أو عـن طريق المجالس البرلمانية بالنسبة للدساتير المرنة ، وقـد يكون الإلغاء بطريقة غيـر مباشرة عـن طريق المصادقة على الدستور جديد مثلمـا حدث فـي الجزائر بالنسبة لدستور 1976 م ، حيث ألغي بطريقة ضمنية غير مباشرة تتمثل في عرض دستور 1989 م على الاستفتاء الشعبي ، وقد كانت فـي نفس الوقت المصادقة عليه إلغاء الدستور 1976 م فهو لا يتضمن نصا حول كيفية إلغائه ، وبهذا فهو تم بطريقة غير شرعية لكن مادام الشعب صاحب السيادة و هو السلطة التأسيسية فإن مصادقته على دستور 1989 م شكل إلغاء لدستور 1976 م و هو الأهـم من الناحية القانونية.
إضافة إلى كل هذا فإن الدساتير العرفية تلغى بطرق قانونية و هذا ما نشأت عرف جديد يحل محل العرف القديم ، أو بوضع دستور جديد مكتوب أو بإصدار قوانين عادية تلغـي العرف الدستوري .

المطلب الثاني: الطرق الغير قانونية:

يلغى الدستور بالطرق الغير القانونية عندما لا يتم هذا الإلغاء و فقا للطرق التي تعرضت لها أنفا ( سابقا ) و عادة ما يكون الإلغاء غير قانوني عن طريق القـوة و العنف و تتمثل هذه الطرق في :

أولا: الثورة الشعبية:
وتحدث عندما يصبح الشعب أو أغلبيته غير راض عــن النظام القائم سواء لاستبداده أو لعدم استجابته لمطالب الجماهير و إرادتها في التغير فقد تقوم ثورة شاملة للإطاحة بالنظام و تغييره بنظام جديد يمس كافـة الجوانب السياسية الاجتماعية الاقتصادية و الثقافية ، و عادة ما تكون هذه الثورة منظمة و مخطط لها مسبقا و تكون تحت إشراف قيــادة مهيئة لاستلام الحكم فـي حالة نجاح الثورة ، و مـن أمثلة الثوران التي ألغت الدستور القائـم الثورات الروسية سنـة 1917م و الإيرانية 1979م و المصرية 1952م و الليبية سنة 1969م.
إضافة إلـى الثورة توجـد حالة متشابهة لهـا تعرف بالتمرد أو الانتفاضة الشعبية اللذان يتميزان بالفوضـى و انعدام التنظيم لكن قد يتحولان إلى عصيان لا ينتهي بسقوط النظام فقط و إنما يسفر في إلغاء جزئي أو كلي.

ثانيا: الانقلاب:
وهو صراع حول السلطة ينشأ بين أعضاء الطبقة السياسية أنفسهم و الذي يهدف إلى تغير شخص أو مجموعة أشخاص و إبعادهم عن السلطة أو تغير الجهاز الحاكم بمجمله و فـي أغلب الأحيان يكون الجيش المدير للانقلاب و الذي يسمى بالانقلاب العسكري و هـذه ظاهرة منتشرة في بلدان العالم الثالث كما يمكن للانقلاب أن يكون مدنيا بمشاركة كا مـن المدنيين و العسكريين معـا ، مثـل بعض الوزراء و بعض قـادة الجيش ، وقـد يكون الانقلاب فرديا مثل انقلاب نابليون أو جماعيا مثل انقلاب مجلس الثورة في إطار مـــا يعرف بالتجديد الثوري ( التصحيح الثوري ) و إلغائهم لدستور 1963م ، و من المهم أن نعرف أن إلغاء الدستور عن طريق الانقلاب هي طريقة مستقبحة أو سيئة بل قد تكون في بعض الحالات المناص الوحيد و الطريق الأوحد من أجل و ضع حد للاستبداد و التسلط و الطغيان الحكـام و لذا فإن لـم تكـن مشروعة غيـر مطابقة لأحكام الدستورية فهي مشروعية من حيث أهدافها و غايتها و احترامها لإرادة الجماهير الشعبية و التـي تشكل حق من حقوق الشعوب.

المطلب الثالث: أثار الإنهاء أو الإلغاء.

أولا: بالنسبة للنظام السياسي:
إن إلغاء أو إنهاء الدستور قد يضع حدا لنظام سياسي سابق مثل إلغاء دستور 1946 في فرنسا الذي و ضع حدا للجمهوري الرابعة، كذلك إلغاء دستور إيران ووضع أخــر محله سنة 1979 الذي كان له أثر على المستوى السياسي.

ثانيا: بالنسبة للدولة :
إن إلغاء الدستور لا يمس و جود الدولة رغم تغيير النظام السياسي، و لكنه قــد يؤدي إلى تغيير شكل الدولة من بسيطة إلى مركبة، و هذا كاستثناء فقط ( وحدة مصــر و سورية.)، أما ما عدا ذلك فتبقى الدولة قائمة رغم تغيير النظام السياسي و هذا ما يبرز إلتزاماتها بالمعاهدات الدولية المبرمة في السابق ( إيران ) ، و عادة مــا يسارع الحكام الجدد الى إعلان التزامهم بذلك ( ما عدا في عهد الاتحاد السوفياتي سابقا.).

الخاتمة:

وفـي الأخير يمكن القول أن إلغاء الدساتير قد يؤدي عادة إلى سقوط المؤسسات القائمة طبقـــا له على النظام السياسي و نظام الحكم السائد في الدولة نفسها و لكن من المهم محاولة تجنب إلغاء أو تعديل الدساتير من أجل ضمان استقرار الأمني للبلاد عـن طريق وسائل أخرى مثل الوقاية على دستورية القوانين فإلى اي مدا يمكن لهذه الوقاية أن تحمي و تحفظ سلامة و استقرار الدولة.؟

منقول ...

hadia369
2011-08-27, 00:52
أدوات الرقابة البرلمانية فى النظم السياسية

تمارس البرلمانات عددا من الوظائف، تتراوح فى مجالها ونطاقها من دولة الى أخرى، وذلك :
1- حسب الإطار الدستوري السائد وأسلوب توزيعه لاختصاصات الحكومة .
2- وكذلك تبعا لمدى التطور الديمقراطى وقوة البرلمان وقدرات أعضائه.
وبوجه عام، هناك نوعان من تلك الوظائف:

الأول عام، تمارسه البرلمانات كهيئة ممثلة للشعب، كدورها فى صنع السياسات العامة وخطط التنمية؛
والثاني فني، وهو ما يعرف بالدور التشريعي والرقابي، الذى تقوم به فى مواجهة السلطة التنفيذية (حيث لا تخضع السلطة القضائية للبرلمان أو السلطة التنفيذية، تطبيقا لمبدأ استقلال القضاء وحصانته، وكحكم بين السلطات أيضا).
وفيما يلي نبذة عن كل هذه الوظائف:

1- الترشيح لمنصب رئاسة الدولة:

تتولى البرلمانات فى النظم النيابية ترشيح رئيس الدولة أو رئيس الحكومة، وذلك تطبيقا لفكرة الحكم بواسطة الأغلبية البرلمانية . ويختلف الأمر حسب نوع النظام: فالملكي يتولى فيه الملك منصبه بالوراثة، ولا يوجد للبرلمان دور فى ذلك ، ولكن البرلمان يختار رئيس الحكومة من بين أعضائه من الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية ؛ والجمهوري يقوم فيه البرلمان بترشيح رئيس الجمهورية ، ثم يترك القرار النهائي للناخبين. وفى النظم الرئاسية، يتولى رئيس الدولة منصبه عن طريق الانتخاب المباشر للمواطنين، بدون أى تدخل من جانب البرلمان، كما هو الحال فى الولايات المتحدة الأمريكية مثلا. فالبرلمان إذن لا يقرر الشخص الذى يتولى منصب رئيس الدولة، سواء كان ملكا أم رئيس جمهورية، وذلك تطبيقا لفكرة الفصل بين السلطات.

2- صنع وإقرار السياسة العامة:

مع تضخم دور السلطة التنفيذية فى ظل التقدم الصناعي وتزاحم العمل الحكومي، برز دور البرلمان فى التأثير على السياسة العامة، نظرا لما يتمتع به من قدرة على التعبير عن المطالب الشعبية وأولويات الرأي العام.

3 - الوظيفة المالية:

حصلت البرلمانات على سلطتها المالية عبر مرحلة صراع طويل مع الحكومة منذ القرن التاسع عشر، حتى أصبحت تلك السلطة من أهم مصادر قوتها فى مواجهة الحكومة. وتتمثل السلطة المالية للبرلمان فى تحديد حجم نفقات الدولة، واتخاذ الوسائل الضرورية لتغطية العجز المالى فى الميزانية سواء عن طريق الضرائب أو طرق أخرى.

4 - التأثير فى الرأي العام:

ارتبط نمو الاتجاهات الديمقراطية فى مختلف أنحاء العالم بدور البرلمان، حيث مثل عبر التاريخ نقطة الانطلاق لأفكار الحرية والمساواة والمشاركة السياسية والشعبية فى الحكم. كذلك كان البرلمان منبع الحركة الوطنية والمطالبة بالاستقلال فى الدول النامية خلال الفترة الاستعمارية. وتساهم البرلمانات فى تشكيل الرأي العام، وبلورة الاتجاهات السياسية العامة حول النظام السياسى، ولا يقتصر تأثيرها فى الرأي العام على النطاق الداخلي وإنما قد يمتد الى النطاق الخارجي، فيما يسمى الدبلوماسية الشعبية، التى أصبحت إحدى العلامات البارزة فى العلاقات الدولية المعاصرة، واستطاعت أن تشكل قنوات تأثير على الرأي العام الدولي.

5 - الوساطة بين المواطنين وأجهزة السلطة التنفيذية:

يقوم عضو البرلمان بدورين من الأدوار النيابية، فهو يمثل الشعب فى مجموعه، وذلك من خلال عمله البرلماني فى أمور التشريع والرقابة على الحكومة، والثاني أنه يمثل مصالح الناخبين فى دائرته الانتخابية ويعمل على تلبية مطالبهم. أى أن أعضاء البرلمان يقومون بدور الوساطة بين دوائرهم الانتخابية من ناحية والحكومة والأجهزة الإدارية والرسمية من ناحية أخرى. بهذا المعنى الأخير، يكون النائب وسيطا بين الناخبين وبين الحكومة، فهو يتدخل لدى الإدارة والحكومة والوزراء ليلفت نظرهم إلى بعض القرارات غير الملائمة التى يعود أثرها بالضرر على المواطنين؛ كذلك يطالب بتحقيق بعض المطالب الخاصة لأبناء دائرته.

6- الوظيفة التشريعية:

تنصرف الوظيفة التشريعية للبرلمان الى وضع القوانين أساسا. وتعد هذه الوظيفة من أهم وظائف البرلمانات، تاريخيا وسياسيا. ولهذا، فإن دور البرلمان الأول أصبح هو وضع تلك القواعد، أى القوانين. واليوم، تعتبر وظيفة التشريع أبرز ما يقوم به البرلمان، حتى أن التسمية المرادفة للبرلمان فى مختلف الثقافات المعاصرة هي المؤسسة أو السلطة التشريعية. وبرغم أن المبادرة باقتراح القوانين وصياغتها فى هيئة مشروعات تأتى غالبا من جانب السلطة التنفيذية، فإن ذلك لا ينفى دور البرلمان فى مناقشتها وتعديلها قبل الموافقة عليها، وكذلك اقتراح قوانين جديدة. فالقانون ما هو إلا تعبير عن إرادة المجتمع وأولوياته، التى يجسدها المشرع فى صورة قواعد عامة تحكم التفاعلات بين الأفراد والجماعات وتنظم العمل والعيش المشترك بينهم. وهذه الوظيفة هى التى تجعل البرلمان من أهم سلطات الدولة، باعتباره ممثل الأمة والمعبر عن نبضها، ولأنه الذى يسن القوانين ويعدلها ويلغيها، ومن الضروري موافقته على كل المشروعات بقوانين التى تقدمها إليها السلطة التنفيذية ، بل وعلى المعاهدات الدولية التي تبرمها السلطة التنفيذية. أضف الى ذلك أن تنفيذ سياسة الوزارة يتوقف عادة على ثقة البرلمان.. كذلك، فإن السلطة القضائية لا تطبق إلا القوانين التى تقرها السلطة التشريعية.

7 - الوظيفة الرقابية :

يقوم النظام الديمقراطى على فكرة التوازن بين سلطات الحكم، التشريعية والتنفيذية والقضائية، حتى لا تجور إحداها على الأخرى، وتستأثر بالسلطة، وبالتالي تهدد مصالح المجتمع وتؤثر سلبيا على نظام الحكم.
وهناك ثلاث صور أساسية للرقابة، يكمل بعضها البعض حتى تستقر الديمقراطية ويتحقق التوازن بين السلطات وكذلك الإرادة الشعبية للمواطنين. فأما النوع الأول من الرقابة، فهي التى يمارسها البرلمان على الحكومة. وتعتبر تلك الرقابة البرلمانية من أقدم وظائف البرلمان تاريخيا، وأشهرها سياسيا، حيث البرلمان هو المسئول عن متابعة وتقييم أعمال الحكومة. ولكن عملية رقابة البرلمان على السلطة التنفيذية لا تتم بدون توازن فى القوة السياسية بينهما، حتى لا تنقلب الى سيطرة، وتصبح السلطة التنفيذية خاضعة تماما للبرلمان، وبالتالي ينهار مبدأ الفصل بين السلطات، الذى هو أساس الحكومات الديمقراطية وشرط الاستقرار السياسى. ولهذا، فإن عملية الرقابة تكون متبادلة ومتوازنة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. فالرقابة البرلمانية وسيلة لحماية مصلحة الشعب، ومنع الانحراف، والالتزام بالسياسية التنموية التى وافق عليها البرلمان، والالتزام بالميزانية التى أقرها، حفاظا على الأموال العامة من الإهدار. ويعتبر البرلمان سلطة رقابة سياسية على السلطة التنفيذية تحاسبها وتراقب تصرفاتها وأعمالها وقراراتها، ويستطيع البرلمان من خلالها التحقق من مشروعية تصرفات السلطة التنفيذية وأعمالها ومدى استهدافها الصالح العام، ويكون له مراجعتها وإعادتها الى الطريق الصحيح إذا انحرفت. وأما النوع الثاني من الرقابة ، فتمارسه الحكومة على البرلمان. فكما أن البرلمان يمارس وظيفة رقابية على الحكومة، فإنه يخضع فى الوقت نفسه لنوع من رقابة الحكومة عليه أيضا. فإذا كان أعضاء البرلمان يستطيعون اتهام الوزراء، وسحب الثقة من الحكومة إذا ثبت الاتهام عليها، فإن الحكومة قد تلجأ الى حل البرلمان إذا رأت أنه غير متوازن أو موضوعي فى تقديره للأمور، أو يبالغ فى الاتهام بدون سند مقبول الى درجة تجعل التعاون بينهما مستحيلا، فترى ضرورة الاحتكام مباشرة الى الشعب ليقرر من الطرف الذى على صواب. أما النوع الثالث من الرقابة، فهو يتمثل في الرقابة التى يمارسها الرأي العام على البرلمان ذاته. وقد تكون تلك الرقابة الاجتماعية على البرلمان موسمية (وتتمثل فى موقف الناخبين تجاه أعضاء البرلمان وقت الانتخابات، حيث يعتبر تجديد اختيار الأعضاء نوعا من الرقابة الدورية التى يمارسها الرأي العام على البرلمان) أو دائمة ، وهي التي تتم طوال فترة عمل البرلمان، ويمارسها المجتمع من خلال وسائل الإعلام، سواء على أداء الأعضاء أو قوة البرلمان ككل، وهى نوع هام جدا من الرقابة الشعبية على البرلمان. وفى الحقيقة، فإن الصورة الأولى للرقابة، أى من البرلمان على الحكومة، تعتبر مقياسا هاما لكفاءة البرلمان ومؤشرا عـلى درجة الديمقراطية فى المجتمع. فالمقصود بالرقابة البرلمانية، إذن، هو دراسة وتقييم أعمال الحكومة، وتأييدها إن أصابت ومحاسبتها إن أخطأت.

صور العلاقة الرقابية:

تتنوع صور العلاقة الرقابية بين البرلمان والسلطة التنفيذية فى النظم الديمقراطية، ففي بعضها يقوم البرلمان بانتخاب رئيس السلطة التنفيذية وبالتالي يستطيع عزله (أى سحب الثقة منه)، وفى البعض الآخر لا يستطيع البرلمان ذلك، كما هو الحال فى النظام الأمريكي. ولكن، على الرغم من غياب تلك الصفة بالنسبة للكونجرس الأمريكي، والنظم الرئاسية والتي تأخذ بمبدأ الفصل الواضح بين السلطات عموما، يظل للبرلمان القدرة على الرقابة والعمل باستقلالية بعيدا عن تدخل السلطة التنفيذية. ولأن الرقابة البرلمانية عملية متعددة الأبعاد، فهناك وسائل متعددة أمام النواب لممارسة مهام الرقابة على الحكومة، منها المناقشات المستمرة والعميقة للميزانية، والرقابة والإشراف على العمل الحكومي، وتوجيه الأسئلة للوزراء عن أمور تتعلق بعملهم. كذلك، فبعض البرلمانات ابتكرت وسيلة أخرى من وسائل الرقابة على العمل الحكومي، وهى المفوض البرلماني، وهو شخصية مستقلة يقوم بتعيينها البرلمان من أجل الإشراف والرقابة على الإدارة. ويعود الثقل الكبير للوظيفة الرقابية فى نظر المجتمع وأعضاء البرلمان الى عدد من الأمور التى أملتها التطورات السياسية، أهمها:

أ- مدى هيمنة الحكومة على صنع السياسات العامة: فهي مصدر معظم التشريعات، وهى التى تمتلك القدرة على التنفيذ، وهى المخولة بوضع اللوائح التنفيذية للقوانين، وتمتلك القدرات الفنية والإدارية وقواعد المعلومات اللازمة لصنع وتنفيذ السياسة، بحيث لا يتبقى للبرلمان الكثير من هذه القدرات لكي يقوم بصنع السياسة ورسم الأولويات.
وبالتالي، يتجه اهتمام البرلمانات فى ظل هذه الأوضاع الى محاولة استثمار وتفعيل ما هو ممكن من وسائل وآليات للمساهمة فى صنع القرار، وأهمها الرقابة.

ب- التوازنات السياسية والحزبية فى البرلمان والتي قد تحد من قدرته على توجيه الحياة السياسية وصنع السياسات العامة، لاسيما فى ظل وجود تكتل أو أغلبية حزبية كبيرة مؤيدة للحكومة، وبالتالي تصبح الرقابة أهم الوسائل المتبقية أمام المعارضة للتأثير فى السلطة التنفيذية.

ج - الثقافة السياسية السائدة فى المجتمع والتي قد تنظر الى الدور الرقابي للبرلمان بشكل أكثر تقديرا وإعجابا من نظرتها لدوره التشريعي، وينطبق ذلك بوضوح على نظرة الرأي العام الى أعضاء المعارضة البرلمانية أو المستقلين، حيث يميل الرأي العام وتتجه وسائل الإعلام الى الانبهار وربما تبجيل العضو الذى يستطيع إحراج الوزراء ويقتنص الفرص لإظهار التقصير فى أداء الحكومة، بل وربما يفاخر الأعضاء أنفسهم بذلك ويعتبرونه علامة فى تاريخهم البرلماني.

أهمية مبدأ الفصل بين السلطات

يساعد الفصل المتوازن بين سلطات النظام السياسي الثلاث ، وتفعيل الرقابة المتبادلة بينها واحترام كل منها للاختصاصات الوظيفية المنوطة بالسلطة الأخرى وفقا للقواعد الدستورية والقانونية المعتمدة في بناء نظام أكثر استقرارا وأمنا. غير أن هناك عددا من الإشكاليات لعل أهمها:

1- عدم قدرة النظام السياسي عادة على ضمان ممارسة آليات الرقابة والمساءلة المتبادلة والفعالة بغض النظر عما جاء في النصوص القانونية أو في التطبيق من قبل السلطات الثلاث، أو فيما بينها؛ فالنظام البرلماني يضع أسس واضحة للعلاقة بين السلطات واليات الرقابة المتبادلة بينها، وكذلك الحال بالنسبة للنظام الرئاسي، حيث الصلاحيات الخاصة بكل سلطة وآليات الرقابة والمساءلة بينها واضحة ومحددة. أما النظام المختلط الذي يجمع بين بعض أسس النظام الرئاسي وبعض أسس النظام البرلماني بشكل عشوائي وانتقائي لا يساعد في بناء نظام مساءلة فعّال، ويزداد الأمر صعوبة إذا كان النظام ناشئا وغير مكتمل.

2- غياب التوازن في توزيع الصلاحيات بين السلطات في النظام السياسي ، حيث تهيمن السلطة التنفيذية بشقيها (الرئاسة ومجلس الوزراء) على السلطتين التشريعية والقضائية وفقا للنصوص القانونية أو بسبب التطبيق على حد سواء.

3- حتمية الصراع بين السلطات الثلاث. فالغموض في النصوص وعدم الوضوح في توزيع الصلاحيات يسهم بشكل ملحوظ في تحول الصراع على الصلاحيات داخل السلطات الثلاث وفيما بينها إلى صراع حقيقي في الأمد الطويل.
وعليه فإن الكثيرين من المفكرين يرون ضرورة مراجعة طبيعة النظام السياسي المختلط، ليس فقط للتأكد من تضمين آليات المساءلة ومبادئ الشفافية بما يخلق بيئة تساعد على التصدي للفساد، وإنما أيضا لضمان استقرار النظام السياسي.

مزايا النظام الرئاسي

إن النظام الرئاسي هو نوع من أنظمة الحكم يضع الهيئة التنفيذية بيد رئيس الدولة وهو رئيس الصفوة الحاكمة يعاونه مجموعة وزراء يعدون بمثابة مستشارين "وأحياناً يطلق عليهم أسم سكرتير كما هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية". ويكون رئيس الدولة هو رئيس الحكومة في نفس الوقت، ويكون غير مسؤول سياسياً أمام السلطة التشريعية، ويختار رئيس الدولة "الحكومة" من قبل الشعب بشكل مباشر أو غير مباشر. ويرى بعض فقهاء القانون الدستوري أن النظام الرئاسي هو "ذلك النظام الذي ترجح فيه كفة رئيس الدولة في ميزان السلطات"، (محمد كامل ليلة: 1968، 568).

أولا: نشأة وتطور النظام الرئاسي:

لقد كان لآراء لوك ومونتسكيو في الفصل بين السلطات تأثير كبير على واضعي دستور الولايات المتحدة الأمريكية في سنة1787 فأقاموا نظامهم على أساس ذلك المبدأ. وقد قصد واضعو الدستور الأمريكي اعتماد الفصل المطلق بين السلطات وتحقيق المساواة بينها. غير أن النصوص الدستورية التي وضعوها أسفرت عن فصل نسبي سمح ببعض التداخل في الاختصاصات كما إن العمل قد أدى إلى رجحان كفه السلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الدولة. وهذا النظام يختلف اختلافاً كبيراً عن الأنظمة المسماة خطأ بالرئاسية مثلما عله في بعض نظم دول أمريكا اللاتينية وهي ليست بذات المعنى القانوني والسياسي في الولايات المتحدة الأمريكية . نعم هي محاولات لتقليد النموذج الأمريكي ، لكن الحقيقة تشير إلى الكثير من بلدان العالم لم تنجح في ذلك لأسباب تختلف من بلد لأخر بسبب اختلاف المعطيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية... الخ، فالدستور والنظام السياسي هو وليد البيئة الاجتماعية وليس حدثاً طارئاً عليها، ويجب الإشارة إلى أن الدستور الأمريكي وغيره من الدساتير التي آخذت بالنظام الرئاسي قد تأثرت بشكل كبير بآراء مونيسكيو وخصوصاً كتابة روح القوانين Siprit of Laws الذي بين فيه نظريته الخاصة بمبدأ الفصل بين السلطات.

ثانيا: أسس ومتطلبات النظام الرئاسي:

إن النظام الرئاسي يقوم على مجموعة من الأسس والمتطلبات التي يتميز بها عن غيره من الأنظمة السياسية الأخرى ويمكن الإشارة إلى هذه الأسس والمتطلبات بالآتي:-

1- وجود رئيس دولة منتخب من قبل الشعب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
2- الفصل شبه المطلق بين السلطات.
3- يكون اختيار الوزراء "الحكومة" بيد رئيس الدولة دون تدخل من السلطات الأخرى ويكونون مسئولون أمامه فقط.
4- المرونة الحزبية.
ويمكن تناول هذه الأسس والمتطلبات وفقاً لمجموعة محاور وكما يأتي:
ثالثا: مزايا وعيوب النظام الرئاسي:
للنظام الرئاسي كغيره من الأنظمة السياسية الأخرى مجموعة من المزايا والعيوب ويمكن إيجازها بالآتي:

أ‌. المزايا:

1- توفير الاستقرار السياسي لمرحلة انتخابية كاملة. (محمد كامل ليله،1968، 597 ).
2- تأمين استقرار الحكومة بغض النظر عن الاتجاهات الحزبية المعارضة.
3- يوفر فرصة أفضل لعمل الحكومة وحرية الحكومة وفي المقابل يوفر للبرلمان حرية الحركة
والمناقشة فللبرلمان سلطة مهمة لعل أبرزها يتركز في المسائل المالية. (نادية المختار،2001، 30).
4- إن الرئيس في النظام الرئاسي يتمتع بشعبية كبيرة وهيبة مهمة لأنه مرشح الأمة ومنتخب من الأمة
بشكل مباشر وهذا ما يعفي الرئيس من الولايات الضيقة.
5- إنه نظام ناجح في البلدان ذات التجربة الديمقراطية المتكاملة والتي يكون فيها مستوى النضوج
والوعي السياسيين عالياً. (د.ثناء فؤاد عبد الله،1997، 256). لأن الديمقراطية لا تكتفي برسم
حدودها لما يحق أو لا يحق أن تفعله، ولكنها أيضاً تحكم على بعض الأفكار والمعتقدات التي تجد لها
مكاناً في أذهان بعض الأفراد من الشعب، بل يجري في بعض الأحيان السماح للعنصرين بالتظاهر
والتعبير ضد هذه الجهة أو تلك باسم الديمقراطية وحرية الفكر وهذا غير موجود في كثير من دول
العالم الأخرى. (د. رجا بهلول،2000، 50-51).

ب- العيوب:

1- إن تطبيق هذا النظام الذي يقوم على الفصل بين السلطات غير ممكن لأنه يعني كالفصل بين أجزاء الجسم البشري، لان الاتصال بين السلطات الثلاث اتصالاً عضوياً.
2- إنه يلغي مبدأ المسؤولية السياسية مما يعني إمكانية التهرب من المسؤولية وصعوبة معرفة المسؤول الحقيقي عن الخطأ.
3- يرى روسو أن فيه تجزئة للسيادة، وذهب آخرون مثل بعض الفقهاء/ المان كجيلنك ولاباند والفرنسي العميد ديكي إلى القول، إن الفصل بين السلطات يؤدي إلى هدم وحدة الدولة. (راجع أحسان المفرجي وآخرون،1990، 75).
4- أنه يؤدي إلى الاستبداد في دول عالم الجنوب أي استبداد السلطة التنفيذية وهيمنة الرئيس سياسياً ودستورياً في الحياة الوطنية وإعادة انتخابه لأكثر من مرة.
5- ويذكر بعض المفكرين العرب أن الأنظمة العربية وبشكل عام هي نظم محافظة وهي على النقيض من النصوص الدستورية والقانونية لا تسمح بتغيير قمة النظام السياسي والهياكل الأساسية بنحو سلمي وكاستجابة لمطالب الرأي العام، بل إن الأدهى من ذلك إنه ليس هناك تغير لأي نظام سياسي عربي قد تم بصورة سلمية ومن خلال عملية ديمقراطية سلمية، وإنما يكون التغير إما عن طريق العنف المسلح أو الوفاة الطبيعية. (يحيى الجمل،1984، 363). ولذلك فالنظام الرئاسي يزيد من الغطاء الدستوري والقانوني للاستبداد بالسلطة والديكتاتورية.

------------------------------------------------
1. فى بعض الدول التى تجمع بين خصائص النظام البرلماني والنظام الرئاسي، يقوم البرلمان بترشيح رئيس الدولة ثم يقرر الناخبون ترشيحه فى هيئة استفتاء عام، كما كان عليه هو الحال فى مصر قبل تعديل المادة 76 من الدستور المصري في 2005 .

2. إن أساس فكرة إقامة نظام سياسي يعتمد على مبدأ الفصل بين السلطات وهو النظام الرئاسي كانت أفكار لوك إذ وجد أنه في عام1688 وهو عام الثورة في إنجلترا وإعلان وثيقة الحقوق BiII of Rights أن القضاة كانوا قابلين للعزل في وقت كانوا فيه خاضعين لسلطة الملك يتصرفون حسب ما يوصي إليهم به، وكانت الأمور تسير على أساس التنكيل بخصوم الملك وتبرئة أنصاره، وبالرغم من تغير وضع القضاة بعد الثورة إذ أصبحوا غير قابلين للعزل إلا بقرار من البرلمان إلا إن هذا التغير في الوضع لم يضمن لهم الاستقلال الكامل في قضائهم والحياد والنزاهة في إحكامهم لأنهم كانوا خاضعين ومتأثرين باتجاهات وميول حزب الأغلبية في البرلمان، (عبد الحميد متولي،1961، 112) ، وهذا ما دفع لوك إلى إدراج القضاء بين سلطات الدولة التنفيذية وعدم اعتباره سلطة مستقلة، لكننا نلاحظ أن القضاء أصبح بمضي الزمن سلطة مستقلة لها ضماناتها وحقوقها. (رايموند كيتل،1960، 285 وما بعدها). وبمرور الزمن استطاع الرئيس الأمريكي الاستئثار بالعديد من السلطات والصلاحيات مما أدى إلى رجحان كفة الرئيس باعتباره مرشح الأمة وممثل الشعب بأكمله وكذلك من خلال السلطات الممنوحة له من قبل البرلمان "الكونجرس" نفسه فالصلاحيات المالية التي يتمتع بها الرئيس قد فوضت إليه وفقاً للقوانين التي صدرت بخصوص الميزانية والحساب الختامي في عام1921. (رايموند كيتل،1960، 251 ) ، وبتوالي الأحداث وانتشار النموذج الأمريكي في الحكم والديمقراطية الأمريكية أدى ذلك إلى محاولة العديد من دول العالم نقل النموذج الأمريكي.

أعداد : أ.د.محمد حسين
منق

hadia369
2011-08-27, 09:24
بن عكنون في 3 أكتوبر2007 دستوري
عتبر قانون العقوبات كدستور للحريات حلل و ناقش ذلك على ضوء الأحكام المتعلقة بالإستدلال والتحقيق ؟؟

بن عكنون :2004 كيف النظام الدستوري الجزائري؟

بن عكنون في 3 أكتوبر2007 / دستوري
السؤال:يعتبر قانون العقوبات كدستور للحريات حلل و ناقش ذلك على ضوء الأحكام المتعلقة بالإستدلال والتحقيق ؟؟

ببن عكنون 2008
السؤال الرئيسي :
ما رايك في التعديل الدستوري الاخير ؟
الأسئلة الأحتياطية:
- علق على المادة 16 من الدستور *اداري *
- تكلم عن المادة 143 من الدستور *منازعات ادرية*
ببن عكنون 2009
المسؤولية السياسية للحكومة في ظل التعديلات الاخيرة
الدستوري باتنة 2009

انّ أهمية الدستور وكفالته لحقوق الأفراد وحرياتهم لا تكمن في وجوده فقط *
بقدر ما تتجسد عمليا في احترام نصوصه من طرف مؤسسات الدولة و الحيلولة دون انتهاك أحكامه... حلل و ناقش
واسئلة المؤسسات الدستورية ***** رغم تعدد مظاهر الرقابة المتبادلة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية * لأتزال هيمنة السلطة التنفيذية على التشريعية باديةعلى النظام السياسي الجزائري # ممّ يطرح اشكالية تصنيفه .. حلل وناقش
سؤال :
تعدّ عملية تعديل الوثيقة الدستورية من التدابير التي تجعلها تتماشى مع التطوّرات و الطموحات في المجتمع ، غير أنّ العملية تحكمها ضوابط محدّدة بنصّ الدستور .
حلّل هذه العبارة في ضوء أحكام الدستور الجزائري الحالي .


مسابقة ماجستير ورقله 2008 حقوق
التداول على السلطة في الجزائر - حلل وناقش

قانون الدستوري

1- بسكرة 2007: صور الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة في ظل التعديل الدستوري الجزائري لسنة 1996.


2- الجزائر 2007 : يعتبر قانون العقوبات كدستور للحريات حلل و ناقش ذلك على ضوء الأحكام المتعلقة بالإستدلال والتحقيق ؟؟
تلمسان - 2009


س : تٌعدّ عملية تعديل الوثيقة الدستورية من التدابير التي تجعلها تتماشى مع التطوّرات و الطموحات في المجتمع ، غير أنّ هذه العملية تحكمها ضوابط محدّدة بنصّ الدستور . 1- القانون الدستوري
حلّل هذه العبارة في ضوء أحكام الدستور الجزائري الحالي .


الدستوري بلعباس

إن إختلاف الأنظمة الدستورية في إعتمادها لمبدأ الفصل بين السلطات بين الشدة والمرونة يؤثر على تحديد العلاقة بين البرلمان والسلطة التنفيذية.
حدد على ضوء هذا الإختلاف طبيعة النظام الدستوري الجزائري منخلال العلاقة بين البرلمان والسلطة التنفيذية في ظل دستور 1996



الدستوري باتنة اليوم2009

الدستوري /انّ أهمية الدستور وكفالته لحقوق الأفراد وحرياتهم لا تكمن في وجوده فقط * بقدر ما تتجسد عمليا في احترام نصوصه من طرف مؤسسات الدولة و الحيلولة دون انتهاك أحكامه... حلل و ناقش واسئلة المؤسسات الدستورية ***** رغم تعدد مظاهر الرقابة المتبادلة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية * لأتزال هيمنة السلطة التنفيذية على التشريعية باديةعلى النظام السياسي الجزائري # ممّ يطرح اشكالية تصنيفه .. حلل وناقش

hadia369
2011-08-27, 09:25
أتمني من الأعصاء التفاعل والأجابة علي الأسلة

MINA24000
2011-08-28, 17:39
جزاك الله كل خير hadia369 و اتمنى ان تدكري اسم او صاحب المراجع لعرضتيهم قي صفحة الاداري و الدستوري كي لا نشتري نفس المرجع. شكرا

hadia369
2011-08-28, 17:52
جزاك الله كل خير hadia369 و اتمنى ان تدكري اسم او صاحب المراجع لعرضتيهم قي صفحة الاداري و الدستوري كي لا نشتري نفس المرجع. شكرا
المقالات هي عبارة عن عدة مراجع في الدستوري اما المرجع المعتمد هو الدكتور ناصر لباد في الأداري

MINA24000
2011-08-28, 22:44
ok merci allah y3awwnek

سعد انس
2011-08-31, 07:56
بالنسبة لفرع التنظيم الاداري يرى بعض الاساتذة ان المقاييس التي يمكن ان يمتحن فيها الطلبة هي القانون الاداري بوجه عام ,المنازعات الادارية و

MINA24000
2011-08-31, 11:11
ادا قلنا قانون اداري بشكل عام يعني يدخل حتى النشاط الاداري? وعلاه مالا حاطين تنظيم اداري يعني محدد

hadia369
2011-08-31, 13:56
ادا قلنا قانون اداري بشكل عام يعني يدخل حتى النشاط الاداري? وعلاه مالا حاطين تنظيم اداري يعني محدد
نعم حتي النشاط الداري يدخل ضمن القانون الأداري والنشاط الأداري هو من ضمنه المرفق العام والضبط الداري والقرار الأدري والعقد الأدري
والتنظيم الأداري هو يتمثل في اساسيات التنظيم الأداري في
أولا:الشخصية المنوية
ثانيا :المركزية واللأمركزية بصفة عامة
ثالثا:البلدية والولاية وهذا يعني الأدراة المحلية
رابعا: وهو دراسة التنظيم الأداري في الجزائر من المركزية واللألمركزية وبلديةو وولاية
وأليكي هذه الخجطة حتي يتسني لك الفهم
خطـة العمـل
- المقـدمـة
الفصـل الأول: مدخل عام لدراسة القانون الإداري.
المبحث الأول: تعريف القانون الإداري
أ - مدلول الإدارة.
ب- الترابط والعلاقة بين علم الإدارة والقانون الإداري.
ج- معايير القانون الإداري.
1. المعيار الشكلي أو المعيار العضوي.
2. المعيار الوظيفي أو معيار النشاط.
3. المفاصلة بين المعيارين.
د- المدلول الضيق والمدلول الواسع للقانون الإداري.
المبحث الثانـي: أصول القانون الإداري وخصائصه العامة
1. مبدأ المشروعية وخضوع الإدارة للقانون.
2. النظام الإداري.
3. نشأة القانون الإداري في فرنسا.
المرحلة1: مرحلة التغيير الثوري لمبدأ الفصل بين السلطات
المرحلة2: مرحلة صدور قانون 16/24/أوت/1790
المرحلة3: مرحلة الإدارة
المرحلة4: نشأة مجلس الدولة ومجلس الأقاليم
المرحلة5: قانون 24ماي 1872
المرحلة6: الازدواج القضائي والازدواج القانوني
4. القانون الإداري في مصر
i- العلاقة بين وجود القانون الإداري ووجود المحاكم الإدارية
المرحلة الأولى: قبل إنشاء مجلس الدولة 1946
المرحلة الثانية: بعد إنشاء مجلس الدولة 1946
ii- الموافقة أو الموائمة بين حاجات وحقوق الأفراد ومصالح الإدارة
- الخصائص العامة ومميزات القانون الإداري
1. الخصائص العامة للقانون الإداري
الخاصية1: حديث النشأة
الخاصية2: غير مقنن
الخاصية3: قانون قضائي
الخاصية4: القانون الإداري يتميز بالمرونة والقابلية للتطور السريع
أ - تطور القانون الإداري من حيث اتساع مجالاته.
ب - تطور القانون الإداري من حيث مضمون قواعده.
الخاصية5: أصالة القانون الإداري واستقلاله
2. الطبيعة الذاتية لقواعد القانون الإداري.
3. مظاهر السلطة العامة للقانون الإداري.
4. تبرير وأساس وجود قانون إداري مستقل
1- في مجال المسؤولية الإدارية.
2- في مجال العقود الإدارية.
أ- دور المرفق العام في بناء النظرية العقدية الإدارية المستقلة.
ب- السلطة العامة وأثرها في بناء نظرية العقد الإداري.
ج- تغير الظروف وأثرها في أحكام العقود الإدارية.
د- الأموال العامة.
المحور الأول: ضرورة الإبقاء على القانون الإداري المستقل.
المحور الثانـي: مصادر القانون الإداري
1 - المصادر الرسمية (المكتوبة).
2 - المصادر غير الرسمية (غير مكتوبة، المصادر التفسيرية).
المحور الثالث: أساس ونطاق تطبيق القانون الإداري
*الزاوية 1: أهمية الدراسة.
*الزاوية 2: المعايير أو الضوابط المختلفة لتحديد مجال القانون الإداري.
*الزاوية 3: العلاقة بين أساس والقانون الإداري ومعياره ومعيار الاختصاص أكثر دقة من الزوايا الأخرى
أ- تطور المعايير في فرنسا.
ب- مدرسة المرفق العام.
ج- المعيار الحديث للقانون الإداري.
د – المعايير المقترحة والحلول البديلة لمعيار المرفق العام.
الفصـل الثانـي:التنظيم الإداري والأشخاص الإدارية:
المبحث الأول: التنظيم الإداري والنظام الإداري
- الأشخاص الإدارية والمؤسسات الإدارية
1/ الشخصية المعنوية في القانون العام.
2/ ما هي الشخصية المعنوية.
3/ أنواع الأشخاص الاعتبارية.

المبحث الثانـي: أساليب التنظيم الإداري
-1- المركزية الإدارية.
-2- اللامركزية الإدارية.
-3- الرقابة الوصائية على أعمال الهيئات اللامركزية.
المبحث الثالـث: التنظيم الإداري في الجزائر
-1- لمحة تاريخية عن التنظيم الإداري الجزائري.
-2- الإدارة المركزية.
-3- الإدارة المحلية التنظيم الإداري للبلدية
التنظيم الإداري للولاية
-4- النظام الانتخابي الجزائري.
المبحث الرابع: النشاط الإداري
-1- الضبط الإداري.
-2- المرفق العام.
-3- القرارات الإدارية.
-4- العقود الإدارية
واي سؤال ان في الخدمة

hadia369
2011-08-31, 14:00
بالنسبة لفرع التنظيم الاداري يرى بعض الاساتذة ان المقاييس التي يمكن ان يمتحن فيها الطلبة هي القانون الاداري بوجه عام ,المنازعات الادارية و

القانون الأداري هو يحتوي التنظيم الأداري والمنازعات الأدارية لكن يبقي مقياس المنازاعت الدارية يمثل القضاء الأداري

aissa2008
2011-08-31, 15:05
السلام عليكم

ما هي المراجع المعتمدة في القانون الدستوري

انا ساعتمد على كتاب الدكتور ديدان مولود والدكتور بوشعير الجزء 1

اضافة الى نصوص الدستور المعدلة ؟؟

بالتوفيق اختي هادية369

اخوك علي لجزائري

hadia369
2011-09-01, 21:55
السلام عليكم

ما هي المراجع المعتمدة في القانون الدستوري

انا ساعتمد على كتاب الدكتور ديدان مولود والدكتور بوشعير الجزء 1

اضافة الى نصوص الدستور المعدلة ؟؟

بالتوفيق اختي هادية369

اخوك علي لجزائري

وهما من أحسن المراجع وهنالك مراجع كثيرة لامين شريط وفوزي أوصديق لكني انا سأعتمد علي موضوع مذكرتي لأنها تحوي كل شيء علي الدستور وعلجت فيها القانون الدستوري من تأسيسه الي غاية تعديله 2008وعنوان مذكرتب الحماية الدستورية لحقوق الأنسان في النظام القانوني الجزائري والك ربطها
http://www.4shared.com/get/obG6blgL/0CE21.html
اتمني ان تفيدك

اليامين 23
2011-09-03, 01:12
السلام عليكم هل بإمكانكم توصيلنا بالرابط الذي يحدد إختصاصات مسابقة الماجيستير بجلمعة خنشلة
بالتوفيق

hadia369
2011-09-03, 02:11
السلام عليكم هل بإمكانكم توصيلنا بالرابط الذي يحدد إختصاصات مسابقة الماجيستير بجلمعة خنشلة
بالتوفيق

لام الله عليكم
مجستار جامعة خنشلة يتمثل في العوم الجنائية والقنون الدستوري


للتحميل :

http://www.mediafire.com/file/xdblaa...20Bilal%20.rar

manouchebsm
2011-09-03, 08:46
ربي ينورك اختي هادية حبيت نسقسيك في لية جامعة ان شاء الله راكي رايحة تعقبي

shoukri2010
2011-09-03, 10:24
السلام عليكم
واضح اختي هادية انك كجتهدة و قد رأيت مذكرة التخرج مجهود جبارو رائع أرجو أن نتواصل لأنني سوف أدخل دستوري و حقوق الانسان لذا نحتاجك مهنا في المنتدى بارك الله فيك

hadia369
2011-09-03, 11:19
ربي ينورك اختي هادية حبيت نسقسيك في لية جامعة ان شاء الله راكي رايحة تعقبي

سلام الله عليكي
ان شاء اللله في جامعة بسكرة خنشلة وياتنة

hadia369
2011-09-03, 11:20
السلام عليكم
واضح اختي هادية انك كجتهدة و قد رأيت مذكرة التخرج مجهود جبارو رائع أرجو أن نتواصل لأنني سوف أدخل دستوري و حقوق الانسان لذا نحتاجك مهنا في المنتدى بارك الله فيك

وعليكم السلام
انا دائما في خدمتكم و تواصلكم

"راجية الجنة"
2011-09-03, 11:25
نعم حتي النشاط الداري يدخل ضمن القانون الأداري والنشاط الأداري هو من ضمنه المرفق العام والضبط الداري والقرار الأدري والعقد الأدري
والتنظيم الأداري هو يتمثل في اساسيات التنظيم الأداري في
أولا:الشخصية المنوية
ثانيا :المركزية واللأمركزية بصفة عامة
ثالثا:البلدية والولاية وهذا يعني الأدراة المحلية
رابعا: وهو دراسة التنظيم الأداري في الجزائر من المركزية واللألمركزية وبلديةو وولاية
وأليكي هذه الخجطة حتي يتسني لك الفهم
خطـة العمـل
- المقـدمـة
الفصـل الأول: مدخل عام لدراسة القانون الإداري.
المبحث الأول: تعريف القانون الإداري
أ - مدلول الإدارة.
ب- الترابط والعلاقة بين علم الإدارة والقانون الإداري.
ج- معايير القانون الإداري.
1. المعيار الشكلي أو المعيار العضوي.
2. المعيار الوظيفي أو معيار النشاط.
3. المفاصلة بين المعيارين.
د- المدلول الضيق والمدلول الواسع للقانون الإداري.
المبحث الثانـي: أصول القانون الإداري وخصائصه العامة
1. مبدأ المشروعية وخضوع الإدارة للقانون.
2. النظام الإداري.
3. نشأة القانون الإداري في فرنسا.
المرحلة1: مرحلة التغيير الثوري لمبدأ الفصل بين السلطات
المرحلة2: مرحلة صدور قانون 16/24/أوت/1790
المرحلة3: مرحلة الإدارة
المرحلة4: نشأة مجلس الدولة ومجلس الأقاليم
المرحلة5: قانون 24ماي 1872
المرحلة6: الازدواج القضائي والازدواج القانوني
4. القانون الإداري في مصر
i- العلاقة بين وجود القانون الإداري ووجود المحاكم الإدارية
المرحلة الأولى: قبل إنشاء مجلس الدولة 1946
المرحلة الثانية: بعد إنشاء مجلس الدولة 1946
ii- الموافقة أو الموائمة بين حاجات وحقوق الأفراد ومصالح الإدارة
- الخصائص العامة ومميزات القانون الإداري
1. الخصائص العامة للقانون الإداري
الخاصية1: حديث النشأة
الخاصية2: غير مقنن
الخاصية3: قانون قضائي
الخاصية4: القانون الإداري يتميز بالمرونة والقابلية للتطور السريع
أ - تطور القانون الإداري من حيث اتساع مجالاته.
ب - تطور القانون الإداري من حيث مضمون قواعده.
الخاصية5: أصالة القانون الإداري واستقلاله
2. الطبيعة الذاتية لقواعد القانون الإداري.
3. مظاهر السلطة العامة للقانون الإداري.
4. تبرير وأساس وجود قانون إداري مستقل
1- في مجال المسؤولية الإدارية.
2- في مجال العقود الإدارية.
أ- دور المرفق العام في بناء النظرية العقدية الإدارية المستقلة.
ب- السلطة العامة وأثرها في بناء نظرية العقد الإداري.
ج- تغير الظروف وأثرها في أحكام العقود الإدارية.
د- الأموال العامة.
المحور الأول: ضرورة الإبقاء على القانون الإداري المستقل.
المحور الثانـي: مصادر القانون الإداري
1 - المصادر الرسمية (المكتوبة).
2 - المصادر غير الرسمية (غير مكتوبة، المصادر التفسيرية).
المحور الثالث: أساس ونطاق تطبيق القانون الإداري
*الزاوية 1: أهمية الدراسة.
*الزاوية 2: المعايير أو الضوابط المختلفة لتحديد مجال القانون الإداري.
*الزاوية 3: العلاقة بين أساس والقانون الإداري ومعياره ومعيار الاختصاص أكثر دقة من الزوايا الأخرى
أ- تطور المعايير في فرنسا.
ب- مدرسة المرفق العام.
ج- المعيار الحديث للقانون الإداري.
د – المعايير المقترحة والحلول البديلة لمعيار المرفق العام.
الفصـل الثانـي:التنظيم الإداري والأشخاص الإدارية:
المبحث الأول: التنظيم الإداري والنظام الإداري
- الأشخاص الإدارية والمؤسسات الإدارية
1/ الشخصية المعنوية في القانون العام.
2/ ما هي الشخصية المعنوية.
3/ أنواع الأشخاص الاعتبارية.

المبحث الثانـي: أساليب التنظيم الإداري
-1- المركزية الإدارية.
-2- اللامركزية الإدارية.
-3- الرقابة الوصائية على أعمال الهيئات اللامركزية.
المبحث الثالـث: التنظيم الإداري في الجزائر
-1- لمحة تاريخية عن التنظيم الإداري الجزائري.
-2- الإدارة المركزية.
-3- الإدارة المحلية التنظيم الإداري للبلدية
التنظيم الإداري للولاية
-4- النظام الانتخابي الجزائري.
المبحث الرابع: النشاط الإداري
-1- الضبط الإداري.
-2- المرفق العام.
-3- القرارات الإدارية.
-4- العقود الإدارية
واي سؤال ان في الخدمة


ييعطيك الصحة اختي طريقة عمل ماعندي منقول فيها

ولكن فيه محاور معنديش في الكتب الي عندي مثل لمحة تاريخية عن التنظيم الاداري في الجزائر

hadia369
2011-09-03, 14:17
[QUOTE="راجية الجنة";7150973][b]ييعطيك الصحة اختي طريقة عمل ماعندي منقول فيها

ولكن فيه محاور معنديش في الكتب الي عندي مثل لمحة تاريخية عن التنظيم
هذا الرابط فيه ماتحتجنه بإذن الله
http://www.4shared.com/dir/8615838/d8f0d432/_sharing.html
اتمني ان يفيدك واتمني لكي النجاح ولكل مجتهد نصيب

sofianove
2011-09-04, 12:19
شكر خاص للاخت هادية، نتمنى ان يقتاد الجميع بعملها، وللعلم انا ايضا سادخل الجامعات التي تنظم الماجستير في الدستوري والاداري

sofianove
2011-09-04, 12:36
وبالمناسبة لقد اطلعت على المذكرة التي في حقيقة فيها مجهود تشكرين عليه لكن بالنسبة للتعديل الدستوري سنة 2008 وهو المهم اكتفيتي بذكر المواد ولم تناقشيها وهذا هو المهم بالنسبة الينا كطلبة قانون لأن كلنا لدينا معلومات كافية، لكن كيفية التعامل مع النص القانوني وطرح المسائل التي يتضمنها النص، أظنه امر اكثر من مهم وعلى كل انت مشكورة على ذلك وللتذكر لقد تم المصاقة على قانون الانتخابات الجديد وفيه الكثير من النصوص والمسائل القانونية ذات ابعاد قانونية لها علاقة بالنظام السياسي في البلاد وكذا المؤسسات الدستورية وشكررررررررا

ندى الرحمن
2011-09-04, 15:22
السلام عليكم
هل هناك شروط بالنسبة لجامعة خنشلة و باتنة
ارجو الرد في اقرب فرصة
و شكرا جزيلا

ندى الرحمن
2011-09-04, 16:17
1-ما مدى إعتبار الإعتراف الدولي ركنا من أركان قيان الدولة ؟
.................................................. .........................
2-ماالفرق بين الدستور والقانون الدستوري؟
.................................................. .........................
3-مالفرق بين السلطة والسيادة ؟
.................................................. .........................
4-هل اللامركزية الإدارية واللامركزية السياسية من خصائص الدولة الموحدة ؟
...........................................

ندى الرحمن
2011-09-04, 16:18
1-ماهي النتائج المترتبة على الشخصية المعنوية للدولة؟
2-ماهو الفرق بين العرف الدستوري المفسر والعرف الدستوري المكمل؟
3- ماهي مميزات الدعوى الأصلية في الرقابة القضائية علي دستورية القوانين؟
4-ماهي عيوب الرقابة القضائية علي دستورية القوانين؟
5-ماهي مجالات الرقابة الإجبارية للمجلس الدستوري فيدستور 1996الجزائري؟
6-لمن تعود صلاحية إخطار المجلس الدستوري في دستور1996الجزائري؟
7-أذكر حجتين من حجج المؤيدين للإنتخاب المباشر؟
8-صنف الأحزاب السياسية من حيث المكانة التي تحتلها في النظان السياسي للدولة؟
9-ماهي أنوع الأنظمة الحزبية؟
10-ماهي تشكيلة المجلس الدستوري الجزائري

maouia
2011-09-04, 17:30
1-ماهي النتائج المترتبة على الشخصية المعنوية للدولة؟
2-ماهو الفرق بين العرف الدستوري المفسر والعرف الدستوري المكمل؟
3- ماهي مميزات الدعوى الأصلية في الرقابة القضائية علي دستورية القوانين؟
4-ماهي عيوب الرقابة القضائية علي دستورية القوانين؟
5-ماهي مجالات الرقابة الإجبارية للمجلس الدستوري فيدستور 1996الجزائري؟
6-لمن تعود صلاحية إخطار المجلس الدستوري في دستور1996الجزائري؟
7-أذكر حجتين من حجج المؤيدين للإنتخاب المباشر؟
8-صنف الأحزاب السياسية من حيث المكانة التي تحتلها في النظان السياسي للدولة؟
9-ماهي أنوع الأنظمة الحزبية؟
10-ماهي تشكيلة المجلس الدستوري الجزائري

شكرا اخي و الله مواضيع قيمة للنقاش و خصوصا موضوع الاحزاب السياسية و الاعتراف في القانون الدولي
و ايضا اريد ان اضيف الفرق بين الحصانة الدبلوماسية و الحماية الديلوماسية
شكرا و ربي ينجحك ونساءلك الدعاء
طيب الله اوقاتم

ندى الرحمن
2011-09-04, 17:38
ارجوك اخي الكريم الاجابة على اسئلتي اذا كان لك علم بذلك فيما يخص شروط مسابقة الماجيستر بالنسبة لجامعة خنشلة وباتنة

manouchebsm
2011-09-05, 07:35
اليك الرابط اختي ندى الخاص بجامعة باتنة http://http://ub3.univ-batna.dz/images/pdf/concours/concours-magistere-2011.pdf

manouchebsm
2011-09-05, 07:37
http://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=703643

hadia369
2011-09-05, 18:48
وبالمناسبة لقد اطلعت على المذكرة التي في حقيقة فيها مجهود تشكرين عليه لكن بالنسبة للتعديل الدستوري سنة 2008 وهو المهم اكتفيتي بذكر المواد ولم تناقشيها وهذا هو المهم بالنسبة الينا كطلبة قانون لأن كلنا لدينا معلومات كافية، لكن كيفية التعامل مع النص القانوني وطرح المسائل التي يتضمنها النص، أظنه امر اكثر من مهم وعلى كل انت مشكورة على ذلك وللتذكر لقد تم المصاقة على قانون الانتخابات الجديد وفيه الكثير من النصوص والمسائل القانونية ذات ابعاد قانونية لها علاقة بالنظام السياسي في البلاد وكذا المؤسسات الدستورية وشكررررررررا

شكرا لك اخي والمذكرة لقد اجتهدت فيها لمدة شهرين ووخدي ولم يكن لذي الوقت الكافي للباحث لأني اعتمدتها بجهدي الخاص ولم اتلقي مساعدة لامن الأستاذ المأطر ولا من زملائ لذا تجد فيها بعض النقص
وشكرا

hadia369
2011-09-05, 18:49
http://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=703643

لك الف شكر اخي

hadia369
2011-09-05, 18:51
ارجوك اخي الكريم الاجابة على اسئلتي اذا كان لك علم بذلك فيما يخص شروط مسابقة الماجيستر بالنسبة لجامعة خنشلة وباتنة

مجستار خنشلة لحد الساعة لم يعلن عنه واي جديد سأوفك به

sofianove
2011-09-06, 11:02
سلام الاخت هادية، لا اقلل ابدا من قيمة مذكرتك فقد حملتها واخذت منها الكثيرمن المعلومات ، لكن فقط قلت قد يكون عندك مناقشة تلك المواد فقد حتى نستفيد منها.............شكرا

hadia369
2011-09-06, 16:29
سلام الاخت هادية، لا اقلل ابدا من قيمة مذكرتك فقد حملتها واخذت منها الكثيرمن المعلومات ، لكن فقط قلت قد يكون عندك مناقشة تلك المواد فقد حتى نستفيد منها.............شكرا

سلام الله عليك اخي
انا لم افمهك بالخاطئ اخي فأنا فهمت قصدك وانما وضحت سبب عدم الشرح الكافي للمواد وشكر لك مرة اخري واي سؤال انا في الخدمة

hadia369
2011-09-06, 21:05
كل ما يتعلق بالقانون الدستوري (السنة الأولى حقوق)


كل ما يتعلق بالقانون الدستوري (السنة الأولى حقوق)

العناوين متسلسلة مع ترتيب الروابط
يعني العنوان الأول مع الرابط الأول


Constitution-Algieria.doc 194 KB ................ 2007-11-19 193
أدوات الرقابة البرلمانية فى النظم السياسية.doc 72 KB ................ 2008-05-18 124
أساليب نشأة الدساتر-بحث.rar 335 KB File 2008-01-08 225
أساليب نشأة الدساتير.rar 158 KB File 2007-10-31 312
أسباب الطعن بعدم الدستورية.rar 60 KB File 2008-04-25 113
أنظمة الحكم السياسية.rar 737 KB File 2008-02-22 234
الأنظمة السياسية.doc 74 KB ................ 2008-04-25 110
التنظيم الدستوري للحقوق والحريات العامة.rar 1,857 KB File 2007-12-03 307
الحصانة البرلمانية.doc 90 KB ................ 2008-05-10 74
الحماية الدستورية للحقوق والحريات الاساسية.zip 305 KB ZIP File 2008-03-24 170
الدستور و الرقابة على دستورية القوانين.doc 61 KB ................ 2008-05-04 126
الدستور.pdf 236 KB File 2008-02-07 188
الرقابة السياسية والقضائية على دستورية القوانين.doc 36 KB ................ 2008-05-12 121
الرقابة علي دستورية القوانين في الولايات المتحدة الأمريكية.doc 39 KB ................ 2008-05-12 54
الطبيعة القانونية لقواعد القانون الدستوري.rar 22 KB File 2008-06-29 103
العرف الدستوري بين النظرية والتطبيق.pdf 961 KB File 2007-10-29 175
الفرق بين النظام الرئاسي والنظام البرلماني.doc 76 KB ................ 2008-04-25 106
الفصل بين السلطات في النظام القانوني الجزائري.rar 137 KB File 2007-11-04 353
القانون الدستوري لطلبة السنة الأولى حقوق.rar 23,262 KB File 2007-11-04 396
القانون الدستوري والمؤسسات السياسية_محمد شفيق صرصارمن تونس.pdf 1,225 KB File 2008-06-19 61
القانون الدستوري_ميرة.rar 127 KB File 2007-10-29 233
المبادرة بالقوانين بين المجلس الشعبي الوطني والحكومة.pdf 218 KB File 2007-11-12 139
المجلس الدستوري.rar 125 KB File 2008-03-16 119
النظام البرلماني والنظام الرئاسي.pdf 129 KB File 2008-02-26 186
النظام الديمقراطي ومفهوم سـيـادة الـقـانـون.doc 48 KB ................ 2008-06-24 62
النظام الرئاسي.pdf 127 KB File 2008-02-26 131
النظام شبه الرئاسي.pdf 249 KB File 2008-02-26 109
النظام شبه الرئاسي.rar 280 KB File 2008-02-21 100
بحث حول _ النظام البرلماني.pdf 132 KB File 2008-06-17 51
بحث حول _ النظام الرئاسي.pdf 135 KB File 2008-06-17 35
بحث حول _ مذهب أستن.pdf 134 KB File 2008-06-17 24
بحث حول النظام الرئاسي.doc 95 KB ................ 2008-06-19 28
بحث نشأة الدساتير و مسارها.doc 82 KB ................ 2007-12-24 142
تعديل دستور 1996 مقارنة 1989.rar 180 KB File 2008-03-28 146
تعـريف الدولـــة وأركانها.doc 85 KB ................ 2008-05-24 63
دستور 1963.pdf 109 KB File 2008-05-10 43
دستور 1976.pdf 179 KB File 2008-05-10 30
دستور 1989.pdf 153 KB File 2008-05-10 33
دستور الجزائر 1963.doc 108 KB ................ 2008-03-16 55
رقابة الامتناع على دستورية القوانين و موقف القضاء الاردني.rar 197 KB File 2007-11-03 79
صياغة دستور العراق الجديد.doc 233 KB ................ 2008-03-16 34
فكرة عامة عن نشأة و تطور التجربة البرلمانية الجزائرية.doc 28 KB ................ 2008-05-11 60
قانون دستوري.rar 174 KB File 2008-02-18 162
لطلاب السنة الأولى حقوق في مقياس القانون الدستوري.pdf 249 KB File 2008-01-24 358
ماهية القانون الدستوري.doc 66 KB ................ 2008-05-11 53
ماهية القانون الدستوري.pdf 55 KB File 2008-02-07 159
مبادئ القضاء الدستوري.rar 66 KB File 2008-03-17 82
مبدأ سمو الدستور ونظرية الضرورة في الأوقات العصيبة للدولة.pdf 159 KB File 2008-06-19 64
ملخص عن بعض جوانب الدولة.doc 147 KB ................ 2008-05-25 48
مهام تنظيم و سير الامانة العامة للحكومة.doc 162 KB ................ 2008-04-07 56
نظام الغرفتين النشأة والتطور.rar 74 KB File 2007-11-04 243



http://www.4shared.com/file/29763274...-Algieria.html
http://www.4shared.com/file/48037877...25d/_____.html
http://www.4shared.com/file/34215013/ec5eb9f7/__-.html
http://www.4shared.com/file/27915160...___online.html
http://www.4shared.com/file/45339996/cc4c12f/___.html
http://www.4shared.com/file/38601276...___online.html
http://www.4shared.com/file/45339195.../__online.html
http://www.4shared.com/file/31047166/afae78df/____.html
http://www.4shared.com/file/47091614.../__online.html
http://www.4shared.com/file/41778266/a5eb95a1/____.html
http://www.4shared.com/file/46386617...756/_____.html
http://www.4shared.com/file/37110797...2/_online.html
http://www.4shared.com/file/47329895...23b/_____.html
http://www.4shared.com/file/47329896...1/_______.html
http://www.4shared.com/file/53164055/ee912714/____.html
http://www.4shared.com/file/27761826/29c78ff4/____.html
http://www.4shared.com/file/45339200...0b2/_____.html
http://www.4shared.com/file/28280434...a3/______.html
http://www.4shared.com/file/28264273...b80/_____.html
http://www.4shared.com/file/51976038...0/_______.html
http://www.4shared.com/file/27707019...___online.html
http://www.4shared.com/file/29050128...2c/______.html
http://www.4shared.com/file/40951476.../__online.html
http://www.4shared.com/file/38974317/73eecbc5/___.html
http://www.4shared.com/file/52556079/55ef244/____.html
http://www.4shared.com/file/38974314.../__online.html
http://www.4shared.com/file/38974315...___online.html
http://www.4shared.com/file/38512910...___online.html
http://www.4shared.com/file/51702131...6f4/_____.html
http://www.4shared.com/file/51702322...261/_____.html
http://www.4shared.com/file/51702426...0fd/_____.html
http://www.4shared.com/file/51976037/ba6093c1/___.html
http://www.4shared.com/file/32935914/e3c8142/____.html
http://www.4shared.com/file/42268343...996__1989.html
http://www.4shared.com/file/48748466...___online.html
http://www.4shared.com/file/47080601...5e4/_1963.html
http://www.4shared.com/file/47080600...572/_1976.html
http://www.4shared.com/file/47080599...8c6/_1989.html
http://www.4shared.com/file/40951535...f5/__1963.html
http://www.4shared.com/file/28178300.../________.html
http://www.4shared.com/file/40951533/360cf5c0/___.html
http://www.4shared.com/file/47175701.../________.html
http://www.4shared.com/file/38163760.../__online.html
http://www.4shared.com/file/35765161...c/_______.html
http://www.4shared.com/file/47175700...___online.html
http://www.4shared.com/file/37110798...___online.html
http://www.4shared.com/file/41048258...___online.html
http://www.4shared.com/file/51976672.../________.html
http://www.4shared.com/file/48850137/766763a2/____.html
http://www.4shared.com/file/43302733...cb/______.html
http://www.4shared.com/file/28280487/c3c96d2/___.html

عن المكتبة القانونية.
منقول للفائدة

manouchebsm
2011-09-06, 23:00
بارك الله فيك على المجهود لكن معظم الروابط لا تعمل اسمحلي اختي

saliha369
2011-09-07, 00:34
بعد التحية والسلام
اطلب منك طريقة المنهجية في المجستار مع نموذج الأجابة وشكرا

sofianove
2011-09-07, 09:36
شكرا لك الاخت هادية

chahrazed-m
2011-09-07, 14:09
شكرا للمعلومات هنا

فقط اردت الاستفسار عن ماجستير خنشلة في الدستوري هل اعلن عنه ام ليس بعد؟

hadia369
2011-09-07, 16:29
شكرا للمعلومات هنا

فقط اردت الاستفسار عن ماجستير خنشلة في الدستوري هل اعلن عنه ام ليس بعد؟

لحد الساعة لم يعلن عنه

chahrazed-m
2011-09-09, 15:00
شكرا اختي
ربي يوفق الجميع

hadia369
2011-09-20, 17:35
ضمانات احترام القواعد الدستورية

تمهيد
من المبادئ المسلم بها في النظم الديمقراطية أن يمثل الدستور الوثيقة القانونية العليا واجبة الاحترام من السلطات الأساسية الثلاث في الدولة. بحكم إن الدستور يتضمن المبادئ القانونية التي تتعلق بشكل الدولة ونظام الحكم فيها وعلاقته بالمواطنين وينظم السلطات العامة في الدولة وحقوق وحريات الأفراد ويعد الدستور أعلى التشريعات في الدولة ويقع في قمة الهرم القانوني ويسمو على القواعد القانونية الأخرى جميعا. مما ينبغي إن تلتزم سلطات الدولة جميعها بالتقيد بأحكامه وإلا عدت تصرفاتها غير مشروعة. فالسلطة التنفيذية تلتزم بقواعد الدستور ولا يحق لها مخالفتها في أعمالها إذ إن ذلك يعرض أعمالها للإلغاء والتعويض عما تسببه من ضرر. كما إن السلطة التشريعية ممثلة بالبرلمان تتقيد هي الأخرى بأن تحترم تشريعاتها القواعد الدستورية وإلا كانت عرضه للإلغاء استنادا إلى مخالفتها لمبدأ المشروعية. ومن الجدير بالذكر في هذا المجال إن نؤكد انه ليس المهم إن يسجل الدستور المبادئ العامة التي تحكم السلطات الأساسية في الدولة. إنما يجب العمل على كفالة احترام الدستور وتقدير الضمانات التي إلى تعزيز هذا الاحترام .
مضمون القواعد الدستورية
يختلف محتوى الدستور من دولة إلى أخرى حسب التنظيمات الدستورية السائدة فيها لذلك ليس من السهولة التحديد الدقيق لما يحتويه الدستور غير إن الخطوط الرئيسية المجمع عليها من فقهاء القانون الدستوري تقوم على تقسيم القواعد الدستورية إلى جزئين: يتعلق الجزء الأول منها بدراسة القواعد المنظمة لممارسة السلطة. أما الجزء الثاني فيتعلق بدراسة الحقوق والحريات.
أولا: القواعد المنظمة لممارسة السلطة
يتضمن الدستور القواعد التي تنظم ممارسة نشاط السلطات الحاكمة في الدولة والعلاقة بينها وحدود عمل كل سلطة حتى لا تطغي سلطة على الأخرى وفق مبدأين أساسيين هما فصل السلطات والتوازن بينهما.
فقد درج الفقهاء على تقسيم وظائف الدولة القانونية إلى ثلاث ( تشريعية، تنفيذية، قضائية) ويقوم التوازن بين السلطات بأن لا تطغي السلطة التنفيذية على الشعب ممثلا بالبرلمان ولا يطغي البرلمان على السلطة التنفيذية وهذا الأمر يحتاج إلى ضابط حازم يؤدي إلى الحفاظ والثبات في النظام السياسي القائم.
وفي هذا المجال تثار مشكلة تتصل بتنظيم هذه السلطات والعلاقة بينها وهو ما يتكفل به الدستور باعتباره الوثيقة القانونية الأعلى في الدولة.
وقد كان لفكرة توزيع السلطات في الدولة قبولا لدى واضعي دستور الولايات المتحدة الأمريكية عام 1787 ورجال الثورة الفرنسية فورد النص عليه في إعلان حقوق الإنسان والمواطن عام1789 الملحق بدستور عام 1791، ويتفق معظم الدستوريون اليوم على أن هناك نموذجين أساسيين لتوزيع السلطات احدهما يتمثل بالنظام البرلماني والآخر بالنظام الرئاسي يأخذ الأول بالفصل المعتدل بين السلطات بينما يعتمد الثاني على الفصل شبه المطلق.
من جانب آخر تتضمن الوثيقة الدستورية القواعد التي يرجع إليها في أسلوب تقلد السلطة وانتقالها ( الوراثة، الانتخاب)، كما يتضمن شكل الدولة ما إذا كان بسيطا أم مركبا، وإذا كان فدراليا فان الدستور يبين تقسيم السلطة بين الحكومة الفدرالية وحكومات الولايات.
ثانيا: القواعد المنظمة للحقوق والحريات
يحدد الدستور في الجزء الثاني من أحكامه تلك القواعد المنظمة لحقوق الأفراد وحرياتهم.
فقد حرصت الوثائق الدستورية المختلفة على أن تتضمن في جانب منها الحقوق والحريات التقليدية لاسيما تلك المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية. وفي جانب آخر الحقوق والحريات ذات المضامين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ولم يقف المشرع الدستوري عند حد تسجيل هذه الحقوق والحريات بل عمل على كفالة احترامها وتقدير ضمانات ممارستها ووضع القيود التي تحد من تقييد السلطات العامة لها. بشرط إن تبقى في حدود عدم مساسها بحقوق وحريات الآخرين وعدم الأضرار بالمصالح الأخرى للمجتمع.
وهذا التقييد الضابط للحرية من الخطورة بحيث لا يمكن تركه لتقدير الدولة ولا يمكن التعويل على نبل مقاصدها. ومن اجل أن لا تتجاوز السلطة على هذه الحقوق والحريات كان لا بد من وجود ضابط لتلك السلطة يتمثل في نص الدستور على احترام تلك الحقوق والحريات وان يتم إدراج المبادئ الرئيسية التي تنظم الحريات العامة في صلب الوثيقة الدستورية وان لا يترك للسلطة التنفيذية أن تنضمها عن طريق المراسيم فتتوغل في تلك الحريات وتجعل ممارستها استثناء من المنع.
و لقد اتبع المشرع الدستوري الجزائري منذ تأسيس الدولة الجزائرية أسلوب تقرير الحقوق والحريات العامة في كل الدساتير التي عرفتها الجزائر ابتداء من دستور 1963 إلى دستور 1996 بغض النظر عن مدى ضيق و اتساع تلك الحريات و الحقوق من دستور إلى آخر بحسب التوجه الأيديولوجي للنظام السياسي في كل مرحلة تاريخية. و قد نظمها المشرع الدستوري [دستور 1996] في الباب الأول ، الفصل الرابع من المادة 29 إلى المادة 59
وفي ذلك ورد في نص المادة 31 من الدستور الحالي: تستهدف المؤسسات ضمان مساواة كلّ المواطنين والمواطنات في الحقوق والواجبات بإزالة العقبات التي تعوق تفتح شخصية الإنسان، وتحول دون مشاركة الجميع الفعليّة في الحياة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية. و المادة 32 : الحرّيات الأساسية وحقوق الإنسان والمواطن مضمونة.
وتكوِّن تراثا مشتركا بين جميع الجزائريين والجزائريات، واجبهم أن ينقلوه من جيل إلى جيل كي يحافظوا على سلامته، وعدم انتهاك حرمته.
الضمانات القانونية لتطبيق القواعد الدستورية
ينتج عن مبدأ سمو الدستور على القواعد القانونية الأخرى بمختلف مراتبها - سواء كانت تشريعاً عادياً صادرا من السلطة التشريعية أو تشريعا فرعياً صادراً عن السلطة التنفيذية - أن تعلو أحكام الدستور على كل أعمال السلطات في الدولة، باعتباره المعبر الوحيد عن الإرادة الشعبية وتكون هذه الأعمال لاغيه وباطلة إذا ما خالفته.
ولكن السؤال الذي يطرح من هو الذي يقرر ما إذا كانت تلك الأعمال الصادرة من السلطة التشريعية أو من السلطة التنفيذية تتناقض مع الدستور وما هي الإجراءات الواجب مراعاتها لضمان تطبيق القواعد الدستورية.
أولاً: الضمانات في مواجهة السلطة التشريعية (الرقابة على دستورية القوانين)
الدستور يقيد المشرع العادي في الحدود التي رسمها له ومن ثم تمنع السلطة التشريعية عن إصدار التشريعات التي تتعارض مع نصوص الدستور وفق ما يسمى بمبدأ دستورية القوانين. ولضمان التزام السلطة التشريعية بتلك الحدود من الضروري فرض الرقابة عليها.
والملاحظ أن الدساتير مختلفة في إتباع الطريقة التي تحقق بها تلك الرقابة وسلكت في هذا المجال سبل مختلفة أهمها ما يلي:
1. الطعن في دستورية القوانين أمام لجنة أو مجلس دستوري
تباشر الرقابة على دستورية القوانين في بعض الأحيان من قبل هيئة أو لجنة ذات صيغة سياسية غير قضائية.
وقد انفردت فرنسا منذ أواخر القرن الثامن عشر في الدعوة إلى إيجاد هيئة سياسية يكون من اختصاصها إلغاء جميع القوانين التي تسن مخالفة لأحكام الدستور. ولم تعهد بهذه المهمة إلى القضاء بسبب السمعة السيئة له في ذلك الوقت (1) وقد أخذت العديد من الدول عن فرنسا هذا النوع من الرقابة مع اختلاف بين دستور وآخر. فاخذ الاتحاد السوفيتي السابق بهذا الأسلوب في دستور عام1977 وجعل الرقابة من اختصاص السلطة التشريعية كما اخذ به دستور ألمانيا الديمقراطية في دستورها لعام 1949 و بلغاريا في دستورها لعام1947 والصين في دستورها لعام1954.
وقد أناط الدستور الفرنسي الحالي الصادر عام 1958 مهمة الرقابة إلى هيئة اسماها المجلس الدستوري تتكون من نوعين من الأعضاء: تسعة أعضاء يتم تعيينهم من قبل رئيس الجمهورية ورئيس الجمعية الوطنية ورئيس مجلس الشيوخ. كما يضم المجلس رؤساء الجمهورية السابقون للاستفادة من خبراتهم السياسية التي اكتسبوها من سني خدمتهم من ناحية أخرى. أما رئيس المجلس فيعين من بين أعضاء المجلس من قبل رئيس الجمهورية. و قد أخذ بهذه الرقابة المشرع الدستوري الجزائري في دستور 1963 و 1989 و 1996 حيث يراقب المجلس الدستوري دستورية القوانين وصحة عمليات الاستفتاء والانتخابات الرئاسية والعامة المواد 163 ،164 ، 165 بعد إخطاره من قبل رئيس الجمهورية أو رئيس المجلس الشعبي الوطني أو رئيس مجلس الأمة وفقا للمادة 166. ويتألف المجلس الدستوري وفقا لدستور 1996 من 9 أعضاء يعين رئيس الجمهورية 3 منهم.و ينتخب المجلس الشعبي الوطني 2 منهم و مجلس الأمة 2 منهم و 1 تنتخبه المحكمة العليا و 1 ينتخبه مجلس الدولة ، و لرئيس الجمهورية حق المبادرة بالتعديل الدستوري. وبعد تصديق البرلمان بمجلسيه على التعديل المقترح يعرض على الاستفتاء الشعبي خلال 50 يوما من تاريخ التصديق. أما الطريق البديلة فتتمثل في موافقة المجلس الدستوري على التعديل المقترح ومن ثم تصديق ثلاثة أرباع مجلسي البرلمان عليه قبل أن يصدره رئيس الجمهورية. ولا يجوز أن يمس أي تعديل دستوري النظام الجمهوري لدولة الجزائر، أو نظام التعددية الحزبية، أو دين الدولة أو لغتها الرسمية، أو الحقوق والحريات الأساسية، أو وحدة الأراضي الجزائرية.
ويتميز هذا النوع من أنواع الرقابة على دستورية القوانين في انه يمارس رقابه وقائية على القوانين غير الدستورية وهي في مرحلة تشريعها قبل أن تصدر، لكنه بالرغم من ذلك تعرض للانتقاد من حيث أن تحريكه يعود إما للسلطة التشريعية أو التنفيذية مما يقيم الرقابة على اعتبارات سياسية أكثر من إقامتها على اعتبارات قانونية وموضوعية بحكم أن جهة الرقابة غالباً تتكون من هيئة يتم تعيينها أو اختيارها من إحدى هاتين السلطتين ولا شك إن الطابع السياسي يتدخل في هذا التعيين مما يفقدها الاستقلال والحياد الأمين في ممارسة دورها الرقابي.
2. الرقابة القضائية على دستورية القانون
بموجب هذا النوع من الرقابة يمارس القضاء مهمة الفصل فيما إذا كان القانون دستوريا من عدمه ويتم ذلك في الغالب بإتباع طريقين هما:
أ‌. رقابة الامتناع أو الدفع الفرعي
ويتم ذلك بان يهمل القضاء القانون غير الدستوري ويمتنع عن تطبيقه في القضية المعروضة. وقد اتبعت هذه الطريقة من طرق الرقابة في الولايات المتحدة الأمريكية. وتتم من خلال نزاع قضائي يدفع فيه احد الخصوم بان القانون المراد تطبيقه عليه غير دستوري فتنظر المحكمة في هذا الدفع فإذا ثبت لديها انه مخالف للدستور امتنعت عن تطبيقه وإذا ظهر العكس استمرت في نظر النزاع.
ومن الجدير بالذكر انه ليس في الدستور الأمريكي نص صريح يرجح أو يقر مبدأ الرقابة القضائية على دستورية القوانين. لكن نص المادة السادسة من الدستور قد أكد إن (( هذا الدستور وقوانين الولايات المتحدة التي تصدر طبقا له.. تكون هي القانون الأعلى للبلاد، ويكون القضاة في جميع الولايات ملزمين به،ولا يعتد بأي نص في الدستور أو قوانين أية ولاية يكون مخالفا ًلذلك)).
وقد ذهب الرأي الراجح في الفقه الدستوري الأمريكي إلى القول بان الرقابة على دستورية القوانين هي بطبيعتها من اختصاص السلطة القضائية بحكم إنها تمتلك ميزة البعد عن التأثير السياسي فضلا عن الخبرة مع إن البعض قد ذهب إلى إن إسناد هذه السلطة للقضاء فيه اعتداء على اختصاص السلطة التشريعية ويجعل منها سلطة سياسية أعلى من سلطة الأمة الممثلة ببرلمانها.
ووفق هذا النوع من الرقابة وعندما تحكم إحدى المحاكم في دعوى أمامها بعدم دستورية قانون ما فإنها لا تلغي القانون وإنما تمتنع عن تطبيقه ويضل القانون سليما على الرغم من ذلك ويجوز لمحكمة أخرى إن تطبقه كما يصح إن تطبقه ذات المحكمة التي امتنعت عن تطبيقه في قضية أخرى إذ إن حجية الحكم بعدم الدستورية نسبية يقتصر أثرها على طرفي النزاع. ما لم يكن الحكم الصادر بعدم الدستورية صادرا من المحكمة الاتحادية العليا.
ويعد هذا الطريق الأسلوب الأكثر نجاحا في فرض الرقابة على دستورية القوانين في الدول التي تخلو دساتيرها من النص صراحة على حق القضاء في الرقابة على دستورية القوانين، إذا ما دفع أمامه – أثناء نظر دعوى مرفوعة – بعدم دستورية قانون ما واجب التطبيق. ومن ذلك ما درج عليه القضاء المصري في ظل دستور عام 1956 ودستور عام 1958 رغم خلوهما من نصوص تنظيم الرقابة.
ب‌. الطعن في دستورية القوانين بطريق الدفع الأصلي أو رقابة الإلغاء
يجيز هذا النوع من الرقابة لبعض المحاكم إلغاء القانون غير الدستوري وإنهاء العمل به وقد يكون هذا الحكم قبل صدور القانون فتسمى رقابة الإلغاء السابقة أو بعده فيسمى رقابة الإلغاء اللاحقة. وبسبب خطورة الأثر المترتب على هذا الحكم والمتمثل بإلغاء تشريعات البرلمان، حرصت الدول على إن تمارسه محاكم دستورية عليا متخصصة أو أعلى درجات القضاء في الدولة، كما لم تجز كثر منها للأفراد إن يطعنوا مباشرة في دستورية القوانين بينما أجاز بعضها ذلك بطريق غير مباشر بان يتقدموا بالطعن بعدم دستورية قانون ما أمام بعض المحاكم، فان اقتنعت هذه المحكمة بجدية الطعن تقدمت به إلى المحكمة الدستورية.
ومن الدول التي أخذت بهذا الأسلوب من طرق الرقابة، العراق في ظل القانون الأساسي عام 1925 حيث أناط فحص دستورية القوانين بمحكمة عليا وجعل حق الطعن في دستورية القانون من اختصاص السلطة التنفيذية دون الأفراد.
وهذا الامر منتقد لأنه حرم المواطنين من ضمانة أساسية لكفالة احترام الدستور وما يتضمنه من حقوق وحريات.
كما اخذ الدستور الايطالي لعام 1947 بتشكيل محكمة دستورية من خمسة عشر قاضياً تمتلك سلطة إلغاء القانون غير الدستوري اعتباراً من تاريخ صدور الحكم.
واخذ به الدستور المصري الحالي الصادر في 11 سبتمبر 1971 بان جعل الرقابة على دستورية القوانين من اختصاص المحكمة الدستورية العليا بعد إن نبذ المشرع الدستوري نظام الرقابة السياسية على دستورية القوانين.
على انه بالرغم من مزايا الرقابة القضائية بطريق الدعوى المباشرة إلا إنها لم تسلم من النقد من جانب من الفقه باعتبار إنها تمثل خروجا على حدود مهمة القضاء وتؤدي إلى إقحامه في المجال التشريعي وإهداره لعمل السلطة التشريعية، مما يعتبر مساسا بمبدأ الفصل بين السلطات. كما إن إعطاء المحكمة سلطة إلغاء القانون، يعطيها مركزا قويا ونفوذا كبيراً باتجاه سلطات الدولة الأخرى لاسيما السلطة التشريعية.
ثانياً: الضمانات في مواجهة السلطة التنفيذية
مما لا شك فيه ان السلطة التنفيذية عندما تمارس وظيفتها قد تنتقص من حقوق وحريات الافراد خلافاً لما هو مقرر في الدستور. لذلك يجب ان لا تترك لها هذه السلطة دون ضابط يرسم الحدود التي لا تتجاوزها ويعرض تصرفاتها للبطلان.
ويفرض ذلك وجود ضمانات ووسائل تراقب عمل السلطة التنفيذية. وتختلف هذه الضمانات باختلاف الدولة والنظم القانونية المتبعة فيها. غير ان المستقر في اغلب الدول ان الضمانات القانونية في مواجهة السلطة التنفيذية تتمثل برقابة البرلمان لاعمال السلطة التنفيذية ورقابة القضاء وأخيراً رقابة الهيئات المستقلة.
1- رقابة البرلمان لأعمال السلطة التنفيذية
يتمثل هذا الطريق من الرقابة برقابة البرلمان على اعمال السلطة التنفيذية وذلك عن طريق الشكاوى المقدمة من الافراد والمتضمنة طلباتهم التي قد يجد البرلمان انها على قدر من الوجاهة مما يدعو الى مواجهة الوزراء بحق السؤال او الاستجواب او سحب الثقة من الحكومة كلها.
ويتحدد شكل الرقابة بما هو مرسوم في الدستور. وهي تختلف من دولة الى أخرى وتكون الرقابة البرلمانية أقوى في النظم النيابية منها في النظم الاخرى، حيث تكون الوزارة مسؤولية أمام البرلمان مسؤولية تضامنية ناهيك عن المسؤولية الفردية لكل وزير عن اعمال وزارته.
وقد كفل الدستور الجزائري الحالي رقابة البرلمان على اعمال الحكومة احتراماً لمبدأ المشروعية عن طريق توجيه السؤال الى رئيس الحكومة والوزراء في أي موضوع يدخل في اختصاصهم، أو عن طريق لجان التحقيق المواد من 159 إلى162
لكن مع ما تتمتع به الرقابة البرلمانية على اعمال السلطة التنفيذية من اهمية في مجال احترام وسيادة القانون فان دورها مقيد غالباً بالارادة الحزبية السائدة في البرلمان التي تكون في احيان متوافقة مع ارادة الحكومة لو صادف انها من الحزب نفسه فتكون الحكومة الخصم والحكم.
كما ان عدم نضج الوعي السياسي لدى اعضاء البرلمان وافتقارهم الى الخبرة وضعف المعارضة قد تؤدي الى ضعف هذه الضمانة ويختفي دورها الحقيقي في حماية حقوق الأفراد وحرياتهم.
2- رقابة القضاء لأعمال السلطة التنفيذية
تعد رقابة القضاء على اعمال السلطة التنفيذية ممثلة واحد عنصر الرقابة وأكثرها ضماناً لحقوق الأفراد وحرياتهم لما تتميز به الرقابة القضائية من استقلال وحياد. وما تتمتع به احكام القضاء من قوة وحجية يلتزم الجميع بتنفيذها واحترامها والا تعرض المخالف للمسائلة وما في ذلك من تبني لشرعية دولة القانون.
ومن المستقر وجود نوعين من نظم الرقابة القضائية على اعمال الادارة هما نظام القضاء الموحد ونظام القضاء المزدوج.
أ- نظام القضاء الموحد
يسود هذا النظام في انكلترا والولايات المتحدة الامريكية وبعض الدول الاخرى ومقتضاه ان تختص جهة قضائية واحدة بالنظر في جميع المنازعات التي تنشأ بين الافراد انفسهم او بينهم وبين الادارة او بين الهيئات الادارية نفسها.
وهذا النظام يتميز بانه اكثر اتفاقاً مع مبدأ المشروعية اذ يخضع الافراد والادارة الى قضاء واحد وقانون واحد مما لا يمنح الادارة أي امتيازات في مواجهة الافراد. بالاضافة الى اليسر في اجراءات التقاضي.
ب- نظام القضاء المزدوج
يقوم هذا النظام على اساس وجود جهتين قضائيتين مستقلتين جهة القضاء العادي وتختص بالفصل في المنازعات التي تنشأ بين الافراد او بينهم وبين الادارة عندما تتصرف هذه الأخيرة كشخص من اشخاص القانون الخاص ويطبق على هذا النزاع احكام القانون الخاص. وجهة القضاء الإداري تختص بالفصل في المنازعات التي تنشأ بين الأفراد والسلطات الإدارية عندما تظهر بصفتها صاحبة السلطة وتتمتع بامتيازات لا يتمتع بها الافراد ويطبق القضاء الإداري على المنازعة قواعد القانون العام، وتعد فرنسا مهد القضاء الاداري ومنها انتشر الى كثير من الدول كبلجيكا واليونان ومصر والعراق و الجزائر. ومن المهم القول بان هذا النظام قد نشأ اساساً على مبدأ الفصل بين السلطات ومقتضاه منع القضاء العادي من النظر في المنازعات التي تكون الادارة طرفاً فيها احتراماً لاستقلال السلطة التنفيذية.
وقد اتسم القضاء الإداري بسرعة الفصل في المنازعات الإدارية والبساطة في الإجراءات ضماناً لحسن المرافق العامة.
وان وجود قضاء متخصص يمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية يمثل ضمانة حقيقية لحقوق الأفراد وحرياتهم في مواجهة تعسف الإدارة، وتتجلى أهمية وجود قضاء إداري متخصص للفصل في المنازعات الإدارية في أن رقابة القضاء على أعمال الادارة تعتبر الجزاء الاكبر لمبدأ الشرعية والضمانة الفعالة لسلامة تطبيق القانون والتزام حدوده وبه تكتمل عناصر الدولة القانونية وحماية حقوق وحريات الافراد من جور وتعسف الادارة.
ويعد مجلس الدولة الذي تم انشائه بصدور القانون العضوي رقم 98/01 ركناً مهماً من اركان احترام القانون فتختص بالنظر في صحة القرارات الادارية التي تصدر عن الهيآت المركزية والهيئات اللامركزية في دوائر الدولة والتعويض عنها.
3- رقابة الهيئات المستقلة لأعمال السلطة التنفيذية
من الوسائل الجديدة التي اعتمدتها بعض الدول للرقابة على أعمال الإدارة استحداث هيئات مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية لتمارس وظيفة الرقابة على تصرفات الادارة والبحث في مدى موافقتها للقانون.
ومن النماذج على هذه الهيئات نظام الامبودسمان Ombudsman أو المفوض البرلماني وهو شخص مكلف من البرلمان بمراقبة الإدارة والحكومة وحماية حقوق الأفراد وحرياتهم (14).
وقد استحدثت السويد هذا النظام في دستورها لعام 1809 ليكون وسيلة لتحقيق التوزان بين سلطة البرلمان والسلطة التنفيذية وللحد من تعسف الأخيرة في استخدامها لامتيازاتها في مواجهة الافراد. وقد انتشر هذا النظام من السويد الى الكثير من دول العالم فأخذت به فلندا عام 1919 والدا نمارك بمقتضى دستورها 1953 وانتخب أول امبودسمان فيها عام 1955 والنرويج عام 1962 والمملكة المتحدة وكندا عام 1967 وأخذت فرنسا بنظام مشابه أسمته الوسيط Le med-iateur عام 1973 كما أخذت به بعض الولايات في الولايات المتحدة الأمريكية.
وعموماً تملك هذه الأنظمة الحق في التدخل من تلقاء نفسها أو بناءً على شكوى تتلقاها من الأفراد أو بأي وسيلة اهرى يعلم من خلالها بوقوع مخالفة فيعمل على توجيه الإدارة إلى وجوب إتباع أسلوب معين في عملها لتتدارك أخطائها، كما تملك استجواب أي موظف في هذا الشأن ولها إقامة الدعوى على الموظفين المقصرين في أداء واجباتهم ومطالبتهم بالتعويض لمخالفة ضرر من جراء التصرف غير المشروع.

الضمانات الواقعية لتطبيق القواعد الدستورية
الى جانب الضمانات القانونية لتطبيق القواعد الدستورية هناك ضمانات واقعية غير منظمة تعزز دور الضمانات القانونية التي قد تعجز أحيانا عن توفير الحماية اللازمة للدستور واحترام حقوق الأفراد وحرياتهم وتتمثل هذه الضمانات في رقابة الرأي العام ومقاومة الطغيان.
رقابة الرأي العام
يراد بمصطلح الرأي العام مجموعة الآراء التي تسود مجتمع معين في وقت ما بخصوص موضوعات معينة تتعلق بمصالحهم العامة والخاصة.
ان رقابة الراي العام تعد في الواقع العامل الرئيس في ردع الحكام واجبارهم على احترام الدستور وما يتضمنه من حقوق وحريات للافراد فكلما كانت هذه الرقابة قوية كلما كان التقيد بالدستور قوياً. وكلما كانت رقابة الرأي العام ضعيفة او منعدمة كلما ضعف تبعاً لذلك احترام الدستور.
إذ إن احترام القواعد الدستورية انما يرجع الى مراقبة الافراد لحكامهم، إلا ان هؤلاء لا يمكنهم التأثير على تصرفات الحكام ما لم يكن رايهم مستنيراً ناضجاً ومنضماً من جهة اخرى.
ومن الواضح ان هذا النوع من الرقابة له الاثر البالغ في الرقابة على اعمال السلطة التنفيذية ومنعها من التعسف في استعمال السلطة غير ان هذا الطريق لا يتسع تأثيره إلا في الدولة التي تكفل حرية التعبير والتي يبلغ فيها الرأي العام من النضج ما يؤهله القيام بواجب الرقابة وعدم الخضوع لمصالح فئات معينة تسخر الارادة الشعبية والرأي العام لتحقيق اهدافها ومصالحها الخاصة فتفقد بذلك حقيقة تعبيرها عن المصلحة العامة.
ويشترك في تكوين الرأي العام مختلف الهيئات والتنظيمات الشعبية ومؤسسات المجتمع المدني والاحزاب عن طريق طرح افكارها والدعوة اليها في مختلف الوسائل التي تؤدي الصحافة والوسائل السمعية والبصرية دوراً كبيراً في نشرها وتعبئة الجماهير وتوجيههم من خلالها.
أ- مؤسسات المجتمع المدني
برز مفهوم المجتمع المدني في اطار افكار ورؤى بعض المفكرين والفلاسفة خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر والتي تعتمد افكارهم اساساً على ان الانسان يستمد حقوقه من الطبيعة لا من قانون يضعه البشر وهذه الحقوق لصيقة به تثبت بمجرد ولادته. وان المجتمع المتكون من اتفاق المواطنين قد ارتأى طواعية الخروج من الحالة الطبيعية ليكون حكومة نتيجة عقد اجتماعي اختلفوا في تحديد اطرافه.
والمفهوم المستقر للمجتمع المدني يقوم على اساس انه مجموعة المؤسسات والفعاليات والانشطة التي تحتل مركزاً وسطياً بين العائلة باعتبارها الوحدة الأساسية التي ينهض عليها البنيان الاجتماعي والنظام القيمي في المجتمع من ناحية والدولة ومؤسساتها وأجهزتها ذات الصبغة الرسمية من جهة أخرى.
وبهذا المعنى فان منظمات المجتمع المدني تساهم بدور مهم في ضمان احترام الدستور وحماية حقوق الافراد وحرياتهم وتمثل الأسلوب الأمثل في إحداث التغيير السلمي والتفاهم الوطني مع السلطة في سبيل تعزيز الديمقراطية وتنشئة الأفراد على أصولها وآلياتها. فهي الكفيلة بالارتقاء بالفرد وبث الوعي فيه وتعبئة الجهود الفردية والجماعية للتأثير في السياسات العامة وتعميق مفهوم احترام الدستور وسيادة القانون.
2- وسائل الاعلام
تلعب وسائل الاعلام دوراً سياسياً مهماً يساهم في تعبئة الرأي العام الشعبي من خلال كتابات واقوال المفكرين والصحف والفضائيات المرئية والمسموعة والاجتماعات والندوات التي تساهم في اطلاع الجماهير على المشاكل الاكثر إلحاحاً والتي يتعرض لها المجتمع وتكون مراقب جماعي لصالح الشعب من خلال انتقاد سياسات الحكام وكشف فضائحهم وفسادهم وانتهاكهم لسيادة القانون.
3- الأحزاب السياسية
من أساسيات العمل الديمقراطي ان تسعى الأحزاب السياسية الى تحقيق الاتصال الجماهيري. فالدور الأساسي الذي تقوم به الاحزاب السياسية هو السعي للحصول على تأييد الافراد لبرامجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعد بتنفيذها اذا ما وصلت الى السلطة عبر الانتخاب. وحتى تحقيق ذلك تبقى الأحزاب مراقبة لعمل الحكومات لضمان احترامها للدستور وسيادة القانون.

hadia369
2011-09-25, 13:33
اين تفاعلكم

الجزائرية 1983
2011-09-25, 22:50
:mh92:ضمانات احترام القواعد الدستورية

تمهيد
من المبادئ المسلم بها في النظم الديمقراطية أن يمثل الدستور الوثيقة القانونية العليا واجبة الاحترام من السلطات الأساسية الثلاث في الدولة. بحكم إن الدستور يتضمن المبادئ القانونية التي تتعلق بشكل الدولة ونظام الحكم فيها وعلاقته بالمواطنين وينظم السلطات العامة في الدولة وحقوق وحريات الأفراد ويعد الدستور أعلى التشريعات في الدولة ويقع في قمة الهرم القانوني ويسمو على القواعد القانونية الأخرى جميعا. مما ينبغي إن تلتزم سلطات الدولة جميعها بالتقيد بأحكامه وإلا عدت تصرفاتها غير مشروعة. فالسلطة التنفيذية تلتزم بقواعد الدستور ولا يحق لها مخالفتها في أعمالها إذ إن ذلك يعرض أعمالها للإلغاء والتعويض عما تسببه من ضرر. كما إن السلطة التشريعية ممثلة بالبرلمان تتقيد هي الأخرى بأن تحترم تشريعاتها القواعد الدستورية وإلا كانت عرضه للإلغاء استنادا إلى مخالفتها لمبدأ المشروعية. ومن الجدير بالذكر في هذا المجال إن نؤكد انه ليس المهم إن يسجل الدستور المبادئ العامة التي تحكم السلطات الأساسية في الدولة. إنما يجب العمل على كفالة احترام الدستور وتقدير الضمانات التي إلى تعزيز هذا الاحترام .
مضمون القواعد الدستورية
يختلف محتوى الدستور من دولة إلى أخرى حسب التنظيمات الدستورية السائدة فيها لذلك ليس من السهولة التحديد الدقيق لما يحتويه الدستور غير إن الخطوط الرئيسية المجمع عليها من فقهاء القانون الدستوري تقوم على تقسيم القواعد الدستورية إلى جزئين: يتعلق الجزء الأول منها بدراسة القواعد المنظمة لممارسة السلطة. أما الجزء الثاني فيتعلق بدراسة الحقوق والحريات.
أولا: القواعد المنظمة لممارسة السلطة
يتضمن الدستور القواعد التي تنظم ممارسة نشاط السلطات الحاكمة في الدولة والعلاقة بينها وحدود عمل كل سلطة حتى لا تطغي سلطة على الأخرى وفق مبدأين أساسيين هما فصل السلطات والتوازن بينهما.
فقد درج الفقهاء على تقسيم وظائف الدولة القانونية إلى ثلاث ( تشريعية، تنفيذية، قضائية) ويقوم التوازن بين السلطات بأن لا تطغي السلطة التنفيذية على الشعب ممثلا بالبرلمان ولا يطغي البرلمان على السلطة التنفيذية وهذا الأمر يحتاج إلى ضابط حازم يؤدي إلى الحفاظ والثبات في النظام السياسي القائم.
وفي هذا المجال تثار مشكلة تتصل بتنظيم هذه السلطات والعلاقة بينها وهو ما يتكفل به الدستور باعتباره الوثيقة القانونية الأعلى في الدولة.
وقد كان لفكرة توزيع السلطات في الدولة قبولا لدى واضعي دستور الولايات المتحدة الأمريكية عام 1787 ورجال الثورة الفرنسية فورد النص عليه في إعلان حقوق الإنسان والمواطن عام1789 الملحق بدستور عام 1791، ويتفق معظم الدستوريون اليوم على أن هناك نموذجين أساسيين لتوزيع السلطات احدهما يتمثل بالنظام البرلماني والآخر بالنظام الرئاسي يأخذ الأول بالفصل المعتدل بين السلطات بينما يعتمد الثاني على الفصل شبه المطلق.
من جانب آخر تتضمن الوثيقة الدستورية القواعد التي يرجع إليها في أسلوب تقلد السلطة وانتقالها ( الوراثة، الانتخاب)، كما يتضمن شكل الدولة ما إذا كان بسيطا أم مركبا، وإذا كان فدراليا فان الدستور يبين تقسيم السلطة بين الحكومة الفدرالية وحكومات الولايات.
ثانيا: القواعد المنظمة للحقوق والحريات
يحدد الدستور في الجزء الثاني من أحكامه تلك القواعد المنظمة لحقوق الأفراد وحرياتهم.
فقد حرصت الوثائق الدستورية المختلفة على أن تتضمن في جانب منها الحقوق والحريات التقليدية لاسيما تلك المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية. وفي جانب آخر الحقوق والحريات ذات المضامين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ولم يقف المشرع الدستوري عند حد تسجيل هذه الحقوق والحريات بل عمل على كفالة احترامها وتقدير ضمانات ممارستها ووضع القيود التي تحد من تقييد السلطات العامة لها. بشرط إن تبقى في حدود عدم مساسها بحقوق وحريات الآخرين وعدم الأضرار بالمصالح الأخرى للمجتمع.
وهذا التقييد الضابط للحرية من الخطورة بحيث لا يمكن تركه لتقدير الدولة ولا يمكن التعويل على نبل مقاصدها. ومن اجل أن لا تتجاوز السلطة على هذه الحقوق والحريات كان لا بد من وجود ضابط لتلك السلطة يتمثل في نص الدستور على احترام تلك الحقوق والحريات وان يتم إدراج المبادئ الرئيسية التي تنظم الحريات العامة في صلب الوثيقة الدستورية وان لا يترك للسلطة التنفيذية أن تنضمها عن طريق المراسيم فتتوغل في تلك الحريات وتجعل ممارستها استثناء من المنع.
و لقد اتبع المشرع الدستوري الجزائري منذ تأسيس الدولة الجزائرية أسلوب تقرير الحقوق والحريات العامة في كل الدساتير التي عرفتها الجزائر ابتداء من دستور 1963 إلى دستور 1996 بغض النظر عن مدى ضيق و اتساع تلك الحريات و الحقوق من دستور إلى آخر بحسب التوجه الأيديولوجي للنظام السياسي في كل مرحلة تاريخية. و قد نظمها المشرع الدستوري [دستور 1996] في الباب الأول ، الفصل الرابع من المادة 29 إلى المادة 59
وفي ذلك ورد في نص المادة 31 من الدستور الحالي: تستهدف المؤسسات ضمان مساواة كلّ المواطنين والمواطنات في الحقوق والواجبات بإزالة العقبات التي تعوق تفتح شخصية الإنسان، وتحول دون مشاركة الجميع الفعليّة في الحياة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية. و المادة 32 : الحرّيات الأساسية وحقوق الإنسان والمواطن مضمونة.
وتكوِّن تراثا مشتركا بين جميع الجزائريين والجزائريات، واجبهم أن ينقلوه من جيل إلى جيل كي يحافظوا على سلامته، وعدم انتهاك حرمته.
الضمانات القانونية لتطبيق القواعد الدستورية
ينتج عن مبدأ سمو الدستور على القواعد القانونية الأخرى بمختلف مراتبها - سواء كانت تشريعاً عادياً صادرا من السلطة التشريعية أو تشريعا فرعياً صادراً عن السلطة التنفيذية - أن تعلو أحكام الدستور على كل أعمال السلطات في الدولة، باعتباره المعبر الوحيد عن الإرادة الشعبية وتكون هذه الأعمال لاغيه وباطلة إذا ما خالفته.
ولكن السؤال الذي يطرح من هو الذي يقرر ما إذا كانت تلك الأعمال الصادرة من السلطة التشريعية أو من السلطة التنفيذية تتناقض مع الدستور وما هي الإجراءات الواجب مراعاتها لضمان تطبيق القواعد الدستورية.
أولاً: الضمانات في مواجهة السلطة التشريعية (الرقابة على دستورية القوانين)
الدستور يقيد المشرع العادي في الحدود التي رسمها له ومن ثم تمنع السلطة التشريعية عن إصدار التشريعات التي تتعارض مع نصوص الدستور وفق ما يسمى بمبدأ دستورية القوانين. ولضمان التزام السلطة التشريعية بتلك الحدود من الضروري فرض الرقابة عليها.
والملاحظ أن الدساتير مختلفة في إتباع الطريقة التي تحقق بها تلك الرقابة وسلكت في هذا المجال سبل مختلفة أهمها ما يلي:
1. الطعن في دستورية القوانين أمام لجنة أو مجلس دستوري
تباشر الرقابة على دستورية القوانين في بعض الأحيان من قبل هيئة أو لجنة ذات صيغة سياسية غير قضائية.
وقد انفردت فرنسا منذ أواخر القرن الثامن عشر في الدعوة إلى إيجاد هيئة سياسية يكون من اختصاصها إلغاء جميع القوانين التي تسن مخالفة لأحكام الدستور. ولم تعهد بهذه المهمة إلى القضاء بسبب السمعة السيئة له في ذلك الوقت (1) وقد أخذت العديد من الدول عن فرنسا هذا النوع من الرقابة مع اختلاف بين دستور وآخر. فاخذ الاتحاد السوفيتي السابق بهذا الأسلوب في دستور عام1977 وجعل الرقابة من اختصاص السلطة التشريعية كما اخذ به دستور ألمانيا الديمقراطية في دستورها لعام 1949 و بلغاريا في دستورها لعام1947 والصين في دستورها لعام1954.
وقد أناط الدستور الفرنسي الحالي الصادر عام 1958 مهمة الرقابة إلى هيئة اسماها المجلس الدستوري تتكون من نوعين من الأعضاء: تسعة أعضاء يتم تعيينهم من قبل رئيس الجمهورية ورئيس الجمعية الوطنية ورئيس مجلس الشيوخ. كما يضم المجلس رؤساء الجمهورية السابقون للاستفادة من خبراتهم السياسية التي اكتسبوها من سني خدمتهم من ناحية أخرى. أما رئيس المجلس فيعين من بين أعضاء المجلس من قبل رئيس الجمهورية. و قد أخذ بهذه الرقابة المشرع الدستوري الجزائري في دستور 1963 و 1989 و 1996 حيث يراقب المجلس الدستوري دستورية القوانين وصحة عمليات الاستفتاء والانتخابات الرئاسية والعامة المواد 163 ،164 ، 165 بعد إخطاره من قبل رئيس الجمهورية أو رئيس المجلس الشعبي الوطني أو رئيس مجلس الأمة وفقا للمادة 166. ويتألف المجلس الدستوري وفقا لدستور 1996 من 9 أعضاء يعين رئيس الجمهورية 3 منهم.و ينتخب المجلس الشعبي الوطني 2 منهم و مجلس الأمة 2 منهم و 1 تنتخبه المحكمة العليا و 1 ينتخبه مجلس الدولة ، و لرئيس الجمهورية حق المبادرة بالتعديل الدستوري. وبعد تصديق البرلمان بمجلسيه على التعديل المقترح يعرض على الاستفتاء الشعبي خلال 50 يوما من تاريخ التصديق. أما الطريق البديلة فتتمثل في موافقة المجلس الدستوري على التعديل المقترح ومن ثم تصديق ثلاثة أرباع مجلسي البرلمان عليه قبل أن يصدره رئيس الجمهورية. ولا يجوز أن يمس أي تعديل دستوري النظام الجمهوري لدولة الجزائر، أو نظام التعددية الحزبية، أو دين الدولة أو لغتها الرسمية، أو الحقوق والحريات الأساسية، أو وحدة الأراضي الجزائرية.
ويتميز هذا النوع من أنواع الرقابة على دستورية القوانين في انه يمارس رقابه وقائية على القوانين غير الدستورية وهي في مرحلة تشريعها قبل أن تصدر، لكنه بالرغم من ذلك تعرض للانتقاد من حيث أن تحريكه يعود إما للسلطة التشريعية أو التنفيذية مما يقيم الرقابة على اعتبارات سياسية أكثر من إقامتها على اعتبارات قانونية وموضوعية بحكم أن جهة الرقابة غالباً تتكون من هيئة يتم تعيينها أو اختيارها من إحدى هاتين السلطتين ولا شك إن الطابع السياسي يتدخل في هذا التعيين مما يفقدها الاستقلال والحياد الأمين في ممارسة دورها الرقابي.
2. الرقابة القضائية على دستورية القانون
بموجب هذا النوع من الرقابة يمارس القضاء مهمة الفصل فيما إذا كان القانون دستوريا من عدمه ويتم ذلك في الغالب بإتباع طريقين هما:
أ‌. رقابة الامتناع أو الدفع الفرعي
ويتم ذلك بان يهمل القضاء القانون غير الدستوري ويمتنع عن تطبيقه في القضية المعروضة. وقد اتبعت هذه الطريقة من طرق الرقابة في الولايات المتحدة الأمريكية. وتتم من خلال نزاع قضائي يدفع فيه احد الخصوم بان القانون المراد تطبيقه عليه غير دستوري فتنظر المحكمة في هذا الدفع فإذا ثبت لديها انه مخالف للدستور امتنعت عن تطبيقه وإذا ظهر العكس استمرت في نظر النزاع.
ومن الجدير بالذكر انه ليس في الدستور الأمريكي نص صريح يرجح أو يقر مبدأ الرقابة القضائية على دستورية القوانين. لكن نص المادة السادسة من الدستور قد أكد إن (( هذا الدستور وقوانين الولايات المتحدة التي تصدر طبقا له.. تكون هي القانون الأعلى للبلاد، ويكون القضاة في جميع الولايات ملزمين به،ولا يعتد بأي نص في الدستور أو قوانين أية ولاية يكون مخالفا ًلذلك)).
وقد ذهب الرأي الراجح في الفقه الدستوري الأمريكي إلى القول بان الرقابة على دستورية القوانين هي بطبيعتها من اختصاص السلطة القضائية بحكم إنها تمتلك ميزة البعد عن التأثير السياسي فضلا عن الخبرة مع إن البعض قد ذهب إلى إن إسناد هذه السلطة للقضاء فيه اعتداء على اختصاص السلطة التشريعية ويجعل منها سلطة سياسية أعلى من سلطة الأمة الممثلة ببرلمانها.
ووفق هذا النوع من الرقابة وعندما تحكم إحدى المحاكم في دعوى أمامها بعدم دستورية قانون ما فإنها لا تلغي القانون وإنما تمتنع عن تطبيقه ويضل القانون سليما على الرغم من ذلك ويجوز لمحكمة أخرى إن تطبقه كما يصح إن تطبقه ذات المحكمة التي امتنعت عن تطبيقه في قضية أخرى إذ إن حجية الحكم بعدم الدستورية نسبية يقتصر أثرها على طرفي النزاع. ما لم يكن الحكم الصادر بعدم الدستورية صادرا من المحكمة الاتحادية العليا.
ويعد هذا الطريق الأسلوب الأكثر نجاحا في فرض الرقابة على دستورية القوانين في الدول التي تخلو دساتيرها من النص صراحة على حق القضاء في الرقابة على دستورية القوانين، إذا ما دفع أمامه – أثناء نظر دعوى مرفوعة – بعدم دستورية قانون ما واجب التطبيق. ومن ذلك ما درج عليه القضاء المصري في ظل دستور عام 1956 ودستور عام 1958 رغم خلوهما من نصوص تنظيم الرقابة.
ب‌. الطعن في دستورية القوانين بطريق الدفع الأصلي أو رقابة الإلغاء
يجيز هذا النوع من الرقابة لبعض المحاكم إلغاء القانون غير الدستوري وإنهاء العمل به وقد يكون هذا الحكم قبل صدور القانون فتسمى رقابة الإلغاء السابقة أو بعده فيسمى رقابة الإلغاء اللاحقة. وبسبب خطورة الأثر المترتب على هذا الحكم والمتمثل بإلغاء تشريعات البرلمان، حرصت الدول على إن تمارسه محاكم دستورية عليا متخصصة أو أعلى درجات القضاء في الدولة، كما لم تجز كثر منها للأفراد إن يطعنوا مباشرة في دستورية القوانين بينما أجاز بعضها ذلك بطريق غير مباشر بان يتقدموا بالطعن بعدم دستورية قانون ما أمام بعض المحاكم، فان اقتنعت هذه المحكمة بجدية الطعن تقدمت به إلى المحكمة الدستورية.
ومن الدول التي أخذت بهذا الأسلوب من طرق الرقابة، العراق في ظل القانون الأساسي عام 1925 حيث أناط فحص دستورية القوانين بمحكمة عليا وجعل حق الطعن في دستورية القانون من اختصاص السلطة التنفيذية دون الأفراد.
وهذا الامر منتقد لأنه حرم المواطنين من ضمانة أساسية لكفالة احترام الدستور وما يتضمنه من حقوق وحريات.
كما اخذ الدستور الايطالي لعام 1947 بتشكيل محكمة دستورية من خمسة عشر قاضياً تمتلك سلطة إلغاء القانون غير الدستوري اعتباراً من تاريخ صدور الحكم.
واخذ به الدستور المصري الحالي الصادر في 11 سبتمبر 1971 بان جعل الرقابة على دستورية القوانين من اختصاص المحكمة الدستورية العليا بعد إن نبذ المشرع الدستوري نظام الرقابة السياسية على دستورية القوانين.
على انه بالرغم من مزايا الرقابة القضائية بطريق الدعوى المباشرة إلا إنها لم تسلم من النقد من جانب من الفقه باعتبار إنها تمثل خروجا على حدود مهمة القضاء وتؤدي إلى إقحامه في المجال التشريعي وإهداره لعمل السلطة التشريعية، مما يعتبر مساسا بمبدأ الفصل بين السلطات. كما إن إعطاء المحكمة سلطة إلغاء القانون، يعطيها مركزا قويا ونفوذا كبيراً باتجاه سلطات الدولة الأخرى لاسيما السلطة التشريعية.
ثانياً: الضمانات في مواجهة السلطة التنفيذية
مما لا شك فيه ان السلطة التنفيذية عندما تمارس وظيفتها قد تنتقص من حقوق وحريات الافراد خلافاً لما هو مقرر في الدستور. لذلك يجب ان لا تترك لها هذه السلطة دون ضابط يرسم الحدود التي لا تتجاوزها ويعرض تصرفاتها للبطلان.
ويفرض ذلك وجود ضمانات ووسائل تراقب عمل السلطة التنفيذية. وتختلف هذه الضمانات باختلاف الدولة والنظم القانونية المتبعة فيها. غير ان المستقر في اغلب الدول ان الضمانات القانونية في مواجهة السلطة التنفيذية تتمثل برقابة البرلمان لاعمال السلطة التنفيذية ورقابة القضاء وأخيراً رقابة الهيئات المستقلة.
1- رقابة البرلمان لأعمال السلطة التنفيذية
يتمثل هذا الطريق من الرقابة برقابة البرلمان على اعمال السلطة التنفيذية وذلك عن طريق الشكاوى المقدمة من الافراد والمتضمنة طلباتهم التي قد يجد البرلمان انها على قدر من الوجاهة مما يدعو الى مواجهة الوزراء بحق السؤال او الاستجواب او سحب الثقة من الحكومة كلها.
ويتحدد شكل الرقابة بما هو مرسوم في الدستور. وهي تختلف من دولة الى أخرى وتكون الرقابة البرلمانية أقوى في النظم النيابية منها في النظم الاخرى، حيث تكون الوزارة مسؤولية أمام البرلمان مسؤولية تضامنية ناهيك عن المسؤولية الفردية لكل وزير عن اعمال وزارته.
وقد كفل الدستور الجزائري الحالي رقابة البرلمان على اعمال الحكومة احتراماً لمبدأ المشروعية عن طريق توجيه السؤال الى رئيس الحكومة والوزراء في أي موضوع يدخل في اختصاصهم، أو عن طريق لجان التحقيق المواد من 159 إلى162
لكن مع ما تتمتع به الرقابة البرلمانية على اعمال السلطة التنفيذية من اهمية في مجال احترام وسيادة القانون فان دورها مقيد غالباً بالارادة الحزبية السائدة في البرلمان التي تكون في احيان متوافقة مع ارادة الحكومة لو صادف انها من الحزب نفسه فتكون الحكومة الخصم والحكم.
كما ان عدم نضج الوعي السياسي لدى اعضاء البرلمان وافتقارهم الى الخبرة وضعف المعارضة قد تؤدي الى ضعف هذه الضمانة ويختفي دورها الحقيقي في حماية حقوق الأفراد وحرياتهم.
2- رقابة القضاء لأعمال السلطة التنفيذية
تعد رقابة القضاء على اعمال السلطة التنفيذية ممثلة واحد عنصر الرقابة وأكثرها ضماناً لحقوق الأفراد وحرياتهم لما تتميز به الرقابة القضائية من استقلال وحياد. وما تتمتع به احكام القضاء من قوة وحجية يلتزم الجميع بتنفيذها واحترامها والا تعرض المخالف للمسائلة وما في ذلك من تبني لشرعية دولة القانون.
ومن المستقر وجود نوعين من نظم الرقابة القضائية على اعمال الادارة هما نظام القضاء الموحد ونظام القضاء المزدوج.
أ- نظام القضاء الموحد
يسود هذا النظام في انكلترا والولايات المتحدة الامريكية وبعض الدول الاخرى ومقتضاه ان تختص جهة قضائية واحدة بالنظر في جميع المنازعات التي تنشأ بين الافراد انفسهم او بينهم وبين الادارة او بين الهيئات الادارية نفسها.
وهذا النظام يتميز بانه اكثر اتفاقاً مع مبدأ المشروعية اذ يخضع الافراد والادارة الى قضاء واحد وقانون واحد مما لا يمنح الادارة أي امتيازات في مواجهة الافراد. بالاضافة الى اليسر في اجراءات التقاضي.
ب- نظام القضاء المزدوج
يقوم هذا النظام على اساس وجود جهتين قضائيتين مستقلتين جهة القضاء العادي وتختص بالفصل في المنازعات التي تنشأ بين الافراد او بينهم وبين الادارة عندما تتصرف هذه الأخيرة كشخص من اشخاص القانون الخاص ويطبق على هذا النزاع احكام القانون الخاص. وجهة القضاء الإداري تختص بالفصل في المنازعات التي تنشأ بين الأفراد والسلطات الإدارية عندما تظهر بصفتها صاحبة السلطة وتتمتع بامتيازات لا يتمتع بها الافراد ويطبق القضاء الإداري على المنازعة قواعد القانون العام، وتعد فرنسا مهد القضاء الاداري ومنها انتشر الى كثير من الدول كبلجيكا واليونان ومصر والعراق و الجزائر. ومن المهم القول بان هذا النظام قد نشأ اساساً على مبدأ الفصل بين السلطات ومقتضاه منع القضاء العادي من النظر في المنازعات التي تكون الادارة طرفاً فيها احتراماً لاستقلال السلطة التنفيذية.
وقد اتسم القضاء الإداري بسرعة الفصل في المنازعات الإدارية والبساطة في الإجراءات ضماناً لحسن المرافق العامة.
وان وجود قضاء متخصص يمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية يمثل ضمانة حقيقية لحقوق الأفراد وحرياتهم في مواجهة تعسف الإدارة، وتتجلى أهمية وجود قضاء إداري متخصص للفصل في المنازعات الإدارية في أن رقابة القضاء على أعمال الادارة تعتبر الجزاء الاكبر لمبدأ الشرعية والضمانة الفعالة لسلامة تطبيق القانون والتزام حدوده وبه تكتمل عناصر الدولة القانونية وحماية حقوق وحريات الافراد من جور وتعسف الادارة.
ويعد مجلس الدولة الذي تم انشائه بصدور القانون العضوي رقم 98/01 ركناً مهماً من اركان احترام القانون فتختص بالنظر في صحة القرارات الادارية التي تصدر عن الهيآت المركزية والهيئات اللامركزية في دوائر الدولة والتعويض عنها.
3- رقابة الهيئات المستقلة لأعمال السلطة التنفيذية
من الوسائل الجديدة التي اعتمدتها بعض الدول للرقابة على أعمال الإدارة استحداث هيئات مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية لتمارس وظيفة الرقابة على تصرفات الادارة والبحث في مدى موافقتها للقانون.
ومن النماذج على هذه الهيئات نظام الامبودسمان Ombudsman أو المفوض البرلماني وهو شخص مكلف من البرلمان بمراقبة الإدارة والحكومة وحماية حقوق الأفراد وحرياتهم (14).
وقد استحدثت السويد هذا النظام في دستورها لعام 1809 ليكون وسيلة لتحقيق التوزان بين سلطة البرلمان والسلطة التنفيذية وللحد من تعسف الأخيرة في استخدامها لامتيازاتها في مواجهة الافراد. وقد انتشر هذا النظام من السويد الى الكثير من دول العالم فأخذت به فلندا عام 1919 والدا نمارك بمقتضى دستورها 1953 وانتخب أول امبودسمان فيها عام 1955 والنرويج عام 1962 والمملكة المتحدة وكندا عام 1967 وأخذت فرنسا بنظام مشابه أسمته الوسيط Le med-iateur عام 1973 كما أخذت به بعض الولايات في الولايات المتحدة الأمريكية.
وعموماً تملك هذه الأنظمة الحق في التدخل من تلقاء نفسها أو بناءً على شكوى تتلقاها من الأفراد أو بأي وسيلة اهرى يعلم من خلالها بوقوع مخالفة فيعمل على توجيه الإدارة إلى وجوب إتباع أسلوب معين في عملها لتتدارك أخطائها، كما تملك استجواب أي موظف في هذا الشأن ولها إقامة الدعوى على الموظفين المقصرين في أداء واجباتهم ومطالبتهم بالتعويض لمخالفة ضرر من جراء التصرف غير المشروع.

الضمانات الواقعية لتطبيق القواعد الدستورية
الى جانب الضمانات القانونية لتطبيق القواعد الدستورية هناك ضمانات واقعية غير منظمة تعزز دور الضمانات القانونية التي قد تعجز أحيانا عن توفير الحماية اللازمة للدستور واحترام حقوق الأفراد وحرياتهم وتتمثل هذه الضمانات في رقابة الرأي العام ومقاومة الطغيان.
رقابة الرأي العام
يراد بمصطلح الرأي العام مجموعة الآراء التي تسود مجتمع معين في وقت ما بخصوص موضوعات معينة تتعلق بمصالحهم العامة والخاصة.
ان رقابة الراي العام تعد في الواقع العامل الرئيس في ردع الحكام واجبارهم على احترام الدستور وما يتضمنه من حقوق وحريات للافراد فكلما كانت هذه الرقابة قوية كلما كان التقيد بالدستور قوياً. وكلما كانت رقابة الرأي العام ضعيفة او منعدمة كلما ضعف تبعاً لذلك احترام الدستور.
إذ إن احترام القواعد الدستورية انما يرجع الى مراقبة الافراد لحكامهم، إلا ان هؤلاء لا يمكنهم التأثير على تصرفات الحكام ما لم يكن رايهم مستنيراً ناضجاً ومنضماً من جهة اخرى.
ومن الواضح ان هذا النوع من الرقابة له الاثر البالغ في الرقابة على اعمال السلطة التنفيذية ومنعها من التعسف في استعمال السلطة غير ان هذا الطريق لا يتسع تأثيره إلا في الدولة التي تكفل حرية التعبير والتي يبلغ فيها الرأي العام من النضج ما يؤهله القيام بواجب الرقابة وعدم الخضوع لمصالح فئات معينة تسخر الارادة الشعبية والرأي العام لتحقيق اهدافها ومصالحها الخاصة فتفقد بذلك حقيقة تعبيرها عن المصلحة العامة.
ويشترك في تكوين الرأي العام مختلف الهيئات والتنظيمات الشعبية ومؤسسات المجتمع المدني والاحزاب عن طريق طرح افكارها والدعوة اليها في مختلف الوسائل التي تؤدي الصحافة والوسائل السمعية والبصرية دوراً كبيراً في نشرها وتعبئة الجماهير وتوجيههم من خلالها.
أ- مؤسسات المجتمع المدني
برز مفهوم المجتمع المدني في اطار افكار ورؤى بعض المفكرين والفلاسفة خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر والتي تعتمد افكارهم اساساً على ان الانسان يستمد حقوقه من الطبيعة لا من قانون يضعه البشر وهذه الحقوق لصيقة به تثبت بمجرد ولادته. وان المجتمع المتكون من اتفاق المواطنين قد ارتأى طواعية الخروج من الحالة الطبيعية ليكون حكومة نتيجة عقد اجتماعي اختلفوا في تحديد اطرافه.
والمفهوم المستقر للمجتمع المدني يقوم على اساس انه مجموعة المؤسسات والفعاليات والانشطة التي تحتل مركزاً وسطياً بين العائلة باعتبارها الوحدة الأساسية التي ينهض عليها البنيان الاجتماعي والنظام القيمي في المجتمع من ناحية والدولة ومؤسساتها وأجهزتها ذات الصبغة الرسمية من جهة أخرى.
وبهذا المعنى فان منظمات المجتمع المدني تساهم بدور مهم في ضمان احترام الدستور وحماية حقوق الافراد وحرياتهم وتمثل الأسلوب الأمثل في إحداث التغيير السلمي والتفاهم الوطني مع السلطة في سبيل تعزيز الديمقراطية وتنشئة الأفراد على أصولها وآلياتها. فهي الكفيلة بالارتقاء بالفرد وبث الوعي فيه وتعبئة الجهود الفردية والجماعية للتأثير في السياسات العامة وتعميق مفهوم احترام الدستور وسيادة القانون.
2- وسائل الاعلام
تلعب وسائل الاعلام دوراً سياسياً مهماً يساهم في تعبئة الرأي العام الشعبي من خلال كتابات واقوال المفكرين والصحف والفضائيات المرئية والمسموعة والاجتماعات والندوات التي تساهم في اطلاع الجماهير على المشاكل الاكثر إلحاحاً والتي يتعرض لها المجتمع وتكون مراقب جماعي لصالح الشعب من خلال انتقاد سياسات الحكام وكشف فضائحهم وفسادهم وانتهاكهم لسيادة القانون.
3- الأحزاب السياسية
من أساسيات العمل الديمقراطي ان تسعى الأحزاب السياسية الى تحقيق الاتصال الجماهيري. فالدور الأساسي الذي تقوم به الاحزاب السياسية هو السعي للحصول على تأييد الافراد لبرامجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعد بتنفيذها اذا ما وصلت الى السلطة عبر الانتخاب. وحتى تحقيق ذلك تبقى الأحزاب مراقبة لعمل الحكومات لضمان احترامها للدستور وسيادة القانون.

شكرا لك اختي هادية واصلي المراجعة وانا معكي انشاء الله نراجع مع القانون الدستوري

الجزائرية 1983
2011-09-25, 22:58
ما هي اهم التعديلات التي طر أت مؤخرا على الدستور الجزائري ( اقصد التعديلات الجديدة ) :dj_17:

aissa2008
2011-09-27, 16:34
السلام عليكم

اهم التعديلات هي ما تلعق منها بمدة الرئاسة والتي تركت مفتوحة اصافة الى اقرار منصب وزير اول دوره تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية اضافة الى وجود نواب اخرين.

التعديل الاخر هو احترام رموز لدولة وتدريس التاريخ وتكريس احترام حقوق المراة في الدستور الحالي

هذه هي اهم تعديلات دستور 2008

hadia369
2011-09-28, 00:21
السلام عليكم

اهم التعديلات هي ما تلعق منها بمدة الرئاسة والتي تركت مفتوحة اصافة الى اقرار منصب وزير اول دوره تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية اضافة الى وجود نواب اخرين.

التعديل الاخر هو احترام رموز لدولة وتدريس التاريخ وتكريس احترام حقوق المراة في الدستور الحالي

هذه هي اهم تعديلات دستور 2008

مقدمــة
تكتسي موضوعات القانون الدستوري أهمية في مجال الدراسات القانونية فهي على علاقة بفكرة الدولة القانونية التي يلتزم فيها كل من الحاكم و المحكوم حدود القانون، و دراسة القانون الدستوري تتركز أساسا في دراسة الجوانب المختلفة للدستور.
فالدستور هو القانون الأساسي للدولة، يملك من الخصائص التي تضعه في منزلة أعلى من غيره من القوانين و القوة التي يتميز بها الدستور، يمكن رؤيتها من ناحيتين. الأولى تتعلق بمضمونه أي السيادة المادية، فالتفوق المادي للدستور يعود إلى أن النظام القانوني بكليته و جميع النشاطات التي تمارسها سلطات الدولة ترتكز على الدستور و تستمد منه شرعيتها، إذن هو القاعدة الأساسية المكونة و المنظمة لاختصاصات السلطة العامة، أما الناحية الثانية، تتعلق بالسيادة الشكلية للدستور، و هي نتيجة منطقية لسيادته المادية و يقصد بها، الأصول الواجب اعتمادها لإعداد النصوص الدستورية و احترامها. و لجعل هذه النصوص تتمتع بالحماية و الاحترام فان إعدادها و تعديلها يفترضان إتباع بعض الشروط الشكلية التي قد تحد من حرية السلطات التي تتولى أمر تطبيق الدستور و تعديله.
فمن خلال ما تقدم تبرز أهمية الدستور في النظام القانوني للدولة و من بين المواضيع الهامة في إطار الدراسات القانونية، موضوع التعديل الدستوري، فهو ضرورة قانونية و سياسية في جميع الأنظمة الدستورية، فلابد أن يساير الدستور التغيير و التطور المستمر و لابد من إيجاد تنظيم لوسائل شرعية لتعديل الدساتير، فمن أهم دوافع حركة تدوين الدساتير في أواخر القرن السابع عشر و ما بعدها هو تأكيد استقرار القواعد الدستورية و ضمانها في وثائق مكتوبة، فهذا التقابل بين الحرص على استقرار القواعد الدستورية، و التطور المستمر و المتنوع و المتسارع في جميع مجالات الحياة البشرية و الحضارية جعل من التعديل الدستوري ضرورة لابد منها لإقامة التوازن بين هذين العاملين (التطور و الاستمرار) و ضمانا منطقيا و عمليا للحفاظ على الشرعية الدستورية.
فالواقع الدستوري و السياسي لغالبية دول العالم اليوم يشهد تنافرا شديدا بائنا بين الكثير من النصوص الدستورية و تطبيقاتها على أرض الواقع العملي، و هذا السبب هو الذي يؤدي بنا إلى دراسة موضوع التعديل الدستوري لأنه يمس بالحريات العامة و حقوق الإنسان و المواطن و يمس بالتوازن بين السلطات حيث يؤدي التعديل الدستوري إلى تفوق إحدى السلطات الثلاث في الدولة على الأخرى و هذا الأمر قد يترتب عليه تغيير في النظام السياسي للدولة.
و من هذا المنطلق تأتي أهمية دراسة موضوع التعديل الدستوري في الجزائر، وسبب اختيارنا لهذا الموضوع يعود أن كل الدساتير الجزائرية جاءت في ظروف الأزمات، و بعبارة أخرى أن التعديل الدستوري جاء لحل الأزمات التي عرفتها الجزائر، مما يؤكد ضرورة التمعن في خلفيات هذه التعديلات و السياق الذي جرت فيه هذه التعديلات.
فالوثيقة الدستورية هي التي تحتل القمة في النظام القانوني في الدولة ذلك أنها تحدد نظام الحكم في الدولة و تنظيم الحريات و حقوق الإنسان، و العلاقة بين السلطات الثلاث.
و على أساس ما تقدم فان التعديل الدستوري يمكن أن يؤدي إلى هشاشة الدولة ذلك أن النظام الدستوري الجزائري هو تقليد للأنظمة الغربية. فهذه الأخيرة جاءت نتيجة تطورات تاريخية و ظروف سياسية و اقتصادية و اجتماعية و لا يمكن تقليدها أو تطبيقها في بيئة غير المحيط الذي ظهرت فيه. و لا يشترط في النظام الدستوري أن يتبنى نظاما معينا (برلمانيا أو رئاسيا أو حكومة جمعية) لكي يطلق عليه وصف النظام الديمقراطي، و إنما يشترط في النظام احترام مبادئ و أسس و قواعد النظام الديمقراطي و مبادئ و قيم المجتمع و تراثه.
من جهة أخرى فان الوثيقة الدستورية لابد أن تصاغ بطريقة قانونية فلا تؤدي إلى أي تأويل من خلال أحكامها.
و من خلال ما تقدم نطرح الإشكالية التالية: ما هي القواعد التي تحكم التعديل الدستوري و كيف يمكن للتعديل الدستوري في الجزائر أن يؤثر على ضبط التوازنات بين السلطات المختلفة و على الحقوق و الحريات العامة؟
و لمعالجة هذا الموضوع نستخدم المناهج الآتية:
 المنهج التاريخي.
 المنهج المقارن بين مختلف النصوص المعتمدة ذات الصلة بموضوع البحث محل الدراسة.
 المنهج التحليلي و النقدي.
و سنحاول اظهار الاقتراحات المقدمة و التي قد تعتبر كبدائل مقبولة و حلول مناسبة في موضوع التعديل الدستوري و سيتم تقسيم البحث على النحو التالي:
الفصل الأول: النظام القانوني للتعديل الدستوري في الجزائر.
المبحث الأول: تعريف التعديل الدستوري و أهميته.
المبحث الثاني: إجراءات التعديل الدستوري.
المبحث الثالث: قيود التعديل الدستوري.
المبحث الرابع: الصياغة القانونية للتعديل الدستوري.

الفصل الثاني: آثار التعديل الدستوري على النظام السياسي الجزائري.
المبحث الأول: مضمون التعديلات الدستورية.
المبحث الثاني: تطور الحقوق و الحريات العامة في الدساتير الجزائرية.
المبحث الثالث: آثار التعديل الدستوري على مبدأ الفصل بين السلطات.
المبحث الرابع: آثار التعديل الدستوري على المجتمع المدني و العمل السياسي.


الفصل الأول: النظام القانوني للتعديل الدستوري في الجزائر
تخضع عملية إعداد الدساتير لأسلوبين قديمين و هما أسلوب المنحة و أسلوب العقد أما الأسلوب الثاني فهو حديث أو أكثر ديمقراطية و هو الأسلوب الرضائي و المتمثل في الجمعية التأسيسية، أما الدساتير من حيث تعديلها فتنقسم إلى دساتير جامدة عندما يكون تعديلها خاضعا لإجراءات تفوق تلك التي يتطلبها القانون العادي عند تعديله، على عكس ذلك هناك الدساتير المدنية التي لا يتطلب تعديلها أي إجراء خاص أو استثنائي، و إنما تخضع في عملية تعديلها إلى نفس الكيفيات و الإجراءات التي يعدل بمقتضاها القانون العادي .
و تأسيسا على ذلك سوف نتناول في هذا الفصل الأول تعريف التعديل الدستوري و بيان أهميته (مبحث أول)، ثم إجراءات التعديل الدستوري من خلال الدساتير الجزائرية (مبحث ثاني)، ثم نتطرق للقيود الواردة على التعديل الدستوري في الجزائر (مبحث ثالث)، و ننهي الفصل الأول بدارسة الصياغة القانونية للتعديل الدستوري (مبحث رابع).
المبحث الأول: تعريف التعديل الدستوري و أهميته
يعتبر التعديل الدستوري ضرورة قانونية و سياسية في جميع الأنظمة الدستورية، ذلك أن الدستور هو القانون الأساسي في الدولة يقبل التعديل في كل وقت، أما من الناحية السياسية فان الدستور يقوم بوضع القواعد الأساسية للدولة وفقا لأوضاعها السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية وقت صدوره، فلابد من إيجاد تنظيم لوسائل سلمية، شرعية لتعديل القواعد الدستورية حتى لا تؤدي الحاجة و الضرورة إلى تعديلها بطريق مصحوب بالعنف غير الشرعي أو حصول تباعد و تنافر بين النصوص الدستورية و الواقع السياسي في الدولة.
من خلال ما تقدم نحاول تعريف التعديل الدستوري من حيث اللغة و الاصطلاح، و بيان أهميته.

المطلب الأول: تعريف التعديل الدستوري لغة و اصطلاحا
الفرع الأول: التعريف اللغوي
يقول الله تعالى في كتابه الكريم:" الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ " ، و جاء في قراءة هذه الكلمة عند علماء القراءة في علم التجويد أنه يصح للقارئ أن يقرأ الكلمة مرتين مرة (فَعَدَلَكَ) و هي تعني أن الله جعلك معدلا مستقيما لمرة واحدة أو للمرة الأولى في بدء خلق الإنسان. و المرة الثانية تقرأ (فَعَدَّلَكَ) و هي تعني أن الله يعدّل الإنسان قولا و عملا كلما حصل منه اعوجاج في القول أو العمل ليعود إلى جادة الصواب في حياته كلها.
و جاء في كتاب التفسير الواضح في تفسير هذه الآية الكريمة، و قد عدلك أي صرفك عن صورة غيرك إلى صورة حسنة كاملة. و جاء في مختار الصحاح، "تعديل الشيء تقويمه، يقال عدله تعديلا فاعتدل، أي قومه فاستقام، و كل مثقف معدل".
أما معنى التعديل في اللغة الانجليزية Amendment، هو تغيير في نص ما، باستبداله أو تغيير أو إضافة إليه أو لكل هذه الوسائل مجتمعة، الغرض منه تحسينه في جانب ما، أو هو تغيير في قانون من قبل البرلمان .
الفرع الثاني: التعريف الاصطلاحي
جاء في المعجم الدستوري بأن التعديل هو اقتراح تغيير نص يخضع لتصديق الجمعية النيابية عليه، و حق التعديل و هو نتيجة طبيعية للحق العام في المبادرة حسب تعبير Engene Pierre، و قد استعاده المجلس الدستوري الفرنسي و لم يظهر بهذه الصفة في الدساتير الفرنسية الأولى، و لا يتضمن حق التعديل القدرة على اقتراح الإلغاء الكامل أو الجزئي أو التغيير فيما يختص بعناصر أحكام مشروع أو اقتراح فحسب، بل الحق أيضا في إكمال النص بأحكام جديدة، فهذا الإكمال يأخذ شكل تعديل يحمل مادة ملحقة، أما التعديلات للتعديل فتسمح بتفسيره و لا يمكنها أن تكون تعديلات معدلة بحد ذاتها ، بمعنى أن المواد المعدلة يمكن أن تكون لها أحكام التفسير، و لا يقصد منها إضافة أو إلغاء أحكام.
فالتعديل إذن هو تغيير جزئي لأحكام الدستور سواء بإلغاء البعض منها أو بإضافة أحكام جديدة أو بتغيير مضمون بعضها. و لذا فان الإنهاء الكلي للدستور لا يشكل تعديلا له بل إلغاء ، و عليه فان التعديل يقتضي الإبقاء على نفس الدستور، و ليس وضع دستور جديد، بناء على ذلك يتبين أن التعديل يختلف عن الوضع الذي يعني إنشاء دستور جديد، كما يختلف عن الإلغاء أو الإنهاء الكلي الذي يعدم الدستور بصفة تامة .
و ينبغي الإشارة إلى أن هناك مجموعة من المصطلحات المرادفة للتعديل منها التغيير، التنقيح الاستبدال، الإضافة، المراجعة.
و من خلال ملاحظة دساتير الدول نجد كثير من التخبط و التكرار في استعمالاتها للتعابير و المصطلحات المختلفة، فبعض هذه الألفاظ لا يوجد بين مدلولاته اللفظية و مدلولاته الاصطلاحية أي تشابه أو تقارب، فالإلغاء أو الحذف و هما معنيان متشابهان لا يمكن الاستدلال منهما على معنى الإضافة أو الاستدلال في مضمون المدلول الاصطلاحي كذلك فان المدلول اللفظي للتنقيح لا يعطي إلا معنى الإنقاص أو الحذف و لا يشبه بأي وجه معنى الإضافة و الاستبدال أيضا، فلذلك فانه من الأفضل استعمال مصطلح التغيير في الدستور على غيره من المصطلحات فهو يغطي معاني الحذف و الإضافة و الاستبدال، و هو أصح في مدلوله من مصطلح تغيير الدستور لأن هذا المعنى قد ينصرف إلى تغيير الدستور كله .


المطلب الثاني: أهمية التعديل الدستوري
الدساتير لا تتمتع بنفس الديمومة، و هي ليست أزلية، و قد يكون لبعضها من طول النفس و القدرة على التأقلم مع تطور الأوضاع ما ليس للبعض الآخر، فدستور الولايات المتحدة الأمريكية الذي وضع منذ قرنين ما زال نافذ إلى يومنا هذا، مما جعل الولايات المتحدة الأمريكية دولة متمتعة باستقرار دستوري واضح و على العكس من ذلك، فان تاريخ فرنسا المعاصر تمتع بعدم الاستقرار الدستوري ذلك أن هذه الدولة عرفت منذ عام 1871 ما لا يقل عن 12 دستورا.
أما عن التجربة الدستورية في الجزائر، فكانت مع بداية استقلالها المعلن عنه سنة 1962، مع أول دستور لها عام 1963 و إن بقي حبر على ورق و لم يطبق، إلى أن ألغي بموجب الأمر الصادر في 10/07/1965 و توقفت بذلك أول تجربة دستورية في حياة الدولة الجزائرية المستقلة إلى غاية وضع دستور 1976 الذي وقعت عليه ثلاث تعديلات (1979- 1980-1988) و إن كان التعديلين الأول و الثاني لا تقل أهميتها، إلا أن التعديل الثالث (1988) كان أكثر أهمية، فقد تحقق بموجبه النظام الجزائري وجهة تختلف عن تلك التي وقع إقرارها في الدساتير السابقة (1963-1976)، بحيث انتقل من طبيعة نظام سياسي موحد (حزب – سلطة واحدة) إلى نظام سياسي تعددي، الفصل بين السلطات و ثنائية السلطة التنفيذية.
إن هذا الكم الضخم في عملية التعديلات الدستورية - و التي سوف نتطرق لها بالتفصيل في الفصل الثاني- و في فترة زمنية قصيرة، يعكس حقيقة الصعوبات التي يواجهها الحكام في إيجاد الحلول المقبولة لمشاكل الحكم و من جهة أخرى فإنها تكشف عن الرغبة المستمرة في البحث عن عملية تأسيس الدولة.
و كما أشار الأستاذ"جيرار كوناك" Gerard Conac، فان على الرغم من الاستقرار الدائم فان التحولات و التعديلات الدستورية تعكس رغبة البحث عن هياكل و إجراءات أكثر ملاءمة للحقائق السوسيولوجية و الثقافية لكل دولة.
و هكذا فان حداثة الدولة الجزائرية، يكشف أن كل محاولات التقليد على كل المستويات و اللجوء للنماذج الكلاسيكية للحكم لم تتمكن من إيجاد وسائل مقبولة لترشيد علاقة السلطة.
و مهما يكن الأمر، فان التعديلات الدستورية تأتي من الرغبة في حل التناقض داخل النظام السياسي. إن أشكال هذا التناقض متنوعة و توحي كل عملية تعديل نحو نظام معين، و بالتالي فان التحولات الدستورية ينبغي تفسيرها على مستويين الاستقرار و الاستمرار. لكن عمليا و إن كانت عملية التعديل الدستوري دليل على الاستمرار الدستوري، تدل على عدم الاستقرار السياسي و أن ما حدث في الجزائر في نوفمبر 1988، و نوفمبر 1989 و 28 نوفمبر 1996 و نوفمبر 2008، خير دليل على ذلك.
كانت هذه التعديلات الدستورية تخضع عند اقتراحها و إقرارها لتقدير رئيس الجمهورية و من ثمة فإنها لن تهدف بطبيعة الحال سوى الحفاظ و تقوية هيمنة السلطة التنفيذية في النظام السياسي و المستفيد الأكبر بالنظر لفائدة التعديل الدستوري، تلك الفائدة التي يراها القانون الدستوري يجب أن تحقق ملاءمة القانون الأساسي مع الحياة السياسية و لعل ذلك من أهم أبعاد و أهمية التعديل الدستوري .
المبحث الثاني: إجراءات التعديل الدستوري في الجزائر
إن الميزة الأساسية للنصوص الدستورية هو سمو قواعدها مقارنة مع باقي النصوص القانونية، الأمر الذي يفرض ضرورة مسايرة النصوص الأدنى لها من حيث المضمون، كما أن النتيجة الثانية هي تميز النصوص الدستورية بنوع من الثبات، إلا أن ذلك لا يعني جمودها المطلق و عدم قابليتها للتعديل لأن القول بعكس ذلك مرفوض لاعتبارين، الأول سياسي و مفاده أن قواعد الدستور هي مرآة عاكسة لمجموع الظروف السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية التي تعرفها الدولة، لذلك لابد أن يتم تعديل الدساتير حتى تساير التطور الذي يصيب تلك الظروف، و القول بعدم تعديلها يؤدي حتما إلى نشوب ثورات و انقلابات. و الاعتبار الثاني قانوني حيث أن فكرة الجمود المطلق للدساتير لا يتماشى و فكرة السيادة التي تكون ملكا للشعب أو للأمة، فعندما يقرر صاحب السيادة الجمود المطلق للدستور معنى ذلك أنه تنازل عن حقه في ممارسة التعديل.
و بناء على ما تقدم، نتناول إجراءات التعديل الدستوري من خلال دراسة مقارنة بين الدساتير الجزائرية (1963-1976-1989-1996).
المطلب الأول: مرحلة المبادرة بالتعديل
المبادرة بالتعديل قد تتقرر للحكومة وحدها، و قد يتقرر هذا الحق للبرلمان وحده و قد يتقرر هذا الحق للحكومة و البرلمان معا و قد يتقرر هذا الحق للشعب ذاته.
و تقرير حق اقتراح تعديل الدستور لأي من هذه الهيئات أمر يتوقف على مكانة كل منها إزاء الأخرى، فإذا كان الدستور يميل إلى رجحان كفة السلطة التنفيذية في الدولة و تقويتها على حساب السلطة التشريعية فانه يجعل المبادرة بالتعديل من اختصاص الحكومة و إذا كان الدستور يميل إلى رجحان كفة البرلمان و تقويته على السلطة التنفيذية أو على الأقل يجعل منه صاحب الولاية العامة في التشريع فان الدستور يجعل حق المبادرة بالتعديل من اختصاصه وحده، و إذا كان الدستور يميل إلى تحقيق التوازن و التعاون المتبادل بين السلطتين التنفيذية و التشريعية فانه يجعل حق المبادرة مشترك بينهما.
و إذا كان الدستور يجعل للشعب مكانا في مجال مباشرة مظاهر الحكم فانه يجعل للشعب فضلا عن البرلمان حق المبادرة بالتعديل .
و بالرجوع إلى الدساتير الجزائرية بداية بدستور 1963 حيث تقضي المادة 71 منه على أن المبادرة بتعديل الدستور ترجع إلى كل من رئيس الجمهورية و الأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس الوطني معا، و تبيانا لذلك فان المشرع الدستوري لم يحرص على جموده جمودا كليا لمدة زمنية محددة في إحدى قواعده حيث لا يجوز خلالها محاولة تعديله، بل سمح بإجراء تعديله و ذلك في أي وقت، لكن بشرط أن تتم المبادرة بمشاركة رئيس الجمهورية و الأغلبية المطلقة لنواب المجلس و الملاحظ أن دستور 1963لم يخص رئيس الجمهورية بالمبادرة لوحده. و بذلك يمكن القول بأن سلطة الرئيس تم تقييدها بمشاركة ممثلي الشعب (النواب) في المبادرة بالتعديل.
و يبدوا من خلال ما تقدم بأن المشرع الدستوري لم يستبعد بعض المسائل أصلا من إمكانية التعديل كما أنه حاول تقييد حق المبادرة و عدم إطلاقه و بذلك فان دستور 1963 يعتبر دستورا جامدا من حيث إجراءات تعديله . و الدليل على ذلك هو مناقشة المبادرة بالتعديل الدستوري من طرف المجلس الوطني و يكون ذلك تلاوتين و تصويتين.
أما دستور 1976 الصادر بالأمر رقم 76-97 الموافق لـ22 نوفمبر سنة 1976 و المتضمن إصدار دستور الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية.
حيث تنص المادة 191 منه"لرئيس الجمهورية حق المبادرة باقتراح تعديل الدستور في نطاق الأحكام الواردة في هذا الفصل" و منه نلاحظ أن حق المبادرة بالتعديل لرئيس الجمهورية وحده على عكس دستور 1963 .
و قد أبقى دستور 1989 على أحقية المبادرة باقتراح التعديل لرئيس الجمهورية لوحده و هذا من خلال نص المادة 163 منه. إلا أن دستور 1996 الصادر عن طريق المرسوم الرئاسي رقم 96-438 الموافق لـ7 ديسمبر سنة 1996 و المتعلق بإصدار نص تعديل الدستور السابق المصادق عليه في استفتاء 28 نوفمبر 1996 . هذا الأخير جاء بالجديد فمن خلال المادة 174 و التي أعطت حق المبادرة بالتعديل الدستوري لرئيس الجمهورية أضافت المادة 177 على حق 3/4 ثلاثة أرباع أعضاء غرفتي البرلمان المجتمعين معا أن يبادروا باقتراح تعديل الدستور على رئيس الجمهورية. بمعنى أعضاء مجلس الأمة المستحدث في دستور 1996 و أعضاء المجلس الشعبي الوطني، و رغم هذا الامتياز الذي منح للسلطة التشريعية إلا أنه لا يوجد مبادرات بالتعديل من طرف البرلمان و كل التعديلات التي عرفتها الدساتير الجزائرية المبادرة فيها للسلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية.
المطلب الثاني: مرحلة إقرار التعديل
تلجأ معظم الدساتير إلى منح البرلمان سلطة إقرار مبدأ التعديل، فيكون له سلطة البت فيما إذا كان هناك محل لإجراء التعديل من عدمه أي ضرورة تعديله أو عدم تعديله.
على أن بعض الدساتير قد تتطلب فضلا عن موافقة البرلمان على مبدأ التعديل موافقة الشعب . و الذي يلفت النظر في هذه الحالة أنه ما دام البرلمان منتخبا من طرف الشعب فعلام اشتراط موافقة الشعب أيضا على إقرار مبدأ التعديل؟ قد يكون الجواب على ذلك أن البرلمان ربما يكون في فترة معينة فاقد لثقة الشعب فيه .
الفرع الأول: إقرار التعديل من طرف البرلمان
إن دستور 1963 و من خلال أحكام تعديله الواردة في المواد من 71 إلى 74 فانه إذا تحقق شرط المبادرة بالتعديل السابق الذكر فان ذلك يستتبع أن تكون هناك تلاوتين لمشروع التعديل تكونان متبوعتان بتصويتان لأعضاء المجلس الشعبي الوطني بالأغلبية المطلقة مع اشتراط أن يتم الفصل بين التلاوتين و التصويتين مدة شهرين لكن هذا النص من المادة 72 لم يحسب طريقة التلاوتين و التصويتين ذلك أن البرلمان إذا كان رافضا للتعديل الدستوري في المرتين، فليس هناك مشكل يطرح لأن هذا المشروع سوف لن يعرض على استفتاء الشعب و سوف لن يكون هناك مشكل أيضا في حالة اذا كانت التلاوتين و التصويتين بقبول المجلس الشعبي الوطني لهما لأنهما يعرضان حتما على استفتاء الشعب، لكن الإشكال إذا كانت التلاوة الأولى بالرفض و الثانية بالقبول و العكس فهل العبرة بالتصويت الأخير؟ المادة لا تعطينا جوابا عن ذلك و يفترض في هذه الحالة أن الحكم يكون التلاوة الثانية، بمعنى أنه إذا كانت التلاوة الأولى بالرفض و الثانية بالقبول فان مشروع التعديل يعرض على الشعب و العكس.
و بالعودة إلى دستور 1976، و في حالة قيام رئيس الجمهورية بمبادرة التعديل التي لم يبين الدستور الشكل الذي تتم فيه إن كانت جمعية تأسيسية منتخبة من قبل الشعب أو من قبل البرلمان أو لجنة حكومية....فإنها تعرض على البرلمان لإقرار مشروع التعديل بأغلبية 2/3 أعضائه .
و قد ميز دستور 1976 بين صورتين من مشروع التعديل، الأولى و هي التي تخص الإطار العام لأية مبادرة بالتعديل، أما الصورة الثانية الخاصة بمشروع تعديل أحكام التعديل التي قيدها المشرع الدستوري أكثر بالنظر إلى أهميتها و اشترط من أجل تحققها توافر 3/4 ثلاثة أرباع أصوات أعضاء البرلمان مع قيد واحد و هو عدم قابلية تعديل نص المادة 195 ، فمجرد التفكير في مشروع التعديل محظور.
إلا أن الملاحظ أن دستور 1989 قد أغفل طريقة التصويت على إقرار التعديل الدستوري في المادة 163 و هو ما جاء به دستور 1996 حيث أن إقرار التعديل يتم بتصويت المجلس الشعبي الوطني و مجلس الأمة بنفس الصيغة حسب الشروط نفسها التي تطبق على نص تشريعي .


الفرع الثاني: إقرار التعديل من طرف الشعب
بالرجوع إلى دستور 1963 نجد أن المشرع الدستوري منح حق إقرار التعديل الدستوري لأعضاء المجلس الشعبي الوطني دون الشعب و هو ما سار عليه دستور 1976، أما دستور 1989 منح للشعب إلى جانب المجلس الشعبي الوطني حق إقرار التعديل الدستوري و السؤال الذي يطرح لماذا ألزم المشرع الدستوري موافقة الشعب؟ الجواب سبق و أن أشرنا إليه و هو أنه قد يكون البرلمان فاقد للمصداقية و ثقة الشعب فيه.
و مكنت المادة 164 من دستور 1989 رئيس الجمهورية بأن يلجأ إلى تعديل الدستور و يعرضه مباشرة متى أحرز ثلاثة أرباع 3/4 من أصوات أعضاء المجلس الشعبي الوطني شريطة أن لا يمس التعديل المبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري و حقوق الإنسان و المواطن و حريتهما، و لا يمس بأي شيء التوازنات الأساسية للسلطات و المؤسسات الدستورية . أما دستور 1996 فقد جعل إقرار التعديل الدستوري للمجلس الشعبي الوطني و مجلس الأمة و يشترط لذلك عرضه على استفتاء الشعب خلال 50 يوما الموالية لإقراره.
المطلب الثالث: مرحلة الإقرار النهائي للتعديل
الإقرار النهائي للتعديل الدستوري يكون إما عن طريق الشعب (الاستفتاء الدستوري) و إما عن طريق الهيئة التي أنيطت بها مهمة إعداد التعديل. و أخيرا يكون الإقرار النهائي عن طريق إصدار رئيس الجمهورية للتعديل الدستوري.
الفرع الأول: الإقرار النهائي عن طريق الاستفتاء الدستوري
تنص المادة 73 من دستور 1963 على: "يعرض مشروع قانون التعديل على مصادقة الشعب عن طريق الاستفتاء"
و الملاحظ أن دستور 1976 لم ينص على الاستفتاء. أما دستور 1989 فقد نص في المادة 165 منه على اشتراط موافقة الشعب بعد إقرار المجلس الشعبي الوطني. و تضيف المادة 166 من نفس الدستور "يصبح القانون الذي يتضمن مشروع التعديل الدستوري لاغيا، إذا رفضه الشعب، و لا يمكن عرضه من جديد على الشعب خلال نفس الفترة التشريعية"و تقابل هذه المادة من دستور 1996 المادة 175.
الفرع الثاني: الإقرار النهائي لذات الهيئة التي أنيطت بها مهمة إعداد التعديل
إن التعديل يجب أن يتم بنفس طريقة وضع الدستور نفسه احتراما لقاعدة توازي الأشكال، فإذا وضع الدستور عن طريق جمعية تأسيسية فيجب إذن إقرار التعديل عن طريق جمعية تأسيسية أو غير ذلك من أساليب الوضع ، و هذا المبدأ أخذ به المشرع الدستوري في دستور 1976 في المادة 193 منه حيث تنص: "إذا تعلق مشروع قانون التعديل بالأحكام الخاصة بتعديل الدستور، فمن الضروري أن يتم الإقرار بأغلبية ثلاثة أرباع المجلس الشعبي الوطني، لا تسري هذه الأحكام على المادة 195 من الدستور التي لا تقبل أي تعديل".
الفرع الثالث: إصدار رئيس الجمهورية للتعديل الدستوري
بالرجوع إلى دستور 1963 المادة 74 منه فانه يتبين أن إصدار التعديل يكون من طرف رئيس الجمهورية خلال الأيام الثمانية الموالية لتاريخ الاستفتاء، بعد مصادقة الشعب على مشروع التعديل الدستوري. و ينص دستور 1976 في الفصل السادس منه و المعنون بالسلطة التأسيسية في المادة 196: "يصدر رئيس الجمهورية القانون المتعلق بالتعديل الدستوري" و كذلك الحال في دستور 1989 في نص المادة 167.
أما دستور 1996 فقد تكلم عن الإصدار في المادة 174 فقرة 2، و تكلم أيضا عن الإصدار في المادة 176 و التي تنص: "إذا ارتأى المجلس الدستوري أن مشروع أي تعديل دستوري لا يمس البتة المبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري و حقوق الإنسان و المواطن و حريتهما و لا يمس بأي كيفية التوازنات الأساسية للسلطات و المؤسسات الدستورية، و علل رأيه: أمكن رئيس الجمهورية أن يصدر القانون الذي يتضمن التعديل الدستوري مباشرة دون أن يعرضه على الاستفتاء الشعبي، متى أحرز ثلاثة أرباع 3/4 أصوات أعضاء غرفتي البرلمان".
كذلك المادة 177 تتكلم عن الإصدار في حالة ما إذا كانت المبادرة باقتراح التعديل من طرف ثلاثة أرباع 3/4 أعضاء غرفتي البرلمان المجتمعين معا.
المبحث الثالث: قيود التعديل الدستوري
إن لدراسة موضوع قيود التعديل الدستوري أهمية كبيرة، و يستلزم ذلك أن نميز بين السلطة التي تضع الدستور و التي تسمى السلطة التأسيسية الأصلية و هي سلطة غير مقيدة و السلطة التي تعدل الدستور (السلطة التأسيسية المنشأة). ثم نتطرق لقيود التعديل الوضعية و نقصد بها القيود المنصوص عليها في الدستور، و أخيرا نتناول القيود غير الوضعية.
و ينبغي أن نشير أن الرأي القائل باستمرار سلطة وضع الدستور يجعل من غير المفيد الحديث عن قيود لتعديل الدستور، لأن التمييز بين السلطتين هو الذي يسمح بالقول بوجود قيود لتعديل الدستور ترجع إلى اختلاف مصدر اختصاص كل منهما و مداه من جانب.
المطلب الأول: التمييز بين السلطة التأسيسية الأصلية و السلطة التأسيسية المنشأة
يمكن تعريف السلطة التأسيسية بصفة عامة، بأنها تلك السلطة التي تحوز اختصاص دستوري لوضع دستور جديد أو لإجراء تعديل لدستور موجود سلفا. و هذا التعريف العام يحمل في ثناياه تمييزا بين سلطة تأسيسية أصلية و سلطة تأسيسية منشأة، فالأولى هي التي لا تتقيد بأي شرط و تتدخل في ظروف الفراغ الدستوري لعدم خضوع سلطتها لمحددات و قيود سابقة، تتولى سن الدستور في ضوء ما تراه محققا لمصالح الوطن و المواطن، و هي أثناء قيامها بهذه المهمة تقرر بعض القيود الشكلية و الموضوعية، التي يمكن عن طريقها تغيير بعض قواعد الدستور التي تضعه، فهي تدرك أن الجمود و الاستقرار أمران متطلبان لأي دستور باعتباره أسمى قاعدة قانونية في الدولة، دون أن تهمل في الوقت نفسه ضرورة أن يساير الدستور التطور الزمني و ما يفرزه من متطلبات و حاجيات جديدة لم يستطع المشرع الدستوري التنبؤ بها لبعدها الزمني عن لحظة تدخلهم، فيقرر بالتالي إمكانية تغيير بعض نصوصه بشروط معينة، تجعل السلطة التي تتدخل لانجاز هذه المهمة باقية في ذات الإطار و الخط العام الذي سبق أن وضعه المشرع ووافق عليه الشعب.
و هذا يؤكد اختلاف السلطة التي تتدخل لتعديل الدستور عن السلطة التي وضعته فبالرغم من أن السلطتين تسنان قواعد دستورية تتمتع بذات القيمة القانونية، فان السلطة التي تضع الدستور تتمتع بالسمو من ناحيتين الأولى أنها تتدخل لوضع الدستور دون أن تخضع لشروط أو لقواعد مسبقة من ناحية، و الثانية أنها تقر مبدأ تعديل الدستور و تقرر الشروط التي على أساسها يمكن إدخال هذا التعديل من ناحية أخرى.
و للتمييز بين السلطتين الأصلية و المنشأة يستدعي البحث عن معيار يفرق بينهما بصورة دقيقة. و يمكن تصنيف الاجتهادات الفقهية بصدد هذه المسألة إلى اتجاهين كبيرين: اتجاه يستند إلى معيار شكلي و آخر يستند إلى معيار موضوعي و كل اتجاه ينطلق من الفلسفة و المفهوم الذي يعتنقه في تعريف كل من السلطتين.
الفرع الأول: المعيار الشكلي
يعد الفقيه كاريه دو مالبرج Carré De Malberg أول من قال بالمعيار الشكلي و له الفضل الأول في تقديم تصور واضح يؤدي إلى تمييز دقيق بين السلطة التأسيسية الأصلية و السلطة التأسيسية المنشأة، و يبدأ هذا الفقيه ببيان فكرته انطلاقا من التمييز الضروري بين وضع السلطة التأسيسية في حال الإعداد الأول لدستور الدولة و وضعها حيث تكون الدولة موجودة سلفا، و يرى أن السلطة الأولى لا يمكن أن تجد سندها في القانون، بل ترتد إلى مجرد الواقع، الذي لا يمكن أن يحكم، في مثل هذا الفرض، في ضوء مبادئ القانون الوضعي، في حين أن الأمر يختلف بالنسبة للسلطة التأسيسية في حالة الوجود السابق للدولة، حيث تعد سلطة يمكن إسنادها إلى النظام القانوني و تصنيفها، بالتالي كأحد مؤسسات الدولة الموصوفة بواسطة دستورها، و هذه المؤسسة قد تأخذ شكل لجنة خاصة منتخبة، تشكل لهذا الغرض، و قد تجد أصلها في تشكيلات حكومية منتخبة على سبيل المثال، و في كل الأحوال، فان هذه الجمعية التي تتولى الاختصاص الدستوري في هذه الحالة تجد أصلها في النظام القانوني كإحدى مؤسسات الدولة، على عكس الحال بالنسبة للسلطة التأسيسية التي تضع دستور للدولة نفسه.
و يقسم "مالبرج" بعد ذلك السلطة التأسيسية تبعا للظروف المصاحبة لتدخلها إلى سلطة تأسيسية تتدخل في ظروف استثنائية كما في أحوال الثورات أو الانقلابات و سلطة تأسيسية تتدخل في ظروف طبيعية، فالسلطة التأسيسية التي تباشر عملها في ظروف غير طبيعية هي سلطة لا تفسر أو تفهم بالنظر إلى النظام القانوني الذي يحدده الدستور الساري فعلا، حيث لا يمكن القول بوجود قواعد قانونية أو دستورية، بل القوة فقط هي التي تصاحب عمل هذه السلطة، و لذلك فان الدستور الجديد سيأتي حتما بطريقة مخالفة لكل الأصول الدستورية التي كانت سارية من قبل سبب انقطاع كل صلة قانونية بين هذا الدستور و الدستور السابق.
أما حيث تتدخل السلطة التأسيسية في ظروف طبيعية، فان التعديل الدستوري يجب أن يتم طبقا للقواعد المحددة دستوريا و بواسطة المؤسسات التي عهد إليها الدستور بذلك.
و من جانب آخر و في ذات الإطار العام الذي قدمه "كاريه دو مالبرج" ، للتفرقة بين السلطة التأسيسية الأصلية و المنشأة، جاء تصور الفقيه الكبير "جورج بيردو" "G.Burdeau"، و لكن باستخدام تحليل مغاير ينتهي إلى ذات النتيجة فالأستاذ "جورج بيردو" يرى أن مصطلح السلطة التأسيسية يشتمل على تعبيري السلطة التأسيسية بالمعنى الفني لتلك السلطة التي يكون لها الاختصاص بوضع دستور جديد للدولة و التي توجد عادة عقب الحركات الثورية ، بينما يشير اصطلاح سلطة التعديل إلى عضو في الدولة معرف بواسطة نظامها القانوني و يتدخل بقصد تعديل أو استبدال الدستور و هذه السلطة بهذا المعنى سلطة قانونية تستمد اختصاصها من النظام القانوني الساري و بالدرجة الأولى من الدستور.
و يرجع الفضل للأستاذ "بونار" "Bonnard" في استخدام التسميات المعروفة حاليا للسلطتين التأسيسيتين، حيث يعد أول من استخدم وصف السلطة التأسيسية الأصلية و السلطة التأسيسية المؤسسة. و هذه التعبيرات التي استخدمها الأستاذ "بونار" لأول مرة، لقيت استحسانا من بعض الفقه على أن الأستاذ "جورج فيدل" "G.Vedel" فضل استخدام السلطة التأسيسية المنشأة بدلا من السلطة التأسيسية المؤسسة و هو المصطلح الذي شاع استخدامه بواسطة الفقه بعد ذلك.
الفرع الثاني: المعيار الموضوعي
في إطار هذا التصور الموضوعي، يطرح الفقيه كارل سميث تصوره بادئا بتحديد المصطلحات التي على أساسها يبني أفكاره حيث يرفض استخدام مصطلح السلطة التأسيسية الأصلية و السلطة التأسيسية المنشأة، و يستخدم تعبير"السلطة التأسيسية" للإشارة إلى السلطة الأولى، و تعبير "سلطة التعديل الدستوري" للإشارة إلى السلطة الثانية، ليصل إلى الإعلان بأن السلطة الثانية – أي السلطة التأسيسية المنشأة- ليست سلطة تأسيسية. فالسلطة التأسيسية لا تتجزأ، و الغموض في التمييز بين الدستور و القانون الدستوري هو الذي أدى إلى الخلط بين السلطة التأسيسية و الاختصاص بالتعديل الدستوري، و هو ما أدى بدوره إلى تصنيف هذا الاختصاص الأخير على أساس أن الهيئة التي تتولاه لا تعدو أن تكون سلطة تأسيسية، تمييزا لها عن السلطات الأخرى في الدولة.
فدور السلطة التأسيسية يظهر من خلال الاختيارات و القرارات السياسية الجوهرية المؤسسة للنظام، من خلال نهج موضوعي و شكلي يعكس الوجود السياسي للجماعة، و على ذلك، فان السلطة التأسيسية (الأصلية) تختلف و تفترق عن سلطة التعديل الدستوري (السلطة التأسيسية المنشأة) من خلال موضوع اختصاص كل منهما، فالسلطة التأسيسية تتولى وضع الدستور، بينما تختص سلطة التعديل الدستوري بتعديل نصوص القوانين الدستورية السارية، فالتمييز يعتمد في أساسه إذن على التفرقة بين الدستور و القوانين الدستورية، فالدستور عند "كارل شميت" يتمثل في الاختيار الإجمالي لنهج و شكل الوحدة السياسية للجماعة، فهو عمل السلطة التأسيسية و لا يتضمن اتجاهات أو معايير سياسية خاصة، و إنما يحدد فقط الوجه العام للجماعة السياسية للدولة دون تمييز بين التيارات المختلفة، أما القوانين الدستورية فتتضمن على العكس فكرة المعايير الخاصة للجماعة السياسية واضعة نصب عينيها أن هناك دستورا موجودا و ساريا لا تتخطاه و النتيجة المستفادة من التمييز السابق هي أنه إذا كانت هذه القوانين لها صفة دستورية من ناحية موضوعها، إلا أنها لا تتساوى من هذه الناحية القانونية مع الدستور، بل هي أقل قوة و قيمة منه و ينتهي هذا الفقيه إلى صياغة فكرته من خلال التمييز بين الدستور و القوانين الدستورية من ناحية التعديل، فالدستور لا يمكن تعديله بواسطة ذات الإجراءات المتطلبة لإجراء تعديل لقانون دستوري، فتعديل الدستور لا يعدو أن يكون تعديلا لنصوص القوانين الدستورية السارية و ليس تعديلا للدستور نفسه، لأن سلطة التعديل لا يمكن أن تتساوى مع السلطة التأسيسية التي تتولى وضع دستور جديد. و بعبارة أخرى فسلطة التعديل مقيدة بالأسس و القرارات الجوهرية المشار إليها باعتبارها مكونا لجوهر دستور الدولة، فلا يتناولها التعديل.
و تكريسا لتصور سميث السابق ذكره، يؤكد الفرنسي "O.Beaud" أن عمل الدستور و إجراء التعديل يختلفان و يتعارضان بصورة جوهرية، فعمل الدستور يصدر عن عمل تأسيسي، و إجراء التعديل ينسب إلى سلطة التعديل، و يسمى الأول من الناحية القانونية السليمة بالسلطة التأسيسية بدلا من السلطة التأسيسية الأصلية، بينما يسمى الثاني سلطة التعديل الدستوري بدلا من السلطة التأسيسية المنشأة.
و نتيجة لهذه التوصيفات، يعتقد الفقيه بوجود تدرج بين السلطة التأسيسية و سلطة التعديل يقوم على أسس موضوعية. فالسلطة الأولى هي سلطة ذات سيادة أو سلطة عليا، و سلطة التعديل لا تتوفر لها هذه الخصائص بذات القدر، و بعبارة أخرى، فالسلطة التأسيسية هي سلطة غير مقيدة و سلطة التعديل هي سلطة مقيدة. أي أن السلطة التأسيسية هي سلطة أصلية و سلطة التعديل هي سلطة منشأة. و على ذلك فالسلطة التأسيسية المنشأة أو سلطة التعديل تلتزم بقيود وضوابط وضعتها السلطة التأسيسية الأصلية، ليست فقط ذات طبيعة شكلية أو إجرائية، و إنما أيضا ذات طبيعة موضوعية، فالنصوص المتعلقة بالسيادة الوطنية من الاختصاص الحصري للسلطة التأسيسية الأصلية و تستعصي على أي تدخل لسلطة التعديل، لأن هذه النصوص تحتوي على أحكام أساسية أو جوهرية تتعلق بذاتية الدولة و لا يمكن أن تطالها سلطة التعديل، نظرا لخطورة مثل هذا التعديل .
المطلب الثاني: القيود الوضعية لتعديل الدستور
تتنوع القيود التي تأتي بها الدساتير بين موضوعية و زمنية و شكلية، فالعديد من الدساتير تحظر من الناحية الموضوعية المساس بموضوعات معينة، بحيث لا يمكن أن يطالها أي تعديل لاحق عن نفاذها لارتباطها في الحقيقة بجوهر النظام السياسي الذي تتبناه الدولة، مثل حظر المساس بالنظام الجمهوري أو بأحد رموز الدولة .
كما توجد العديد من الدساتير أيضا التي تحظر إدخال أي تعديل عليها في فترات معينة، كحظر تعديلها خلال مدة محددة تالية لبدء سريانها، بهدف تمكين المؤسسات التي أنشأها الدستور من أن تثبت فاعليتها و تفاعلها مع الواقع لتحقيق الاستقرار المؤسساتي و السياسي في الدولة.
أما من ناحية القيود ذات الطبيعة الشكلية، فهي تلك التي ترتبط بإجراءات تعديل الدستور، بدءا من تحديد السلطة التي يمكن منحها هذا الحق و هل هي السلطة التشريعية أم السلطة التنفيذية أو هما معا أو الشعب باعتباره صاحب السيادة الأصلي، مرورا إلى الهيئة التي تتولى إعداد التعديل الدستوري و هل يتم عن طريق جمعية تأسيسية أم عن طريق البرلمان كسلطة تشريعية و طبيعة الأسلوب الذي تنتهجه هذه الهيئة حتى تمام الانتهاء من صياغة التعديل، و انتهاء بإقرار التعديل الدستوري.
و موضوع القيود الوضعية لتعديل الدستور سنتعرض له من خلال الدساتير الجزائرية و التعرض للقيود التي جاءت بها و القيمة القانونية لمثل هذه القيود من ناحية سريانها و مدى إمكانية تجاوزها عن طريق سلطة التعديل.
الفرع الأول: القيود ذات الصبغة الشكلية
بالرجوع إلى المادة 89 من الدستور الفرنسي و بعض النصوص الأخرى، نجد أن القيود ذات الصبغة الشكلية المتوجبة للتعديل الدستوري يمكن أن تنقسم إلى قيود زمنية و أخرى إجرائية و سوف نتناول هذه القيود من خلال دستور فرنسا و الدساتير الجزائرية.
أولا: القيود الزمنية: تتمثل هذه القيود تتمثل في:
القيد الأول: حظر تعديل الدستور في أحوال الاعتداء على أراضي الدولة .
القيد الثاني: حظر تعديل الدستور في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية .
القيد الثالث: حظر تعديل الدستور أثناء العمل بالمادة 16 المنظمة لحالة الأزمة .
من خلال ما تقدم و بالرجوع إلى دستور الجزائر لعام 1996، نجد أن المشرع الدستوري الجزائري لم يتناول القيود الزمنية للتعديل الدستوري المنصوص عليه في الباب الرابع في المواد 174 إلى 178. و لكن لدراستنا للدستور الفرنسي يفهم ذلك من خلال المادة 88 من دستور 1996. و المنظمة لحالة شغور منصب رئيس الجمهورية و المادة 90 فقرة أولى و التي تنص: "لا يمكن أن تقال أو تعدل الحكومة القائمة إبان حصول مانع لرئيس الجمهورية أو وفاته أو استقالته حتى يشرع رئيس الجمهورية الجديد في ممارسة مهامه".
إضافة إلى المواد من 91 إلى 96 المنظمة لحالات الطوارئ و الحرب و الاعتداء على الدولة حيث أنه في هذه الحالات لا يمكن إجراء تعديل دستوري و لا يمكن أن يكون الوصول إلى صيانة الوحدة الوطنية أو المؤسسات الدستورية بتعديل الدستور و لهذا فان فترة تطبيق المادة 93 من القيود الزمنية التي تحول دون تعديل الدستور.
و بالرجوع إلى دساتير الجزائر فان نص المادة 59 من دستور 1963 المنظمة للحالة الاستثنائية، و المادة 194 من دستور 1976 و التي تنص: "لا يمكن الشروع في إجراء أي تعديل أو مواصلته اذا كان هناك مساس بسلامة التراب الوطني".
و المادة 84 من دستور 1989 و المنظمة لحالة شغور منصب رئيس الجمهورية و المواد 85 إلى المادة 90 من نفس الدستور (د 1989) و التي تنظم حالات الطوارئ و الحرب.
من خلال هذه المواد يمكن اعتبارها كقيود زمنية لتعديل الدساتير الجزائرية.
ثانيا: القيود الإجرائية: من خلال دراسة نصوص المواد 71 إلى 74 من دستور 1963، حيث أن القيود الإجرائية تتمثل في أن المبادرة بالتعديل تكون من طرف رئيس الجمهورية و الأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس الوطني، بالإضافة إلى قيد آخر يتمثل في ضرورة إجراء تلاوتين و تصويتين بالأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس الوطني. و هنا نجد أن المشرع الدستوري الجزائري كان أكثر تشدد في إجراء أي تعديل دستوري و يمكن تفسير ذلك أن الحفاظ على الدولة و المؤسسات من الأولويات ذلك أن الجزائر استقلت عام 1962 و كان من واجب المشرع الدستوري التشدد في إجراءات التعديل الدستوري أما دستور 1976 فقد كان أقل تشددا من حيث الإجراءات بالمقارنة مع دستور 1963 حيث جعل المبادرة حق لرئيس الجمهورية لوحده، يليه إقرار المجلس الشعبي الوطني بأغلبية ثلثي 2/3 أعضائه.
و قد نص دستور 1996 على القيود الإجرائية و التي تتمثل في اقتراح التعديل الدستوري كخطوة أولى ممنوحة لرئيس الجمهورية أو أعضاء غرفتي البرلمان و هذا من أجل إقامة توازن بين السلطتين التنفيذية و التشريعية، فإذا بادر البرلمان باقتراح التعديل فانه يشترط أن يكون موقعا من طرف ثلاثة أرباع أعضاء الغرفتين.
و في مرحلة أخيرة نجد الاستفتاء الدستوري فإذا وافق الشعب على التعديل أعتبر نافذا من تاريخ إعلان نتيجة الاستفتاء و للرئيس الخيار بين اللجوء إلى الاستفتاء أو طلب التصويت على مشروع التعديل من قبل مجلسي البرلمان مجتمعين .
الفرع الثاني: القيود ذات الصبغة الموضوعية
بالرجوع إلى نصوص الدستور الفرنسي، يمكن رصد قيد موضوعي واحد تلتزم السلطة التأسيسية المنشأة باحترامه عند إحداث أي تعديل دستوري جديد. و هذه القيد تكرسه الفقرة الأخيرة من المادة 89 من الدستور 1958 و التي تنص "الشكل الجمهوري للحكومة لا يمكن أن يكون محلا لتعديل دستوري".
و ينبغي أن نشير أن دستور الجزائر لعام 1963 لم يشر إلى أي قيد موضوعي للتعديل الدستوري على عكس دستور 1976 في نص المادة 195 و التي سبق الإشارة إليها عند دراستنا لإجراءات التعديل الدستوري في الجزائر و مضمونها يتلخص في أن أي مشروع لتعديل الدستور لا يمكن أن يمس بالصفة الجمهورية للحكم و بدين الدولة، و بالاختيار الاشتراكي و بالحريات الأساسية للمواطن، و بمبدأ التصويت عن طريق الاقتراع العام المباشر و السري و بسلامة التراب الوطني.
و جاء في المادتين 164 من دستور 1989 و 176 من دستور 1996 على أنه إذا ارتأى المجلس الدستوري أن أي مشروع لتعديل الدستور لا يمس بالمبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري و حقوق الإنسان و المواطن و حريتها، و لا يمس بأي شيء التوازنات الأساسية للسلطات و المؤسسات الدستورية. في هذه الحالة يمكن لرئيس الجمهورية أن يصدر القانون المتضمن التعديل الدستوري مباشرة دون أن يعرضه على الاستفتاء الشعبي متى أحرز ثلاثة أرباع من أصوات أعضاء الغرفتين معا و تنص المادة: 178 من دستور 1996 على: "لا يمكن أي تعديل دستوري أن يمس:
1- الطابع الجمهوري للدولة،
2- النظام الديمقراطي القائم على التعددية الحزبية،
3- الإسلام باعتباره دين الدولة،
4- العربية باعتبارها اللغة الوطنية و الرسمية،
5- الحريات الأساسية و حقوق الإنسان و المواطن
6- سلامة التراب الوطني و ووحدته"
و أضاف التعديل الجزئي الأخير في نوفمبر 2008 لدستور 1996 في نص المادة الخامسة منه قيدا آخرا و يتمثل في عدم جواز و قابلية تغيير العلم و النشيد الوطنيين باعتبارها من مكاسب الثورة.
الفرع الثالث: القيمة القانونية لقيود تعديل الدستور
اختلف فقهاء القانون الدستوري حول القيمة القانونية للنصوص الدستورية التي تحظر التعديل سواء كان زمنيا أو حظر تعديل بعض مواد الدستور بشكل مطلق.
أولا: الاتجاه الأول
يجمع أنصار هذا الاتجاه على تجريد النصوص التي تحظر تعديل الدستور من أي قيمة قانونية، و دون استثناء أو تمييز فلا تعدو أن تكون مجرد رغبات تفتقر إلى أية قيمة أو قوة ملزمة، تخالف طبيعة الدستور و ماهيته. فالدستور بوضعه تجسيدا للحاجة إلى تنظيم الدولة يكون قابلا للتعديل و التبديل لمسايرة الظروف المتغيرة التي تعيشها الدولة، و الأكثر من ذلك أن حظر التعديل يخالف مبدأ سيادة الأمة، و يحرم هذه الأخيرة من أهم عناصر سيادتها، أي ممارسة السلطة التأسيسية و إدخال ما تراه مناسبا من تعديلات على الدستور، تماشيا مع تغير الظروف و تطور الحياة السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية.
و يرى أنصار هذا الاتجاه أن السلطة التأسيسية التي قامت بوضع الدستور في وقت معين لا تملك الحق في تقييد السلطة التأسيسية التي تعبر عن إرادة الأمة في المستقبل، فكل أمة كما قرر رجال الثورة الفرنسية في دستور سنة 1791 لها الحق الذي لا يمكن سقوطه بالتقادم، في تغيير الدستور، كما أن للشعب كله أن يعدل الدستور و يغيره و أن جيلا من الأجيال لا يملك أن يخضع لقوانينه الأجيال القادمة.
و من هنا ينطلق هذا الاتجاه في رفض النصوص الدستورية التي تخطر تعديل الدستور و يجردها من أي قيمة دون تمييز، سواء كان حظر التعديل مطلقا، أو مؤقتا، أو ظروف خاصة.
ثانيا: الاتجاه الثاني
يجمع أصحاب هذا الاتجاه بعكس ما ذهب إليه الاتجاه الأول، على النصوص التي تخطر تعديل الدستور تعد مشروعة، و تتمتع بقوة قانونية ملزمة، و بلا تمييز، و إن كان من الممكن أن يحدث عكس ذلك من الناحية السياسية.
و يقدم أنصار هذا الاتجاه سندهم على أساس أن حظر التعديل، و إن كان يبدو متعارضا مع سيادة الشعب، و حقه في ممارسة السلطة التأسيسية، فانه لا يجوز تجاهل هذه السيادة، لأن هذه النصوص في النهاية ليست إلا تعبيرا عن سيادة الشعب، فان النصوص التي تحظر التعديل تعد صحيحة من وجهة نظر قانونية، و يجب احترامها، احتراما للسيادة التي عبرت عنها.
ثالثا: الاتجاه الثالث
ظهر هذا الاتجاه للتخفيف من حدة الاتجاهين السابقين، و يرى أنصاره أن ما ذهب إليه الفقهاء بشأن إقرار مشروعية النصوص التي تحظر التعديل لا يعني بأي حال من الأحوال عدم جواز تعديل هذه النصوص، فهم يفرقون بين مشروعية النص، و مشروعية التعديل و يذهبون إلى أنه على الرغم من تمتع النص بالقوة القانونية الملزمة، فانه يجوز تعديل الدستور عند الحاجة إلى ذلك، على أساس أن القيمة الفعلية لهذه النصوص تنحصر في كونها تؤدي إلى منع إجراء التعديل إلا بعد روية و تفكير.
إذن هذا الاتجاه ينتهي إلى التوفيق بين الاعتبارات القانونية و السياسية، فهو يحافظ على احترام مبدأ المشروعية من جهة، و من جهة ثانية لا يغفل إرادة الأجيال الحالية و الأجيال المقبلة، إذا ما دعت الحاجة إلى التعديل و توفر القبول الشعبي.
رابعا: الاتجاه الرابع
يذهب أنصار هذا الاتجاه و على رأسهم جورج بوردو إلى وجوب التفريق بين نوعين من أنواع الحظر، فالنصوص التي تحظر تعديل بعض أحكام الدستور (حظر موضوعي) بشكل دائم تفتقر إلى القيمة القانونية، و لهذا فهي باطلة كونها قيدا على مبدأ سيادة الأمة، إذ لا تستطيع السلطة التأسيسية الحالية أن تضع قيودا على سيادة الأمة في المستقبل، و على الأجيال القادمة بينما يقر هذا الاتجاه بمشروعية النصوص التي تحظر التعديل لمدة زمنية محددة، أو في ظروف معينة، و هذه النصوص ملزمة، لما تتمتع به من قيمة قانونية.
و يدعم هذا الاتجاه ما ذهب إليه على أساس اختلاف نوعي الحظر السابقين، و لهذا ليس من المنطق أن يأخذ الحكم نفسه، إذ لا يعدو النوع الأول أن يكون جمودا مطلقا كليا لهذه النصوص، الأمر الذي رفضه معظم فقهاء القانون الدستوري، و ليس الفرق بين الخطر (الذي رفضه أنصار هذا الاتجاه) ة الجمود المطلق الكلي الذي يلحق جميع نصوص الدستور، إلا أن الأول ما هو إلا جزء من الثاني، و لهذا يأخذ حكمة في البطلان.
و يجد النوع الثاني مشروعيته في أنه لا يحرم الأمة من ممارسة سلطتها التأسيسية، إنما يأخذ بالحسبان ظروف ممارسة هذه السلطة من ناحية، و من ناحية ثانية ليس هناك من فارق بينه و بين إبداء الرغبة في تعديل الدستور و التصويت عليه، حيث يشترط مرور مدة زمنية معينة بين تقديم اقتراح التعديل و التصويت عليه، و هذا ما لا يختلف الفقهاء حول مشروعيته، و لعل هذا الاتجاه أكثر منطقية و قبولا من غيره من الاتجاهات الأخرى نظرا للحجج التي قام عليها.
خامسا: الاتجاه الخامس
يقوم هذا الاتجاه على أساس التفريق بين قيمة حظر التعديل بالنسبة للسلطة التأسيسية الأصلية، و قيمته بالنسبة للسلطة التأسيسية المنشأة، فالأول عديم القيمة لأن السلطة التأسيسية الأصلية تتمتع دائما باختصاص مطلق و لا يجوز تقييدها، بينما يجب احترام حظر التعديل من قبل السلطة التأسيسية المنشأة لأن الدستور هو من أنشأها و منحها اختصاصا محددا فعند ممارستها لهذا الاختصاص يجب احترام الحدود التي رسمها الدستور لها، غير أن هذا الاتجاه و إن كان يلقي تأييدا من جانب أساتذة القانون الدستوري في مصر، إلا أنه يثير التساؤل حول حقيقة هذه التفرقة التي تأسس عليها، ففي الحديث عن تعديل الدستور ليس منطقيا أن تقدم السلطة التأسيسية الأصلية في مهمة التعديل خصوصا أن هناك شبه اتفاق على أن عمل هذه السلطة يكون في حالتين لم يزد الفقه عليهما هما حالة ولادة دولة جديدة، أو حدوث انقلاب أو ثورة على نحو يحدث تغييرا جذريا في النظام السياسي القائم في الدولة، فالدستور يكون غير موجود في الحالة الأولى و يسقط أو يصبح غير نافذ في الحالة الثانية. و هذا ما يجعل من البداهة أن السلطة التأسيسية الأصلية لا تقيدها نصوص حظر التعديل .
المطلب الثالث: القيود غير الوضعية لتعديل الدستور
تعرضنا فيما سبق لقيود تعديل الدستور المنصوص عليها في الدساتير الجزائرية، الشكلية منها و الموضوعية، و حاولنا استخلاص المعايير التي تعطى لهذه القيود مشروعيتها القانونية، و بصورة تؤدي إلى التزام سلطة التعديل (السلطة التأسيسية المنشأة) بأعمالها عند التدخل لتعديل الدستور و السؤال الذي يطرح نفسه الآن يتخلص في معرفة مدى وجود قيود أخرى لتعديل الدستور غير منصوص عليها فيه و بعبارة أخرى، هل توجد قيود خارج نصوص الدستور تلزم السلطة التأسيسية المنشأة باحترامها عند إحداث تعديل دستوري؟ و إذا كانت الإجابة بنعم فعلى أي أساس تلتزم سلطة التعديل باحترام مثل هذه القيود غير المنصوص عليها؟ و هل يعني ذلك أن عدم احترامها ينتج خرقا للدستور من قبل سلطة التعديل؟
و الحقيقة أن مصدر هذه التساؤلات و غيرها يرجع إلى أن العديد من الفقهاء لم يكتفوا فقط بقيود تعديل الدستور الواردة في الوثيقة الدستورية، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك معتقدين بوجود قيود أخرى غير منصوص عليها تفرض على سلطة التعديل، مستندين إلى فكرة وجود مبادئ و قواعد أسمى من الدستور أو فوق دستورية.
الفرع الأول: أثر تدرج القواعد الدستورية على اختصاص سلطة التعديل
إذ خرجنا من إطار القيود المنصوص عليها دستوريا إلى نطاق قيود غير منصوص عليها، و يعترف لها الفقه بقيمة تعلو أو تسمو على القيود الدستورية، فانه يمكن أن نفرق بين اتجاهين كبيرين، أحدهما يعتقد بوجود مبادئ قانونية أسمى من الدستور و تتمتع بقوة أعلى منه و الآخر يدور حول مناقشة مدى وجود تدرج بين مختلف نصوص الوثيقة الدستورية، و يطلق الفقه على الاتجاه الأول اصطلاح المبادئ الأسمى من الدستور بالمعنى الكامل أو الفني و الثاني، المبادئ الأسمى من الدستور غير الكاملة أو المستترة.
و إذا كانت الفكرتين السابقتين تختلفان في أن إحداهما تعتقد بوجود قواعد أعلى من الدستور ذات أصل غير دستوري و الثانية تؤمن بوجود قواعد أسمى من الدستور و لها أصل دستوري أي تومن بتدرج نصوص الوثيقة الدستورية من حيث القيمة القانونية، فانه يجمعهما بالرغم من ذلك قاسم مشترك و هو أنهما تبحثان معا في وجود قيود لتعديل الدستور غير منصوص عليها فيه، تلتزم سلطة التعديل باحترامها كما تحترم القيود المنصوص عليها، بحيث إذا حدث تعرض بين قاعدة فوق دستورية و قاعدة أخرى دستورية فانه يجب إكمال الأولى و إهمال الثانية. كما أنه طبقا للاتجاه الثاني الذي يقيم تدرجا بين نصوص الدستور، فحيث يحدث تعارض بين قاعدة دستورية أسمى من قاعدة دستورية أخرى، فانه يجب إكمال الأولى دون الثانية و في كل الأحوال فان الاتجاهين لهما هدف مشترك واحد يتمثل في إيجاد قيود تحد من تعديل الدستور ليس لها أصل في نص دستوري يقننها.
أولا: مدى خضوع سلطة التعديل لقيود أسمى من الكتلة الدستورية
نادى بعض الفقهاء بسمو مبادئ القانون الطبيعي على الدستور، فالقاعدة الدستورية تكتسب صحتها من مطابقتها لمقتضيات تتعلق بالغاية المرتبطة بفكرة العدالة التي تستهدفها هذه القاعدة و إلا فقدت صفتها كقاعدة قانونية، و في هذا الإطار فان فكرة العدالة كأحد عناصر القانون الطبيعي تعد قيدا من قيود تعديل الدستور، فإذا تم إجراء تعديل دستوري غير مستوفي لمبادئ العدالة، فانه لا يكون مشروعا و لا يكتسب قوة نفاذه الدستورية لأن معيار العدالة أسمى من مبادئ الدستور المكتوب و تخضع له سلطة التعديل.
فسلطة التعديل لا توجد إلا من أجل بناء الإطار السياسي و المجتمع السياسي لأجل الإنسان، و لا يمكنها بهذه الصفة أن تعدل الدستور بطريقة لا تحترم الميول و الاتجاهات الطبيعية لهذا الإنسان و ذلك لأن هذه السلطة خاضعة للقانون الطبيعي، فسلطة التعديل لا تستطيع أن تغفل مقتضيات العدالة و لا تستطيع أن تنشئ علاقات قانونية مدنية بين الأفراد على أساس غير العدالة و إلا كانت سلطة متعسفة يجب استبعاد ما استحدثته مخالفا لمبادئ القانون الطبيعي كما يؤمن البعض الآخر من الفقهاء بوجود مبادئ عامة للقانون أسمى من حيث القوة القانونية من النصوص الدستورية الواردة في الوثيقة.
و في هذا الإطار تساءل بعض الفقه حول مدى وجود مبادئ عامة للقانون لا تلزم فقط المشرع العادي، بل تلزم أيضا المشرع الدستوري، أي سلطة التعديل، فالعميد فيدل Vedel تساءل عما إذا كان يجب على سلطة التعديل أن تحترم فكرة المبادئ العامة للقانون و بطريقة تضمين تعديل لم يطبقها بعدم المشروعية القانونية، بحيث لا تكون نافذة. و في ذات المعنى يعلن البعض الآخر أن القانون الدستوري لا يتحدد بحاله بالنظر إلى النصوص الدستورية فقط، و لكن أيضا بالنظر إلى بعض المبادئ العامة التي لم يكرسها المشرع في نصوص قانونية و تلزم المشرع الدستوري نفسه بحيث لا يمكن له أن يتعداها لسموها على النصوص الدستورية المكتوبة.
و قال البعض الآخر من الفقه بوجود عرف له قيمة فوق دستورية و يفرض على سلطة التعديل و لا تستطيع مخالفته عند إجراء تعديل دستوري.
من خلال ما تقدم فان مجال القانون الدستوري هو مجال حيوي فلا يمكن أن نتحدث عن قيود غامضة غير دقيقة لتعديل الدستور بما يمكن أن يؤدي إلى تعسف سلطة التعديل و خرق نصوص الدستور المكتوب بما قد يؤدي أيضا إلى هدم النظام القانوني للدولة. المحدد وفق الأسس التي وضعتها السلطة التأسيسية الأصلية، و بعبارة أخرى فان غياب التحديد الدقيق للمبادئ فوق الدستورية يؤدي بالتبعية إلى عدم وجودها المادي و يحرمها من ثم من قيمتها الدستورية. فلا يمكن إلزام سلطة التعديل بضوابط لا وجود لها فمثل هذه المبادئ و في مجال القانون الدستوري ليس لها سوى طبيعة سياسية لا قانونية و لا تشكل أي قيد لممارسة سلطة التعديل الدستوري.
ثانيا: مدى التباين في القيمة القانونية لمكونات الكتلة الدستورية و أعمال سلطة التعديل لها:
تدور الأفكار الفقهية بين نوعين من التدرج بين مكونات الكتلة الدستورية فالبعض يؤمن من جانب بوجود تدرج بين النصوص المكونة لهذه الكتلة، بينما يؤمن البعض الآخر بوجود تدرج لا بين نصوص هذه الكتلة، بل بين مختلف القواعد الدستورية المكونة لها، و كلا الرأيين يؤمن بالتالي بوجود قيود على سلطة تعديل الدستور غير تلك المنصوص عليها فيه.
الرأي الأول: المناداة بالتدرج بين نصوص الكتلة الدستورية استنادا إلى اعتبارات تاريخية
يمكن تعريف الكتلة الدستورية بأنها ذلك الإطار الذي يضم كل القواعد ذات القيمة الدستورية و المتضمنة في الدستور بالمعنى الدقيق أو غير متضمنة فيه و استمدت قيمتها الدستورية منه. و ليس المقصود بالتدرج هنا التدرج بين القواعد الدستورية الواردة في الوثيقة الدستورية، و لكن نقصد به التدرج بين مختلف النصوص الدستورية المكونة للدستور في الدولة، و لا يثور هذا الفرض إلا حيث تتعدد الوثائق المكونة للدستور.
و في هذا الإطار نجد أن المشرع الدستوري نص في ديباجة دستور 1963 ما يلي: "إن ضرورة قيام حزب الطليعة الواحد، و دوره المرجح في إعداد و مراقبة سياسة الأمة، هما المبدآن الجوهريان اللذان حملا على اختيار شتى الحلول لمعالجة المشاكل الدستورية التي تواجه الدولة الجزائرية و بذلك يتم ضمان السير المنسجم، و الفعال للنظم السياسية المقررة في الدستور عن طريق جبهة التحرير الوطني التي: تعبئ و تنظم الجماهير الشعبية، و تهذبها لتحقيق الاشتراكية....و يتم إعداد هذه السياسة و تنشيطها و توجيهاها من طرف أشد العناصر الثورية وعيا و نشاطا.... إن الحزب وحده باعتباره الجهاز المحرك الدافع الذي يستمد قوته من الشعب هو الذي يستطيع أن يحطم أجهزة الماضي الاقتصادية....".
أما دستور 1976 حيث جاء في ديباجته ما يلي:"إن المصادقة الشعبية على الميثاق الوطني في استفتاء 27 يونيو 1976، قد أتاحت من جديد فرصة للثورة الجزائرية كي تحدد مذهبها و ترسم إستراتيجيتها....و يمثل الدستور أحد الهداف الكبرى المسطرة في الميثاق الوطني..." و جاء في نص المادة السادسة من نفس الدستور ما يلي:"الميثاق الوطني هو المصدر الأساسي لسياسة الأمة و قوانين الدولة. و هو المصدر الإيديولوجي و السياسي المعتمد لمؤسسات الحزب و الدولة على جميع المستويات.
الميثاق الوطني مرجع أساسي أيضا لأي تأويل لأحكام الدستور" كما نجد أن المادة 10 تنص على:" الاشتراكية اختيار الشعب الذي لا رجعة فيه، كما عبر عن ذلك بكامل السيادة في الميثاق الوطني، و هي السبيل الوحيد الكفيل باستكمال الاستقلال الوطني.
مفهوم الاشتراكية، طبقا لما ورد في الميثاق الوطني نصا و روحا، هو تعميق لثورة فاتح نوفمبر 1954..."
من خلال ما تقدم نطرح السؤال الآتي ما القيمة القانونية للميثاق الوطني الذي تحدث عنه دستور 1976؟
استنادا إلى الظروف السياسية التي صدر فيها دستور 1976، ذهب جانب من الفقه إلى اعتبار الميثاق الوطني أعلى قيمة من النصوص الدستورية التي تأتي في المرتبة الثانية، و بالتالي فان نصوص الميثاق تعلو على نصوص الدستور (دستور 1963 و 1976) و إذا ما تعارضا تكون الأولوية و الأفضلية لنصوص الميثاق، باعتبارها أسمى من نصوص الدستور. و يترتب على ذلك، خضوع سلطة التعديل (السلطة التأسيسية المنشأة) لكل نصوص الميثاق باعتبارها قيدا لتعديل الدستور إلى جانب القيود المنصوص عليها فيه. فقيود تعديل الدستور ذات قيمة دستورية عادية، في حين أن نصوص الميثاق لها قيمة فوق دستورية.
الرأي الثاني: المناداة بالتدرج بين القواعد الدستورية استنادا إلى اعتبارات موضوعية:
يتساءل العميد جورج فيدل G.Vedel عما إذا كان من الممكن الحديث عن قواعد أو مبادئ ذات مرتبة أولى و أخرى ذات مرتبة ثانية أو ثالثة. فإذا كانت كل القواعد المكتوبة في الدستور هي دستورية، فهل يمكن القول بأن بعضها أعلى قيمة دستورية من البعض الآخر؟.
في الإجابة على تساؤلات العميد فيدل، ذهب الفقه إلى المناداة بوجود مثل هذا النوع من التدرج بين القواعد الدستورية. و اتجه هذا الفقه إلى القول بأن القواعد التي يمكن وصفها بالقواعد ذات المرتبة الأولى تعد قيدا على تعديل الدستور، فلا تستطيع السلطة التأسيسية المنشأة أن تعدلها أو تخالفها، فهي عصية على التعديل، و ذلك يرجع غالى أهميتها الخاصة.

1- المناداة بنظرية الحقوق ذات المرتبة الأولى: يعتقد العديد من الفقهاء أن القيمة القانونية للحقوق و الحريات الواردة في الدستور ليست متماثلة، إذ يمكن القول بوجود حقوق أساسية أو جوهرية أكثر من غيرها، و بعبارة أخرى يميز الفقه بين الحقوق ذات المرتبة الأولى فالثانية فالثالثة. و بصورة تؤدي بالتالي إلى إثبات تدرج بين النصوص الدستورية المتعلقة بهذه الحقوق. و من مقتضى هذا التصور بطبيعة الحال أن التعديل الدستوري لا يجوز له أن ينقض أو يخالف القواعد الدستورية المتضمنة لحقوق ذات مرتبة أولى و يجوز له ذلك بالنسبة للقواعد المتضمنة لحقوق ذات مرتبة تالية، إذ أن القواعد الأولى تعد قيدا على السلطة التأسيسية المنشأة. و لا تنال منها بالتغيير أو الإلغاء إلا السلطة التأسيسية الأصلية فقط.
2- المناداة بسمو القواعد الدستورية المتعلقة بالسيادة الوطنية: توجد في الدستور مبادئ جوهرية لا يمكن المساس بها، و من بينها السيادة الوطنية، حيث تنص المادة 27 من دستور 1963 على ما يلي: "السيادة الوطنية للشعب يمارسها بواسطة ممثلين له في مجلس وطني...."، و تنص المادة الخامسة من دستور 1976:"السيادة الوطنية ملك للشعب يمارسها عن طريق الاستفتاء أو بواسطة ممثليه المنتخبين". أما دستور 1989 فقد نص أيضا في المادة السادسة منه على أن السيادة الوطنية هي ملك للشعب و بين في المادة السابعة من نفس الدستور كيفية ممارسة هاته السيادة. و هو نفس الحال في دستور 1996.
من خلال النصوص السابقة الذكر يتبين أن المشرع الدستوري الجزائري جعل السيادة للشعب، فالسيادة لا ترتد إلى فكرة القانون الطبيعي بل إلى القانون الوضعي (الدستور) كفكرة قانونية، فإذا كانت حيازة السيادة تجد مصدرها في القانون الطبيعي فان القانون الوضعي فقط هو الذي يتولى تحديد مضمونها و حدودها.
إن السيادة ما هي إلا مبدأ يتمتع بقيمة أعلى من القيمة الدستورية العادية، على أساس أن السيادة الوطنية لا تعدوا أن تكون جوهر الدولة ككيان مستقل بالنسبة للكيانات الدولية، دولا كانت أم منظمات و بعبارة أخرى، يقيم الفقه تدرجا بين قواعد الدستور بالنظر إلى تعلقها أو عدم تعلقها بالسيادة الوطنية التي يمتلكها الشعب، و يعطيها من ثم مكانة أعلى على غيرها من القواعد. بهدف الحيلولة بين السلطة التأسيسية المنشأة و بين أن تعدل قاعدة تتعلق بالسيادة الوطنية لأنها قواعد محصنة ضد التعديل، فالسلطة التأسيسية الأصلية فقط هي التي تملك الاختصاص بتعديل القواعد المتصلة بالسيادة الوطنية.
الفرع الثاني: مدى خضوع سلطة التعديل لقيود مستمدة من القانون الدولي
استند الفقه المنادي بالتزام سلطة التعديل باحترام قواعد القانون الدولي عند تدخلها بتعديل دستوري، إلى العديد من الحجج فقواعد القانون الدولي تستند في مجملها إلى قواعد القانون الطبيعي.
و يشير البعض إلى سمو القانون الدولي على القانون الداخلي بما فيها الدستور، بالإسناد إلى طبيعة القانون الدولي ذاته. هذا القانون يلزم الدول في إطار المعاهدات بحقوق و واجبات لا تستطيع الدولة التخلص منها بطريقة غير مشروعة أو غير رضائية و من هنا فان إنكار سمو القانون الدولي لا يعني سوى إنكار وجوده من الأساس، و هو ما لم يقل به أحد من الفقه. فالمعاهدة بالنسبة لأطرافها لا تعدوا أن تكون دستورا ملزما، يتمتع بالسمو على ما عداه من قواعد خاصة بكل دولة دخلت طرفا فيها. فالدولة لا يمكن لها بحال أن تخالف قاعدة هذه المعاهدة، التي لا تكون لها قوة ملزمة إلا من خلال العديد من الإجراءات و القواعد المشتركة و ليس من خلال تصرفات انفرادية مثل قانون داخلي تصدره، حتى و إن كان ذا طبيعة دستورية و ليس مجرد قانون عادي.
كما أن مبدأ سمو القانون الدولي على القانون الداخلي تكرسه النصوص و المحاكم الدولية.
و يعلن بعض الفقه في ذات أن سمو القانون الدولي على الدستور الداخلي قد تم تأكيده بالفعل سواء في التحكيم الدولي أو القضاء الدولي، ففي قضية مونتيجو عام 1875 أرادت كولومبيا أن تتخلص من أحكام معاهدة أبرمتها مع الولايات المتحدة الأمريكية بحجة أن أحكام دستورها تسمو على المعاهدة الدولية و هو ما لم تؤيده هيئة التحكيم. فالدولة لا يمكنها أن تهمل أو تخالف اتفاقا دوليا أبرمته مع دولة أخرى حتى و إن خالف دستورها الداخلي.
و خلاصة الرأي السابق و الذي يؤمن بسمو القانون الدولي على القانون الداخلي بما في ذلك الدستور، و لا تستطيع سلطة التعديل أن تتبنى تعديلا يناقض مبادئ و قواعد القانون الدولي، لأن هذه القواعد تمثل قيدا على السلطة التأسيسية المنشأة، بل إن هذه القيود تمثل قيدا على السلطة التأسيسية الأصلية نفسها، و ذلك إكمالا لمبدأ استمرار الدولة الذي يحول بين السلطة التأسيسية الأصلية و بين أن تتدخل بطريقة ترتب المسؤولية الدولية للدولة .
و بالعودة للدساتير الجزائرية و موقفها من الرأي السابق نجد أن المشرع الدستوري في دستور 1963 يتطرق إلى مبدأ سمو المعاهدات على النصوص الدستورية، و إنما نص في المادة 11 على ما يلي:"توافق الجمهورية على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و تنظم إلى كل منظمة دولية تستجيب لمطامح الشعب الجزائري و ذلك اقتناعا منها بضرورة التعاون الدولي".
أما دستور 1976 فهو كذلك لم ينص على الموقف من المعاهدات الدولية التي تبرمها الجزائر و هل المعاهدة تكتسب قوة الدستور أو أعلى منه. فمن خلال الفصل السابع من نفس الدستور و المعنون بمبادئ السياسة الخارجية وضح المشرع الدستوري موقف الجزائر من المواثيق الدولية و منظمة الوحدة الإفريقية و الجامعة العربية .
أما دستور 1989، فقد كان واضحا في هذا الإطار حيث نصت المادة 123 منه على ما يلي:"المعاهدات التي يصادق عليها رئيس الجمهورية حسب الشروط المنصوص عليها في الدستور، تسمو على القانون". فمن خلال هذه المادة، نجد أن المشرع الدستوري الجزائري لا يعترف بسمو القانون الدولي على نصوص الدستور، و هو نفس الحال مع دستور 1996.
من خلال ما تقدم، فان قواعد القانون الدولي لا تسمو في نظر المشرع الدستوري الجزائري على الدستور و لا تساويه، حتى بالنسبة للمعاهدات الملزمة للجزائر، و التي لا تعدو و أن تماثل في قوتها المجال بين الدستور و القانون العادي. فقواعد القانون الدولي لا تعد مرجعا للرقابة الدستورية، لأنها أدنى من الدستور و لا تعد من ثم قيدا من قيود التعديل الدستوري في الجزائر حيث لا تسمو عليه.
المبحث الرابع: الصياغة القانونية للتعديل الدستوري
ينبغي أن نميز في دراستنا للصياغة القانونية للتعديل الدستوري بين ثلاث مفاهيم، أولها الكتابة القانونية، حيث يميز الفقيه "بهاتيا" بين ثلاثة أنواع من الكتابات القانونية هي الكتابة القانونية الأكاديمية و الكتابة القضائية و الكتابة التشريعية.
و تعني كلمة صاغ في اللغة العربية، "هيأ و رتب"، فيقال:"صاغ الكلام" بمعنى هيأه و رتبه. و يقال:"كلام حسن الصياغة" بمعنى "جيد و محكم". و في الانجليزية يعبر عن كلمة صاغ بالفعل Draft و يقصد بهذه الكلمة في اللغة الانجليزية "شكل و هيأ" Compose, Prépare.
أما المفهوم الثاني فهو الصياغة القانونية، حيث ينطوي مفهومها على شقين رئيسيين، أحدهما متعلق بالشكل أو القالب، و الآخر يتعلق بالأسلوب اللغوي.
فمن حيث الشكل تختلف صياغة كل وثيقة قانونية عن غيرها من الوثائق أما الأسلوب اللغوي الذي تصاغ به كل الوثائق القانونية فهو لا يتغير و يقصد به تلك الخصائص و التراكيب اللغوية المستخدمة في كتابة الوثيقة القانونية.
و يصف الفقيه "ديكرسون" مفهوم الصياغة القانونية بالقانون الوقائي.
أما المفهوم الثالث فهو الصيغة التشريعية، فمن المنظور الضيق للمصطلح، بمعنى صياغة التشريعات، حيث أن هناك ثلاثة أنواع من التشريعات، هي الدستور، التشريع العادي، ثم التشريع الفرعي.
و من الشائع أن مصطلح التشريع يقصد به فحسب التشريع العام (الدستور، القوانين، اللوائح).
فالصياغة التشريعية ليست مجرد شكلا من أشكال الصياغة القانونية، إنما تعتبر أصعب من الصياغة القانونية بسبب تعقد المشكلات التي تتناولها و النزاعات التي تصاحب عملية تبني التشريعات، و عدم المعرفة الكافية بالجمهور الذي تسري عليه تلك التشريعات و صفة الدوام التي تميزها، و في عام 1955 أوضح "ديكرسون" أن الصياغة التشريعية هي أصعب شكل من أشكال الصياغة القانونية. و رغم أن المشكلات الأساسية في الصياغة التشريعية و الصياغة القانونية متماثلة، فان المشكلات التشريعية أكثر تعقيدا من الناحية الفنية، و أكثر أهمية من الناحية الاجتماعية.
من خلال ما تقدم ندرس فيما يلي عناصر الصياغة القانونية و الصيغ الآمرة و بناء الجمل القانونية ثم نتطرق للوضوح و انتقاء الكلمات و استخدام علامات الترقيم.و سوف نتناول بالدراسة للدستور الجزائري لعام 1996، حيث نحاول التمعن في نصوص الدستور و الملاحظات التي نخرج بها من خلال الأصول العامة للصياغة القانونية و هل توفرت في نصوص الدستور و هذا لا يمنع للإشارة إلى بعض نصوص دساتير 1963 و 1976 و 1989 و مدى توفر شروط الصياغة القانونية للوثيقة الدستورية.
المطلب الأول: عناصر الصياغة القانونية
يعد الفقيه كود من أوائل من كتبوا عن موضوع الصياغة القانونية حيث يقسم الصياغة القانونية إلى المخاطب بالحكم القانوني (الفاعل القانوني) ثم الفعل القانوني ثم وصف الحالة. و نتناول هذه العناصر بالدراسة و التحليل.
الفرع الأول: المخاطب بالحكم القانوني (الفاعل القانوني)
يقصد بالفاعل القانوني، الشخص الذي يخول حقا أو امتياز سلطة أو يفرض عليه التزاما أو مسؤولية. و في رأي كود:"لا يمكن تخويل حق أو امتياز أو سلطة، و لا يمكن فرض أي التزام أو مسؤولية إلا على شيء ما". و يعتبر الشخص الذي يجوز له أو لا يجوز له، أو يجب عليه أن يفعل شيئا ما، أو يخضع لشيء ما، هو الفاعل القانوني.
و من المبادئ التقليدية في الصياغة القانونية أن يكون فاعل الجملة في صيغة المفرد بدلا من صيغة الجمع، حيث يقول الفقيه "مارتينيو": "إن استخدام صيغة المفرد بدلا من صيغة الجمع أمر مهم لعدة أسباب هي ما يلي:
1- أن صيغة المفرد تجعل عملية التشريع أكثر بساطة لأنه لن يكون داع للقلق حول الانتقال العارض بين المفرد و الجمع في الأسماء أو الأفعال.
2- إن صيغة المفرد تخصص أثر الحكم المصاغ بحيث يسري ذلك الحكم على فرد بعينه بدلا من أن يسري على مجموعة مجهولة الهوية.
3- إن صيغة المفرد توضح أن الحكم يسري على كل فرد في الفئة التي يطبق عليها الحكم و ليس فقط الفئة كمجموعة منفصلة."
و رغم أن العديد من الصائغين الماهرين قد تبنوا منذ أمد طويل استخدام صيغة المفرد فانه لا يزال هناك عدد من صائغي التشريعات يستخدمون صيغة الجمع.
و يشترط أيضا أن يكون الفاعل منفي، فمن الشائع أنه لحظر القيام بعمل ما يستخدم صيغة الفاعل المنفي و من أمثلة ذلك ما ينص عليه التعديل الدستوري الأمريكي الرابع حيث جاء فيه:"لا يجوز لأية ولاية أن تسن أو تطبق أي قانون ينتقص من الامتيازات و الحصانات الممنوحة مواطني الولايات المتحدة".
و مثال الفاعل المنفي في دستور 1996 ما نصت عليه المادة 42 الفقرة الرابعة: "لا يجوز للأحزاب السياسية اللجوء إلى الدعاية الحزبية التي تقوم على العناصر المبينة في الفقرة السابقة..." .
و يرى "ديكرسون" أن صيغة الفاعل المنفي، من الناحية الفنية، لا تعني سوى"ما من أحد عليه أن يفعل...." بينما يقصد من هذه الصيغة أن تعبر عن معنى:"يحظر على أي شخص أن يفعل...".
و يقترح الفقيه "ديكرسون" استخدام صيغة "ما من أحد" للتعبير عن الحظر. حيث و استنادا لهذا الرأي يمكن تعديل الفقرة السابقة من المادة 42 من الدستور الجزائري لتصبح"ما من حزب سياسي أن يلجأ إلى الدعاية الحزبية....".
و يفضل أيضا في الصياغة القانونية للتعديل الدستوري تجنب استخدام الصفات النكرة للفاعل إلا في حالات معينة ففي أغلب الأحوال، يجب استخدام أداة التنكير بدلا من استخدام الصفات النكرة مثل "أي"، أو "كل" أو "ما من شخص" و غالبا ما تستخدم الصفات النكرة السابقة الذكر في حين يكون الأصح هو استخدام أداة التنكير.
كما يجب تجنب وضع أداة التعريف "ألـ" قبل الفاعل المعرف، حيث تستخدم أداة التعريف قبل الاسم لتشير إلى شخص أو شيء سبق الإشارة إليه أو ذكره. إضافة إلى تجنب استخدام الضمائر، فقد يكون الفاعل في الجملة ضميرا، و في هذه الحالة يجب على الصائغ القانوني أن يتوخى الحرص بسبب احتمال حدوث غموض حول الاسم الذي يشير إليه الضمير و لننظر إلى الأمثلة التالية من دستور 1996، حيث تنص المادة 3 على:"اللغة العربية هي اللغة الوطنية و الرسمية" و كذلك المادة 3 مكرر:" تمازيغت هي كذلك لغة وطنية، تعمل الدولة لترقيتها و تطويرها بكل تنوعاتها اللسانية المستعملة عبر التراب الوطني".
بالإضافة إلى المادة 7 فقرة 2 تنص على:"يمارس الشعب سيادته بواسطة المؤسسات الدستورية التي يختارها" .
و من الأسباب التي أدت إلى الحاجة إلى تجنب استخدام الضمائر، هو وجود كلمات مميزة لكل جنس (ذكر و أنثى) و حتى الآونة الأخيرة كان الصائغون يستخدمون بشكل شبه دائم ضمير المذكر فقط للإشارة إلى الجنسين ، مالم يكن من غير الممكن أن يكون الفاعل مذكر، و فيما يلي بعض القواعد التي يمكن أن تكون مفيدة في هذا الخصوص:
1. استخدام المصطلحات المحايدة من حيث الجنس.
2. تجنب استخدام الضمير تماما، و هو الخطأ الذي وقع فيه المشرع الجزائري من خلال العديد من المواد التي تتضمن في محتواها ضمائر بالجملة.
3. تكرار استخدام الاسم بدلا من الضمير.
4. استخدام الضمير المحايد، عندما يكون الاسم السابق يشير إلى كيان قانوني مثلا البلدية، الولاية...و لكن إذا كان الاسم السابق لا يمكن أن يكون إلا بئرا، ففي هذه الحالة لا يمكن استخدام الضمير المحايد.
الفرع الثاني: الفعل القانوني
يعرف جورج كود الفعل القانوني بأنه:"ذلك الجزء من الجملة الذي يعبر عن حق أو امتياز أو سلطة أو التزام أو مسؤولية تخول أو تفرض على الفاعل القانوني، و الذي يقال فيه أن شخصا ما يجوز له أو لا يجوز له، أو يجب عليه أو لا يجب عليه، أن يفعل أو لا يفعل أي تصرف، أو يخضع لفعل ما".
و يرى الفقيه كود أن الفاعل القانوني و الفعل القانوني الكامل هما العنصران الجوهريان لكل جملة قانونية، و بدونهما لا يمكن كتابة أي قانون، و حتى يومنا هذا لا يزال رأي كود صحيحا إلى حد كبير. و لننظر إلى المثال التالي من دستور 1996 حيث تنص المادة 101 فقرة 3 على ما يلي:


أما عن زمن الفعل القانوني فيرى الفقيه كود أن استخدام زمن المضارع البسيط في صياغة التشريعات يحقق ميزتين رئيسيتين، هما:
1/ تفادي الحاجة إلى استخدام تراكيب معقدة جدا عند توضيح الحالات و الشروط التي يسري فيها الفعل القانوني، و هو ما يحدث غالبا في التراكيب الشرطية، و ما تتضمنه من استخدام أزمنة المستقبل، و المستقبل التام، و الماضي.
2/ يقتصر استخدام زمن المضارع البسيط على الوقائع بينما تخصص صيغة "يجب" للتعبير عن الالتزامات القانونية فقط.
و من المزايا الأخرى لاستخدام زمن المضارع البسيط في الصياغة القانونية أنه يجعل من السهل على القارئ فهم التشريع الأساسي (الدستور) أو القاعدة لأنه لا تكون هناك حاجة للانتقال الذهني من صيغة المضارع إلى صيغة المستقبل، كما أن استخدام زمن المضارع سيجعل التشريع أو القاعدة أقصر لأنها ستستخدم كلمات أقل من صيغة المستقبل. و في معظم الحالات يمكن تفادي استخدام الفعل في زمن الماضي أو المستقبل.
و لا يميل الصائغ القانوني عادة إلى استخدام زمن الماضي في اللغة القانونية لكنه يتعرض لإغراء شديد لاستخدام زمن المستقبل، و من الطبيعي أن يفكر الصائغ القانوني من منظور المستقبل لأن كل ما يكتب اليوم لن يؤثر إلا عل أحداث تقع في المستقبل، و حتى إذا كان الصائغ يفكر من منظور الإجراء الذي ستتخذه الجهة الوصية، فانه عندما تتصرف تلك الجهة فإنها ستفعل ذلك في يوم معين لتنظيم أفعال في المستقبل بعد ذلك اليوم و لا يعد استخدام زمن المستقبل أمرا صحيحا لأنه يتجاهل المبدأ الأساسي و هو أن التشريع حسب نوعه دائما يتحدث في الوقت الذي يطبق فيه على وقائع محددة. و بالنسبة للتشريع فان ذلك الوقت هو دائما "الآن" لأي حكم نافذ.
و عندما يضع القانون أو الدستور شرطا لتحقق الحكم القانوني فانه لا داعي لاستخدام أزمنة متعددة لتوضيح هذا المعنى.
و من بين المبادئ الهامة في الصياغة القانونية استخدام صيغة المبني للمعلوم و يعد استخدام هذه الصيغة أساسيا مالم تكن هذه الصيغة غير ملائمة لكن لماذا يعتبر استخدام المبني للمعلوم أمرا مهما في الصياغة القانونية؟ الإجابة تتمثل في أن صيغة المبني للمعلوم تحقق مزايا من بينها تحديد الفاعل القانوني و إجبار الصائغ القانوني على أن يدرس الفعل في الجملة الذي ينشئ الميزة أو العبء، أما الميزة الأخيرة فهي أن استخدام صيغة المبني للمعلوم عادة، تكون فيها الكلمات أقل من صيغة المبني للمجهول.
كما يجب على الصائغ القانوني استخدام صيغة الإيجاب بدلا من النفي، بقدر الإمكان . و هناك كلمات تسبقها مقاطع بادئة تفيد معنى النفي بطبيعتها مثال ذلك: ينكر، يحرم، يرفض، يحظر و يوضح الفقيه "ويديك" و يديك أن استخدام صيغة النفي بينما يمكن استخدام صيغة الإيجاب يتضمن عادة استخدام النفي المتعددة و يعني ذلك استخدام أداة النفي "لا" قبل كلمة تفيد معنى النفي بطبيعتها و من أمثلة ذلك المادة 13 من الدستور الجزائري لعام 1996 حيث تنص: "لا يجوز البتة التنازل أو التخلي عن أي جزء من التراب الوطني".
الفرع الثالث: وصف الحالة
نادرا ما يسري الحكم القانوني على جميع الأوضاع و الظروف، و إنما يسري الحكم القانوني عادة على حالة معينة. و يعتبر تحديد هذه الحالة و إدراجها في الحكم القانوني جانبا هاما من عمل الصائغ القانوني.
و يقصد بالحالة الظروف التي ينطبق عليها الحكم و التي عند التعبير عنها بوضوح في الجملة تجعل القانون أكثر وضوحا و دقة. و من أمثلة ذلك ما نص عليه المشرع الدستوري في نص المادة 51 من دستور 1963 حيث جاء فيها ما يلي: "إذا لم يصدر رئيس الجمهورية القوانين في الآجال المنصوص عليها فان رئيس المجلس الوطني يتول إصدارها".
فمن خلال هذه المادة، توضح عبارة "إذ لم يصدر رئيس الجمهورية القوانين في الآجال المنصوص عليها"، الظروف التي يمكن أن تؤدي إلى عدم إصدار القوانين من طرف رئيس الجمهورية. و بعبارة أخرى فانه في حالة عدم وجود هذه الظروف، لن يتول المجلس الوطني إصدار القوانين.
و تنص المادة 117 من الدستور الجزائري لعام 1976 المعدلة بالقانون 79-06 و المتضمن التعديل الدستوري على ما يلي:"إذا استحال على رئيس الجمهورية أن يمارس مهامه بسبب مرض خطير مزمن، تجتمع اللجنة المركزية للحزب وجوبا، و بعد التأكد من حقيقة هذا المانع...".
و تنص المادة 82 من دستور 1996 على ما يلي: "إذا لم تحصل من جديد موافقة المجلس الشعبي الوطني، ينحل وجوبا...".
من خلال النصوص الدستورية السالفة الذكر فان الحالة في تلك المواد تعبر عن خلفية جوهرية أو سياقا للأوضاع التي تسري فيها الحكم القانوني، و من ثم يساعد على تحديد الأوضاع و الحالات التي يكون فيها الحكم القانوني نافذا و لا يتم التعبير عن الحالة إلا عندما يكون أداء الفعل القانوني مقصورا على ظروف معينة.
و للتعبير عن الحالة تستخدم صيغة "إذ" في اللغة القانونية، بصيغة رئيسية لوصف الحالة. و عبارة "متى" فالأصل في هذه الأخيرة أنها أداة شرط للزمان غير جازمة و تستخدم "متى" أيضا لوصف الحالة.
إضافة إلى عبارة "في حالة" فهي تستخدم لوصف الحالة في الحكم القانوني خاصة قبل العبارة الاسمية. و مثال ذلك نص المادة 88 فقرة 3 من دستور 1996 حيث تنص على ما يلي: "..... و في حالة استمرار المانع بعد (45) يوما، يعلن الشغور بالاستقالة وجوبا حسب الإجراء المنصوص عليه...." و تضيف الفقرة الرابعة من نفس المادة على:"....و في حالة استقالة رئيس الجمهورية أو وفاته، يجتمع المجلس الدستوري وجوبا و يثبت الشغور النهائي لرئاسة الجمهورية....".
و مما سبق فانه من الأفضل لوصف الحالة في نصوص الدستور و اللغة القانونية بصفة عامة، استخدام صيغة "إذ"، و ينصح الفقيه كود بضرورة التعبير عن الحالة في بداية الجملة لأن كتابة حكم يوحي بأن تطبيقه سيكون عاما ثم تقييد هذا الحكم بعبارات مقيدة للمعنى أو عبارات شرطية من شأنه أن يضلل القارئ، إذ أن القارئ لن يكتشف إلا في نهاية المادة ما إذا كان هذا الحكم واجب التطبيق أم لا، و إذا اكتشف أن الحكم غير واجب التطبيق فانه سيكون قد أضاع وقته و يقول كود: "كلما كان المقصود من القانون ألا يسري إلا في ظروف معينة، فان هذه الظروف يجب وصفها قبل التعبير عن أي جزء آخر من التشريع". و يضيف كود: "لو أن هذه القاعدة قد روعيت لأمكن تجنب تسعة أعشار العبارات الشرطية و العبارات المقيدة للمعنى التي تشوه القانون".
و يلتزم كل الصائغين القانونيين تقريبا و منهم الصائغ و المشرع الجزائريين بهذه القاعدة العامة، غير أنه شأن كل قاعدة عامة هناك استثناءات لتلك القاعدة و مثال ذلك نص المادة 93 من دستور 1996 و التي تنص على ما يلي: "يقرر رئيس الجمهورية الحالة الاستثنائية إذا كانت البلاد مهددة بخطر داهم يوشك أن يصيب مؤسساتها الدستورية أو استقلالها أو سلامة ترابها....".
كما تتضمن نصوص الدستور و القانون بصفة عامة صيغ الشرط و يقصد بهذه الأخيرة الأوضاع التي يجب تحقيقها قبل أن يصبح الحكم القانوني نافذا و يتم التعبير عن الشرط في اللغة القانونية بالأدوات التالية:
1. صيغة الجملة الشرطية إذا.
2. صيغة التقييد الشرطي اللاحق "بشرط أن"، "شريطة أن"، "على أن".
3. صيغة "رهنا بـ".
4. صيغة الشرط المنفي "مالم".
و في هذا الإطار تنص المادة 169 من دستور 1996 على ما يلي: "إذا ارتأى المجلس الدستوري أن نصا تشريعيا أو تنظيميا غير دستوري،يفقد هذا النص أثره، ابتداء من يوم قرار المجلس". و يمكن تحليل عناصر هذه المادة على النحو التالي:
الحالة: إذا ارتأى المجلس الدستوري.
الشرط: أن نصا تشريعيا أو تنظيميا غير دستوري.
الفاعل القانوني: المجلس الدستوري.
الفعل القانوني: يفقد هذا النص أثره، ابتداء من يوم قرار المجلس.
المطلب الثاني: الصيغ الآمرة و بناء الحملة القانونية
يقصد بالصيغ الآمرة الصيغ التي تستخدم في الوثائق القانونية و من بينها الدساتير، لتحديد الواجبات و فرض الالتزامات و خطر القيام بأعمال معينة و تخويل السلطة التقديرية و منح الحقوق و الاختصاصات. أما بناء الجملة القانونية فتتسم في الأغلب، بالطول المبالغ فيه مع ما يتطلبه ذلك من استخدام تراكيب معقدة.
الفرع الأول: الصيغ الآمرة
من المهم دراسة هذه الصيغ لمعرفة القواعد الصحيحة لاستخدامها و تجنب الاستخدامات الشائعة الخاطئة لها و سوف نناقش فيما يلي هذه الصيغ حسب وظائفها في الدساتير الجزائرية، و بصفة عامة فان صيغ الإلزام في اللغة العربية تشمل ما يلي:
1- صيغة "يجب على فلان أن يفعل".
2- صيغة "يلتزم فلان بأن يفعل" أو "فلان ملزم بأن يفعل".
3- صيغة "يتعهد فلان بأن يفعل".
4- صيغة "يتعين (ينبغي) على فلان أن يفعل".
5- صيغة "يفعل فلان".
و من أمثلة ما تقدم من الصيغ نص المادة 40 من دستور 1963 حيث جاء فيها يلي: "يؤدي رئيس الجمهورية قبل مباشرته لمهام وظيفته القسم أمام المجلس الوطني بالعبارات التالية..." .
و تنص المادة 75 من دستور 1976 على ما يلي: "يجب على كل مواطن أن يحمي بعمله و سلوكه، الملكية العمومية و مصالح المجموعة الوطنية، و يحترم مكتسبات الثورة الاشتراكية، و يعمل حسب مقدرته لرفع مستوى معيشة الشعب" . و في هذا الإطار أيضا تنص المادة 63 من دستور 1989 على ما يلي: "يجب على كل مواطن أن يحمي الملكية العامة، و مصالح المجموعة الوطنية و يحترم ملكية الغير".
و تنص المادة 72 من دستور 1996: "يمارس رئيس الجمهورية السلطة السامية في الحدود المثبتة في الدستور".
و تتضمن أيضا الصيغ الآمرة، صيغ منح و إبطال السلطة التقديرية و يقصد بها تحويل الفاعل القانوني حرية التصرف في أن يؤدي الفعل القانوني أو لا يؤديه. و تستخدم في اللغة القانونية بصفة عامة الصيغ التالية:
1- يجوز لفلان أن يفعل.
2- مسموح لفلان أن يفعل.
3- فلان حر في أن يفعل.
4- لفلان أن يفعل.
و تعتبر صيغة "يجوز لفلان أن يفعل" أكثر الصيغ شيوعا و أكثرها دقة.و فيما يلي أمثلة على صيغ منح السلطة التقديرية في الدستور الجزائري لعام 1996:
- نص المادة 7 فقرة 4: "لرئيس الجمهورية أن يلتجئ إلى إرادة الشعب مباشرة".
- نص المادة 84 فقرة 4: "للوزير الأول أن يطلب من المجلس الشعبي الوطني تصويتا....".
- نص المادة 116 فقرة 3: "يجوز للمجلس الشعبي الوطني و مجلس الأمة أن يعقدا جلسات مغلقة بطلب من رئيسها، أو من أغلبية أعضائهما الحاضرين أو بطلب من الوزير الأول".
و من الصيغ الآمرة نجد أيضا صيغ الحظر و مثال ذلك نص المادة التاسعة من دستور 1996 حيث جاء فيها: "لا يجوز للمؤسسات أن تقوم بما يأتي:
- الممارسات الإقطاعية، و الجهوية، و المحسوبية،....". و هناك صيغ للحظر نذكر منها صيغة "محظور" ، "ليس"، "غير مسموح"، "يمتنع على"، "يمتنع". و مسألة اختيار الصيغ المذكورة تتعلق بالملائمة مع السياق أكثر مما يتعلق بالمعنى. و تعتبر صيغة "لا يجوز" أنسب هذه الصيغ عندما لا يكون الفاعل محددا في الجملة.
بالإضافة إلى الصيغ المذكورة أعلاه نجد صيغ تخويل السلطة و الاختصاص و صيغ الاشتراط. و من أمثلة صيغ تخويل السلطة و الاختصاص ما تنص عليه المادة 77 من دستور 1996 حيث جاء فيها: "يضطلع رئيس، بالإضافة إلى السلطات التي تخولها إياه صراحة أحكام أخرى في الدستور، بالسلطات و الصلاحيات الآتية...." .
أما عن صيغ الاشتراط فهي التي تفيد أن هناك متطلبا ما ينبغي تلبيته، قبل تحقق الفعل القانوني. و من أمثلة ذلك صيغة "يشترط فيمن يفعل أن يكون....".
و فيما يلي نحاول تسليط الضوء على الاستخدامات الشائعة الغامضة للصيغ الآمرة.
و من بين الصيغ الغامضة لاستخدام الصيغ الآمرة، صيغة "لفلان أن يفعل"، فالأصل في استخدام هذه الصيغة هو أنها تخول للفاعل سلطة تقديرية لتنفيذ الفعل القانوني من عدمه، و بعبارة أخرى فان صيغة "لفلان أن يفعل" ما هي إلا صيغة مختصرة "يجوز لفلان أن يفعل" كما في المثال التالي:
المادة 126 فقرة 2 من دستور 1976: "للمجلس الشعبي الوطني في نطاق اختصاصاته، سلطة التشريع بكامل السيادة...."
و في المثال المذكور أعلاه، تعني عبارة "للمجلس الشعبي الوطني" تخويل المجلس سلطة التشريع و من ثم يجوز للمجلس الشعبي الوطني التشريع في كل الحالات.
لكن هذه الصيغة يعتريها الغموض في كثير من الأحيان، و تفسر بمعاني مختلفة قد تخرج عن المعنى المراد من استخداماتها و كثير ما يساء استخدام هذه الصيغة لتشير إلى إعطاء حق، و ليس سلطة تقديرية للفاعل ومن أمثلة ذلك ما يلي:
المادة 50 من دستور 1996: "لكل مواطن تتوفر فيه الشروط القانونية أن يَنتَخِبَ و يُنتَخَبْ".
المادة 55: "لكل المواطنين الحق في العمل...."
و في المثال الأول: تعني هذه الصيغة أن للمواطن الحق في أن يَنتَخِبَ و يُنتَخَبْ، و ليس مجرد أن المواطن له حرية التصرف في يَنتَخِبْ و يُنتَخَب أو العكس.
و تكمن المشكلة الرئيسية في استخدام صيغة "لفلان أن يفعل" في أنها يمكن أن تفسر لمعاني مختلفة عن المعنى الذي قصده المشرع الدستوري كما في المثال التالي:
المادة 84 من دستور 1996 فقرة 4: "للوزير الأول أن يطلب من المجلس الشعبي الوطني تصويتا بالثقة و في حالة عدم الموافقة على لائحة الثقة يقدم الوزير الأول استقالة حكومته".
إن هذه الفقرة لا يمكن تفسيرها، وفقا للمعنى الشائع لصيغة "لفلان أن يفعل"، على أن الوزير الأول حر في أن يطلب أو لا يطلب تصويتا بالثقة. و إنما المقصود هنا هو أن الوزير الأول مختص وحده دون غيره بطلب التصويت بالثقة. و إذا أعدنا صياغة الفقرة السابقة من المادة 84 على النحو التالي:
- "يختص الوزير الأول وحده دون غيره بطلب التصويت بالثقة من طرف المجلس الشعبي الوطني...".
فأي الصياغتين أوضح؟ إن مقارنة بين الصياغتين السابقتين تقودنا إلى مقارنة صيغة "لفلان أن يفعل" المستخدمة في المادة 84 السابقة، بصياغة المادة 137 من دستور 1989 و التي تنص على ما يلي:
"يختص القضاة بإصدار الأحكام...."
و كما نلاحظ من صياغة المادة 137 المذكورة أعلاه، استخدمت صيغة "يختص" لتفيد الاختصاص و لا نظن أن أحدا يمكن أن يساوره الشك حول المعنى المراد التعبير عنه في هذه المادة.
و في المثال التالي استخدمت صيغة "لفلان أن يفعل":
المادة 124 فقرة 1: "لرئيس الجمهورية أن يشرع بأوامر في حالة شغور المجلس الشعبي الوطني، أو بين دورتي البرلمان...".
و في المثال دلالة قاطعة على أن لصيغة "لفلان أن يفعل" و بالتالي يكون أمامنا خياران، الأول تفسيرها بمعنى حق رئيس الجمهورية أن يشرع بأوامر في حالة شغور المجلس الشعبي الوطني أو بين دورتي البرلمان.
و الثاني، تفسيرها حسب معناها المتعارف عليه و هو إعطاء الفاعل السلطة التقديرية لأداء الفعل. و سواء فسرناها حسب التفسير الأول أو الثاني يكون المعنى أن "لرئيس الجمهورية الحرية في أن يشرع أو لا يشرع بأوامر". و بالطبع لا يمكن قبول هذا التفسير، و إنما المعنى المقصود هنا هو أن رئيس الجمهورية يتولى التشريع بأوامر و بعبارة أخرى، فان الحكم القانوني المنصوص عليه هنا هو تقدير قاعدة و ليس إعطاء سلطة تقديرية للفاعل (رئيس الجمهورية).
و يرى الفقهاء أن صيغة "لفلان أن يفعل" صيغة مبهمة، و من الأفضل عدم الإسراف في استخدامها لأنها قد تحمل أكثر من دلالة و بالتالي تثير الغموض حول المقصود منها. و نظرا لعدم وضوح هذه الصيغة فإنها تؤدي إلى توريط الصائغ القانوني في استخدامها في غير المقصود منها. و إذا كان الغرض من استخدام هذه الصيغة هو إعطاء سلطة تقديرية للمخاطب بالحكم القانوني فان صيغة "يجوز لفلان أن يفعل" تؤدي هذا الغرض بكفاءة كبيرة و بوضوح تام. و إذا كان المقصود منها هو تخويل الحق أو الاختصاص من الأفضل تحديد ذلك بصراحة، كما في صيغة "لفلان الحق في" أو "يختص فلان بعمل"، و لا داعي إطلاقا لاستبدال صيغة واضحة بصيغة مبهمة.

الفرع الثاني: بناء الجملة القانونية
يمكن تلخيص السمات التي تميز الجملة القانونية في الأغلب الأعم، فيما يلي:
1- طول الجملة القانونية بشكل مبالغ فيه و اعتمادها دائما على تراكيب معقدة.
2- التباعد بين أجزاء الجملة التي تكون في الجملة العادية، عادة، بجوار بعضها البعض على سبيل المثال التباعد بين الفاعل و الفعل.
3- استخدام العبارات المقيدة للمعنى بشكل مفرط لتقييد أجزاء معينة في الجملة، أو لتقييد الجملة كلها.
4- ازدحام الجملة عادة بتفاصيل تجعل من الصعب اختراقها و التوصل إلى العلاقات بين أجزائها.
و يتضح لنا ذلك من المثال التالي:
المادة 95 من دستور 1996: "إذا وقع عدوان فعلي على البلاد أو يوشك أن يقع حسبما نصت الترتيبات الملائمة لميثاق الأمم المتحدة، يعلن رئيس الجمهورية الحرب، بعد اجتماع مجلس الوزراء و الاستماع إلى المجلس الأعلى للأمن و استشارة رئيس المجلس الشعبي الوطني و رئيس مجلس الأمة...".
و إذا نظرنا إلى المادة المذكورة أعلاه فإننا نجد أنها تندرج تحت ما يسمى بالجملة المعقدة، و في هذا النوع من الجمل تكون هناك عبارة تابعة و عبارة رئيسية. و تقوم العبارة التابعة بدور إعطاء معلومات حول العبارة الرئيسية و عادة ما تبدأ بأداة إسناد، و يمكن وضع العبارة التابعة قبل العبارة الرئيسية أو بعدها أو حتى في داخلها.
و إذا نظرنا في المثال المذكور أعلاه فإننا نتوقع أن تكون لدينا عبارة تابعة (فعل الشرط) تبدأ بأداة الشرط "إذا"، و عبارة رئيسية (جواب الشرط). و يوضح الشكل التالي بناء الجملة الشرطية:
إذا + فعل الشرط ← جواب الشرط
و لشرح ذلك نورد المثال التالي:
المادة 176 من دستور 1996: " إذا ارتأى المجلس الدستوري أن مشروع أي تعديل دستوري لا يمس البتة المبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري، و حقوق الإنسان و المواطن و حريتها، و لا يمس بأي كيفية التوازنات الأساسية للسلطات و المؤسسات الدستورية و علل رأيه، أمكن رئيس الجمهورية أن يصدر القانون الذي يتضمن التعديل الدستوري مباشرة دون أن يعرضه على الاستفتاء الشعبي، متى أحرز ثلاثة أرباع (3/4) أصوات غرفتي البرلمان".
إن أول ما نلاحظه في المادة المذكورة أعلاه هو أننا لا نستطيع التعرف بسهولة على الأجزاء الرئيسية للمادة (أداة الشرط: فعل الشرط، جواب الشرط) بسبب تباعدها عن بعضها البعض.
و السؤال المطروح لماذا تتباعد الأجزاء الرئيسية للجملة عن بعضها البعض؟
و الإجابة ببساطة هي بسبب إدخال العبارات المقيدة للمعنى فيما بينها لتقييد معاني أجزاء معينة في الجملة، و إذا قمنا بإحصاء عدد العبارات المقيدة في المادة 95 السالفة الذكر، فإننا نجد عددها 4 عبارات:
1- يعلن رئيس الجمهورية الحرب.
2- بعد اجتماع مجلس الوزراء.
3- الاستماع إلى المجلس الأعلى للأمن.
4- استشارة رئيس المجلس الشعبي الوطني و رئيس مجلس الأمة.
و هو نفس الحال الذي ينطبق على المادة 176.
فتعقد بناء الجملة القانونية ليس هو ناتج عن التركيبة المعقدة التي تستخدم في بناء الجملة، و إنما التفاصيل المفرطة التي تزدحم بها الجملة و التي تستخدم لتقييد أجزاء معينة في الجملة كما سبق أن وضحنا و الأمثلة على ذلك كثيرة في الدستور الجزائري لعام 1996 و الدساتير الجزائرية السابقة.
و قد يلجأ الصائغ القانوني إلى استخدام كل من أسلوب الإسناد و أسلوب العطف معا في نفس الجملة القانونية و مثال ذلك:
المادة 134 من دستور 1996: "يمكن أعضاء البرلمان أن يوجهوا أي سؤال شفوي أو كتابي إلى أي عضو في الحكومة.
و يكون الجواب عن السؤال الكتابي كتابيا، خلال أجل أقصاه ثلاثون (30) يوما.
و تتم الإجابة عن الأسئلة الشفوية في جلسات المجلس.
إذا رأت أي من الغرفتين أن جواب عضو الحكومة شفويا كان أو كتابيا يبرر إجراء مناقشة، تجري المناقشة حسب الشروط التي ينص عليها النظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني و مجلس الأمة، تنشر الأسئلة و الأجوبة طبقا للشروط التي يخضع لهل نشر محاضر مناقشات البرلمان."
مما سبق يتضح لنا أن هناك ثلاثة أساليب رئيسية تستخدم في بناء الحملة القانونية و تؤدي إلى تعقد بناءها، و هذه الأساليب هي: الإسناد و العطف و الفصل بين الجزاء الرئيسية للجملة، لكن ما هي الأسباب التي تؤدي إلى حدوث هذه الظاهرة، و تجعل الجملة القانونية تبدو في أغلب استعمالاتها لاسيما في الدستور بهذا التعقيد؟
يمكن تلخيص السباب التي تكمن وراء ذلك إلى:
1. صعوبة المشكلات التي يتعامل معها التشريع أيا كان نوعه، و على حد قول "دريدجر": "إن الحاجة إلى سن القوانين تنشأ أحيانا للتعامل مع مواقف صعبة جدا و من الواضح أنه ما من أحد يمكنه أن يفهم القانون التشريعي ما لم يفهم هذه المواقف".
و على سبيل المثال فان الدستور الجزائري لعام 1996 تكلم عن عدد من النقاط من بينها أن الدستور أوجد المحكمة العليا للدولة و هذا ما نصت عليه المادة 158 و التي تحاسب رئيس الجمهورية و شخصيات عليا، و نصت على أن يحدد قانون عضوي تشكيلة المحكمة العليا و تنظيمها و سيرها، و السؤال المطروح أين هو القانون العضوي الذي تتحدث عنه المادة، و من يملك السلطة لمحاكمة رئيس الجمهورية؟
و أوجد الدستور أيضا رقابة المجلس الشعبي الوطني للميزانية عن كل سنة مالية (المادة 120 فقرة سابعة).
فما الفائدة أن نورد أحكاما في الدستور و لا نعمل بها في نهاية المطاف و كان من الأفضل استبعادها.
2. اختلاف جمهور اللغة القانونية: يصاغ التشريع حسب نوعه لعلاج مشكلة قائمة أو لتجنب حدوث مشاكل محتملة. و قد تطرح فكرة التشريع من الفئة المهمة بموضوعه و قد تطرح الفكرة من الحكومة أو من البرلمان و عند إقرار الدستور يحال الأمر إلى المختصين بالصياغة القانونية ثم يعرض على الأحزاب و المنظمات المدنية لشرح مضمون الدستور، مثل ما حدث مع دستور 1996 حيث قامت مجموعة من الأساتذة في القانون و ذوي الاختصاص بشرح أهداف و مضامين دستور 1996 و منهم الدكتور رزق الله العربي بن مهيدي عميد كلية الحقوق و العلوم الاجتماعية بجامعة عمار ثليجي بالأغواط.
3. التقاليد المتوارثة في الصياغة القانونية: توارث صائغو اللغة القانونية على مر العصور عادات معينة في صياغة الدساتير أصبحت تمثل لهم طوقا يصعب الخروج منه و من بين الموروثات في مجال الصياغة القانونية، عادة الحرص على أن تكون الجملة مكتفية ذاتيا، و من هنا يحرص أغلب إن لم نقل كل الصائغين على أن تحتوي الجملة القانونية بداخلها على كل ما يتصل بها، بحيث تضم بداخلها ككل ما يلزمها، و من هنا نشأت عادة تقييد معاني أجزاء الجملة في داخل نفس الجملة، و أيضا حشو الجملة بكل التفاصيل التي تتعلق بها.
5. سوء الصياغة: تنشأ أحيانا، التركيبة المعقدة للجملة القانونية بسبب سوء الصياغة و ننظر إلى المثال التالي على تعقد بناء الجملة القانونية:
المادة 42 من دستور 1996: "حق إنشاء الأحزاب السياسية معترف به و مضمون و لا يمكن التذرع بهذا الحق لضرب الحريات الأساسية و القيم و المكونات الأساسية للهوية الوطنية، و الوحدة الوطنية و أمن التراب الوطني و سلامته، و استقلال البلاد، و سيادة الشعب، و كذا الطابع الديمقراطي و الجمهوري للدولة.
و في ظل احترام أحكام هذا الدستور، لا يجوز تأسيس الأحزاب السياسية على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جنسي.....
و لا يجوز للأحزاب السياسية اللجوء إلى الدعاية الحزبية التي تقوم على العناصر المبينة في الفقرة السابقة.
يحظر على الأحزاب السياسية كل شكل من أشكال التبعية للمصالح أو الجهات الأجنبية.
لا يجوز أن يلجأ أي حزب سياسي إلى استعمال العنف أو الإكراه مهما كانت طبيعتهما أو شكلهما.
يحدد التزامات و واجبات أخرى بموجب قانون".
هذه المادة جاءت بالكثير من التقييد في المعنى للفاعل القانوني ألا و هو الحزب السياسي و كان يمكن التغلب على سوء الصياغة، ببساطة باللجوء إلى التبنيد لتصبح المادة كما يلي:
" حق إنشاء الأحزاب السياسية معترف به و مضمون.


لا يمكن التذرع بهذا الحق للمساس بـ:
1- الحريات الأساسية.
2- القيم و المكونات الأساسية للهوية الوطنية.
3- الوحدة الوطنية.
4- أمن التراب الوطني.
5- سلامة و استقلال البلاد.
6- سيادة الشعب.
7- الطابع الديمقراطي و الجمهوري للدولة.
و في ظل احترام أحكام هذا الدستور يحظر على الأحزاب السياسية ما يلي:
1. تأسيس الحزب السياسي على أساس ديني، لغوي، عرقي، جنسي، مهني، جهوي.
2. اللجوء إلى الدعاية الحزبية التي تقوم على العناصر السابقة.
3. كل شكل من أشكال التبعية للمصالح أو الجهات الأجنبية.
4. استعمال العنف أو الإكراه مهما كانت طبيعتهما أو شكلهما.
تحدد التزامات و واجبات أخرى بموجب قانون".
و كما نلاحظ، فانه دون أدنى شك، أصبحت المادة الآن أكثر وضوحا و أقل إجهادا لذهن القارئ و كل ما حدث هو أن المادة قد نظمت بشكل جيد دون إجراء أي حذف أو إضافة كبيرة عليها.
أما عن الأساليب المستخدمة في بناء الجمل القانونية و القواعد الدستورية فإننا نجد الربط و الإسناد حيث أنه يقصد بالأول ربط أجزاء الجملة باستخدام أدوات الربط وهي حرف العطف "و" و حرف "أو" و عبارة "ولكن". أما الثاني (الإسناد) فيقصد به استخدام جملة تابعة لإضافة معلومات إلى جملة أخرى داخل الجملة الرئيسية.
و يميل الصائغ القانوني إلى الاستخدام المفرط لهذه الأساليب داخل الجملة نفسها، كما يفعل ذلك بشكل متكرر يكون في كل الحالات التي يستخدمها و هذا تحديدا هو وجه الغرابة في استخدام هذه الأساليب و ليس استخدامها في حد ذاته هو الأمر الغريب. و هو الأمر بالنسبة للمادة السالفة الذكر.
أما الأسلوب الثاني الذي يجب أن تتسم به الجملة القانونية عموما و القاعدة الدستورية خصوصا هو أسلوب التوازي و التراكيب المتوازنة، و الكلمات التكرارية التركيبية.
و يقصد بالتوازي استخدام تركيبة مماثلة لتركيبة سابقة في الجملة. بمعنى تكرار كلمات شبيهة بنفس الترتيب الذي وردت فيه من قبل في الجملة.
و يقصد بالتوازي استخدام مجموعات من الكلمات متساوية في العدد أولها نفس الطول تقريبا.
و يقصد بالكلمات التكرارية التركيبية، تكرار أول كلمة في التركيبة المكررة في قالب متوازي أو متوازن.
و يلجأ الصائغون القانونيون مرارا و تكرارا إلى استخدام الأساليب السابقة لتوضيح المعنى في الجملة القانونية، خاصة عندما تحتوي الجملة على تفاصيل كثيرة و بدون استخدام هذه الأساليب تصبح الجملة صعبة الفهم.
و من بين أصول حسن صياغة القواعد القانونية و الدستورية، يمكن حصرها فيما يلي:
1- تخصيص جملة لكل فكرة و لا تخصص أكثر من فكرة للجملة الواحدة.
2- استخدام الجمل القصيرة و متوسطة الطول حيث يعتبر أفضل متوسط عدد للكلمات في الجملة التي تتناول موضوعات معقدة أو فنية هو 20 كلمة في الجملة. و بالنسبة للصائغين القانونيين، يمكن أن يتراوح هذا الرقم من 20 إلى 25 كلمة في الجملة. و رغم أن تنويع طول الجملة مطلوب لتفادي الإحساس بالرقابة و الممل فانه حتى أطول الجمل يجب ألا تزيد عن 35 كلمة.
3- استخدام التوازي و التوازن و الكلمات التكرارية التركيبية.
4- البدء بالفعل.
5- وضع الكلمات التي تتصل ببعضها البعض متجاورة بقدر الإمكان.
6- استخدام المبني للمعلوم.
و إذا أردنا إسقاط مثل هذه المسائل على الوثيقة الدستورية لعام 1996، نجد أن هناك في بعض مواد الدستور صياغات طويلة، منها صياغة المادة 88 من الدستور و التي تتكلم حول حالة الشغور، فالمشرع الجزائري حاول أن يضبط هذه المادة، حيث أنها تشمل حوالي صفحة و نصف من الدستور و هذا خلاف أحكام الدستور التي ينبغي أن تكون مقتضبة جدا و تؤدي المعنى. هذه المادة مع الأسف من حيث المضمون الذي اعتمدته تشمل تناقضات كثيرة، منها أنه في حالة المرض المزمن الذي يشمل رئيس الجمهورية فهنا لدينا مرض مزمن و قد يكون هذا المرض لا يحول دون ممارسة المهام و لدينا أيضا مرض مزمن يمكن أن يحول دون ممارسة مهام رئيس الجمهورية.
مهما يكن من أمر المسألة التي تطلبت أنه ينبغي على المجلس الدستوري أن يتثبت من الأمر بالإجماع، فكيف نعلق أمر توجد فيه شهادة طبية و وثائق رسمية تقول أن شخص رئيس الجمهورية يستحيل عليه ممارسة مهامه –بإجماع المجلس الدستوري، و ناحية ثانية نعلقها بموافقة 2/3 أعضاء البرلمان، فالشهادة الطبية كافية وحدها دون أن نعلق الأمر لا بإجماع المجلس الدستوري و لا بالنسبة لأعضاء البرلمان.
ثم في اشتراط المدة الزمنية فالنص يميز بين أمرين الشغور المترتب عن المرض المزمن و الذي علقه الدستور لـ45 يوما و بين الاستقالة المرتبطة بـ60 يوما فما هو المعيار بين 45 يوما و 60 يوما؟ الجواب لا شيء، لماذا المرض المزمن 45 يوما، و الاستقالة 60 يوما، لابد أن تكون هناك مبررات موضوعية لحل هذا الإشكال و ليس هناك أي مبرر يمكن أن نستمده من نص المادة.
ثم إن نص المادة 88 في حالة شغور منصب رئيس الجمهورية، ثم الشغور المرتبط بالشغور، و الشغور المرتبط بشغور الشغور. فدخلنا في فرضيات لا علاقة لها و كان يمكن حل هذه المسألة عن طريق إحدى الوسيلتين:
1- تعيين نائب الرئيس.
2- في حالة شغور منصب رئيس الجمهورية يتولى رئيس مجلس الأمة المنصب، و في حالة شغور منصب رئيس مجلس الأمة يتولى رئيس المجلس الدستوري المنصب .
المطلب الثالث: الوضوح و انتقاء الكلمات و استخدام علامات الترقيم
يجب على الصائغ القانوني مراعاة الوضوح في صياغة القوانين بصفة عامة و التعديل الدستوري بصفة خاصة. إضافة إلى انتقاء الكلمات و استخدام علامات الترقيم.
الفرع الأول: الوضوح
يساعد الوضوح في الصياغة القانونية بصفة عامة على إزالة الالتباس و الغموض و هناك عدة اعتبارات عامة ينبغي مراعاتها في هذا الخصوص، و تتمثل فيما يلي:
1- الكلمة ليس لها معنى في حد ذاتها و إنما تستمد معناها من السياق الذي توجد فيه.
2- يكون المفهوم غامضا إذا ترك مجالا، في سياق معين، مفتوحا بشكل واسع جدا بحيث يصعب معه تحديد معنى دقيق للكلمة.
3- يجب أن تتطابق النية الذاتية للمتحدث مع المعنى الموضوعي للكلمة أو العبارة المستخدمة في السياق.
4- إذا حاولت النية الذاتية التعبير عن معنيين موضوعيين – أي التوصل إلى حد وسط- يمكن ينشأ الغموض. و من أمثلة ذلك أن يحاول الصائغ القانوني، التوفيق بين معنيين، فيستخدم كلمة تعني كلا المعنيين.
5- إن ما يمكن حذفه في بعض السياقات، لا يمكن حذفه في سياقات أخرى حتى لا يتأثر وضوح النص.
6- إن البساطة لا تعني دائما الوضوح.
و ينشأ الغموض من استخدام الكلمات التي ليس لها حدود معينة، و من ثمة، تتيح الاختيار حول درجة هذه الحدود و نطاقها. و كقاعدة عامة ينبغي تجنب استخدام الكلمات الغامضة في الصياغة القانونية لأنها تؤدي إلى حدوث تأويلات.
و كذلك قد يحدث الالتباس عند استخدام كلمة لها مدلولين أو أكثر في سياق يتعذر معرفة المعنى المقصود من الكلمة، و ينشأ هذا النوع من الالتباس ليس بسبب المعاني المتعددة للكلمة و إنما لأن الكلمة أستخدمت في سياق من غير الواضح فيه المعنى المقصود منها.
و قد تؤدي طريقة ترتيب الكلمات داخل الجملة إلى احتمال تفسير الجملة بطريقتين أو أكثر. و لقد كتب وليام كوبيت عن ذلك سنة 1818 قائلا: "من بين كل الأخطاء في الكتابة، يعد وضع الكلمات في أماكن خاطئة من أكثر الأخطاء شيوعا، و ربما يؤدي ذلك إلى حالات كثيرة من سوء الفهم" و في الصياغة القانونية كثيرا ما ينشأ الالتباس نتيجة وضع العبارات المقيدة للمعنى في أماكن خاطئة في الجملة.
و قد ينشأ الالتباس نتيجة استخدام واو العطف أو التخيير "أو" للربط بين اسمين تستخدم معهما صفة واحدة. و من الأفضل في هذه الحالة أن يوضح الصائغ القانوني المعنى الذي يقصده.
و قد تكون الكلمات نفسها المستخدمة في الوثيقة القانونية واضحة تماما في مظهرها و لكن عندما يتم الكشف عن حقائق أخرى، يظهر لبس في المعنى و يطلق على ذلك النوع من الالتباس السياقي بسبب إما تضارب داخلي أو خارجي، و يحدث الالتباس الداخلي عندما يتناقض حكم في الوثيقة القانونية م حكم آخر في نفس الوثيقة. و مثال ذلك التنسيق بين نص المادة 165 و التنسيق بين المادة 168. فنص المادة 165 ينص على أن المجلس الدستوري له أن يعلق إما بقرار أو برأي، برأي هو السابق و بقرار هو اللاحق. لكن نص المادة 168 يتكلم على الرقابة السابقة فقط. و لذلك لابد أن تكون إحالة بين هذه المادة و غيرها من المواد.
الفرع الثاني: انتقاء الكلمات
تستخدم في اللغة القانونية بشكل متكرر كلمات و تعبيرات غير مألوفة، و يمكن استبدال هذه الكلمات و التعبيرات بكلمات و تعبيرات أكثر بساطة تؤدي إلى تحسين وضوح المعنى دون تغييره و لأن الكلمات المستخدمة في الوثيقة القانونية الغرض منها هو نقل معنى معين فانه يجب ألا تترك هذه الكلمات أي شك حول المعنى المقصود منها.
و ينصح فقهاء الصياغة القانونية باستخدام الكلمات المألوفة بدلا من الكلمات الغريبة و الكلمات الملموسة بدلا من الكلمات المجردة و الكلمات المفردة بدلا من الكلمات المركبة، و الكلمات القصيرة بدلا من الكلمات الطويلة و من الأفضل أيضا استخدام الكلمات الأصلية في اللغة القانونية –و خصوصا في الوثيقة الدستورية- بدلا من الكلمات المستعارة أو المعربة، و الكلمات البسيطة بدلا من الصعبة، و المعاصرة بدلا من الكلمات القديمة المهجورة، و فيما يلي بعض الإرشادات في هذا الصدد:
أولا: استخدام الكلمات و العبارات الطبيعية المألوفة بدلا من الغريبة:
يجب على الصائغ القانوني أن يستخدم الكلمات حسب معناها العادي و الطبيعي حتى يتأكد من أن القارئ سيفهم منها المعنى الدقيق الذي أراد الصائغ نقله إليه. و قد يلجأ الصائغ القانوني إلى استخدام كلمة أو عبارة فنية يقتضيها السياق. و هنا ليس هناك حرج على الإطلاق في اللجوء إلى أسلوب الملاحظات الهامشية لشرح معنى المصطلح الفني حتى لا يجد القارئ و خصوصا المتخصص صعوبة في فهمه.
ففي هذا الإطار تتكلم المادة 175 من دستور 1996 بشكل أساسي أنه عندما يعرض مشروع التعديل الدستوري، إذا رفضه الشعب اعتبر لاغيا أما الفقرة الثانية من هذه المادة غير المقبولة فتنص على عدم إمكانية عرض هذا المشروع على الشعب خلال الفترة التشريعية. الإشكال يطرح، هذه الوثيقة عرضت على الشعب و رفضها فكيف يمكن القول أنه في الفترة التشريعية الأخرى يعرض على الشعب. لو كانت المسألة عرضت على البرلمان و رفضها البرلمان في ظل تشكيلة معينة و حل محله برلمان جديد لقبلت الفكرة على أساس أن البرلمان الأول رافض، يمكن أن يقبلها البرلمان الثاني، لكن أن تعرض على الشعب مرة ثانية في فترة تشريعية أخرى و هو أمر غير مقبول منطقيا. لأن الشعب عندما رفض هذه الوثيقة من غير المعقول عرضها من جديد، حتى السلطة تكون غير شرعية.
ثانيا: استخدام الكلمات و العبارات الملموسة بدلا من المجردة
يقول "فاولر": "إن الكاتب يستخدم كلمات مجردة لأن أفكاره مشوشة، و يؤدي تعود الكاتب استخدام الكلمات المجردة إلى زيادة تشوش أفكاره و قد ينتهي به الأمر بإخفاء المعنى الذي يقصده ليس فحسب عن قرائه و إنما أيضا عن نفسه".
ثالثا: استخدام الكلمات المفردة بدلا من العبارات الزوجية و الثلاثية
تستخدم أحيانا في الوثائق القانونية عبارات من كلمتين أو أكثر بدلا من كلمة واحدة، و من أمثلة ذلك "في حالة ما إذا"، في حين أنه يمكن تماما الاكتفاء بأداة الشرط "إذ" لتفي بالغرض، و عبارة "كما يمكن أن".
و مثال ذلك ما نصت عليه المادة 84 من دستور 1996، الفقرة الثانية و الثالثة منها، حيث جاء فيها: ".....يمكن أن تختتم هذه المناقشة بلائحة، كما يمكن أن يترتب على هذه المناقشة........".
و كان بالإمكان تفادي هذه العبارات أو حذفها.
و ينطبق نفس الكلام أيضا على استخدام العبارات الزوجية و الثلاثية بدلا من استخدام كلمات مفردة و مثال ذلك عبارة "غير أنه إذا" حيث نصت المادة 126 من دستور 1996 الفقرة الثانية على ما يلي: "غير أنه إذا أخطرت سلطة من السلطات المنصوص عليها في المادة 166...". و كان بالإمكان الاكتفاء بأداة الشرط "إذا" لتفي بالغرض.
رابعا: تجنب استخدام الكلمات و العبارات القديمة
تحظى الكلمات و العبارات القديمة بسحر خاص يجذب إليها أغلب الصائغين القانونيين. و يقصد بالكلمات و العبارات القديمة تلك الكلمات و العبارات التي توقف استخدامها في اللغة العادية.
خامسا: تجنب استخدام الكلمات و العبارات غير الضرورية
يستخدم الصائغون القانونيون، في بعض الأحيان كلمات غير ضرورية، أما بسبب انجذابهم لاستخدام الكلمات المهجورة أو لرغبتهم في استخدام لغة خاصة بهم تميزهم عن غيرهم و من أمثلة الكلمات و العبارات التي تستخدم في اللغة القانونية بدون داع ما يلي:
استخدام كلمة المذكور و ضمائر الإشارة "هذا" و "ذلك" و ما يناظرها. فهذه الكلمات قد تضفي على الوثيقة شكلا رنانا إلا أنها لا تساعد في توضيح النص.
ال

hadia369
2011-09-28, 00:23
فرع الثالث: علامات الترقيم
هناك ميل، بصفة عامة، لدى صائغي اللغة القانونية للإقلال من استخدام علامات الترقيم فهي نادرا ما تستخدم في الوثائق القانونية القديمة، و كان من المألوف أن تمتد، الوثيقة القانونية القديمة عبر عدة صفحات، و من بداية الوثيقة، حتى نهايتها بدون استخدام أية نقاط لتمييز نهايات الجمل أو فاصلات أو غير ذلك من علامات الترقيم.
و يمكن إرجاع الرغبة في تجنب استخدام علامات الترقيم في اللغة القانونية إلى الأسباب التالية:
أ- اللغة القانونية لغة مرئية و ليست سمعية.
ب- الحفاظ على وحدة و تماسك النص القانوني.
ج- الخوف من تفسير علامات الترقيم بما يغير معنى النص.
و تظهر أهمية استخدام علامات الترقيم في اللغة القانونية في أن المشكلة ليست في استخدام هذه العلامات في حد ذاتها و إنما في وضعها في غير محلها أو في الاعتماد الزائد عليها في نقل المعنى. و يجادل الذين يعارضون استخدام علامات الترقيم في الوثيقة القانونية بأن هذه العلامات ضعيفة نسبيا، و من ثم فانه يجب تحاشي استخدامها لنقل المعنى، و فضلا عن ذلك، فإنها غالبا ما يساء استخدامها، إذ قد يتم حذفها عندما تكون هناك ضرورة لوضعها، و قد تستخدم إما بطريقة خاطئة أو في المكان الخطأ.
و من ناحية أخرى، فان عدم استخدام هذه العلامات من شأنه أن يؤدي إلى خلق غموض أو لبس في فهم النص القانوني، و من ثم تنشأ صعوبة في فهم المعنى الحقيقي المقصود التعبير عنه في الوثيقة القانونية.
و يدافع الفقيه "ثورونتون" عن استخدام علامات الترقيم في اللغة القانونية قائلا: "إن علامات الترقيم أداة من أدوات تركيبة الجملة، و هي وسيلة مكملة لترتيب الكلمات لتوضيح تنظيم الكلمات في الجملة، و من ثم، لتكشف طريقة تركيبة الجملة، و يتمثل الغرض الأساسي من استخدام علامات الترقيم في مساعدة القارئ على فهم المعنى المراد التعبير عنه بطريقة أسرع و ذلك عن طريق وضع علامات إرشادية لتركيبة الجملة".
و يقول الفقيه "ماكسويل" "إنه حينما يكون من الضروري تفسير نص ما بطريقة تختلف عن طريقة ترقيمه بعلامات الترقيم، يمكن افتراض عدم وجود أية علامة ترقيم في النص، و بنفس القدر يمكن افتراض وجود علامة ترقيم في النص بينما لا تكون موجودة أصلا فيه".
و نشرح ذلك، يمكن قراء نص 118 من دستور 1996 كما لو كانت قد استخدمت فيه علامات الترقيم، بينما لا تظهر أية علامات ترقيم، حيث تنص المادة على ما يلي:
"يجتمع البرلمان في دورتين عاديتين كل سنة، و مدة كل دورة أربعة 4 أشهر على الأقل.
يمكن أن يجتمع البرلمان في دورة غير عادية بمبادرة من رئيس الجمهورية.
و يمكن كذلك أن يجتمع باستدعاء من رئيس الجمهورية بطلب من الوزير الأول أو طلب من ثلثي (2/3) أعضاء المجلس الشعبي الوطني، تختتم الدورة غير العادية بمجرد ما يستنفذ البرلمان جدول الأعمال الذي استدعى من أجله".
و يمكن إعادة صياغة نص المادة السابقة على النحو التالي:
"يجتمع البرلمان في:
‌أ- دورتين عاديتين كل سنة، و مدة كل دورة أربعة (4) أشهر على الأقل.
‌ب- دورة غير عادية بمبادرة من رئيس الجمهورية.
‌ج- باستدعاء من رئيس الجمهورية بطلب من الوزير الأول أو بطلب من (2/3) أعضاء المجلس الشعبي الوطني.
‌د- تختتم الدورة غير العادية بمجرد ما يستنفذ البرلمان جدول الأعمال الذي استدعي من أجله".
و في هذا الإطار دائما يرى الفقيه"ديكرسون" أن المشكلة فيما يتعلق باستخدام علامات الترقيم بشكل متقن و بدلا من أن يتجاهل صائغ اللغة القانونية علامات الترقيم، ينصح ديكرسون بأن على صائغ اللغة القانونية أن يتقن استخدامها و ألا يعتمد عليها وحدها في أن تفعل ما يجب أن يفعله ترتيب الكلمات داخل الجملة القانونية و كذلك، إن علامات الترقيم هي أكثر الأدوات التي يساء استخدامها.
و القول السابق ينطبق على الدساتير الجزائرية و عمليات التعديلات التي عرفتها.
فمن خلال دراسة المواد 88، 89، 90، 93، 95 من دستور 1996 يتبين عدم اعتماد المشرع الدستوري الجزائري على علامات الترقيم.
و يرى الفقيه "دونان" أن الاستغناء عن كل علامات الترقيم قلما يناسب الصياغة القانونية، و أن هناك مبرر قوي لاستخدام علامات الترقيم حتى و لو كان ذلك بقدر محدود لاسيما عند تقسيم مضمون الجملة في الوثيقة القانونية إلى فقرات. و عندما يكون هناك إحساس بان علامات الترقيم قد غيرت من المعنى المقصود للكلمات، فان ذلك يعد إشارة قوية إلى أن هذه الكلمات ينبغي إعادة النظر فيها لأنه يجب أن تكون هذه الكلمات وحدها قادرة على نقل معناها بطريقة لا لبس فيها بدون مساعدة من علامات الترقيم.
الفصل الثاني: آثار التعديل الدستوري على النظام السياسي الجزائري:
بعد أن تطرقنا في الفصل الأول للنظام القانوني للتعديل الدستوري، سوف نتناول في هذا الفصل الثاني الآثار المترتبة للتعديل الدستوري على النظام السياسي الجزائري، وندرس في هذا الإطار مضمون التعديلات التي عرفتها الدساتير الجزائرية (مبحث أول) ، ثم ندرس تطور الحقوق والحريات العامة من خلال الدساتير الجزائرية (مبحث ثاني) وآثار التعديل الدستوري على مبدأ الفصل بين الدساتير الجزائرية (مبحث ثالث) وننهي هذا الفصل بدراسة آثار التعديل الدستوري على المجتمع المدني والعمل السياسي (مبحث رابع).
المبحث الأول: مضمون التعديلات التي عرفتها الدساتير الجزائرية
بعد حصول الجزائر على الاستقلال عام 1962 ، وخلافا لبعض البلدان المستعمرة فإن الجزائر عرفت فراغا مؤسساتيا، حيث لم تعرف مؤسسات وطنية سابقة على الاستعمار. إن الأمر يتعلق هنا بوجود أزمة يجب مواجهتها على المستوى الدستوري والسياسي في غياب أداة دستورية وطنية. إن التناقض ينجم عن واقعة استقبال القانون الدستوري المعاصر يتم في إطار غير ملائم، لقد حدث تنالقض بين القطيعة السياسية مع الاستعمار و بين الحكام و بين القانون الدستوري الغربي. القانون الدستوري الغربي، فلم تكن الحكومة تتشكل من النخبة التي تمدرست وتثقفت في المدارس الفرنسية والجامعات الفرنسية وإنما كانت تتكون من الثوار
إن دستور 1963 لم يدم أكثر من شهر، للجوء رئيس الجمهورية إلى نص المادة 59 و التي تسمح له اتخاذ التدابير الاستثنائية لحماية استقلال الأمة ومؤسسات الجمهورية، في حالة الخطر الوشيك.
لهذا سوف نتناول دساتير 1976، 1989، 1996 والتعديلات التي عرفتها.


المطلب الأول: التعديلات التي عرفها دستور 1976
نحاول من خلال هذا المطلب معرفة ظروف ودوافع قيام دستور 1976 و التعديلات التي عرفها.
الفرع الأول : ظروف ودوافع نشأة دستور 1976
جاء دستور 1976 في ظروف متميزة من حياة النظام السياسي الجزائري فقد تم وضعه استجابة لحل أزمة التمثيل والشرعية الدستورية التي عرفتها الجزائر منذ 14 جوان 1965 وكانت أهم الدوافع التي فرضت وضع دستور 1976 هي :
أولا: غياب الدستور منذ 19 جوان 1965 وبداية طرح مشكلة الشرعية الدستورية لأن الحكم كان باسم الشرعية الثورية.
ثانيا: غياب المؤسسات التمثيلية التي تنوب عن الشعب وتمارس السيادة باسمه.
ثالثا: بروز بعض الخلافات بين أعضاء مجلس الثورة وانسحاب الكثير منهم من الحياة السياسية.
رابعا: تأثير غير مباشر لندوة هلسنكي (عاصمة فلندة) عام 1975 الخاصة بالتعاون والأمن في أوروبا ، لاسيما في شقها الخاص باحترام وحماية حقوق الإنسان في العالم.
ففي 19 نوفمبر 1976 تم اعتماد الدستور عن طريق الاستفتاء، وتبني انتخاب رئيس الجمهورية بالاقتراع العام المباشر، وانتخاب المجلس الشعبي الوطني وفي نفس الوقت مكن هذا الدستور من استمرار النظام الذي كان سائدا منذ 19 جوان 1965 وتجهيز النظام السياسي بمؤسسات دستورية.
الفرع الثاني : المواد المعدلة في دستور 1976
شملت بداية التعديلات في المرحلة الأولى ، تعديل 12 مادة دستورية منها عشر 10 مواد ضمن الوظيفة التنفيذية، مما يوحي بأن المشرع الدستوري أعاد هيكلة الجهاز التنفيذي. وتم إلغاء مادتين هما، المادة 197، 198 . وقد استحدثت هذه التعديلات بموجب القانون رقم 79-06 المؤرخ في 07/07/1979 والمتضمن التعديل الدستور، ونتطرق ما يلي لأهم هذه التعديلات.
أولا: تعديل نص المادة 113 التي أصبحت تلزم رئيس الجمهورية بتعيين وزير أول يساعد رئيس الجمهورية في تنسيق النشاط الحكومي وفي تطبيق القرارات المتخذة في مجلس الوزراء وطبقا للصلاحيات التي يفوضها إليه رئيس الجمهورية طبقا للمادة 111 من الدستور.
ثانيا: تعديل نص المادة 117 التي تمنح للجنة المركزية للحزب سلطة التأكد من حالة المانع التي تلحق برئيس الجمهورية وتقترح نتيجة لذلك على المجلس الشعبي الولائي التصريح بحالة المانع.
يلاحظ على هذه التعديلات أنها تندرج في إطار تقوية الجهاز التنفيذي عن طريق إعادة تهيئة بسيطة له، تستجيب لضرورة مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي بدأت تواجه البلاد آنذاك . سواء بسبب عوامل داخلية أو نتيجة تأثيرات الوضع الدولي.
أما المرحلة الثانية من التعديلات والتي جرت بموجب القانون 80/01، المؤرخ في 12 جانفي سنة 1980 المتضمن التعديل الدستوري. حيث عدلت الفقرة الأولى من المادة 190 على النحو الآتي:
" يؤسس مجلس محاسبة مكلف بمراقبة مالية الدولة والحزب والمجموعات المحلية والمؤسسات الاشتراكية بجميع أنواعها".
وإذا كان ظاهر هذا التعديل يعمل على إقامة نوع من الشفافية والنزاهة في تسيير الأموال العمومية فإنه كان يندرج آنذاك في إطار صراع جناحين في السلطة ، الجناح المحافظ لنهج الرئيس الراحل هواري بومدين و الجناح الإصلاحي الذي كان يقوده الرئيس الشاذلي بن جديد. وقد سمح هذا التعديل عن طريق إنشاء مجلس المحاسبة بتصفية عناصر الجناح المحافظ.
أما المرحلة الأخيرة من التعديلات فقد كانت في 3 نوفمبر 1988 وقد شملت هذه التعديلات 14 مادة هي المواد 104-5-111-113 إلى 116-147-148-153 إلى 157. وقد انحصرت هذه التعديلات في إعادة هيكلة الوظيفة التنفيذية، بموجبه تم استحداث مركز لرئيس الحكومة وتقسيم الصلاحيات بينه وبين رئيس الجمهورية. وأدت إلى تقوية صلاحيات رئيس الجمهورية ، وبروز محتشم لدور البرلمان في مواجهة الحكومة.
المطلب الثاني : التعديلات التي عرفها دستور 1989
شكل دستور 1989 آخر حلقة ، ضمن سلسلة الإصلاحات السياسية والاقتصادية والدستورية التي قامت بها السلطة، ومن بين هذه الإصلاحات صدور قانون 1981، المتضمن التنازل عن الأملاك الخاصة بالدولة والقانون 1987 حول المستثمرات الفلاحية الذي يسجل بداية التخلي على نظامي التسيير الذاتي والثورة الزراعية ، وصدور قانون 1988 حول استقلالية المؤسسات وبذلك تم التخلي على نظام التسيير الاشتراكي للمؤسسات.
هذه الإصلاحات أدت إلى انعكاسات سلبية على الوضع الاجتماعي مست النظام الدستوري من بينها المساس بمبدأ المساواة بين المواطنين ومساس بحق العمل.
أما عن الإصلاحات السياسية فتمثلت في بروز حركات وتنظيمات كانت تعمل في الخفاء تطالب بالإصلاح السياسي ومشاركة أكثر لهذه القوى السياسية. انتهى ذلك إلى انفجار الوضع بقيام حوادث 05 أكتوبر 1988.
والذي لا ينبغي تجاهله هو أن تلك الحوادث والاضطرابات التي عرفتها الجزائر كانت وراءها أسباب عديدة ، منها سياسة التقشف التي انتهجتها الحكومة، نتيجة انخفاض سعر البترول إلى جانب تدني القدرة الشرائية، للمواطن وتجميد الأجور لمدة 4 سنوات ، وارتفاع أسعار المواد المختلفة بطريقة فوضوية ، بحيث لم يكن بمقدور السلطة السيطرة على الأسعار، فضلا عن ارتفاع البطالة ، لاسيما لدى الشباب، وتوقف التصنيع ، وضعف الإنتاج الفلاحي، وقلة مردودية المؤسسات الاقتصادية وارتفاع ديون الجزائر من مليار دولار سنة 1970 إلى 19 مليار دولار سنة 1988 ، يضاف إلى ذلك ظهور طبقة برجوازية طفيلية ، أثرت على حساب المصلحة العامة.

الفرع الأول : المبادئ التي جاء بها دستور 1989
تضمن دستور 1989 جملة من المبادئ نذكر أهمها :
أولا: الاقتراع العام السري المباشر: أقر هذا المبدأ لضمان مشاركة، أفراد المجتمع المتمتعين بالحقوق المدنية والسياسية، وتتوفر فيهم الشروط القانونية لممارسة السلطة عن طريق اختيار ممثليهم أو ترشيح أنفسهم للمناصب السياسية الانتخابية المختلفة وهو ما أكده الدستور في المادتين 98
و 95.
ثانيا: المساواة: من المبادئ الأساسية التي اعتمدها دستور 1989 باعتباره ملازما للنظام الديمقراطي ، ونصت عليه المادة 28، وبذلك أصبحت مؤسسات الدولة ملزمة بالتقيد بهذا المبدأ وتطبيقه .
ثالثا: الفصل بين السلطات: اعتمد هذا المبدأ كرد فعل لدمج السلطات الذي أقره دستور 1976 .
رابعا: التعددية الحزبية: يعود سببه لعجز نظام الحزب الواحد عن تحقيق مطامح الشعب وتمكينه من تسيير شؤونه العامة، بصفة فعالة وديمقراطية. وهذا ما جاءت به المادة 39.
خامسا : مبدأ الشرعية وعدم الرجعية : ويتجلى ذلك من خلال المواد العديدة التي تحمي الفرد من اعتداءات السلطة.
ومن المبادئ التي جاء بها دستور 1989 أيضا هو التخلي عن إرث الماضي فمن خلال قراءة متأنية لديباجة الدستور نجدها تتضمن الرغبة في إعادة بناء دولة تسود قيم الحرية والعدالة الاجتماعية واحترام الدستور وسموه و إلى أن دستور 1989 أبقى على تفوق السلطة التنفيذية وبالرغبة من أن 25 مادة للسلطة التنفيذية ، إلا أن هذا التفوق العددي في المواد المخصصة للفصل المتعلق بالسلطة التشريعية لا يعكس تفوق هذه المؤسسة ، بل بالعكس فإن المؤسسة التنفيذية تبقى تحافظ على تفوقها في النظام الدستوري.
لقد أبقى الدستور على صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية، فهو يستمد صلاحياته من النموذجين الرئاسي والفرنسي، بينما تخلى الرئيس عن بعض الصلاحيات.
عن النموذج الأمريكي فقد تبنى الخصائص التالية :
1- هو قائد القوات المسلحة ، ويقود الدبلوماسية.
2- له حق إصدار العفو وتخفيض العقوبات أو استبدالها.
3- تعيين وعزل أعضاء الحكومة وكبار الموظفين المدنيين والعسكريين في الدولة.
وعن النظام الفرنسي يتولى ما يلي :
1- تعيين رئيس الحكومة وباقتراح من هذا الأخير يعين أعضاء الحكومة.
2- استعمال السلطات الاستثنائية في حالتي الطوارئ والحرب.
3- هو الضامن للسيادة واستقلال ووحدة الأمة والدولة.
وقد تخلى عن المهام التي كان يمارسها بموجب دستور 1976 لاسيما:
1- تجسيد وحدة القيادة السياسية للحزب والدولة.
2- الإقرار طبقا للميثاق الوطني وأحكام الدستور السياسة العامة للأمة في المجالين الداخلي والخارجي ويقوم بقيادتها وتنفيذها.
3- ترأس الاجتماعات المشتركة لأجهزة الحزب والدولة.
و من بين المبادئ التي جاء بها دستور 1989 السعي نحو إقامة دولة القانون وتجسد ذلك في المجلس الدستوري الذي يكلف بالسهر على احترام الدستور وصحة عمليات الاستفتاء وانتخاب رئيس الجمهورية والانتخابات التشريعية ويعلن نتائجها ويتولى الفصل في دستورية المعاهدات و القوانين و التنظيمات.
الفرع الثاني: الفراغ الدستوري
لقد أخفق دستور 1989 في تنظيم الحياة السياسية بصفة عامة، والسبب في ذلك يمكن إرجاعه أساسا للنقلة السريعة والمفاجئة التي عرفتها الجزائر في مسارها وذلك باعتناقها لنظام كان أساسه الاشتراكية إلى تنظيم ليبرالي يحكم اقتصاد السوق دون مراعاتها لسنن وقواعد متعارف عليها دوليا كأساس للتغيير ومن ذلك عدم التحضير لها مسبقا وبالخصوص عدم احتساب لرد فعل الشعب والجماهير لهذه النقلة النوعية بدون تحضيره، وهذا ما قد نتج عنه انعدام الثقافة الديمقراطية أفقيا وعموديا على مستوى الدولة والمؤسسات الدستورية.
ويمكن القول أن الانتخابات التشريعية ، واستنادا لبعض التصريحات الملغمة و اللامسؤولة التي أعقبتها قد ساهمت في التعجيل بإلغائها، فلم يعقد بالتالي الدور الثاني لها فنتج عن ذلك فراغ دستوري على مستوى مؤسسات الدولة بناء على استقالة رئيس الجمهورية المتزامنة مع حل المجلس الشعبي الوطني.
فأصبحت الدولة بدون مؤسسات شرعية منتخبة مما أدى إلى ظهور مؤسسات انتقالية تفتقد للشرعية الشعبية. و نظرا لحساسية هذه المرحلة التي مرت بها مؤسسات الدولة مما جعل الدولة الوطنية عرضة للعديد من الهزات لذلك فإننا نسلط الضوء على المجلس الأعلى للدولة كهيئة تنفيذية من خلال المؤسسة الاستشارية المنشئة له وهو المجلس الأعلى للأمن.
المجلس الأعلى للدولة: إن المجلس الأعلى للدولة وما انبثق عنه من مؤسسات دستورية لم يخرج عن العرف الدستوري الجزائري على أساس أنه نتاج أحداث مأساوية أكثر منه وليد برنامج أحزاب سياسية، أو بالأحرى هو نتاج جماعات مصلحية أكثر منه منبعث من السيادة الشعبية.
فهو في الغالب الأعم مستمد من مشروعية أفكار أشخاص معينين يرون أن الشعب ما زال قاصر، وعليه يجوز الأبوة في حقه ، ومن هذا المنطلق كان من حقهم بلورة تصور مشروع دولة وفق قناعتهم ، وليس وفق قناعة أغلبية الشعب فهذا الإخلال بين الواقع والمشرع أدى إلى ظهور العديد من الأزمات المتتالية من ضمنها الاستحواذ على السيادة الشعبية رغم أن الدساتير الجزائرية نصت على أن الشعب مصدر كل سيادة وسلطة .
لقد نتج عن البيان الصادر من المجلس الدستوري يوم 11 جانفي 1992 . وفحواه تثبيت الشغور النهائي لرئاسة الجمهورية مع اقتران هذه الاستقالة بشغور م.ش.و- فراغا مؤسساتيا نتيجة عدم التنصيص على حالة اقتران الاستقالة بحل م.ش.و فالمشرع الدستوري الجزائري قد حصر الحالات في المادة 84 :
- حالة استحالة ممارسة رئيس الجمهورية مهامه بسبب مرض خطير مزمن.
- حالة استقالة رئيس الجمهورية أو وفاته.
- حالة اقتران وفاة رئيس الجمهورية بشغور المجلس الشعبي الوطني بسبب حله.
فالدستور بهذا لم يفترض أو يتنبأ للحالة التي هي محل الدراسة ولعل السؤال المطروح هل كان بإمكان المجلس الدستوري أن يرفض استقالة رئيس الجمهورية من أجل المصالحة العامة أم عليه أن يقبلها نظرا لمقتضيات الدولة الجزائرية؟!
فأول قراءة صحيحة للدستور هو أنه ما دامت الحالات معدودة على سبيل الحصر فإن الحكمة والعقلانية تقتضي رفض الاستقالة حفاظا على عدم انهيار مؤسسات الدولة الجزائرية . ثم أنه لماذا لجأ رئيس الجمهورية لهذا التصرف الذي يمكن اعتباره إرساء لدكتاتورية شرعية مؤقتة، باعتماده حل البرلمان قبل تقديم الاستقالة فكان من الأجدر به أن يلجأ رئيس الجمهورية لاستعمال المادة 87 من الدستور التي تنص على أنه من حق رئيس الجمهورية أن يقرر الحالة الاستثنائية إذا كانت البلاد مهددة بخطر داهم يوشك أن يصيب مؤسساتها الدستورية، أو استقلالها أو سلامة ترابها .


المطلب الثالث : التعديلات الدستورية التي عرفها دستور 1996
سبق الإشارة أنه نتيجة للفراغ الدستوري الذي عرفته مؤسسات الدولة ، استحدثت مؤسسات محل دستور 1989 منها المجلس الأعلى للدولة، في 14 ينياير 1992 .
ويمارس المجلس الأعلى للدولة جميع السلطات التي يعهد بها الدستور المعمول به لرئيس الجمهورية. وتساعد المجلس الأعلى للدولة هيئة استشارية وطنية. ونتيجة للأزمة التي مرت بها الجزائر بعد اغتيال الرئيس محمد بوضياف صدرت المداولة رقم 92-03 مؤرخة في 02 يوليو 1992، تتمم تشكيلة المجلس الأعلى تتعلق بانتخاب رئيس المجلس الأعلى للدولة . بحيث تم انتخاب السيد علي كافي رئيسا له ويؤهله للإمضاء على جميع القرارات التنظيمية والفردية وترأس مجلس الوزراء وإصدار المراسيم ذات الطابع التشريعي، وفي 19 ديسمبر 1993 بمقر رئاسة الجمهورية أعلن المجلس الأعلى للأمن بانعقاد الندوة الوطنية وتحديد مهمة المجلس الأعلى للدولة إلى غاية 31 يناير 1994 كحد أقصى .
وبصدور المرسوم الرئاسي رقم 94-40 مؤرخ في 29 يناير 1994 والذي يتعلق بالأرضية المتضمنة الوفاق الوطني حول المرحلة الانتقالية حيث جاء في المادة الأولى منها على أن المرحلة الانتقالية تستمد مشروعيتها من موافقة القوى السياسية والاقتصادية و الاجتماعية على محتوى الأرضية المعتمدة من طرف ندوة الوفاق الوطني وأضافت م2 على أن المرحلة الانتقالية تمتد إلى ثلاث سنوات كحد أقصى ، أما عن هيئات المرحلة الانتقالية فنصت عليها م4 والتي تتمثل في رئاسة الدولة والحكومة، والمجلس الوطني الانتقالي ، وفي 30 يناير 1994 أعلن المجلس الأعلى للأمن السيد اليامين زروال رئيسا للدولة ووزيرا للدفاع الوطني .
وحددت أرضية الوفاق الوطني من خلال المرسوم الرئاسي رقم 96-304 مؤرخ في 17 سبتمبر 1996 المواعيد الانتخابية واقترحت الاستفتاء حول الدستور قبل نهاية سنة 1996 وإجراء الانتخابات التشريعية في غضون السداسي الأول من سنة 1997 .
و بالفعل ففي 28 نوفمبر 1996 أعلن الاستفتاء حول الدستور وصدر بموجب المرسوم الرئاسي رقم 96-438 مؤرخ في 7 ديسمبر سنة 1996 .
ومن خلال ما نقدم سوف نتناول طبيعة النظام السياسي في ظل دستور 1996 والأسباب التي أدت إلى ظهوره ثم التعديلات التي طرأت عليه.
الفرع الأول : طبيعة النظام السياسي في ظل دستور 1996
جاء دستور سنة 1996 بحواجز وخطوط دفاعية معقدة و متقدمة الحامية للسلطة الممكن تعيينها أو التحكم فيها بسهولة من طرف السلطة الفعلية و هي السلطة التنفيذية وذلك خوفا من إمكانية اقتحام حزب معارض قوي الساحة السياسية مرة أخرى وتكرار نفس الأحداث مع حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ الذي كاد أن يصل إلى السلطة فأضاف للسلطة التنفيذية متمثلة في رئيس الجمهورية ، صلاحية التشريع بالأوامر التي لم تكن موجودة في دستور 1989 ، كما تم تقسيم السلطة التشريعية إلى مجلسين ، محاولة لتفادي الفراغ الدستوري في حيث أن الأوضاع المزرية التي كانت ولا تزال تعيشها البلاد تستدعي الإسراع في عملية التشريع وبالتالي وجود مجلسين، المجلس الشعبي الوطني و مجلس الأمة حيث يقوم رئيس الجمهورية بتعيين ثلثه ورفعت نسبة التصويت فيه إلى ثلاثة أرباع كي تحوي هذه النسبة حتما الثلث الرئاسي وبالتالي يصعب مرور أي اقتراح قانون من طرف المجلس الشعبي الوطني إذا لم يرض عنه رئيس الجمهورية أما فيما يخص طبيعة النظام النيابي المعتمد في هذا الدستور فهو النظام شبه الرئاسي المدعم للسلطة التنفيذية على حساب السلطة التشريعية.
لقد تضمن دستور 1996 إصلاحات دستورية تهدف إلى توفير الأدوات القانونية لاستمرار الدولة والنظام السياسي منها رئاسة الدولة من طرف رئيس مجلس الأمة في حالتي المانع أو استقالة أو وفاة رئيس الجمهورية طبقا لنص المادة 96 من الدستور واشتراط عرض المبادرة بتعديل الدستور من طرف 4/3 ثلاثة أرباع أعضاء غرفتي البرلمان المجتمعين معا إلى رئيس الجمهورية طبقا لنص م177 بالإضافة إلى عدم جواز التعديل الدستوري إذا كان يمس ببعض المبادئ التي حددتها المادة 178 .
وتدعمت هذه الأدوات من خلال مضمون التعهدات التي يلتزم بها المرشحون للانتخابات التشريعية والرئاسية و التي حددها قانون الانتخابات الصادر بموجب الأمر 97-07 ومن خلال الشروط التي يفرضها قانون الأحزاب عند تأسيس الأحزاب السياسية.
الفرع الثاني: الأسباب التي إلى ظهور دستور 1996
سبقت وأن أشرنا أن دستور 1989 جمد وعرفت مؤسسات الدولة فراغا دستوريا ويمكن إجمال الأسباب التي أدت إلى ظهور دستور 1996 من خلال ما يلي:
أولا: عدم استجابة دستور 1989 لبعض الأوضاع العملية المتعلقة باستقرار السلطات وديمومة الدولة، وهكذا فقد أثبتت الأزمة المؤسساتية في جانفي 1992 محدودية الدستور من خلال غياب معالجة مناسبة لحالة اقتران استقالة رئيس الجمهورية و شغور المجلس الشعبي الوطني بسبب حله، ويرى الأستاذ محفوظ لعشب أن حل هذه المؤسسة يتم بالشكل المطلوب قانونا ، ولم يصدر إلى يومنا هذا أي قرار في الجريدة الرسمية يثبت ذلك الإعلان السياسي المتضمن في رسالة الاستقالة التي عرضها الرئيس الشاذلي بن جديد أمام المجلس الدستوري وإذا كانت المادة 84 من دستور 1989، قد أهملت حالة الاقتران بين الاستقالة وحل المجلس.ش.و واقتصرت في فقرتها ما قبل الأخيرة على اقتران وفاة رئيس الجمهورية بشغور المجلس الوطني الوطني بسبب حله ، وهي ثغرة أساسية وآثارها غير محمودة على النظام المؤسساتي كما سبق وأن رأينا ذلك، فكان لابد من معالجتها، وفعلا تم تدارك الأمر في دستور 1996، بإدراج حل دستوري، حالة اقتران استقالة رئيس الجمهورية أو وفاته بشغور رئاسة مجلس الأمة لأي سبب كان طبقا لما نصت عليه م 88 من د 1996.
ثانيا: أن دستور 1989 قد سبقته أحداث وظروف استثنائية ناجمة عن تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية جديدة ولدتها أزمة أكتوبر 1988، ومع ضعف السلطة وجدت البلاد نفسها في مواجهة مباشرة مع حساسيات فجرت الحزب الواحد وكان لابد من السماح للقوى السياسية والاجتماعية أن تنظم نفسها في صورة جمعيات ذات طابع سياسي أقرها دستور 1989 في المادة 40 التي نصت على أن " حق إنشاء الجمعيات ذات الطابع السياسي معترف ولا يمكن التذرع لهذا الحق لضرب الحريات الأساسية والوحدة الوطنية والسلامة الترابية، واستقلال البلاد، وسيادة الشعب".
ولم ينص الدستور صراحة على إنشاء الأحزاب السياسية وبقي الحزب الذي يحمل هذه التسمية هو حزب جبهة التحرير الوطني وتحولت الحساسيات إلى جمعيات ذات طابع سياسي وهكذا تبين أن الطابع القانوني والتنظيمي الذي كان قد وضع التنظيم مرحلة الانتقال إلى الديمقراطية ، لم يكن كافيا ولا قادرا على درء الإنحرافات الخطيرة والمضرة بالمجتمع، فعلى الرغم من أن قانون الجمعيات السياسية يحضر تأسيس تلك الجمعيات على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو مهني أو جهوي فإن ذلك النص لم يحترم من حيث الممارسة وكان واجب التنصيص على أن الممارسة السياسية تقتصر على الأحزاب وان الحماية الدستورية لتلك المبادئ واجبة ، حتى تتمكن سلطات الرقابة من القيام بواجبها لاسيما رئيس الجمهورية باعتباره حامي الدستور.
وهكذا جاءت المعالجة في المادة 42 من دستور 1996 بتفصيل واضح وشفاف وغير قابل لأي تأويل وشملت تلك الحماية الإقرار بالنص الصريح عدم جواز الأحزاب السياسية اللجوء إلى الدعاية الحزبية التي تقوم على تلك العناصر وإلى عدم استعمال العنف والإكراه مهما كانت طبيعتها أو شكلها.
ثالثا: إن الإصلاح المؤسساتي الذي يمر حتما عبر قنوات الشرعية والديمقراطية يتطلب إعادة النظر في الآليات القانونية التي لم تعد تستجب إلى ما تفرضه التعددية السياسية لاسيما وأن العودة إلى المسار الانتخابي في جميع المستويات أضحى ضرورة ملحة.
إن دستور 1996، كان نتيجة عمل مهني وجهود جبارة ونتيجة لحوار دائم و مستميت بين السلطة الرئاسية ومختلف الأطراف المشاركة من حزب جبهة التحرير الوطني والجمعيات السياسية والتنظيمات بمختلف توجهاتها. وبالموازاة مع ذلك فإن اللجنة التقنية لتحضير الدستور قد قامت بعملية مسح شاملة لمختلف دساتير العالم سواء منها اللاتينية - العربية و الأنجلوسكسونية مقترحة الحلول الملائمة التي من شأنها تدعيم النظام الجمهوري والديمقراطي وحقوق الإنسان .
الفرع الثالث: المواد التي عرفت تعديلات في دستور 1996
تم تعديل الدستور الجزائري لعام 1996 بإضافة المادة 3 مكرر، بموجب القانون رقم02-03 المؤرخ في 27 محرم عام 1423 الموافق 10 أفريل سنة 2002 والمتضمن تعديل الدستور ، حيث جاء في المادة الأولى من هذا القانون ما يلي :
" تضاف مادة 3 مكرر، تصاغ كما يأتي :
المادة 3 مكرر: تمازيغت هي كذلك لغة وطنية. تعمل الدولة لترقيتها وتطويرها بكل تنوعاتها اللسانية المستعملة عبر التراب الوطني".
أما التعديل الجزئي الأخير لدستور 1996. فقد كان بالقانون رقم 08-19 المؤرخ في 17 ذي القعدة عام 1429 الموافق 15 نوفمبر سنة2008، والمتضمن التعديل الدستوري ، حيث جاء في هذا القانون ما يلي :
المادة الأولى: تعدل المادة 5 من الدستور وتحرر كما يأتي :
المادة 5:" العلم الوطني والنشيد الوطني من مكاسب ثورة أول نوفمبر 1954 وهما غير قابلين للتغيير.
هذان الرمزان من رموز الثورة، هما رمزان للجمهورية بالصفات التالية :
1- علم الجزائر أخضر وأبيض تتوسطه نجمة وهلال أحمرا اللون.
2- النشيد الوطني هو "قسما" بجميع مقاطعه.
يحدد القانون خاتم الدولة".
المادة الثانية: تضاف مادة 31 مكرر وتحرر كما يأتي:
المادة 31 مكرر: تعمل الدولة على ترقية الحقوق السياسية للمرأة بتوسيع حظوظ تمثيلها في المجالس المنتخبة.
يحدد قانون عضوي كيفيات تطبيق هذه المادة.
وتم من خلال هذا التعديل الجزئي لدستور 1996 إضافة فقرة في المادة 62 وهي"...وتعمل كذلك على ترقية كتابة التاريخ وتعليمه للأجيال الناشئة".
وتم أيضا تعديل نص المادة 74، حيث أصبحت تنص على ما يلي:
" مدة المهمة الرئاسية خمس (5) سنوات.
يمكن تجديد انتخاب رئيس الجمهورية".
فبعد أن كانت المهمة الرئاسية تجدد لمرة واحدة ، أصبحت هذه العهدات غير محددة، وهنا يطرح التساؤل حول مستقبل المبدأ الدستوري المعروف والمتمثل بالتداول على السلطة. إن تعديل المادة 74 الفقرة الثانية من الدستور يهدف إلى تأسيس مبدأ قابلية انتخاب رئيس الجمهورية بغرض منح السيادة الشعبية مدلولها الكامل ، وتمكين التعبير عنها بكل حرية.
واعتبارا أن الشعب بمقتضى أحكام المادة 6 من الدستور ، هو مصدر كل سلطة، وأن السيادة الوطنية ، ملك للشعب دون سواه، يمارسها عن طريق الاستفتاء وبواسطة ممثليه المنتخبين من الشعب تطبيقا للمادة 7 (الفقرة3) من الدستور . واعتبارا أن تعديل المادة ، يدعم قاعدة حرية الشعب في اختيار ممثليه المنصوص عليها في المادة 10 من الدستور.
ويعزز السير العادي للنظام الديمقراطي الذي يقتضي بأن حائز عهدة رئاسة ملزم بأن يعيدها عند انقضائها، إلى الشعب الذي يملك دون سواه سلطة التقدير، بكل سيادة، كيفية تأدية هذه العهدة، ويقرر بكل حرية ، تجديد الثقة في رئيس الجمهورية أو سحبها منه .
إضافة إلى ذلك تم تعديل للمادة 77 حيث أضيفت ما يلي : "...
5- يعين الوزير الأول وينهي مهامه.
6- يمكن رئيس الجمهورية أن يفوض جزءا من صلاحياته للوزير الأول لرئاسة اجتماعات الحكومة، مع مراعاة أحكام المادة 87 من الدستور.
7- يمكنه أن يعين نائبا أو عدة نواب للوزير الأول بغرض مساعدة الوزير الأول في ممارسة وظائفه، وينهي مهامهم".
وتدخل المادة السابقة في إطار اختصاصات رئيس الجمهورية، وبصفة عامة إعادة التنظيم الداخلي للسلطة التنفيذية.
وقد شملت التعديلات في الدستور الجزائري لعام 1996 المواد: 79-80-81-85-87-90-178.
وتم استبدال وظيفة "رئيس الحكومة" بوظيفة الوزير الأول في المواد : 83-84-86-91-116-118-119-120-125-129-137-158 من الدستور.

لمبحث الثاني: تطور الحقوق والحريات العامة في الدساتير الجزائرية
إن المشرع الدستوري الجزائري من خلال الدساتير الجزائرية قد اولى اهتماما بشان تنظيم الحقوق والحريات العامة فكل دستور خصص لها مجموعة من المواد مكفلا مختلف الحقوق والحريات التقليدية منها والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية. والحقوق والحريات الأساسية المقررة لصالح موضوع الحق( الإنسان والمواطن) تعد اعتراف ايجابي من قبل الدولة على أساس تلك السيادة التي يملكها.
المطلب الأول: تقسيمات الحقوق والحريات العامة
تعدُّ الحرياتُ من القيم القليلة التي كان لها عظيمُ الأثر في نفوس البشر على مر العصور المتعاقبة.
فالحديث عن الحرية ذاتها لم يتوقف ولن يتوقف ما دامت الحياةُ مستمرةً ومن أهم الحريات العامة الحرية الشخصية وحرية الرأي والتعبير وحرية التعليم والتعلم وحرية الاتصالات وحرية التنقل من مكان إلى آخر وحرية تكوين التنظيمات والأحزاب السياسية وغيرها من الحريات.
* أ) الحرية الشخصية:
تعتبر الحرية الشخصية حقا طبيعيا فطريا والمساس به يعد مساسا بحق أساسي من حقوق الإنسان.
وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر تستوجبه ضرورة التحقيق وصيانة أمن الأمة، وهذا الأمر لا يصدره إلا القاضي المختص أو النيابة العامة، وهذا لا يعني أن الحرية الشخصية حقٌّ مطلقٌ لا ترد عليه القيود لكن القانون هو الوسيلة الوحيدة لوضع هذه القيود.
وهكذا يُلاحظ أن لخصوصية الفرد نطاقاً يحميه الدستور. فالقيود التي يفرضها الدستور على التفتيش والقبض غير المبرر تمثل ضماناً لحق الفرد في الخصوصية والحرية الشخصية سواء تعلَّق الأمرُ بالشخص نفسه أو بمسكنه أو بمكان عبادته.

* ب) حرية الرأي والتعبير:
لكل إنسان الحق في اعتناق الآراء دون مضايقة والتعبير عنها بأيِّ وسيلة ودونما اعتبار للحدود، وقد نصَّ الإعلانُ العالمي على هذا الحق (المادة 19) وكرَّسه العهدُ الدوليُّ للحقوق المدنية والسياسية . وبينما يكون الحقُّ في حرية الرأي والتعبير مطلقاً، يجوز بمقتضى العهد إخضاع حرية التعبير عنه لبعض القيود ويشمل حقُّ الإنسان في حرية الرأي والتعبير، الحقَّ في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين سواء بشكل مكتوب أم مطبوع أم في قالب فني أم بأي وسيلة أخرى يختارها.
أما القيود التي تُفرض على حرية الرأي والتعبير فيجب أن تكون محددةً بقانون، وأن تكون ضروريةً إمَّا لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم وإما لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.
* ج) حرية تكوين التنظيمات والأحزاب السياسية.
تعتبر حريةُ تكوين التنظيمات والأحزاب السياسية والانضمام إليها شرطاً أساسياً لممارسة الأفراد والجماعات حقوقهم السياسية والنقابية، وإن كانت هي لازمةً للتمتع بحقوق أخرى سياسيةً واقتصاديةً واجتماعيةً وثقافية.
* د) حرية التعليم:
ليس التعريفُ بحرية التعليم أمراً سهل المنال ويرجع ذلك إلى تعقُّد مكونات حرية التعليم. إذ تحتوي هذه الحرية على شقين:
أولهما حريةُ تلقين العلم وثانيهما حريةُ تلقي العلم على يد الآخرين، فبينما حريةُ إعطاء العلم هي دائماً إيجابية، فإنَّ حرية التعليم قد تكون إيجابيةً إذا ما رغب المرء في تلقي العلم، وقد تكون سلبيةً إذا لم يرغب في ذلك.
وتكتسب حريةُ التعليم أهميةً كبيرةً، لاتصالها اتصالاً مباشراً بالعديد من الحريات الأخرى، فهي تتصل بحرية الرأي وحرية العقيدة وحرية التجارة وغيرها من الحريات.
ومن الحقوق العامة للمواطن نذكر ما يلي:
أ) الحق في الحياة:
أثمن ما يمتلكه الإنسان في الوجود حياته، وقد جعلت الشريعة الإسلامية من هذا الحق قاعدة أساسيةً من قواعدها، فحرَّمت قتل الغير بغير حق وقد أولت الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان هذا الحق أهميةً خاصة.
ب) حق المساواة في الحقوق والواجبات:
ويقصد بهذا المبدأ خضوع الدولة وكامل أفراد المجتمع للأسس القانونية في ميدان الحقوق والواجبات، ويتحقق هذا المبدأ بتوافر شرطي العموم والتجريد في التشريعات المنظمة للحقوق والواجبات أي عدم التمييز بين أفراد المجتمع الواحد إذا تماثلت ظروفهم ومراكزهم القانونية، فإذا اختلفت هذه الظروف انتفى مناطُ التسوية بينهم.
ويعتبر مبدأُ المساواة من أهم ضمانات حقوق الإنسان، وهو مبدأ عام ومطلق، و به تتحقق للناس كافة عناصر الاستقرار النفسي في أن حقوقهم العامة مصونة، والواجبات المنوطة بهم عادلة غير جائرة.
فتتحقق بإنفاذ هذا المبدأ الجوهري العدالة التي ينشدها الجميع في ميدان الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتترتب عليه التنميةُ الشاملةُ المنشودة، فيسود المجتمع الرضا والطمأنينة والقناعة، وتتعاظم روحُ التنافس الشريف الذي يكون صاحبه متيقناً من أن جهده واجتهاده سيلقيان التقدير المناسب فتنصرف الطاقاتُ إلى البناء والتعمير والإبداع، بدلاً من الخوف والتوجُّس والانزواء على الذات في حال غياب هذا الحق الأساسي.

ج) حق التقاضي والدفاع:
إن حقَّ التقاضي مكفولٌ دستوراً وقانوناً لكلِّ مواطن سواء كان متهماً أم مجنياً عليه.
ولا يأخذ هذا الحق مداه الطبيعي أو يحقق الوسيلة الفعالة لحماية حقوق الإنسان، ورد الاعتداء عليها إلا إذا أقامه قاضٍ طبيعي يلجأ إليه المواطن إذا ما أُعتدي على حقوقه وحرياته من قبل الأفراد أو من السلطات العامة.
ويتجلى واجبُ القضاء في حماية حقوق الإنسان في التصدي لأي إجراءات تتصادم مع ما أكده الدستور من حقوق للإنسان، وتعميق مفهوم ما قررته التشريعات ودفع كل عدوان عنها.
ويعدُّ حقُّ التقاضي ووقوف المتهم أمام محكمة مؤهلة ونزيهة من منظور حقوق الإنسان حقاً مركَّباً. فهـو يشتمل بحد ذاته على طائفة من الحقوق، وبسبب هذه الطبيعة المركبة لهذا الحق فقد أولاه القانونُ الدولي، والأمم المتحدة عنايةً فائقةً، واستهدف تفصيل معايير المحاكم المؤهلة والمستقلة والنزيهة القادرة على توفير العدالة ووسائل الإنصاف والحماية القانونية لحقوق الإنسان.
وفصَّل العهدُ الدوليُّ للحقوق المدنية والسياسية في هذا الحق تفصيلاً متكاملاً وخاصة في المادتين (14، 15).
وركّزت الجهودُ التالية للأمم المتحدة على تقنين ضمانات نزاهة واستقلال القضاء. وأهم الإنجازات في هذا المجال هو صياغة مبادئ موجهة عن استقلال القضاء.
د) الحقوق الاجتماعية: وتتضمن قائمةُ الحقوق الاجتماعية المُعترَف بها دستوراً وقانوناً حقَّ العمل والرعاية الصحية ومساعدة الأسرة ورعاية العجزة.
ه) الحقوق السياسية :
الحقوق السياسية مسألة ذات أهمية بالغة في تنظيم المجتمع السياسي، وذلك ليس لكونها موضوعاًََ يرتبط بتحديد طريقة ممارسة السلطة السياسية وكيفية مساهمة الشعب في هذه الممارسة وبالتالي تبيان أبعاد العلاقة بين الحكام والمحكومين فحسب، بل لكونها أيضاًَ من أكثر أنواع حقوق الإنسان أهمية في الوقت الحاضر، حيث أنها لاتمثل مجرد حقوق بل تمثل أيضاًَ ضمانات أساسية للمواطن كي يتمكن من التمتع ببقية حقوقه الأخرى في الدولة.
لذلك حظيت الحقوق السياسية، إلى جانب الأنواع الأخرى من حقوق الإنسان، بإهتمام واسع، سواء على الصعيد الداخلي للدول عن طريق النص عليها وتنظيمها في الدستور أو على الصعيد الدولي من خلال تثبيتها وتأكيد صيانتها في إعلانات الحقوق والإتفاقيات والعهود العالمية والإقليمية، التي تكوّن ما يسمى اليوم بـ(الشرعة الدولية لحقوق الإنسان) أو (قانون حقوق الإنسان الدولي).
مثل إحترام الحقوق السياسية للمواطن وتوفير ضمانات ممارستها مسألة جوهرية في تكوِن الأنظمة السياسية الديمقراطية في المجتمعات الغربية الحديثة. فهذه الحقوق أصبحت عنصراًَ أساسياًَ لتبلور البناء الدستوري لهذه المجتمعات ومظهراًَ أساسياًَ من مظاهر أنظمتها السياسية، بما لها من هياكل ومؤسسات ديمقراطية عريقة وتقاليد سياسية ومدنية وثقافية راسخة تمكن المواطن من التمتع بممارسة هذه الحقوق بحرية ومساواة واسعة. والواقع لم يكن هذا التطور الذي شهدته مسألة تثبيت الحقوق السياسية في البناء الدستوري والسياسي في المجتمعات الديمقراطية الحديثة بمعزل عن التحولات السياسية و الإجتماعية و الإقتصادية التي مرت بها هذه المجتمعات. ولذلك يؤكد عدد من الدارسين أن فعالية الحقوق السياسية في هذه المجتمعات لها جذورها في إزدهار أبنيتها الإجتماعية و الإقتصادية، ومرتبطة بنضج مجتمعاتها المدنية ونمو قدرات دولها القومية وتطور نمط أنظمتها السياسية الديمقراطية.وبالتوازي مع ذلك، يؤكد عدد آخر من الدارسين، أن مسألة عدم فعالية هذه الحقوق وقضية غياب إحترامها وفقدان ضماناتها المادية في المجتمعات النامية، ليست بمعزل عن واقع التخلف السياسي والإجتماعي والإقتصادي الذي تعانيه هذه المجتمعات.
وتنطلق هذه الإفتراضات من رؤية سوسيولوجية – سياسية مفادها أن دراسة حقوق الإنسان بوجه عام والحقوق السياسية بوجه خاص، لا تقف عند البحث في النصوص والمبادئ المثبتة في الأنظمة والوثائق الدستورية للدول، بل تتجاوز الى البحث في أعماق المتغيرات السياسية والقوى الإجتماعية والإقتصادية التي تتحكم بمدى فعالية هذه الحقوق في البنى الدستورية والسياسية الفعلية .
المطلب الثاني: مضمون الحقوق والحريات العامة في الدساتير الجزائرية
يعد التعديل الدستوري ذا بعد هام في التطور الدستوري للبلاد، ليس فقط لأنه عاملا محركا له، ولكن أيضا لأنها تكشف لنا عن بعض مظاهر السلطة السياسية في الدولة، ولما كان الدستور موجها لتأطير الحياة السياسية في الدولة، فإنه لا يمكن القيام بهذه الوظيفة إلا إذا كان متكيفا معها، ويمكن القول إن التعديل الدستوري يحدد مسعاها، فهي تبحث عن إحداث توازن معقول بين الرغبة في تكييف الدستور مع الحقائق الجديدة، وبين الرغبة في المحافظة على أصله، وبالتالي فإن التعديل يتم في إطار استمرارية النظام القائم والمؤسسات القائمة فيه .
فاعتماد دستور 1989 قد فتح المجال للبدء في تشييد نظام سياسي جديد، يستند إلى مرتكزات وآليات صاحبت الإصلاحات السياسية التي جرت آنذاك، والتي يمكن أن نلخصها في النقاط التالية:
- عدم الاستناد إلى الإيديولوجية الاشتراكية كمرجعية تصورية، وكقاعدة للعمل وكأساس للشرعية .
- منح الدستور للرئيس صلاحيات أقل شمولية من الناحية الشكلية، من دستور 1976 حيث أسندت بعض صلاحياته لصالح المجلس الشعبي الوطني، ورئيس الحكومة من دون الغوص في جدواه من عدمها.
- الفصل بين الحزب والدولة كضرورة سياسية، تفرضها الديناميكيات الاقتصادية الجديدة ويفرضها الواقع السياسي الجديد، الذي أصبح يعج بالحساسيات ذات التوجهات الكثيرة،فاستلزم الأمر تحويل الجبهة كما رأى البعض إلى قوة تغيير تعبئ كافة القوى السياسية، حتى يسهل أيضا قطع الطريق أمام المطالب التعددية .
لكن مع إقرار التعددية في دستور 1989 ألغي نظام الحزبية الأحادية بشكل واقعي، وبذلك فسح المجال للمنافسة السياسية بين الجمعيات ذات الطابع السياسي، وعُدَ أهم إنجاز سياسي إصلاحي بعد الاستقلال ؛ لأنه يهيئ أول موضع قدم لبداية الخطى نحو توسيع القاعدة الديمقراطية الشعبية للنظام السياسي للجمهورية الجزائرية مستقبلا.
ويظهر بذلك أن حقوق الإنسان في التجربة الدستورية الجزائرية قد تميزت بمايلي :
- حقوق الإنسان لم تشكل الأولوية في أعين النخب التي حكمت الجزائر، وهذا على الأقل حتى 05/10/1988 فالأهمية أعطيت لبناء الدولة، وكذلك الحفاظ على الوحدة الوطنية، وخصوصا بناء الاشتراكية بواسطة نظام سياسي يقوم على الأحادية الحزبية .
- إن حقوق الإنسان التي ينظر إليها على أساس أنها إنتاج الحضارة الغربية، تلك الحقوق لم تحترم طيلة عهد الاستعمار الطويل الذي ساد الجزائر، وعلى أي حال فإن حقوق الإنسان وخصوصا السياسية منها ليست ضرورية في بلد مازال يحتاج إلى أساسيات الحياة .
- إن تقنيات توزيع السلطة في حد ذاتها، في الدساتير الجزائرية كانت تشكل في حد ذاتها،قيدا مهما على حقوق الإنسان، فمجمل السلطات مركزة بيد رئيس الجمهورية، وهذا يعني أن اليد العليا كانت للجهاز التنفيذي، مما قلل خاصة من أهمية الجهاز القضائي، والذي يعتبر الحامي التقليدي لحقوق الإنسان.
ومع إقرار دستور 23 فيفري 1989 تغير الوضع، وأصبحت لحقوق الإنسان مكانة أكبر مما في السابق وذات أهمية في النظام المؤسساتي الجديد، فالوضع قد تغير جذريا –إن صح القول- مع دستور 1989، فلقد كرس القطيعة – وبتحفظ- مع الأسس التي قام عليها النظام المؤسساتي في الجزائر منذ 1962.
حيث رسم دستور 1989 معالم تغيير نظام الحكم من الاشتراكي إلى الاتجاه النمط الرأسمالي اقتصاديا وسياسيا، وكذلك التخلي عن نظام الحزب الواحد لصالح التعدد الحزبي، وحظيت حقوق الإنسان بنصوص كثيرة تمثلت في حوالي35 مادة، فبالإضافة إلى ما تضمنه دستور 1976 من حقوق وحريات والتي نقلت حرفيا إلى هذا الدستور، هناك نصوص جديدة تتعلق بحقوق ذات طابع سياسي واقتصادي واجتماعي.
ويظهر ذلك عبر الأحكام الدستورية الواردة فيه، وبالخصوص الفصل الرابع من الباب الأول المعنون بالحقوق والحريات ضمن دستور 1989 وهي أحكام بارزة تظهر في النص محددة وفقا لمحاور واضحة، فبعد التعبير عن مبدأ المساواة الأساسي، هناك تقسيم فني لحقوق الإنسان بين تلك المتعلقة بالحقوق السياسية والمدنية من جهة، وبين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من جهة أخرى .
وقبل ذلك لو تفحصنا ما ورد في ديباجة الدستور من فقرات من حيث الشكل لاكتشفنا من الوهلة الأولى أنه لم يرد فيها تكرار للفظ بالعدد الذي ورد به لفظ الحرية سواء باللفظ نفسه أو بألفاظ أخرى من نفس الاشتقاق، وجاءت بذلك الديباجة حاملة لمعاني سامية جسدتها المواد المتضمنة في الدستور على شكل قواعد دستورية ومبادئ أساسية، جعلت الدستور يسمو على غيره من القوانين في صيغة عقد بين الحاكم والمحكوم،ولا يمكن تعديله خارج إرادة الشعب فهو فوق الجميع، وهو القانون الأساسي الضامن لمختلف الحقوق وأشكالها.
الفرع الأول: مبدأ المساواة
يعتبر مبدأ المساواة المبدأ الدستوري الذي تستند إليه جميع الحقوق والحريات في الوقت الحاضر وإذا كانت العدالة أساس الملك كما يقال، فإن المساواة كانت الهدف الأول للثورات الكبرى في العالم، وكان انعدام المساواة هو الباعث على قيامها.
وتتنوع الحقوق التي يجب أن يتساوى جميع الأفراد فيها،وأن تشملهم المساواة أمام القانون التي تعد نقطة البداية في التطبيقات المختلفة لمبدأ المساواة، ثم المساواة في ممارسة الحقوق السياسية بالنسبة للمواطنين، والمساواة في تولي الوظائف العامة وفي الانتفاع بخدمات المرافق العامة، وكذا المساواة أمام القضاء،وسيكون هناك خرق لمبدأ المساواة إذا ما تمت معاملة الأشخاص الذين يقعون في مراكز قانونية مختلفة.
ولقد نصت المادة الثامنة والعشرون من الدستور على أن كل المواطنين سواسية أمام القانون، ولا يمكن أن يُتذرَع بأي تمييز يعود سببه إلى المولد أو الجنس أو الرأي أوأي شرط آخر شخصي أو اجتماعي، وبذلك يكون الدستور الجزائري قد أرسى مبدأ المساواة بين جميع أفراد الشعب، دون تمييز بينهم أمام القانون بحيث يكون لهم حق التمتع بحقوقهم، سواء المدنية والسياسية وغيرها من الحقوق، وعليهم أن يؤدوا ما عليهم من واجبات دون أي تفرقة على أساس الجنس أو العرق أو المولد أو الرأي.
أولا: المساواة في ممارسة الحقوق السياسية
وهي تشمل الحقوق السياسية كالحق في التصويت في الانتخابات، والاستفتاءات العامة في الدولة وحق الترشح لعضوية المجالس النيابية والإقليمية، وكذا حق الاشتراك في تكوين الجمعيات ذات الطابع السياسي .
ويقرر مبدأ المساواة حق جميع المواطنين، في ممارسة هذه الحقوق على قدم المساواة، طبقا للشروط التي يحددها القانون،كتحديد سن معنية لمباشرة هذه الحقوق دون تمييز أو تفريق بينهم.
ثانيا: المساواة في تقلد الوظائف العامة والانتفاع بها
وهي تعني حق المواطنين في تولي الوظائف العامة، دون أن يحرم صاحبه بسبب اختلاف في الأصل، الجنس أو اللغة، لذلك يجب التسوية الكاملة في معاملة الأفراد بغير تمييز، وفي هذا السياق تنص المادة(30) من الدستور على أنه: "تستهدف المؤسسات ضمان مساواة كل المواطنين والمواطنات في الحقوق والواجبات، بإزالة العقبات التي تعيق تفتح شخصية الإنسان، وتحول دون مشاركة الجميع الفعلية في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ." والمادة(48) التي تقر بتساوي جميع المواطنين في تقلد المهام والوظائف في الدول دون شرط أو قيد.
ثالثا: المساواة أمام القضاء
لقد جاء دستور 1989 بمبدأ الفصل بين السلطات واستقلالية السلطة القضائية، لضمان تهيئة المناخ المناسب للممارسة الديمقراطية الحقيقية، مع تقديم التأكيد على استقلالية القضاء عبر المادة (129) وفي المادة (130) حيث أكد المشرع الجزائري أنه على السلطة القضائية أن تحمي المجتمع والحريات، إلى جانب ذلك أكدت المادة (131) "أن الكل سواسية أمام القضاء، وهو في متناول الجميع ويجسد احترام القانون".
وإلى ذلك يمكن إضافة المساواة في الحق أمام الجنسية، التي جاءت في الفقرة الأولى من المادة (29) " الجنسية الجزائرية معرفة بالقانون." وبينت الفقرة الثانية شرط اكتساب الجنسية وكيفيات الحصول عليها، إلا أنه يلاحظ أن دستور 1989 قد ألغى المادة (42) التي كانت في دستور 1976 تؤكد على المساواة القانونية للمرأة، ملاحظة غير واضحة بالنسبة لدستور 1976 حيث كانت الصيغة أكثر عمومية وشمولية في التمييز للمرأة، والواقع أن كل حقوق المرأة مضمونة من قبل الدستور نفسه، فهل إن لم تدرج في الدستور تعتبر غير مضمونة.
إلا أنه على الأقل نجد أن دستور 1976 نص على هذه المساواة صراحة، بينما ألغيت المادة كلية منة نص دستور 1989 وذلك ليس راجعا لكونه لا يساوي بين المرأة والرجل، لكن الإطار والسياق الزمني الذي جاءت فيه المادة (42)السابقة لم يعد صالحا، فمنذ متي كان من الضروري فيما يخص المجتمع الجزائري أن يثبت المساواة الاجتماعية ككيان، لتطبيق ما تضمنته النصوص مادام التوجه العام للنظام كان يبنى على هذا.
الفرع الثاني: الحقوق والحريات المدنية والسياسية
ويندرج تحت هذا الجيل الأول من حقوق الإنسان مجموعة من الحقوق، والتي يتفرع عنها بدورها الحقوق والحريات اللصيقة بشخصيته، الحقوق والحريات الخاصة بفكر الإنسان والحقوق والحريات السياسية.
أولا: الحقوق والحريات اللصيقة بشخصية الإنسان
وتتصل هذه الحريات بشخص الإنسان، وضمانها هو عنوان يحقق كرامة الإنسان إلى حد بعيد وأهميتها تكمن لاتصالها بكيان الفرد ومقدار تمتعه بها، بقدر ما يمكنه من مباشرة الحقوق والحريات الأخرى، وذلك بما توفره له من أمن في ذاته وحرية في تنقله وحرمة مسكنه ومراسلاته.
- الحق في الأمن: وهو حق الإنسان في السلامة والحماية من الاعتداء بالقبض عليه أو حبسه أو تقييده تعسفيا، بالإضافة إلى حقه في أن يكون حرا من كل الاسترقاق، ويعتبر هذا الحق أصلا وتستند إليه كافة الأخرى ؛لأن ممارسة هذه الأخيرة مرهون بالسلامة والأمن وانتفاء القيود والعبودية.
و لقد نص المشرع الجزائري في المادة (33) من دستور 1989"على أن الدولة تضمن عدم انتهاك حرمة الإنسان ويحضر أي عنف بدني أو معنوي." ومن خلال هذه المادة فان الفرد لا يجوز القبض عليه واعتقاله أو حبسه، وعدم اتخاذ أي إجراء يمس أمنه وسلامته، وفقا للقانون مع مراعاة إجراءات الضمانات التي حددها القانون،كعدم تجاوز المدة القانونية المتعلقة بالرقابة القضائية وهي 48 ساعة، وتضيف المادة أن الشخص الذي يوقف يملك حق الاتصال فورا بأسرته، ولا يمكن تمديد مدة التوقيف للنظر إلا استثناء، ووفقا للشروط المحددة بالقانون، وحتى يتأكد الطابع الأمني للموقف وعدم انتهاك حرمته المادية، فانه لدى انتهاء مدة التوقيف يجب أن يجري فحص طبي على الشخص الموقوف إن طلب ذلك على أن يعلم بهذه الإمكانية.
1 - حرية التمتع بحياة خاصة : في تعريف جاءت به الجمعية الاستشارية للمجلس الاستشاري الأوربي لهذا الحق، ورد فيه بأنه القدرة على أن يعيش الإنسان حياته كما يريد، مع أقل حد ممكن من التدخل، ويعتبر من الحياة خاصة الحياة العائلية، الحياة داخل الأسرة، وما يتعلق بسلامة الشرف والاعتبار، إعطاء صورة غير صحيحة عن الشخص، والكشف عن وقائع غير مفيدة من شأنها أن تسبب الحيرة والحرج للشخص، والحماية ضد التجسس والفضولية غير المقبولة والتي تكون من دون مبرر، والحماية ضد استعمال الاتصالات الخاصة، والحماية ضد الكشف عن المعلومات الخاصة التي قد يعلمها أحد الأشخاص.
وتؤكد المادة(38) من الدستور أنه على الدولة ضمان عدم انتهاك حرمة المنزل، فلا تفتيش إلا بمقتضى القانون و في إطار احترامه، وبهذا الصدد تبرز إرادة المشرع في ضمان أمن المواطن في مسكنه بإعطاء القضاء وسيلة فعالة للضرب بيد من حديد، كل ممن يعتدي على هذا الحق وضمانات مكملة تتعلق بتفتيش المنازل، الذي لا يمكن إجراؤه إلا بمقتضى أمر قضائي بصفة شرعية، وحسب الأوضاع والمواعيد المقررة قانونا .
وإن كانت حرية التفكير حق يقدسه الدستور، يتبع أو يستلزم ذلك وجود نفس الضمانات بين إبلاغ ونقل الأفكار، مما يتعين حماية وضمان سريتها أخذا وعطاء، من خلال جميع وسائل الاتصال والمراسلة، كما يجب أن تحظى بنفس الضمانات المكالمات الهاتفية وذلك ما كرسته المادة(37) من الدستور، ويستثنى من هذه المبادئ سلطة قاضي التحقيق في مصادرة الرسائل، والإطلاع على محتواها أثناء التحقيق قصد الوصول إلى الحقيقة.
2- حرية التنقل: وهي حرية الإنسان في الانتقال من مكان لآخر، وأيًا كانت الوسيلة المستخدمة في هذا الانتقال، كما تشمل حريته في العودة إلى المكان الذي غادره وقتما شاء، و تتضمن أيضا على حق الفرد في الهجرة من الوطن ومغادرته إلى أي وطن آخر، إلا أن القانون يستطيع تنظيم ممارسة هذه الحرية، بوضع بعض القيود التي تقتضيها المصلحة العامة، مثل المحافظة على الأمن العام والمحافظة على سلامة الدولة من الداخل والخارج .
ولقد نصت المادة (41) أنه يجب لكل مواطن يتمتع بحقوقه المدنية والسياسية أن يختار بحرية موطن إقامته، وأن يتنقل عبر التراب الوطني وتضيف أن حق الدخول والخروج منه مضمون له، والمادة (44) تؤكد على المبدأ العام والقاضي بأن لا يتابع أحد أو يوقف أو يحتجز، إلا في الحالات المحددة في القانون وطبقا للأشكال التي نص عليها.
* الحقوق والحريات الخاصة بفكر الإنسان :
هذه المجموعة يغلب عليها الطابع الفكري والعقلي للإنسان، و تضم حرية العبادة والعقيدة وحرية الرأي والتعبير وحرية الاجتماع، وكذلك حق إنشاء الجمعيات والانخراط فيها.
3 - حرية الفكر والوجدان والمعتقد: إن حرية الفكر والوجدان والمعتقد، حق مطلق في كل المواثيق والقرارات الدولية التي عنيت بالمسألة، حيث تم الاتفاق على أنه لا يجوز فرض قيود على فكر الإنسان الداخلي، وعلى ضميره الأخلاقي أو على دينه، إلا أن المظاهر الخارجية للفكر والضمير وللدين قد تخضع لقيود مشروعة.
ولقد نص الدستور جازما في المادة (35) على أنه لا مساس بحرمة حرية المعتقد والفكر وصيغة الحرمة، تؤكد حرص المشرع الدستوري على هذه الحريات أكثر من أي وقت مضى ويظهر فيما يخص حرية المعتقد وجود تحفظ حول سر المهنة في الدستور، الذي لم ينس النص على أن الإسلام هو دين الدولة في المادة(02) والحرية الدينية لا تغطي كلية حرية المعتقد، حيث أن مفهومها واسع وأنه يشكل عنصرا هاما، ثم أليس قانون المسجد مساس بحرية المعتقد؟.
4- حرية الرأي والتعبير: وهي من الحريات الأساسية في المجتمع، حيث أي تقدم في المجتمع هو مرتبط بمدى ومستوى ممارسة هذا الحق، والمقولة المأثورة " إن لم يكن يوسع للمرء أن يمتلك لسانه فلن يكون بوسعه أن يمتلك أي شيء آخر ". فعندما لا يستطيع الإنسان أن يتكلم وأن يملك حرية التعبير لا يستطيع أن يمتلك أي حق آخر، فالعلاقة التي تربط الحرية بحق إبداء الرأي والتعبير هي بمعرفة مدى مستوى ممارسة هذا الحق في المجتمع دون قيد أو ضغط داخلي أو خارجي ومن ثم معرفة هذا المجتمع إن كان حرا أم لا،وذلك عبر الإطلاع على الآليات التي يمارس فيها حقه وحريته التي تعتبر وسيلة للتعبير من دون قيود.
وقد كفل الدستور هذا الحق من خلال المادة 35 – آنفة الذكر- بينما المادة 36 من الدستور فصلته بقولها حرية الابتكار الفكري والفني والعلمي مضمونة للمواطن، ثم تضيف تأكيدا على أن حقوق المؤلف يحميها القانون فلا يجوز حجز أي مطبوعة أو تسجيل أو أي وسيلة من وسائل التبليغ والإعلام إلا بأمر قضائي.
إن حرية التعبير لا تذهب هي الأخرى إلى تعريض أمن الدولة للخطر، ولا تذهب كذلك إلى حد التحريض على اقتراف الجرائم، حتى لو كان هذا قد جاء عن إيمان فلسفي أو ديني أو سياسي، وعندما تدرك الصحافة مسؤوليتها وعندما تفهم أنه لا توجد حقوق من دون واجبات تصبح جديرة بالحرية التي كفلت لها تحت شروط معينة .
فالمجتمعات الديمقراطية تنهض على أساس مفهوم سيادة الشعب، الذي يحدد إرادته العامة رأي عام مطلع، إن حق الرأي العام في أن يعلم، هو الذي يمثل جوهر حرية الإعلام والرأي وإن الحرمان من هذه الحريات ليُنقص من سائر الحريات جميعا، ومع ذلك فإن الكثير من القائمين على السلطة يعمدون إخفاء ما لا يودون إبداءه أو ما يحتمل أن يثير الرأي العام ضدهم، ومن هنا يأتي إنكار حق الوصول إلى المعلومات والرقابة الصريحة أو المقنعة في قول الحقيقة، على الرغم من المبادئ التي تكرسها القوانين والدساتير.
5- حرية الاجتماع : تعتبر هذه الحرية سببا مباشرا تؤثر على الفردية أو التفكير، وهي بمثابة المرآة العاكسة التي تعكس حقيقة النظام السياسي المكرس دستوريا، ومجال الحريات التي يتمتع بها الأفراد في ظله والتي كفلها لهم، ويتقيد بحرية الاجتماع الإقرار بتمتع المواطنين بالحق في الانضمام بصفة تلقائية مع غيرهم، قصد الدفاع عن مبدأ وقضية أو رأي معين،ومحاولة إقناعهم به وبضرورته في حياتهم أو في حياة الغير، والعمل من أجله بطريقة مشروعة باستعمال الوسائل التي تتاح لهم من قطب أو ندوات أو محاضرات في الأماكن المرخص لها وفي الأوقات المناسبة واستخلاص النتائج، وإصدار المنشورات والبيانات التي تتضمن المقررات أو التوصيات، وإرسال نسخ من تقاريرها للجهات الإدارية في الدولة والمعنية بالقضية محل الموضوع .
وبالرجوع لمختلف الدساتير نجدها نصت على حرية الاجتماع، غير أن دستوري 1963 و1976 قيّدا هذه الحرية بشرط عدم استعمالها للمساس باستقلال الأمة، أو السلامة الوطنية ومؤسسات الدولة.
وأيضا عدم المساس بالطموحات الاشتراكية للشعب، ومبدأ أحادية جبهة التحرير الوطني، وذلك من خلال المواد 19 إلى 22 من دستور 1963 والمادة(55) من دستور 1976 في حين أن دستور 1989 لم يرد فيه أي قيد صريح على حرية الاجتماع، ولقد عبرت عن ذلك المادة(39) بأن حرية إنشاء الجمعيات والاجتماع مضمونة .
6- حرية إنشاء الجمعيات والانخراط فيها: لقد تبنت الجزائر في البداية نظام السيطرة الكلية على الجمعيات وإدماجها، في سياق تجربة البناء الوطني الاشتراكي نظام المؤسسات الجماهيرية، كما استبعدت التجربة السياسية التي قادتها جبهة التحرير الجزائرية،كل الجمعيات التي لم تكن منسجمة مع روح التعبير السياسي، وعلى إثر أحداث أكتوبر 1988 جاءت ضرورة تشجيع تكوين الجمعيات السياسية ؛ لسد الفراغ الحاصل ولمواجهة حالة التوتر السائدة والاختلالات العميقة التي عرفها الأداء السياسي طوال عشريتين كاملتين، كما كان ذلك تعبيرا عن الحاجة إلى علاقة جديدة بين الدولة والمجتمع، ومراجعة لأسلوب الأداء السياسي الذي خلق مثل ذلك الفراغ الحاصل.
والمقصود بهذا الصنف من الحرية، أن لكل فرد الحق في تكوين وإنشاء الجمعيات ذات الأغراض المختلفة، وذلك للاجتماع مع الأعضاء الآخرين للبحث في المسائل التي تهم هذه الجمعيات، ولتحقيق الأغراض التي أسست من أجلها، وللدفاع عن المبادئ التي قامت عليها ولكل شخص كامل الحرية في الانضمام إلى الجمعيات القائمة متى شاء ودون ضغط أو اكراه من أي طرف .
ووردت هذه الحرية في مختلف الدساتير الجزائرية، غير أن مدلولها يختلف من دستور لآخر ففي دستوري 63 و 76 تنحصر حرية إنشاء الجمعيات في الجمعيات غير السياسية، باعتبار أن الدستورين استبعدا صراحة التعددية الحزبية بنصها على أحادية السلطة، وعلى أحادية العمل السياسي الذي اقتصر آنذاك على الحزب الواحد في البلاد، وعرف مفهوم الجمعيات في دستور 1989 تحولا كبيرا، بحيث لم يعد محصورا في المجالات الاجتماعية والثقافية والرياضية، بل أصبح ينصرف إلى العمل السياسي أيضا، حيث كرست المادة(40) من الدستور حق إنشاء الجمعيات ذات الطابع السياسي، ومهما يكن لا يمكن تصور قيام ديمقراطية إلا في ظل قيام جمعيات متعددة الأشكال مدنية وسياسية، وهذا هو الأمر الذي وعاه دستور 1989 واعترف به من خلال النص عليه وفي هذا السياق يجب لفت الانتباه إلى قانون الجمعيات المدنية الصادر سنة 1987 والذي خول الإدارة صلاحيات واسعة، بشأن إنشائها واتخاذ إجراءات تحفظية وحلها، وهو أمر يتنافى والشرعية الدستورية على ضوء الإصلاحات الجديدة، واحتراما لمبدأ الفصل بين السلطات وتكريسا لما اقره الدستور في مجال الحريات الأساسية، لأجل ذلك ينبغي رفع يد الإدارة عن هذه الجمعيات، وجعلها تحظى بضمانات قضائية تقيها من هيمنة الإدارة إنشاء، ممارسة وحلا .
لكن لماذا مصطلح الجمعية وليس الحزب؟، لقد عدل مصطلح جمعية الى حزب في دستور 1996 م 42، فإذا كان الهدف والمضمون السياسي هو التعدد الحزبي المطلق كما يفهم ذلك من الدستور، فلماذا لا يعبر عن ذلك صراحة وبكل وضوح كما هو الحال في بعض الدول العربية، مثل الدستور المغربي الذي نص على أن تساهم الأحزاب السياسية في تنظيم المواطنين وتمثيلهم، ونظام الحزب الوحيد غير مشروع، وأيضا نجد الدستور المصري الذي نص على أن يقوم النظام السياسي في جمهورية مصر على أساس تعدد الأحزاب،وإن كان كل ذلك شكليا مثلما يؤكده الواقع الممارس، ولعل الجواب المحتمل يفسر ويبرر بثلاثة أمور وهي:
- تضييق مجال ونفوذ التعددية، لينحصر دورها في المعارضة دون المشاركة الفعالة المؤثرة .
- استبعاد وانتعاش قيام أحزاب معينة.
- افتراض عدم وجود أو قيام أحزاب مؤهلة وقادرة على خوض معركة المنافسة السياسية،ولذلك يجب أن تبدأ العملية بجمعيات ثم تتطور فيما بعد إلى أحزاب، وقد تأكد هذا الافتراض في البيان الرئاسي الصادر في 24 أكتوبر 1988 الذي جاء فيه " لا يمكن بأي حال من الأحوال إقامة التعددية الحزبية من البداية مع أوساط تطمع في السلطة، وفي الحصول على الامتيازات في إطار ديمقراطية مظهرية لكن تأصيل جبهة التحرير الوطني لا يرفض أن يؤدي تطور العمل السياسي في القاعدة إلى تعددية سياسية.
لكن هذا الاتجاه ينفيه مشروع قانون الجمعيات السياسية، الذي يحمل في مضمونه التعدد الحزبي، كما يبين ذلك في المادة الأولى منه التي تنص على أن تستهدف الجمعية ذات الطابع السياسي، في إطار أحكام المادة (40) من الدستور جمع مواطنين جزائريين حول برنامج سياسي، ابتغاء هدف لا يدر ربحا، وسعيا للمشاركة في الحياة السياسية بوسائل ديمقراطية وسلمية.
ويظهر بذلك أنه هناك مستوى آخر، هناك الحقوق السياسية للمشاركة في الحياة العمومية المعترف بها للمواطن، كما هو الشأن بالنسبة لحق الانتخاب، والمنصوص عليه في المادة (47) " يعد كل مواطن تتوفر فيه الشروط القانونية، ناخبا وقابلا للانتخاب."
ثانيا: الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
هذا الصنف من الحقوق جاء للإجابة عن أهمية إقرار الحقوق السياسية والمدنية، دون توفير أدنى مستوى المعيشة لحفظ كرامة الإنسان –موضوع الحق- وهذا الصنف من الحقوق بدأ يأخذ مكانته البارزة في سجل حقوق الإنسان، نتيجة للتطور الذي لحق بفكرة الحرية ذاتها منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، فلم تعد الحرية مجرد القدرة على التصرف بما لا يضر الآخرين، وإنما صارت تعني أكثر من ذلك، تحرير الإنسان من كل عوامل الضغط التي تعيق التمتع بهذه الحريات وهو ما يفرض على الدولة واجب التدخل، وتوفير الظروف والأوضاع المادية التي تسمح للمجتمع بإمكانية الممارسة الفعلية لتلك الحقوق والتي سنأتي على ذكرها .
1- الحقوق الاقتصادية :
وهي مجموعة الحقوق المتصلة بالنشاط الاقتصادي، بكل جوانبه ومجالاته الفردية والجماعية وعمله وسعيه لبلوغ الحياة الكريمة، وماينتج عن هذا النشاط من ثروات مادية أو غير مادية يمتلكها مُنتجُهَا، وهي تشمل الحق في العمل حق الملكية، وحرية النشاط التجاري والصناعي، وغيرها من أوجه النشاط الاقتصادي .
- الحق في العمل: فلكل فرد الحق في العمل الشريف، الذي يناسبه ويختاره بكامل حريته، حتى يؤمن حياته وحياة أسرته، وعلى الدولة أن تعمل على إيجاد فرص العمل لكل مواطنيها،ويتفرع عن هذا الحق حق تكوين النقابات وحق الإضراب، ويعتبر دستور 1989 أكثر تحررا مقارنة مع دستور 1976 فالمادة (52) تنص على أنه لكل مواطن الحق في العمل، ويضمن القانون أثناء العمل، الحق في الحماية والأمن والنظافة، الحق في الراحة مضمون، ويحدد القانون كيفيات مارسته، وقد ألزم المشرع الجزائري على التكفل بكل من لم يبلغ سن العمل، والذين لا يستطيعون القيام به أو عجزوا عنه بأن ظروفهم المعيشية مضمونة حسب نص المادة (56) أما المادة(53) فإنها تكرس وتعلن مشروعية الحق النقابي لجميع المواطنين وبالنظر لما سلف ذكره يمكن القول أن العامل يتمتع بحماية يكرسها له الدستور،وهو يتمتع بالحفاظ على قدرته البدنية والمعنوية في مجال الأمن والنظافة في وسط العمل، ومجال الحق في الراحة، فهو يتمتع بجميع الحمايات بالنسبة لحقوقه الأساسية التي يقرها ويضمنها له القانون.
إلا أن ذلك لا يعني انعدام القيود التي يحددها القانون، فمثلا لا يسمح بالإضراب إلا في إطار القانون والتشريعات المعمول بها، مثلما تخضع لذلك ممارساته في ميادين الدفاع الوطني والأمن أو في جميع الخدمات والأعمال العمومية ذات المنفعة الحيوية للمجتمع والمصلحة العليا .
- حق الملكية: ويقصد بها قدرة الفرد قانونا على أن يصبح مالكا، وهو ما يعرف بالملكية الفردية تمييزا عن الملكية الجماعية، وهي التي لا يكون المالك لها فردا بذاته ولا أفراد معنيين بذواتهم ويتفرع عن حق الملكية حق الفرد في التصرف في ملكه، ولا يجوز للسلطة العامة أن تسلب الفرد مكله أو جزء منه، دون أن يحصل على رضاه أو خارج عن حدود القانون.
ونصت المادة 49 من دستور 1989 "أن الملكية الخاصة مضمونة، وأن الإرث مضمون، وكذلك الأملاك الوقفية، وأملاك الجمعيات الخيرية المعترف بها ويحميها القانون،كما جاء أيضا في المادة(63) الخاصة بواجبات الفرد النص على أنه يجب أن يحترم ملكية الغير.
وفي حقيقة الأمر فإن الملكية الخاصة تعتبر عند البعض من أهم الحقوق، وأنها تأتي بعد الحق في الحياة والعمل ؛ لأن ضمان الحياة يأتي بالعيش الكريم، وذلك لا يكون كاملا من دون ملكية خاصة، فلقد أحسن المشرع حين أضاف لها الحق في الإرث، الذي يعتبر من الوسائل المشروعة لاكتساب الملكية الخاصة والجماعية،كالأوقاف والتي تعتبر مؤسسة إسلامية معتمدة في الجزائر.

2- الحقوق الاجتماعية والثقافية :
وتندرج ضمنها مجموعة من الحقوق التي ينجم عنها تحقيق نوع من المساواة الاجتماعية والديمقراطية، إلى جانب المساواة السياسية بين أفراد المجتمع مما يكفل كرامة الإنسان، ومن بينها الحق في الصحة، الحق في الرعاية الاجتماعية للأسرة والشبيبة والشيخوخة، الحق في التعليم.
- الحق في الصحة: حيث يقع على عاتق كل دولة الالتزام بتوفير الرعاية الصحية للإنسان في كافة المجالات، والوقاية من الأمراض والأوبئة ومعالجتها، و إيجاد ظروف من شأنها تأمين الخدمات والعناية في حالة المرض وتوفير العلاج.
ولقد نصت المادة(51) من دستور 89 على أن الرعاية الصحية حق للمواطنين، حيث تتكفل الدولة بالوقاية من الأمراض الوبائية والمعدية ومكافحتها، وضَمنَ بذلك دستور 1989 مثل سابقه الحق في مجانية الصحة وذلك لطبيعة النظام الجزائري، ومثلما تم النص على حق الرعاية الصحية فإن المشرع الدستوري تنبه أيضا لمسألة الرعاية الاجتماعية، حيث يقع على عاتق كل دولة الالتزام برعاية أفرادها، وكفالة معيشتهم ورعايتهم في حالة العجز والشيخوخة عن طريق سن تشريعات الضمان الاجتماعي الذي يكفل لهم حياة كريمة، ولقد ورد في المادة(56) من دستور 89 التأكيد على ذلك، حيث نصت "ظروف معيشة المواطنين الذين لم يبلغوا سن العمل والذين لا يستطيعون القيام به و عجزوا عنه نهائيا مضمونة".
- حق حماية الأسرة والشبيبة والطفولة: وهذا النوع من الحقوق الاجتماعية المقرر لفئة خاصة من المجتمع، والتي تعتبر دعامة المجتمع وقاعدته الصلبة والمتمثل في الأسرة، باعتبارها الخلية الأساسية في المجتمع وكذا عناصرها المختلفة، حيث أضفى عليها الدستور حمايته عبر المادة(55) " تحظى الأسرة بحماية الدولة والمجتمع"؛ فبالنسبة للأسرة يظهر أن الدستور قد أحاطها بحماية خاصة لتؤدي وظيفتها في إعداد النشء وتحضيره بما يخدم المجتمع، ومنظما للعلاقة بين المرأة والرجل، التي تجمعهما على أساس شريعة الإسلام من زواج وطلاق، فالمشرع لم يهمل أبدا دور المرأة إلى جانب الرجل في مساهمتها في بناء المجتمع بإقراره لمبدأ المساواة بين الجميع، وجعله من المهام المنوطة بمؤسسات الدولة .
أما بالنسبة لحماية الطفولة والشبيبة يبرز الاهتمام بمكونات الأسرة، باعتبارها عاملا أساسيا وجزءا لا يتجزأ منه، واختلال أحد أجزائها أو عناصرها يؤدي أو ينعكس سلبا على العناصر الأخرى، لذا أولى الدستور عنايته الكبيرة بذلك ويبرز ذلك عبر المادة (62) والتي ورد فيها:" يُجازي القانون الآباء على القيام بواجب تربية أبنائهم ورعايتهم، كما يُجازي الأبناء على القيام بواجب الإحسان إلى آبائهم ومساعدتهم." ويظهر في هذا النص الدستوري مسحة روح الشريعة الإسلامية وتأثر المشرع بها.
- الحق في التعليم: وورد ضمن الحقوق الثقافية التي تَعني حق كل إنسان في الثقافة، والتي تقضي بتلقي العلم وتعليم الآخرين، وتوجيه الثقافة نحو التنمية الشاملة للشخصية الإنسانية، والأصل هو أنه لكل شخص الحق في التعليم في مراحله الأولى بالمجان وإلزاميا، مع العمل على تعميم التعليم الفني والمهني، وتيسير الدخول في التعليم العالي وتسهيل الانخراط فيه، ويجب أن تهدف التربية في ذلك إلى إنماء شخصية الإنسان إنماءً كاملا دون تمييز.
و تنص المادة (50) من دستور 1989 على أن" الحق في التعليم مضمون، والتعليم مجاني بحسب الشروط التي يحددها القانون :
- التعليم الأساسي إجباري.
- تنظم الدولة المنظومة التربوية.
- تسهر الدولة على التساوي في الالتحاق بالتعليم والتكوين المهني."
ويتضمن بذلك الحق في التعليم ثلاثة أمور، وهي حق الفرد في أن يلقن العلم للآخرين وحقه في أن ينهل من العلم وبقدر ما يشاء، وحقه في أن يختار لنفسه ولأولاده من المعلمين والمناهج ما يشاء، وإذا كان القصد من إقرار هذا الحق إطلاق العنان للمواهب، وفسح المجال للبحث الحر، ومنع كل صور الحجز على العقول، فلا يُتَصوَر أن تكون الحرية مطلقة، وإلا انقلبت إلى فوضى ولم تحقق شيئا من الأغراض والمطامح التي تناط بالعلم والتعلم .
خاصة بالنظر إلى الارتباط الوثيق بين التعليم وقيم المجتمع ونظامه العام، ولهذا فإن الدولة بغض النظر عن النظام المتبع هي التي تضع برامج التعليم وتقرر المناهج، وتشرف على تعيين القائمين بالتعليم، وفق النظريات والمبادئ التي تراها متوافقة في عمومها مع مجتمعها.
الفرع الثالث: الحقوق الجديدة و المعدلة في دستوري 1989 و 1996
وبصفة عامة إن كان دستور 1989 قد أوردَ فصلا كاملا للحقوق والحريات، ليعبر عن مدى إيمانه باحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، إلا أنه لم يُشر إلى الوسائل والآليات التي يجب على الدولة أن تتخذها، لتجسيد مبدأ المساواة والعمل على تمكين المواطن من الاستفادة بأكبر قدر من حقوقه المنصوص عيها .
ولعل السبب في ذلك يعود إلى التراجع عن خط النظام الاشتراكي الذي يظهر فيه تدخل الدولة، ويظهر معه السعي إلى تجسيد تلك الحقوق المنصوص عليها في الواقع العملي، منذ سنة 1989 إلى غاية سنة 1990 لتأتي بعدها التجاوزات والإضرابات، التي نتج عنها استقالة الرئيس الشاذلي بن جديد، وحدوث حالة الشغور المؤسساتي وكذا إعلان حالة الطوارئ، مما جعل الجزائر تدخل في دوامة من الأحداث العنيفة والاضطرابات الحادة، التي لم تشهد لها مثيلًا من قبل.
وتم التعامل منذ بدء تلك الأحداث و الإضطرابات بأساليب قصر النظر، وسوء التقدير وعدم القدرة على التحكم في القيادة وتسيير مؤسسات، ودخلت أجهزة الدولة والمجتمع في نفق مظلم وحالات من الانفلات الشامل، والتي استغلتها قوى داخلية وخارجية في تحريك آلة الإرهاب الوحشي الذي حاول أن يقوض أسس ومقومات الدولة الوطنية ونظامها الجمهوري الديمقراطي الشعبي، لولا التعاون بين جميع الأطراف من جيش وقوى الشعب الحية ومختلف أطيافه الوطنية لتجاوز ذلك، بعد إدراك حجم الأزمة وعمقها وكبر مخلفاتها.
إلى جانب ذلك على المستوى السياسي والمؤسساتي، تم عقد ندوة وطنية للوفاق الوطني جمعت القوى والتنظيمات والشخصيات السياسية والمدنية والاجتماعية، بدافع الوعي والغيرة على الدولة والوطن والمجتمع معا، وبوازع من روح المسؤولية الوطنية الحية والحس المدني الرفيع. تمخض عن ذلك ما يعرف بأرضية الوفاق الوطني، التي قررت مرحلة انتقالية للتغلب على المخاطر الجسيمة الأمنية والاقتصادية وحتى السياسية، مع تهيئة الظروف والوسائل اللازمة لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في مدة أقصاها أربع سنوات.
وبعد مرور عام على جولات الحوار الوطني، وبالذات في أفريل 1996 عادت الرئاسة للاجتماع بالأحزاب السياسية والجمعيات المدنية وبعض الشخصيات الوطنية، وسلمت لمحاوريها في 11 ماي مذكرة، ضمنتها اقتراحات لمراجعة دستور فيفري 1989 بدعوى أنه كان سببا رئيسيا من أسباب الأزمة، وحسب الرئاسة تتم هذه المراجعة بتضمين الدستور الجديد مبدأ نبذ العنف، وتوسيع صلاحيات الرئيس وإن كانت عهدته قد حددت بفترتين فقط، وتضمن مشروع التعديل الدستوري إنشاء غرفة برلمانية ثانية وإنشاء مجالس رقابية أخرى،كما أدخلت الرئاسة في مذكرتها تعديلا لقانون الأحزاب، بحيث استثنى إنشاء الأحزاب على أساس ديني أو لغوي أو عرقي، وأرغمت الأحزاب بذلك على التكيف مع هذا الاستثناء، بحذف كل ما له علاقة بذلك من برامجها وحتى تغيير أسمائها أحيانا.
ويؤكد دستور 1996 في ديباجته بأن الشعب الجزائري، قد ناضل دوما في سبيل الحرية والديمقراطية وأنه يظهر عزمه على إنشاء مؤسسات دستورية، أساسها مشاركة كل جزائري وجزائرية في تسيير الشؤون العمومية، والقدرة على تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة وضمان الحرية لكل فرد، وأنه أي الدستور فوق الجميع، وهو القانون الأساسي الذي يضمن الحقوق والحريات الفردية والجماعية.
و يتضمن الدستور المعدل على مجموعة هامة من الحقوق والحريات، من المادة(28) إلى غاية المادة (56) والتي من خلالها تَبرُز مكانة حقوق الإنسان في دستور لـ 28 نوفمبر 1996، والحقيقة الأولية تُظهر أن التعديل لم يحذف أي حق كان موجود من قبل، وإنما قام بإضافة حقوق جديدة،كما أنه وضع تعديلات على حقوق كانت موجودة في السابق،إضافة إلى أن بعض أحكام التعديل يظهر لها الأثر المباشر وغير المباشر على حقوق الإنسان.
أولا - الحقوق الجديدة:
تنص المادة (37) من دستور 1996 على ما يلي:" إن حرية التجارة والصناعة مضمونة، وتمارس في إطار القانون" هذا الحق الجديد لم يكن موجودا في الدساتير السابقة، والسبب بطبيعة الحال هو التوجه الإيديولوجي والسياسي السائد في تلك الفترة فالمادة(28) من دستور 1976 تؤكد على أن هدف الدولة هو التغيير الجذري للمجتمع على أساس مبادئ التنظيم الاشتراكي، والمادة (29) تنص على أن الدولة هي التي تُوجه الاقتصاد الوطني، وتضمن تطويره على أساس التخطيط العلمي.
ومن ثم لا مكان لحرية الصناعة والتجارة، التي هي في نهاية الأمر الترجمة القانونية لاقتصاد السوق وللمبادرة الفردية، والحقيقة أن دستور 1989 قبل التعديل الدستوري لم يستطع توضيح الاتجاه الاقتصادي الجديد، والسبب قد يكون بالدرجة الأولى سياسي ؛ فالانتقال من نمط الاشتراكية إلى خطاب اقتصاد السوق مباشرة، لا يمكن أن يكون من دون عواقب سياسية.
فالمادة (37) من الدستور رفعت كل لُبس وكرست دستوريا اقتصاد السوق، فالقطاع الخاص الوطني له دور مهم في الحياة الاقتصادية للبلاد، كما أن الاستثمار قدمت له ضمانه أساسية، لكن ما يمكن ملاحظته أن المادة (37) من الدستور يجب قراءتها وتفسيرها في إطار الدستور ككل فحرية الصناعة والتجارة تمارس في إطار مجموعة من المبادئ والقواعد التي يتضمنها الدستور،كالعدالة الاجتماعية وإشراف الدولة على تنظيم التجارة الخارجية، وسهر الدولة على ضمان وترقية بعض الحقوق الاجتماعية والثقافية، وواجبات الدولة في حماية ضعفاء المجتمع، وكلها توحي بأن الدولة لم تتخل كلية عن التزاماتها في ميدان التنمية الاقتصادية.
- عدم تحيز الإدارة: رغم أن هذه المادة لم ترد تحت الباب المخصص لحقوق الإنسان، إلا أن علاقة موضوعها بحقوق الإنسان لا تخف على أحد، ففي النظم الديمقراطية العريقة وجود إدارة محايدة هو من أساسيات النظم المؤسساتي، وخصوصا في ظل نظام تعددي يسمح بالتداول على السلطة، أين تتعاقب الفرق الحكومية ذات البرامج السياسية المختلفة، حيث تطرح مسألة تحيز الإدارة، فالأحزاب خصوصا عندما تكون في السلطة قد تحاول تسييس وتحزيب الإدارة بأشكال شتى كاستغلال باب التعيينات مثلا.
وعليه تطرح ضرورة بقاء الإدارة بعيدة عن كل التقلبات و التلاعبات السياسية، فتحيز الإدارة يؤدي إلى المس بمبدأ المساواة وعدم التمييز بين المواطنين خاصة، وأن خدمات الإدارة يجب أن تقوم على مبدأ عدم التفريق بين المؤيد والمعارض، وعليه فالنص على هذا المبدأ يجعل المواطن في مأمن فرأيه السياسي وتحزبه أو عدم تحزبه، لا يمكن أبدا أن يشكل عائق أمام استفادته من خدمات الإدارة وعلى علاقاتهم بها بشكل عام.

hadia369
2011-09-28, 00:24
ثانيا - الحقوق المعدلة :
حيث يلاحظ أن دستورلـ: 28 نوفمبر 1996 قام بتقوية بعض الحقوق الموجودة في الدستور سابقا.
* مسؤولية الدولة عن أمن الأشخاص والممتلكات:
كانت المادة (23) من الدستور وقبل تعديلها تنص على ما يلي "الدولة مسؤولة عن أمن كل مواطن، وتتكفل حمايته في الخارج." أما بعد التعديل فأصبحت المادة(24) تنص على أن الدولة مسؤولة عن أمن الأشخاص والممتلكات،وتتكفل حماية كل مواطن في الخارج." وهكذا فالدولة كانت مسؤولة فقط عن أمن مواطنيها وهذا بطبيعة الحال واجب أساسي .
لكن بعد ظهور دستور 1996 توسعت مسؤولية الدولة لتمتد لحماية الممتلكات أيضا، وهذا مهم جدا في ظروف اقتصاد السوق، ولظروف الأزمة الأمنية الظرفية التي مرت بها البلاد، كما أن الحماية لا تغطي المواطنين فقط، بل تمتد لحماية كل الأشخاص المتواجدين فوق التراب الوطني وهذا يتماشى مع الالتزامات الدولية التي وافقت عليها الجزائر، وخصوصا الواردة منها في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، التي تؤكد على ضرورة ضمان تمتع كل الأشخاص الموجودين فوق ترابها بالحقوق المنصوص عليها فيه.
* الحق في الكرامة:
كانت المادة (33) سابقا تنص على ما يلي " تضمن الدولة على عدم انتهاك حرمة الإنسان، ويحظر أي عنف بدني أو معنوي" ؛ أما المادة الجديدة(34) فأصبحت مقسمة إلى فقرتين بحيث أن الفقرة الثانية تنص " يحظر أي عنف بدني أو معنوي أو أي مساس بالكرامة" .
وهكذا أضيف مفهوم الكرامة والذي يمكن أن يضم مجموعة كبيرة من الحريات،كالحرية الجسدية ومنع العمل الإجباري، ومنع العبودية والاستغلال ومنع المس بالشعور، كما يمكن توسيع تفسيره ليلقى بضلاله على علاقة المواطن بالإدارة، فحسن الاستقبال وإعلام المواطن،وعدم استخدام السلطة التقديرية بشكل تعسفي، كلها علامات بارزة يتضمنها الحق في الكرامة.
* حرية تشكيل الأحزاب السياسية:
كانت المادة (40) من الدستور 1989 تسمح بتشكيل جمعيات ذات طابع سياسي أما المادة (42) من دستور 1996 فهي أكثر وضوحا، حيث قضت على كل لُبس وغموض، فالمقصود هو الأحزاب أي تجمعات أشخاص لهم نفس المصالح والمعتقدات، ويعملون على الوصول إلى السلطة أو التأثير على قراراتها، وهذا التوضيح ضروري في بلد يخطو خطواته الأولى في مجال الديمقراطية التعددية،كما أن المادة (42) المعدلة وضحت وبدقة الشروط التي يجب أن تتوفر في الأحزاب.
والدستور الجديد الذي استفاد من تجربة الدستور السابق، ومن التاريخ الحديث الذي عاشته البلاد في ظروف مأساوية، يؤكد بأن الحق المشار إليه في المادة (42) لا يمكن أن يتذرع به المساس بالحريات الأساسية، وبالقيم والمكونات الأساسية للهوية الوطنية وبالوحدة الوطنية وسلامة التراب الوطني وحرمته، وباستغلال البلاد وكذا سيادة الشعب والطابع الديمقراطي والجمهوري للدولة .
ولضمان ممارسة هذا الحق فإن ذلك لا يتحقق فعلا، إلا بإقرار إجراءات بسيطة غير مقيدة بالنسبة لحرية تكوين الأحزاب السياسية، وفي هذا الإطار ثم تبني نظام الترخيص في النص الجديد لقانون الأحزاب الصادر بموجب الأمر 97/09 المؤرخ في 06 مارس 1997 والذي من شأنه أن يصنف النظام الجزائري لتأسيس الأحزاب ضمن طائفة الأنظمة الوقائية، حيث أن الطابع الغامض والمبهم لبعض أحكام القانون السابق رقم 89/11 المؤرخ في 5 جويلية 1989 قد ساهم إلى حد بعيد في الانزلاقات التي شهدتها ممارسة النشاط السياسي، خلال السنوات التي تلت صدور هذا القانون، كما يتوخى هذا القانون الجديد التقليل من إنشاء الأحزاب الطفيلية، والتي تعمل ضد القانون والحد من تكاثرها . فهو يهدف إلى ضمان حق إنشاء الأحزاب السياسية، ولترجمة المبادئ التي تضمنتها المراجعة الدستورية ليوم 28 نوفمبر 1996 بغرض تفادي الانزلاقات التي قد تمس باستقرار الدولة وبممارسة المواطن لحقوقه وحرياته الاساسية.
ثالثا - التعديلات التي لها أثر على حقوق الإنسان :
ومن جملة هذه التعديلات التي كان لها الأثر على حقوق الانسان بصفة مباشرة أو غير مباشرة ما يلي:
المادة (92): وتؤكد هذه المادة على أنه "يحدد تنظيم حالة الطوارئ وحالة الحصار بموجب قانون عضوي" وهذه مادة جديدة لها أثر مباشر ومهم على حقوق الإنسان، ففي حالات الخطر العام التي يمكن أن تشكل تهديد للأمة ولمؤسسات الدولة، السلطات يمكنها أن تقيد وتوقف ممارسة بعض الحقوق، خاصة والمواثيق الدولية تسمح بذلك، مثل العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، لكن مع مراعاة شروط شكلية وموضوعية مهمة تنص عليها المادة (4) من العهد.
المادة (138): هذه المادة تنص على " أن السلطة القضائية مستقلة، وتمارس في إطار القانون" ويلاحظ إضافة وتمارس في إطار القانون وهذا أيضا مهم جدا، فالاستقلال ليس معناه إطلاق يد القاضي ودون أية قيود، فلابد أن يكون الاستقلال في إطار القانون وهذا لفائدة حقوق الإنسان.
المادة (152): حيث جاء في الفقرة الثانية من هذه المادة " ...يؤسس مجلس دولة كهيئة مقومة لأعمال الجهات القضائية الإدارية... " لا شك أن إنشاء هذه الهيئة سوف يكون له أثر مباشر في حماية حقوق المواطنين من جهة الإدارة، ولقد دلت تجارب الدول التي أخذت بالازدواجية، على أهمية مجلس الدولة في حماية بعض حقوق الإنسان وخصوصا في مواجهة الإدارة .
المادة(158): تنص هذه المادة على إنشاء محكمة عليا للدولة، أعطيت لها صلاحية محاكمة رئيس الجمهورية عن الخيانة العظمى، و الوزير الأول عن الجنايات والجنح التي يرتكبها أثناء ممارستهما السلطة،فهذه المادة تكرس أولا مبدأ المساواة بين المواطنين مهما كانت مراكز مسؤولياتهم، فالجميع يمكن أن يحاسب ويعاقب، وثانيا يمكن إدراج انتهاكات حقوق الإنسان بصفة واسعة، ضمن مكونات جريمة الخيانة العظمى، ونفس الشيء يقال بالنسبة الوزير الأول فإساءة استعمال السلطة والمس بحقوق الإنسان تشكل مجموعة من جرائم القانون العام.
و عموما إن موضع حقوق الإنسان في دستور1996 كان إيجابيا، فهناك نصوص جديدة أضيفت زيادة على الأحكام المعدلة، لها آثار إيجابية على حقوق الإنسان، وهذا كله يسير في اتجاه تكريس دولة الحق والقانون، التي من بين متطلباتها نصوص دستورية تحميها وضمانات توجب عدم انتهاكها.
المبحث الثالث: آثار التعديل الدستوري على مبدأ الفصل بين السلطات
بعد أن تطرقنا في المبحث السابق لتطور الحقوق والحريات العامة. نحاول من خلال هذا المبحث التطرق لآثار التعديل الدستوري على مبدأ الفصل بين السلطات من خلال الدساتير الجزائرية, حيث ندرس العلاقة بين السلطات الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية.
المطلب الأول:مظاهر استقلال السلطة التشريعية
قبل تحديد هذه المظاهر ينبغي الرجوع إلى التجربة الدستورية في الجزائر ابتداء من دستور 1963 إلى دستور 1996 ففي بداية الأمر أسندت سلطة التشريع إلى المجلس التأسيسي الذي أوكلت له مهمة التشريع باسم الشعب ليصبح بذلك مجال التشريع مطلقا و تقيد مجال التنظيم فبإمكان المجلس التأسيسي سن القوانين أو تعديلها أو إلغائها حسب الضرورة لضمان السير الحسن للمؤسسات وأجهزة الدولة.
أما دستور 1976 المتأثر بالمذهب الاشتراكي لم يخرج عن المنهجية التي جاء الدستور السابق بالرغم من اختلاف في بناء المؤسسات وتقسيم السلطات كما احتلت السلطة التشريعية نفس الترتيب المنهجي في دستور 89 عندما أعطى الأولوية في الترتيب للسلطة التنفيذية حيث تؤكد المادة 92 منه عن استقلال السلطة التشريعية في إعداد القوانين والمصادق عليها.
ويعتبر دستور 1996 هو أول دستور جزائري يكرس ازدواجية البرلمانية لاعتبارات مختلفة
الفرع الأول: الاستقلال العضوي
جاءت الوظيفة التشريعية في دستور 1989 في المرتبة الثانية بعد السلطة التنفيذية والهيئة التشريعية في الجزائر تأخذ اسم "المجلس الشعبي الوطني" إلا أنه بعد دستور 1996 اصبح البرلمان يتكون من غرفتين المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة.
أولا: العضوية في المجلس الشعبي الوطني
انتخب أول مجلس شعبي وطني في 27 فيفري 1977 اثر إجراء انتخابات تشريعية وحدد عدد مقاعده بـ261 مقعدا وتمثيله ذو طابع وطني. ومهمة النائب أو عضو مجلس الأمة وطنية وقابلة للتجديد طبقا لأحكام المادة 105 من دستور 1996 وبعد دخول الجزائر التجربة الديمقراطية والتعددية الحزبية طبقا لدستور 1989 أجريت الانتخابات التشريعية الرابعة بمشاركة الأحزاب والجمعيات السياسية و أصبح عدد المقاعد المتنافس عليها 340 مقعدا بتاريخ 26 ديسمبر 1991.
أما بالنسبة لطريقة انتخاب النواب وعددهم وشروطهم قابليتهم للانتخاب فقد أرجعها الدستور لأحكام القانون المادة 130 من دستور 1976 والمادة 97 من دستور 1989 و المادة 101 من دستور 1996.
ثانيا: العضوية في مجلس الأمة
خلافا لأعضاء المجلس الشعبي الوطني الذين ينتخبون عن طريق الاقتراع السري والمباشر فان أعضاء مجلس الأمة مزدوج الاختيار بينما ثلث أعضائه منتخبون عن طريق الاقتراع غير المباشر والسري من بين ومن طرق أعضاء المجالس الشعبية البلدية والولاية فان الثلث الآخر يعينه رئيس الجمهورية من بين الشخصيات والكفاءات الوطنية حدد عدد أعضاء الغرفة الثانية بان لا يتجاوز نصف عدد أعضاء المجلس الشعبي الوطني طبقا لمادة 101 من الدستور وهذا ما أهم ما جاء به دستور 1996 للحفاظ على استقرار الهيئة التشريعية رغم إمكانية حل المجلس الشعبي الوطني دون مجلس الأمة طبقا لأحكام المادة 129 من الدستور علما أن تجدد تشكيلة مجلس الأمة بالنصف كل ثلاثة سنوات أي كل ثلاثة سنوات ينتخب ويعين نصف كل مجموعة من الأعضاء بينما يبقى النصف الأخر إلى غاية تجديده حسب المادة 102 الفقرة 03 من دستور 1996.

الفرع الثاني:الاستقلال الوظيفي
أولا: سلطته في إعداد النظام الداخلي
ما يلاحظ على دستور 1996 انه وسع في المجال الهيكلي مع ظهور التعددية الحزبية وذلك من اجل توسيع دائرة التشاور بين مختلف التيارات الحزبية علما أن اللجان الدائمة للمجلس تشكل في مستهل كل فصل تشريعي وعددها 10 لجان وتتكون كل لجنة من 12 إلى 20 عضوا وتنتخب كل لجنة مكتبها من رئيس ونائب له ومقرر وتختص كل لجنة بدراسة مشاريع واقتراحات القوانين التي تدخل ضمن اختصاصاتها.
ثانيا: عملية إعداد التشريع
حين تنص المادة 98 من دستور 1996 على أنه يمارس السلطة التشريعية برلمان يتكون من غرفتين .........وله السيادة في إعداد القوانين والتصويت عليه في حين تنص المادة 122 من الدستور على انه يشرع البرلمان في الميادين التي يخصصها له الدستور.
فإذا كانت السلطة التشريعية تمارس اختصاصا يتمثل في المبادرة باقتراح قوانين غير انه يتبين بان هناك عدم توازن بين المؤسستين في ممارسة المبادرة بالتشريع بحيث يحقق للحكومة الاعتراض على أي اقتراح قانون مخالف للمادة 114 من الدستور فالنص لا يتحدث عن المشاريع و إنما على الاقتراحات التي يمكن أن تكون محلا لعدم القبول.
بحيث في حالة قبول اقتراح قانون من طرف مكتب المجلس الشعبي الوطني والذي يقوم بتقديره في مدة لا تتجاوز شهر بعد إيداع الاقتراح فيقوم بتسجيله في جدول أعمال الدورة المقبلة وفضلا عن ذلك فان اقتراحات القوانين ترسل إلى الحكومة فور تسجيلها بغرض تمكينها من الاعتراض عليها خلال 15 يوما وتقل أهمية الاقتراح في حالة ما إذا تقدم 20 نائبا فأكثر باقتراح في الأيام الأولى من دورة محددة فانه تؤجل إلى الدورة الموالية في حين نجد أن مشاريع الحكومة لا ترد عليها قيود مراعاة الأجل المعقول الذي يسمح للمجلس مناقشتها.
أما فيما يتعلق بكيفية تحديد نتائج الانتخاب فقد تبنى المشرع الجزائري طريقة الاقتراع النسبي على القائمة مع أفضلية الأغلبية في دور واحد وتوزيع المقاعد وفقا للمادة 62 من قانون الانتخابات .
وكما جاء في المادة 87 من قانون الانتخابات على أن يقدم المترشحون للمجلس الشعبي الوطني قائمة كاملة تساوي عدد المقاعد الواجب شغلها.
و أما فيما يخص بتوزيع المقاعد فقد جاء في المادة 62 "يترتب على هذا النمط من الاقتراع توزيع المقاعد كالآتي...." ونتيجة لتأجيل الانتخابات تمت إصلاحات وتقدمت الحكومة مشروع قانون يعدل بعض مواد قانون الانتخابات لاسيما المادة 62 منه والتي سبق ذكرها، وأقر بموجب تعديل تلك المادة ما يلي:
أ- تتحصل القائمة التي فازت بالأغلبية المطلقة على الأصوات المعبرة عنها على عدد من المقاعد يتناسب والنسبة المؤوية للأصوات المحصل عليها المجبرة إلى العدد الصحيح للأعلى.
ب- و في حالة عدم حصول أي قائمة على الأغلبية المطلقة من الأصوات المعبر تفوز القائمة التي تجوز على أعلى تشبه بما يلي:
50% من عدد المقاعد المجبر للعدد الصحيح الأعلى في حالة ما إذا كان عدد المقاعد المطلوب شغلها في الدائرة فرديا.
50% زائد واحد من عدد المقاعد في حالة ما إذا كان عدد المقاعد المطلوب شغلها زوجيا.
ج- وفي كلتا الحالتين توزع المقاعد المتبقية بالتناسب على كل القوائم المتبقية التي حصلت على 7% فما فوق من الأصوات المعبر عنها على أساس النسبة المئوية للأصوات المحرزة بتطبيق الباقي الأقوى حتى تنتهي المقاعد الواجب شغلها وفي حالة بقاء مقاعد للتوزيع توزع على كل القوائم بالتناسب بما فيها القائمة الفائزة التي أحرزت على أعلى نسبة.
وفي حالة عدم حصول أي قائمة متبقية على 7% تحصل القائمة الفائزة على جميع المقاعد.
أما إذا حدث ان تعادل الأصوات بين القوائم التي حازت على أعلى نسبة فان القانون ينص على أن الفوز يكون لصالح القائمة التي يكون معدل السن لمرشحيها الأصليين اقل ارتفاعا.
إلا أن الدكتور بوشعير يبدي رأيا بشان طريقة توزيع المقاعد خاصة مع احتمال حصول قائمتين على نسبتين متقاربتين في الأصوات المعبر عنها مثل 30% و 29% ومع ذلك تحوز إحداهما وهي الأولى بالأغلبية المطلقة في المقاعد في حين تكتفي الثانية بأقسام المقاعد المتبقية مع القوائم التي أحرزت على 7% فما فوق من الأصوات المعبر عنها فهذه الطريقة لا تخدم الديمقراطية ولا التعددية السياسية .
المطلب الثاني: مظاهر استقلال السلطة التنفيذية
الفرع الأول: الاستقلال العضوي
أولا: انتخاب رئيس الجمهورية
يحتل رئيس الجمهورية في النظام الجزائري المركز الممتاز باعتباره منتخب من طرف الشعب بطريقة مباشرة وصاحب اختصاص تعيين الوزير الأول وإنهاء مهامه وله أن يحل المجلس الشعبي الوطني.
و ينص دستور 1996 في مادته 70 على انه يجسد رئيس الجمهورية رئيس الدولة ووحده الأمة وهو حامي الدستور ويجسد الدول داخل البلاد وخارجها له أن يخاطب الأمة مباشرة. وينتخب رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع العام المباشر والسري وبالأغلبية المطلقة .
أما بالنسبة لشروط ترشح رئيس الجمهورية فحددها دستور 1976 في المادة 107 كالتالي:
- أن يحمل الجنسية الجزائرية أصلا.
- أن يدين بالإسلام
- أن يكون قد بلغ 40 سنة
- أن يتمتع بكامل الحقوق المدنية والسياسية
أما المادة 73 من دستور 1996 حددت الشروط اللازمة للترشح لرئاسة الجمهورية حيث نجد أن الدستور يرفض ازدواجية الجنسية لرئيس الجمهورية وكذلك التجنس وان يثبت الجنسية الجزائرية لزوجه (هذا العنصر غاب في الدساتير السابقة)كما أضافت المادة 73 من نفس الدستور شرط المشاركة في ثورة أول نوفمبر 1954 للمولودين قبل جويلية 1942.
أما مدة الرئاسة حددت بموجب المادة 108 من دستور 76 بـ6 سنوات في حين تؤكد المادة 74 من دستور 96 على أن المهلة الرئاسية حددت ب 5 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة وهنا نجد ان دستور 76 أكثر صرامة في الشروط خلافا للدساتير السابقة ومن اختصاصات رئيس السلطة التنفيذية نجد أن الدستور خول لرئيس الجمهورية اختصاصات عديدة أهمها:
- إصدار القوانين جاء في المادة 117 من دستور 1989 "يصدر رئيس الجمهورية القانون في اجل ثلاثين يوما ابتداء من تسليم مهامه" فسلطته للإصدار مستمدة من الدستور وهذا الاتجاه يؤيده الفقه الحديث الذي يرى في الإصدار هو اضفاء صفة القانون على النص وان الإصدار لا ينشئ قاعدة إنما يلاحظها بإصدار مرسوم الإصدار ، والاصدار يتم في صيغة شكلية اساسها الاعتماد على الدستور وموافقة البرلمان وهو تعبير عن العلاقة بين السلطة التنفيذية بالسلطة التشريعية فإلى جانب اصدار القوانين خص رئيس الجمهورية بالنشر وسلطة التنظيم في المسائل غير المخصصة للقانون وسلطة التعيين وهي ضرورة ونتيجة منطقية إذ لا يمكن لرئيس الجمهورية تولي مهمة تنفيذ القوانين وسلطة التنظيم إلا إذا منحت له الوسائل الضرورية من بينها سلطة التعيين .
كما خول المشرع الدستوري لرئيس السلطة التنفيذية حق الاعتراض على نص تشريعي تمت الموافقة عليه من قبل المجلس الشعبي الوطني وهو افتراض مؤقت يهدف الى تعليق القانون إلى حين ويسـتوجب ذلك تسبيب الاعتراض من قبل رئيس الجمهورية بهدف الفات نظر نواب المجلس حول ما جاء في "النص التشريعي" أو لمخالفات مع توجهه السياسي أو القوانين المعمول بها ومن ثم فان رئيس الجمهورية يحيل المجلس الوطني الشعبي طلب اجراء مداولة ثانية في غضون 10 أيام التي تلي ابلاغه للنص التشريعي وعليه يبلغ رئيس المجلس النواب باعتراض الرئيس وبناء على ما تقدم يودع لدى اللجنة صاحبة الاختصاص ما اعترض عليه رئيس الجمهورية لمناقشته وتعديله.
ثانيا: رئيس الحكومة(الوزير الأول بعد التعديل الجزئي لدستور1996)
تنص المادة 144 من دستور 76 على انه تمارس الحكومة الوظيفة التنفيذية بقيادة رئيس الجمهورية ويعين أعضاء الحكومة. أما دستور 89 فقد حدد اختصاصات الحكومة ورئيس الحكومة كالآتي:
" يعين رئيس الجمهورية رئيس الحكومة وينهي مهامه" كما أن المادة 79 الفقرة 01 من دستور 1996 تشترط تقديم أعضاء الحكومة إلى رئيس الجمهورية لتعيينهم، وتسهر الحكومة على تنفيذ القوانين والتنظيمات وهي مسؤولية أمام البرلمان ومن حق رئيس الجمهورية إنهاء مهام الوزير الأول ويتبع باستقالة أعضاءها.
وعلى الرغم من عدم وجود أي قيد دستوري يحد من حرية رئيس الجمهورية في اختيار الوزير الأول إلا انه سياسيا وعمليا يراعي التوجه السياسي السائد واختيار الشعب وذلك لعدة أسباب أهمها.
ضمان الحصول على موافقة البرلمان على مخطط الوزير الأول الذي يتوقف استمرار بقاءه على مدى تجانسه مع الأغلبية البرلمانية.
أما فيما يتعلق باختيار الوزراء فقد جاء في المادة 75 من دستور 89 "يقدم رئيس الحكومة أعضاء حكومته الذين اختارهم لرئيس الجمهورية الذي يعينهم" وهنا مثلما تصعب مهمة رئيس الجمهورية في اختيار الوزير الأول الذي لا يتم تعيينه إلا بعد مشاورات واتصالات تصعب مهمة الوزير الأول في اختيار أعضاء حكومته التي تصبح ائتلافية.
ويمارس الوزير الاول زيادة عن السلطات التي تخولها إياه صراحة أحكام أخرى من الدستور الصلاحيات المنصوص عليها في المادة 85 من دستور 1996 المعدلة بالقانون 08/19 و المتضمن التعديل الدستوري.
المطلب الثالث: مظاهر استقلالية السلطة القضائية
يتضح لنا من نص الدستور 1976 أن القضاء اعتبر كوظيفة من وظائف الدولة إلى جانب الوظائف الأخرى أي أن الوظيفة القضائية غير مستقلة غير أن دستور 1989 جاء ليؤكد الصفة المستقلة للسلطة القضائية في مواجهة السلطتين التشريعية والتنفيذية لكون أن هذا الدستور اعتمد مبدأ الفصل بين السلطات.
و أخيرا دستور 1996 وانطلاق من المواد 138-139-148 نستنتج أنه كرس مبدأ الفصل بين السلطات و تبنى استقلال القضاء.
الفرع الأول: الاستقلال العضوي
أولا: القانون العضوي للقضاء.
يحدد القانون رقم 89/21 المتضمن القانون الأساسي للقضاء حقوق وواجبات القاضي وكذلك قواعد تنظيم سير المجلس الأعلى للقضاء بالإضافة إلى المرسوم التشريعي رقم 92/05 وهو يضع القواعد التي تتعلق بتعيين القاضي وحقوقه في نطاق ممارسة وظيفته وخارجها وينص على أن التعيين الأول للقاضي يتم بمرسوم رئاسي بناء على اقتراح من وزير العدل وبعد مداولة المجلس الأعلى للقضاء.
كما انشأ مجلس الدولة بموجب المادة 152/02 في الدستور وصدر القانون العضوي رقم 98/01 يتعلق باختصاصات مجلس الدولة وتنظيمه وعمله.

ثانيا: سلطة رئيس الجمهورية
وفي المجال القضائي نجد أن رئيس الجمهورية يرأس المجلس الأعلى للقضاء بناءا على نصوص من دستور 1996 والدساتير التي سبقته .
وإذا كان المجلس الأعلى للقضاء يقرر تعيين القضاة ونقلهم وسير سلمهم الوظيفي فان ذلك يكون بقيادة رئيس الجمهورية صاحب الاختصاص في تعيين القضاة بموجب مرسوم تنفيذي
كما اسند الدستور لرئيس الجمهورية حق إصدار العفو وتخفيض العقوبات أو استبدالها باعتباره القاضي الأول في البلاد في حين يبقى أن مرسوم العفو يتخذ بصفة استقلالية من قبل رئيس الجمهورية مما يجعله غير قابل للطعن إلا أن الرأي الراجح يعده عملا تشريعيا ذو طبيعة فردية لكونه يحلل المحكوم عليه من سلطة القانون الذي بموجبه عوقب مما يحول تصرف رئيس الجمهورية إلى عمل من أعمال السيادة غير قابل للطعن.
الفرع الثاني: الاستقلال الوظيفي
اولا: ازدواجية القضاء
إذا كان دستور 89 قد اخذ بوحدة القضاء واحدث من خلال تكريسه لمبدأ الفصل بين السلطات عدة تحولات عميقة في تنظيم مؤسسات الدولة.
فان دستور 28/11/96 قد أعاد تنظيمها بشكل محكم واعتنق مبدأ ازدواجية القضاء فنهج منهج المدرسة الفرنسية وذلك سعيا منه لإبعاد العدالة من تأثيرات السلطة السياسية. والهدف من أخذه بازدواجية القضاء من العمل على إرساء قواعد النظام القضائي الإداري إلى جانب القضاء العادي وهو امتياز جاء به هذا الدستور، كما يعود تبني دستور 96 الازدواجية القضائية لمبررات مختلفة أهمها أن مركز الإدارة متميز ومن ثم يجب أن يكون لها قانون ينسجم مع طبيعة نشاطها ويجب أن تخضع لجهات القضاء الإداري المستقل حيث تؤكد المادة 147 انه" لا يخضع القاضي إلا للقانون" فضمن الفصل الثالث من الدستور السلطة القضائية مستقلة وتمارس في إطار القانون وهذا لا يختلف عن مضمون المادة 129 من دستور 89
ثانيا: الوظيفة القضائية
لقد اعتبر دستور 63 القضاء والعدالة من مبادئ النظام واخذ بمفهوم السلطة في تنظيم هياكل الدولة في حين اخذ غيره من الدساتير الأخرى بالمفهوم الوظيفي واعتبر الوظيفة القضائية من الوظائف الأساسية الهامة في الدولة غير أن دستور 89 أعاد لها صفة السلطة و أدرجها في المرتبة الثالثة بعد السلطتين التنفيذية والتشريعية.
فنجد أن المجلس الأعلى للقضاء الذي يرأسه المسؤول الأول عن الجهاز التنفيذي يتولى الإشراف على عمل القضاة وحالاتهم الوظيفية والتأديبية بينما تختص المحكمة العليا بتقويم الأعمال القضائية لكل الجهات القضائية في البلاد بمعنى أنها الجهة الموحدة للاجتهاد القضائي.
كما تم استحداث مجلس الدولة كهيئة مقومة لاعمال الجهات القضائية الإدارية ومن ثم أصبح النظام القضائي مزدوج عادي و إداري ولذا ظهرت محاكم إدارية بعد ما كانت غرفا إدارية على مستوى المجالس.
ولمعالجة ظاهرة التنازع في الاختصاص بين القضاء الإداري والقضاء العادي استحدث المشرع الجزائري محكمة التنازع.
كما أنشئت محكمة عليا للدولة تتولى النظر في الجرائم المتعلقة بشخص رئيس الجمهورية و الوزير الأول كما أبقي دستور 96 على المجلس الدستوري الذي يختص بالنظر في مدى دستورية القوانين والتشريعات. عملا بمبدأ القانون فوق الجميع.
و يتبين لنا من خلال هذه النصوص القانونية أن هناك ضمانات أساسية الاستقلالية السلطة القضائية في أداء مهامها كما أن الحكم على مدى ديمقراطية النظام وسيادة القانون يتوقف على مكانة المؤسسة القضائية في الدولة ومدى كفاءتها.
المبحث الرابع: آثار التعديل الدستوري على المجتمع المدني والعمل السياسي
ظهر مفهوم "المجتمع المدني" مع نشوء الدولة القومية ونمو الرأسمالية الحديثة، وتمحور، آنذاك، حول مفهوم "المجتمع البرجوازي" (كما عند هيجل وماركس). لكن المفهوم اكتسب مدلولات جديدة مع تطور الدولة الحديثة، والتحولات في النظام الدولي، وتأثيرات العولمة الاقتصادية (الرأسمالية) والثورة في الاتصالات ونظم المعلومات. واكتسب المفهوم بعدا أيديولوجيا لربطه بالحركات التي شهدتها بلدان أوروبا الشرقية، في عقد الثمانينات، والتي توجهت نحو تقليص سيطرة الدولة على الاقتصاد والتشكيلات السياسية والحركات الاجتماعية والنقابات والاتحادات النقابية والمهنية.
وبعد انهيار المعسكر الاشتراكي والاتحاد السوفيتي مُنح المفهوم بعدا "تنمويا" من خلال منظمات الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. فقد باتت هذه المنظمات تنظر إلى "المجتمع المدني" باعتباره المجال الذي يتيح إشراك المواطنين في "التنمية البشرية المستدامة" بعد أن فشل التنمية في تحقيق التنمية في معظم دول العالم الثالث. وكان الدافع وراء إعطاء موقع خاص للمجتمع المدني في عملية "التنمية البشرية" تبني سياسة الخوصصة و"التكييف الهيكلي" – في إطار سيادة اقتصاد السوق – باعتبارها الأنجع للتنمية الاقتصادية. ومنح هذا بعدا جديدا لمفهوم "المجتمع المدني". فهذه السياسة التي روجت لها المؤسسات المالية الدولية، وخطاب "اللبرالية الجديدة" ركزت على حصر دور الدولة في تهيئة بيئة قانونية وبنية تحتية ملائمة لنمو القطاع الخاص باعتباره أداة التنمية الأساسية، مع توفير حد أدنى، بالمشاركة والتنسيق مع منظمات المجتمع المدني، من الرعاية الاجتماعية للفقراء. ودخلت لاحقا مفردات جديدة على خطاب التنمية خصت بالأساس منظمات المجتمع المدني كالمشاركة والتمكين. لقد منح المجتمع المدني وظيفة حماية الفرد من تعسف الدولة وسطوتها. أي منح بعدا واقيا وحاميا للفرد من تدخلات الدولة وتجاوزاتها.
ولقد دخل المجتمع المدني إلى الخطاب السياسي والفكري العربي من باب الحاجة للديمقراطية وحقوق الإنسان، أي من مدخل وضع المجتمع المدني في مواجهة الدولة (وطرح ثنائية المجتمع والدولة وعلاقة التنافر والاستبعاد بينهما)، وليس من مدخل إعادة تنظيم الدولة والمجتمع المدني باعتبارهما ركيزتين أساسيتين للمواطنة، ولإرساء أسس الديمقراطية السياسية والاجتماعية. فإعادة تنظيم الدولة على أساس فصل السلطات (التنفيذية والتشريعية والقضائية)، وتشريع حرية الرأي والتنظيم والتظاهر على أساس دستور يضمن الحريات المدنية أمور ضرورية لترسيخ المواطنة بما هي حقوق وواجبات. كما أن توسيع دور المجتمع المدني بما هو، بالأساس، أحزاب ونقابات وحركات اجتماعية تستند لحرية المواطن في التنظيم والدفاع عن مصالح ورؤى وانتماءات، هو المدخل لتكريس الديمقراطية كتجسيد لتعددية المصالح والرؤى في المجتمع وحق الأحزاب والقوى المختلفة في التنافس السلمي على السلطة ومن أجل التغيير السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي.
المطلب الأول: المجتمع المدني في الدساتير الجزائرية
تلعب مؤسسات المجتمع المدني من أحزاب ونقابات وجمعيات وروابط وتعاونيات دوراً فاعلا في تنمية المجتمع وتحقيق توازنه على كافة المستويات: محليةً ودولية، وفي عملية التغيير الاجتماعي والسياسي والثقافي من أجل إحلال ونشر وتعميم النماذج الرائدة في الممارسة الديمقراطية، فهي تشكل واسطة بين الفرد والدولة، حيث لا يستطيع الفرد مواجهة الدولة وتحقيق مصالحه إلا من خلال عضويته في أحد التنظيمات المجتمعية، هذا من جهة؛ ومن جهة ثانية يمكن لهذه المؤسسات أن تشكل في الوقت ذاته مدارس للتنشئة السياسية على الديمقراطية، إذ أنها تزود أعضاءها بقدر كافٍ من المهارات التنظيمية والسياسية، وتشبعهم بالثقافة السياسية التي لا يمكن الحصول عليها في الأسرة أو المدرسة أو مكان العمل.
لهذا بات من الضروري على بلدان الوطن العربي أن تعيد النظر في سياساتها تجاه مؤسسات المجتمع المدني من أجل مجتمع ديمقراطي حر ومستقل.
و الحديث عن مكانة المجتمع المدني في دساتير الجزائر المختلفة يتطلب منا تقسيم ذلك إلى فترتين، فترة ما قبل دستور 1989، وفترة ما بعد دستور 1989.
أما الفترة الأولى فنعني بها دستوري 1963 و1976، فالدستور الأول نشأ في ظروف داخلية تمتاز بالصراع والتناحر على السلطة وكيفية الاستيلاء عليها، فلعبت القوة العسكرية آنذاك دوراً في إعطاء الحزب الواحد مهمة قيادة الجماهير الشعبية ومراقبة سياسة الأمة. ولقد نص دستور 1963 على حق المواطن الجزائري وحريته في تأسيس الجمعيات والاجتماع في المادة 19. كما نص في المادة 20 على حقه النقابي ومشاركة العمال في تدبير المؤسسات، إلا أنه قيدها بالقانون وعدم استعمالها في المساس باستقلال الأمة وسلامة الأراضي الوطني والوحدة الوطنية ونظام الأحادية الحزبية .. الخ
ومقابل ذلك وخوفاً من أن تنشأ مؤسسات قد تهدد كيان السلطة الحاكمة والحزب الواحد، واستناداً إلى المادة 23 من دستور 1963 قامت السلطات الجزائرية بمنع تشكيل أحزاب سياسية معارضة.
ولما جاء دستور 1976 أكد هو أيضا وبشكل صريح على تبنيه لفكرة التنظيم السياسي الواحد، والذي ألحقت به ستة تنظيمات جماهيرية بارزة آنذاك وهي: الاتحاد العام للعمال الجزائريين، والمنظمة الوطنية للمجاهدين، والاتحاد الوطني للشبيبة لجزائرية، والاتحاد الوطني للفلاحين الجزائريين، والاتحاد الوطني للنساء الجزائريات، والتنظيمات العلمية والقافية والمهنية.جميع تلك المنظمات يمنحها الميثاق الوطني دوراً في المشاركة في حياة الأمة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، لكن مع خضوعها إدارياً وأيديولوجياً للحزب وتوجيهاته.
من كل ما سبق يمكن القول أنه وإن كان لتكوينات المجتمع المدني حضور في النص الدستوري لسنتي 1963 و1976 مع تنوع ميادين عملها إلا أن هيمنة فكرة الحزب الواحد عليها باعتباره الموجِّه والمراقب يقلل ويَعدم أحياناً فعالية وحيوية هذه المؤسسات المجتمعية، مما يجعلنا نصف مكانة المجتمع المدني في هذين الدستورين بمكانة قانونية وليست فعلية.
أما الفترة الثانية والتي نعني بها دستوري 1989 و1996؛ فلقد شكلت المصادقة على دستور 1989 منعطفاً قانونياً جذرياً أمضى رسمياً وقانونياً على شهادة وفاة الأحادية الحزبية والاحتكار السياسي، وبدأ بترسيخ الممارسة الديمقراطية على مستوى النصوص، بصياغة منظومة قانونية تسمح بالتعددية السياسية، والضمان لها بحرية التنظيم والتجمع والتعبير وإبداء الرأي.
لكن يمكننا أن نقر في هذا المقام، أن اعتماد دستور 1989 للنظام الليبرالي الحر والمعتنق للنمط الديمقراطي، والمتسم بتخلي الدولة عن كثير من مهامها الاقتصادية والاجتماعية؛ لم يكن نتيجة اختيار أو قناعة سياسية سابقة، وإنّما كان وراءه العديد من الأسباب والخلفيات وبضغط عدة عوامل ساعدت على التحرك في هذا الاتجاه الجديد.
إنّ دستور 1989 كان خطوة هامة في بناء صرح المجتمع المدني في الجزائر، فقد أقر حقوقاً اجتماعية للمواطن، وبعض الخدمات الاجتماعية والاقتصادية التي تقوم بها الدولة والمتوقفة على مقدرتها الاقتصادية (المادة 50،51،52)، وارتكز الدستور على أسس ديمقراطية بتكريس الملكية الخاصة (المادة 49) ومبادئ التنظيم الديمقراطي والعدالة الاجتماعية (المادة 14) وإقرار التعددية الحزبية (المادة 40) والنص على دور الجمعيات والأفراد في الدفاع عن الحقوق الأساسية للإنسان وعن الحريات الفردية والجماعية (المواد 32، 39) والمادة (53) التي تؤكد الحق النقابي وتعترف به لجميع المواطنين وتحميه بقوة القانون.
أما دستور 1996 فأول خاصية تلاحَظ عليه هي توسيعه لنطاق المجتمع المدني وجعله يحتوي على حيز ينبئ بالتغيير من أجل التطور، فقد جاء بمواد جديدة وأضاف تعديلات إلى مواد كانت موجودة في الدساتير السابقة وخاصة دستور 1989.إن نطاق المجتمع المدني الذي أراد أن يرسيه الدستور الحالي يتبين من خلال العديد من المواد التي تريد أن تكرس جملة من الأفكار أهمها: مراقبة الشعب لعمل السلطات العمومية من خلال المجالس المنتخبة(المادة 14/02)، ومشاركة المواطنين في تسيير الشؤون العمومية (المادة 16)، وضمان الدفاع عن الحقوق الأساسية للإنسان وعن الحريات الفردية والجماعية بواسطة الجمعيات سواء منها السياسية أو المدنية(المادة33)، وضمان إنشاء الجمعيات وحرية التعبير والاجتماع(المادة 41)، وضمان حق إنشاء الأحزاب السياسية في إطار القانون واحترام القيم والمكونات الأساسية للهوية الوطنية والوحدة الوطنية(المادة42)، وضمان الدولة.
تلك هي مجمل النصوص التي تحدد الإطار القانوني للمجتمع المدني، وبالتالي تحدد مكانة هذا المجتمع دستورياً وقانونياً، وهي بلا شك مكانة مرموقة، لا يبقى إلا استغلال كل الإمكانات والوسائل لتجسيد وتفعيل المجتمع المدني الذي أصبح أحد المتطلبات الأساسية في الدولة العصرية، مع الإقرار بوجود عدة عقبات أمام هذا الصرح القانوني ومحاولة تجسيده على أرض الواقع.
وتتمثل تنظيمات المجتمع المدني فيما يلي:
أولا: الأحزاب السياسية
يوجد الكثير من المفكرين الذين يستبعدون الأحزاب السياسية من مجموع القوى والعناصر التي يتشكل منها المجتمع المدني، لكن واقعيا يمكننا أن ندخل الأحزاب السياسية ضمن عناصر المجتمع المدني، ونعتبرها أحد أهم روافد المجتمع المدني لما تلعبه من أدوار حاسمة في صنع القرار السياسي، كما تعد الأحزاب السياسية في الجزائر جزء من التكاثر السريع للتنظيمات المدنية بها.
لقد جاء قانون الجمعيات السياسية الصادر في سنة 1989 بمثابة الحارس الذي يضمن التسيير الحسن والتنظيم الأمثل للحياة السياسية في الجزائر، فقد عرف المشرع الجزائري الحزب بأنه: "يهدف إلى المشاركة في الحياة السياسية بوسائل ديمقراطية وسلمية من خلال جمع مواطنين جزائريين حول برنامج سياسي دون ابتغاء هدف يدر ربحاً".
والملاحظ أن جل الأحزاب الجزائرية المتواجدة على الساحة السياسية لم تراعِ قيم التنافس والصراع السلمي والتنوع بين الذات والآخرين، وحق الآخرين في تكوين منظمات مجتمع مدني، بدليل أنه لم يتم التداول على قيادتها منذ أن كانت سرية، كما يلاحظ بأن الحزب ليس دائماً ظاهرة سياسية قابلة لأن تصنف في خانة المجتمع المدني، بل يمكن أن يكون الحزب جزءً من بنيان الدولة حتى ولو كان لا يشارك عملياً في السلطة، ويمكننا أن نلمس قيمة هذه الملاحظة كلما استحضرنا طبيعة الحياة السياسية في مجتمعات العالم الثالث.
ثانياً:التنظيمات النقابية:
لا يقتصر تعدد تشكيلات المجتمع المدني في الجزائر على الأحزاب السياسية، بل إن التنظيمات النقابية تشكل أحد أقوى التنظيمات المدنية فيها، فجميع الدساتير الصادرة في الجزائر منذ الاستقلال تضمن ممارسة الحق النقابي.
لكن ما يمكن تسجيله هنا، هو أنه بالرغم من هذا الاعتراف القانوني لحق الفعل النقابي وعلى رأسها الاتحاد العام للعمال الجزائريين، إلا أن التبعية لهذا التنظيم سابقاً للحزب الواحد ومن خلاله للسلطة لم يفتأ يلقي بظلاله عليه حتى في ظل الدستورين الأخيرين، وهو ما يقلل من فعالية هذا التنظيم في سبيل تحقيق أهدافه كإحدى أدوات المجتمع المدني التي تسعى إلى خدمته وصيانة حقوقه بعيدا عن ضغط السلطة. وهذا ماكان مدعاةً لبروز نقابات جديدة منافسة له أصبحت بمرور الوقت تكسب شعبية في صفوف العمال لنشاطها البارز مؤخراً في مجال المطالبة والعمل النقابي الذي يضمنه الدستور.
ثالثاً: الجمعيات المدنية:
تشكل الجمعيات المدنية بمختلف اتجاهاتها وتنوع نشاطاتها دعامة متينة من دعائم المجتمع المدني في الجزائر، حيث وصل عددها إلى 830 جمعية وطنية و75000 جمعية محلية معتمدة رسمياً، ويعتبر القانون رقم 90/31 المؤرخ في 4 ديسمبر 1990 الذي يحدد كيفية إنشاء وتسيير الجمعيات خطوة كبيرة في مجال الاعتراف بحرية العمل الجمعوي، إلى درجة أن وصف البعض هذا التطور السريع بالانفجار في المجال الجمعوي.
وتعرف الجمعية طبقاً لهذا القانون وفي المادة 02 منه بأنها: "اتفاقية تخضع للقوانين المعمول بها ويجتمع في إطارها أشخاص طبيعيون ومعنويون على أساس تعاقدي ولغرض غير مربح، كما يشتركون في تسخير معارفهم ووسائلهم لمدة محددة أو غير محددة من أجل ترقية الأنشطة ذات الطابع المهني والاجتماعي والعلمي والديني والتربوي والثقافي والرياضي على الخصوص".
وتختلف الجمعيات المدنية عن الجمعيات ذات الطابع السياسي، ويلزم المشرع بألا تكون هناك علاقة بين هذين النوعين من الجمعيات سواء من الناحية التنظيمية أوالهيكلية أو المساعدات المالية، لكن نرى أن هذا الأمر ينافي واقع الجمعيات في الجزائر، فالعرف عند هذه الجمعيات السياسية خاصة هو السعي إلى تأسيس جمعيات مدنية تكون وسيلة تعبوية وأحياناً كثيرة كوسيلة ضغط إذا ما كانت أهدافها مطالبية كالنقابات والتنظيمات الطلابية.
وهذا ما يسوقنا إلى واقع تنظيمات المجتمع المدني في الجزائر بشتى أطيافه، فالملاحظ يرى أنها تفتقد للمعايير التي يجب أن تسير عليها، وأفضل دليل على ذلك هو عدم استقرارها وكثرة الانقلابات والصراعات التي تشهدها معظم تلك التنظيمات، مما شكل عائقاً أمام نموها وتطورها، ضف إلى ذلك قضية التمويل والدعم التي جعلت من عملها كهيئات مستقلة عن السلطة أمراً غير ممكن، مما يقلل من فعاليتها في الحفاظ على حقوق الأفراد والجماعات أمام التعسف الذي قد يصادفونه منها.

رابعاً: الإعلام:
بمجرد صدور دستور 1989؛ الذي سمح بتأسيس الجمعيات السياسية وبحرية الصحافة وتنوعها (المادة39 منه) تدعّم الإعلام العمومي والجهوي بإصدارات جديدة ومتنوعة بتنوع الجمعيات السياسية الناشئة، وأصبح بالتالي مؤسسة ذات صبغة إعلامية ثقافية، وأضحت الهيئات الإعلامية بمثابة مكون آخر يدعم تشكيلات المجتمع المدني بأنواعه.
وسائل التعبير والتغيير المتاحة للمجتمع المدني
إنّ الدور الهام للمجتمع المدني في تعزيز وتوفير الشروط الضرورية لتعميق الممارسة الديمقراطية وتأكيد قيمها الأساسية ينبع من طبيعة المجتمع المدني، وما تقوم به منظماته من أدوار ووظائف فى المجتمع لتصبح بذلك بمثابة البنية التحتية للديمقراطية كنظام للحياة وأسلوب لتسيير المجتمع، وهي من ثم أفضل إطار للقيام بدورها كمدارس للتنشئة الديمقراطية والتدريب العملي على الممارسة الديمقراطية.
ولا يمكن تحقيق الديمقراطية السياسية فى أي مجتمع مالم تُصير منظمات المجتمع المدني ديمقراطية بالفعل باعتبارها البنية التحتية للديمقراطية فى المجتمع بما تضمه من أحزاب ونقابات وتعاونيات وجمعيات أهلية وروابط ومنظمات نسائية وشبابية.. الخ. حيث توفر هذه المؤسسات فى حياتها الداخلية فرصة كبيرة لتربية ملايين المواطنين ديمقراطيا، وتدريبهم عمليا لاكتساب الخبرة اللازمة للممارسة الديمقراطية فى المجتمع الأكبر بما تتيحه لعضويتها من مجالات واسعة للممارسة والتربية الديمقراطية.
إن في وجود مجتمع مدني حقيقي وفعال وسيلة لتقنين الصراعات داخل المجتمع ومن ثم تحقيق الأمن الاجتماعي والاستقرار السياسي، إذ أن العضوية في أحد المؤسسات يتيح للفرد الحماية عند انتهاك أحد أجهزة الدولة حقوقه. فهذه التنظيمات تقوم بعملية تقنين السلوك الاحتجاجي للأعضاء في مواجهة الدولة، وهذا ما يعرف بقيم إدارة الصراع الاجتماعي بشكل سلمي ومنظم، في حين أنّ الأمر خارج بيئة المجتمع المدني تتسم بالعدوانية والتصرف العشوائي الضار، والأفراد يفتقدون إلى القدرة على إيجاد حياة لأنفسهم يعتبرها الجميع ذات معنى وقيمة مستمرة.
إنّ الاعتراف القانوني والدستوري بالمجتمع المدني، صاحَبه أيضاً تنظيمٌ في طرق ووسائل التعبير والتغيير أيضاً، فالمجتمع المدني هو كيان يملأ الفراغ الذي يوجد بين المجتمع والدولة، ووسائل الاتصال بينهم هي أفضل الطرق لإسماع انشغالات ومطالب المجتمع، سواء لكسب التعاطف وتوعية الناس بمصالحهم، أو توجيه رسائل إلى المسؤولين للعمل على تصحيح الوضع القائم.
ويمكننا أن نجمل أهم طرق ووسائل التعبير والتغيير المتاحة للمجتمع المدني في الجزائر دستورياً وقانونياً - بغض النظر عما يفرضه قانون الطوارئ الصادر في 1992 عليها فيمايلي:
1* الاجتماع واللقاءات: وهذه الوسيلة مكفولة دستورياً من خلال المادة 41 من الدستور الجزائري. فمنظمات المجتمع المدني من خلال عقد الاجتماعات واللقاءات المفتوحة تستطيع أن تبلغ رسائلها وانشغالات المواطنين، وكذلك توعيتهم بمصالحهم ومشاكلهم التي يعيشونها.
2* العمل التوعوي والإرشادي: وهو من أهم وسائل مؤسسات المجتمع المدني للتواصل مع المجتمع وإيصال رسائلها إلى المسؤولين، وفي هذا الإطار نجد مثلا أن قانون الجمعيات 90/31 السابق الذكر قد نص في المادة 19 منه على أنه يمكن للجمعية أن تصدر وتوزع في إطار التشريع المعمول به نشريات ومجلات ووثائق إعلامية وكراسات لها علاقة بهدفها. كما أن لمنظمات المجتمع المدني الأخرى حرية التواصل مع وسائل الإعلام والنشر المختلفة وكذا تطوير مواقع الأنترنيت، كفضاءات إضافية لإيصال صوتها وإسماع انشغالات المجتمع من خلالها.
3* التواصل فيما بين منظمات المجتمع المدني: لا يوجد في نص القانون أية مادة تحظر على الجمعيات العمل بشكل جماعي حتى أن بعض الجمعيات في بعض الولايات نجدها تشكل اتحادات فيما بينها للعمل الجماعي، وهذا مايجعل منه وسيلة أخرى ذات جدوى لتفعيل نشاط الجمعية لإيصال صوتها والتعبير عن آمال المجتمع وآلامه. بل إن القانون قد أجاز مثلا للجمعيات ذات الطابع الوطني الانضمام إلى جمعيات دولية تنشد الأهداف نفسها أو الأهداف المماثلة مع شرط احترام الأحكام التشريعية والتنظيمية المعمول بها، مع أن هذا الانضمام يلزمه موافقة وزير الداخلية، وهذا ما تنص عليه المادة 21 من قانون الجمعيات الجزائري.
4* الإضراب والاعتصام والمقاطعة:وهي وسائل يمكن توصيفها بوسائل الضغط والاحتجاج، وعادة ما تلجأ إليها منظمات المجتمع المدني عندما تصل مراحل الحوار مع السلطة أو عدم جدوى الوسائل الأخرى في إيصال رسائلها أو التفاعل معها لإحداث التغيير اللازم، وهي وسائل محفوفة ببعض المخاطرة لذا عادة ما تعمد الدولة بعد الاعتراف بشرعيتها إلى تقييدها ببعض الشروط حتى لا تخرج عن الإطار المطالبي السلمي، لأن أغلب الصدامات التي تحدث تكون جراء انحراف هذا النوع من وسائل التعبير والتغيير عن أهدافه، أو تجاوز القائمين عليه للضوابط المشروعة لتنظيمه.
المطلب الثاني: التأثير المباشر وغير المباشر للمجتمع المدني في التعديلات الدستورية
من المهم في هذا المقام أن نقف عند التقرير السنوي الثاني الصادر عن " الشبكة العربية للمنظمات الأهلية " والذي يتناول تطورات القطاع الأهلي أو المدني خلال عام 2002. يقع هذا التقرير في 270 صفحة، ويغطي 16 دولة عربية، هي: الأردن، والإمارات العربية، والبحرين، وتونس، والجزائر، والسودان، وفلسطين، وقطر، والكويت، ولبنان، وليبيا، ومصر، وسوريا، والمغرب، وموريتانيا، واليمن. كما شارك في إعداد هذا التقرير حوالي 20 باحثًا وخبيرًا من المختصين في شؤون العمل الأهلي والمجتمع المدني العربي.
فنجد فيه أنه جرّاء التفاوت في مواقف السلطات المسيطرة في البلدان العربية، واستنادا إلى واقع التطورات التي رصدها التقرير بهذا الخصوص خلال عام 2002 فإنه يمكن التمييز بين ثلاث مجموعات من الدول العربية، تباينت مواقفها بين المرونة والتصلب فيما يتعلق بمسألة تغيير وتطوير قوانين العمل المدني على النحو الآتي :
أ- التغيير المحافظ: وقد حدث هذا النمط من التغيير بصدور تشريعات جديدة في كل من فلسطين واليمن والمغرب ومصر، على مدى السنوات: 2000، و2001، و2002. وبالرغم من نجاح ضغوط مؤسسات المجتمع المدني في تغيير الأطر القديمة واستصدار قوانين جديدة؛ فإن هذا التغيير جاء محملا بكثير من التحفظات -وفي بعض الأحيان القيود- التي من شأنها الحد من حرية عمل المنظمات غير الحكومية، واستمرار تعرضها للتدخلات الإدارية الحكومية في شئونها، وبخاصة فيما يتعلق بإجراءات التسجيل والإشهار، وحق الجهة الإدارية في حل الجمعيات، وممارسة رقابة صارمة على مصادر التمويل، وبخاصة المصادر الأجنبية بدوافع وتبريرات أمنية.
ب- الضغط من أجل التغيير: وهو ما شهدته بلدان مثل الأردن، والبحرين، والسودان، وموريتانيا، والكويت. ويتمثل الهدف الرئيسي للقوى المطالبة بالتغيير في ضرورة إعادة النظر في القوانين القديمة التي مضى على صدورها ما يقرب من 4 عقود، وإدخال التعديلات التي تتجاوب مع المستجدات التي شهدها المجتمع العربي في السنوات الأخيرة. ولم تصل هذه الضغوط إلى نتيجة محددة حتى نهاية عام 2002.
ج- السكون على الوضع القائم: وهذه الحالة هي التي شهدتها مجموعة أخرى من الدول التي تشهد بين الحين والآخر إجراء بعض التعديلات غير الجوهرية على القوانين القديمة، وتشمل هذه المجموعة دولا مثل: ليبيا (أدخلت عدة تعديلات كان آخرها سنة 2001)، وسوريا (لا يزال العمل فيها وفقًا لقانون 1958)، والإمارات (لا يزال العمل فيها وفقا لقانون 1974).
هذا بالنسبة لتأثير المجتمع المدني الذي أبرزه التقرير في تعديل القوانين والتشريعات العربية ذات العلاقة بالعمل المدني، مما يشير إلى الدور الذي يمكن أن يلعبه المجتمع المدني في التغيير السياسي.
لكن إلى أي مدى يمكن للمجتمع المدني أن يؤثر في التعديلات الدستورية سواء بطريق مباشر أو غير مباشر؟
إن الإجابة على هذا التساؤل قد يبدو صعباً بالنسبة لواقع المجتمعات العربية التي تتسم فيها الدولة بالنمطية المركزية في الحكم، والعلاقة المتوترة عادةً بين السلطة فيها وبين هيئات منظمات المجتمع المدني بشتى أطيافه.
لكن يمكننا أن نقر بأن المجتمع المدني قد يشارك بطريق غير مباشر في المراجعات والتعديلات الدستورية من خلال مشاركته الفعالة بالوسائل التعبيرية المتاحة له في النقاش الوطني الذي قد يفتحه عن قصد في اتجاه معين، من أجل لفت الأنظار إلى بعض النقائص أو الثغرات التي يراها تمس بمصالح وآمال المجتمع، وإن لزم الأمر إلى اللجوء إلى بعض وسائل الاحتجاج من خلال المساحات المتاحة قانونياً، ويمكننا هنا التمثيل بما حدث في المجتمعات والدول الغربية التي يعرف المجتمع المدني فيها نوعاً من النضج السياسي، كما حدث بالنسبة للجمعيات النسوية في مطالبتها بحقوقها المدنية والسياسية في العديد من الدول، وكذلك النشاط البارز للمنظمات المناهظة للعنصرية والتمييز العنصري التي كانت تطالب بتعديل الدساتير التي أجحفت في حق فئات من تلك المجتمعات.
أما في الدول العربية فيمكننا التمثيل بالجزائر كمثال للتأثير المباشر وغير المباشر لمنظمات المجتمع المدني في مراجعة وتعديل الدستور بشتى الطرق، وذلك من خلال نشاط منظمات المجتمع المدني التي تحركت مباشرة بعد أحداث 5 أكتوبر 1988 للمطالبة بشتى الوسائل المشروعة آنذاك لتعديل الدستور وفتح الميدان السياسي الذي كان منغلقاً على حزب واحد، وعدم التضييق على الأفراد وحماية حقوق الإنسان وحرية التعبير، وهذا ماحدث بالفعل، وكرسه دستور 1989.
وبعيدا عن كل الخلفيات السياسية و التوصيفات القبلية التي اصطبغت بها الأحداث التي عرفتها منطقة القبائل، وتجاوزاً لكل القراءات التي قد ترتبط بتحليل أهداف تلك الحركات التي تمتد تاريخياً منذ الاستقلال إلى غاية صدور دستور 1996، فإننا يمكن أن نقر بأن هذه التجربة أيضاً قد كان لها تأثيرٌ مباشرٌ وغير مباشر في العمل على إحداث تعديل دستوري مهم يخدم بعضاً من أهداف المجتمع المدني التي ناضل من أجل إرسائها، وهذا ما ترجمه التعديل الدستوري لسنة 1996، حيث وبالإضافة إلى الحيز الكبير الذي أقرّه بتوسيعه لنطاق المجتمع المدني وجعله يحتوي على مجالات أخرى تنبئ بالتغيير من أجل التطور؛ فإننا أيضا نلاحظ تغييراً حتى في ديباجة الدستور بخصوص موقع الأمازيغية كأحد المكونات الأساسية للهوية الجزائرية الثلاثية الأبعاد، وهي الإسلام والعروبة و الأمازيغية.
لكن بالرغم من كل ذلك فإننا يجب أن نقر بأننا لازلنا بعيدين عن مجتمع مدني فعال في الجزائر يرقى إلى طموحات الشعب في التغيير والتأثير في الساحة السياسية والاجتماعية، فمنذ صدور قانون الطوارئ لسنة 1992 والذي لا يزال ساري المفعول والعمل المدني أصبحت تتحكم فيه معايير أخرى بعيدة عن المعنى الحقيقي للمهام والأدوار التي يجب أن يلعبها كوسيط أساسي بين المجتمع والدولة.
ونعتقد أن هناك نية في تدارك الأمر من طرف السلطة في الجزائر، بدليل تضمين مادة دستورية على وجوب العمل على إنشاء الجمعيات والتشجيع على ازدهار الحركة الجمعوية في المادة 43 من الدستور، ولقد أسّست مؤخراً أكاديمية للمجتمع المدني بالجزائر تعمل على ترشيد العمل الجمعوي وتفعيله، والذي سيثمر مجهودها عن قريب في تأسيس أول معهد لتدريب قادة المجتمع المدني في الجزائر، والذي سيتولى مهمة تكوين مسؤولي الحركات الجمعوية والمكاتب التنفيذية وحتى رؤساء المجالس الشعبية البلدية في العديد من المجالات، إذ تشير إحصائيات خاصة بالأكاديمية أن 60 بالمئة من رؤساء الجمعيات مستواهم العلمي يتراوح بين السادسة ابتدائي والثالثة ثانوي، وأن 15 بالمئة منهم جامعيون يفتقدون للكفاءة والقدرة على تسيير الجمعيات، بينما يستعمل 25 بالمئة من رؤساء الجمعيات مناصبهم للحصول على مصالح شخصية وأموال يحولونها إلى رصيدهم الشخصي مما يطعن في مصداقية تلك الجمعيات.

المطلب الثاني:العمل السياسي في الجزائر
إن الحديث عن حرية العمل السياسي يقودنا إلى الحديث عن حرية العمل الحزبي، على اعتبار أن الحزب السياسي يمثل الإطار المنظم والمضبوط لأي نشاط سياسي تتحد فيه الأفكار والرؤى المنسجمة لبلورة برنامج يهدف من ورائه أصحابها إلى تولي السلطة. ويعرف الحزب (Le parti) حسب معجم Larousse على أنه مجموعة أشخاص تعارض مجموعة أشخاص أخرى في الأفكار، المصالح... . في حين عرفه بعض الفقه على أنه اتحاد مجموعة من الأفراد يبذلون جهودا مشتركة من أجل المصلحة الوطنية، بالاستناد إلى بعض المبادئ التي يعتنقونها. وعرفه الأستاذ B.CONSTANT (1816) على أنه اجتماع عدد من الناس يعتنقون العقيدة السياسية نفسها . كما عرف الحزب السياسي على أنه جماعة متحدة من الأفراد تعمل بمختلف الوسائل الديمقراطية للفوز بالحكم بقصد تنفيذ برنامج سياسي معين .
وعموما يمكن تعريف الأحزاب السياسية على أنها تنظيمات شعبية تستقطب الرأي العام و تستهدف تولي السلطة في الدولة . و يسمى الحزب بالسياسي لأنه يقوم بينه و بين الدولة تناغم وانسجام فيكرس نفسه للمصلحة العامة .
و قد وضع الأستاذ Joseph LaPalombara أربعة معايير لتمييز الحزب السياسي: الأول هو كون هذا التنظيم يتصف بالدوام، فتكون أهداف الحياة السياسية أسمى من أهداف مسيريه. و المعيار الثاني هو كون هذا التنظيم يتصف بالشمولية فيضمن وجود شبكة دائمة و كاملة للعلاقات بين مسيري الحزب وقاعدته الشعبية. و المعيار الثالث هو الرغبة المعلنة لممارسة السلطة. أما المعيار الأخير فهو الرغبة في البحث عن دعم شعبي.
و تتعدد الأنظمة الحزبية فنجد نظام الثنائية الحزبية(Le dualisme des partis) كما هو الحال مثلا بالنسبة للحزب الجمهوري و الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة الأمريكية. وهناك نظام تعدد الأحزاب (La multipartisme)، إضافة إلى نظام الحزب الواحد (Le parti unique) الذي ظهر في القرن العشرين كأحد الأنظمة الشمولية.
الفرع الأول: العمل السياسي قبل اقرار التعددية
و بالنسبة للجزائر فلم تعرف التعددية الحزبية إلا حديثا. فغداة الاستقلال اختارت القيادة السياسية نظام الحزب الواحد، و تجسد ذلك في المادة 23 من دستور سنة 1963 التي نصت على أن جبهة التحرير الوطني هو حزب الطليعة في الجزائر، فاستولت الجبهة على الحزب وعلى الدولة و كذا على الأمة. غير أن دستور سنة 1963 لم يعمر طويلا إذ سرعان ما تم إلغاؤه بسبب الأحداث التي عرفتها الجزائر نهاية سنة 1963. ثم جاء التصحيح الثوري في 19 جوان 1965 و تلاه صدور إعلان 10 جويلية 1965 الذي عزز من قبضة الحزب الواحد على الدولة. و لم يأت دستور سنة 1976 بجديد عندما نص في المادة 94 على أن النظام التأسيسي الجزائري يقوم على مبدأ الحزب الواحد.
غير أنه مع وفاة الرئيس الراحل هواري بومدين و خلافته بالرئيس الشاذلي بن جديد، بدأت ملامح الصراع تتجلى داخل الحزب بظهور جناح محافظ لنهج الراحل هواري بومدين وجناح إصلاحي كان يقوده الرئيس الشاذلي بن جديد . و قد أدت الإصلاحات التي باشرها هذا الأخير إلى تردي الأوضاع الاجتماعية، وانتهى الأمر باندلاع أحداث 05 أكتوبر 1988 والتي حاولت السلطة احتواءها بالإعلان عن موجتين من الإصلاحات، كانت إحداها تحويل الحزب إلى جبهة تضم مختلف الحساسيات التي يتكون منها المجتمع. لكن هذه المحاولات فشلت ولم تصمد أمام ضغط الشارع و تأثيرات الظرف الدولي، فحدثت القطيعة مع النظام الدستوري المنبثق عن دستور سنة 1976 و تم تبني دستور جديد في 23 فبراير 1989 باستفتاء شعبي وكرس لأول مرة في تاريخ الجزائر المستقلة نظام التعددية الحزبية.
الفرع الثاني: العمل السياسي في ظل دستور 1989
إن اختيار التعددية الحزبية كوسيلة لتنشيط و تفعيل الحياة السياسية، كان نتيجة لتبني نظام الديمقراطية اللبرالية الذي تم تدشينه من قبل الجزائر من خلال دستور 23 فبراير 1989 والذي نص في الفقرة الأولى من مادته الأربعين على أن حق إنشاء الجمعيات ذات الطابع السياسي معترف به .
ونظام التعددية السياسية هذا عدا عن كونه مجموعة مبادئ و قواعد و مجموعة آليات و مؤسسات، فهو يعد تيارا فكريا تدعمه فلسفة معينة تتمحور حول فكرة ترقية الفرد في كنف الجماعة و تقويم وجوده من خلال الدفاع والمحافظة على حقوقه وحرياته، كما أنه يعد من أهم أركان ودعائم فكرة دولة القانون. وينبني هذا النظام على عناصر قاعدية رئيسية هي:
• قيام التمثيل الشعبي على أساس انتخابات حرة.
• مبدأ الفصل بين السلطات يضمن رقابة البرلمان لأعمال الحكومة.
• تسلسل القواعد القانونية يحكمه مفهوم دولة القانون.
و لأن دستور سنة 1989 لم يفصل في كيفية ممارسة حق العمل السياسي كان لزاما على المشرع أن يتدخل في هذا الشأن، و بالفعل فلم يمض وقت طويل حتى صدر القانون 89/11 المؤرخ في 05 يوليو 1989 المتعلق بالجمعيات ذات الطابع السياسي، و الذي وضع الإطار العام لكيفية ممارسة هذا الحق بدءا من تحديد شروط التأسيس مرورا بالواجبات القانونية التي تحكم نشاط هذه الجمعيات، وانتهاء بضمانات الممارسة.

أولا: شروط تأسيس الجمعيات ذات الطابع السياسي في ظل قانون 89/ 11
لم ينص القانون 89/11 صراحة على تعريف محدد للجمعية ذات الطابع السياسي و اكتفى بالتركيز على الغاية المتوخاة منها، عندما نص على أن الجمعية ذات الطابع السياسي تستهدف جمع مواطنين جزائريين حول برنامج سياسي ابتغاء هدف لا يدر ربحا وسعيا للمشاركة في الحياة السياسية بوسائل ديمقراطية و سلمية . و الملاحظ أن القانون 89/11 لم يشترط لإنشاء الجمعيات ذات الطابع السياسي سوى تصريحا تأسيسيا، ويكون ذلك بإيداع ملف لدى الوزير المكلف بالداخلية يتضمن :
• طلب مصادق عليه يوقعه ثلاثة أعضاء مؤسسين تذكر فيه أسماء الأعضاء المؤسسين والمسيرين على المستوى الوطني و ألقابهم و أماكن ميلادهم ووظائفهم.
• ثلاث نسخ من القانون الأساسي يجب أن يشمل حسب المادة 13 على اسم الجمعية وأهدافها وتشكيل جهاز التداول و الهيئة التنفيذية و كيفيات انتخابها و تجديدها، ومدة العضوية فيها، التنظيم الداخلي والأحكام المالية.
• نسخ من شهادات ميلاد الأعضاء المؤسسين والمسيرين.
• نسخ من شهادة السوابق القضائية رقم ثلاثة (03) للأعضاء المؤسسين.
• شهادة جنسية الأعضاء المؤسسين و المسيرين.
• شهادة إقامة الأعضاء المؤسسين و المسيرين.
• اسم الجمعية و عنوان مقرها و كذا عنوان ممثلياتها الجهوية والمحلية.
و هكذا تبنى المشرع الجزائري نظام التصريح أو الإخطار وهو أخف القيود على الإطلاق، بحيث أن النشاط هنا يكون غير محظور ، لكن يتعين إخطار السلطة المختصة التي هي وزارة الداخلية هنا لكي تستطيع اتخاذ ما يلزم من إجراءات لحماية النظام العام. و يسمى نظام التصريح أو الإخطار بالنظام الردعي «Le régime répressif»، و هو يعكس الاتجاه الديمقراطي الحر و يمثل الرؤية الديمقراطية في تنظيم الحريات. و الإخطار نوعان: إخطار مقترن بحق الإدارة في الاعتراض، وهنا يقترب هذا الإجراء من نظام الترخيص. و إخطار غير مقترن بحق الإدارة في الاعتراض، وهذا يترتب عليه مزاولة الشخص لحريته دون انتظار موافقة من الإدارة. و من قراءة نص المادة 17 من القانون 89/11 يفهم منها أن المشرع مال لإعطاء وزارة الداخلية حق الاعتراض و ذلك عندما أتاح لمن في حال عدم نشر وصل إيداع الملف في الأجل المحدد رفع دعوى قضائية، و من المعلوم أن اللجوء إلى القضاء لا يكون إلا بصدد نزاع.
و تجدر الإشارة إلى أن أي تغيير في القيادة أو الإدارة أو في القانون الأساسي أو إنشاء ممثليات جهوية أو محلية جديدة يجب أن يصرح بذلك إلى وزارة الداخلية حسب نفس الأشكال، أي بتصريح إلى وزارة الداخلية وهذا خلال أجل شهر من قرار الهيئة المحدث للتغيير .
و علاوة على نظام التصريح نشير إلى تيسير المشرع للشروط الخاصة بعدد المؤسسين، حيث أن المادة 14 من القانون 89/11 تتطلب ألا يقل عدد المؤسسين والمسيرين عن خمسة عشر (15) عضوا فقط، تشترط فيهم بعض الشروط العامة و هي:
• الجنسية الأصلية أو المكتسبة منذ عشر سنوات على الأقل.
• أن يكون عمر المؤسس خمسا وعشرين (25) سنة على الأقل.
• أن يتمتع بحقوقه المدنية والسياسية ولم يسبق أن حكم عليه بجناية أو جنحة مخلة بالشرف.
• ألا يكون قد سبق له سلوك مضاد للثورة التحريرية.
• أن يكون مقيما في التراب الوطني.
لم يشترط القانون 89/11 توزيعا معينا للمؤسسين، مما يعني أنه يمكن تأسيس حزب سياسي بالشروط السابقة بعدد مؤسسين لا يقل عن خمسة عشر (15) عضوا قد ينتمون إلى منطقة جغرافية واحدة إن لم نقل من مدينة واحدة، أي تأسيس الحزب على أساس جهوي، وهو أمر أغفله المشرع بشكل ترك تناقضا مع نص المادة 05 من نفس القانون التي تمنع تأسيس جمعية ذات طابع سياسي على أساس جهوي !.
ثانيا: الالتزامات الملقاة على عاتق الجمعيات ذات الطابع السياسي
فبمقابل الشروط التأسيسية المخففة التي جاء بها قانون 89/11، نص هذا الأخير على بعض الالتزامات التي يتعين على الجمعيات ذات الطابع السياسي مراعاتها والتي من ضمنها ضرورة أن تساهم كل جمعية ذات طابع سياسي من خلال أهدافها في :
• المحافظة على الاستقلال الوطني و السلامة الترابية و الوحدة الوطنية و دعمها.
• دعم سيادة الشعب و احترام اختياراته الحرة.
• حماية النظام الجمهوري و الحريات الأساسية للمواطن.
• تدعيم و حماية الازدهار الاجتماعي والثقافي للأمة في إطار القيم الوطنية العربية الإسلامية.
• احترام التنظيم الديمقراطي.
• حماية الاقتصاد الوطني من كل أشكال التلاعب والاختلاس والاستحواذ أو المصادرة غير المشروعة.
و يجب عليها أيضا أن تمنع في برنامجها وأعمالها التعصب والتزمت و العنصرية و التحريض على العنف بكل أشكاله أو اللجوء إليه، وأن تستعمل اللغة العربية في ممارستها الرسمية. و كما سبقت الإشارة، لا يجوز لأي جمعية ذات طابع سياسي أن تبني تأسيسها وعملها على قاعدة أو على أهداف تتضمن الممارسات الطائفية والجهوية والإقطاعية والمحسوبية، إقامة علاقات الاستغلال و التبعية، السلوك المخالف للخلق الإسلامي و قيم ثورة نوفمبر، والأهم ألا تبني تأسيسها على أساس ديني فقط أو على أساس لغوي أو جهوي أو على أساس الانتماء إلى جنس أو عرق واحد أو إلى وضع مهني معين.
كما يمنع على الجمعية ذات الطابع السياسي التعاون أو ربط أية علاقات مع أي طرف أجنبي على قواعد تخالف أو تناقض أحكام الدستور والقوانين المعمول بها، أو قد تجعل من الجمعية فرعا لتجمع سياسي أجنبي. و هذا يدخل ضمن إطار حماية الأمن القومي للبلاد و ضمان استقلالية الجمعيات السياسية وعدم خضوعها لجهات أجنبية، حتى تعمل دون تأثير خارجي على تحقيق المصلحة العامة في البلاد .
و رغم أن النصوص واضحة في عدم جواز إنشاء جمعية ذات طابع سياسي على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جهوي، إلا أنه قد تم أنذلك اعتماد عشرة (10) جمعيات سياسية أعلنت نشأتها على أساس ديني وعقائدي . وهنا يطرح التساؤل عن السبب الذي حال دون تطبيق القانون على الجمعيات أثناء مراحل تأسيسها، مع العلم أن طول إجراءات التأسيس كفيل بإبراز هذا الأمر؟ ثم إن بعض الدول الديمقراطية المعروفة بعلمانيتها تتيح قيام الأحزاب على أساس ديني، و من أمثلتها الحزب المسيحي الديمقراطي في كل من ايطاليا و ألمانيا دون أن يؤثر ذلك على الديمقراطية في شيء .
ثالثا:الضمانات المكفولة لحرية العمل السياسي في ظل القانون 89/11
في مقابل الالتزامات التي نص عليها القانون 89/11، تم النص كذلك على جملة من الضمانات، وأولاها تسليم وزارة الداخلية للوصل بإيداع ملف تأسيس الجمعية التأسيسية. و خلال شهرين تتولى وزارة الداخلية رقابة المعلومات و صحة مضمون التصريحات الواردة في الملف التأسيسي، على أن تقوم خلال نفس الأجل بنشر وصل إيداع الملف في الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية. وهنا نجد بعض الغموض: فمن جهة تنص المادة 15 على ضرورة نشر الوصل خلال الشهرين المواليين لتاريخ إيداع الملف، ثم بعدها تنص المادة 16 على قيام السلطة المختصة ( التي هي وزارة الداخلية) بكل دراسة أو بحث أو تحقيق لازم لرقابة صحة مضمون التصريحات والاستماع إلى كل عضو. و هنا قد يطرح التساؤل: ماذا لو تم نشر الوصل في الجريدة الرسمية قبل انقضاء أجل الشهرين، ثم بعد ذلك ارتأت الإدارة ممارسة حقها في فحص ومراقبة الملف التأسيسي، و تبين لها وجود تحريف في المعلومات المصرح بها و هذا كله قبل انقضاء أجل الشهرين، هل يمكن لوزارة الداخلية سحب الوصل بنفس الإجراء إذا ثبت لديها وجود تحريف في المعلومات الواردة بالملف؟.
في الواقع هذه التساؤلات هي وليدة الصياغة غير الموفقة لنص المادة 16 من القانون 89/11. وكان من الأحرى لو تمت الصياغة مثلا كما يلي: " تقوم السلطة المعنية قبل نشر الوصل ( بدل عبارة : خلال الأجل المنصوص عليه في المادة 15 من هذا القانون) بكل دراسة أو بحث أو تحقيق...
و عموما فإن وضع أجل زمني للإدارة هو في حد ذاته ضمانة أساسية مادام ذلك يحول دون تعسف الإدارة و تماطلها عن نشر وصل إيداع الملف التأسيسي، خاصة وأن هذا الأخير يكتسي أهمية بالغة كون الجمعية السياسية تكتسب الشخصية المعنوية والأهلية القانونية من تاريخ ذلك النشر. و بالتالي يمكنها مباشرة نشاطاتها والحصول على مساعدات من الدولة و تلقي هبات و وصايا و كذا إصدار نشرية أو نشريات دورية...
و إضافة إلى هذه الضمانات الإدارية نجد ضمانات أخرى قضائية، ففي الحالة التي لا يتم فيها نشر وصل إيداع الملف التأسيسي في الجريدة الرسمية خلال أجل الشهرين من يوم إيداع الملف، تنص المادة 17 من القانون 89/11 على وجوب قيام وزير الداخلية برفع القضية إلى الغرفة الإدارية لمجلس قضاء الجزائر خلال الأيام الثمانية التي تسبق انتهاء هذا الأجل ( أي أجل الشهرين).
كما أن أي طلب من وزير الداخلية بتوقيف الجمعية أو حلها يجب أن يرفع إلى الغرفة الإدارية لمجلس قضاء الجزائر. وهذه ضمانة مهمة أيضا كون أن القانون وضع سلطة توقيف الجمعية أو حلها بيد القضاء وليس بيد الإدارة، و حدد حالات اللجوء إلى القضاء لتوقيف الجمعية و هي حالة الاستعجال أو حالة خطر يوشك أن يحل بالنظام العام أو خرق الجمعية للقوانين السارية، إذ على القاضي أن يتأكد من توافر هذه الحالات. والفصل في طلب التوقيف يكون وفق إجراءات الاستعجال في خلال الشهر الموالي لرفع القضية أمامه( أي أمام الغرفة الإدارية لمجلس قضاء الجزائر)، و يجوز استئناف القرار الصادر أمام الغرفة الإدارية للمحكمة العليا (الجهة الاستئنافية في المواد الإدارية سابقا) وفقا للقواعد العامة، أي في مدة 15 يوما من تاريخ تبليغ القرار. وعلى الغرفة أن تفصل في الاستئناف في مدة شهر تبدأ من يوم رفع الاستئناف. ولا تغني دعوى الاستعجال لغرض التوقيف التي يرفعها وزير الداخلية عن دعوى الموضوع التي قد يرفعها وزير الداخلية أمام الغرفة الإدارية لمجلس قضاء الجزائر بغرض حل الجمعية السياسية، و في هذه الحالة يتعين الفصل في هذه الدعوى خلال شهر من رفعها. و يكون القرار الصادر قابلا للاستئناف أمام الغرفة الإدارية للمحكمة العليا (مجلس الدولة حاليا) التي يتعين عليها البث فيه خلال أجل شهر كذلك من رفع القضية إليها. و قد لجأ وزير الداخلية إلى هذه الإجراءات لتوقيف أحد الأحزاب السياسية وهو حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ و ذلك على اثر الأحداث التي تلت وقف المسار الانتخابي في ديسمبر1991.


الفرع الثاني: العمل السياسي في دستور1996
أولا: شروط تأسيس الحزب السياسي وفقا للقانون الأمر 97/09
1- مرحلة التصريح التأسيسي
تتمثل هذه المرحلة في التصريح بتأسيس حزب سياسي بإيداع الأعضاء المؤسسين ملفا لدى الوزير المكلف بالداخلية مقابل وصل. و يجب أن يشتمل هذا الملف على :
• طلب تأسيس الحزب يوقعه ثلاثة أعضاء مؤسسين.
• تعهد يحرره ويوقعه خمسة وعشرون (25) عضوا مؤسسا على الأقل يقيمون في ثلث عدد ولايات الوطن على الأقل باحترام أحكام الدستور والقوانين المعمول بها، والتعهد بعقد المؤتمر التأسيسي للحزب في أجل أقصاه سنة واحدة ابتداء من نشر وصل التصريح في الجريدة الرسمية.
• مشروع القانون الأساسي للحزب السياسي في ثلاث نسخ، إضافة إلى مشروع تمهيدي للبرنامج السياسي.
• مستخرجات من عقود ميلاد الأعضاء المؤسسين و كذا مستخرج من صحيفة السوابق القضائية رقم 03 لهؤلاء الأعضاء و شهادات إقامتهم، إضافة إلى شهادات الجنسية الجزائرية الخاصة بهم.
• اسم الحزب و عنوان مقره وعناوين ممثلياته المحلية إن وجدت.
• شهادة تثبت عدم تورط مؤسس الحزب المولود قبل 1942 في أعمال ضد الثورة التحريرية.
و يشترط في العضو المؤسس أن يكون عمره خمسة وعشرون(25) سنة على الأقل، وأن يتمتع بكامل حقوقه المدنية والسياسية و لم يتم الحكم عليه بجناية أو جنحة مخلة بالشرف.
و يتولى وزير الداخلية مراقبة صحة المعلومات الواردة في ملف التصريح و ذلك في أجل ستين يوما من تاريخ إيداع الملف. و يمكنه أن يطلب تقديم أية وثيقة ناقصة و كذا تعويض أو سحب أي عضو لا تتوفر فيه الشروط القانونية. و إذا رأى أن شروط التأسيس المطلوبة قانونا لم تستوف، عليه أن يبلغ رفض التصريح التأسيسي بقرار معلل قبل انقضاء أجل الستين يوما، ويكون القرار قابلا للطعن فيه أمام القضاء. أما إذا لم يكن هناك ما يتطلب الرفض، يتولى الوزير المكلف بالداخلية نشر الوصل في الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية في أجل ستين (60) يوما الموالية لإيداع الملف. و يتعين التصريح لوزارة الداخلية بأي تغيير قد يطرأ على قائمة أعضاء قيادة وتسيير الحزب، أو قد يطرأ على قانونه الأساسي أوفي حال إنشاء هياكل محلية جديدة خلال شهر على الأكثر من تاريخ التغيير.
و خلافا للقانون 89/11 فإن إجراء نشر الوصل لا يترتب عليه تمتع الحزب بالشخصية القانونية ولا يخول سوى الحق في ممارسة أنشطة حزبية من أجل تمكين الأعضاء المؤسسين من تحضير الشروط اللازمة لعقد المؤتمر التأسيسي للحزب. و يجب أن يعقد هذا الأخير في حدود سنة من تاريخ نشر وصل التصريح التأسيسي، و إلا كان التصريح التأسيسي لاغيا. و يسقط بالتالي كل نشاط حزبي يمارسه الأعضاء المؤسسون تحت طائلة عقوبة الحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من 50.000 إلى 100.000 دج.
ولا ينعقد المؤتمر التأسيسي صحيحا إلا إذا كان يمثل خمسا و عشرين (25) ولاية على الأقل، و يجب أن يجمع بين أربعمائة (400) و خمسمائة (500) مؤتمر ينتخبهم ألفان و خمسمائة (2500) منخرط على الأقل يقيمون في خمس وعشرين (25) ولاية على الأقل، على ألا يقل عدد المؤتمرين عن ستة عشر (16) شخصا عن كل ولاية، و عدد المنخرطين عن مائة (100) من كل ولاية، و يجب أن يعقد المؤتمر في التراب الجزائري. و تثبت شروط صحة انعقاد المؤتمر التأسيسي بموجب محضر يحرره محضر قضائي أو موثق.
و جلي هنا أن قانون الأحزاب السياسية شدد من شروط التأسيس خلال هذه المرحلة على الرغم من أن مرحلة الاعتماد لم تبدأ بعد. بحيث أنه بعدما كان قانون 89/11 يشترط ألا يقل عدد المؤسسين والمسيرين عن خمسة عشر (15) عضوا فقط دون تحديد لتوزيعهم الجغرافي ، و دونما إشارة إلى عدد المؤتمرين أو المنخرطين ولا إلى عقد مؤتمر تأسيسي، نجد أن الأمر 97/09 رفع نصاب الأعضاء المؤسسين إلى خمس وعشرين (25) عضوا على الأقل يقيمون فعلا في ثلث ولايات الوطن، هذا إضافة إلى اشتراط عقد مؤتمر تأسيسي يحضره عدد معتبر من المنخرطين يمثلون خمسا وعشرين ولاية (25) على الأقل مع اشتراط نسبة معينة لا يجب أن ينزل عنها تمثيل كل ولاية.
و واضح هنا أن المشرع الجزائري حاول تلافي العيوب التي وقع فيها قانون 89/11 بحيث لا يتم تأسيس حزب سياسي على أساس جهوي. و مع ذلك يمكن القول أن عدد المؤتمرين أو المنخرطين الذي يتطلبه القانون مبالغ فيه نوعا ما بالنسبة لحزب لم يعتمد بعد ولا يزال برنامجه مجهولا للرأي العام. هذا إذا أضفنا إن الأمر 97/09 لم يذكر ما إذا كان المؤتمرون معفون من التصريح بالاجتماع أم لا ؟ لأنه في الحالة الأخيرة سيكون عليهم إيداع تصريح للإدارة الممثلة في الوالي أو من ينوب عنه( حسب الحالة) ، وفق ما تنص عليه المادة الخامسة من القانون 89/28 المتعلق بالاجتماعات والمظاهرات العمومية المعدل والمتمم بالقانون 91/19، مع العلم أن المادة 06 مكرر من هذا القانون تتيح للوالي أو من يفوضه منع الاجتماع إذا تبين جليا أن القصد الحقيقي من الاجتماع يشكل خطرا على حفظ النظام العام. وواضح هنا أن الإدارة تتمتع بسلطة تقديرية واسعة تتيح لها وأد الحزب السياسي في مهده وهذا بمنع عقد مؤتمره التأسيسي بحجة الحفاظ على النظام العام.
2- مرحلة طلب الاعتماد
فبعد استنفاذ إجراء التصريح التأسيسي وعقد المؤتمر التأسيسي في آجاله القانونية، فلا يتبقى أمام الحزب السياسي ليرى النور إلا الحصول على اعتماد من قبل وزارة الداخلية، و يكون ذلك بإيداع ملف طلب اعتماد لدى الوزارة المذكورة في ظرف خمسة عشر (15) يوما الموالية لانعقاد المؤتمر التأسيسي للحزب. وهنا قد يطرح التساؤل: ماذا لو استمر المؤتمر لعدة أيام ؟ و ماذا لو لم يتوصل المؤتمرون إلى تشكيل هياكل الحزب ووضع نظامه الداخلي إلا بعد اجتماع تجاوز أجل الخمسة عشر يوما ؟ فابتداء من أي يوم تحسب مهلة الخمسة عشر يوما لتقديم طلب الاعتماد ؟ لأنه إذا سلمنا هنا بحساب هذه المهلة من تاريخ الانعقاد فهذا يعني سقوط أجل تقديم طلب الاعتماد وبالتالي عدم حصوله على الاعتماد من قبل الإدارة. وعليه فإن هذا الغموض قد يتسبب في التقييد على حرية تأسيس الحزب . و كان الأحرى النص على احتساب الأجل من يوم اختتام المؤتمر والذي يثبت من تاريخ تحرير المحضر من قبل الموثق أو المحضر القضائي الذي يحضر أشغال المؤتمر التأسيسي. كما أن القانون لم يحدد لنا حالة انقضاء أجل الخمسة عشر يوما دون تقديم طلب الاعتماد، هل يترتب على ذلك بطلان جميع الإجراءات السابقة والمتمثلة في التصريح التأسيسي وعقد المؤتمر التأسيسي ؟ وبالتالي إعادة إجراءات تأسيس الحزب كلها من البداية وهذا أمر غير معقول، أم أن الأمر يقتصر على بطلان الإجراء الأخير المتمثل في المؤتمر التأسيسي، وبالتالي يتعين إعادة عقد المؤتمر التأسيسي فقط و تقديم طلب الاعتماد من جديد في الآجال القانونية وهو ما لم يحدده القانون !.
و يتكون ملف طلب الاعتماد من الوثائق التالية :
• نسخة من محضر عقد المؤتمر.
• القانون الأساسي للحزب في ثلاث نسخ.
• برنامج الحزب في ثلاث نسخ.
• تشكيلة الهيئة المداولة.
• تشكيلة الهيئتين التنفيذية و القيادية.
• النظام الداخلي للحزب.
هذا إضافة إلى الوثائق المتعلقة بشهادات ميلاد المؤسسين و جنسيتهم الجزائرية وكذا مستخرج من صحيفة السوابق العدلية رقم 03. و هنا نتساءل لماذا يلزم المؤسسون بتقديم وثائق سبق لهم تقديمها أثناء قيامهم بالتصريح التأسيسي لذات الجهة الإدارية ؟
كما نلاحظ أن قانون الأحزاب السياسية الجزائري يشترط تقديم طلب الاعتماد إلى وزارة الداخلية، وإذا علمنا السلطة التقديرية الواسعة المخولة لهذه الأخيرة والثغرات القانونية والغموض الذي يعتري بعض أحكام الأمر 97/09، يمكننا استنتاج مدى السلطة التي يتمتع بها وزير الداخلية لتقييد إنشاء الحزب السياسي. و بالمقابل و رغم أنه يعتمد نظام الترخيص هو الآخر فقد كان قانون الأحزاب السياسية المصري أكثر توفيقا عندما أناط بموجب القانون رقم 40 لسنة 1977 المعدل و المتمم سلطة منح الاعتماد إلى لجنة شؤون الأحزاب، وتتشكل هذه الأخيرة من:
• رئيس مجلس الشورى رئيسا، و عند غيابه يخلفه أحد وكيلي المجلس.
• وزير العدل.
• وزير الداخلية.
• وزير الدولة لشؤون مجلس الشعب.
• ثلاثة من غير المنتمين إلى أي حزب سياسي من بين رؤساء الهيئات القضائية السابقين أو نوابهم أو وكلائهم يتم اختيارهم بقرار من رئيس الجمهورية .
و نلاحظ هنا أن المشرع المصري حاول إيجاد قدر من التوازن في تشكيل هذه اللجنة درءا لتعسف الإدارة، بحيث نص على تمثيل السلطة التشريعية في شخص رئيس مجلس الشورى، و على تمثيل الإدارة في شخص وزير العدل و وزير الداخلية ووزير الدولة لشؤون مجلس الشعب، كما نص على تمثيل السلطة القضائية في شخص ثلاثة من بين رؤساء الهيئات القضائية السابقين أو نوابهم. بمعنى أنه حرص على تمثيل السلطات الثلاث في الدولة لضمان أكبر قدر من التوازن والشفافية لعمل هذه اللجنة.
و على الرغم من توجيه بعض الفقه المصري لانتقادات لتشكيل هذه اللجنة على أساس أنها ( حسبهم) تطغى عليها سلطة الإدارة، و هذا بسبب رجحان تمثيل الحكومة على تشكيلتها .إلا أنه و رغم ذلك يتعين الإقرار بإيجابية القانون المصري في هذه النقطة مقارنة بالقانون الجزائري الذي يمنح سلطة الاعتماد للإدارة بصورة مطلقة.
المطلب الثاني: الالتزامات القانونية الملقاة على عاتق الحزب السياسي
علاوة على الشروط التأسيسية التقييدية التي جاء بها الأمر 97/09 المتضمن القانون العضوي المتعلق بالأحزاب السياسية، فقد أدرج هذا القانون العديد من الالتزامات التي تحكم نشاطها والتي من ضمنها الامتثال للمبادئ والأهداف الآتية :
• احترام و تجسيد مبادئ ثورة أول نوفمبر 1954.
• نبذ العنف و الإكراه كوسيلة للتعبير و/أو العمل السياسي أو الوصول إلى السلطة و/أو البقاء فيها والتنديد به.
• احترام الحريات الفردية و الجماعية واحترام حقوق الإنسان.
• توطيد الوحدة الوطنية.
• الحفاظ على السيادة الوطنية.
• الحفاظ على أمن التراب الوطني وسلامته واستقلال البلاد.
• التمسك بالديمقراطية في إطار احترام القيم الوطنية و تبني التعددية السياسية.
• احترام الطابع الديمقراطي والجمهوري للدولة، و كذا التداول على السلطة عن طريق الاختيار الحر للشعب الجزائري.
و يجب على الحزب السياسي أن يستعمل اللغة الوطنية والرسمية في نشاطه الرسمي. و لا يجوز أن يبني تأسيسه أو عمله على قاعدة أو أهداف تتضمن الممارسات الطائفية و الجهوية و الإقطاعية والمحسوبية أو مخالفة للخلق الإسلامي و الهوية الوطنية و رموز الجمهورية و كذا قيم ثورة أول نوفمبر 1954، ولا على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جنسي أو مهني أو جهوي. و يمنع عل الحزب السياسي تحويل وسائله لغرض إقامة تنظيم عسكري أو شبه عسكري أو المساس بالأمن و النظام العام. كما يمنع عليه ربط أية علاقة مع أي طرف أجنبي على قواعد تخالف أحكام الدستور و القوانين المعمول بها أو تلقي أي دعم مالي أو مادي سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة من جهة أجنبية، أو ربط علاقة من شأنها أن تعطيه شكل فرع أو جمعية أو تجمع سياسي أجنبي، وتبعا لذلك يتعين عليه أن يمسك حسابا بالقيد المزدوج لأملاكه المنقولة و تقديمها سنويا إلى الإدارة المختصة و تبرير مصدر موارده المالية . و يحظر على الحزب أيضا إقامة علاقة عضوية أو تبعية أو علاقة ولاء مع نقابة أو جمعية أو أية منظمة مدنية أخرى.
كما لا يجوز لأي حزب سياسي أن يختار لنفسه اسما أو رمزا أو علامة أخرى يملكها حزب أو منظمة تسبقه في الوجود، أو ملكتها حركة من قبل و كان عملها مخالفا لمصالح الأمة و مبادئ الثورة التحريرية .
و جلي هنا أن المشرع الجزائري أخذ العبرة من الأحداث الأليمة التي عرفتها البلاد مطلع التسعينات عقب وقف المسار الانتخابي و قيام بعض الأحزاب أنذلك على أساس ديني وعرقي أو جهوي فحرص المشرع على سد الثغرات التي ميزت القانون 89/11. بل إن المادة التاسعة التي تمنع استعمال الحزب لتسمية أو رمز كان من قبل ملكا لحركة كان سلوكها مخالفا لمصالح الأمة، إنما يفهم منه إلغاء أية إمكانية مستقبلا لعودة الحزب المنحل باسمه السابق و بتشكيلة جديدة.
و نتيجة لهذا كله كان على الأحزاب النشطة على الساحة السياسية أن تتكيف مع أحكام القانون الجديد، فتقلص عدد الأحزاب السياسية نتيجة لعدم تمكن البعض منها من توفير الشروط القانونية، وغير البعض الآخر تسميته كحركة المجتمع الإسلامي التي غيرت تسميتها إلى حركة مجتمع السلم.

خاتمـة
من خلال دراستنا لموضوع التعديل الدستوري في الجزائر و الذي تناولنا في فصله الأول النظام القانوني للتعديل الدستوري في الجزائر و تعرضنا لتعريف التعديل الدستوري و بيان أهميته ثم تناولنا إجراءات التعديل الدستوري و بيان أهميته و من ثم إجراءات التعديل الدستوري من خلال دراسة مقارنة بين دساتير (1963-1976-1989-1996). ثم تطرقنا للصياغة القانونية للتعديل الدستوري بنوع من التفصيل نظرا للأهمية التي تكتسيها الوثيقة الدستورية أما في الفصل الثاني تناولنا آثار التعديل الدستوري على النظام السياسي في الجزائر، و تعرضنا لمضمون التعديلات التي عرفتها الدساتير الجزائرية ثم آثار هذه التعديلات على الحقوق و الحريات العامة و على مبدأ الفصل بين السلطات و أخيرا آثار التعديل على المجتمع المدني و العمل السياسي في الجزائر.
و من خلال هذه الدراسة نصل إلى التوصيات التالية:
1. فيما يخص المبادرة باقتراح التعديل الدستوري، ما يلاحظ هنا أن دستور 1963 لا يشترط سوى أغلبية مطلقة لأعضاء المجلس الوطني، أما دستور 1996 طبقا للمادة 177 منه، يشترط توفر 3 ثلاثة أرباع أعضاء غرفتي البرلمان مجتمعتين معا، و هذا يعني أنه من الصعب جدا على البرلمان الجزائري أن يتقدم باقتراح التعديل، بل قد يستحيل ذلك عند قراءة الفقرة الأخيرة من المادة المذكورة سابقا و التي تشترط عرض التعديل على رئيس الجمهورية الذي يمكن أن يطرحه على الاستفتاء فالمبادرة بعرض التعديل على الشعب لاستفتاء تبقى رهينة قبول رئيس الجمهورية.
2. ضبط الصياغة القانونية للوثيقة الدستورية و ذلك بإعادة صياغة جل المواد التي تفتقر للصياغة القانونية بالمعنى الفني.
3. احترام سمو القواعد الدستورية و يكون ذلك بأن يتم إقرار التعديل بالأغلبية المطلقة، فلا يمكن أن نساوي بين القواعد الدستورية و القوانين العضوية من حيث النصاب.
4. ضبط التوازن بين السلطات فالجزائر كما هو واضح متأثرة بالنظام البرلماني حيث تمنح صلاحيات واسعة على حساب البرلمان فحق الحل مثلا و الذي هو أهم الآليات التي تلجأ الحكومة إليه في النظام البرلماني للضغط على السلطة التشريعية و هو كذلك أحد أدوات إيجاد التوازن و المساواة بين السلطتين التشريعية و التنفيذية. لأنه يقابل مسؤولية الحكومة أمام البرلمان، مسؤولية فردية و تضامنية، لكن في النظام الدستوري الجزائري فقد منح حق الحل لرئيس الجمهورية بدل الحكومة و هذا يزيد في قوة ردع المعارضة في البرلمان حتى لا تفكر في سحب الثقة من الحكومة أو الضغط عليها لتقديم استقالتها. و في نفس الوقت فالرئيس ليس مسؤولا أمام البرلمان و إنما الحكومة هي المسؤولة أمام البرلمان.
فهذا يبين الاختلال الواضح في التوازن لصالح السلطة التنفيذية (الرئيس) و بالنتيجة فان ثنائية الجهاز التنفيذي الذي استحدثه النظام الجزائري تأثرا بالنظام البرلماني أو بالنظام المختلط (شبه رئاسي برلماني) لا يهدف إلى إيجاد التوازن بين السلطتين و إنما أصبح وسيلة لعرقلة عمل السلطة التشريعية، بل و عمل الحكومة في نفس الوقت.
و يتوجب احترام مبدأ تعيين الوزير الأول من الحزب الفائز بالأغلبية و عند عدم توافر الأغلبية البرلمانية يعين الرئيس شخصا محل ثقة من أغلبية أعضاء البرلمان، و هذا يجسد الاختيار الحقيقي للشعب و يمثل فعلا رغبة الرأي العام في المجتمع.
و ينبغي أيضا تبني فكرة التوقيع المجاور للوزير الأول و للوزير المعني إلى جانب توقيع رئيس الجمهورية على المراسيم و القرارات لأنه لا يعقل أن يمارس الرئيس كل تلك الصلاحيات الممنوحة له دستوريا دون مسائلة.
5. منح صلاحيات أوسع للوزير الأول في المجالات التنظيمية لكي يتمكن من تطبيق برنامجه السياسي بكل حرية.
6. منح صلاحيات واسعة للجان البرلمان في التحقيق و التحري و مراقبة كيفيات استعمال الموارد المالية من قبل السلطة التنفيذية.
7. التخفيف من صلاحيات مجلس الأمة و تحويله إلى هيئة علمية عليا بدل هيئة للعرقلة و تكرار العمل التشريعي، حيث تقوم هذه الهيئة بفحص مدى ملائمة و مشروعية القوانين و ضبط صياغتها القانونية و مضمونها قبل تقديمها للسلطة التنفيذية بعد المصادقة عليها من قبل المجلس الشعبي الوطني.
8. فيما يخص سلطات الرئيس في الحالة الاستثنائية لابد من وضع ضوابط دستورية دقيقة لاستعمال هذا المجال حتى لا تحدث تجاوزات تمس بحقوق و حريات الأفراد.
9. إلغاء نظام الدورتين للبرلمان و تعويضه بنظام الدورة الواحدة و يستلزم ذلك إلغاء سلطة التشريع بأوامر بين دورتي البرلمان.
10. فيما يخص المادة 74 من الدستور الجزائري لعام 1996 و التي أصبحت بمقتضاها المدة الرئاسية مفتوحة فان الحكمة لا تكمن في تعديل هذه المادة من الدستور و التي تعتبر مكسبا ديمقراطيا إضافيا للمجتمع و إنما يمكن التفكير في الحلول العملية الاستثنائية في الأحكام الانتقالية في الدستور و بالتشاور مع الفعاليات السياسية.
11. في مجال الحقوق و الحريات العامة يجب تضمين الدستور الجزائري للرقابة القضائية على عملية الانتخابات.
12. فيما يخص المجتمع المدني فانه من الضروري على الدولة الجزائرية أن تملأ الفراغ الحاصل بينها و بين المجتمع المدني ذلك أن هذا الأخير يلعب دورا هاما و فعالا في صنع التغيير الاجتماعي و السياسي، و في الاتجاه الذي يؤدي إلى تصعيد مستوى الوعي السياسي و العمل على بناء الدولة الجزائرية من الباطن.
13.على المشرع الدستوري الجزائري أن يصدر القانون العضوي الخاص بالمحكمة العليا للدولة، و إصدار قانون خاص ينظم إجراءات اتهام و متابعة الوزراء و الشخصيات العامة في الدولة.
14. إعادة الاعتبار للسلطة التشريعية و إعطاءها مكانة في النظام الدستوري الجزائري.
15. فيما يخص العمل السياسي فلابد من مراجعة قانون الأحزاب السياسية و الحد من القيود المفروضة على العمل السياسي، بتوفير ضمانات لامتثال الإدارة للقانون.

hadia369
2011-10-03, 11:07
القانون الدستوري
المبحث الأول مفهوم القانون لدستوري :
مفهوم القانون بوجه عام :
تعـريف القانـون :.
للقانون مدلولات عديدة ومتنوعة فقد يقصد بالقانون كل قاعدة مطردة مستقرة ، يفهم منها نتائج معينة وهذا هو المقصود العام للقانون، وهو لفظ يستعمل في المجالات المختلفة ، العلمية والرياضية ، والاقتصادية ، والاجتماعية كأن يقال قانون (الطفو) أو قانون (الجاذبية) أو قانون (العرض والطلب) …إلخ.وقد يقصد بالقانون بمجموعة القواعد القانونية التي تصدرها السلطة التشريعية، يقصد تنظيم مسألة معينة مثالها ، قانون الوظيفة العامة ، الذي يبين كيفية تعيين الموظف وترقيته ، وعزله وإحالته إلى التقاعد ، أو قانون تنظيم الجامعات أو المحاماة .
وقد يقصد بالقانون كذلك لتدليل على فرع معين من فروع القانون، فيقال على سبيل المثال القانون المدني ،أو القانون التجاري ،أو قانون تنظيم الجامعات ، أو المحاماة.و قد يقصد بالقانون أخيرا ، بأنه مجموعة القواعد القانونية التي تحكم سلوك الأفراد في المجتمع ، و التي يتعين عليهم الخضوع لها و لو جبرا اذا اقتضى لأمر ذلك.في الواقع أننا لا يمكن إعتماد المدلول الأول للقانون ، على أساس أن هذا المدلول لا ينطبق إلا على الظواهر الطبيعية كما رأينا عند وضعه ، و الأمر كذلك ، بالنسبة للمدلول الثاني على أساس أن التشريع الذي تضعه السلطة التشريعية لتنظيم مسألة معينة ليس إلا مصدر من مصادر القانون ، مع أن للقانون مصادر عديدة كما و أن لا يعرف بمصادره التي يستقي منها قواعده.

تعريف القانون الدستوري :
و هو مجموعة القواعد التي تحدد طبيعة نظام الحكم في الدولة ، و تبين السلطات العامة فيها و اختصاص كل منها و علاقاتها مع بعضها البعض، كما تبين حقوق الأفراد السياسية و ما يجب لحرياتهم من ضمانات . و يعتبر القانون الدستوري في طليعة فروع القانون العام الداخلي فهو أساس كل تنظيم في الدولة ، حيث يضع الأسس التي تقوم عليها الدولة ، وعلى هذا فإنه لا يجوز مخالفة هذا القانون بقانون آخر يصدر داخل الدولة ، لأن كل القوانين الأخرى أقل منه في المرتبة

أهمية القانون الدستوري :
إذا كانت الدولة تهتم بالتوفيق بين الحرية و المصلحة العامة فإن مهمة القانون الدستوري هي تنظم التعايش السلمي بين السلطة و الحرية في إطار الدولة و هذا لن يأتي إلا بالتوفيق بين فردية الإنسان و أنانيته التي تبين حقوق الفرد و حرياته وواجبات الدولة إتجاه الجماعة حتى أن الأستاذ (بريلو) يقول بأن القانون الدستوري أداة السلطة أو تقنية السلطة . فالقانون الدستوري حسب وجهة نظره هو ظاهرة السلطة العامة في مظاهرها القانونية .

الهدف من القانون الدستوري

المسائل التي ينظمها القانون الدستوري :
من التعريف السابق للقانون الدستوري ، يتبين أن المسائل التي ينظمها و يعتني في تحديد أحكامها هي

أولا:- يبين نظام الدولة السياسي ، ملكية أم جمهورية ، ديمقراطية أم دكتاتورية نيابية أم غير نيابية ، بسيطة أم اتحادية إلخ

ثانيا :- يبين السلطات العامة في الدولة السلطة القضائية السلطة التشريعية و السلطة التنفيذية و يبين الهيئات التي تباشرها فالسلطة القضائية تقوم بها المحاكم و المجالس القضائية على نطاق الولايات في الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية ، و المجلس الأعلى الذي يقوم مقام محكمة النقض و مركزه الجزائر العاصمة أمالا السلطة التشريعية فيقوم بها المجلس الوطني الشعبي أما السلطة التنفيذية فيقوم بها رئيس الجمهورية و يعاونه في ذلك الوزراء كما يبين القانون الدستوري في هذا الخصوص علاقات السلطة العامة بعضها مع بعض ، و يبين ما إذا كانت هذه السلطات منفصلة عن بعضها أم أن لكل سلطة منها الحق بالتدخل في نشاط السلطتين الأخيرتين و ما حدود هذا التدخل

ثالثا : - و يحدد القانون الدستوري حقوق الأفراد في الدولة و كما يقرر الحريات التي يتمتع بها كل فرد، و ترجع هذه الحقوق و هذه الحريات إلى حقين جوهريين الحرية و المساواة فالحرية تشمل الحرية في التملك ، الدين و العقيدة ، السكن، و الحرية الشخصية، و التعليم ، أما المساواة فهي تتضمن المساواة في الحقوق و الواجبات ، أي المساواة في ما تخوله الدولة من مزايا و تكاليف كالمساواة في تولي الوظائف العامة وواجب أداء الخدمة الوطنية أو أداء الضرائب

أنواع الدساتير :
تنقسم الدساتير من حيث المصدر الذي تخرج منه ، إلى قسمين :

القسم الأول : عندما يكون الدستور منحة من الحاكم أو السلطات إلى شعبه ، ينزل فيه عن بعض سلطاته للشعب ،

و القسم الثاني عندما يصدر الدستور عن الشعب ، أي يكون الشعب هو مصدر الدستور ، وهذا هو ما تم بالنسبة للدستور الجمهورية الجزائرية الشعبية الجديد عندما طرح للإستفتاء على الدستور.

و تنقسم الدساتير كذلك من حيث قوة أحكامها وأماكن تعديلها إلى دساتير مرنة و دساتير غير مرنة و تسمى بالدساتير الجامدة . و الدساتير المرنة هي الدساتير التي يجوز تعديل أحكامها بقانون عادي ، و مثال ذلك الدستور الإنجليزي ، حيث يمكن تعديل أي حكم فيه بقانون عادي يصره البرلمان أما الدساتير الجامدة فهي التي لا يمكن تعديلها بقانون عادي و إنما لابد لتعديلها من إتخاذ إجراءات خاصة كأن يكون لرئيس الجمهورية أو البرلمان طلب تعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور .

المعاني المختلفة للدستور :
يتفق أغلب الفقه على أن القانون هو ذلك الموضوع الذي ينظم العلاقات الاجتماعية بين الأفراد من أجل ضمان العدالة بينهم ، ومن المعروف أن القانون ينقسم إلى قسمين :
القانون الخاص privé والقانون العام أو العمومي public .فالقانون الخاص ينظم العلاقات الخاصة بين الأفراد كعلاقات البائع مع المشتري والمؤجر مع المستأجر ،
أما القانون العام فهو الذي ينظم العلاقات التي يمكن أن تقوم بين أحد الأشخاص المعنوية العمومية Personnes morales publiques وأحد الأشخاص الخاصة الطبيعيين أو الأشخاص المعنوية العمومية (شخص واحد أو أكثر)
ومن الأمثلة على هذه التصرفات قيام الدولة بنزع ملكية شخص من أجل تحقيق منفعة عامة أو تعاقدها مع مقاول للقيام بأشغال لصالحها، أو توريد أشياء لها مقابل مبلغ معين، أو نقل ملكية من شخص إلى آخر كما هو الشأن بالنسبة لنقل طريق مملوك للولاية أو البلدية إلى الدولة أو العكس.

ومن بين فروع القانون العام الدستوري الذي يحدد شكل النظام السياسي للدولة والذي يجد أهم قواعده في الدستور الذي يحمل معاني مختلفة لغوية وسياسية وقانونية
1
-المعنى اللغوي :
نعتقد مع جميع الفقهاء العرب أن عبارة " دستور" ليست عربية وأن معناها هو القانون الأساسي، غير أن هذا الاصطلاح العربي اختلف بشأنه، فنجد بعض الدول قد استعملته للدلالة على معنى الدستور كالعراق مثلا في دستور 1925 وإيران في دستور 1979 في حين أن البعض الآخر يستعمله للدلالة على قوانين لا تصل إلى مرتبة الدستور، ولكنها تعد أساسية بإعتبارها تتضمن مبادئ عامة تتناولها بالشرح أو التفسير قوانين أخرى ومثل ذلك القوانين الأساسية في الجزائر (القانون الأساسي العام للعامل مثلا)
والحقيقة أن مصطلح الدستور الآن في معظم الدول العربية يقابله بالفرنسي والإنجليزي مصطلح Constituion الذي يعني التأسيس أي النظام أو القانون الأساسي ونتيجة لهذا الإختلاف يفضل استعمال اصطلاح الدستور لما يحمله من معاني السمو ومظاهر الاحترام

فالدستور لغة هو
اذن مجموعة القواعد الأساسية التي تبين كيفية تكوين وتنظيم الجماعة، ولا يشترط فيه أن يكون مكتوبا أو عرفيا، لذلك فان الدستور بهذا المعنى يوجد في كل جماعة، من الأسرة حتى الدولة ، وأن هذا المعنى الواسع غير محدد وغير دقيق لكونه يحتوي على معاني يمكن أن تنصرف إلى كل تنظيم يمس أية مجموعة بشرية، في حين أن المعنى الحقيقي للدستور هو الوثيقة المنظمة للدولة وشؤون الحكم .


2-المعنى السياسي والمذهب الدستوري:

لقد تضمن إعلان حقوق الإنسان والمواطن لسنة 1789 شروطا معينة يجب توافرها في الدستور وتتمثل في تضمينه لحقوق الإنسان وحرياته وضمانات ممارستها إلى جانب ضرورة الأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات حتى لا تتداخل اختصاصاتها و تقتضي على السلطة المطلقة و ذلك تأثرا بالمذهب الدستوري Constitutionalism الداعي إلى قرار التوفيق ين السلطة و الحرية .

و يقصد بالمذهب الدستوري تلك الحركة التي ظهرت في عصر النهضة الأوربية وحلت محل الأعراف السائدة آنذاك غير الواضحة و التي تركت مجالا واسعا للملك لممارسة السلطة التقديرية ، فظهرت الدساتير المكتوبة للحد من إطلاق السلطة و استبدادية الملوك ، و لذلك طالب الأحرار بتحديد أنماط إسناد ممارسة السلطة السياسية بموجب نص واضح دفعا لأي إطلاقا للسلطة ، ومن ثمة فالدستور في مفهومه الشكلي يتعارض مع التعسف ، لأنه يحدد دولة القانون التي يمكن أن يكون فيها سواء ما هو مطابق للقواعد التي يضعها ذلك الدستور .

و المعلوم أن المذهب الدستوري يجد مصدره في فكرة العقد المعارضة لإطلاق السلطة و التي ظهرت بوادر لها في القرن 16 و سيطرت في القرن 18 والتي دفعت إلى إنشاء المجتمع المدني في قالب عقد بين مختلف الأطراف بعيدا عن تأثير العوامل الدينية، وأعتبر الدستور شكلا قيدا على السلطة المطلقة للملوك، وبالتطور أصبح لأغلب الدول دستور في مفهومه الشكلي إلا أن الممارسة السياسية لم تكن في كل الأحوال متماشية مع الدستور وهو ما تسبب في اختلال بين النصوص الدستورية والممارسات السياسية، وإن كان هذا الاختلال ليس من ذات الطبيعة الواحدة والدرجة والأثر في كل الأنظمة .ومن هنا فإن أي نظام لاسيما إذا كان رسميا، مثلما هو في الدستور، كان دائما له معنى اجتماعي لكونه تعبيرا عن علاقات قوى موجودة ضمن نظام سياسي في مرحلة معينة، الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل حول ما إذا كانت كل قاعدة دستورية تحمل في طياتها فكرتها المضادة بالمفهوم الهيغلي أو الماركسي، ذلك أنه وإن كانت الحرية مقررة دستوريا إلا أنها عمليا صعبة التحقيق وسهلة التقييد وحتى الإلغاء الوقتي لا سيما من حيث تنظيمها قانونا، وعليه فإن التفسير التناقضي السالف الذكر يعني رفض النظرة المنسجمة للمذهب الدستوري .
والمؤكد أن الطبقة البورجوازية استعملت المذهب الدستوري لتقييد السلطة المطلقة واعتبرت نفسها المعبر عن رأي واردة الشعب في مواجهة تلك السلطة، وهي الفكرة التي تبنتها طبقات مختلفة كالمجاهدين، والجيش والبورجوازية في الدول النامية حيث اعتبرت نفسها هي الشعب والمعبر الحقيقي الوحيد عن الشعب ودفع بها ذلك الموقف إلى اعتبار أن كل ما يخالف وجهة نظرها ومصلحتها، ولو كان ذلك واردا من الشعب يعتبر مرفوضا يجب محاربته ورفضه، وهو ما يطرح تساؤلا في هذه الأنظمة حول ما إذا الدستور في النهاية هو أداة للدعاية داخليا وخارجيا للنظام عما هو قائم، الأمر الذي قد يؤدي إلى أن يصبح الدستور يحمل معنى شعاريا أكثر من كونه ذو معنى اجتماعي سياسي، ومهما يكن من رأي حول المذهب الدستوري ونتائج الأخذ به فإن المعنى السياسي للدستور رسميا ونظريا يقصد به تلك الوثيقة التي تتناول كيفية تنظيم السلطة السياسية في الدولة على أساس الفصل بين السلطات، وتتضمن حقوق وحريات الأفراد وضمانات ممارستها باعتبارها قيودا على سلطة الحكام عليهم احترامها وعدم الاعتداء عليها .

3-المعنى القانوني :
من المعروف أن الأفراد في حاجة إلى قواعد قانونية تنظم العلاقات فيما بينهم، وكذلك الحال بالنسبة للدولة، فهي في حاجة إلى قواعد قانونية تنظم شؤونها وعلاقتها، وأن الحكام عندما يمارسون وظائفهم واختصاصاتهم لا يفعلون ذلك باعتبارهم يمارسون حقوقا أو امتيازات شخصية، وإنما اختصاصات أو وظائف منظمة ومحددة بقواعد دستورية تستمد منها القواعد القانونية الأخرى وجودها وشرعيتها .ومن المعلوم أن للدستور مفهومين أحدهما شكلي والأخر موضوعي :

المفهوم الشكلي :
ويقصد بالمفهوم الشكلي مجموعة القواعد القانونية التي تتضمنها الوثيقة الدستورية، وعليه فإن المفهوم الشكلي ينحصر فيما هو وارد من أحكام في الوثيقة الدستورية، الموضوعة من طرف جهة مختصة دون أن يمد إلى غير ذلك من القواعد .
والذي لاشك فيه أن الاعتماد على هذا المفهوم لا يتماشى والواقع لأن في ذلك إنكار لوجود دساتير عرفية كدستور انجلترا فضلا عن الدساتير تتضمن بعض القواعد التي لا صلة لها بالتنظيم السياسي مثل النص في الدستور الجزائري على أن اللغة العربية هي اللغة الوطنية والرسمية، ونص الدستور الفرنسي لسنة 1848 على إلغاء عقوبة الإعدام في الجرائم السياسية، والغرض من ذلك هو كفالة ثباتها واستقرارها أكثر بالمقارنة مع القوانين العادية فتصبح بعيدة عن التأثيرات السياسية .
وبالمقابل فإن هناك قواعد دستورية بطبيعتها لاتتضمنها الوثيقة الدستورية مثل قوانين الانتخابات وقوانين تشكيل وتنظيم البرلمان ونظمها الداخلية، والأخذ بالمفهوم الشكلي يعني إبعادها من الدستور خلافا للواقع.

المفهوم الموضوعي :
أما المفهوم الموضوعي فيقصد به مجموعة القواعد التي تنظم شكل الدولة ونظام الحكم وطبيعة العلاقة بين السلطات واختصاصاتها، وكذلك القواعد التي تبين حقوق الأفراد وحرياتهم وضماناتها دون نظر إلى ما إذا كانت مدرجة ضمن الوثيقة الدستورية أو وثيقة قانونية أخرى مهما كان مصدرها وتدريجها في الهرم القانوني أو كانت عرفية . ونتيجة لاختلاف المفهومين فإن الفقهاء اختلفوا حول المعيار الذي يمكن الاعتماد عليه بشأن تعريف الدستور.
فمنهم من اعتمد المعيار الشكلي بحيث يسند على الوثيقة الدستورية، أي النصوص المدونة فيها والهيئة والإجراءات التي اتبعت في وضعها والمصادق عليها، ومنهم من استند على المعيار الموضوعي الذي يعتمد على جوهر نظام الحكم ومضمون الدستور وعليه يعرف أنصار المعيار الشكلي الدستور بأنه مجموعة القواعد التي تضعها هيئة خاصة وتتبع في ذلك إجراءات خاصة تختلف عادة عن إجراءات وضع القوانين العادية، أما أنصار المعيار الموضوعي فيعرفون الدستور بأنه مجموعة القواعد الأساسية التي تحدد شكل الدولة ونظام الحكم فيها وتبين سلطتها العامة وعلاقتها ببعضها وعلاقة الأفراد بها، كما تقرر حقوق الفرد وحرياته المختلفة وضمانتها أما المدرسة الاشتراكية فتعرفه بأنه مجموعة القواعد القانونية التي تثبت وفقا لمصالح الشغيلة النظام الاجتماعي والسياسي في الدولة وكذلك مبادئ تنظيم هيئات السلطة ونشاطها وأسس الوضع القانوني للأفراد في الدولة الاشتراكية ويرى الدكتور نوري لطيف بأن القانون الدستوري هو مجموعة القواعد القانونية التي تثبت نظام الحكم في دولة موافقا لمصالح الطبقات والفئات الاجتماعية السائدة في ضوء فكرة قانونية معينة وقد رجح معظم الفقهاء التعريف الموضوعي عن التعريف الشكلي لما له من احاطة أكبر بالموضوع نظرا لأن المعيار الشكلي يعاب عليه كونه لا يشمل بعض الموضوعات ذات الصفة الدستورية، وغير المدونة مثلما ذكرنا آنفا. فضلا عن أن استناده على الدستور ونصوصه يجعلنا عاجزين على إيراد تعريف الدستور في الدول التي ليس لها دساتير مكتوبة، وأخيرا فإن التعريف الذي يستند على المعيار الشكلي لا يمكن الأخذ به في جميع الدول نظرا لاختلاف دساتيرها، وبالتالي فإن التعريف لا يكون واحد بل متعددا .

التفرقة بين القانون الدستوري وبعض الاصطلاحات الأخرى :

بجانب اصطلاح القانون الدستوري مصطلحات أخرى تشبهه، وهي قريبة منه لكنها ليس لها ذات المعنى، ونقصد بذلك الدستور والنظام الدستوري، ونظرا للتشابه اللغوي والاختلاف في المعنى بين هذه الاصطلاحات والقانون الدستوري، يتوجب علينا التميز بين مفاهيم هذه التسميات :

1-فالدستور بمفهومه الموضوعي موجود في كل الدول ولو أنه شكلا غير موجود في بعضها، لأنه لا يتصور قيام مجتمع سياسي دون دستور. وفضلا عن ذلك فإن المفهوم الشكلي للدستور يجعل منه مصدرا من بين مصادر القانون الدستوري، وأن كان هو الذي يحتل المرتبة الأولى

2-أما النظام الدستوري فيقصد به ذلك النظام الحر أي الحكومة الدستورية في الدولة، ولكي تكون كذلك يشترط الفقه الفرنسي لإضفاء صفة النظام السياسي على دولة معينة واعتباره نظاما دستوريا أن تكون الحكومة خاضعة لقواعد قانونية دستورية أعلى منها، لا يجوز لها التحلل منها والخروج عنها، وإنما عليها التقيد والالتزام بما هو وارد فيها من قيود وفصل بين السلطات تكون الغلبة في هذا النظام للبرلمان المنتخب من طرف الشعب.ومن هنا فإن الحكومة الاستبدادية والمطلقة والحكومة الفعلية تتنافى وفقا لهذا الرأي مع قيام النظام السياسي لانتقاء الشروط السابق ذكرها فيها، والحقيقة أن هذا الرأي لم يعد مقبولا في عصرنا الحاضر لكونه يتنافى مع المفهوم الحديث للدستور الذي يقصد به الوثيقة المتضمنة نظام الحكم في الدولة دون نظر إلى أساس هذا النظام وشكله كما أن التعريف الشائع للقانون الدستوري باعتباره القواعد الخاصة بنظام الحكم لم يعد يهتم بشكل النظام ولا أساسه أيضا .

نخلص مما سبق إلى أن القانون الدستوري أوسع من النظام الدستوري وبالتالي فإن انعدام هذا الأخير في الدولة إذا أخذناه بمفهومه السابق لا يحول دون وجود القانون الدستوري، فالمرحلة الممتدة من 19 جوان 1965 إلى سنة 1976 تاريخ وضع الدستور الثاني (الدستور الأول كان في سنة 1963) لا تعني أنها مرحلة إنعدم فيها وجود القانون الدستوري أنها مرحلة تميزت بأسلوب حكم ونظام خاص معتمد على المشروعية الثورية واحترام النصوص القانونية التي وضعها النظام سواء كانت بالمواضيع التي تدخل ضمن القانون الدستوري أو غيره.

علاقة القانون الدستوري بالقوانين الأخرى :
يمكن القول باختصار شديد أن العلاقة بين القانون الدستوري وفروع القانون العام الأخرى تتمثل في الآتي :
لعل أهم القوانين اتصالا بالقانون الدستوري هو القانون الإداري لما لهما من علاقة وطيدة، ومع ذلك فالقانون الدستوري أسمى من القانون الإداري من جهة، حيث يقرر القواعد والمبادئ الأساسية لكل فروع القانون العام بما فيها القانون الإداري الذي يقتصر دوره على وضع هذه المبادئ والقواعد موضوع التنفيذ، ومن جهة ثانية فالقانون الدستوري يتناول نشاط الدولة السياسي، في حين أن القانون الإداري يهتم بتحديد النشاط الإداري في الدولة .
وإذا كان القانون الدستوري ينظم السلطات العامة في الدولة ويحدد الحقوق والحريات العامة للأفراد وضمانات حمايتها، فان القانون الإداري لا يهتم إلا بالوظيفة الإدارية للسلطة التنفيذية، معتمدا في ذلك على مبادئ وقواعد الدستور . وفيما يخص علاقة الدستور بعلم المالية، فإنها أيضا متينة بين الاثنين، ولذلك فإن علم المالية يهتم بالتشريع المالي بقصد تنظيم وإدارة أملاك الدولة، وأن كان البعض لا يسلم باستقلالية هذا العلم والقانون لاحتوائه على مجالين الأول خاص بوضع التشريع المالي أي الميزانية وهو مجال يدخل في ميدان التشريع، أما المجال الثاني فهو صرف هذه الأموال أو تحصيل الضرائب والرسوم وهو عمل إداري، وبالتالي فلا وجود لقانون مالي منفصل عن التشريع أو القانون الإداري .

وللقانون الدستوري علاقة بالقانون الجنائي، الذي هو الآخر يستمد ويستلهم أحكامه من القواعد والمبادئ الدستورية، وغايته هي حماية نظام الحكم ككل من الاعتداء عليه من قبل الأفراد أو الحكام، فيحدد الجرائم والعقوبات المقابلة لها، ولا أدل على ذلك من نص الدساتير على العديد من القواعد العامة التي يتناولها القانون الجنائي بالتفاصيل مثل قاعدة عدم جواز القبض على الأشخاص إلا طبقا لأحكام القوانين وحق الدفاع وهناك أيضا علاقة بين القانون الدستوري والقانون الدولي العام، نظرا لأن الأول هو الذي ينظم كيفية إبرام المعاهدات وإجراءات التمثيل في الخارج، كما يبين مدى أخذه بمبادئ أحكام القانون الدولي كميثاق الأمم المتحدة، ولا أدل على تلك العلاقة من ضمين الدساتير الحديثة أحكاما تتعلق بمدى القوة القانونية للمعاهدات الدولية التي تبرمها الدول فيما بينها، واحترام الدول وسيادتها وعدم التدخل في شؤونها واحترام حقوق الإنسان

طبيعة قواعد القانون الدستوري :
اختلف الفقه بشأن مدى إلزامية القواعد الدستورية، وانقسم إلى اتجاهين الأول إنجليزي بزعامة أستن Austin والثاني فرنسي بزعامة ديجي Duguit .
1-المدرسة الإنجليزية :
تعتمد هذه المدرسة في تحديد مدى طبيعة القواعد القانونية والزاميتها على مدى توافر عنصر الجزاء المتبدي في الإكراه الماديcontrainte matérielle الذي تضمن السلطة العامة توقيعه بما لها من وسائل .ومن هنا يقول زعيم هذه النظرية الفقيه أستن أن قواعد القانون الدستوري لا تعدون أن تكون مجرد قواعد آداب مرعية تحميها جزاءات أدبية بحتة ذلك أن الحاكم لدى مخالفته لقاعدة دستورية يوصف عمله بأنه غير دستوري لكنه لا يكون مخالفا لقاعدة بالمعنى الصحيح، مما يستتبع عدم وصفه بأنه غير قانوني.تقدير الرأي :
إذا كانت هذه المدرسة قد اعتمدت في التمييز بين قواعد القانون الدستوري والقانون الدولي من جهة القانون العادي من جهة أخرى على المحاكم الذي يضفي على الأخير الصفة الإلزامية بتوقيع الجزاء على مخالفيه لما يملك من وسائل وهي المنعدمة في القانون الدستوري والقانون الدولي، فإن الذي غاب على أنصار هذه المدرسة هو أن بعض القواعد القانونية العادية لا نجد لها جزاءا ماديا يترتب على عدم احترامها، لكونها مفسرة أو أنها مجيزة لتصرف أو تصرفات معينة، مثل حق المالك في الايصاء بأمواله، كما أن هذه المدرسة لا تعير أي اهتمام للقواعد الدينية باعتبارها أساسا أو جزءا لا يتجزأ من القواعد القانونية لبعض الدول كالدول الإسلامية
2-المدرسة الفرنسية :
ترى هذه المدرسة بأنه ينبغي الاعتداد بالجزء المعنوي، لأن كل قاعدة تحتوي على جزاء يتمثل في رد الفعل الاجتماعي contrecoup social على حد قول زعيم المدرسة ديجي، وبهذا فإن كل قاعدة لها جزاءها وان كان الاختلاف بين القواعد القانونية يبدو واضحا من حيث ذلك الجزاء الذي يبدأ من المعنوي المتمثل في رد الفعل الاجتماعي إلى العقاب الجسماني الذي توقعه السلطة العامة في الدولة، وعليه فإن أصحاب وأنصار هذه المدرسة يقرون بأن قواعد القانون الدستوري هي قواعد قانونية بالمعنى الصحيح .تقدير هذا الرأي :
بالنظر إلى ما وصلت إليه الأنظمة القانونية الحديثة وتطور الحكم الديمقراطي يمكن القول بأن القواعد القانونية الدستورية ينبغي ان تحترم من قبل ممارسي السلطة إذا أريد لهم أن يحترموا من قبل الشعب صاحب السيادة، فهذه القواعد تحدد كيفيات ممارسة السلطة من قبل مؤسسات الدولة والتي يحق لكل منها ، اعتمادا على ما ورد في الدستور ، أن توقف غيرها عند حدود اختصاصاتها و سلطاتها مما يعد جزاءا يترتب على كل تجاوز للاختصاص و السلطات ، بل و قد يمتد عدم احترامها إلى حد تدخل الشعب لإجبار مؤسسة أو مؤسسات على احترام أحكام الدستور ، و ذلك أما ردعها بالوسائل المختلفة كالضغوط و المظاهرات أو التجمهر وإجبارها على القيام بتصرف معين أو الامتناع عنه بما يثبت تراجعها والاعتراف بخطئها، بل وقد يصل ذلك إلى حد الإطاحة بها مثلما لاحظنا في مصر سنة 1952 وليبيا سنة 1969 وإيران سنة 1979 وما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية للرئيس السابق نكسون لدليل على دور الشعب في فرض احترام أحكام الدستور، فقد استقال في 9 أوت 1974 نتيجة قيامة بأفعال مخالفة لأحكام الدستور، وعرفت باسم فضيحة واترقايت Watergate .

مصادر القانون الدستوري :

تعتبر المصادرات ذات أهمية بالغة في النظرية العامة للقانون لأنها منبع القواعد القانونية فالمقصود بالمصدر لغة هو المكان الذي ظهر فيه الشيء بعد أن كان خفيا، اما في موضوعنا فإن المقصود بالمصدر له عدة معان ما يهمنا منها هو المصدر الرسمي الذي يضفي على القاعدة القانونية الصفة الإلزامية والمصدر الموضوعي (أو المادي أو الحقيقي) الذي تستمد القاعدة القانونية منه مضمون خطابها أو موضوعها .والقول بهذا يعني أن المصدر الرسمي يأتي دائما بعد المصدر الموضوعي أو المادي لأن القاعدة لا تكتسب الصفة الإلزامية إلا إذا مرت بمراحل معينة تختلف بإختلاف المجتمعات وتأثير العوامل عليها. والمتفق عليه كما سبق أن رأينا أن سلوك الأفراد يتطور بتطور المجتمع، فقد يتحول إلى عرف ثم يتحول إلى قاعدة مكتوبة بظهور الدولة. وإذا كانت الأعراف هي السائدة في الماضي كقواعد تحكم العلاقات بين الأفراد فإن تدخل الدولة قد كان عاملا مؤثرا في الإكثار من سن القوانين لتنظيم أمور المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مما أستتبع تراجع العرف إلى المرتبة الثانية واحتلال التشريع للمرتبة الأولى كمصدر أول للقوانين وسوف لن نخوض في التفاصيل ونقتصر على التعرض لأهم المصادر المتمثلة في التشريع والقضاء والعرف والفقه .

1-التشريع :
يقصد به النصوص القانونية المدونة والصادرة عن هيئة خاصة وفقا لإجراءات معينة وعادة ما تسمى هذه السلطة بالسلطة أو المؤسسة التشريعية على أن القواعد التشريعية هي الأخرى تخضع لمبدأ التدرج إذا كنا بصدد دستور جامد، ذلك أن تعديله يخضع لإجراءات خاصة تختلف عن تعديل التشريع العادي مما يضفي على التعديل الأول صبغة قانونية أسمى من التعديل الثاني، وعليه فإن التشريع العادي يضع للتشريع غير العادي، وقد ازدادت أهمية التشريع كمصدر للقوانين نتيجة لتزايد تدخل الدولة وتعقيد نشاطها بالتالي وزيادة ارتباطها بالأفراد والجماعات والدول هو تلك المجموعة من الأحكام التي أصدرتها المحاكم بشأن تطبيق القانون على ما يعرض عليها من منازعات .وتنقسم أحكام القضاء إلى قسمين :

القسم الأول : وهو الذي لا يخرج عن كونه تطبقا للقانون ويسمى بالأحكام العادية.
القسم الثاني : وهو الذي يتضمن مبادئ لم يتعرض لها القانون أو تضع حدا لخلاف في القانون وتسمى الأحكام الأساسية .

وإذا قلنا بأن القضاء مصدر من مصادر القانون الدستوري، فان علينا أن نميز بين الدول ذات الدساتير العرفية كإنجلترا، والدول ذات الدساتير المكتوبة كالجزائر وفرنسا، ففي إنجلترا يعتبر القضاء مصدرا رسما لما ينشئه من سوابق قضائية بشأن القضايا المطروحة أمامه أو التي تطبق فيما بعد على القضايا المشابهة لها من طرف المحاكم ذات الدرجة الواحدة أو الأدنى منها. ومن الدول التي تأخذ بالسوابق القضائية، الولايات المتحدة الأمريكية واستراليا ونيوزلندا ، أما في فرنسا فإن القضاء كمصدر ضعيف جدا في المجال الدستوري، نظرا لأن المحاكم غير مقيدة بأحكامها السابقة ولا بالأحكام التي تصدرها تلك الأعلى منها في الدرجة .

3- العــرف :
يقصد بالعرف " إتباع الناس سلوكا معينا في موضوع معين بصفة مطردة ولمدة طويلة يجعل الناس يشعرون بقوته الإلزامية كالقانون المكتوب"

ويتضح مما سبق أن هناك ركنان للعرف : مادي ومعنوي .فالركن المادي يفيد إتباع الأفراد سلوكا معينا في تصرفاتهم بصفة مطردة أما الركن المعنوي فيعني استقرار الإحساس في ضمير الجماعة بأن ذلك السلوك أصبح ملزما لهم، فبغير الاعتقاد بالزاميته لا نكون بصدد عرف بمعناه القانوني ويشترط في العرف ان يكون عاما وقديما وثابتا، وأن لا يكون مخالفا للقوانين والآداب العامة، وإذا كان العرف هو ما سبق ذكره باختصار، فإن الفقه اختلف بشأن مدى الزاميته فقد ذهب انصار المذهب الشكلي المتطرفين ومن بينهم الفقيهان الإنجليزي والفرنسي كارى دمالبرغ إلى أن العرف لا قيمة له إلا أقره التشريع او القضاء، أما المعتدلون من هذا المذهب فيعترفون له بالصفة الإلزامية ، وبالنسبة للمذهب الموضوعي
فيرى أنصاره وعلى رأسهم ديجي Duguit وجوي Guet بأن القانون ما هو إلا تعبيرا عن ضمير الجماعة الذي يمثل العرف، ولذلك يقولون بأنه مصدر رسمي للقانون وبعد أن عرفنا قيمة العرف كمصدر للقانون نبحث الآن دوره في العرف الدستوري، لقد تأثر فقهاء القانون الدستوري بفقه القانون الخاص بشأن أركان العرف، فالركن المادي يتمثل في وجود قاعدة مستقرة ومطردة التطبيق من قبل السلطات العامة في الدولة، وهذا يعني الثبات وتوافر مدة معقولة غير أن الحقائق تثبت أن المدة لا يمكن تحديدها نظرا لظهور أعراف دستورية في مدة قصيرة مثل بعض سلطات رئيس الدولة ورئيس الوزراء في فرنسا التي نظمت بمقتضى عرف نشأ بعد الحرب العالمية الأولى في حين أن مسؤولية الوزارة في إنجلترا تقررت بعرف يعود إلى القرن الثامن عشر. أما الركن المعنوي فيشترط فيه صفة الالزام التي يردها البعض إلى الإرادة المفروضة للمشرع بينما يردها البعض الآخر إلى إرادة الجماعة المتمثلة في السلطات والأفراد. والعرف إما يكون مفسرا أو مكملا أو معدلا .

أ-العرف المفسر:
هو الذي يهدف إلى تفسير نص من نصوص الدستور، فدوره هنا ليس إنشاء أو تعديل قاعدة دستورية، وإنما يبين كيفية تطبيق قاعدة معينة غامضة إلا أن هذا التفسير يصبح جزءا من الدستور فيكتسب صفة الإلزام، ومن الأمثلة على ذلك جريان العرف أن لرئيس الجمهورية الفرنسية طبقا لدستور 1875 أن يصدر اللوائح استناد إلى المادة التي تنص على أن رئيس الجمهورية يكفل تنفيذ القوانين .

ب-العرف المكمل :
هو الذي ينظم موضوعات لم يتناولها الدستور حيث يسد الفراغ الموجود في الدستور، ونظرا لكونه كذلك فانه يختلف عن العرف المفسر في كونه لا يستند على نص دستوري في ظهوره، ومثل ذلك نشوء قاعدة في فرنسا تمنع من إبرام عقد قرض عمومي إلا إذا صدر قانون يأذن بذلك، إذا كان القانون والدستور الصادران في 1815 ينصان على تلك القاعدة فإن الدساتير التي تلتها لم تنص عليها انطلاقا ومع ذلك استمر تطبيقها لاستقرارها عرفيا فغدت بذلك عرفا دستوريا مكملا ونص دستور 1875 على أن الانتخاب يتم على أساس الاقتراع العام دون أوضاع هذا الانتخاب فكمله العرف بأن جعله على درجة واحدة

ج-العرف المعدل:
يراد به تلك القواعد العرفية التي تغير بأحكام الدستور إضافة أو حذفا ومن أمثلة العرف المعدل في شكل إضافة ما جرى به العمل في الاتحادات الفيدرالية من زيادة في سلطات الحكومات المركزية على حساب السلطات المحلية وأن يتولى رئاسة في لبنان ماروني والوزارة سني والبرلمان شيعي رغم أن الدستور لا ينص على طائفية في لبنان فجاء العرف بها مكملا الدستور.أما العرف المعدل في صورة حذف فمثله امتناع رئيس الجمهورية من حل مجلس النواب في ظل دستور 1875 الذي يمنح له ذلك الحق ولم يستعمل إلا من طرف الرئيس ماكماهون سنة 1877 ثم لم يمارس ذلك الحق حتى سنة 1940 عندما احتلت ألمانيا فرنسا فنتج عنه أن نشأة قاعدة عرفية ألغت أو حذفت نصا دستوريا والسبب في ذلك يعود إلى أن ماكماهون عندما لجأ إلى حل مجلس النواب كان هدفه الحصول على تغيير في الأغلبية إلا أن الانتخابات أدت إلى عودت الأغلبية السابقة وهي الجمهوريون فصرح بعد ذلك خلفه Grevy لأنه سينصاع إلى إدارة الأمة وانه لن يلجأ إلى حل البرلمان بعد ذلك وتبعه في ذلك سلفه مما أدى إلى نشوء ذلك العرف المعدل حذفا في النص الدستوري وكذلك حدث في سنة 1962 –1969 في نفس البلد أين قدم رئيس الجمهورية مباشرة مشروعين لتعديل الدستور دون عرضهما على المجلسين لتصويت المسبق مع أن هناك نصوص صريحة خاصة بكيفية تعديل الدستور .
والحقيقة أن هذا النوع من العرف موجود ومطبق وان إنكار الصفة الدستورية عنه من جهة والاعتراف به من جهة ثانية ليس له ما يبرره وهو يتناقض والمنطق والواقع .

4-الفـقـه :
يقصد بالفقه الدراسات والبحوث التي قام او جاء بها فقهاء القانون والفقه لا يعتبر مصدرا رسميا للدستور وإنما مصدر تفسيرا يستأنس به في تفسير دستور وبيان كيفيات سنه فضلا عن قيام رجال الفقه بشرح وتبيان محاسن وعيوب هذه الدساتير كما أنه يهتم بدراسة وتحليل الأحكام القضائية لما لها من تأثير على مسار قواعد دستورية والذي لا شك فيه انه وغن كانت الآراء الفقهية غير ملزمة إلا أنها تلعب دورا هاما في تفسير النصوص القانونية وكثيرا ما يتأثر به القضاء في إصدار أحكامه أو المشرع أثناء سن القوانين والقواعد الدستورية وهو ما يكسب تلك الآراء سمعه أدبية كثيرا ما تلقى احترام من قبل المشرع الدستوري ومن ذلك روح القوانين والعقد الاجتماعي أو السياسي لكل من مونتسكيو وجان جاك وروسو وجون لوك .

أساليب نشأة الدساتير ونهايتها :

تنشأ الدساتير وتنتهي بأساليب مختلفة ومتعددة وقبل تعرض لأساليب نشأتها ونهايتها يتوجب علينا بحث أسباب نشأة الدساتير والتطور الذي عرفته بفعل تزايد مهام الدولة

أسباب والدوافع الأساسية لوضع الدستور :
إن انهيار الحكم الملكي المطلق بعد ثورات الأوربية وسيطرت البورجوازية على السلطة إلى جانب ظهور فكرة القومية وانحصار الاستعمار كانت من الأسباب والدوافع الرئيسية في دسترة أنظمة الحكم وكان غرض شعوب الأنظمة إثبات سيادتها داخلية واستغلا ليتها وذلك بواسطة تنظيم الحياة السياسية بوضع دستور يبن السلطات وعلاقاتها في دولة الجديدة وعلاقاتها بالمحكومين والدول الأخرى وأن هذه الدول بوضع دستور تؤهل نفسها لإقامة حوار بين السلطة والحرية فكأنها تعلن للغير بأنها وصلت إلى مرحلة النضج السياسي ولها الحق في الانضمام للمجتمع الدولي لأنها إن طالبت بذلك .

المبحث الثاني : النظرية العامة للدولة :

النظريات المفسرة لأصل نشأة الدولة :
النظريات غير القانونية :

أولا : النظريات التيوقراطية :
ترجع أصل نشأة الدولة إلى إرادة الإله وهي نظرية واحدة وتطورت عبر العصور وقد أخذت ثلاث أشكال :
1- الطبيعة الإلهية للحكام :
الدولة من صنع الإله الذي هو نفسه الحاكم على الأرض وقد سادت هذه النظرية عن الفراعنة والرومان في بعض المراحل التاريخية واليابان إلى غاية 1948 حيث تنازل الإمبراطور عن صفة الإلهية .
2- الحق الإلهي المباشر :
الدولة هي حق من حقوق الإله الذي أوجدها هو وهو الذي يختار حسبما يريد من يحكمها بطريقة مباشرة ولذا فإن الحكام يستمدون سلطتهم من الإله وليس من الشعب الذين لا يسألون أمامه
3- الاختيار الإلهي غير المباشر :
الدولة من صنع الإله وهو مصدر السلطة فيها ،غير أن البشر هم الذين يختارون الحكام بتفويض وعناية من الإله الذي يوجه تصرفات واختيارات الشعب نحو الحكام وبالتالي يتم اختيار الحاكم بطريقة غير مباشرة .ترى هذه النظرية أن هناك قوانين طبيعية تحكم الكون والبشر ويهتدي بها الحكام ويقتدي بها ولهذا فإن هذه القوانين هي التي تحد من سلطة الحكام .
موقف الإسلام من هذه النظريات :
الإسلام يرفض هذه النظريات بل حاربها بقوة إذ نجد القرءان الكريم يبين لنا في الكثير من الآيات أن الله سبحانه وتعالى أرسل الرسل لمحاربة الملوك والحكام الذين ادعوا الألوهية مثل الفراعنة .
وبالنسبة للخلفاء نجد أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه يقول في خطبة توليه الخلافة " أني وليت عليكم ولست بخيركم " وهذا يعني أن الأفراد هم الذين ولوه السلطة .

ثانيا : النظريات الطبيعية :
ترى هذه النظريات أن الدولة هي ظاهرة طبيعية مثلها مثل جميع الظواهر الطبيعية الأخرى أي أنها نتاج ميل الناس الطبيعي إلى التجمع والعيش في ظل مجتمع منظم سياسيا .

1- نظرية الأبوة :
يرى أرسطو أن الدولة كانت في البداية أسرة تطورت إلى عشيرة ثم إلى قبيلة ثم إلى مدينة.أما الحاكم في الدولة فهو بمثابة الأب في الأسرة يمارس السلطة على الشعب كالأب على أفراد أسرته الشيء الذي يستوجب طاعته والرضوخ إليه من طرف الرعية والقبول بسلطته المطلقة عليهم .
إن هذه النظرية تنظر للدولة كخلية اجتماعية أو كحاجة أساسية من حاجات الإنسان الطبيعية.
انتقدت هذه النظرية كونها بررت الاستبداد المطلق للحكام كما أن البعض يقر بأن الدولة سبقت الأسرة ولا يمكن التوفيق بين السلطتين الأبوية والأسرية التي تعتمد على أسس مختلفة .

2-نظرية الوراثة :
نشأت في ضل الإقطاعية وهي ترى أن حق ملكية الأرض وهو حق طبيعي،يعطي لمالك الأرض حق الملكية وحتى الناس اللذين يعيشون عليها و من هنا ظهرت فكرة الدولة أي بخضوع السكان للإقطاعيين.

3- النظرية العضوية:
ظهرت في القرن التاسع عشر تنادي بضرورة تطبيق القوانين الطبيعية على الظواهر الاجتماعية حيث تشبه الدولة بجسم الإنسان المكون من عدة أعضاء إذ أن لكل عضو وظيفة يقوم بها وهو نفس الشيء بالنسبة لأفراد المجتمع وحسب بهذه النظرية الدولة هي ظاهرة مثلها مثل الظواهر الطبيعية وهي لضرورية لبقاء المجتمع.
نقد: إن هذه النظرية مجرد افتراض وهي غير علمية بالنظر للفروق العديدة بين القوانين الطبيعية والاجتماعية.
0034- النظرية النفسية:
ترى أن الأفراد لا يخلقون متساويين،هناك فئة تحب الزعامة والسيطرة وفئة تخضع لها ومن هنا ظهرت الدولة أي خضوع الضعيف للقوي.

ثالثا: النظريات الاجتماعية:
وهي التي تعتمد على الواقع الاجتماعي وحسبها أن الدولة تنشأ نتيجة الصراع البشري في مرحلة من مراحل التاريخ وتنتهي بسيطرة فئة على فئة أخرى.

1- نظرية القوة والغلبة:
نادى بها العديد من الفلاسفة حيث يقول الفيلسوف اليوناني "بلولتاك" أن الدولة خلقت من العدوان ويقول أيضا ميكيافيلي في كتابه" الأمير" أن الصراع الجمعوي ينجم عنه فئة مسيطرة وفئة حاكمة
ومن هنا يمكن القول أن السلطة في الدولة تعتمد على القوة والغلبة، غير أن ميكيافيلي ألضاف فكرة الحنكة والدهاء عند الحكام ونجد أن القوة والغلبة وجدت طريقها في نشوء بعض الدول مثل ظاهرة الاستعمار الأوربي للقارات حيث نتج عنها دول مثل ليبيريا والكونغو والولايات المتحدة الأمريكيبة وإسرائيل.

2- نظرية ابن خلدون:
لقد اعتمد ابن خلدون في بنظرته هذه على العنف الذي يعتبر أحد ميزات الإنسان التي يمكنه من خلالها البقلاء والعيش وترتكز نظرية ابن خلدون على أن الإنسان دوما بحاجة إلى غيره ليتكاتل مع غيره لتوفير الغذاء والدفاع.وفي بعض الأحيان ونظرا للطباع الحيوانية يحتدم الصراع بين الطبقات من هنا لابد أن يكون هناك حاكم يتولى إدارة وتنظيم هذه الجماعة،وأهم النقاط التي يرتكز عليها لابن خلدون لقيام الدولة العناصر التالية:

أ- العصبية: وهي بعبارة عن الشعور بالانتماء المشترك بين أفراد المجتمع بالوحدة العرقية والدينية وهو شعور يولد في الجماعة روح البروز نحو الغير.

ب- الزعامة: وهنا لابد أن يتولى إدارة هذه الجماعة شخص يمتاز بالصرامة والبطش حتى يحملهم على طاعة ولابد أن يكون له شعور بالإنتماء ولابد أن يتجنب جميع الصفات التي تجعل منه مستبدا أو طاغيا بل ينبغي عليه أن يتحلى بروح التسامح والسماحة والكرم وأن يحترم الدين وعلمائه وأن يهتم بجميع حقوق الرعية .

ج- العقيدة الدينية: وهو العامل الذي يوحد المجموعة ويرى ابن خلدون أن الإسلام هو الدين الوحيد القادر على إنشاء دول متماسكة تمتاز بالقوة والبطش.

3- نظرية التضامن الاجتماعي:
نادى بها " ليون دوجي" وحسبه الدولة تقوم على أربع عناصر أساسية:

أ- الاختيار الاجتماعي:
وتنشأ الدولة هنا بسبب فرض بالمجموعة القومية المهيمنة لإرادتها على الفئة الضعيفة وبالتالي تكون الأولى هي الهيئة الحاكمة أما الثانية فتكون هي المحكومة.

ب- التمايز أو الإختلاف السياسي:
أي أن الدولة تنشأ عندما تكون هناك فئتان فئة حاكمة تفرض سلطانها على الفئة الثانية المحكومة.

ج- قوة الجبر والإكراه:
إن السلطة تعد الدعامة الأساسية لقيام الدولة أي بهي التي تعطي الأوامر وتهيمن على الفئة المحكومة دون أن تكون هناك سلطة تنافسها أو تمنعها من تنفيذ أوامرها.

د- التضامن الاجتماعي:
إذ لابد من التلاحم والتكامل بين أفراد المجتمع الواحد ولابد أن يكون هناك تعاون بين الحكام والمحكومين.
إن هذه النظرية قامت على أفكار افتراضية (السعيد بوشعير مرجع سابق ص 31.........).

4- نظرية التطور التاريخي:
ترى هذه النظرية أن الدولة نشأت وفق تطور تاريخي وتلاحم مجموعة من العوامل التاريخية والسياسية والاقتصادية وأن الدول ما هي إلا نتاج لتطور طويل ومتنوع يهدف الإنسان من خلاله الى الاجتماع إن هذه النظرية غير سليمة لأن هناك دول نشأت دون تطور تاريخي مثل دولة اسرائيل.
5- النظرية الماركسية: أن الدولة نتتج بسبب الصراع الطبقي،فالدولة تقوم على أساس اقتصادي التي تهيمن على الإقتصاد وهي نتاج صراع بين طبقات المجتمع وهي تترجم الهيمنة الطبقية داخل المجتمع وتضمن استغلال طبقة ضد أخرى.والقانون فيها عبارة عن تعبير لإرادة هذه الطبقة.
إن هذه النظرية تحمل بذور فنائها حيث تزول بزوال الطبقية داخل الدولة.

النظريات القانونية:

أولا: النظرية الإتفاقية:
وترى هذه النظرية أن الدولة ما هي إلا نتاج اتفاق بين أعضاء المجتمع سواء في عقد أو في شكل اتحاد، وإذا وصفت بالديمقراطية .

1- نظرية "توما هوبز 1588-1679" :
جاءت هذه النظرية لتبرير سلطة الملك وضد الثورات الشكلية إذ أن هوبز كان من مؤيدي العرش الحاكم وتشتمل لعلى العناصر التالية :

أ- المجتمع قبل العقد:
مجتمع فوضوي يغلب عليه قانون الغاب والأنانية والطمع وحب النفس لذلك أحس الأفراد بضرورة إقامة مجتمع منظم يخضعون له يحكمهم فيه حاكم يوفر لهم الاستقرار والأمان.

ب- أطراف العقد:
هم أفراد المجتمع الذين يتنازلون عن حقوقهم للحاكم الذي لم يكن طرفا في العقد .

ج- آثار العقد :
لابد على الأفراد أن يتنازلوا عن جميع حقوقهم لتفادي الاختلاف والتناحر التي يشرف عليها الحاكم الذي له السلطة المطلقة دون أن يكون مسؤولا أو ملتزما نحوهم بأي شيء لأنه لم يكن طرفا في العقد.مما ينجر عنه استبداد الحاكم وبحسب هوبز استبداد الحاكم أفضل بكثير من الفوضى السابقة ولكنه يحمله مسؤولية توفير الرفاهية واحترام القوانين القضائية وقد أخلط هوبز بين الحكومة و الدولة يعني أن بذور فناء الدولة في فناء العرش الحاكم .

2- نظرية "جون لوك" 1932-1704) وهو من دعاة تقييد سلطة الحكام ولابد من احترام الحريات الفردية وتتلخص النظرية في ما يلي:

أ- المجتمع قبل العقد:
إن الإنسان خير بطبعه يعيش في حالة سلام وحرية طبيعية ومساواة تامة وفقا للقانون الطبيعي.إلا أنه يحتاج دوما إلى النظام السياسي الذي يضمن له الحرية واحترام حقوقه والمحافظة على القيم .

ب- أطراف العقد:
أعضاء العقد هم المجتمع من جهة والحاكم أو الحكام من جهة أخرى والعقد يتم عبر مرحلتين: حيث في الأولى يتفق أفراد الجماعة على إنشاء مجتمع سياسي ثم بين الشعب السياسي والحكومة التي تتولى الحكم.

ج-آثار العقد:
إن الأفراد لا يتنازلون عن كل حقوقهم بل عن بعضها فقط،وبما أن الحكومة كانت طرفا في العقد فهي بمسؤولة أمام أفراد المجتمع ولا يحق لها الاعتداء على الحقوق التي لم يتم التنازل عنها وإلا عرضت للمسائلة وحق للشعب عزلها ولو عن طريق الثورة .

3- نظرية جون جاك روسو "1712-1778" وهو يرفض إنشاء الدولة على القوة وتتلخص نظريته في:

أ- المجتمع قبل العقد:
إن الإنسان خير بطبعه يعيش في حالة سلام وحرية طبيعية ومساواة تامة وفقا للقانون الطبيعي.إلا أنه يحتاج دوما إلى النظام السياسي الذي يضمن له الحرية واحترام حقوقه والمحافظة على القيم .

ب- أطراف العقد:
يتفق الأفراد على إنشاء نوع من الاتحاد في ما بينهم يحميهم و يحمي أملاكهم ويتمتع هذا الإتحاد بسلطة كل فرد من أفراد المجتمع أي أن كل فرد يلتزم نحو الجماعة الأخرى المتحدين وبذلك نجد أن الفرد يتعاقد من زاويتين: مع الشخص العام باعتباره عضوا من الجماعة ومع الجماعة باعتبارها من مكونات الشخص العام.

ج- آثار العقد:
يترتب عن هذا العقد أن الأفراد تنازلوا لعن جميع حقوقهم الطبيعية مقابل حصولهم على حقوق مدنية يضمنها هذا التنظيم .

نقد هذه النظريات:
1- لم يجتمع الأفراد بالصورة المذكورة في بهذه النظريات مما جعلها مجرد نظريات افتراضية.

2- لابد من وجود قانون يحمي العقد ويكون سابق له،وهذا يعني وجود مجتمع منظم قبل وجود العقد

.3- لا يمكن للأفراد التنازل عن حقوقهم الطبيعية.

4- استحالة اتفاق جميع الأطراف حول هذا العقد.5-استحالة ديمومة العقد.

فكرة العقد في الإسلام:
يرى الكثير من المفكرين أن الإسلام يعد هو أول من أسس الدولة بشكل عقد حيث أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يهاجر الى المدينة ولم يؤسس فيها دولة إسلامية إلا بعد إبرام اتفاق بينه وبين الأنصار على احتضانهم الرسول(ص) ونصرته والعمل على إقامة النظام الجديد الذي يدعوا اليه وهذا من خلال بيعة العقبة الثانية وبذلك أصبحت البيعة أساس لقيام الدولة الإسلامية في عهد الخلفاء ومن بعدهم .والبيعة عبارة عن عقد يتم بين الطرفين وهم الأمة التي تعتبر مصدر السلطات من جهة والممثلة في أهل الحل والعقد والحاكم من جهة أخرى والبيعة عقد صحيح يقوم على الرضا المتبادل ويؤكد من جهة أن السلطة والسيادة لله.وما الحاكم إلا خليفة في الأرض.

نظرية المؤسسة ل "هوريـو": يرى هوريـو أن الدولة تنشأ عبر مرحلتين:

في المرحلة الأولى يتفق الأفراد على مشروع إنشاء دولة وهي بعبارة عن فكرة يتحمس لها الأفراد ويحاولون إنشاء جهاز أو تنظيم بالطرق القانونية المتوفرة لديهم وفقا للقانون الساري المفعول.
أما في المرحلة الثانية فيدعون كل من يهمهم الأمر والموافقين على الفكرة لمساعدتهم على تحقيق هذا المشروع.

وبذلك يكون لدينا :
1- -فكرة إنشاء الدولة.
2- سلطة منظمة على رأس الجهاز المنشأ من طرف أصحاب الفكرة
3-جماعة الأفراد المعنيين بتحقيق وتنفيذ الفكرة.وبذلك تنشأ الدولة نشأة قانونية واستند هوريو في فكرته على الدولة الجزائرية فيقول أن الزعماء التاريخيين للثورة أو قادة الحكومة المؤقتة هم أصحاب فكرة نشأة الدولة.والشعب جاء ليوافق على هذه الفكرة غير أن هذا المثل يفنده الواقع لأنه محا الدولة الجزائرية قبل الإستعمار الفرنسي.وإجمالا لكل ما سبق يمكن القول أن نظرية التطور التاريخي هي الأكثر تلاؤما في الواقع.

مفهوم الدولة والنظريات المفسرة لنشأتها
مصطلح الدولة من المصطلحات التي يمكن القول أنه يستحيل وضع تعريف له جامع ومانع بخصوصها أو تعريف يتفق حوله الفقهاء والمفكرين وهذا راجع إلى تعدد المذاهب الفكرية والإيديولوجيات والمواقف السياسية والمصالح المختلفة ولكون الدولة ظاهرة معقدة ومتعددة كما وجدت عبر التاريخ نظريات مختلفة حول أصل نشأة الدولة والنظريات التي فسرت أسس السلطة السياسية والحكم في الدولة

تعريف الدولة
في الفكر الليبرالي :
يعرفها المفكرين من زاوية عناصرها المادية ومن بين هؤلاء أندري هوريو بقوله " الدولة هي مجموعة البشرية مستقرة على أرض معينة وتتبع نظاما اجتماعيا وسياسيا وقانونيا معا بهدف إلى الصالح العام ويستند إلى السلطة مزودة بصلاحيات الإكراه ونجد تعريف كثيرة منها تعريف كاري دي مالبورغ :" الدولة هي جماعة من الناس مستقرة على إقليم خاص بها ولها تنظيم تنتج عنه سلطة عليا للتصرف والأمر والإكراه ومن زاوية عنصر الإكراه نجد المفكر ليون دبجي :" تكون هناك دولة بالمعنى الواسع عندما يوجد في مجتمع ما اختلاف أو تميز سياسي مهما كان بسيطا أو معقدا بين الناس فيكون هناك حكام من جهة ومحكومين من جهة أخرى.ونعرفها كمفهوم عام ومجرد نجد ما دعا إلأيه الفرنسي جورج بيردو أن المجتمع المنظم سياسيا والدولة قد نشأ معا وكل مجتمع سياسي لا بد له من سلطة تقوده وتعمل على تحقيق مصالحه لكن هذه السلطة أخذت عبر التاريخ عدة أشكال :البداية القبائل البدائية لم تكن هذه السلطة معروفة واضحة بل منتشرة في الجماعة وتخضع إلى الأعراف والمعتقدات ولاحقا تجسدت في شخص يقود الجماعة سواء لقوته أو لحكمته أو لذكائه لكن هذه السلطة لا تدوم وتزول بزوال صاحبها مما يؤدي إلى نشوب الصراع بين أعضاء المجموعة

الفكر الاشتراكي :جوهر الدولة هنا مجرد تعبير عن الهيمنة الاقتصادية لطبقة المالكين لوسائل الإنتاج على الطبقات غير المالكة فالدولة في نظرهم هي مؤسسة سياسية خاصة ومنفردة تستخدم كأداة بين الطبقة المالكة لوسائل الإنتاج الرئيسية والسائدة اقتصاديا لقمع الأغلبية الساحقة وغير المالكة من أعضاء المجتمع وهذا لضمان مصالحها ودفاع عنها حتى تتمكن من إبقاء تلك الهيمنة فالدولة في الفكر الماركسي هي نتاج الصراع بين الطبقات بسبب الملكية تعبر عن الهيمنة طبقة على طبقة أخرى فهي وسيلة وأداة بعد الطبقة المهيمنة وهي ضامنة لاستمرار هذه الهيمنة والاستغلال الدولة هي حالة انتقالية ومرحلية حيث تزول بزوال أسباب نشأتها واستمرارها

في الشريعة الإسلامية :
الإسلام بصفة عامة يعطي الأولوية والمكانة الأساسية للدين في تكوين وبقاء الأمة وقبل أن نتطرق إلى هذا الموضوع تجدر بنا تحديد موقف الإسلام من العنصر البشري حيث ينقسم الناس إلى طائفتين المسلمون تربطهم جميعا رابطة الأخوة في الإسلام يتمتعون بنفس الحقوق والواجبات غير المسلمين : يعتبرون من سكان الدولة الإسلامية وهم طائفتان ذميون وهم المقيمون بصفة دائمة ولهم نفس حقوق وواجبات المسلمين إلا في بعض الأمور الخاصة بهم مستأمنون أجانب غير مقيمين بصفة دائمة عن طريق الأمان أو منح الإقامة
إن مدوا الأمة فتح الاجتهاد ولازال مستمرا حتى الآن عموما المعنى الرئيسي الذي تضمنه القرآن الكريم هو الجماعة من الناس التي تكون على دين واحد أو طريقة واحدة فإن قلنا الأمة الإسلامية فنقصد بذلك الجماعة التي تدين بالعقيدة الإسلامية ومن المفكرين من بحث في مفهوم الأمة في الجانب الإجتماعي والتاريخي ومن بينهم الفرابي وابن خلدون :
الفرابي: تعتبر الأمة وحدة طبيعية اجتماعية سياسية متميزة مركزا على عوامل الارتباط الارتباط هو تشابه الخلق والشم الطبيعية والاشتراك في اللغة والبيان وان التباين في تباين هذه العوامل وتعتبر هذه النظرة نظرة موضوعية
ابن خلدون: مثله مثل الفرابي تعتبر نظرته موضوعية حيث وضع عوامل مكونة للأمة مثل الأصل الواحد،وحدة البيئة والمناخ والعادات ، وغير ذلك من المميزات والطبائع

أركان الدولة :

أولا : السكان

تعريف السكان:
هم كل الأشخاص الموجودين على إقليم الدولة سواء كانوا من رعاياها أو من الأجانب ومن غير المنطقي أن يكون الرعايا أقل من الأجانب.

تعريف الشعب:
وهو مجموع الأفراد الذين ينتمون للدولة عن طريق الرابطة القانونية.وهي رابطة الجنسية سواء كانت أصلية عن طريق الدم أو الإقليم أو تكون مكتسبة، ويشمل شعب الدولة المقيمين على إقليمها أو المقيمين في دولة أجنبية شرط احتفاظهم بجنسيتها.
الشعب السياسي:
وهو مجموع الأشخاص الذين يشاركون في الحياة السياسية للدولة سواء عن طريق الترشح أو الانتخاب أو تقلد المناصب في الدولة.
الشعب الاجتماعي:
وهم جميع رعايا الدولة باختلاف سنهم أو جنسهم أو مناصبهم في الدولة.
مدلول الأمة: يرى العديد من الباحثين أن الشعب لا يكفي لوجود الدولة بل لابد من وجود الأمة التي تكون نتاج تطور تاريخي ومنها ظهور مبدأ القوميات الذي ظهرت به دول أوربية حديثة مثل إيطاليا.

ومن أهم التعاريف التي أعطيت للأمة:

1-التعريف الموضوعي: ويتزعمه الفقه الألماني حيث يتصورون أن قيام الأمة يعتمد أساسا على العرق واللغة ثم الدين والأرض وبذلك يتوحدون في دولة واحدة.وهو ما اعتمدته النازية للتوسع على حساب الدول المجاورة من خلال أن الجنس الآري هو أرقى الأجناس وأنه بوحدة اللغة نستطيع إنشاء دولة.
لقد انتقد هذا الاتجاه لتداخل الأعراق فيما بعضها واستحالة وجود عرق منعزل لوحده واللغة ليست معيارا فهناك العديد من الدول التي تستعمل لغة واحدة .وعلى الرغم من هذه الإنتقادات إلا أنه لا يمكن من التقليل من أهمية الدين في تكوين الأمة وبقاءها .

2- التعريف الشخصي :
تبناه الفقه الفرنسي من بينهم الكاتب " أرنست ريناي" حيث يعرف الأمة بأنه روح ومبدأ روحاني بوهي تقوم على عنصرين:
أ- الانتساب الى ماضي بمشترك مثل: الحروب،والأفراح،الانتصارات،الإ حساس المشترك.
ب- إرادة بناء مستقبل مشترك أي العيش معا.إضافة إلى عوامل أخرى: مثل القرابة ووحدة المصالح الاقتصادية.
وكل هذه العوامل جعلت أندريه هوريو يعرف الأمة " هي بالتجمع البشري الذي في إطاره يستقر الأفراد بارتباطهم يبعضهم البعض بروابط مادية في آن واحد ويعتبرون أنفسهم مختلفين عن الأفراد الذين يكونون المجموعات الوطنية الأخرى.

التعاريف المختلطة :
تعريف ماتشيني : هي مجتمع طبيعي من الناس جعلتهم وحدة الإقليم ووحدة الأصل ووحدة العادات واللغة يعيشون حياة مشتركة ويتمتعون بوعي اجتماعي مشترك .
تعريف ستالين : (النظرية الماركسية ): "الأمة هي جماعة إنسانية ثابتة تكونت تاريخيا ونشأت على أساس من واحدة اللغة ووحدة الإقليم ووحدة الحياة الإقتصادية والتكوين النفسي والعقلي الذي يترجم ويتجسد في الثقافة المشتركة ".

مفهوم الأمة في الفكر السياسي الجزائري :
يمكن ادراج تعريف الإمام عبد الحميد بن باديس " الأمة الجزائرية تكونت وهي موجودة مثلما تكونت مختلف أمم الأرض ، هذه الأمة لها تاريخها ، لها وحدتها الدينية واللغوية ولها ثقافتها وتاريخها ".
.*الاقليم البري :هو اليابسة التي يعيش عليها سكان الدولة .محتوى الاقليم البري :يحتوي على مافوق الاض وما تحتها حتى الانهار الداخلية .حدود الاقليم البري :تكون طبيعية الجبال الاودية اصطناعية مثل الأسلاك الشائكة
الاقليم البحري :هو الماء الكثير أجاجا كان ام فراتاأولا المياه الداخلية:هي المياه الملتصقة بالشاطئ.نظامها القانوني : هي جزء لا يتجزء من اقليم الدولة .
الموانئ البحرية:الميناء: هو منذ طبيعي تقيمه الدولة على شاطئها.
المرفأ: هو خليج بحري تحتمي فيه لسفن.
المرسى: منطقة بعيدة عن الساحل تحتمي فيها السفن.
المركز القانوني للسفن العامة : هي التابعة للدولة او التي تقدم خدمات للدولة ولا تدخل في التجارة.
ثانيا الخلجان: عبارة عن مسافة من البحر تتغلغل في اقليم الدولة .
الخليج الواقع في اقليم الدولة الواحدة :يجب ان لا يزيد اتساعه عن 24 ميلا يعتبر من المياه الداخلية
الإقليم الجوي :
يشمل إقليم الدولة كامل المجال الجوي الذي يقع فوق إقليمها البري والبحري إلى غاية نهاية الغلاف الجوي للكرة الأرضية حوالي(60إلى80كلم ).

طبيعة علاقة الدولة بالاقليم :ظهرت عدة نظريات: -
1-حق عيني : هو المحل الذي تمارس عليه الدولة سيادتها
2-نظرية الاقليم كعنصر من العناصر المكونة للدولة : يربط الاقليم بالدولة .
3- الاقليم كحد للسلطة : هو المكان الذي تمارس فيه السلطة .
4- نظرية الاختصاص: هو الحيز الذي يطبق فيه الجانب القانوني .
5- المجال الحيوي : تبرر السيطرة على الاقليم بأي طريقة .
طبيعة سلطة الدولة على الإقليم :أنها سلطة شاملة : السيطرة على موجودات الاقليم بشريا وماديا .-انها سلطة استئثارية : استئثار الدولة بكافة السلطات

طرق اكتساب الاقليم :
أولا :الاسباب الاصلية :
1/الاستيلاء : وضع اليد على اقليم لا مالك له شروط الاستيلاء:- ألا يكون مملوكا للغير.- ان تظهر نية الدولة في الاستيلاء .- وضع اليد الفعلي : وهو ان تضع الدولة على الاقليم الذي تريد ضمه اليها ظهر في الفترة الاستعمارية .
طرق وضع اليد : اعلان الحماية الدبلوماسية وتحديد مناطق نفوذها .
02/ الاضافة : الاضافة التي تطرأ على الارض او السواحل .

ثانيا:الاكتساب نقلا عن الغير :
1/ التنازل : التخلي عن الاقليم لصالح الغير .
التنازل بطريق المبادلة : تبادل اقليم باقليم آخر ويتم بالتراضي بين الدواتين .
التنازل عن طريق البيع : غير موجود حاليا التنازل بمقابل مادي .
التنازل بدون مقابل : عادة ما يكون اجباريا تنازل المغلوب في الحرب .
شروط التنازل: ان يكون عن صادر عنه دولة لها اهلية قانونية دوليا .-اخذ رأي سكان الاقليم
2/ التقادم : اكتساب الاقليم عن طريق مباشرة السيادة عليه دون منازع .
شروط التقادم :- وضع اليد على الاقليم – ان يكون وضع اليد هادئا علنا أمام الملأ.** الانهار :وهي مجموعة الموارد المائية داخل اقليم الدولة .
الانهار الوطنية :هي التي تجري في اقليم الدولة وتكون ملكا لها .سيادة الدولة الكاملة على أنهارها الوطنية :هي ملك للدولة وغير مفتوحة على باقي دول العالم الانهار الوطنية ذات الأهمية الدولية :وفقا للعلاقات بين الدولتين.
الانهار الدولية :هي التي تربط بين اقليم دولتين او أكثر .
الوضع القانوني للانهار الدولية:يخضع لاحكام الملاحة البحرية مبدأ حرية الملاحة :نتيجة اتفاقية باريس المؤرخة عام 15/08/1808 وأكدها ميثاق فينا في جوان 1815 .اتفاقية برشلونة 20/04/1921 :بطلب من عصبة الأمم حول النقل والمواصلات .
استغلال ميله الانهار الدولية :يتم الاستغلال مع مراعاة الدول المجاورة في الاقليم .
السلطة الحاكمة في الدولة .
و تمثل السلطة الحاكمة العاصر التنظيمي في الدولة العصرية و يقصد هنا بالسلطة الحاكمة بالإدارة الحكومية الممارسة لوظائف الدولة و تكون تتمتع بسلطتها على الإقليم و هي تعرف اليوم بالحكومة أو السلطة و هي أنواع - سلطة قاهرة حائزة للقوة المادية و الكافية لتنفيذ قراراتها (الجيش الدرك الشرطة.
- سلطة قائمة على نظام قانوني يضفي على القوة المادية شرعيتها و يصوغ نتائجها كالنظام الشرطي و القضائي و ذلك على مستوى أعلى مما لدى الجماعات السياسة الأخرى كالأحزاب
- سلطة قادرة على إصدار قرارات نهائية و نافذة في نطاقها الإقليمي دون خضوع أو توقف أو تصديق من قوة خارجية فهي اختصاص إنفرادي إقليميا و مما سبق ذكره يمكن القول بأن الدولة لا تستطيع أن تقوم بدون حكومة تتولى وظيفتها السياسية و تأخذ هذه الحكومة في الحياة العملية بشكل مجلس تنفيذي أو مجلس حكومة أو مجلس المفوضين و تقوم بتنظيم العلاقات بين السكان و تدير الإقليم و تشغيل موارده و تستخدم ما تحت يدها من مصادر للثورة و القوة و تدعم وحدة الدولة و مكانتها الدولية و تتخذ كلمة الحكومة في التداول معنيين
الأول : عضوي و يعني الهيئة التي تتولى حكم الشعب و تمثيله وفق ما يقضي به القانون , كما تدل على أعضاء السلطة التنفيذية في الدولة ممثلة في رئيس الدولة و رئيس الحكومة و الوزراء و كتاب الدولة .
الثاني : وظيفي و من خلاله تدل كلمة الحكومة على ممارسة صاحب السيادة للسلطة العامة أو هي أعمال السيادة أو السيادة في حالة العمل و الحركة قياما بواجب الدولة .

* نماذج الحكومات : إذا كانت الحكومة في منظور القانون الدولي هي الهيئة التي تتولى حكم الشعب و تمثيله في الداخل و التاريخ فإنها تتخذ في الحياة العملية عدة نماذج و هي على النحو التالي :
الحكومة البرلمانية :
تنتمي هذه الحكومة إلى الديمقراطيات التقليدية و تستمد تقسيمها من خصائصها التالية :
- يعين رئيس الحكومة من طرف رئيس الدولة لأنه من طبيعة النظام البرلماني أن يكون مشتملا على مركزين متميزين هما رئيس الدولة و له صلاحيات و سلطة واسعة فعليه في تعيين رئيس الحزب على الأغلبية في البرلمان كرئيس للحكومة و المركز الثاني هو رئيس الحكومة لوزرائه و عادة يكونون أعضاء في البرلمان الحكومة هيئة جماعية يتحمل رئيس الحكومة تبعية تصرفات وزرائه و الحكومة مسؤولة جماعيا عن السياسة العامة أمام البرلمان الذي يمكنه إسقاطها إذا لم تحز على ثقته و هنا نستشف ثقل البرلمان في إبقاء الحكومة من عدمه .

الحكومة الرئاسية : و هذه الحكومة لها خصائص هي :

- يتولى رئاسة الحكومة شغل ينتخبه الشعب لمدة محدودة و يجري انتخابه وفق انتخابات البرلمان .رئيس الحكومة هو في نفس الوقت رئيس الدولة حيث يعين رؤساء المصالح الأخرى مع حرية التعيين لمن يشاء شريطة موافقة البرلمان في النهاية .رئيس الحكومة مسئول أمام الدستور و ليس أمام البرلمان و يمكن للبرلمان حق اتهام رئيس الحكومة بالخيانة العظمى إذا خالف الدستور
- رئيس الحكومة يمثل بمفرده السلطة و عند الاجتماع بالوزراء فهو غير مقيد بآرائهم و يتضح لنا من ذلك أن الحكومة الرئاسية تتميز بطابع الانفصال التام بين الحكومة و البرلمان .

حكومة الجمعية الوطنية : الميزة الواضحة في هذه الحكومة هي أنها تكون من لجنة يعينها البرلمان من بين أعضائه , و ليس لهذه الحكومة رئيس بزاته تتعقد له الزعامة على ما هو الشأن بالنسبة للنموذج حين السابقين (الحكومة البرلمانية و الحكومة الرئاسية) .
كما أنها لا توجد حكومة قائمة بذاتها .
و ليس عدم وجود حكومة على الإطلاق فهي محصورة بين السلطة التشريعية و التنفيذية كما هو الشأن في الإتحاد السوفياتي حيث نجد أن البرلمان المسؤول أصلا عن تكوين الحكومة .
• حكومة الفرد أو الأقلية : إذا كانت الحكومة الشعبية هي التي تختار أعضاؤها من الشعب و تعمل على تحقيق مصالح الشعب فإن السلطة في حكومة الفرد أو الأقلية محصورة في يد شخص واحد و هو الملك أو فرد مستبد كما هو الحال في الدولة الآسيوية و الإفريقية و أمريكا اللاتينية أو بيد أقلية من الأفراد من ينتمون للحكومة بحكم المولد أو السن أو القوة أو امتلاك الأراضي أو المستوى الثقافي أو الدين أو اللغة أو المؤسسة العسكرية أو في هذا النموذج للحكومات لا يصبح للشعب أي حق في الاشتراك في الحكم أو إدارة شؤون البلاد , و إذا و إن أقرت انتخابات رئاسية أو تشريعية فسيكون لإخفاء الوجه الاستبدادي القائم على إدارة الفرد أو الأقلية و عنه يمكن استخلاص مما سبق أن الحكومات تتصنف إلى ثلاثة أنواع هي :

أ- حكم الفرد : و هو حكم مطلق يكون تركيز السلطة فيه بيد شخص واحد و من الأمثلة عليه الملكية في العصور القديمة و الدكتاتورية (هتلر , ستالين)
ب – حكم النخبة : و توضع السلطة بيد مجموعة من الأفراد و هم أقلية متميزة لهم القوة المالية أو الصناعية أو العسكرية مثل الاقطاحيين و النبلاء
ج – حكم الأكثرية : و يعني حكم الشعب أو نواب الشعب الذين فوض لهم السلطة لكي يصنعوا القرارات المهمة و السياسات العامة نيابة عن المواطنين مثل (فرنسا , إنجلترا,الو .م . أ ).

الخصائص القانونية للدولة :
أولا : السيادة :

المعنى السياسي لمفهوم السيادة :
هي الحق أو السند الذي يستمد منه الحكام شرعية توليهم السلطة وحكمهم للآخرين ، أي مصدر السلطة السياسية في الدولة وأساسها
المعنى القانوني للسيادة :
أي أنها خاصية من خصائص الدولة والمتمثلة في حقها في ممارسة مجموعة من المهام والصلاحيات الداخلية والخارجية دون خضوع إلى سلطة أخرى تعلوها :
مضمون السيادة وصفاتها :
مضمون السيادة : هي خاصية وصفة لصيقة وملازمة للدولة والتي تزول بزوال هذه الخاصية .
المضمون السلبي : أي أن الدولة تمارس صلاحياتها دون الخضوع إلى جهة أو سلطة بشرية ما تعلوها من الناحية الخارجية وتؤثر فيها ولا تتعرض في الداخل إلى سلطة منافسة لها تعرقلها وتقيد إرادتها .
المضمون الإيجابي : هي مجموع الاختصاصات والصلاحيات التي تمارسها الدولة خارجيا وداخليا.
أ-السيادة الخارجية : هي مجموعة الحقوق والصلاحيات التي تمارسها الدولة في المجتمع الدولي ، مثل حقها في الانضمام الى المنظمات الدولية .
ب-السيادة الداخلية : هي كل الصلاحيات والمهام التي تمارسها الدولة على إقليمها وكامل السكان الموجودين فيه دون منازعة أو منافسة أو تدخل خارجي .

مظاهر السيادة :
1- احتكار الاختصاص : أي أن سلطة الدولة هي وحدها التي تمارس على اقليمها وعلى شعبها دون منافسة ويتضح ذلك من خلال :
احتكار ممارسة الاكراه المادي وحدها دون منافسة .
اقليمها بمنع أي قضاء آخر سواء للخواص أو لدولة أخرى .احتكار ممارسة القضاء في
من تعليم وصحة وبريد ودفاع وأمن ......تنظيم المرافق العامة
2- استقلال الاختصاص : أي أن الدولة مستقلة تماما في ممارسة سلطتها وبطريقة تقديرية ، أي لها حرية اتخاذ القرار والتحرك والعمل حسبما تراه ملائما ودون الخضوع إلى توجيهات أجنبية .
3-شمول الاختصاص : أي أن الدولة تنشط في جميع الميادين دون استثناء واعتراض بعكس المجموعات الأخرى التابعة لها .
صفات السيادة :
• أنها سلطة عليا :أي أنها لا تخضع لسلطة تعلوها .
• أنها سلطة أصيلة : أي أنها غير مستمدة من غيرها بل تجد نفسها من ذاتها ولا تتفرع عن سلطة تعلوها .
• أنها سلطة قانونية : أي أنها مبنية على القانون والدولة مقيدة بالقوانين والمبادئ التي تضعها وتهمل على احترامها وتمارس سيادتها في إطار سياسي منظم .

ثانيا : خضوع الدولة للقانون :
مضمون خضوع الدولة للقانون :أصبح خضوع الدولة للقانون خاصية تميز الدولة الحديثة ومبدأ من المبادئ الدستورية التي تجتهد كل دولة في تطبيقها واحترامها ويعني هذا المبدأ بصفة عامة خضوع الحكام وكافة الأجهزة ومؤسسات الدولة الممارسة السلطة للقانون ومثلها مثل الأفراد إلى أن يعدل أو يلغى ذلك القانون طبقا لإجراءات وطرق معروفة ومحددة مسبقا .هذا يعني أن الدولة ليست مطلقة الحرية في وضع القانون وتعديله حسب أهوائها حتى وغن كانت الدولة التي تضعه وتصدره بل هناك قيود وحدود نظرية وعملية تصطدم وتلزم بها وإلا كانت الدولة استبدادية حيث قسم الدولة من زاوية مدى احترامها للقانون إلى دولة استبدادية لا تخضع للقانون ودولة قانونية تخضع له وتلتزم بمبدأ المشروعية التي يعني ضرورة مطابقة أعمال وتصرفات الحكام ومؤسسات الدولة للنصوص القانونية السارية المفعول واسنادها إليها وقد وجدت عدة ميكانيزمات ومبادئ تضعه موقع التطبيق في الدولة الحديثة النظريات المقرة لمبدأ خضوع الدولة للقانون :
نجد منها نظرية ق . ط. و نظرية الحقوق الفردية، نظرية التقيد الذاتي وأخيرا نظرية التضامن الإجتماعي، لكننا أخذ النظريتين (القانون الطبيعي ونظرية التقيد الذاتي) وذلك لتأثير البارز أكثر من النظريات الباقية .
نظرية القانون الطبيعي: ترى أن سلطة الدولة مقيدة بقواعد القانون الطبيعي وهي قواعد سابقة عن وجود الدولة وأن العدالة وقواعد القانون الطبيعي قيد على الحكام يجب الالتزام بها، ومن أصحاب هذه النظرية أرسطو ، تشرون ، وبول ، وأخلص مدافع عن هذه النظرية ليفور، والذين يقولون بأن إرادة الدولة ليست مطلقة في القيام بأي تصرف تريده يل هي خاضعة لقوة خارجية عنها وتسمو عليها وهي قواعد القانون الطبيعي وبرزت أكثر هذه النظرية في القرنيين 17 و18 على يد الفقيه " جروسيوس"
لم تسلم هذه النظرية من النقد حيث وجهت لها إنتقاد خاصة من طرف الفقيه الفرنسي" كاري دي مالبرغ "الذي يعتبر قواعد القانون الطبيعي لا تشكل قيدا قانونيا على إرادة الدولة فهي مجرد قيد أدبي أو سياسي لأن القواعد لا تصبح قانونية إلا إذا تقرر لها جزاء مادي معين والدولة هي من تضع الجزاء وتلزم الأفراد به فكيف توضع الجزاء على نفسها .
نظرية التقييد الذاتي: والتي تعد من أهم النظريات وهي تقوم على أساس فكرة جوهرية تتمثل في أن الدولة لا يمكن أن تخضع لأي قيد من القيود إلا إذا كان نابعا من ارادتها الخاصة وهذا الأمر يتماشى مع خاصية السيادة التي تتمتع بها،فقواعد القانون التي تقيدها هي من يصنعها وبالتالي يتحقق التقييد الذاتي ونشأة هذه النظرية في ألمانيا من روادها "حنيليك" وتبناها في فرنسا الفقيه "كاردي مالبرغ ". رغم اقتراب هذه النظرية من الواقع إلا أنها لم تسلم من الانتقاد، ويعبر الفقيه الفرنسي ليون ديجي من أعنف المنتقدين لها حيث انتهى به القول إلى أنه لا خضوع إذا كان الخضوع من إرادة الخاضع وأنه ليس من المنطقي أن يقيد شخص نفسه بإرادته، فهذا القيد كاذب وأن هذه النظرية تحمل في طياتها الاستبداد .

ضمانات خضوع الدولة للقانون :

ضمانات قيام دولة قانونية هي الممارسة العملية للسلطة والدساتير أسفرت عن تكريس ضمانات قانونية تسمح بتطبيق مبدأ خضوع الدولة للقانون .
1-وجود الدستور:الدولة بدون دستور لا تعتبر دولة قانونية لما يتميز به من خصائص تميزه عن غيره من القوانين فهو المنشأ للسلطات والمحدد لاختصاصاتها والتزاماتها واحتوائها ويقيد السلطة التشريعية في سنها اللوائح التي يجب أن تكون مجسدة للدستور، كذلك نجد يحدد للسلطة التنفيذية فيما تحدده من قرارات ولوائح وكذلك يفيد السلطة القضائية في حكمها في النزاعات والدستور الذي يحدد للأفراد حقوقهم وحرياتهم ويعتبر قمة النظام القانوني في الدولة لسموه على كل القانون وتعديله لا بد من إجراءات معقدة.
2-الفصل بين السلطات : صاحب هذه النظرية هو الفقيه "مونتسكيو" في كتابه "روح القوانين " يرى أن السلطة بطبيعة مستبدة ولهذا يجب على كل سلطة احترام القواعد التي وضعها لها الدستور لكي تمارس بموجبها اختصاصاتها لا تعتمد على كل صلاحيات سلطة أخرى هذا من ناحية الموضوعية ومن الناحية الشكلية فإن السلطة لها جهاز معين وهذا ما سماه "مونتسكيو" أن السلطة توقف السلطة، ويقتضي على أنه تجمع السلطة في يد واحدة فكل واحدة مستقلة عن الأخرى .
3/ سيادة القانون: بمعناه السلطة التنفيذية ملتزمة في إصدار اللوائح بالقانون للسلطة التشريعية الخضوع للقانون فهي ملتزمة بالقانون
4/تدرج القواعد القانونية : القواعد القانونية مندرجة من حيث القوة من الأعلى إلى الأسفل أي أن قانون في الدولة موضوع في شكل هرمي قمته الدستور قانون العادية ثم اللوائح التنظيمية
5/ الرقابة القضائية : رقابة تشريعية وإدارية وقضائية فكلهم وسيلة لحماية الفرد من اسنداد السلطة وتعسفها فالرقابة التشريعية الأغلبية البرلمانية "سياسة " والإدارية تجعل الفرد تحت رحمة الإدارة فهي حلم وطرف أحيانا غير حيادية وتبقى الرقابة القضائية مواجهة لمن يخالف القانون فيجب ان يكون مستقل وحيادي عن كل السلطات في الدولة فقد تتعسف السلطة التشريعية أو التنفيذية بإصدار قوانين لا يقبلها الشعب فتبقى الرقابة القضائية لنرى وتحكم بالعدل حتى وأن كان القضاء مزدوج .
6/ الاعتراف بالحقوق والحريات العامة : يجب أن يكون هناك اعتراف صريح بحريات وحقوق الأفراد وتقديسها لكن الدولة الحديثة أضافة تدخلها بشكل إيجابي، متمثل في حمايتها لهذه الحقوق والعمل على تحقيق تنمية للأفراد حقوق اقتصادية اجتماعية وثقافية .
7/ الرقابة الشعبية : وليس بمعناها الضيق أي عن طريق المنتخبين على مستوى البرلمان ولكن يقصد بها المعنى الواسع فالشعب له دور حاسم وأساسي في اجبار الدولة للخضوع للقانون واحترامه في طريق الجمعيات أو الأحزاب ….إلخ
8/المعارضة السياسية :
على أساس التعددية الحزبية تسمح بوجود معارضة منظمة للسلطة الحاكمة وتعمل على انتقاد السلطة الحاكمة وكشف عيوبها وبالتالي محاولة اخذ السلطة بموجب القانون وعن طريق الانتخابات.
ثالثا :الشخصية المعنوية : هي الاعتراف لمجموعة من الأموال أو من الأفراد بأهلية أداء أو وجوب وبأن تدخل ميدان النشاط القانوني بإسمها الخاص مستقلة عن الأفراد الذين أنشأوها أو يستفيدون منها أو يكونونها

خصائص الشخصية المعنوية :
1- أنها شخصية آنية وحالة : توجد بمجرد وجود الدولة دون حاجة الى نص قانوني سابق أو الاعتراف بها من الغير .
2- أنها غير مقيدة بهدف أو غرض معين : مثل الأشخاص الاعتبارية الأخرى المقيدة بالهدف الغرض الذي أنشأت من أجله .
3- أنها شخصية قانونية تمتع بامتيازات السلطة العامة :عكس الشخصية القانونية للأفراد أو الأشخاص المعنوية الأخرى .
النتائج المترتبة عن الشخصية المعنوية :
1- التمتع بالشخصية القانونية : أي تحمل الالتزامات مثل الأفراد العاديين وتتصرف بإسم كل الأفراد ولها ذمة مالية خاصة بها ويتم التصرف فيها بإسم الدولة ولحسابها وأن سلطانها منفصل عن الحكام .
2- استمرارية وديمومة الدولة : أي أن الدولة تدوم دون أن يكون لتغير الحكام أو طبيعة الحكم أي دخل في ذلك .
3- وحدة الدولة : أي أن الدولة تبقى واحدة على مر العصور وأن جميع قراراتها تصدر بصفة عامة وموجهة لجميع أفراد الدولة
أشكال الدولة
الدولة البسيطة ( état unitaire )
تعريف الدولة البسيطة : الدولة البسيطة هي التي تمثل الشكل البسيط في تركيبها الدستوري علة غرار عكس الدولة المركبة و البسيطة هي التي تنفرد بإدارة شؤونها الداخلية و الخارجية و لها دستور و سلطة قضائية و سلطة تنفيذية واحدة و علم واحد. مثال : فرنسا ,ايطاليا و كل الدول العربية ما عدا الإمارات العربية المتحدة فدستورها يبين ذلك و يطبق على كافة أنحاء الإقليم .

و تتجسد وحدة الدولة في أركانه التالية :
- من حيث السلطة :
الوظائف العامة في الدولة تتولها سلطات واحدة و هي ثلاث و ينظمها دستور :
- الوظيفة التشريعية ووضع القوانين و تتولاها سلطة تشريعية واحدة .
- الوظيفة التنفيذية ووضع القوانين و يخضع لها جميع الأفراد في الدولة.
- الوظيفة القضائية ووضع القوانين و يلجأ إليها الأفراد للفصل في المنازعات في إطار الدولة الواحدة .
من حيث الجماعة :
*يعتبر أفرادها وحدة واحدة يخضعون لنفس القوانين الواحدة الافيما يخص المسألة الإدارية و لايؤثر في اتساع رقعتها الجغرافية أو تكون من عدة أقاليم .
خصائص الدولة الموحدة .
-1/مخاطب فيها الجماعة متجانسة على بالرغم من اختلاف العادات و التقاليد بين أفراد الجماعة
-2/وحدة السلطة الثلاث في الدولة : كتوحيد الاجتهاد القضائي و أخيرا إن السلطة الحاكمة لاتقبل التجزئة3/يمكن العمل بمبدأ الاستثناء من القاعدة العامة ,عند اختلاف الظروف السكانية و المكانية داخل الإقليم الواحد كاندماج الحديث للإقليم الدولة يحتاج إلى فترة معينة للتأقلم هذا فيما يخص مواصفات الدواة البسيطة و هذه الخيرة تكون ملكية كالمغرب و الأردن و السعودية أو جمهورية مثل الجزائر و تونس و ليبيا.
- المركزية الإدارية :ايجابيات تتلخص في تحقيق الوحدة الوطنية و توفيره للنفقات .
- السلبيات : عجم التعرف علة حقيقة المشاكل في إقليم الدولة ,التركيز الشديد للسلطة .
كيفية ممارسة الوظيفة الإدارية داخل النظام الإداري المركزي أما يكون على أسلوب التركيز الإداري أو على أسلوب عدم التركيز الإداري .
- التركيز الإداري : هو جمع جميع السلطات البث والتقرير في يد الرئيس الإداري .
أما عن التركيز الإداري :
هو تفويض بعض السلطات الرئيسية للمرؤوسين أو الموظفين الكبار ,و يصبح الرئيس صاحب الإشراف و التوجيه و التخطيط داخل إدارته ونظم هذا الأسلوب لتحقيق النظام الإداري المركزي(المرفقي)و(ألمصلحي) .

المطلب الثالث :المركزية و اللامركزية الإدارية.
اللامركزية الإدارية في الدولة البسيطة ( الموحدة ): يمكن للدولة البسيطة أن تعمل بالمركزية الإدارية و اللامركزية الإدارية.
فالمركزية الإدارية : يقصد بها أن تكون السلطة مركزة في العاصمة (قصر الوظيفة الإدارية في الدولة على ممثلي الحكومة و هم الوزراء و يعرفها البعض «بأنها التنظيم الإداري الذي تقوم به السلطة العامة الإدارية التنفيذية بتسيير جميع الشؤون الإدارية المتعلقة بالمرافق إما مباشـــرة أو بالواسطة».
اللامركزية الإدارية : تعني توزيع الوظيفة الإدارية بين الحكومة المركزية و بين الحكومة هيئات أخرى لها قدر من الاستقلال ولكن تحت رقابة الحكومة المركزية .

صور اللامركزية الإدارية:
-1/اللامركزية الإقليمية:هي عندما يمنح المشروع جزء من إقليم الدولة الشخصية المعنوية مثل المجالس البلدية – المجالس القروية و لكن يبقى تحت رقابة ووصاية السلطة المركزية .
-2/اللامركزية المرفقية المصلحية: يمنح مرفق عام أو قومي أو محلي الشخصي المعنوي يمارس نشاط معين بقدر من الاستقلال تحت إشراف السلطة المركزية مثل المؤسسات العامة المختلفة ,الجامعات والمؤسسات .
*من خلال ما سبق يتبين لنا المركزية و اللامركزية الإدارية لا تتعلقان بنظام الحكم في الدولة ولا لا في شكلها و لكن تتعلقان بكيفية ممارسة الوظيفة الإدارية .
الدولة المركبة .هي الدولة التي تتكون من دولتين أو أكثر أي هي مجموعة من الدول المترابطة أو المتحدة فيما بينها ضمن أشكال متعددة تمثل الاتحاد الشعبي الفعلي و ألتعاهدي أو الفدرالي ثم الدولة الاتحادية الفدرالية ,و الدولة الفدرالية هي أهم أشكال الدولة المركبة بأتم معنى الكلمة في الوقت الراهن سواء من حيث الشيوع و الرواج و أيضا شكل الدولة المركبة يصدق بصفة خاصة على الدولة الفدرالية و الاتحادية .
الاتحادات القديمة .
الاتحاد الشخصي : هو من صور الاتحاد بين الدول و هذا النوع يراه أغلبية الفقهاء انه وليد الصدفة لأنه ناتج لأسباب و دوافع طرفية مرحلية للدولة بزوالها يزول هذا الاتحاد و يتكون هذا الاتحاد إما : -1/ الاتحاد لشخص حاكم ( ملك إمبراطور – أو رئيسا لجمهورية .) نتيجة اجتماع حق وراثة عرش دولتين في يد الأسرة الملكية .-2/أو نتيجة زواج بين عرشين ملكين (x) انجلترا + هانوفر (1714-1816) , لكسمبورغ + هولندا -3/أو يتحقق على اثر اتفاقية دولية .-4/عن طريق الانتخابات لشخص واحد رئيسا للجمهورية .
*و تبقى كل دولة مستقلة متميزة عن الدول الأخرى الداخلة في الاتحاد من حيث الشخصية القانونية أو السيادة الداخلية و الخارجية و حتى قوانينه.و يبقى مواطنين كل دولة أجانب بالنسبة للدولة الأخرى .*تعد الحرب بين دول الاتحاد الشخصي حرب دولية بالرغم من أن الرئيس واحد لكل دولة و بالتالي أي علاقة تقوم بين هذه الدول تحكمها قواعد القانون الدولي .*لايلزم في الاتحاد الشخصي تشابه نظم الحكم للدول المكونة له ( ملكي دستوري ملكيا مطلقا)
الاتحاد الحقيقي : يقوم هذا الاتحاد بين دولتين أو أكثر وتخضع جميع الدول التابعة للاتحاد لرئيس واحد و تندمج في شخصيتين لدولة واحدة تمارس الشؤون الخارجية و التمثيل الدبلوماسي باسم الاتحاد و تبقى كل دولة محتفظة بدستورها و قوانينها و أنظمتها الداخلية
و تجد الاتحاد الحقيقي يختلف مع الاتحاد الشخصي من حيث أن الدولة الداخلة فيه تفقد شخصيتها الدولية وكل اختصاصاتها الخارجية وينتج عنه: **1/توحيد السياسة الخارجية و التمثيل الدبلوماسي والقنصلي.
**2/تعتبر الحرب التي تقوم بين دول الاتحاد أهلية لا دولية . مثال على دول الاتحاد الحقيقي أو الفعلي :السويد – النرويج 1815الى 1905.النمسا – المجر 1867الى 1918.الدنمارك –اسلندا 1918الى 1914.
الاتحادات الحديثة .
الاتحاد الاستقلالي الكنفدرالي . ينشأ من اتفاق بين دولتين أو أكثر في معاهدة دولية في تكوين هذا الاتحاد أو الانضمام إليه و تحتفظ كل دولة باستقلالها الخارجي و سيادتها الداخلية .المعاهدة أو الاتفاقية هي أساس نشأة الاتحاد الاستقلالي و يبين الأهداف المشتركة للدول مثل ضمان استقلال كل دولة و الدفاع عن أمنها الخارجي و العمل على تحقيق مصالح اقتصادية متبادلة و هذا تشرف عليه الهيئة سواء كانت جمعية أو مؤتمر أو مجلس يتكون على أساس المساواة بين الدول الأعضاء بغض النظر عن قوتها أو مساهمتها أو عدد سكانها ولا تغير الهيئة فرق دول الأعضاء و لكن تبقى مجرد مؤتمر سياسي و القرارات التي تصدرها بإجماع الدول في الغالبية
• و تبين كل دولة محتفظة و متمتعة بسيادتها الداخلية كاملة و شخصيتها الدولية لها الحق في التمثيل السياسي مع الغير و عقد المعاهدات بشرط أن لا تتعارض مصالح و أهداف الاتحاد التي تقيمها إحدى دول الاتحاد ضد الدولة الأجنبية .
• الحروب التي تكون بين دولة أجنبية الافي نطاق ما تم الاتفاق عليه الحرب التي تكون بين الدول الاتحادية تكون حرب دولية لا أهلية.
• رعايا كل دولة من الاتحاد ,يظلون محتفظين بجنسيتهم الخاصة لان العلاقة مجرد ارتباط تعاهدي و حسب رأي الفقه أن حق انفصال للدول تقرره حسب ما تراه مناسبا و متماشيا مع مصالحها الوطنية.
مثال على الاتحاد الاستقلالي :
- الاتحاد السويسري :بين المقاطعات السويسرية عام 1815الى غاية 1848و بعدها أخذت بالاتحاد المركزي للاتحاد العربي (جامعة الدول العربية ).
الفرع الثاني :الاتحاد المركزي الفدرالي( état fédéral).
إذا كانت اغلب الاتحادات السابقة قد نشأت بمقتضى معاهدة دولية ووصفت بأنها اتحادات قانون دولي فان الاتحاد المركزي ينشأ و يخضع للقانون الدستوري فهو اتحاد قانون دستوري .
وهو ليس اتفاق بين الدول ولكن هو في الواقع دولة مركبة تتكون من عدة دول أو عدة دويلات اتخذت معا , و ينشأ الاتحاد المركزي بعدة طرق :
- الطريقة 1: أما تجمع رضائي أو جبري لدول كانت مستقلة ,فاتحدت فيما بينها و انتهت عن اتحادها دولة اتحادية كما في الولايات المتحدة الأمريكية و سويسرا.
- الطريقة 2: أو ينشأ نتيجة تقسيم مقصود لأجزاء متعددة من دولة سابقة كانت بسيطة وموحدة كما في الاتحاد السوفيتي سابقا و روسيا حاليا .
ودول هذا الاتحاد تفقد سيادتها في المجال الخارجي و تنصهر في شخصية دولية واحدة فإنها تحتفظ بجزء كبير من المجال الداخلي فيكون لكل ولاية دستورها وقوانينها الخاصة و سلطاتها التشريعية و التنفيذية و القضائية الخاصة بها , ويبقى لدولة الاتحاد المركزي دستورها الاتحادي و سلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية أما الشؤون الخارجية فيتولاها الاتحاد وبالتالي هذه الأخيرة يعتبرها القانون الدولي شخصية دولية إما الدول (الولايات)لايكون لها ذلك .

مظاهر الاتحاد من الناحية الخارجية و الداخلية :

* من الناحية الخارجية : تتقرر الشخصية للدولة الاتحادية فقط بخلاف الولايات الأعضاء فيها التي لايكون لها شخصية دولية و يترتب على ذلك :
- 1/ تتولى الدولة الاتحادية إعلان الحرب و عقد الصلح و إبرام المعاهدات و الإشراف على القوات المسلحة للاتحاد.
-2/ للدولة الاتحادية وحدها الحق التمثيل السياسي و الدبلوماسي و الانضمام للمنظمات الدولية . أما التعاهدات التي سبقت و ارتبطت بها بعض الدول التي انضمت للاتحاد المركزي فإنها تنقضي ذلك كنتيجة لانقضاء الشخصين الدولية للدول الأعضاء في هذا الاتحاد .

* من الناحية الداخلية : تتكون دول الاتحاد المركزي من عدد من الدويلات و هذه الأخيرة تتنازل عن جزء سيادتها للدولة الاتحادية و لها حكومة يطلق عليها الحكومة الاتحادية و لها سلطاتها التنفيذية و التشريعية و القضائية و تحتفظ الدويلات الأعضاء في الاتحاد بحكومتها المحلية و يجب أن يحترم و لايجوز مخالفته و نجد الولايات يتفتح ببعض مظاهر السيادة الداخلية فيكون لكل واحدة سلطة تشريعية ,تنفيذية و قضائية .و يلزم جميع الأفراد في الولايات بما يملك الدستور و ماتشنه السلطة التشريعية و ما تقوده السلطة التنفيذية و الأحكام القضائية الصادرة عن السلطة القضائية و على رأسها المحكمة العليا .هذا و بالرغم ما تتمنى به الولايات من الاستقلال الداخلي كما ذكرنا سابقا فان ما ذهب إليه أغلبية الفقهاء لايمكن وصفها بالدول أو الاعتراف لها بهذه الصفة .ليس لأنه ينقصها السيادة الخارجية ولكن لان الدولة الاتحادية تمارس جزء كبير من مظاهرها .

hadia369
2011-10-03, 11:07
مركزية الإدارة و اللامركزية السياسية: إذا كانت اللامركزية الإدارية تعني في مجملها توزيع الوظائف الإدارية بين السلطة المركزية الموجودة في العاصمة والهيئات الأخرى المحلية أو المرفقية فان مفهوم التوزيع يبقى في دائرة مباشرو الوظيفة الإدارية , فهو نظام إداري لا يتعلق بنظام الحكم السياسي أو شكل الدولة , فكما يمكن إعماله في الدولة الاتحادية يمكن إعماله في الدولة البسيطة الموحدة .

أما اللامركزية السياسية , فهي عبارة عن نظام سياسي يتعلق بكيفية ممارسة السلطة في الدولة ,يهدف إلى توزيع الوظيفة السياسية بين الدولة الاتحادية من ناحية الولايات من ناحية أخرى .وعلى هذا فان هذا التوزيع السياسي يفترض ازدواجية السلطات في الاتحاد المركزي و لايتحقق هذا الازدواج الافي الاتحاد المركزي , ويعمل باللامركزية الإدارية في الدولة البسيطة كأسلوب إداري ينظمه قانون إداري و يتم معالجته ضمن موضوعات الأنظمة السياسية و القانون الدستوري . هامش التمييز بين المركزي الفدرالي فقد جاء ذلك واضحا في ميثاق الجامعة العربية عندما أعطي لكل دولة في الجامعة حق الانسحاب من حق هذا الاتحاد (المادة 18).
التميز بين الاتحاد المركزي الفدرالي والاتحاد الاستقلالي الكونفدرالي: الاتحاد المركزي يتكون من عدد من الولايات لكل منها قدر من السيادة الداخلية و تشاركها فيها الدولة الاتحادية عكس السيادة الخارجية الكونفدرالي هي من اختصاص الدولة الاتحادية وحدها دون الولايات .
1/أما الاتحاد الاستقلالي الكونفدرالي ألتعاهدي : فهو على شكل معاهدة بين عدة من دول و تبقى كل دولة محتفظة بكامل شخصيتها الدولية و سيادتها الداخلية.
2/يستمد الاتحاد الاستقلالي أو الكونفدرالي وجوده من المعاهدة التي تتم بين الدول الأعضاء في حين ينشأ الاتحاد المركزي من خلال عمل قانون داخلي و هو الدستور الاتحادي
.3/الانفصال حق مقرر لكل دولة داخلة في الاتحاد الاستقلالي وهو مرفوض في الاتحاد المركزي . *تتولى اختصاصات الاتحاد: الاستقلال و تعين أهدافه هيئة مشتركة تسمى جمعية أو مؤتمر أو مجلس الاتحاد . *يتمتع أفراد الشعب في الاتحاد المركزي بعينة واحدة ,أما الاستقلالي حسب الخاصة يدولهم في أجانب في الدول الأعضاء الأخرى الحرب .

مزايا نظام الاتحاد المركزي الفدرالي :
- قادر على توحيد دول ذات نظم متقادرة و متعاينة في دولة واحدة و يصفه البعض بأنه يمكن تطبيقه على قارة بأسرها مثل الولايات المتحدة الأمريكية.- يعمل على التوفيق بيت مزايا الدولة الموحدة و في نفس الوقت يمنح الاستقلال الذاتي للولايات . - يعتبر هذا النظام حقلا واسعا للتجارب في الأنظمة السياسية حيث القوانين والنظم التي ثبت نجاحها في إحدى الولايات يمكن تطبيقها و الاستفادة منها في الولايات الأخرى .
عيوب نظام الاتحاد المركزي الفدرالي :1/قد السلطات العامة و ازدواجها يؤدي إلى نفقات مالية كبيرة التي يتحملها المواطنون على شكل ضرائب .2/يؤدي إلى تقنين الوحدة الوطنية و هذا عندما تكون الولايات قوية على حساب السلطات الأولوية الاتحادية.3/يقدر السلطات و اختلاف التشريعات يؤدي إلى منازعات و مشاكل تفوق تنظيم مرافق الولايات .*رغم الانتقادات فقد أصبح الاتحاد المركزي الوسيلة الناجحة التي تصبوا إليها شعوب و إتباعها.

المبحث الثالث : النظرية العامة للدساتير
مفهوم الدستور : يمكن تعريف الدستور انطلاقا من معيارين أحدهما شكلي والآخر موضوعي
-المعيار الشكلي : هو مجموعة القواعد المدونة في وثيقة او أكثر .
-المعيار الموضوعي : مجموعة القواعد القانونية المتعلقة بالسلطة السياسية في الدولة من حيث إنشائها وإسنادها وتنظيمها وممارستها سواء كانت قواعد مكتوبة أو غير مكتوبة .

أنواع الدساتير :
1- الدستور المدون : وهو أن تكون القواعد القانونية مجمعة ومدونة في وثيقة أو أكثر من طرف السلطة المختصة وفقا للإجراءات التي تعتمدها .
2- الدستور غير المدون (العرفي): هو عبارة عن سلوكات تتعلق بالسلطة وممارستها وكل ما يلحق بذلك من أعراف وتقاليد ومبادئ عامة أو قيم أخلاقية تتبلور تدريجيا عبر الزمن حتى تصبح مشكلة لدستور عرفي .
3- الدستور المرن : هو الذي يتم تعديله بصورة عادية مثله مثل غيره من القوانين دون إتباع إجراءات معقدة .
4- الدستور الجامد : هو الذي لا يمكن تعديله إلا بإتباع جملة من الشروط وأن لا يتعدى جملة من المبادئ والقيم العامة في الدولة مثل اللغة والدين والمعتقد.
5- دستور القانون : وهو المتواجد في غالبية الدول الليبرالية إذ يكتفي فقط بتحديد المبادئ القانونية العامة في الدولة دون تطرقه إلى طبيعة النظام الاقتصادي المتبع
6- دستور برنامج : وهو الذي يتم من خلاله تحديد النهج الاقتصادي الذي تسير عليه الدولة .

محتوى الدستور :

الأحكام المتعلقة بتنظيم المجال السياسي :
1- الأحكام التي تؤسس شرعية السلطة : وهنا نجد أن الدساتير تعمل على إبراز وتكريس شرعية السلطة العامة في الدولة ومصدرها من الشعب الذي يعد هو صاحب السيادة في المجتمع وأن الحكام يمارسون الحكم بتخويل منه باعتبارهم ممثليه الشرعيين الذين يعبرون عن إرادته .
2- أحكام تتعلق بطبيعة الدولة وطبيعة نظام الحكم فيها : مثل الشكل بسيطة كانت أو مركبة كما يحدد الدستور نوع الحكومة في الدولة مثل الحكم الجمهوري أو الملكي أو رئاسي أو برلماني أو غير ذلك .
3- الأحكام المتعلقة بتنظيم السلطة والعلاقات بين السلطات : تحدد الأحكام التي يخضع لها الحكام مثل مبدأ الفصل بين السلطات ومداه بين المرونة والجمود وكذلك الحال بالنسبة لشكل الحكم وطبيعة البرلمان .

أحكام أخرى :
1- تكريس ثوابت المجتمع في المجال الاقتصادي والاجتماعي والثقافي : أي أن الدستور يقوم على خلفية اديولوجية معينة .
2- إقرار وضمان الحريات والحقوق الفردية: و ينص عليها عادة في بداية الدساتير مثل إعلانات حقوق الإنسان والمواطن.
3- أحكام مختلفة: وتختلف من دستور لآخر مثل الرقابة على دستورية القوانين وكيفية تنظيمها وقد يحتوي على أحكام انتقالية.

نشأة وتعديل الدساتير :
1- السلطة التأسيسية: عادة ما تصدر الدساتير المكتوبة عن سلطة عليا في الدولة وتمتاز أنها أصيلة وأولية وغير مقيدة بشرط.
طرق وضع الدساتير :
أولا: الطرق غير الديمقراطية:
1-أسلوب المنحة: هو أسلوب قديم ساد لدى العروش الملكية الأوربية ويكون الدستور هنا من ذات الحاكم دون أن يكون للحاكم دخل في ذلك لا في مرحلة الإعداد أو الإقرار ولكن تجدر الإشارة أن هذا الأسلوب ما كان ليقوم به الملك لولا الضغوط الشعبية.
2-أسلوب التعاقد: ويكون ذلك بعد ثورة على الحاكم بحيث يجبرون على توقيع وثيقة يفرض فيها الثوار شروطهم ومطالبهم أي أنها عبارة عن نص بتعاقدي يقيد من إرادة الحاكم .
ثانيا: الطرق الديمقراطية:
1-أسلوب الجمعية التأسيسية: يقوم الشعب بانتخاب ممثلين له الذين يضعون الدستور المعبر عن إرادة الشعب ويصبح نافذا بمجرد مصادقة الجمعية التأسيسية عليه.
2- أسلوب الاستفتاء الدستوري: وهنا يتم انتخاب جمعية تأسيسية تتكفل بوضع مشروع دستور ثم يعرض هذا المشروع على الاستفتاء الشعبي للمصادقة عليه ويصبح نافذا بمجرد موافقة الشعب عليه .
وأحسن طريقة هي الدمج بينهما.
تعديل الدستور: وهو التغيير الجزئي لأحكامه سواء بالإضافة أو الإنقاص أو بالإلغاء
ضرورته: لأنه لابد أن يتماشى الدستور مع الظروف المحيطة بالمجتمع التي تقتضي تكييفه وملائمته مع هذه المستجدات .
شروطه:أي أن يتم وفقا للشروط الواردة فيه والتي يتطلبها.
القيود التي ترد على التعديل:-منع التعديل بصفة مطلقة.وكذلك منع تعديل الدستور إذا كان يرمي إلى إلغاء أحكامه ولابد من تحقق الأغلبية المطلوبة عند قراءة البرلمان لمواده.وكذلك يمنع تعديل الدستور في حالات معينة مثل حالة الحرب وكذلك التعديل الذي يمس بمقومات الدولة مثل الدستور الجزائري حيث منع التعديل الذي يمس بمقومات الجمهورية(الإسلام،العروبة،والأ مازيغية).

إجراءات التعديل:
1-المبادرة بالتعديل: لقد حصرت في جهتين وهما رئيس الجمهورية أو البرلمان أو معا أو أحدهما .
2-إقرار التعديل: ويتم ذلك أن يتم التعديل وفقا للأسلوب الذي وضع به وبالنصاب الذي يحدده عند التصويت أو أن يعرض على الشعب إذا كان يتطلب الإستفتاء الشعبي .

انقضاء الدساتير :
1-الطرق القانونية: إما عن طريق الأسلوب الذي يحدده الدستور نفسه والراسخ أنه لا يمكن أن يحمل الدستور كيفية إلغائه لامتيازه بالثبات والاستقرار وإنما يمنح فكرة الإلغاء الجزئي ويتم أيضا الإلغاء عن طريق الاستفتاء الشعبي.
2-الطرق غير القانونية:
أ- الثورة الشعبية: وهنا عندما يكون الشعب غير راض عن الحكم وهي عملية يتم من خلالها التغيير الجذري لنظام الحكم ويترتب عليه بالضرورة إلغاء الدستور.
ب- الانقلاب : وهو الإجراء الذي يقوم به أحد أو مجموعة من الطبقة السياسية وعادة ما يكون مدبر الانقلاب الجيش لذا يسمى بالانقلاب العسكري وطهي ظاهرة تنتشر في دول العالم الثالث مثل ما حدث في موريتانيا مؤخرا.

سمو الدستور والرقابة على دستورية القوانين:
الرقابة بواسطة مجلس دستوري ظهرت في فرنسا ويقصد بها إنشاء هيئة خاصة لغرض التحقق من مطابقة القانون للدستور قبل صدوره ويعود الفضل في ظهور هذه الفكرة عن الرقابة إلى الفقيه الفرنسي " Sieyes " والغرض من هذه الهيئة حماية الدستور من الاعتداء على أحكامه من قبل السلطة ويعود تفصيل " Sieyes " للرقابة السياسية على الرقابة القضائية لأسباب تاريخية منها أعمال العرقلة في تنفيذ القوانين في فرنسا والتي كانت تقوم بها المحاكم المسماة بالبرلمانات حيث كانت تلغي القوانين وهو ما جعل رجال الثورة يقيدون سلطات المحاكم ومنعها من التدخل في اختصاصات السلطة التشريعية أما بالنسبة للأسباب القانونية فترجع إلى مبدأ الفصل بين السلطات فقد أعتبر تصدي القضاء للرقابة دستورية القوانين تدخلا في اختصاصات السلطتين التشريعية والتنفيذية ومن الناحية السياسية استند في تبرير عدم الرقابة إلى أن القانون هو تعبير عن إرادة الأمة وهذه الإرادة أسمى من القضاء وعليه فلا يجوز له التعرض لمدي دستورية أو عدم دستورية قانون يعبر عن إرادة أمة.ورغم هذا ففكرة " Sieyes " وجدت مساندة وتأييدا لها فيما بعد، بل ولقيت نجاحا في الأخير حيث نص دستور سنة الثامنة للثورة (15/12/1799) على استناد مهمة الرقابة إلى مجلس الشيوخ حامي الدستور على أن تكون سابقة لصدور القوانين وسمح له بإلغاء القوانين المخالفة ومع ذلك فإن هذا المجلس تحول إلى أداة في يد ناجيلون يسيرها كيف يشاء ومن بين أسباب عجز هذه الهيئة النص في الدستور على أنها لا تراقب إلا القوانين التي تحال عليها من هيئة التربيونات ولا يعقل أن تقدم هذه الهيئة القوانين التي لا تتماشى وسياستها للمجلس وفيما بعد أسندت الرقابة إلى هيئة سياسية تسمى المجلس الدستوري الذي يتألف من أعضاء كانوا رؤساء الجمهورية منهم من هو على قيد الحياة وتسعة آخرين يعين رئيس الجمهورية ثلاثة ويعين رئيس الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ كل منهما ثلاثة أعضاء أما رئيس الجمهورية فنختار رئيس المجلس من بين الأعضاء التسعة ومدة العضوية تسعة سنوات غير قابلة للتجديد على أن يجدد الثلث كل ثلاث سنوات كما لا يجوز لهؤلاء الأعضاء الجمع بين العضوية في المجلس وفي البرلمان أو الوزارة أو المجلس الاقتصادي والاجتماعي.


اختصاصات المجلس الدستوري:
1/ التحقق من مطابقة أو مخالفة القوانين التي يسنها البرلمان للدستور وذلك بناء على طلب رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الشيوخ أو 60 نائب من أحد المجلسين.2/ المجلس الدستوري يشرف على انتخاب رئيس الجمهورية ويختص في النظر في الطعون المقدمة بشأن انتخابية كما يشرف على صحة الاستفتاءات الشعبية ويعلن نتائجها ويفصل في النزاعات الخاصة بصحة انتخاب النواب في البرلمان.ويعاب على النظام الجديد خضوع أعضائه أو بعضهم للتيارات السياسية التي ينتمي إليها الأشخاص الذين عينوهم وبالخصوص السلطة التنفيذية التي تتمتع بالعدد الأكثر من الأعضاء فإلى جانب الأعضاء الثلاث يوجد رؤساء الجمهورية الذين على قيد الحياة والصوت المرجح لرئيس المجلس المعين من طرف رئيس الجمهورية في حالة تعادل الأصوات، ومع ذلك فإن تعديل "1974" قد تقلص العديد من الانتقادات حيث سمح لعدد من النواب أن يكونوا من المعارضة.والجدير بالذكر أنه إذا كان يطغي الطابع السياسي على تشكيل المجلس فإن الطابع القضائي يطغى على أحكامه، فصلا عن كفاءة أعضائه مما يطغي عليه نسبيا استقلالية كبيرة.
الرقابة السياسية على دستورية القوانين بواسطة هيئة نيابية
انتشر هذا النوع في الدول ذات الأنظمة الاشتراكية والغرض منه هو أن لا تعلو كلمة أية جهة على الهيئات المنتخبة الشعبية التي تمثل الشعب في ظل نظام الحزب الواحد كما أن غرضها لا يهدف إلى حماية حقوق بل يهدف إلى سيادة المجالس الشعبية المنتخبة و سموها على غيرها من الهيئات الأخرى مثل مجلس الوزراء في الاتحاد السوفياتي و الجمهوريات المعدة و مجالسها النيابية قبل انهيار الاتحاد و من بين الأنظمة التي أخذت بهذا النوع من الرقابة الاتحاد السوفياتي سابقا حيث أسندت المهمة إلى هيئة رئاسة السوفيات الأعلى فقد جاء في المادة 121 الفقرة الرابعة ما يلي: (هيئة رئاسة السوفيات الأعلى مطابقة دساتير و قوانين الجمهوريات المتحدة لدستور و قوانين الاتحاد السوفياتي) و تنص الفقرة الخامسة على أن هذه الهيئة تقوم بتفسير قوانين الاتحاد السوفياتي كما تلغي قرارات و أوامر مجلس وزراء الجمهوريات المتحدة إذا كانت غير مطابقة للقانون.
أيضا نجد دستور جمهورية ألمانيا الشرقية لسنة 1968 يسند تلك المهمة إلى مجلس الدولة حيث يتأكد من دستورية القوانين.يوجه انتقاد لهذا النوع من الرقابة كونها لا تسند تلك المهمة إلى هيئة مستقلة عن البرلمان و إنما تسندها إلى نفس الهيئة التي تقوم بمهمة التشريع و هذا يعين المراقبة الذاتية.بالتساؤل الذي يطرح نفسه كيف أن هيئة تضع قانونا تم بعد إقراره يقوم بمراقبة؟ و هذا دليل على خفق الرقابة.إن الذي يجب ملاحظته هو أن هذا النوع من الرقابة يتماشى و عمل السلطة التشريعية إلى جانب هذا فإن الرقابة السياسية تخص فيما إذا كان القانون المنظور فيه مطابقة للدستور أو مخالفا له.و تسمع هذه الرقابة بتجنب سوء التفاهم بين السلطات، و ذلك بتفادي تضارب الأحكام لو أسندت مهمة الرقابة لعدة محاكم و كانت ملزمة.
أما عيوبها فتتمثل في تأثير الهيئة القائمة على الرقابة بآراء الجهات التي قامت باختيار أعضائها، وينجم عن هذا عدم الممارسة الفعلية للهيئة لمهمتها المتمثلة في الرقابة و هذا يسمح للبرلمان بالاعتداء على أحكام الدستور و هنا تصبح الرقابة دون جدوى.كذلك نجد أن هذا النوع من الرقابة يبعد القاضي عن الثقة فضلا عن أقصار تدخل هذه الهيئة إلا في الحالات التي تطلب منها جهات معينة ذلك مما يبعد الأفراد عن التنظيم من احتمال اعتداء السلطة التشريعية على حرياتهم المحددة في الدستور.و أخيرا فإن هذا النوع من الرقابة لا تحقق هدفه بالكامل نظرا لأن رفع قضية مخالفة قانون للدستور من طرف الهيئات المختصة لا يكون إلا حين لمس مصلحها مما يؤدي إلى الامتناع عن القيام بذلك إذا كانت القوانين الصادرة لا تمس مصالحها رغم أنها مخالفة للدستور.

الرقابة القضائية على دستورية القوانين
الرقابة عن طريق الدعوى الأصلية الرقابة عن طريق الدعوى تعنى أنه بالامكان رفع دعوى قضائية ضد قانون معين على أساس أنه غير دستوري، وهذا أمام محكمة مختصة بالنظر في مثل هذه الدعاوى.
فالرقابة القضائية عن طريق الدعوى تتمثل إذن في أن كل مدعي سواء كان فرد أو هيئة يرى أو يفقد أن قانونا غير دستوريا و أنه متضرر منه أوله مصلحة في إلغائه فيحق له أن يرفع دعوى قضائية أمام محكمة أو أية جهة قضائية يحددها الدستور نفسه، يطالب فيها بإلغاء ذلك القانون و يترتب عن هذا النوع من الرقابة مجموعة من الخصائص:

1- هذه الرقابة لا توجد إلا إذا نص عليها الدستور نفسه و حدد شروط ممارستها بالنسبة للمدعين.
2- هذه الرقابة من اختصاص جهة قضائية معينة يحددها الدستور (مثل أن ينشئ مجلس دستوريا أو يحول هذا الاختصاص إلى المحكمة العليا في الدولة).
3- لا تقوم هذه الجهة القضائية بالرقابة إلا بناء على دعوى ترفع أمامها.
4- تكون الرقابة سابقة إذا كانت مقصورة على سلطات عليا في الدولة، أو لاحقة إذا امتدت إلى الأفراد، وتكون محددة زمنيا (الرقابة) بعد صدور القانون تحقيق لاستقرار المعاملات القانونية.
5- المحكمة قد تلغي القانون كليا أو جزئيا، أو ترفض الدعوى وتبقى على القانون حين يكون مطابقا للدستور.
6- إذا حكمت بإلغائه، فإن أثر الإلغاء يسري على الماضي والمستقبل، ولا يترتب عن ذلك القانون أي أثر، كما يمس الحكم الجميع، سواء كانوا أفراد أو سلطات مهما كانت طبيعتها.
أمثلة على هذا النوع من الرقابة: وجد في العديد من البلدان: سويسرا، ألمانيا، إيطاليا، النمسا وبعض البلدان العربية كالعراق، الكويت، مصر، السودان.

الرقابة عن طريق الدفع :
ويعني أنه بمناسبة رفع قضية أو نزاع ما أمام القضاء، ورأى أحد الأطراف أن القاضي قد يطبق قانونا معينا على هذا النزاع، فيدفع (أي يحتج) أن أمام القاضي أن هذا القانون غير دستوري إذا كان يفتقد ذلك، فيتصدى القاضي للنظر في هذا الدفع فإذا تبين له أن القانون المطعون فيه غير دستوري فعلا، فلا يطبقه على النزاع ويستعبده دون أن يلقيه، ويترتب عن ذلك.
1- هذه الدعوى المرفوعة أمام القاضي لا تتعلق بالرقابة على دستورية القوانين و إيضا تثار و تطرح مسألة مدى دستورية قانون معين قد يطبق على هذا النزاع بصفة عارضة أو استثنائية فقط إذن فهي ليست دعوى للقانون.
2- لا يتعرض القاضي الى بحث مسألة دستورية ان أو عدم دستوريتها الا اذا دفع أحد أطراف الخوصمة بذلك من أجل الدفاع عن نفسه و لاستبعاد تطبيق القانون
3- إذا ما تبين للقاضي أن القانون الذي دفع به أحد الاطراف قانون غير دستوري فإنه لا يطبق في ذلك النزاع فقط ، و لذلك فهو لا يستطيع إلغائه و هذا بين أن أثر هذا النوع من الرقابة أثر محدود بالمقارنة مع الرقابة عن طريق الدعوى حيث لا يتجاوز أثر نطاق الدعوى المرفوعة أمام القاضي
4- هذه الرقابة أساسها مبدأ تدرج القواعد القانونية و ضرورة خضوع القواعد الدنيا للقواعد العليا
- ظهرت الرقابة على دستورية القوانين عن طريق الدفع في الولايات المتحد الامريكية بصفة تلقائية و تم تكريسها منة طرف المحكمة الامريكية العليا سنة 1803 بمناسبة قضية «ماربوري ضد ماديزون» و قد لعب القاضي مارشال دور حاسم في إقرارها و انتهجت دول أخرى هذا المنهج مثل كندا ، أستراليا ، المكسيك ، و عدة دول من أمريكا اللاتينية .
الرقابة عن طريق الحكم التقريري
شخص يلجأ إلى المحكمة يلتمس منها إصدار حكم يقضي بدستورية قانون معين مراد تنفيذه، يتوقف تنفيذ القانون على هذا الشخص إلى غاية حكم المحكمة، إذا كان غير دستوري، امتنع الموظف المكلف عن تطبيقه، هذا الأسلوب قبل الاستعمال ظهر في الو.م.أ وهو قليل الاستعمال.

الرقابة السياسية على دستورية القوانين:
تتم الرقابة السياسية عن طريق هيئتين: الرقابة بواسطة مجلس دستوري و الرقابة بواسطة هيئة نيابية.
الرقابة السياسية
ظهرت في فرنسا و الفضل إلى الفقيه الفرنسي سييز SIEYES غرضها حماية الدستور من الاعتداء على أحكامه و يرجع السبب القانوني لإنشاء هذا النوع إلى مبدأ الفصل بين السلطات، لقيت فكرة سييزر نجاحا و تأييدا لها فيما بعد، حيث نص الدستور السنة الثامنة للثورة الفرنسية (15/12/1799) على إسناد الرقابة لمجلس الشيوخ، بعدها أسندت الرقابة إلى هيئة سياسية تسمى المجلس الدستوري (تسع أعضاء).
ثلاثة (3) يعينهم رئيس الجمهورية
ثلاثة (3) يعينهم رئيس الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ أيضا يعين 3 (العضوية مدتها 3 سنوات).
اختصاصاته:
- التحقق من مطابقة أو مخالفة القوانين التي يسنها البرلمان للدستور.
يشرف الدستور على انتخاب رئيس الجمهورية و على الطعون المقدمة بشأن انتخابه وإعلان نتائج الاستفتاءات وصحتها.
عيوبه: خضوع بعض أعضائه للتيارات الإسلامية التي ينتمي إليها الأشخاص الذين عينوهم خصوصا السلطة التنفيذية.
ملاحظة: يطعن الطابع السياسي على تشكيل المجلس فإن الطابع القضائي يطعن على أحكامه وكفاءة أعضاء المجلس تصغي عليها استقلالية كبيرة.
الرقابة السياسية بواسطة هيئة نيابية:ظهر هذا النوع في الدول الاشتراكية غرضه أن لا كلمة تعلو على الهيئات المنتخبة الشعبية وهدفها أيضا سيادة المجالس الشعبية المنتخبة مثل (مجلس الوزراء في الإتحاد السوفياتي و الجمهوريات المتحدة ومجالسها النيابية) وخير مثال: الفقرة الرابعة من الدستور السوفياتي المادة 121 (هيئة رئاسة السوفيات الأعلى في الإتحاد السوفياتي تمارس الرقابة على التنفيذ بدستور الإتحاد السوفياتي، وتؤمن مطابقة دساتير وقوانين الجمهوريات المتحدة لدستور وقوانين الإتحاد السوفياتي.
انتقادات: عدم استقلالية الهيئة عن البرلمان فكيف يعقل لهيئة تضع قانون ثم تقوم بمراقبته، مع هذا فإن هذا النوع يتماشى وعمل السلطة التشريعية، بحيث تسمح بتجنب سوء التفاهم بين السلطات بتفادي تضارب الأحكام لو أسندت الرقابة لعدة محاكم.
عيوبها:
- عدم الممارسة الفعلية للهيئة لمهمتها بفعل تأثرها بآراء من قام باختيارها، هذا يؤدي إلى اعتداء البرلمان على الدستور.
- ابتعاد القاضي عن الثقة ، وتدخل الهيئة في الحالات التي تطلب منها جهات معنية التدخل ويؤدي هذا بالأفراد إلى عدم التنظيم خوفا من اعتداء السلطة التشريعية على حقوقهم هذا النوع من الرقابة لا يحقق هدفه بالكامل لأن رفع قضية مخالفة قانون للدستور لا يكون إلا إذا مس مصالح الهيئات المختصة برفع قضية مخالفة دستور .
الرقابة القضائية على ; دستورية القوانين
الرقابة القضائية تتم عن طريق القضاء:
الرقابة عن طريق الدعوى الأصلية
- رفع دعوى قضائية ضد قانون على أنه غير دستوري يكون أمام محكمة مختصة
- يحق لكل فرد أو هيئة رفع دعوى قضائية يطالب فيها بإلغاء ذلك القانون ولهذا النوع مجموعة خصائص:
1/ هذه الرقابة بموجب الدستور.2/ هذه الرقابة بموجب الدستور.3/ لا تقوم الجهة القضائية بالرقابة إلى بموجب دعوى رفع أمامها.4/ تكون الرقابة مهددة زمنيا و سابقة بالنسبة للسلطات العليا ولاحقة بالنسبة للأفراد.
5/ المحكمة تلقى أو ترفض الدعوى وتبقي على القانون إذا كان مطابقا للدستور.6/ إذا ألفية المحكمة فإن المحكمة فإن لإلغاء يسري على الماضي والمستقبل.أمثلة: سويسرا، ألمانيا، إيطاليا، النمسا وبلدان عربية العراق، الكويت، مصر، السودان.
الرقابة عن طريق الدفع
عندما ترفع قضية أو نزاع أمام القضاء ورأى أحد أطراف هذا أن القاضي قد يستعمل قانونا معينا فيدفع (يحتج) أمام للقاضي أن القانون غير دستوري.1/ يترتب عن هذا أن: أن الدعوى ليست دعوى للقانون (صفة عارضة).
2/ لا يحق للقاضي التطرق إلى بحث دستورية القوانين أو عدمها إلا دفع أحد أطراف الخصومة بذلك.
3/ إذا ما بين أنه غير دستوري فإنه لا يطبقه ولا يستطيع إلغائه ــ أثر هذا النوع من الرقابة أثر محدود بالمقارنة بالرقابة عن طريق الدعوى فهو لا يتجاوز الدعوى المرفوعة أمام القاضي.4/ من هذا النوع من الرقابة أسسه مبدأ تدرج القوانين.
الرقابة عن طريق الحكم التقريري
شخص يلجأ إلى المحكمة يلتمس منها إصدار حكم يقضي بدستورية قانون معين مراد تنفيذه
يتوقف تنفيذ القانون على هذا الشخص إلى غاية حكم المحكمة إذا غير الدستوري ، امتنع الموظف المكلف عن تطبيقه هذا الأسلوب قليل الاستعمال ظهر في الولايات المتحدة الأمريكية.
المبحث الرابع: طرق ممارسة السلطة في الدولة:

أشكال وأنظمة الحكم في الفكر التقليدي :
1-عند المفكرين القدامى:أ- أرسطو: وصنفها على النحو التالي:أ/1- الحكومة الفردية: والتي يطلق عليها اسم "مونارشيا" أوي الحكم الفردي.والتي ترتكز على فرد واحد.أ/2- حكومة الأقلية ولها صورتان:الأرستقراطية: أي طبقة خيار الناس وهم يخضعون إلى حكم فاضل ويخدمهم ومصالحهم.البلوتوقراطية: وهنا يتحول المجتمع إلى مجتمع يحكمه أقلية من الأغنياء لا يهمهم الصالح العام .أ/3 حكومة الأغلبية: وتأخذ صورتين:
• الجمهورية: وهي التي تعتمد على رضا أغلبية من السكان ويكون الحكام من الوسطاء أي نظام الحكم المعتدل.
• الديمقراطية: أي سلطة الشعب المكون أساسا من الفقراء والأغنياء.
ب-ابن خلدون: وقسمها إلى ثلاث أنواع :
ب/1- الملك الطبيعي: أي أنه حكم استبدادي لا يتقيد بأية قواعد قانونية أو أخلاقية وهو حكم مطلق.
ب/2- الملك سياسي: وهو الذي يهدف إلى جلب المصالح الدنيوية ودفع المضار وهو حكم يعتمد على قواعد ومبادئ من صنع الإنسان.
ج/ مونتسكيو: قسم الحكومة إلى ثلاثة أنواع :
ج/1- الجمهورية: والتي تنقسم بدورها إلى نوعين:
• الجمهورية الديمقراطية: أي الحكم للشعب.الجمهورية الأرستقراطية: أي الحكم لأقلية من الناس يخضع لهم عامة الناس.ج/2- الحكومة الملكية: وهو موكول لشخص واحد يحترم القانون ويساعده في مهامه مجموعة من النبلاء.ج/3- الحكومة الاستبدادية: تعتمد على العنف .التصنيف على أساس معايير مختلفة:1/ معيار الخضوع للقانون: أ/الحكومة القانونية: أي الحكومة التي تخضع للقانون سواء من طرف الحكام أو المحكومين على حد السواء ولا يهم طبيعة الحكم فيها.ب/ الحكومة الاستبدادية: وهي الحكومة التي يسودها إرادة الحاكم.أو الحكام دون السعي لتحقيق الصالح العام 2/ معيار التعددية السياسية:
أ/ الحكومات المونوقراطية:
وهي التي تفرض التعددية السياسية وتأخذ صورتين :التسلطية: وهي التي يكون فيها الحاكم وصل الى الحكم بطريقة غير ديمقراطية.الشعبية:
والتي تقوم على أساس الحزب الواحد.ب/ الحكومات التداولية: والتي تقومك على التعددية السياسية ووجود المعارضة.
وهي إما برلمانية أو رئاسية أو جمعية.التصنيف السائد حاليا: أولا: الشكل الملكي :التي تكون فيها السلطة ممثلة في شخص واحد وهو الملك ويبقى فيها مدى حياته ويتولى الحكم عن طريق الإرث ولا يسأل سياسيا أو جنائيا.
ولها مجموعة من الصور:1/الملكية المطلقة: وهي التي ينعدم فيها الضوابط.
2-الملكية المقيدة: وهي التي يحترم الملك فيها القوانين.3-الملكية الدستورية الثنائية:
وهنا يتقاسم السلطة مع البرلمان أو يعين الحكومة التي تنوب عنه 4- الملكية الدستورية البرلمانية: وهي فكرة الملك يسود ولا يحكم .مثل بريطانيا.ثانيا:الشكل الجمهوري يقوم على أن الشعب هو مصدر السلطة وينتخب الرئيس من قبل البرلمان أو الشعب أو من طرف هيئة خاصة مكونة من ممثلي الدولة وتكون مدة الرئاسة محددة ويسأل الرئيس جنائيا وسياسي.ويتم بهذا الحكم على أساس اشتراك الشعب في اختيار الحكام وعلى أساس طبيعة العلاقة بين السلطات العليا .

hadia369
2011-10-03, 11:08
مداخلة بعنوان ا لتشريع باوامر في الدستور الجزائري
اللواء في الأحد يونيو 22, 2008 7:36 pm

استمارة مشاركة
في الملتقى الدول الثاني
حول
التعديلات الدستورية في البلدان العربية
اللقب والاسم: د. كيحل كمال.
الوظيفة: أستاذ مكلف بالدروس-قسم الحقوق جامعة أدرار.
الفاكس: 95 34 96 049 النقال: 22 86 11 075
عنوان المداخلة: التشريع بأوامر في الدستور الجزائري .

ملخص المداخلة:
في الدول ذات الأنظمة الديموقراطية حيث يسود مبدأ الفصل بين السلطات، يحدد الدستور سلطات الدولة، ويبين اختصاصات ونطاق عمل كل منها، فإذا تجاوزت إحدى هذه السلطات الحدود المرسومة لها اعتبر ذلك تعديا على أحكام الدستور وخروج عن أحكامه.
وتعتبر الديموقراطية النيابية أكثر الصور ملائمة وشيوعا في ديموقراطيات اليوم، ومن بين ما تقوم عليه الديموقراطية النيابية إعطاء السلطة التشريعية اختصاص سن القوانين باعتبارها الممثلة لإرادة الشعب، غير أن هذه السلطة لا توجد دائما في حالة انعقاد مستمر (عملها يتم عبر دورات)، إذ قد تغيب بصورة مؤقتة إما بصفة إرادية كما هو الحال بين دورتي البرلمان، أو رغما عنها وذلك عندما يصدر قرار بحل البرلمان.
لذلك تتجه دساتير أغلب الدول في مثل هذه الظروف إلى منح رئيس الدولة بصفة استثنائية سلطة إصدار أوامر تشريعية لمعالجة ما قد تواجهه الدولة من ظروف، تحتاج إلى إصدار قوانين تتصف بصفة الاستعجال.
ولا تختلف الدساتير فيما بينها في تحديد مصير هذا التشريع الاستثنائي، وذلك بالنص على ضرورة عرضه على البرلمان للموافقة عليه، ومن ثم يمكن أن يدخل ضمن البناء القانوني للدولة في حالة الموافقة عليه، أو إلغائه في حالة عدم إقراره.
وان كانت الأوامر التشريعية التي يوافق عليها البرلمان لا تثير إشكالا في هذا الشأن، فان جوهر الإشكال يثار هنا في الحالة التي يقبل فيها البرلمان هذه الأوامر من حيث المبدأ ولكن توجد لديه بعض الملاحظات بشأنها.
فإذا قلنا بأن الدستور يلزم البرلمان إما بالموافقة على التشريع الصادر ككل أو رفضه ككل (المادة 124/3 من الدستور)، فهل سيضطر في هذه الحالة إلى رفضه بالكامل حتى لا يقر بعض نصوصه التي يرى عدم دستوريتها أو عدم ملاءمتها، أم أنه سيضطر إلى إقراره دون تعديل، مما قد يشيع الاضطرابات وعدم الاستقرار في المراكز القانونية لاسيما إذا مرت مدة طويلة بين صدور التشريع بأوامر وعرضه على البرلمان للموافقة عليه.
مما تقدم فإن الإشكال الجوهري الذي ستتم معالجته في هذه المداخلة يدور حول تحديد الطبيعة القانونية لكل من التشريع بأوامر، ولقرار البرلمان الصادر بشأنها ، والطريقة المناسبة للحفاظ على استقرار المراكز القانونية التي نشأت في ظل التشريعات بأوامر قبل عرضها على البرلمان ؟



مـقدمـة:
في الدول ذات الأنظمة الديمقراطية حيث يسود مبدأ الفصل بين السلطات، يحدد الدستور سلطات الدولة، ويبين اختصاصات ونطاق عمل كل منها، فإذا تجاوزت إحدى هذه السلطات الحدود المرسومة لها اعتبر تعديا على أحكام الدستور وخروج عن أحكامه.
وتعتبر الديمقراطية النيابية أكثر الصور ملائمة وشيوعا قي ديمقراطيات اليوم، ومن بين ما تقوم عليه الديمقراطية النيابية إعطاء السلطة التشريعية اختصاص سن القوانين باعتبارها الممثلة لإرادة الشعب، غير أن هذه السلطة لا توجد دائما في حالة انعقاد مستمر، إذ قد تغيب بصورة مؤقتة إما بصفة إدارية كما هو الحال بين دورتي البرلمان، أو رغما عنها وذلك عندما يصدر قرار بحل البرلمان.
لذلك تتجه دساتير أغلب الدول في مثل هذه الظروف إلى منح رئيس الدولة بصفة استثنائية سلطة إصدار أوامر تشريعية لمعالجة ما قد تواجهه الدولة من ظروف، تحتاج إلى إصدار قوانين تتصف بصفة الاستعجال.
ولا تختلف الدساتير فيما بينها في تحديد مصير هذا التشريع الاستثنائي، وذلك بالنص على ضرورة عرضه على البرلمان للموافقة عليه، أو إلغائه في حالة عدم إقراره.
وسنقوم بدراسة هذا الموضوع من جانب تحديد الطبيعة القانونية لكل من التشريعات بأوامر، وقرار البرلمان بشأنها ؟ والطريقة المناسبة للحفاظ على استقرار المراكز القانونية التي نشأت في ظل التشريعات بأوامر قبل عرضها على البرلمان ؟




المبحث الأول: الطبيعة القانونية للتشريعات بأوامر
تنص المادة 124 من الدستور الجزائري على ما يلي:
"لرئيس الجمهورية أن يشرع بأوامر في حالة شغور المجلس الشعبي الوطني أو بين دورتي البرلمان.
ويعرض رئيس الجمهورية النصوص التي اتخذها على كل غرفة من البرلمان في أول دورة له لتوافق عليها.
تعد لاغية الأوامر التي لا يوافق عليها البرلمان.
يمكن رئيس الجمهورية أن يشرع بأوامر، في الحالة الاستثنائية المذكورة في المادة 93 من الدستور.
تتخذ الأوامر في مجلس الوزراء".
وتنص المادة: 38 من القانون العضوي رقم 99 – 02 المؤرخ في 08 مارس 1999 الناظم لغرفتي البرلمان والمحدد للعلاقات الوظيفية بينهما وبين الحكومة على ما يلي:
"يطبق إجراء التصويت بدون مناقشة على الأوامر التي يعرضها رئيس الجمهورية على كل غرفة للموافقة، وفقا لأحكام المادة: 124 من الدستور.
وفي هذه الحالة لا يمكن تقديم أي تعديل.
يعرض النص بكامله للتصويت والمصادقة عليه بدون مناقشة في الموضوع، بعد الاستماع إلى تقرير اللجنة المختصة".
استنادا إلى النصين السابقين تمر التشريعات بأوامر بثلاث مراحل هي:
المرحلة الأولى: المرحلة السابقة على تصديق البرلمان
خلال هذه المرحلة تكون للتشريعات بأوامر بعض مواصفات وخصائص القرارات الإدارية فيجوز، للسلطة التنفيذية التعديل فيها بنفس السلطة التي تتمتع بها على القرارات الإدارية التي أصدرتها، ما دامت سلطة إصدار التشريعات بأوامر لا تزال قائمة بقيام حالة الضرورة.
المرحلة الثانية: مرحلة العرض على البرلمان
باعتبار أن الدستور يلزم السلطة التنفيذية بعرض التشريعات بأوامر على البرلمان ، تتحصن هذه التشريعات بأوامر من كل تعديل من جانب السلطة التي أصدرتها. ليس على أساس أنها أصبحت قوانين، بل على أساس زوال الضرورة بعودة البرلمان للانعقاد مما يعني سقوط حق السلطة التنفيذية في إصدار أوامر جديدة، أو لتعديل أوامر سابقة[1].
المرحلة الثالثة: المرحلة اللاحقة لتصديق البرلمان
في حالة موافقة البرلمان على النصوص التي اتخذها رئيس الجمهورية تتحول طبيعتها القانونية من مجرد تصرفات لها بعض مواصفات القرارات الإدارية ، إلى قوانين كاملة تدخل في البناء القانوني للدولة.
وفي حالة عدم موافقة البرلمان على التشريعات بأوامر، يزول بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون[2].


المبحث الثاني: الطبيعة القانونية لقرار البرلمان بشأن التشريعات بأوامر
بعد تحديد الطبيعة القانونية للتشريعات بأوامر يتعين تحديد الطبيعة القانونية للقرار الذي يصدره البرلمان بشأنها، هل هو عمل برلماني أو عمل تشريعي ؟.
لمعالجة هذه الإشكالية يتعين البدء بعرض معايير التمييز بين العمل التشريعي والعمل البرلماني، ثم نصل في الأخير إلى تحديد مكانة قرار البرلمان بشأن التشريعات بأوامر بين العمل التشريعي والعمل البرلماني.
المطلب الأول: التمييز بين العمل التشريعي والعمل البرلماني
يعتبر البرلمان ما صحب الاختصاص الأصلي في مجال التشريع، والذي يشرع في المجالات التي يخصصها له الدستور [3].
لكن باعتبار البرلمان يقوم بأعمال تشريعية وأخرى برلمانية، يتعين تحديد معايير التفرقة بينهما، والتي تنحصر في المعيار العضوي والمعيار الموضوعي.
وفي هذا الإطار يعرف الفقه الأعمال البرلمانية بأنها جميع الأعمال القانونية والمادية التي تصدر من البرلمان وهو يقوم بوظيفته المخولة لهم بموجب الدستور، وذلك خارج نطاق وظيفة التشريع[4].
يستند هذا التعريف للتفرقة بين العمل البرلماني والعمل التشريعي للبرلمان على المعيار الشكلي، الذي تستبعد بموجبه الأعمال التشريعية التي تصدر وفقا للإجراءات المقررة لإصدار القوانين من فئة الأعمال البرلمانية.
ويجد المعيار الشكلي أساسه في مبدأ الفصل بين السلطات وما يتطلبه من عدم تدخل أي منها في عمل الأخرى.ومن السهل استنادا لهذا المعيار التمييز بين العمل التشريعي الصادر من البرلمان عن القرارات واللوائح والأوامر التشريعية الصادرة عن السلطة التنفيذية[5].
أما تمييز ما تقوم به السلطة التشريعية من تشريعات عن أعمالها البرلمانية، فيجب أن يتم بمعيار موضوعي، لذلك عرف البعض العمل البرلماني بأنه أعمال المشرع التي ليست لها صفة التشريع[6].
المطلب الثاني: تكييف قرار البرلمان بشأن التشريعات بأوامر
القرار الذي يصدره البرلمان بشأن التشريعات بأوامر إما أن يكون عملا برلمانيا، أو عملا تشريعيا، ولتحديد التكييف الدقيق لهذا القرار سنقوم بدراسة كل من الفرضين في فرع مستقل.

الفرع الأول: مدى اعتبار قرار البرلمان عمل برلماني
لقد وضع القضاء المصري معيارين لتحديد الأعمال البرلمانية، يتمثل الأول في التمييز بين التصديق القانوني والتأييد السياسي للعمل، والثاني التمييز بين العمل البرلماني وتنفيذه.
البند الأول: معيار التمييز بين التصديق القانوني والتأييد السياسي للعمل
يميز القضائين المصري والفرنسي في هذا المجال بين حالتين[7]:
الحالة الأولى: نكون بصدد هذه الحالة عندما يكون نفاذ عمل الإدارة معلق على تصديق البرلمان عليه، ولا ينتج آثاره إلا من تاريخ التصديق عليه، فيصبح العمل بعد هذا التصديق عملا برلمانيا ويتمتع بكامل الخصائص التي يتمتع بها هذا الأخير، فيتمتع بالحصانة ضد رقابة القضاء.
الحالة الثانية: هذه الحالة هي عكس الحالة الأولى، فنكون بصددها عندما لا يكون نفاد العمل الإداري معلق على موافقة البرلمان عليه، بل يكون هذا العمل نافذا ومنتجا لآثاره لحظة صدوره.
وهذه الموافقة لا تعطي للعمل الإداري قوة النفاذ، بل مجرد تأييد سياسي له، فيبقى هذا العمل بعد الموافقة عليه عملا إداريا لا يرقى إلى رتبة العمل البرلماني ويبقى خاضعا لرقابة القضاء.
إذا حاولنا تطبيق هذا المعيار على قرار البرلمان حين تعرض عليه التشريعات بأوامر، يتعين القول بأن هذا القرار هو عمل برلماني لأن التشريعات بأوامر وإن كانت لها قوة النفاذ قبل عرضها على البرلمان وبمجرد صدورها عن السلطة التنفيذية، غير أن مصير المراكز القانونية التي نشأت في ظلها قبل عرضها على البرلمان يبقى معلق على طبيعة القرار الصادر من البرلمان بعد عرضها عليه.
وباعتبار قرار البرلمان هو الذي يدخلها في البناء القانوني للدولة أو يخرجها منه، فلا بد أن يعتبر قرار البرلمان عملا برلمانيا محصن من رقابة القضاء.
البند الثاني: معيار التمييز بين العمل البرلماني وتنفيذه
يميز القضائين المصري والفرنسي[8] كذلك، بين القرار الصادر من البرلمان، والخطأ في تنفيذه من طرف الحكومة، ويقرر بأن القرار الصادر من البرلمان بالموافقة أو عدم الموافقة على التشريعات بأوامر، هو قرار يجد سنده في القواعد الدستورية، ولا يجوز أن يكون محلا لرقابة القضاء.
أما تنفيذ هذا القرار تنفيذا خاطئا من طرف الحكومة بأن قامت بتسوية الآثار الماضية للتشريع بأمر، فحين قرر البرلمان إلغاؤه بأثر رجعي، فيبقى قرار البرلمان في هذه الحالة خارج عن رقابة القضاء، لكن يجوز في هذه الحالة مخاصمة قرار الحكومة الذي بني على فهم خاطئ لقرار البرلمان، فيكون الخصم الحقيقي هنا عمل الحكومة وليس عمل البرلمان[9].
نخلص من عرض المعيارين السابقين، إلى أن الأخذ بأي منهما يؤدي إلى اعتبار قرار البرلمان خارج عن رقابة القضاء، غير أن بعض الفقهاء يرى أن هذا العمل يعتبر من قبيل الأعمال التشريعية للتبرير اللاحق.

الفرع الثاني: مدى اعتبار قرار البرلمان عمل تشريعي
يعتبر القرار الصادر عن البرلمان بشأن الموافقة أو عدم الموافقة على التشريعات بأوامر عملا تشريعيا، وإن كان قد صدر ابتداء من الحكومة.
وعدم قدرة البرلمان على تعديل التشريعات بأوامر أثناء مرحلة عرضها عليها، لا يزيل عن قراره تجاهها صفة التشريع، ما دام هذا الأخير يستطيع تعديلها أو إلغاؤها بقانون.
ومن جانب آخر، يمكن القول بأن العملية التشريعية تمر في ظروفها العادية بمراحل مختلفة يباشر خلالها البرلمان من غير شك عملا تشريعيا.
أما في حالة غياب البرلمان بسبب حله أو في حالة كونه في عطلة، فإن الضرورة تدعو على إصدار تشريع عن طريق السلطة التنفيذية، ولا يغير التشريع بأوامر من طبيعة العمل الذي يقوم به البرلمان، إذ لا بد من عرضه على البرلمان لاستكمال مسيرة العمل التشريعي الاستثنائي، إما بزواله وإما بالموافقة عليه ودخوله نهائيا في البناء القانوني للدولة. إذن فهو عمل تشريعي محصن من رقابة المحاكم.
وينبغي الإشارة في الأخير إلى أن طبيعة عمل البرلمان وهو يتصدى لتقرير مصير التشريعات بأوامر، لا يختلف باختلاف نتيجة التصويت، ذلك أن طبيعة العمل الذي يقوم به البرلمان واحدة سواء في حالة القبول أو الرفض.

hadia369
2011-10-13, 12:01
للمقبيلين علي مجستار خنشلة اتمني لكم الأستفادة من هذه الصفحة

salemdz
2011-10-13, 13:40
لك كل الشكر