المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القمل.. والحنان ..


tiout
2011-08-23, 01:55
حدّثني صديقي مسعود قال.
أذكر أيام طفولتي أن رأسي تعرض لغزو حشرة القمل. فكانت هذه الحشرة المتطفلة تنتقل بين أبناء القرويين خاصة، لطبيعة عيشهم، وظروف معيشتهم.
وذات يوم دخلت المنزل وتوجهت ناحية فناء البيت. أذكر أن الفصل كان شتاء وكانت أمي تحب الجلوس في الفناء لقضاء بعض حاجيات البيت تحت أشعة الشمس الدافئة، ففي ذلك اليوم وجدتها مكبّة على طبق من الحلفاء، وهي تلتقط الحصى والبذور بين حبيبات العدس، لقد كان عدسا رديئا من زمن الاشتراكية المبجل.
رفعت أمي رأسها وقالت: مسعود تعالى.. أقبل يابني.
فاتجهت نحوها ثم قالت اجلس.. ضع رأسك هنا. وأشارت الى حجرها
فجلست على السجاد وأنا أدفن رأسي في حجرها المليئ بعبق البخور. فقد المكان الوحيد الذي أستطيع أن أسند رأسي اليه وأنام فيه مرتاحاً مطمئناً، لتبدأ بعدها أنامل أمي الحانية بعملية تمشيط واسعة لأدغال شعري الأشعث. تعقبها بين الحين والآخر، ضغطة على الرأس، أسمع بعدها طَقّة خفيفة، فأعرف حينها أنها قصعت قملة ظفرت بها مختبئة بين الشعر، أما أنا فكنت أفكر في عربتي الجديدة التي صنعها لي أخي الأكبر مني سنا من القش والأسلاك. كنت أحلم باصطياد حمامة ابن جارنا. وأسرح بخيالي بين الشّعاب والوديان، وغابات النّخيل، في عالم لا أعرف فيه إلاّ اللعب والمرح..
رغم أن أنامل أمي كانت وسيلة قتل فتّاكة لجموع القمل التي غزت شعري، الا أنّها كانت جدولا من الحنان الملائكي، فثمّةَ سرّ يا أُمي في الأَمر، فَكيف لِضمة صدرٍ حانيَةً. ولمسة من أناملك المخملية، وغفوة خفيفة على حجرك الدافئ، أنْ تحتَوي مَالَم تحتويه أوطاننا اليوم.
ولا تزال أمي ساهرة على العناية برأسي حتى يصبح خاليا من مستعمرات القمل وبيوضها في غضون أيام.
فما كان يزيد من الترابط الأسري إلاّ القمل وعملية البحث عنه، خصوصاً أنه ينتقل من شخص لشخص في العائله، وكل واحد يحسّ بمعاناة أخيه،
حتى صرت أتمنى أن يعود ذلك العدو الى مستعمراته على رأسي، فتعود معه أنامل أمي النّاعمة، بل إنني فكرت لو كانت الأمور تأتي على مُرادي، لرفعت دعوى قضائية على شركات الشامبوهات التي تسببت في انقراض تلك الكائنات التي لم يخلقها الله عبثاً.
فكل أبناء ذلك الجيل الجميل، -والذين لن يتنكروا لماضيهم مهما كان- قد عايشوا تلك التجارب القاسيه والجميله في آن واحد، إنها حقائق ذلك الزمن، وإن كان يرويها الآخرون بشيء من التقزز. فعلينا ألاّ ننسى ماضينا وأن نتحدث عنه أمام الآخرين ولا نستاء منه ... أنا اعتقد جازماً أن من تجاوز عمره الخامسة والعشرين الآن كان يمتليء رأسه بتلك الزّواحف الجميلة خاصة القرويين أمثالي.
فياليتِ الزمن يعودُ بي إلى ماقبل بلوغ الهم..
ليتني أندفن بين أحضانك يا أمي ..
و إلى مالا نهاية أنتحب....
ليتني أسترد سكينتي وطفولتي وقملي..
فأسترد معها حنانك وحبك ومودتك..
فربما ترقّ الأيام ويحنّ الزمان وتعطف قسوة الحياة علي ويتحقق الأمل والرجاء والعودة إلى مملكتك التي ولدت بها وترعرعت عليها وعشت طفولتي فيها...
أمي ستبقين في قلبي مهما كانت الظروف وسيبقى شوقي إليك هو دمي الذي يجري في عروقي.
ولك الجنة بعد ذلك.
عقون أحمد

الراضية بقدرها
2011-08-25, 15:43
بارك الله فيك اخي..

mohammed tiout
2011-08-26, 17:13
السلام عليكم و رحمة الله
أخي العزيز أحمد
لقد نبشت عن زمن البساطة و التخلف ..و الجميل فيه هو حضن الأم
هو قلب الأم ..الأم و بطريقة فطرية كيف ربت و عاشت و مضت..
هي ذكريات مسعود الطفولية لتاريخ التهميش الذي عانت منه شعوب بأكملها
جهل و ظلم و ظلام فكان للقمل مكانة في قلب المستضعفين ..
و روعة مسعود و هو يذكرنا كي لا ننس واقعنا و أمهاتنا ..
و على وقع الأشواق و الحنين للأم و لحصنها جاءت الخاتمة لتذكرنا بمملكة الأم
التي ستبقى شامخة أبد الدهر.
ـــــــــــ
جميل ما قرأت هنا لغة و سردا و ذكريات مسعودية
وفقك الله أخي و أقول لك هل من مزيد؟.

اشبيلية
2012-03-22, 22:37
حنين يتدفق بغزارة هنا .........................


جميلة .

tiout
2012-05-18, 12:34
شكرا أختي الكريمة

الجليس الصلح
2012-05-23, 22:44
http://www.ct-7ob.com/vb/imgcache/110666.png

doom45
2012-05-24, 21:39
أحسنت التعبير والسرد أخي الكريم فخرج كلامك من قلب صادق يفيض شوق الى ذاك الزمان الجميل
بارك الله فيك

tiout
2013-07-20, 15:17
شكرا جزيلا أخي

حـبـيـبو عـبـدو السوفي
2013-07-29, 21:15
بارك الله فيك

أسير الطموح
2013-08-05, 05:38
بارك الله فيك فقد شعرت ان كلامك صادق حقااا
لكن للأسف .. أكره القمل كرها جاما انا لم اكن موجودا في زمانه ولكن كرهته لما كانت تحكيلي امي عليه

.........
جزااااااك الله خيرا

قمر الخلق
2013-08-07, 11:55
رغم أن في طيات القصة بعض الحزن وملامح الحرمان إلا أنه لا يسعني إلا القول أنها جميلة
واسلوبك أجمل في السرد

romi rosa
2013-08-09, 01:02
ابدعت يا اخي في الطرح مزيدا من الابداع والتالق بحول الله

tiout
2013-09-20, 23:57
شكرا لكم إخواني على مروركم الكريم

anfale 86
2013-10-09, 18:42
ألا ليت القمل يعود يوما **********************فأحكي له ماذا فعل الزمان فيا

أبوسهيل
2013-10-09, 22:07
عفا الله الأمة شر القمل قولو أمين

tiout
2014-04-13, 13:13
أمين يارب العالمين

ام البنات
2014-04-15, 11:30
مشكور أخي

http://images.aarabladies.com/media/images/331619e2.gif
فعلا ... الأُمُومَه أعظمُ هِبَةٍ خَصَّ الله بها النساء ( ماري هوبكنز )

http://images.aarabladies.com/media/images/331619e2.gif


وليس في العالم وِسَادَةٌ أنعم من حضن الأم ( شكسبير )
https://encrypted-tbn0.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcTktJhqVyQEYRpf4Sux_uOMG-MSdgfaQqVXWi0xDOGsRqImDYUt

توفيق1988
2014-04-15, 15:10
يقول صلى الله عليه وسلم امك ثم امك ثم امك ولنا في النبي صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة فلماذا الاستدلال بقول شكسبير ؟؟؟

tiout
2014-06-28, 15:46
الاستدلال بقول شكسبير من باب تنويع المصادر يا أخي الاستدلال بقول شكسبير من باب تنويع المصادر يا أخي

tiout
2016-04-21, 14:15
شكرا صديقي أبو سهيل

kala11
2016-05-05, 07:01
السلام عليكم ...لا يحتاج المرئ الى القمل حتى تحضنه أمه لأن صدرها لم تغلقه يوما و انما الأولاد فظلوا صدر اليس بوك و.....و....و....ثم رأيتهم للأم أنها متخلفة جعلها تضعف و تبتغد...انظروا الأم الحديثة هي من أبعدت ابنها ...قارورة الحليب...و المربيةو...و..... ليس لها الوفت............................................. ...............

أبو عاصم مصطفى السُّلمي
2016-05-05, 10:06
ما شاء الله لا قوة إلا بالله
تبارك الله رب العالمين
حلقتَ بي في فضاء ، أصبح في غياهب الزمان
رحمك يا أمي رحمة واسعة واصلة ، و أظن أنك اثرت اشتياقي إلى القمل
لو لا أني قد أوسدتُ أمي في لحدها و سددتُ عليها طينه بيدي هاتين
رحمك الله يا أمي و رحمك الله يا أبي
و رحمك الله يا كاتب هذه الكلمات و رحمك الله يا مسعود

لو لا أني أنعى عليك ها هنا قولك : الا أنّها كانت جدولا من الحنان الملائكي
فلو عدلتَ عن هذا اللفظ احتياطا للمسميات الشرعية و حفظا لجناب الشرع ، و للإيهام الحاصل بأن الملائكة إناث و ليس الأمر كذلك
جزاك الله خيرا

طاعة زوجي ..
2016-05-05, 15:16
أحنّ إلى خبز أمّي وقهوة أمّي ولمسة أمّي
وتكبر فيّ الطّفولة ، يوما على صدر يوم
وأعشق عمري لأنّي إذا متّ أخجل من دمع أمّي

قالها محمود درويش ، وبالفعل أحنّ إلى حضن أمّي التّي لم أقدّره حقّ قدره إلّا بعدما صرت أمّا وصرت أفقه جيّدا معنى هاته الأحرف
حفظك الله ياأمّي وأطال الله عمرك في الخير أنت وأبي ورحم الله كلّ من غابوا عنّا وصار القبر منزلهم
اللّهم ارحمهم واغفر لهم ونقّهم من خطاياهم كما ينقّى الثّوب الأبيض من الدّنس


سرد ووصف رااااائع بارك الله في صاحب الموضوع جعلنا نتذكّر بعضا من طفولتنا ، شكرا بقدر جمال تلك الأيام

kala11
2016-05-06, 15:52
انظر ماذا يقول هذا عن جفاء الأم:

هي الأم سماها ذلولاً لخلقهِ *** وقد أعرضت عني كإعراض ذي ذنبِ
إذا كان حال الأم هذا فإنني *** لأولى به منها إلى انقضا نحبـي

husam fayad
2016-07-07, 07:57
جزاك الله خيرا وبارك فيك اخي العزيز

فتاة متفائلة
2016-09-23, 11:11
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عندما قرأت هذه القصة تذكرت المقولة " ورب ضارة نافعة "

goga28
2016-11-09, 21:54
شكرا جزيلا

tiout
2017-06-21, 02:14
حفظكم الله إخوتي الكرام