ليتيم الشافعي
2008-10-25, 09:01
ملخص الخطبة، للشيخ صلاح بن محمد البدير.
1- أهمية الكلمة وخطورتها. 2- الكلمة الطيبة. 3- كلمة الكفر. 4- كلمة النفاق. 5- كلمة الشرك. 6- كلمة الفسوق. 7- كلمة الإرجاف والتحريش. 8- كلمة الغيبة والنميمة والطعن واللعن.
الخطبة الأولى
أمّا بعد: فيا أيّها المسلمون، اتقوا الله فإنّ تقواه أفضلُ زاد وأحسَنُ عاقبة في معاد، http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifإِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [هود:49].
أيّها المسلمون، الكلمةُ عنوان المرءِ، تُتَرجِم عن مُستَودعاتِ صَدره، وتبرهِن على مكنوناتِ قَلبِه، وتدَلِّل على أصله وعقلِه، وفَمُ العاقِل ملجَم، إذا همَّ بالكلام أحجَم، وفَم الجاهِلِ، مطلَق كلّما شاء أطلَق،والعاقِلُ من لزِم الصمت إلا عن حقٍّ يوضِحه أو باطلٍ يَدحضه أو خيرٍ ينشُرُه أو علمٍ يذكره أو فضلٍ يشكره، فعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif: ((مَن كان يؤمِن بالله واليوم الآخرِ فليقل خيرًا أو ليصمُت)) متفق عليه[1] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=7774#_ftn1). وبِتركِ الفضول تكمُل العقول، والخَرصُ خيرٌ من التفوُّه بالباطل، والبكمُ خيرٌ منَ النّطقِ بالكذِب والزّور، وشرّ الناس مائِلٌ بمقاله مميلٌ بلسانِه مُبطِل بكلامِه، وشرّ الكلام ما خالَفَ كتابَ الله وسنّةَ رسوله http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif ممّا تنبو عن قبولِه الطِّباع وتتجافى عن استِماعه الأسماع.
أيّها المسلمون، عثراتُ القولِ طريقُ الندَم، والمنطِق الفاسِد الذي لا نِظام له ولا خِطام عنوانُ الحرمان ودليل الخذلان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif: ((إنَّ العبدَ ليتكلَّم بالكلمةِ ما يتبيَّن فيها يزِلّ بها في النارِ أبعدَ ما بين المشرق والمغرب)) متفق عليه[2] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=7774#_ftn2)، وعند الترمذيّ: ((إنَّ الرجل ليتكلَّم بالكلمةِ لا يرى بها بأسًا يهوِي بها سبعينَ خريفًا في النار))[3] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=7774#_ftn3)، وعن بلالِ بن الحارث رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif يقول: ((إنّ أحدَكم ليتكلَّم بالكلمة من رضوان الله، ما يظنّ أن تبلغَ ما بلغت، فيكتب الله له بها رضوانَه إلى يوم يلقاه، وإنّ أحدَكم ليتكلَّم بالكلمة من سخَط الله، ما يظنّ أن تبلغَ ما بلغت، فيكتب الله عليه بها سخطَه إلى يوم يلقاه)) أخرجه الترمذي وابن ماجه[4] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=7774#_ftn4)، وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، وإنّا لمؤاخَذون بما نتكلَّم به؟! فقال: ((ثكِلتكَ أمّك يا معاذ، وهل يكُبّ الناسَ في النار على وجوهِهم إلاّ حصائدُ ألسنتهم؟!)) أخرجه الترمذي[5] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=7774#_ftn5).
أيّها المسلمون، الكلمة الطيّبة مغنَم، والكلِمة الخبيثة مأثم، وقد ضرَب الله لهما مثلاً وشبَّه لهما شبهًا: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifأَلَمْ تَرَى كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [إبراهيم:24-26].
والكلمة الطيِّبة ـ أيّها المسلمون ـ هي شَهادة أن لا إلهَ إلا الله وأنَّ محمّدًا رسول الله، كلمةُ الإسلامِ وأصدَقُ الكلام، الحجَّة الواضِحَة العظمَى والعروةُ الوثقى وكلِمة التقوَى، الكلمة العادِلَة السّواء، عاصِمَة الأموالِ والدّماء. شروطها:
العلم واليقيـن والقبـولُ والانقياد فادرِ ما أقول
والصدق والإخلاص والمحبّه وفّقَك الله لمـا أحبَّـه
معناها: لا معبودَ حقٌّ إلاّ الله، فلا يجوز السّجودُ ولا الذّبح ولا النّذر ولا الدعاء إلا لله، ولا الحلِف إلاّ به، ولا التوكّل إلا عليه، ولا يُلجَأ في الشدائدِ إلا إليه، وتحرُم الاستعَانَة والاستعاذَة والاستغاثة بمخلوقٍ ميّت أو غائبٍ أو فيما لا يقدِر عليه إلا الله، ويجِب على كلِّ مكلَّف إخلاصُ العبادة كلِّها لله وحده، ومن عمِل عملاً يلتَمِس به الدّنيا أو اجتلابَ المِدحةِ أو الفَخرَ والرّياء كان عملُه عليه مردودًا، فعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif: ((قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاءِ عن الشرك، من عمل عملاً أشركَ فيه معِيَ غيري تركتُه وشركَه)) أخرج مسلم[6] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=7774#_ftn6)، ((وأفضل الذكر لا إله إلا الله)) أخرجه الترمذي وابن ماجه[7] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=7774#_ftn7).
فلتَلهَج ألسنتُكم بالمساء والصباحِ والغدوِّ والرَّواح بالتهليل والتوحيدِ والتقديس والتمجيدِ والتسبيح والتحميدِ، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif: ((لأن أقولَ: سبحان الله والحمد لله ولا إلهَ إلا الله والله أكبر أحبُّ إليَّ ممّا طلعت عليه الشمس)) أخرجه مسلم[8] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=7774#_ftn8)، ((ومَن كان آخرَ كلامه لا إلهَ إلا الله وجبت له الجنة)) أخرجه أحمد وأبو داود[9] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=7774#_ftn9)، http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifإِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [فاطر:10]، http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنْ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الحج:24].
أيّها المسلمون، وأمّا الكلِمَة الخبيثة فكلِمَة الكفر، وهي تفوُّهٌ بما يناقِض التصديق وتلفُّظ بما ينافي التّسليمَ وطَعنٌ وسُخريّة واستهزاء وتنقُّص للدِّين وازدِراء، ومَن استهزَأ باللهِ أو آياتِه أو أمره أو وعدِه أو وعيدِه أو استهزأَ برسولِه محمّد http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif أو بشيءٍ مِن أحكام دينِه فقد خرَج عن إيمانه وكفَر بعد إسلامه، http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifقُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [التوبة:65، 66]، http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [التوبة:74]. ومَن رأى تحكيمَ شرعِ الله وسنّةَ رسوله محمّد http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif انغِلاقًا فكرِيًّا وتحجُّرًا حضارِيًّا وجمودًا عَقلِيًا واحتِكارًا ثِيُقراطيًّا ومَسلكًا كَهَنوتيًّا ورِدّةً حَضاريّةً فقد قال كلِمَة الكفر المحبِطة وأتى المقحِمَة والموبِقة.
وكلِمَة أهلِ النّفاق باديةٌ في لحنِ قولهم وفلتَات ألسِنَتهم مهما تقنَّعوا بالنُّصح والإصلاح وتظاهَروا بالصِّدق والإحسان، والله مخرِج ما يكتُمون ومظهِر ما يضمِرون، http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifأَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [محمد:29، 30]. كلامُهم كلامٌ غَثٌّ، وفِكرُهم فكرٌ رثٌّ، هَذيان ممجوجٌ، ومنطِق محجوج، يدلّ على فسادٍ باطِن ومَكرٍ كامِن، http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifالْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمْ الْفَاسِقُونَhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [التوبة:67].
أيّها المسلمون، والقولُ الشّطَط والكلِمة الغَلَط التي لا يقولها إلاّ هالك حائِر وجاهِل بائر وضالٌّ خاسِر كلِمة الشركِ والتنديد التي هي أعظمُ الكذِب والزور وأشدُّ البُهتان والفُجور. ومَن زعَم جوازَ الاستعانةِ بأرواح الأمواتِ وطلَب المدَد من أصحابِ الأضرِحَة والمزاراتِ أو زعَم أنَّ الأمواتَ يتصرَّفون في الكونِ والأمور أو يعلَمون الغيبَ المستور أو زعم أنهم يخرُجون بأبدانهم وأرواحِهم من القبور لإغاثةِ مَلهوفٍ وإنقاذِ غريقٍ ومَضرور فهو السّفيهُ الذي قال على الله شَططًا، وافترَى على الله كذِبًا، وبَثَّ شرَّ الأقاويل، ونشَر في الأمة أخبثَ العقائدِ والأضاليل، وصدَّ الناسَ عن سواء السبيل، داعيةُ خُرافة، ما قدَرَ الله حقَّ قدرِه ولا خافه، حتى أبان ضلالَه وانحرافَه، http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifفَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الأنعام:144].
أيّها المسلمون، إنَّ دعاءَ الأموات والهُتافَ بهم عند الشدائدِ والملِمّات والصراخَ بأسمائهم عند البلِيَّات لقضاءِ الحاجات وتفريجِ الكُرُبات شِركٌ صراح وكفرٌ بواح، جاءت دعوةُ المصطفى محمّدٍ http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif ـ وهو الماحِي الذي يمحو الله به الكفرَ ـ بهَدمِه ومحوِه ووقايةِ الأمّةِ من خبثِه وشرِّه، فعن أبي تميمة عن رجلٍ من قومه قال: شهدتُ رسولَ الله http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif وأتاه رجلٌ فقال: أنتَ رسول الله؟ فقال: ((نعم))، قال: فإلام تدعو؟ قال: ((أدعو إلى الله وحده، من إذا كانَ بِك ضرٌّ فدَعوتَه كشَفَه عنك، ومَن إذا أصابَك عامُ سنةٍ فدعوتَه أنبتَ لك، ومَن إذا كنتَ في أرضٍ قفرٍ فأضللتَ فدعوتَه ردَّ عليك))، فأسلم الرجل. أخرجه أحمد وأبو داود[10] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=7774#_ftn10).
أيّها المسلمون، وأما كلِمةُ الفسوق فهي ميلٌ إلى المعصيةِ وخُروج عن الاستقامة واستِرسال في الحوبِ وإفاضةٌ في الخنا وإشاعةٌ لكلام الفحشِ ولَهو الحديث وإذاعةٌ لصوتِ المنكَر الذي يبعَث على الهوَى والعَبَث والمجون، وعبادُ الرحمن لا يتدنّسون باللّغو الفاجر، ولا يجاهِرون بالمعاصي والمناكِر؛ لأنَّ المعاصي إذا ظهَرَت وانتشَرَت بلا تَغييرٍ ولا إنكارٍ حلَّ العذابُ والخَسار وحاقَ العِقاب والدَّمار، http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًاhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الإسراء:16]، وعن زينَبَ بنتِ جحش رضي الله عنها قالت: خرَج رسول الله http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif يومًا فزِعًا محمَرًّا وجهُه يقول: ((لا إله إلا الله، ويلٌ للعرب من شرِّ قد اقترب، فُتِح اليومَ مِن ردمِ يأجوجَ ومأجوج مثلُ هذه)) وحلَّقَ بإصبعِه الإبهام والتي تليها، فقلتُ: يا رسولَ الله، أنهلك وفينا الصالحون؟! قال: ((نعم إذا كثر الخبَث)) متفق عليه[11] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=7774#_ftn11)، ويقول رسولُ الهدى http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif: ((ما مِن قومٍ يُعمَل فيهم بالمعاصي ثمّ يقدِرون على أن يغيِّروا ثم لا يغيِّروا إلاّ يوشك أن يعمَّهم الله بعقاب)) أخرجه أبو داود[12] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=7774#_ftn12)، ويقول عليه أفضلُ الصلاة والسلام: ((إنَّ الله لا يعذِّب العامّةَ بعمل الخاصة حتى يرَوا المنكرَ بين ظهرانيهِم وهم قادِرون على أن ينكِروه فلا ينكروه، فإذا فعَلوا ذلك عذَّب الله الخاصّةَ والعامّة)) أخرجه أحمد[13] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=7774#_ftn13).
فاستدفِعوا العقوباتِ والنّقمات بإنكارِ المنكراتِ والتخلُّص من المحرَّمات والحذَرِ مِنَ المجاهرة بالمعاصِي والمحظورات، واستديموا النّعَم بتركِ أسباب زوالها ودواعي اضمِحلالها واندثارِها.
أيّها المسلمون، وكلِمَة الإرجافِ والتحريش إظهارٌ للشّناعةِ على رؤوسِ الأشهاد وإشاعةٌ لأراجيفِ الأخبار والتماسٌ للفرقة وتفوُّه بما يفضِي لانقصام العَصا وانفصَام العُرى وإثارَةِ الدهماء والغوغاء وتحريك القلوبِ بالسوءِ والفتنة ضدَّ جماعةِ المسلمين وأئمّتهم وعلمائِهم وبلادِهم ومناهجِهم، قال سهل بن عبد الله التستريّ رحمه الله تعالى: "لا يزال الناس بخيرٍ ما عظَّموا السلطانَ والعلماء، فإن عظَّموا هذَين أصلح الله دنياهم وأخراهم، وإن استخفّوا بهذين أفسَدوا دنياهم وأخرَاهم"، وعن عياض بن غَنم رضي الله عنه قال: قال رسول الله http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif: ((مَن أراد أن ينصَحَ لسُلطان بأمرٍ فلا يبدِ له علانية، ولكن ليَأخذ بيدِه فيخلو به، فإن قبِل منه فذاك، وإلا كان قد أدَّى الذي عليه له)) أخرجه أحمد وابن أبي عاصم وله شواهد[14] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=7774#_ftn14).
ونصيحةُ الأئمّة واجبة على اليقين، والإنكار عليهم فيما يخالِف الشرعَ حَتمٌ مِنَ الدين، ولكن بالحكمة والموعِظَة الحسنة واللِّين، ويُدعَى لهم بالصلاح والمعافاةِ، ويُصبر على جَورِهم وظلمِهم، ولا يجوز الخروجُ عليهم أو قتالهم أو منابذَتهم، ومَن فعل ذلك فهو مبتدِعٌ على غير السنّةِ وطريقِ السلف، فعن عوف بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif: ((خيارُ أئمّتكم الذين تحبّونهم ويحبّونكم ويصلّون عليكم وتصلّون عليهم، وشِرار أئمّتهم الذين تبغِضونهم ويبغِضونكم وتلعَنونهم ويلعنونكم))، قيل: يا رسولَ الله، أفلا ننابذهم بالسيف؟! فقال: ((لا ما أقاموا فيكم الصلاةَ، وإذا رأيتُم من ولاتِكم شيئًا تكرهونه فاكرَهوا عمَلَه ولا تنزِعوا يدًا من طاعة)) أخرجه مسلم[15] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=7774#_ftn15).
جعلَني الله وإياكم من الهداة المهتدين المتبعين لسنّة سيّد المرسلين محمَّد http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.
http://www.alminbar.net/images/spacer.gifhttp://www.alminbar.net/images/spacer.gif
1- أهمية الكلمة وخطورتها. 2- الكلمة الطيبة. 3- كلمة الكفر. 4- كلمة النفاق. 5- كلمة الشرك. 6- كلمة الفسوق. 7- كلمة الإرجاف والتحريش. 8- كلمة الغيبة والنميمة والطعن واللعن.
الخطبة الأولى
أمّا بعد: فيا أيّها المسلمون، اتقوا الله فإنّ تقواه أفضلُ زاد وأحسَنُ عاقبة في معاد، http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifإِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [هود:49].
أيّها المسلمون، الكلمةُ عنوان المرءِ، تُتَرجِم عن مُستَودعاتِ صَدره، وتبرهِن على مكنوناتِ قَلبِه، وتدَلِّل على أصله وعقلِه، وفَمُ العاقِل ملجَم، إذا همَّ بالكلام أحجَم، وفَم الجاهِلِ، مطلَق كلّما شاء أطلَق،والعاقِلُ من لزِم الصمت إلا عن حقٍّ يوضِحه أو باطلٍ يَدحضه أو خيرٍ ينشُرُه أو علمٍ يذكره أو فضلٍ يشكره، فعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif: ((مَن كان يؤمِن بالله واليوم الآخرِ فليقل خيرًا أو ليصمُت)) متفق عليه[1] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=7774#_ftn1). وبِتركِ الفضول تكمُل العقول، والخَرصُ خيرٌ من التفوُّه بالباطل، والبكمُ خيرٌ منَ النّطقِ بالكذِب والزّور، وشرّ الناس مائِلٌ بمقاله مميلٌ بلسانِه مُبطِل بكلامِه، وشرّ الكلام ما خالَفَ كتابَ الله وسنّةَ رسوله http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif ممّا تنبو عن قبولِه الطِّباع وتتجافى عن استِماعه الأسماع.
أيّها المسلمون، عثراتُ القولِ طريقُ الندَم، والمنطِق الفاسِد الذي لا نِظام له ولا خِطام عنوانُ الحرمان ودليل الخذلان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif: ((إنَّ العبدَ ليتكلَّم بالكلمةِ ما يتبيَّن فيها يزِلّ بها في النارِ أبعدَ ما بين المشرق والمغرب)) متفق عليه[2] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=7774#_ftn2)، وعند الترمذيّ: ((إنَّ الرجل ليتكلَّم بالكلمةِ لا يرى بها بأسًا يهوِي بها سبعينَ خريفًا في النار))[3] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=7774#_ftn3)، وعن بلالِ بن الحارث رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif يقول: ((إنّ أحدَكم ليتكلَّم بالكلمة من رضوان الله، ما يظنّ أن تبلغَ ما بلغت، فيكتب الله له بها رضوانَه إلى يوم يلقاه، وإنّ أحدَكم ليتكلَّم بالكلمة من سخَط الله، ما يظنّ أن تبلغَ ما بلغت، فيكتب الله عليه بها سخطَه إلى يوم يلقاه)) أخرجه الترمذي وابن ماجه[4] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=7774#_ftn4)، وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، وإنّا لمؤاخَذون بما نتكلَّم به؟! فقال: ((ثكِلتكَ أمّك يا معاذ، وهل يكُبّ الناسَ في النار على وجوهِهم إلاّ حصائدُ ألسنتهم؟!)) أخرجه الترمذي[5] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=7774#_ftn5).
أيّها المسلمون، الكلمة الطيّبة مغنَم، والكلِمة الخبيثة مأثم، وقد ضرَب الله لهما مثلاً وشبَّه لهما شبهًا: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifأَلَمْ تَرَى كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [إبراهيم:24-26].
والكلمة الطيِّبة ـ أيّها المسلمون ـ هي شَهادة أن لا إلهَ إلا الله وأنَّ محمّدًا رسول الله، كلمةُ الإسلامِ وأصدَقُ الكلام، الحجَّة الواضِحَة العظمَى والعروةُ الوثقى وكلِمة التقوَى، الكلمة العادِلَة السّواء، عاصِمَة الأموالِ والدّماء. شروطها:
العلم واليقيـن والقبـولُ والانقياد فادرِ ما أقول
والصدق والإخلاص والمحبّه وفّقَك الله لمـا أحبَّـه
معناها: لا معبودَ حقٌّ إلاّ الله، فلا يجوز السّجودُ ولا الذّبح ولا النّذر ولا الدعاء إلا لله، ولا الحلِف إلاّ به، ولا التوكّل إلا عليه، ولا يُلجَأ في الشدائدِ إلا إليه، وتحرُم الاستعَانَة والاستعاذَة والاستغاثة بمخلوقٍ ميّت أو غائبٍ أو فيما لا يقدِر عليه إلا الله، ويجِب على كلِّ مكلَّف إخلاصُ العبادة كلِّها لله وحده، ومن عمِل عملاً يلتَمِس به الدّنيا أو اجتلابَ المِدحةِ أو الفَخرَ والرّياء كان عملُه عليه مردودًا، فعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif: ((قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاءِ عن الشرك، من عمل عملاً أشركَ فيه معِيَ غيري تركتُه وشركَه)) أخرج مسلم[6] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=7774#_ftn6)، ((وأفضل الذكر لا إله إلا الله)) أخرجه الترمذي وابن ماجه[7] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=7774#_ftn7).
فلتَلهَج ألسنتُكم بالمساء والصباحِ والغدوِّ والرَّواح بالتهليل والتوحيدِ والتقديس والتمجيدِ والتسبيح والتحميدِ، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif: ((لأن أقولَ: سبحان الله والحمد لله ولا إلهَ إلا الله والله أكبر أحبُّ إليَّ ممّا طلعت عليه الشمس)) أخرجه مسلم[8] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=7774#_ftn8)، ((ومَن كان آخرَ كلامه لا إلهَ إلا الله وجبت له الجنة)) أخرجه أحمد وأبو داود[9] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=7774#_ftn9)، http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifإِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [فاطر:10]، http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنْ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الحج:24].
أيّها المسلمون، وأمّا الكلِمَة الخبيثة فكلِمَة الكفر، وهي تفوُّهٌ بما يناقِض التصديق وتلفُّظ بما ينافي التّسليمَ وطَعنٌ وسُخريّة واستهزاء وتنقُّص للدِّين وازدِراء، ومَن استهزَأ باللهِ أو آياتِه أو أمره أو وعدِه أو وعيدِه أو استهزأَ برسولِه محمّد http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif أو بشيءٍ مِن أحكام دينِه فقد خرَج عن إيمانه وكفَر بعد إسلامه، http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifقُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [التوبة:65، 66]، http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [التوبة:74]. ومَن رأى تحكيمَ شرعِ الله وسنّةَ رسوله محمّد http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif انغِلاقًا فكرِيًّا وتحجُّرًا حضارِيًّا وجمودًا عَقلِيًا واحتِكارًا ثِيُقراطيًّا ومَسلكًا كَهَنوتيًّا ورِدّةً حَضاريّةً فقد قال كلِمَة الكفر المحبِطة وأتى المقحِمَة والموبِقة.
وكلِمَة أهلِ النّفاق باديةٌ في لحنِ قولهم وفلتَات ألسِنَتهم مهما تقنَّعوا بالنُّصح والإصلاح وتظاهَروا بالصِّدق والإحسان، والله مخرِج ما يكتُمون ومظهِر ما يضمِرون، http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifأَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [محمد:29، 30]. كلامُهم كلامٌ غَثٌّ، وفِكرُهم فكرٌ رثٌّ، هَذيان ممجوجٌ، ومنطِق محجوج، يدلّ على فسادٍ باطِن ومَكرٍ كامِن، http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifالْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمْ الْفَاسِقُونَhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [التوبة:67].
أيّها المسلمون، والقولُ الشّطَط والكلِمة الغَلَط التي لا يقولها إلاّ هالك حائِر وجاهِل بائر وضالٌّ خاسِر كلِمة الشركِ والتنديد التي هي أعظمُ الكذِب والزور وأشدُّ البُهتان والفُجور. ومَن زعَم جوازَ الاستعانةِ بأرواح الأمواتِ وطلَب المدَد من أصحابِ الأضرِحَة والمزاراتِ أو زعَم أنَّ الأمواتَ يتصرَّفون في الكونِ والأمور أو يعلَمون الغيبَ المستور أو زعم أنهم يخرُجون بأبدانهم وأرواحِهم من القبور لإغاثةِ مَلهوفٍ وإنقاذِ غريقٍ ومَضرور فهو السّفيهُ الذي قال على الله شَططًا، وافترَى على الله كذِبًا، وبَثَّ شرَّ الأقاويل، ونشَر في الأمة أخبثَ العقائدِ والأضاليل، وصدَّ الناسَ عن سواء السبيل، داعيةُ خُرافة، ما قدَرَ الله حقَّ قدرِه ولا خافه، حتى أبان ضلالَه وانحرافَه، http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifفَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الأنعام:144].
أيّها المسلمون، إنَّ دعاءَ الأموات والهُتافَ بهم عند الشدائدِ والملِمّات والصراخَ بأسمائهم عند البلِيَّات لقضاءِ الحاجات وتفريجِ الكُرُبات شِركٌ صراح وكفرٌ بواح، جاءت دعوةُ المصطفى محمّدٍ http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif ـ وهو الماحِي الذي يمحو الله به الكفرَ ـ بهَدمِه ومحوِه ووقايةِ الأمّةِ من خبثِه وشرِّه، فعن أبي تميمة عن رجلٍ من قومه قال: شهدتُ رسولَ الله http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif وأتاه رجلٌ فقال: أنتَ رسول الله؟ فقال: ((نعم))، قال: فإلام تدعو؟ قال: ((أدعو إلى الله وحده، من إذا كانَ بِك ضرٌّ فدَعوتَه كشَفَه عنك، ومَن إذا أصابَك عامُ سنةٍ فدعوتَه أنبتَ لك، ومَن إذا كنتَ في أرضٍ قفرٍ فأضللتَ فدعوتَه ردَّ عليك))، فأسلم الرجل. أخرجه أحمد وأبو داود[10] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=7774#_ftn10).
أيّها المسلمون، وأما كلِمةُ الفسوق فهي ميلٌ إلى المعصيةِ وخُروج عن الاستقامة واستِرسال في الحوبِ وإفاضةٌ في الخنا وإشاعةٌ لكلام الفحشِ ولَهو الحديث وإذاعةٌ لصوتِ المنكَر الذي يبعَث على الهوَى والعَبَث والمجون، وعبادُ الرحمن لا يتدنّسون باللّغو الفاجر، ولا يجاهِرون بالمعاصي والمناكِر؛ لأنَّ المعاصي إذا ظهَرَت وانتشَرَت بلا تَغييرٍ ولا إنكارٍ حلَّ العذابُ والخَسار وحاقَ العِقاب والدَّمار، http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًاhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الإسراء:16]، وعن زينَبَ بنتِ جحش رضي الله عنها قالت: خرَج رسول الله http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif يومًا فزِعًا محمَرًّا وجهُه يقول: ((لا إله إلا الله، ويلٌ للعرب من شرِّ قد اقترب، فُتِح اليومَ مِن ردمِ يأجوجَ ومأجوج مثلُ هذه)) وحلَّقَ بإصبعِه الإبهام والتي تليها، فقلتُ: يا رسولَ الله، أنهلك وفينا الصالحون؟! قال: ((نعم إذا كثر الخبَث)) متفق عليه[11] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=7774#_ftn11)، ويقول رسولُ الهدى http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif: ((ما مِن قومٍ يُعمَل فيهم بالمعاصي ثمّ يقدِرون على أن يغيِّروا ثم لا يغيِّروا إلاّ يوشك أن يعمَّهم الله بعقاب)) أخرجه أبو داود[12] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=7774#_ftn12)، ويقول عليه أفضلُ الصلاة والسلام: ((إنَّ الله لا يعذِّب العامّةَ بعمل الخاصة حتى يرَوا المنكرَ بين ظهرانيهِم وهم قادِرون على أن ينكِروه فلا ينكروه، فإذا فعَلوا ذلك عذَّب الله الخاصّةَ والعامّة)) أخرجه أحمد[13] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=7774#_ftn13).
فاستدفِعوا العقوباتِ والنّقمات بإنكارِ المنكراتِ والتخلُّص من المحرَّمات والحذَرِ مِنَ المجاهرة بالمعاصِي والمحظورات، واستديموا النّعَم بتركِ أسباب زوالها ودواعي اضمِحلالها واندثارِها.
أيّها المسلمون، وكلِمَة الإرجافِ والتحريش إظهارٌ للشّناعةِ على رؤوسِ الأشهاد وإشاعةٌ لأراجيفِ الأخبار والتماسٌ للفرقة وتفوُّه بما يفضِي لانقصام العَصا وانفصَام العُرى وإثارَةِ الدهماء والغوغاء وتحريك القلوبِ بالسوءِ والفتنة ضدَّ جماعةِ المسلمين وأئمّتهم وعلمائِهم وبلادِهم ومناهجِهم، قال سهل بن عبد الله التستريّ رحمه الله تعالى: "لا يزال الناس بخيرٍ ما عظَّموا السلطانَ والعلماء، فإن عظَّموا هذَين أصلح الله دنياهم وأخراهم، وإن استخفّوا بهذين أفسَدوا دنياهم وأخرَاهم"، وعن عياض بن غَنم رضي الله عنه قال: قال رسول الله http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif: ((مَن أراد أن ينصَحَ لسُلطان بأمرٍ فلا يبدِ له علانية، ولكن ليَأخذ بيدِه فيخلو به، فإن قبِل منه فذاك، وإلا كان قد أدَّى الذي عليه له)) أخرجه أحمد وابن أبي عاصم وله شواهد[14] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=7774#_ftn14).
ونصيحةُ الأئمّة واجبة على اليقين، والإنكار عليهم فيما يخالِف الشرعَ حَتمٌ مِنَ الدين، ولكن بالحكمة والموعِظَة الحسنة واللِّين، ويُدعَى لهم بالصلاح والمعافاةِ، ويُصبر على جَورِهم وظلمِهم، ولا يجوز الخروجُ عليهم أو قتالهم أو منابذَتهم، ومَن فعل ذلك فهو مبتدِعٌ على غير السنّةِ وطريقِ السلف، فعن عوف بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif: ((خيارُ أئمّتكم الذين تحبّونهم ويحبّونكم ويصلّون عليكم وتصلّون عليهم، وشِرار أئمّتهم الذين تبغِضونهم ويبغِضونكم وتلعَنونهم ويلعنونكم))، قيل: يا رسولَ الله، أفلا ننابذهم بالسيف؟! فقال: ((لا ما أقاموا فيكم الصلاةَ، وإذا رأيتُم من ولاتِكم شيئًا تكرهونه فاكرَهوا عمَلَه ولا تنزِعوا يدًا من طاعة)) أخرجه مسلم[15] (http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=7774#_ftn15).
جعلَني الله وإياكم من الهداة المهتدين المتبعين لسنّة سيّد المرسلين محمَّد http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.
http://www.alminbar.net/images/spacer.gifhttp://www.alminbar.net/images/spacer.gif